logo

logo

logo

logo

logo

طرق الطعن في الأحكام الجزائية

طرق طعن في احكام جزاييه

methods of appeal in the penal judgments - voies de recours contre les jugements pénaux

 طرق الطعن في الأحكام الجزائية

طرق الطعن في الأحكام الجزائية

عبد الجبار الحنيص

 

الاعتراض

الاستئناف

الطعن بالنقض

إعادة المحاكمة

 

طرق الطعن Les voies de recours في الأحكام الجزائية هي: الاعتراض والاستئناف والنقض وإعادة المحاكمة. وقد أورد المشرع الأحكام الخاصة بالطعن

 بطريق النقض وإعادة المحاكمة في البابين الحادي عشر والثاني عشر من قانون أصول المحاكمات الجزائية. أما الأحكام المتعلقة بالاعتراض والاستئناف؛ فهي موزعة على مواضيع عدة في الكتاب الثاني من هذا القانون، بمناسبة الحديث عن اختصاص محاكم البداية والصلح وأصول المحاكمة أمامها. وتهدف هذه الطرق إلى إصلاح الحكم الذي صدر أو إلغائه، فهي تُعدّ ضمانة جوهرية أوجدها المشرع للمتقاضين، وهي تخدم أيضاً مصلحة المجتمع المتمثلة في صدور أحكام عادلة. وسوف يتم تفصيل أحكام طرق الطعن في الأحكام الجزائية كما يلي:

أولاًـ الاعتراض L’opposition:

الاعتراض هو طريق طعن عادي وضعه المشرع لتمكين المحكوم عليه بحكم غيابي من التظلم منه أمام المحكمة ذاتها التي أصدرته، وذلك بقصد إلغائه. وقد نصت على مبدأ الطعن بالاعتراض المادة (205) من قانون أصول المحاكمات الجزائية، فقالت: "للمحكوم عليه غيابياً أن يعترض على الحكم في ميعاد خمسة أيام تضاف إليها مهلة المسافة ابتداء من اليوم الذي يلي تاريخ تبلغه الحكم، وذلك باستدعاء يرفعه إلى المحكمة التي أصدرت الحكم إما مباشرة وإما بواسطة محكمة موطنة". والحكمة من الاعتراض أن الحكم الذي صدر في غياب المحكوم عليه لم يصدر بصورة وجاهية؛ وبالتالي يكون قد صدر دون أن تستمع المحكمة إلى دفاعه، ومن ثم فهو حكم ضعيف، ويحتمل أن يكون غير صحيح؛ إذ إنه لم يستند إلى علم كافٍ بعناصر الدعوى. وليس في هذا عدل، لذلك وضع المشرع تحت تصرفه طريق الاعتراض لإسقاط هذا الحكم، وإعادة محاكمته من جديد أمام المحكمة ذاتها التي أصدرته، فتستمع هذه المحكمة إلى أقواله ودفاعه؛ مما يمكنها من الحصول على المعلومات التي كانت تنقصها لبناء حكم سليم، وبعد ذلك يكون لهاـ وهي على بينة كاملة بعناصر الدعوىـ أن تؤيد حكمها أو تعدله.

شروط الاعتراض، وآثاره:

1ـ نطاق الاعتراض: إن تحديد نطاق الاعتراض يتطلب بيان الأحكام التي يجوز الاعتراض عليها، والخصوم الذين خولهم المشرع الطعن بالاعتراض.

أ ـ الأحكام التي يجوز الاعتراض عليها: ينصب الاعتراض على الأحكام الغيابية الصادرة من محكمة الصلح، ومحكمة البداية ومحكمة استئناف الجنح، أي الأحكام الصادرة في الجنح والمخالفات، ولا يدخل فيها الحكم الغيابي في الجنايات؛ لأن له وضعاً خاصاً به. ولكن إذا حكمت محكمة الجنايات في جنحة غيابياً، جاز الاعتراض على هذا الحكم، وطبقت عليه قواعد الحكم الغيابي (نقض سوري، رقم 670، تاريخ 4/12/1961، مجلة القانون لعام 1961، ص 400). فالأحكام الغيابية تصدر على أثر محاكمة غيابية، وطبقاً لنص المادة (188/1) من قانون أصول المحاكمات الجزائية التي تنص على أنه: "إذا لم يحضر المدعى عليه إلى المحكمة في اليوم والساعة المعيّنين في مذكرة الدعوة المبلغة له حسب الأصول يحاكم بالصورة الغيابية". وعليه فإن الحكم الغيابي هو الذي يصدر دون أن يبلغ المدعى عليه بشخصه مذكرة الدعوة للحضور، ثم يتغيب عن حضور جميع جلسات المحاكمة، ولا يرسل وكيلاً في الأحوال التي يجوز فيها ذلك. إذ جاء في نص المادة (187) من قانون أصول المحاكمات الجزائية ما يلي: «سوغ للمدعى عليه في دعاوى الجنحة غير المعاقب عليها بالحبس أن يحضر بواسطة وكيل، ما لم تقرر المحكمة حضوره بالذات». يجوز ذلك في دعاوى المخالفات (المادة 216 من قانون أصول المحاكمات الجزائية).

أما إذا تبلغ المدعى عليه مذكرة الدعوة شخصياً بحسب الأصول ولم يحضر ولم يبدِ عذراً مشروعاً، عُدّت المحاكمة وجاهية بحقه؛ وذلك وفقاً لأحكام الفقرة الثانية من المادة (188) من قانون أصول المحاكمات الجزائية (أضيفت هذه الفقرة بالقانون رقم 84 لسنة 1958). وكذلك إذا حضر المدعى عليه المحاكمة، ثم انسحب منها لأي سبب كان، أو إذا غاب عن المحاكمة بعد حضوره إحدى جلساتها تعدّ المحاكمة وجاهية بحقه، ولا يجوز له الاعتراض عليها (المادة 210 من قانون أصول المحاكمات الجزائية). ففي هاتين الحالتين أراد المشرع أن يضيق من نطاق الاعتراض حتى لا يصبح الغياب وسيلة لإطالة أمد الدعوى إطالة تضر بسير العدالة.  

ومما تجدر الإشارة إليه أن العبرة في تقدير صيغة الحضور أو الغياب ليس للحكم الصادر، وإنما لواقع الأمر ولنص القانون. إذ لو تضمن الحكم القول: إنه صدر وجاهياً أو بمثابة الوجاهي؛ فإن هذا القول لاغٍ ما دام واقع الأمر أنه صدر غيابياً لعدم حضور المحكوم عليه. وعلى هذا، فلو جاء في القرار "أنه قابل للطعن أو غير قابل له، أو أنه وجاهي أو غيابي"، وكان ذلك خطأ من المحكمة؛ فإنه لا يحق للخصم أن يتذرع بهذا الخطأ، وعليه أن يرضخ إلى حقيقة الأمر ليمارس حقه في الطعن (نقض سوري، أحداث، قرار 45، تاريخ 10/3/1982؛ نقض سوري، قرار 514، تاريخ 27/10/1982؛ قرار 2076، تاريخ 8/11/1982).

ب ـ الخصوم الذين يحق لهم الاعتراض: إن المشرع لم يعطِ هذا الحق إلا للمحكوم عليه (المواد 205 و222 و261 من قانون أصول المحاكمات الجزائية)، ولم يعطه للنيابة العامة لأن الأصل أن تحضر جلسات المحكمة. وإذا كان المشرع يقبل غياب النيابة العامة في محاكم الصلح أو محاكم البداية؛ فأنه أوجب أن تحال إليها جميع الأحكام لتتمكن من الطعن فيها استئنافاً أو نقضاً، ولكن لا يحق لها الاعتراض عليها (نقض سوري، جنحة. واستثناء من هذا الأصل، أجاز المشرع للنيابة العامة الاعتراض على القرارات الصادرة عن محكمة الصلح وفقاً للأصول الموجزة بخصوص مخالفة الأنظمة البلدية والصحية وأنظمة السير (المواد 225ـ230 من قانون أصول المحاكمات الجزائية).

وعلى الرغم من عدم النص صراحة في القانون على حق المدعي الشخصي الغائب بالاعتراض؛ فإن الهيئة العامة لمحكمة النقض السورية قررت أن: "للمدعي الشخصي أن يعترض على الآحكام الغيابية الصادرة برد دعواه أو ضد طلبه أسوة بالمدعى عليه"(نقض سوري، هيئة عامة، قرار 6، تاريخ 15/3/197). ويعدّهذا الحكم عدولاًعن اجتهادات سابقة تحرمه من هذا الحق (نقض سوري، جناية، قرار 3786، تاريخ 20/12/1971؛ قرار 2390، تاريخ 28/8/1976). وكذلك فإن مبدأ مساواة الخصوم في حقوقهم أمام القضاء يقتضي إعطاء المسؤول بالمال الذي غاب عن المحاكمة للأسباب نفسها الحق بالاعتراض.

2 ـ شروط الاعتراض: كما سبق بيانه أن الاعتراض وسيلة تظلم، أوجدها المشرع لمصلحة المحكوم عليه غيابياً، حتى يتمكن من الدفاع عن نفسه أمام المحكمة ذاتها التي أصدرت الحكم الغيابي حيث إن ولايتها لم تستنفد، إذ إنها أصدرت حكمها في الدعوى استناداً إلى أقوال طرف واحد، والعدالة تقتضي منها أن تعيد النظر فيه من جديد لتسمع أوجه دفاعه، الأمر الذي قد يدعوها إلى تغيير وجهة نظرها السابقة.

أ ـ ميعاد الاعتراض: حدد المشرع ميعاد الاعتراض بخمسة أيام سواء كان الحكم الغيابي صادراً في جنحة أو مخالفة، من محكمة الصلح أو البداية أو الاستئناف أو الجنايات (المواد 205، 216، 261 من قانون أصول المحاكمات الجزائية). تضاف إليها مهلة المسافة، وهي سبعة أيام لمن كان موطنه ضمن القطر، وخارج الاختصاص المكاني للمحكمة. وإذا كان المراد تبليغه مقيماً خارج القطر، فتضاف مهلة ستين يوماً. ولكن يجوز لرئيس المحكمة اختصار هذه المدة إلى مدة معقولة، بالنظر إلى سهولة المواصلات، وظروف الاستعجال (المادة 36 من قانون أصول المحاكمات). ويبدأ ميعاد التبليغ من اليوم التالي لتبليغ المحكوم عليه غيابياً بالذات، أما يوم التبليغ فلا يدخل في الحساب، ولكن اليوم الأخير يدخل في مدة الاعتراض. وإذا صادف اليوم الأخير يوم عطلة فإن ميعاد الاعتراض يمتد إلى أول يوم عمل بعد العطلة.

أما إذا لم يبلغ المحكوم عليه الحكم الغيابي بالذات، ولكنه ثبت علمه به بالطرق الأخرى للتبليغ؛ فإن ميعاد الاعتراض يبدأ بالسريان من اليوم التالي لعلمه بصدور الحكم (نقض سوري، رقم 2007، تاريخ 19/10/1953). ويجب الاستدلال على هذا العلم من خلال دليل خطي تتضمنه معاملات إنفاذ الحكم الغيابي، إذ لا يكفي تصريح المحكوم عليه لأحد الناس بعلمه بصدور الحكم حتى يبدأ ميعاد الاعتراض، وإنما على النيابة العامة إثبات علم المحكوم عليه بذلك. وبناء على هذا فقد حكمت محكمة النقض بأنه: "إذا بُلّغ الحكم الغيابي إلى ابن عم المحكوم عليه، ولم يوجد في الإضبارة ما يشعر بعلم المحكوم عليه بالحكم؛ فإن ميعاد الاعتراض لا يبدأ بحقه" (نقض سوري، رقم 395، تاريخ 28/2/1953، مجلة القانون، س4، ص 409). وإذا صرح بتبليغه الحكم الغيابي بتاريخ معيّن، وثبت ذلك بدليل خطي؛ فإن ميعاد الاعتراض يبدأ من اليوم التالي للتاريخ المذكور، ولو لم يبلغ بالذات، أو إلى أحد أفراد عائلته (نقض سوري، هيئة عامة، رقم 2629، تاريخ 27/12/1953).

أما إذا لم يبلغ المحكوم عليه بالذات الحكم الغيابي، أو لم يستدل من معاملات إنفاذه أنه علم بصدوره؛ فإن ميعاد الاعتراض لا يبدأ، بل يبقى الاعتراض مقبولاً حتى تسقط العقوبة المحكوم بها بالتقادم (المادة 206/2 من قانون أصول المحاكمات الجزائية)، ولا يسوغ له في مطلق الأحوال بعد سقوطها أن يطلب إبطال محاكمته الغيابية ورؤية الدعوى بحقه مجدداً (441 من قانون أصول المحاكمات الجزائية).

وبالنسبة إلى المدعي الشخصي والمسؤول بالمال يبدأ ميعاد الاعتراض على الحكم الغيابي الصادر ضد مصلحتهما بدءاً من اليوم التالي لتبلغهما هذا الحكم بالطرق القانونية للتبليغ، وإن لم يتم ذلك إلى شخصيهما أو لم يستدل على علمهما من معاملات إنفاذ الحكم؛ يجيزْ أن يمتد الحق بالاعتراض حتى سقوط العقوبة بالتقادم.

ب ـ إجراءات الاعتراض: يتم الاعتراض على الأحكام الغيابية الصادرة في الجنح والمخالفات بصورة استدعاء يرفعه المعترض إلى المحكمة التي أصدرت الحكم مباشرة، أو بواسطة محكمة موطنه. ويجب على المعترض أن يضمن استدعاءه اسمه ومحل إقامته وخلاصة الحكم المعترض عليه، وما إذا كان اعتراضه ينصب على الحكم كله أو على جزء منه فحسب. وينبغي أن يسجل هذا الاستدعاء في سجل المحكمة، من أجل معرفة تاريخ تقديمه بصورة صحيحة. ولكن إذا قدمه المعترض إلى الموظف المختص، فذهل عن تسجيله؛ فلا يسوغ أن يتحمل المعترض نتيجة خطأ غيره (نقض سوري، جنحة، قرار 27، تاريخ 7/10/1950).

وقد أجاز المشرع أن يتم الاعتراض من المحكوم عليه على الحكم الغيابي الصادر عن محكمة الصلح دون حاجة إلى تقديم استدعاء مستقل، بل بتصريح في ذيل سند التبليغ يدونه، يصدق عليه الموظف المكلف بالتبليغ (المادتان 222 و229 من قانون أصول المحاكمات الجزائية).  

3 ـ آثار الاعتراض: الحكم الغيابي لا ينفذ قبل انقضاء ميعاد الاعتراض، وهو خمسة أيام مضافاً إليها مهلة المسافة. ولكن إذا مضت هذه المدة، فإنه ينفذ، ولا يحول دون تنفيذه المهلة الاستثنائية المنصوص عليها في (المادة 206 من قانون أصول المحاكمات الجزائية). غير أنه إذا تحققت شروط هذه المادة فإن للمحكوم عليه غيابياً أن يتقدم باعتراض ولو كان ميعاد الاعتراض العادي قد انتهى. ويرد الاعتراض إذا قدم بعد انقضاء ميعاده (المادة 206/1 من قانون أصول المحاكمات الجزائية). أما إذا قدم في ميعاده فيترتب عليه أثران:

أ ـ أثر مسقط للحكم: ينبغي التفرقة هنا بين حالتين: حالة تغيب المعترض عن المحاكمة الاعتراضية وحالة حضوره هذه المحاكمة. كما سبق أن الاعتراض طريقة تظلم عادية أوجدها المشرع لمصلحة المحكوم عليه؛ ليعترض بها على الحكم الغيابي وإبداء أوجه دفاعه، فإذا قدم اعتراضه خلال الميعاد القانوني وجب عليه متابعته وإيصال وجهة نظره إلى المحكمة. وعليه إذا لم يحضر الجلسة الأولى للمحاكمة الاعتراضية، أو حضرها وتغيب قبل أن تقرر المحكمة قبول اعتراضه من حيث الشكل؛ فعليها رد الاعتراض، مما يرتب تصديق الحكم الغيابي، وتضمين المعترض رسوم المحاكمتين الغيابية والاعتراضية، ولا يجوز للمحكمة في هذه الحالة أن تضع يدها على الدعوى أو تنظر في أساسها. هذا ولا يسوغ الاعتراض على القرار القاضي برد الاعتراض شكلاً، وإنما يسوغ استئنافه إذا كان صادراً بالدرجة الأولى، أو الطعن به بطريق النقض إذا كان صادراً بالدرجة الأخيرة؛ ويشمل استئناف قرار رد الاعتراض الحكم الغيابي الأول حكماً ولو لم يصرح المستأنف بذلك (المادة 209 من قانون أصول المحاكمات الجزائية. وانظر أيضاً نقض سوري، جنحة، قرار 1487، تاريخ 20/6/1981، وقرار رقم 1606، تاريخ 26/7/1981، وقرار رقم 1630، تاريخ 14/10/1979).

أما إذا قُدم الاعتراض مستجمعاً شرائطه، من حيث تقديمه في الميعاد المحدد قانوناً، وممن يملك حق الاعتراض، وحضور المعترض الجلسة الأولى للمحاكمة الاعتراضية؛ فتقرر المحكمة قبول الاعتراض من حيث الشكل. ويترتب على هذا القرار سقوط الحكم الغيابي واعتباره كأنه لم يكن، وتعود الأمور إلى وضعها السابق على صدوره، فتنظر المحكمة في الدعوى من جديد، وتستمر في المحاكمة الاعتراضية؛ وإن تغيب المعترض عن الحضور، وتصدر حكمها، وتُعدّ المحاكمة بحقه بمثابة الوجاهية (المواد 208/1، 189 من قانون أصول المحاكمات الجزائية). ولكن إذا كانت المحكمة قد حكمت على المدعى عليه بالحبس سنة على الأقل كان لها أن تصدر بحقه مذكرة توقيف بقرار مفصل الأسباب. فإذا اعترض بقيت مذكرة التوقيف نافذة المفعول وإن خفضت المحكمة مدة العقوبة التي تضمنها الحكم الغيابي إلى أقل من سنة (المادة 201 من قانون أصول المحاكمات الجزائية)؛ وذلك ما لم تقرر بفقرة خاصة في الحكم إخلاء سبيله. كما أن وقف تنفيذ الحكم الغيابي لا يشمل أيضاً التنفيذ المعجل للتعويض إذا قضى به الحكم الغيابي (المادة 197 من قانون أصول المحاكمات الجزائية).

وقد يترتب على الاعتراض سقوط الحكم بأكمله أو جزء منه فقط، فيما إذا قصر المعترض اعتراضه على الجانب الجزائي أو المدني من الحكم الغيابي. إذ إن سقوط الحكم الغيابي لا يقع إلا بالنسبة إلى الشخص المعترض، ولا يتعداه إلى غيره. 

ب ـ أثر ناشر للدعوى: إن الاعتراض يعيد الحق إلى المحكمة التي أصدرت الحكم الغيابي في أن تضع يدها عليه مجدداً؛ أي نشر الدعوى برمتها من جديد أمام هذه المحكمة، فتجري محاكمة أصولية عادية، وتصبح ذات سلطة مطلقة في تقدير الوقائع والقانون كما لو كان الحكم الغيابي غير موجود، وتحكم بالعقوبة وبالإلزامات المدنية، أو بالبراءة أو بعدم المسؤولية. ولكن لا يسوغ لها تصديق الحكم الغيابي؛ لأنه أصبح بسقوطه معدوماً لا وجود له؛ ولأن الساقط لا يعود (نقض سوري، جناية في 11/3/1963، مجموعة القواعد القانونية رقم 325؛ جنحة، قرار 886، تاريخ 9/5/1982، والقرار 2378، تاريخ 11/12/1982، مجموعة القواعد القانونية رقم 4379 و4378). ولكن تستطيع أن تقرر العقوبة التي وردت فيه، بحكم جديد تصدره في الدعوى. هذا ولا يمنع القاضي الذي أصدر الحكم الغيابي أو شارك فيه من النظر في الدعوى الاعتراضية بحجة أنه نظرها قبلاً؛ لأن محاكمة الاعتراض ليست درجة ثانية. ولكن إذا أصدر الحكم الغيابي؛ فإنه لا يعود صالحاً لرؤية القضية في الاستئناف أو النقض. وقبل أن تقرر المحكمة قبول الاعتراض شكلاً، لا يسوغ لها الدخول في الدعوى والبدء بسماع الشهود (نقض سوري، أحداث، قرار 604، تاريخ 1/11/1981). ولكن محكمة النقض ذهبت في بعض أحكامها الضعيفة إلى القول أنه إذا باشرت المحكمة رؤية الدعوى الاعتراضية قبل قرارها بقبول الاعتراض "فهذا يعني أنها قبلت الاعتراض ضمناً" (نقض سوري، جنحة، قرار 950، تاريخ 11/12/1982).

ولكن هل يسوغ للمحكمة الناظرة في الاعتراض تطبيق قاعدة عدم جواز الإضرار بالطاعن من جراء طعنه في مجال الاعتراض؟

إن القانون السوري سكت عن الإجابة عن هذا السؤال. ولكن محكمة النقض سوت بين الطعن بالاعتراض وبين طرق الطعن الأخرى، وأقرت مبدأ "لا يضار المعترض من اعتراضه" بقولها: "لما كان الاعتراض على الحكم الغيابي طريقاً من طرق الطعن في الأحكام، وقد شرعه واضع القانون ضماناً لحق المحكوم عليه غيابياً حتى يتمكن من الدفاع عن نفسه؛ ولذلك فهو إجراء وضع في مصلحته، ولا يجوز أيضاً أن يضار به أسوة ببقية أنواع الطعن الأخرى، ولاسيما وأن المعترض قد أعرب عن احترامه للقضاء واعتراضه على الحكم وخضوعه للقانون، وجاء من تلقاء نفسه متظلماً مما لحق به من الإجحاف طالباً براءته مما نسب إليه أو تخفيف العقوبة عنه، ولو سكت بدون اعتراض ورضي حتى يكتسب الدرجة القطعية ويستفيد مما ورد فيه من خطأ أو تخفيف، أو اعترض ولم يحضر الجلسة الأولى فإن عقوبته ستبقى بدون زيادة، ولذلك فإن المنطق يرفض تشديد العقوبة بحقه حتى لا يكون أسوأ حالاً من غيره" (نقض سوري، قرار 255، تاريخ 24/4/1965). وجاء في أحكام أخرى لها أنه: "من المقرر فقهاً وقضاءً أن الاعتراض وإن أدى إلى إلغاء الحكم الغيابي وعدّه كأن لم يكن؛ فإن ما ورد في الحكم المعترض عليه يصبح حقاً مكتسباً للمعترض، ولا يمكن أن يؤدي إلى تشديد العقوبة بحقه" (نقض سوري، جناية 260، قرار 209، تاريخ 31/5/1965؛ جنحة 1253، قرار 1324، تاريخ 17/5/1980؛ جنحة 1050، قرار 158، تاريخ 18/6/1980).

وقد أكدت محكمة النقض موقفها هذا في عدة أحكام لها: فلم تجز تغيير وصف الجريمة لإضراره بالمعترض (نقض سوري، الغرفة الجنائية في 22/10/1967، مجموعة القواعد القانونية، رقم 323)، وفي مسائل الاختصاص (نقض سوري في31/3/1965، مجموعة القواعد القانونية، رقم 326)، وعدم التغاضي عن منح الأسباب المخففة إذا سبق منحها في الحكم الغيابي (نقض سوري، الغرفة الجنائية في 15/5/1966، مجموعة القواعد القانونية، 328)، أو اللجوء إلى تشديد العقوبة في حال التكرار بعد أن سهت عنه المحكمة في الحكم الغيابي (نقض سوري في 7/3/1955، مجموعة القواعد القانونية، رقم 329)، أو أن تجنح إلى الطريق الأشد في حال الاعتراض على الحكم الأخف (نقض سوري في 12/12/1959، مجموعة القواعد القانونية رقم330)، وكذلك بالنسبة إلى التعويض المدني (نقض سوري، الغرفة الجنائية في 29/6/1965، مجموعة القواعد القانونية، رقم 320). وهي مستمرة على ذلك رغم أنها تشدّد دوماً على أن قبول الاعتراض شكلاً من المعترض يجعل الحكم الغيابي في حكم المعدوم.

ومما تجدر الإشارة إليه أن موقف محكمة النقض السورية ينسجم مع المنطق والعدل وغاية المشرع من إقرار حق الاعتراض للمحكوم عليه غيابياً، ولكنه يتنافى مع صراحة نص المادة (208/1) من قانون أصول المحاكمات الجزائية، إذ جاء فيه أنه إذا قبل الاعتراض شكلاً عُدَّ الحكم الغيابي كأنه لم يكن.      

ثانياً ـ الاستئناف L’appel:

يُعرف الاستئناف بأنه طريق طعن عادي في الأحكام الصادرة عن محاكم الدرجة الأولى في الدعوى الجزائية والدعوى المدنية، ويهدف إلى طرح الدعوى على محكمة أعلى درجة لإعادة الفصل فيها. والاستئناف تطبيق لمبدأ التقاضي على درجتين الذي يُعدّ أحد المبادئ الأساسية التي يقوم عليها قانون أصول المحاكمات الجزائية الحديث. ويجمع بين الاستئناف والاعتراض أنهما طريقان عاديان للطعن في الأحكام، وبناء على ذلك ينشران الدعوى من حيث الوقائع والقانون مرّة ثانية أمام محكمة الطعن. ويجمع بينهما أيضاً انحصار مجاليهما في الأحكام الصادرة في الجنح والمخالفات. ولكن يوجد بينهما خلاف في الأمور الآتية: يعيد الاعتراض الدعوى إلى المحكمة التي أصدرت الحكم الغيابي ذاتها، في حين أن الاستئناف ينقل الدعوى إلى محكمة أعلى درجة من المحكمة التي أصدرت هذا الحكم؛ ومن شأن الاعتراض ـ إذا قُبل شكلاًـ إسقاط الحكم الغيابي وعدّه كأنه لم يكن، بعكس الاستئناف الذي يعطي الحق للمحكمة في إعادة النظر في الدعوى على أساس الحكم المطعون فيه، بحيث قد تقضي ـ في ختام المحاكمة الاستئنافية ـ بتأييده أو إلغائه كلياً أو جزئياً. ينحصر نطاق الاعتراض في الأحكام الغيابية فحسب، في حين أن الاستئناف يشمل جميع الأحكام سواء كانت حضورية أم بمثابة الوجاهية أم غيابية؛ بيد أن الاستئناف يقتصر على الأحكام الصادرة في الدرجة الأولى، أما الاعتراض فيشمل الأحكام الغيابية الصادرة في الجنح والمخالفات سواء صدرت بالدرجة الأولى أم الأخيرة؛ وحق الاستئناف جائز لجميع الخصوم في الدعوى بما فيهم النيابة العامة، في حين لا تملك هي الاعتراض.

وتكمن علة الاستئناف في احتمال أن يشوب الخطأ قضاء محكمة الدرجة الأولى، ومن ثم تتطلب مقتضيات العدالة أن يتاح السبيل إلى إعادة فحص الدعوى ومراجعة الحكم أملاً في تصحيح الخطأ وصدور حكم لا يشوبه عيب.

وقد أخذ المشرع السوري بنظام التقاضي على درجتين، فنص على الاستئناف بوصفه طريق طعن عادياً، لكنه وضع ببعض الضوابط والقيود بهدف منع استخدامه وسيلة للمماطلة وعدم تنفيذ الحكم المستأنف على ما سيأتي بيانه. وللإحاطة بأحكام الاستئناف سوف يتم تناول نطاقه، وإجراءاته، وآثاره، وأصول المحاكمة لدى محكمة الاستئناف.

1ـ نطاق الاستئناف: دراسة نطاق الاستئناف تتطلب بيان الأحكام التي يجوز استئنافها، وتحديد الخصوم الذين يحق لهم استئناف هذه الأحكام.

أ ـ الأحكام التي يجوز استئنافها: الاستئناف ينصب على الأحكام الصادرة في الجنح والمخالفات، ومع ذلك فهناك أحكام تصدر عن محاكم الجنح والمخالفات لا يجوز استئنافها. وقد حصرت (المادتان 212 و213 من قانون أصول المحاكمات الجزائية) الأحكام والقرارات القابلة للاستئناف والأحكام والقرارات التي لا يجوز استئنافها سواء أكانت هذه القرارات صادرة عن محاكم البداية أم محاكم الصلح ما دامت صادرة في قضايا جنحية أو مخالفات، وسواء أكانت صادرة بصورة وجاهية أم بمثابة الوجاهية أم غيابية.

(1)ـ الأحكام والقرارات القابلة للاستئناف: تتألف هذه الأحكام من أربع زمر، وهي:

> الأحكام الفاصلة في موضوع الدعوى Les jugements au fond: يُعد الحكم فاصلاً في أساس الدعوى (أي موضوعها) إذا حسم جملة النزاع المعروض على المحكمة بصورة نهائية. فيشترط في الحكم الفاصل في موضوع الدعوى شرطان: أولهما أن يكون نهائياً بأن يضع حداً للدعوى بحيث يؤدي إلى إخراجها من سلطة المحكمة، فلا يجوز لها أن تعيد النظر فيها ـ هي أو غيرها من المحاكم ـ إلا عن طريق الطعن. وثانيهما أن يكون حاسماً للنزاع في جملته بحيث يتقرر مصير المدعى عليه، سلباً أم إيجاباً، إن بالبراءة أو عدم المسؤولية، أو بالإدانة وفرض العقوبة والتعويض.

وقبل صدور المرسوم التشريعي رقم (214)، تاريخ 31/12/1970 كانت أحكام محاكم البداية والصلح في الجنح هي وحدها التي تصدر بالدرجة الأولى، ويجوز استئنافها تطبيقاً لأحكام المادتين (166 و169) من قانون أصول المحاكمات الجزائية. أما الأحكام الصادرة في المخالفات فقد كانت تصدر بالدرجة الأخيرة، ولا يجوز استئنافها عملاً بأحكام المادتين (165 و199)، إذا كانت المخالفة ملازمة لجنحة من اختصاص محكمة البداية؛ فإن هذه المحكمة تقضي فيهما بحكم واحد قابل للاستئناف طبقاً لنص المادة (199/2). بيد أن هذا المرسوم أجاز استئناف جميع الأحكام الصادرة عن هاتين المحكمتين في الأحوال الآتية: ـ إذا قضت بالحبس وبغرامة تزيد على مئة ليرة سورية، أو بإحدى هاتين العقوبتين ـ إذا قضت بغرامة تزيد عن مئة ليرة سورية، يجوز استئنافها في حالتين: الأولى للنيابة العامة إذا رأت أنها مخالفة للقانون أو أنها مشوبة بخطأ في تطبيقه أو تأويله؛ والثانية إذا كانت دعوى الحق الشخصي مقامة مع دعوى الحق العام أو تبعاً لها جاز لأطراف الدعويين  ـ كل فيما يخصه ـ استئناف تلك الأحكام.  

وهذه الأحكام قابلة للاستئناف سواء ذكرت المحكمة ذلك في حكمها أم لم تذكره.

> الأحكام الصادرة بعدم الاختصاص: يُعد الاختصاص في القضايا الجزائية من النظام العام، مما يتطلب من المحكمة ـ من تلقاء ذاتها أو بناء على طلب الخصوم ـ أن تنظر في موضوع اختصاصها، نوعياً وشخصياً ومكانياً. فإذا قررت محكمة الدرجة الأولى نتيجة لذلك أن الدعوى المرفوعة أمامها أو المحالة عليها ليست من اختصاصها، وتوقفت عن النظر في موضوعها فإنها تكون بذلك قد أغلقت باب العدالة أمامها على القضية. لذلك أجاز المشرع في المادة (212/2) من قانون أصول المحاكمات الجزائية استئناف حكمها هذا، وإن كان غير فاصل في الموضوع، حتى لا يتوقف سير العدالة؛ إذ إنه من الأحكام النهائية التي ترفع يد المحكمة عن نظر الدعوى.

> الأحكام الصادرة برد الدعوى: وهي الأحكام التي تقرر فيها محكمة الدرجة الأولى رد الدعوى، لسقوطها بالتقادم أو بوفاة المدعى عليه أو بالعفو العام أو لسبق الحكم فيها…إلخ، فإن هذه الأحكام قابلة للاستئناف. وعلة استئناف هذه الأحكام أن الدعوى العامة تتعطل؛ لأن الحكم الصادر بردها ينهيها برفع يد المحكمة عن النظر فيها. لذا فقد نصت المادة (212/2) من قانون أصول المحاكمات الجزائية على السماح باستئنافها فور صدورها حتى ترى المحكمة الأعلى وجه الحق في الحكم، فإن وجدت أن محكمة الدرجة الأولى مخطئة أبطلت الحكم، وأعادت الحياة إلى الدعوى.

> القرارات الصادرة برد الدفع بعدم الاختصاص: إذا أقيمت الدعوى العامة على شخص بتهمة معيّنة لدى محكمة البداية أو الصلح، وفي أثناء نظر الدعوى، دفع أحد الخصوم بعدم اختصاصها النوعي أو الشخصي أو المكاني، فنظرت في موضوع الدفع بالاختصاص، ولكنها ردته، أي إنها قررت اختصاصها، وتابعت النظر في الدعوى؛ فإن هذا القرار القاضي باختصاصها قابل للاستئناف بصورة مستقلة تطبيقاً لأحكام المادة (212/3) من قانون أصول المحاكمات الجزائية.

وعلة استئناف القرار القاضي برد الدفع بعدم الاختصاص أنه من الأفضل البت في هذه المسألة الجوهرية على وجه الاستعجال خشية أن يظهر ـ بعد أن تكون محكمة الدرجة الأولى قد قطعت شوطاً بعيداً في إجراءات الدعوى ـ أن هذا القرار برد الدفع بعدم الاختصاص كان في غير محله، وأن هذه المحكمة كانت غير مختصة قانوناً. غير أن محكمة النقض قررت في بعض أحكامها أن: "القرار الصادر برد الدفع لعدم الاختصاص لا يعتبر نهائياً في الدعوى لأنه لا يرفع يد المحكمة عنها، فلا يقبل الطعن فيه إلا مع القرار النهائي الذي يفصل في الموضوع"(نقض سوري في 21/5/1960)، ولكن هذا القرار مخالف لصراحة المادة (212/3) من قانون أصول المحاكمات الجزائية.

(2) ـ القرارات التي لا يجوز استئنافها: هذه القرارات تصدرها محكمة الدرجة الأولى في أثناء نظر الدعوى، ولا تقبل الاستئناف بصورة مستقلة عن الحكم الفاصل في موضوع الدعوى. أي إن المشرع جعل استئنافها مرتبطاً بصدور هذا الحكم. وعلة ذلك أن هذه القرارات غير فاصلة في أساس النزاع، ولم تخرج القضية من سلطة محكمة الدرجة الأولى، ويأتي منع استئنافها للقضاء على الاستئنافات التسويفية التي تعطل سير العدالة بإطالة أمد الدعوى. وعليه فقد نصت المادة (213) من قانون أصول المحاكمات الجزائية، المعدلة بالقانون رقم (84) تاريخ 22/6/1958، على أنه: "1ـ في ما خلا الأحكام والقرارات المذكورة في المادة السابقة لا يقبل استئناف القرارات الإعدادية، وقرارات القرينة وغيرها من القرارات التي تصدر أثناء السير في الدعوى، إلا بعد صدور الحكم في الأساس ومع هذا الحكم 2ـ ولا يعتبر إنفاذ القرارات المذكورة الطوعي رضوخاً لها".

يستفاد من النص السابق أن المشرع لم يحرم استئناف هذه القرارات، وإنما أوجب التريث فيه إلى حين صدور الحكم الفاصل في أساس النزاع ومع هذا الحكم. فالمشرع ساوى من حيث النتيجة بين هذه القرارات والقرارات القابلة للاستئناف فور صدورها، مع فارق واحد؛ أن هذه القرارات المنصوص عليها في (المادة 213) آنفة الذكر لا يقبل استئنافها فور صدورها، وإنما تستأنف مع الحكم النهائي الفاصل في أساس الدعوى. ولو خضع لها الخصم ونفذها؛ فلا يُعدّ ذلك رضوخاً منه لها، وإنما له أن يستأنفها مع الحكم النهائي. والقرارات المذكورة في النص السابق تتألف من ثلاث زمر، وهي:

> القرارات الصادرة برد الدفع بعدم سماع الدعوى: فإذا أقيمت الدعوى على شخص أمام محكمة الدرجة الأولى، فدفع بأن الدعوى عليه لا تسمع، إما لأنها سقطت بالتقادم أو بالعفو العام أو بغير ذلك من الأسباب السقوط كالصلح بين الزوجين في الزنى أو لسبق الحكم في أساس الدعوى، وإما لأنه متمتع بالحصانة الدبلوماسية أو النيابية…إلخ، ولكن المحكمة لم تقبل هذا الدفع وردته، وتابعت السير في الدعوى؛ فإنه لا يستطيع أن يستأنف هذا القرار، وعليه أن ينتظر حتى نهاية المحاكمة وصدور الحكم الفاصل في النزاع ليستأنف الاثنين معاً إذا أراد.

> القرارات الإعدادية Les jugements préparatoires: تتخذ المحكمة في أثناء نظر الدعوى قرارات إعدادية تتعلق باتخاذ إجراء في الدعوى أو باستكمال التحقيق النهائي. ومن هذه القرارات قرار محكمة الدرجة الأولى بتوحيد عدة دعاوى مقامة على المدعى عليه، والقرار القاضي برد طلب تعيين خبير أو تعيين خبراء ليبدوا رأيهم في مسألة فنية معيّنة، والقرار القاضي بجلب بعض الأوراق من محكمة أخرى أو باستدعاء الموظف الذي نظم الضبط، والقرار القاضي برد طلب المدعى عليه مهلة لإحضار شهوده…إلخ. ومن أمثلة القرارات القاضية بإجراء تحقيق، قرار المحكمة إجراء تحقيق في المكان الذي ارتكب فيه الجرم، أو قرار إجراء تحقيق في مسألة تبدو لها غامضة غير واضحة، كما لو دفع المدعى عليه بأن الدعوى سقطت بالتقادم، فقررت المحكمة إجراء تحقيق في ذلك.

والجدير بالإشارة إليه أنه من حق المحكمة التي اتخذت القرار الإعدادي أن ترجع عنه؛ إذا رأت أن المصلحة تتحقق من دونه، ولا يُعدّ هذا عيباً من عيوب الحكم.

> قرارات القرينة Jugements interlocutoires: إن قرارات القرينة مثل القرارات الإعدادية تصدر في أثناء نظر الدعوى، وتتضمن اتخاذ إجراء من إجراءاتها. ولكنها تختلف عنها من حيث الغرض الذي تهدف إليه المحكمة من اتخاذ الإجراء موضوع القرار. إذ إن قرار القرينة يقضي باتخاذ بعض الإجراءات التي تؤدي مباشرة إلى الحكم في الدعوى أو رفضها، لذلك فإنه يشعر بميل المحكمة نحو الحكم في هذا الاتجاه أو ذاك؛ بالبراءة أو الإدانة. وذلك بخلاف القرار الإعدادي الذي لا يُظهر اتجاه المحكمة مباشرة إلى الحكم في موضوع الدعوى. وهذه القرارات تُلزم القاضي بنتائجها، أي إنه لا يستطيع العدول عنها ولا الفصل في أساس النزاع قبل تنفيذها. ومن أمثلة قرارات القرينة القرار القاضي بجلب الشهود لإثبات ما يخالف الضبط المنظم من أحد رجال الضابطة العدلية، والقرار الذي يسمح للمدعى عليه بإثبات واقعة تعد عذراً قانونياً، أو ينتهي إثباتها إلى إسقاط الدعوى العامة (مثل إثبات الزوجية في الزنى، والملكية في دعوى التعدي على عقار الغير)، القرار القاضي بقبول إثبات الوديعة بالبينة في جرم إساءة الائتمان، والقرار القاضي برد الاعتراض على الشهادة أو على سماعها، والقرار بإجراء خبرة على البصمات بعد أن دفع المدعى عليه بأنها ليست بصماته…إلخ. 

وأخيراً لا بد من الإشارة إلى أنه لا يجوز استئناف الأحكام الصادرة عن محاكم الجنايات، أو محكمة أمن الدولة، أو محاكم الأحداث، أو القضاء العسكري.

ب ـ الخصوم الذين يحق لهم الاستئناف: أجاز المشرع لجميع الخصوم في الدعوى المنظورة أمام محكمة الدرجة الأولى استئناف الحكم الصادر فيها، حيث جاء في نص المادة (250/1) من قانون أصول المحاكمات الجزائية ما يلي: "الاستئناف من حق النائب العام والمدعي الشخصي والمدعى عليه والمسؤول بالمال".

(1) ـ استئناف النيابة العامة: يحق للنيابة العامة استئناف الأحكام الصادرة في الدعوى العامة دون الدعوى المدنية. ويجوز لها استئناف الحكم الجزائي كاملاً أو جزء منه، سواء تضمن إدانة المدعى عليه أو براءته. وهذا ما أكدته المادة  (652/1) من قانون أصول المحاكمات الجزائية بقولها: «استئناف النائب العام ينشر الدعوى بجميع جهاتها لدى محكمة الاستئناف ما لم يكن وارداً على جهة معينة فيقتصر مفعوله على هذه الجهة».

وكما سبق بيانه فيمكن للنيابة العامة استئناف الأحكام الصادرة بغرامة لا تزيد على مئة ليرة سورية إذا رأت أنها مخالفة للقانون أو أنها مشوبة بخطأ في تطبيقه أو تأويله (المادة 165/أ من قانون أصول المحاكمات الجزائية). ولا مصلحة لها في استئناف الشق من الحكم المتعلق بالدعوى المدنية؛ لأنها دعوى حق شخصي، ومصلحتها تتجلى في الدفاع عن المجتمع من خلال الدعوى العامة. وبخلاف بقية الخصوم يجوز لها استئناف الحكم الجزائي للمصلحة العامة، وإن جاء ذلك بنفع للمدعى عليه، إذ لها ذلك وإن صدر الحكم المراد استئنافه وفقاً لمطالبها؛ إذا تبين لها أنها لم تكن على حق.

(2) ـ استئناف المدعى عليه: يحق له استئناف الأحكام الصادرة في الدعوى العامة وفي الدعوى المدنية على حد سواء، أو الاقتصار على استئناف أحدهما، كأن يرضخ للشق المدني من الحكم القاضي بالتعويض للمدعي المدني، ويستأنف الشق الجزائي القاضي بالعقوبة، كما له استئناف ناحية معيّنة من الحكم الصادر بحقه محكمة الدرجة الأولى. فهو صاحب مصلحة في استئناف الأحكام الصادرة في الدعويين العامة والمدنية. ولا يقبل استئنافه ما لم يكن قد تضرر من الحكم المستأنف، كأن يتضمن فرض عقوبة عليه أو إلزامه بدفع تعويض للمدعي الشخصي. أما إذا قضى الحكم بعدم مسؤولية المدعى عليه أو ببراءته، أو لم يرتب عليه أي تعويض للمدعي الشخصي، فلا مصلحة له باستئناف هذا الحكم. وبجميع الأحوال لا يمكن أن يؤدي استئنافه للحكم إلى تشديد العقوبة (المادة 256/2 من قانون أصول المحاكمات الجزائية).   

(3) ـ استئناف المدعي الشخصي: يجوز له استئناف الأحكام الصادرة في دعواه المدنية إذا كانت في غير مصلحته، وليس له ذلك فيما يصدر في الدعوى العامة. وهو ما أكدته المادة (256/3) من قانون أصول المحاكمات الجزائية بقولها: «ولا يجوز للمدعي الشخصي أن يستأنف إلا الفقرة من الحكم المتعلقة بالتعويضات الشخصية». إذ تقتصر مصلحة المدعي الشخصي على استئناف الحكم في الدعوى المدنية، وإن كان له مصلحة في معاقبة المدعى عليه؛ إلا أنه لا يملك الصفة لاستئناف الحكم في الدعوى العامة لكونه ليس طرفاً فيها.

(4) ـ استئناف المسؤول بالمال: لا يحق له الاستئناف إلا إذا كان طرفاً في الدعوى المدنية أمام محكمة الدرجة الأولى، بأن تدخل من تلقاء نفسه، أو أدخل فيها رغماً عنه، وفي هذه الحالة يحق له استئناف ما يصدر من أحكام في الدعوى المدنية إذا كانت في غير مصلحته. وهو لا يعدّ طرفاً في الدعوى العامة وبالتالي لا يملك صفة استئناف الحكم في الدعوى العامة.

2ـ إجراءات الاستئناف: تقتضي دراسة إجراءات الاستئناف بيان ميعاده، والإجراء الذي يقدم به الاستئناف، والاستئناف التبعي.

أ ـ ميعاد الاستئناف: تستأنف الأحكام الصادرة عن محاكم الدرجة الأولى في ميعاد عشرة أيام تطبيقاً لنص المادة (251/1) من قانون أصول المحاكمات الجزائية، وهو ميعاد واحد يتساوى فيه جميع الخصوم بما فيهم النيابة العامة، وهو أمر جوهري يتعلق بالنظام العام؛ لأن الاستئناف إذا قُدِّم بعد فواته فإنه يُرد شكلاً، ويسقط الحق فيه. وينبغي على المحكمة أن تحكم بهذا السقوط من تلقاء نفسها ولو لم يدفع به أحد. ويمكن التمسك به لأول مرّة أمام محكمة النقض لكونه من النظام العام.

ولا يرد الاستئناف شكلاً إلا إذا قُدم بعد فوات هذا الميعاد بكامله. ويترتب على ذلك أنه لا يدخل في حسابه يوم إصدار الحكم أو يوم تبليغه. كما يقف سريان الميعاد في حال قيام مانع مادي ألجأ المحكوم عليه إلى عدم تقديم الاستئناف خلاله، ويعود إلى السريان بعد زوال هذا المانع. ويمكن أن يضاف إلى الميعاد المذكور مهلة المسافة المحددة في قانون أصول المحاكمات المدنية.

وتختلف بداية سريان ميعاد عشرة أيام للاستئناف بحسب ما يكون المستأنف هو النيابة أو غيرها من الخصوم.

(1) ـ بدء الميعاد بحق النيابة العامة: يختلف بدء ميعاد الاستئناف بحق النيابة العامة تبعاً للمحكمة مصدرة الحكم: فإذا كان صادراً عن محكمة الصلح فإن ميعاد الاستئناف يبدأ بحقها منذ اليوم التالي لوصول أوراق الدعوى إلى ديوانها (المادة 251/3 من قانون أصول المحاكمات الجزائية). والسبب في تأخير سريان الميعاد في هذه الحالة أن النيابة العامة غير ممثلة في جلسات محاكم الصلح؛ وبالتالي من غير الممكن القول بحصول التبليغ لديها قبل تاريخ وصول أوراق الدعوى إلى ديوانها للمشاهدة، فالأصل أن مهل الطعن لا تسري إلا بعد التبليغ (انظر كتاب وزارة العدل رقم 19808 تاريخ 21/11/1964). وقد أوجبت المادة (224) من قانون أصول المحاكمات الجزائية على قاضي الصلح أن يرسل إلى النيابة العامة أوراق الدعوى فور انقضاء ميعاد الاستئناف بحق المدعى عليه والمدعي الشخصي. وإذا لم يتبين تاريخ وصول أوراق الدعوى إلى ديوان النيابة العامة، كما لو ذهل الديوان عن تسجيلها؛ فهذا خطأ لا يجوز أن يتحمل المحكوم عليه تبعاته، لذلك يعدّ تاريخ إرسالها من محكمة الصلح مبدأ لميعاد الاستئناف، فإذا استغرقت مهلة الاستئناف سقط حق النيابة العامة باستئناف الحكم   (نقض سوري، جنحة، قرار 1601، تاريخ 28/5/1964). ومما لا شك فيه أن هذا الحل يكون في مصلحة المحكوم عليه غالباً.

أما إذا كان الحكم صادراً عن محكمة البداية؛ فيبدأ الميعاد بحق النيابة العامة منذ اليوم التالي لصدوره إذا كانت حاضرة في الجلسة، أو منذ اليوم التالي لوصول الأوراق إلى ديوانها للمشاهدة؛ لأن (المادة 59) من قانون السلطة القضائية الصادر بالمرسوم التشريعي رقم /98/ لعام 1961 لم تعد تُلزم النيابة العامة بحضور جلسات محاكم البداية (انظر بلاغ وزارة العدل المؤرخ في 16/4/1962؛ ونقض سوري، جنحة، قرار 1193، تاريخ 27/9/1954).

(2) ـ بدء الميعاد بحق  بقية الخصوم: يختلف بدء ميعاد الاستئناف بالنسبة إلى الخصوم في الدعوى من غير النيابة العامة بحسب ما إذا كان الحكم المراد استئنافه قد صدر وجاهياً أو غيابياً أو بمثابة الوجاهي. فإن كان الحكم وجاهياً ـ أي صدر في حضور المحكوم عليه ـ فإن ميعاد الاستئناف يبدأ من اليوم التالي لصدوره. وعلة ذلك أن المحكوم عليه عرف الحكم الصادر بحقه باعتباره كان موجوداً في قاعة المحكمة في أثناء جلسة تفهيم هذا الحكم، وبالتالي يتعذر عليه الاحتجاج بجهله بصدوره وبوجوب تبليغه إياه. أما إذا كان الحكم غيابياً فإن ميعاد الاستئناف يبدأ من اليوم التالي لتبليغه؛ لأن المحكوم عليه يجهل صدوره بسبب تغيبه عن حضور جميع جلسات المحاكمة. وإذا بُلّغ الحكم الغيابي إلى المحكوم عليه بالذات؛ فإن ميعاد الاعتراض ـ وهو خمسة أيام ـ وميعاد الاستئناف ـ وهو عشرة أيامـ يسريان في وقت واحد من اليوم التالي لتبليغ الحكم الغيابي. إذ يحق للمحكوم عليه أن يختار بين الاعتراض والاستئناف خلال الأيام الخمسة الأولى، فإذا انقضت دون أن يعترض؛ فلا يقبل منه إلا الاستئناف خلال الأيام الخمسة المتبقية. ولكن إذا قدم المحكوم عليه اعتراضاً على الحكم الغيابي، واستأنفه أيضاً، فلا يجوز لمحكمة الاستئناف في هذه الحالة أن تنظر الاستئناف إلا إذا رد الاعتراض شكلاً.

والجدير بالملاحظة أنه في حال استأنفت النيابة العامة أو أحد الخصوم ممن صدر بحقه الحكم بالصورة الوجاهية أو بمثابة الوجاهي، وذلك قبل انقضاء ميعاد الاعتراض بالنسبة إلى الخصم المحكوم عليه غيابيا؛ فينبغي ألا يؤدي استئناف هؤلاء إلى إهدار حق هذا الأخير في الاعتراض أمام  المحكمة ذاتها التي أصدرت الحكم الغيابي. إذ يتوجب على محكمة الاستئناف في هذه الحالة أن ترجئ نظر الاستئناف حتى انقضاء ميعاد الاعتراض.

وفي الحكم الصادر بمثابة الوجاهي يبدأ ميعاد الاستئناف من اليوم التالي لتبليغه بالطرق القانونية المعمول بها؛ لأن الخصم وإن حضر جزءاً من المحاكمة؛ فإنه تغيب عن حضور جلسة تفهيم الحكم الصادر بحقه. إذ إن المشرع افترض فيه أنه يجهل صدور الحكم، لذلك يجب إعلانه له بتبليغه صورة عنه، وتبدأ مهلة الأيام العشرة من اليوم التالي لتبلغه هذا الحكم.

ب ـ الإجراء الذي يقدم به الاستئناف: يقدم الاستئناف باستدعاء إلى محكمة الاستئناف المختصة بأحد طريقين (المادة 251/1 من قانون أصول المحاكمات الجزائية): أولهما، يقدم مباشرة إلى محكمة الاستئناف المختصة بالنظر في القضية المستأنفة، ولو كان المحكوم عليه غير مقيم في مركزها. وثانيهما، يقدم بواسطة المحكمة التي أصدرت الحكم المستأنف (محكمة الصلح أو البداية)، وهي بعدئذٍ ترسله مع أوراق الدعوى إلى ديوان محكمة الاستئناف عن طريق النيابة العامة، وفي مدة ثلاثة أيام من تاريخ تقديمه. وإذا كان المدعى عليه موقوفاً، يرسل استدعاء الاستئناف بأمر من النائب العام إلى مكان التوقيف العائد لمحكمة الاستئناف (المادة 253 من قانون أصول المحاكمات الجزائية). ولا يصح تقديم استدعاء الاستئناف إلى محكمة موطن المستأنف إذا لم تكن هي مصدرة الحكم أو مختصة في النظر باستئنافه؛ لأنه لا يوجد لديها ملف الدعوى ولا سجل القضايا المستأنفة (نقض سوري، هيئة عامة، قرار 11، تاريخ 31/10/1966، مجلة «المحامون»، س 1966، ص254). 

وينبغي على المستأنف أن يتقدم باستئنافه بطلب يتخذ شكل استدعاء مكتوب وموقع عليه منه أو من وكيله القانوني، أو ممثله الشرعي إذا كان قاصراً أو محجوراً عليه، ويحتوي على اسمه والحكم المستأنف. ولا يشترط أن يتضمن هذا الاستدعاء بياناً مفصلاً بأسباب الاستئناف حيث يكفي الإشارة فيه إلى أن الحكم المستأنف قد جاء مجحفاً بحقوق المستأنف ومضراً بمصلحته (نقض سوري، جنحة 892، قرار 706، تاريخ 30/3/1967). هذا ولا يشترط توقيع استدعاء الاستئناف من المستأنف، بل يكتفى بإقرار وكيله أمام القاضي ومصادقته عليه (نقض سوري، جنحة، قرار 2081، تاريخ 10/11/1982). ويشترط لقبول استدعاء الاستئناف أن يودع المستأنف صندوق الخزينة مبلغ التأمين الاستئنافي المحدد في قانون الرسوم والتأمينات القضائية رقم /105/ لعام 1953 وتعديلاته، وذلك ما لم يكن معفى بإفادته من المعونة القضائية.

ولم يحدد المشرع طريقة خاصة لاستئناف النيابة العامة؛ فيجوز لها أن تتقدم بكتاب ضمن المدة القانونية، أو تعلن في جلسة الحكم وبحضور المستأنف عليه أو وكيله أنها تستأنف الحكم، ويسجل استئنافها في محضر هذه الجلسة.

وأول ما ينبغي على محكمة الاستئناف فعله عند البدء بالنظر في الدعوى المستأنفة هو أن تقرر قبول الاستئناف؛ أو رفضه إذا وجدته غير مستوفٍ شروطه القانونية. وإذا قررت قبول الاستئناف شكلاً يعدّ قرارها هذا نهائياً في موضوعه، ولا تملك تعديله وإن ظهر فيه ما يبطله (نقض سوري، جنحة 3463، قرار 3163، تاريخ 27/11/1968).

3ـ آثار الاستئناف: للاستئناف أثران: أثر موقف وأثر ناقل. 

أ ـ الأثر الموقف L’effet suspensif: نصت المادة (215/1) من قانون أصول المحاكمات الجزائية على أنه: "لا ينفذ الحكم قبل انقضاء ميعاد الاستئناف ولا قبل البت في الاستئناف عند وقوعه". يستفاد من هذا النص أن الحكم الصادر عن محكمة الدرجة الأولى يعلق تنفيذه خلال المدة المحددة قانوناً للاستئناف، وإذا قُدّم استدعاء الاستئناف فإن تنفيذ الحكم يعلق حتى يتم البت فيه من قبل محكمة الاستئناف. والسبب في ذلك أن هذه المحكمة قد تفسخ الحكم المستأنف أو تعدله، فإذا نفذ رغم استئنافه فإن في ذلك إجحافاً بالمحكوم عليه. ولكن المشرع أورد استثناءات على هذا الأثر الموقف للاستئناف، حيث ينفذ الحكم الصادر عن محكمة الدرجة الأولى في بعض الحالات التي وضعت إما لمصلحة المجتمع وإما لمصلحة المدعى عليه أو لمصلحة المدعي الشخصي.

(1) ـ لمصلحة المجتمع: نصت المادة (201) من قانون أصول المحاكمات الجزائية على أنه: «1ـ إذا قضت المحكمة بالحبس سنة على الأقل كان لها أن تقرر إصدار مذكرة توقيف بحق المدعى عليه بقرار مفصل الأسباب 2ـ تبقى مذكرة التوقيف نافذة وإن خفضت العقوبة إلى أقل من سنة اعتراضاً أو استئنافاً». يستفاد من هذا النص أن بقاء مذكرة التوقيف نافذة لا يعني حرمان محكمة الاستئناف من حقها في إخلاء سبيل المحكوم عليه إذا اقتضى الحال ذلك؛ لعدم وجود نص يمنعها من هذا الحق، فيحق لها أن تقرر إخلاء سبيل المستأنف بكفالة أو من دونها. وما قصده المشرع في نص المادة آنفة الذكر هو بيان مفعول مذكرة التوقيف فحسب الذي يتجلى بعدم سقوطها بمجرد تقديم الاستئناف (انظر كتاب وزارة العدل رقم 11242، تاريخ 12/7/1965).

(2) ـ لمصلحة المدعى عليه: تنص المادة (215/2) من قانون أصول المحاكمات الجزائية على أنه: «إذا كان المدعى عليه موقوفاً، وقضت محكمة الدرجة الأولى بالبراءة أو بعقوبة الحبس مع وقف التنفيذ أو بالغرامة؛ أطلق سراحه فور صدور الحكم وبالرغم من استئنافه. وإذا قضت بعقوبة الحبس أطلق سراحه فور إنفاذ العقوبة». كما تنص المادة (236) من القانون ذاته على أنه: "إذا قضت المحكمة بالبراءة أو بعقوبة الحبس مع وقف التنفيذ أو بالغرامة أطلق سراح المدعى عليه في الحال ولو استؤنف الحكم". يستفاد من هذين النصين أن الحكم الصادر عن محكمة الدرجة الأولى ينفذ في الحال ولو استؤنف إذا كان المدعى عليه موقوفاً، ويخلى سبيله فوراً في الحالات الآتية: ـ إذا قضت هذه المحكمة بالبراءة أو عدم المسؤولية ـ إذا قضت عليه بالحبس مع وقف التنفيذ ـ إذا قضت عليه بالغرامة فحسب ـ إذا قضت عليه بعقوبة الحبس وكان قد أمضى هذه المدة في الحبس.

(3) ـ لمصلحة المدعي الشخصي: تنص المادة (197) من قانون أصول المحاكمات الجزائية على أنه: "إذا ثبت أن المدعى عليه ارتكب الجرم المسند إليه حكمت المحكمة بالعقوبة، وقضت في الحكم بالإلزامات المدنية 2ـ ويسوغ للمحكمة أن تقرر في الوقت ذاته للمدعي الشخصي مقداراً مؤقتاً من التعويضات ويكون حكمها لهذه الجهة معجل التنفيذ". يستفاد من هذا النص أنه يترتب على الاستئناف وقف تنفيذ الحكم بشقيه الجزائي والمدني، فإذا قُضي للمدعي الشخصي بتعويض مالي، فإن استئناف المدعى عليه يوقف تنفيذ الحكم من هذه الجهة المدنية أيضاً. ولكن يجوز لمحكمة الدرجة الأولى أن تقرر للمدعي الشخصي تعويضاً مؤقتاً معجل النفاذ.

ب ـ الأثر الناقل L’effet dévolutif: يقصد بالأثر الناقل للاستئناف طرح الحكم من جديد على محكمة الاستئناف لتنظر فيه ضمن الحدود التي رسمها القانون؛ أي إن من شأن هذا الأثر نشر الحكم الصادر عن محكمة الدرجة الأولى مجدداً أمام محكمة الاستئناف، ولكنها تتقيد ببعض القيود المحددة قانوناً. فالاستئناف طريق عادي للطعن في الأحكام، وهو ناقل وناشر للدعوى في آن واحد، حيث يترتب عليه نقل الدعوى إلى محكمة أعلى درجة من المحكمة التي أصدرت الحكم، كما أنه يعيد نشرها ثانية ـ بعد أن حكمت فيها محكمة الدرجة الأولىـ أمام محكمة الدرجة الثانية (محكمة الاستئناف)؛ لتنظرها وتصحح الحكم أو تفسخه لما وقع فيه من خطأ في تطبيق القانون. والأثر الناقل هو الذي يميز الاستئناف من الاعتراض الذي يسقط الحكم الغيابي، ويطرح الدعوى مرّة ثانية أمام المحكمة ذاتها التي أصدرته، في حين أن الاستئناف ينقل الدعوى إلى محكمة أعلى من المحكمة التي أصدرته؛ لتنظر فيها مجدداً من الناحيتين: الموضوعية والقانونية، واللتين سبق أن بتت فيهما محكمة الدرجة الأولى. ولكن محكمة الاستئناف لا تملك سلطة مطلقة في إعادة النظر في الدعوى برمتها كما هو الحال بالنسبة إلى محكمة الدرجة الأولى، وإنما هي مقيدة بالوقائع كما طرحت أمام محكمة الدرجة الأولى، وفي حدود استدعاء الاستئناف، وبصفة الخصم المستأنف ومصلحته.

(1) ـ التقيد بالوقائع كما طرحت أمام محكمة الدرجة الأولى: المبدأ الأساسي الذي يقوم عليه الاستئناف هو تقيد محكمة الاستئناف بالوقائع التي نظرتها محكمة الدرجة الأولى دون سواها، أي لا يحق لها أن تنظر لأول مرّة في وقائع جديدة أو في طلبات جديدة لم تكن مثارة من قبل. ويترتب على ذلك أنه لا يجوز لمحكمة الاستئناف أن تنظر تهمة لم تقم بها الدعوى أمام محكمة الدرجة الأولى (نقض سوري، جنحة، قرار 1398، تاريخ 25/5/1980). وإذا تمت محاكمة المدعى عليه عن جريمة سرقة أشياء معيّنة، وقضت محكمة الدرجة الأولى ببراءته، فلا يحق لمحكمة الاستئناف أن تدينه في جريمة سرقة أشياء أخرى لم تكن الدعوى مرفوعة بها؛ لأن الجرمين مختلفان. وكذلك إذا كانت الجريمة موضوع الدعوى الجزائية المقامة على المدعى عليه هي مساهمته في التزوير، فلا يجوز لمحكمة الاستئناف محاكمته على جريمة اشتراكه في استعمال ورقة مزورة؛ لأنه لم يسبق عرضها على محكمة الدرجة الأولى، وجريمة التزوير غير جريمة استعمال ورقة مزورة.

ولكن لها أن تغير الوصف القانوني للتهمة بما يتفق مع وقائع الدعوى، وتتبنى أسباباً جديدة في الحكم، ولها البحث في سوابق المدعى عليه، ولها إضافة أسباب مشددة إلى الوقائع (التكرار، العمد)، وعدّ الجريمة قتلاً خطأً بدلاً من إصابة خطأ إذا مات المجني عليه بعد الحكم الابتدائي. هذا وإن تقيدها بالوقائع التي سبق عرضها على محكمة الدرجة الأولى لا يقيدها بالنسبة إلى الدفوع وطرق الدفاع، فينبغي عليها النظر في كل دفع يتقدم به المستأنف لأول مرّة سواء أكان متعلقاً بالنظام العام، كالتقادم والعفو العام، أم بمصلحة جوهرية له، كطلب زيادة التعويض المحكوم به لتفاقم الضرر الذي حاق به بعد صدور حكم محكمة الدرجة الأولى.

(2) ـ التقيد باستدعاء الاستئناف: إذا قُدّم الاستئناف ضد حكم محكمة الدرجة الأولى كله؛ فإنه يضعه بكامله أمام محكمة الاستئناف. أما إذا كان مقدماً ضد ناحية معيّنة من الحكم الصادر بالدرجة الأولى؛ فإن محكمة الاستئناف مقيدة بما ورد في استدعاء الاستئناف، أي يمتنع عليها تخطي هذه الناحية والنظر في نواحٍ أخرى من الحكم لم يرد عليها استئناف. وتطبيقاً لذلك فإن للمدعى عليه أن يستأنف الحكم بكامله فيما يتعلق بالدعويين العامة والمدنية أو في إحداهما، أو يقصره على جهة معيّنة من الحكم. فإذا حُكم عليه بالحبس والغرامة، واسـتأنف الحكم بالنسبة إلى عقوبة الحبس؛ فليس لمحكمة الاستئناف أن تعيد النظر في عقوبة الغرامة، حتى لو وجدتها مخالفة لقناعتها. وللنيابة العامة استئناف الحكم في واقعة دون أخرى أو بالنسبة إلى بعض المحكومين دون بعضهم الآخر. وذلك كما جاء في المادة (256/1) من قانون أصول المحاكمات الجزائية، حيث نصت على أن: «استئناف النائب العام ينشر الدعوى لجميع جهاتها لدى محكمة الاستئناف ما لم يكن وارداً على جهة معيّنة منها، فيقتصر مفعوله على هذه الجهة».

ولكن لا يجوز تقديم استئناف ضد أحد لم يكن خصماً في محاكمة الدرجة الأولى؛ احتراماً لمبدأ التقاضي على درجتين (نقض سوري، جنحة، قرار2464، تاريخ 29/12/1981)، ولا تملك محكمة الاستئناف قبول مدعٍ جديد لأول مرّة للأسباب ذاتها، كالمدعي الشخصي الجديد أو المسؤول بالمال (نقض سوري، جنحة، قرار 275، تاريخ 28/2/1982). إذ ينبغي قصر الاستئناف على من كان خصماً في محاكمة الدرجة الأولى فحسب.

(3) ـ التقيد بصفة الخصم المستأنف: سبق أن الدعوى لا تطرح على محكمة الاستئناف إلا إذا كان المستأنف خصماً في الدعوى أمام محكمة الدرجة الأولى. وبناءً عليه فإن سلطة محكمة الاستئناف تتحدد وفقاً لصفة الخصم المستأنف. فإذا قُدّم الاستئناف من جميع الخصوم كان لها سلطة واسعة في نظر الدعوى حيث تنشر أمامها برمتها كما طرحت على محكمة الدرجة الأولى. وإذا كانت النيابة العامة هي المستأنف وحدها، فإن سلطة محكمة الاستئناف تتحدد في نظر الدعوى العامة فحسب، ولا تمتد إلى الدعوى المدنية؛ لأن النيابة العامة ليست طرفاً فيها.

أما إذا كان المستأنف هو المدعى عليه وحده؛ فإن محكمة الاستئناف تملك سلطة واسعة بالنظر في الدعويين العامة والمدنية، إذا كان استئنافه شاملاً؛ وإذا كان محدداً بجهة معيّنة من الحكم، فينبغي على هذه المحكمة التقيد في حدود طلباته الواردة في استئنافه.

وإذا كان المستأنف هو المدعي المدني أو المسؤول بالمال، فإن استئنافهما لا يطرح على محكمة الاستئناف إلا الدعوى المدنية، وهو ما نصت عليه المادة (256/3) من قانون أصول المحاكمات الجزائية بقولها: «لا يجوز للمدعي الشخصي أن يستأنف إلا الفقرة من الحكم المتعلقة بالتعويضات الشخصية». ويمتنع على محكمة الاستئناف في هذه الحالة نظر الدعوى العامة، ولكن هذا لا يمنعها من التطرق لوقائع الدعوى العامة ـ وإن لم تستأنفها النيابة العامة أو المدعى عليه ـ لا للفصل فيها بل لتصل إلى إمكان الحكم في الدعوى المدنية.

(4) ـ التقيد بمصلحة المستأنف: المبدأ الذي يقوم عليه الاستئناف هو لا يضار المستأنف باستئنافه. وبناءً عليه يجب التفريق بين أشخاص المستأنفين:

ـ استئناف النيابة العامة: إذا كانت النيابة العامة هي المستأنف دون المدعى عليه؛ فإن المبدأ آنف الذكر لا يطبق عليها، وينشر استئنافها الدعوى العامة أمام محكمة الاستئناف، كما يمنحها سلطة واسعة في البت فيها. إذ يحق لها فسخ الحكم المستأنف بكامله أو تعديله ضد المتهم أو لمصلحته. ففي مقدورها أن تقضي بإدانته بعد أن برأته محكمة الدرجة الأولى، أو بتشديد العقوبة، أو تقضي ببراءته أو بتخفيف عقوبته الواردة في الحكم المستأنف (نقض سوري، جنحة 2172، قرار 2145، تاريخ 3/8/1964؛ جنحة 1225/981، قرار 1929، تاريخ 17/10/1981). والسبب في ذلك أن للنيابة العامة وضعاً خاصاً في الدعوى العامة، حيث إنها وإن كانت خصماً أساسياً فيها؛ فإنها ليست كأي خصم آخر لا يهمه سوى مصلحته الخاصة، وإنما هي تهدف إلى تجسيد مصلحة المجتمع في الوصول إلى الحقيقة المجردة، لذا فإنها لا تخضع لمبدأ "لا يضار الطاعن بطعنه".

ـ استئناف المدعى عليه: إذا كان المستأنف هو المدعى عليه وحده؛ فلا يجوز أن يضار باستئنافه، وهو ما نصت عليه المادة (256/2) من قانون أصول المحاكمات الجزائية بقولها: "أما استئناف المدعى عليه فلا يمكن أن يؤدي إلى تشديد العقوبة أو زيادة التعويض". ومفاد هذا النص أنه يمتنع على محكمة الاستئناف في حال وضع يدها على الدعوى بناء على استئناف المدعى عليه، أن تحكم عليه بعقوبة أشد مما قضى به حكم محكمة الدرجة الأولى، ولا أن تضيف عقوبة إضافية، أو تلغي وقف التنفيذ، أو تزيد في التعويض المحكوم به للمدعي الشخصي.

ومما تجدر الإشارة إليه أنه نادراً ما يقع الاستئناف من المدعى عليه وحده، لأن المشرع ألزم النيابة العامة بالاستئناف، حيث نصت المادة (250/2) من قانون أصول المحاكمات الجزائية على أنه: «تلزم النيابة العامة باستئناف الحكم إذا استأنفه المدعى عليه». ويؤدي استئناف النيابة العامة في هذه الحالة إلى نشر الدعوى العامة أمام محكمة الاستئناف دون تقيدها بمبدأ "لا يضار المستأنف باستئنافه".

ـ استئناف المدعي الشخصي: إذا كان المستأنف الوحيد في الدعوى المدنية هو المدعي الشخصي، فيمتنع على محكمة الاستئناف أن تخفض التعويض المحكوم له به من محكمة الدرجة الأولى أو أن تلغيه، وإنما يحق لها أن تقضي بتأييد الحكم، أو بزيادة التعويض، أو الحكم له بالتعويض إذا كان الحكم المستأنف قد تنكر له في ذلك. وقد يصدف من الناحية العملية أن تقضي محكمة الدرجة الأولى ببراءة المدعى عليه أو عدم مسؤوليته، فيرضى بهذا الحكم ولم يستأنفه؛ لأنه في مصلحته، كما ترضى به النيابة العامة ولم تستأنفه؛ لأنها قدرت أن التهمة المنسوبة إليه غير صحيحة. ولكن المدعي الشخصي استأنف هذا الحكم، ففي هذه الحالة تختص محكمة الاستئناف بنظر الدعوى المدنية وحدها، ولكن لها أن تبحث في ثبوت الواقعة الجرمية أو نفيها ومدى مسؤولية المدعى عليه المبرأ عنها؛ لتتوصل إلى تقرير التعويض من عدمه، ولكن لا يحق لها أن تفرض أي عقوبة عليه؛ لأن الحكم من  الناحية الجزائية أصبح مبرماً.

ـ استئناف المسؤول بالمال: نصت المادة (256/2) من قانون أصول المحاكمات الجزائية على مبدأ عدم الإضرار بمصلحته بقولها: "إن استئناف المسؤول بالمال لا يمكن أن يؤدي إلى زيادة التعويض". ومفاد ذلك أنه لا يجوز لمحكمة الاستئناف إلا أن تؤيد حكم محكمة الدرجة الأولى القاضي بالتعويض أو تلغيه أو تنقص من هذا التعويض؛ وذلك شريطة ألا يكون المدعي الشخصي قد تقدم هو الآخر باستئناف الحكم.

4ـ الاستئناف التبعي L’appel incident: نصت على الاستئناف التبعي المادة (252) من قانون أصول المحاكمات الجزائية بقولها: "إذا استأنف فريق في الدعوى الحكم في الميعاد المعيّن كان للمستأنف عليه أن يقدم استئنافاً تبعياً في أول جلسة يدعى إليها". ومفاد هذا النص أن الاستئناف التبعي هو الاستئناف الذي يرفعه خصم له أصلاً حق الاستئناف، وذلك رداً على الاستئناف الأصلي الذي رفعه خصمه في الدعوى خلال ميعاده. وتعليل إقرار الاستئناف التبعي يكمن في أن أحد الخصوم في الدعوى قد يقبل بما قضى به حكم محكمة الدرجة الأولى؛ رغم أنه لم يلبِّ له كل طلباته، فيرضخ لهذا الحكم، ويدع ميعاد الاستئناف ينقضي دون أن يستأنفه، إما لاعتقاده بأن خصمه قد يرضى به كذلك، وإما لعدم رغبته في إطالة أمد الخصومة بوضع حد لها. ولكنه يفاجأ بأن هذا الخصم قد استأنف الحكم ضده في اليوم الأخير من ميعاد الاستئناف، بحيث لم يعد باستطاعته بعد ذلك أن يقدم هو الآخر استئنافاً أصلياً. وهذا يعني عدم وجود خصم للمستأنف أمام محكمة الاستئناف؛ مما يقتضي من هذه المحكمة تأييد الحكم المستأنف أو تعديله لمصلحته عملاً بمبدأ "لا يضار المستأنف باستئنافه"؛ الأمر الذي قد يضر بمصالح الخصم الآخر الذي لم يستأنف الحكم لفوات ميعاد الاستئناف. والمثال العملي على ذلك أن تصدر محكمة الدرجة الأولى حكماً بالعقوبة والتعويض على المدعى عليه، ولكن آثرت النيابة العامة ألا تستأنف هذا الحكم رغم قناعتها أن العقوبة أقل مما يستحقها، كما أن المدعي الشخصي قبل به رغم أن التعويض المحكوم له به أقل مما طلبه في ادعائه. بيد أن المدعى عليه لم يرضَ بالحكم، فقدم استئنافاً في اليوم العاشر من الميعاد، بحيث لا يتوافر الوقت الكافي لبقية الخصوم لتقديم استئنافهم وانقضاء الميعاد، وفي هذه الحالة سوف يصدر حكم محكمة الاستئناف في مصلحة المدعى عليه؛ لأنه بقي في دعوى الاستئناف وحيداً دون خصم. ولتجنب مثل هذه المحاذير فقد نص المشرع السوري على الاستئناف التبعي، فأجاز للمستأنف عليه أن يرد على المستأنف باستئناف تبعي ولو بعد فوات ميعاد الاستئناف الأصلي بالنسبة إليه. وعليه ففي المثال العملي السابق يمكن للنيابة العامة والمدعي الشخصي الرد على استئناف المدعى عليه باستئناف تبعي حفاظاً على مصالحهما. ولم يشترط القانون لصحته إلا شرطاً واحداً، وهو أن يقدم في أول جلسة يدعى إليها الفريق المستأنف عليه، ولا يقبل إذا قُدم بعدها (نقض سوري، جنحة 5144، قرار 1602 تاريخ 31/8/1982). والمقصود من أول جلسة ليست أول جلسة تحدد للمحاكمة، وإنما هي الجلسة التي يتم فيها تشكيل المحكمة بصورة قانونية، ويمثل فيها أطراف الدعوى تمثيلاً صحيحاً حتى يطلعوا على الاستئناف التبعي، ويجيبوا عليه. وإذا تعذر تشكيل المحكمة بسبب عدم اكتمال الهيئة أو تخلف أحد الخصوم فلا تعدّ أول جلسة مهما تعددت الجلسات وتعاقبت (نقض سوري، جنحة 2653، قرار 2316، تاريخ 22/11/1980؛ جنحة 1067 قرار 1911 تاريخ20/10/1982). أما إذا قدم المستأنف عليه استئنافاً تبعياً في الجلسة التي اكتمل فيها نصاب الهيئة وتمثل الخصوم، كان الاستئناف مقبولاً شكلاً؛ ولو سبق الجلسة التي قُدّم فيها عدة جلسات (نقض سوري، جنحة 4982، قرار 1255، تاريخ 12/6/1982؛ جنحة 263، قرار 288، تاريخ 14/2/1984). 

ونص المادة (252) المشار إليها آنفاً واضح، لا يجيز الاستئناف التبعي إلا للمستأنف عليه وحده، فإذا استأنفت النيابة العامة الحكم على المحكوم عليه؛ كان له وحده حق الاستئناف التبعي. وإن استأنف المحكوم عليه الناحية المدنية من الحكم؛ كان حق الاستئناف التبعي للمدعي الشخصي فحسب (نقض سوري، جنحة 998، قرار 362، تاريخ 15/3/1965؛ جنحة 1480، قرار 1406، تاريخ 27/6/1966). وإن الاستئناف التبعي يستمد وجوده من الاستئناف الأصلي، ومفعوله من مفعوله، ويسقط برده شكلاً، ولا يجوز أن يتجاوزه في مفعوله ومحتواه، ولا أن ينشر من جهات الدعوى ما اكتسب فيها الدرجة القطعية (نقض سوري، جنحة 4957، قرار 1233، تاريخ 9/6/1982؛ جنحة 2662، قرار 2929، تاريخ 5/11/1983). فالاستئناف التبعي يخضع لقيود الاستئناف الأصلي ذاتها، وله آثاره نفسها، أي إنه يستعير نتائجه كلها من الاستئناف الأصلي. لذا لا يكون الاستئناف التبعي مقبولاً إذا لم يكن الاستئناف الأصلي مقبولاً، كما أنه يسقط بسقوط هذا الأخير. فإذا رُد الاستئناف الأصلي شكلاً؛ رُد الاستئناف التبعي حكماً، وإذا عَدَلَ المستأنف استئنافاً أصلياً عن استئنافه؛ فإن هذا العدول يؤدي إلى سقوط الاستئناف التبعي كذلك، ولو كانت النيابة العامة هي المستأنفة تبعياً (نقض سوري، جنحة 1263، قرار 1405، تاريخ 2/6/1966؛ نقض سوري، جنحة 2103، قرار1960، تاريخ 29/8/1968). ويمكن أن يُقدّم الاستئناف التبعي باستدعاء أو مذكرة خطية في أول جلسة تنعقد فيها الخصومة، وهو لا يخضع للتأمين على ما استقر عليه اجتهاد محكمة النقض (نقض سوري، جنحة 3342، قرار 2194، تاريخ 15/11/1981). والاستئناف التبعي إلزامي بالنسبة إلى النيابة العامة؛ إذا استأنف المدعى عليه الحكم حتى لا ينفرد وحده أمام محكمة الاستئناف (المادة 250/2  من قانون أصول المحاكمات الجزائية).

5ـ أصول المحاكمة أمام محكمة الاستئناف: نصت المادة (251/4) من قانون أصول المحاكمات الجزائية على أن: "تنعقد محكمة الاستئناف من رئيس وقاضيين بحضور النائب العام والكاتب، وتصدر حكمها بإجماع الآراء أو بغالبيتها". ولا يجوز لمحكمة الاستئناف أن تنعقد بغياب ممثل النيابة العامة، ولا تستقيم المحاكمة من دون سماع أقواله على ما نصت عليه المادة (196) من قانون أصول المحاكمات الجزائية، وإلا عُدّ حكمها باطلاً لوقوع عيب جوهري في إجراءات الدعوى (نقض سوري، جنحة 3899، قرار 3221، تاريخ 28/12/1964؛ جنحة1891، قرار 2286، تاريخ 18/11/1980؛ جنحة 509، قرار 3236 تاريخ 30/11/1983؛ جنحة 407، قرار 3063، تاريخ 23/11/1983؛ جنحة 240، قرار  1398، تاريخ 26/7/1982). وتطبق محكمة الاستئناف في أصول المحاكمة الأصول ذاتها المتبعة أمام محكمة البداية (المادة 257 من قانون أصول المحاكمات الجزائية)، ولكن توجد بعض الأحكام الخاصة بالمحاكمة الاستئنافية، وهي:

أ ـ إعداد تقرير الدعوى: فقد أوجب المشرع أن يتم إعداد تقرير في الدعوى من قبل أحد أعضاء محكمة الاستئناف، يبين فيه وقائعها وماهية الحكم المستأنف وأسباب الاستئناف، وذلك قبل البدء في المحاكمة (المادة 254 من قانون أصول المحاكمات الجزائية). هذا وإن قول المشرع بتكليف أحد أعضاء المحكمة لا يمنع رئيسها من إعداد هذا التقرير بنفسه، إذ يعدّ عضواً في المحكمة أيضاً. وينبغي أن يكون هذا التقرير مكتوباً وموقعاً من عضو المحكمة الذي نظمه. والغاية التي أرادها المشرع من وراء إعداد هذا التقرير قبل المحاكمة هي إتاحة الفرصة لأعضاء المحكمة لإلمام بمختلف وقائع الدعوى وظروفها وما تم فيها من تحقيقات وإجراءات؛ ليكونوا على علم تام بالقضية استعداداً لفهم ما يقدمه الخصوم من دفوع وطلبات، وذلك بغية الوصول إلى البت فيها على الوجه الصحيح.

وترى محكمة النقض السورية أن عدم تنظيم هذا التقرير وتلاوته من محكمة الاستئناف ليس من شأنه أن يؤثر في الحكم، ولا يؤلف سبباً للنقض؛ ما دام قد جاء من حيث النتيجة موافقاً للأصول والقانون (نقض سوري، جنحة 1503، قرار 1612، تاريخ 9/9/1958؛ جنحة 1217، قرار 984، تاريخ 25/4/1967)، كما حكمت بأن تنظيم التقرير الذي أشارت إليه المادة (254) من قانون أصول المحاكمات الجزائية إنما هو من أعمال المحكمة الإدارية التي لا دخل فيها للأطراف المتنازعة، وكان عدم إعمال هذه المادة لا يعني أنها من أسباب الإبطال التي تستدعي النقض (نقض سوري، جنحة 1212، قرار 1401، تاريخ 2/6/1966).

ويبدو أن مذهب محكمة النقض هنا غير سديد؛ لأن إعداد التقرير وتلاوته من الأمور الجوهرية التي نص عليها القانون، وما ذهبت إليه يتناقض مع الغاية من اشتراط هذا التقرير، ويخالف صراحة ما جاء في المادتين (254 و255) من قانون أصول المحاكمات الجزائية.

وتجري المحاكمة أمام محكمة الاستئناف بصورة علنية، وإلا تُعدّ باطلة ما لم تقرر إجراءها سراً بداعي المحافظة على النظام العام أو الأخلاق. وتبدأ جلسة المحاكمة بتلاوة التقرير المنظم من أحد أعضائها، ثم تبدأ بسماع أقوال الخصوم. حيث تستمع إلى المدعي الشخصي حول الضرر الذي أصابه من جراء الجريمة، ثم يتقدم النائب العام بمطالباته في الدعوى، ثم يدلي المدعى عليه بدفاعه، بنفسه أو بواسطة محاميه، ثم تستمع لدفاع المسؤول بالمال إن وجد (المادة 255 من قانون أصول المحاكمات الجزائية). ولكن هذا الترتيب في سماع أقوال الخصوم غير مفروض تحت طائلة البطلان. بعد ذلك تصدر  محكمة الاستئناف حكمها من خلال الاطلاع على ملف الدعوى، وهي ليست ملزمة بالتوسع في التحقيق (نقض سوري، جنحة 1601، قرار 227، تاريخ 14/2/1976). إذ إنه في الأصل لا تجري هذه المحكمة تحقيقاً في الدعوى، وإنما تؤسس حكمها على أقوال الخصوم أمامها وعلى التحقيق الذي قامت به محكمة الدرجة الأولى وعلى الأوراق المعروضة عليها. وهذا يعني أنها غير ملزمة باستجواب المدعى عليه مجدداً، أو الاستماع إلى الشهود الذين سمعتهم محكمة الدرجة الأولى، أو إعادة الخبرة والاستماع إلى الخبراء مجدداً، أو إجراء معاينة في مكان وقوع الجريمة. وعليه فلا يترتب على عدم قيام محكمة الاستئناف بهذه الإجراءات بطلان حكمها، ما دامت لم تجد لزوماً لها. إذ إن البطلان يتعلق بحكم محكمة الدرجة الأولى، ولا يتخطاه إلى إجراءات المحاكمة التي تمت وفقاً للقانون ما دامت هذه المحكمة مختصة بنظر الدعوى، وكانت الدعوى مقامة أمامها على الوجه الصحيح.

ولكن لا يعني ذلك أن محكمة الاستئناف ممنوعة من إجراء التحقيق في الدعوى، بل لها أن تتوسع في التحقيق إذا وجدت لزوماً لذلك من تلقاء ذاتها أو بناء على طلب الخصوم، وهو ما أكدته محكمة النقض في قرارها رقم (227) المشار إليه أنفاً. وهي في ذلك مقيدة بقيدين: أولهما: يجب مراعاة حق الدفاع، فإذا استأنف المحكوم عليه غيابياً؛ فعلى محكمة الاستئناف أن تعيد التحقيق بحضوره، بأن تستجوبه وتستمع إلى أقوال الشهود، وإلا كان حكمها باطلاً لإخلاله بحقوق الدفاع؛ وثانيهما: ينبغي على محكمة الاستئناف استكمال ما كان متطلباً من محكمة الدرجة الأولى إجراؤه؛ إذ يتوجب عليها سماع الشهود الذين كان من المفروض على هذه الأخيرة أن تسمعهم، ولكنها لم تفعل. وهي ملزمة بالاطلاع على كل مذكرة يبرزها الخصم حتى خلال فترة التدقيق، والرد على الدفوع المثارة فيها تحت طائلة نقض حكمها (نقض سوري، جنحة 3478، قرار 2434، تاريخ 15/12/1981).

ب ـ الحكم في الاستئناف: تبت محكمة الاستئناف في الاستئناف من الناحيتين الشكلية والموضوعية. إذ تقوم بتدقيقه من الناحية الشكلية، فتقضي إما برده شكلاً إذا وجدت أنه غير مستوفٍ شرائطه القانونية، وإما بقبوله إذا وجدت أنه مستوف لهذه الشرائط. فتقرر ردّ الاستئناف شكلاً إذا وقع بعد فوات الميعاد القانوني، أو في حال عدم دفع التأمين الاستئنافي، أو كون الحكم غير قابل للاستئناف، أو إذا لم يكن للمستأنف صفة أو مصلحة في استئنافه. ويترتب على رد الاستئناف شكلاً مصادرة التأمين الاستئنافي، في دفعه، وقيده إيراداً للخزينة. ويعدّ قرار ردّ الاستئناف شكلاً من القرارات النهائية، ومن شأنه رفع يد محكمة الاستئناف عن الدعوى، وهو يقبل الطعن بالنقض. وإذا كان الاستئناف مستوفياً لشرائطه القانونية؛ تصدر محكمة الاستئناف قراراً بقبوله شكلاً، ويعدّ قراراً نهائياً في موضوعه، ولا تملك المحكمة تعديله وإن ظهر فيه ما يبطله (نقض سوري، جنحة 3463، قرار3163، تاريخ 27/11/1968).

بعد قبول الاستئناف شكلاً، تنتقل محكمة الاستئناف إلى بحث موضوع الدعوى وفقاً للقيود التي سبق دراستها. فيمكنها رد الاستئناف موضوعاً وتصديق الحكم المستأنف إذا وجدت أنه صحيح من حيث الوقائع والقانون. وفي هذه الحالة يمتنع عليها إجراء أي تعديل في مضمون الحكم الذي صدقته، كأن تلجأ إلى تخفيض العقوبة المقررة به؛ لأنه يعدّ من القرارات النهائية التي تخرج الدعوى من حوزة المحكمة (نقض سوري، جنحة 5930، قرار1860، تاريخ 24/11/1962). ويترتب على رد الاستئناف موضوعاً مصادرة التأمين الاستئنافي وقيده إيراداً للخزينة، وتضمين المستأنف رسوم المحاكمة الاستئنافية ونفقاتها، فضلاً عن رسوم المحاكمة ونفقاتها أمام محكمة الدرجة الأولى، وذلك باعتبار أن المستأنف غير محق في استئنافه. أما إذا وجدت محكمة الاستئناف أن المستأنف محق في استئنافه؛ فتصدر قراراً بقبول الاستئناف موضوعاً وفسخ الحكم المستأنف بكامله أو بجزء منه، وذلك قبل البت في الدعوى. وبعد هذا القبول تتابع محكمة الاستئناف النظر في الدعوى والبت في الاستئناف، ولا تملك الحق بشطبه مطلقاً لتخلف أحد الأطراف عن حضور المحاكمة، وإن كان الاستئناف متعلقاً بالحقوق الشخصية؛ لعدم وجود نص يجيز ذلك (نقض سوري، جنحة 294، قرار 290، تاريخ23/2/1958). ونصت المادة (260/1) من قانون أصول المحاكمات الجزائية على أن محكمة الاستئناف تفسخ الحكم المستأنف لمخالفته القانون أو لأي سبب آخر، وتقضي في أساس الدعوى. ويراد بلفظ القانون قوانين الموضوع (قانون العقوبات العام والقوانين الجزائية الخاصة)، وكذلك قانون أصول المحاكمات الجزائية. وأسباب الفسخ لمخالفة القانون عديدة ويتعذر حصرها، فهي تشمل الخطأ في تطبيقه أو تأويله أو مخالفة الإجراءات الجوهرية في الدعوى أو في الحكم. أما المقصود بالفسخ لسبب آخر؛ فهو الفسخ لسبب غير مخالفة القانون، وهذا يشمل جميع القرارات المتعلقة بالدفوع الفرعية، وهي قرارات رد الدفع بعدم سماع الدعوى بسقوطها بالتقادم أو بالعفو العام أو بغير ذلك من الأسباب، كما يشمل قرارات القرينة والقرارات الإعدادية وغيرها من القرارات التي تصدر في أثناء سير الدعوى، ولا يقبل استئنافها إلا بعد صدور الحكم بالأساس ومع هذا الحكم؛ أي القرارات التي نصت عليها المادة (213) من قانون أصول المحاكمات الجزائية.

وإذا فسخت محكمة الاستئناف الحكم لسبب من هذه الأسباب، وجب عليها أن تقضي في أساس الدعوى لا أن تعيدها إلى محكمة الدرجة الأولى، وهو ما يعرف بحق التصديDroit d évocation. ولكن هل يخول هذا الحق محكمة الاستئناف سلطة الفصل في جميع الأحكام الصادرة عن محاكم الدرجة الأولى؟

نصت المادة (260/1) من قانون أصول المحاكمات الجزائية على أنه: "إذا فسخ الحكم لمخالفته القانون أو لأي سبب آخر قضت المحكمة في أساس الدعوى".  يتضح من هذا النص أن لمحكمة الاستئناف حق التصدي للفصل في موضوع الدعوى بعد فسخ الحكم المستأنف، سواء كان حكم محكمة الدرجة الأولى فاصلاً أم غير فاصل في الموضوع. إذ إن من شأن الإطلاق الموجود في نص المذكور أن يعطي محكمة الاستئناف حق الفصل في أساس الدعوى إذا فسخت الحكم لأي سبب كان، فعبارة "لأي سبب كان" تشمل جميع أوجه الاستئناف سواء كان الحكم البدائي فاصلاً أم غير فاصل في موضوع الدعوى. وهذا ما أكدته محكمة النقض السورية في بعض أحكامها (نقض سوري، جنحة 49، قرار 74، تاريخ 30/1/1950؛ نقض سوري، جنحة 1580، قرار 1542، تاريخ 16/7/1953؛ نقض سوري، جنحة 2473، قرار 2630، تاريخ 8/10/1965). ومما لا شك فيه أن إعطاء محكمة الاستئناف حق الفصل في حكم محكمة الدرجة الأولى غير الفاصل في أساس الدعوى يحد من إطالة أمد الدعوى، ولكنه يحرم الخصوم من درجة من درجات التقاضي.

وبعد فسخ الحكم المستأنف وتصدي محكمة الاستئناف لموضوع الدعوى، يمكنها أن تصدر أحد القرارات الآتية: ـ الحكم بعدم الاختصاص إذا وجدت أن الدعوى ليست من اختصاصها النوعي (إذا كان المستأنف هو النيابة العامة فحسب)، أو الشخصي (ما لم يكن المستأنف هو المدعي الشخصي وحده)، أو المكاني ـ الحكم بالبراءة إذا لم يتوافر الدليل القاطع على ارتكاب المدعى عليه للفعل المنسوب إليه أو لأن الفعل لم يقع أصلاًـ الحكم بعدم المسؤولية إذا وجدت أن الفعل لا يشكل جرماً، أو أن المدعى عليه غير مسؤول جزائياً. ويجوز لها في حالتي البراءة أو عدم المسؤولية أن تقرر تعويضاً للمدعي الشخصي أو المدعى عليه. كما يترتب على الحكم بالبراءة أو عدم المسؤولية إعادة التأمين الاستئنافي إلى المدعى عليه إذا كان هو المستأنف، وتضمين المستأنف عليه الرسوم والنفقات. وأخيراً لمحكمة الاستئناف الحكم بالإدانة، فإذا صدر حكم محكمة الدرجة الأولى ببراءة المدعى عليه أو بفرض عقوبة معيّنة؛ فإن ذلك لا يمنع محكمة الاستئناف من فسخ هذا الحكم وإدانة المدعى عليه أو تشديد عقوبته إذا كان المستأنف هو النيابة العامة.

ويشترط في حكم محكمة الاستئناف ما يشترط في الأحكام الجزائية بصورة عامة (انظر المواد 257 و203 و204) من قانون أصول المحاكمات الجزائية. وإذا صدر غيابياً كان قابلاً للاعتراض أمام محكمة الاستئناف ذاتها مصدرة الحكم طبقاً للأصول السابق بيانها بالنسبة إلى الاعتراض (المادة 261 من قانون أصول المحاكمات الجزائية)، وإذا كان وجاهياً أو بمثابة الوجاهي كان قابلاً للطعن بالنقض على ما سيأتي شرحه (المادة 262 من قانون أصول المحاكمات الجزائية).

ثالثاً ـ الطعن بالنقض Le pourvoi en cassation:

الطعن بالنقض هو أحد طرق الطعن غير العادية، هدفه نقض الحكم أو القرار المرفوع إلى محكمة النقض لمخالفته أحكام القانون. وقد عالج المشرع السوري أحكامه في الباب الحادي عشر من قانون أصول المحاكمات الجزائية (المواد 336ـ366). ويختلف الطعن بالنقض عن الاعتراض والاستئناف؛ من حيث عدم جواز سلوكه إلا بالنسبة إلى الأحكام أو القرارات النهائية، ولأسباب حددها القانون على وجه الحصر، وفي أنه لا ينشر الدعوى مجدداً أمام محكمة النقض لتدقيق وقائعها من حيث ثبوتها أو نفيها، وإنما يقتصر عملها على تدقيق الحكم المطعون فيه من الناحية القانونية فحسب، فإن وجدته موافقاً لنصوص القانون ردت الطعن، وإن وجدته مشوباً بعيب قانوني تنقضه، وتعيد الدعوى إلى المحكمة التي أصدرته؛ لتنظر فيها ثانية مستهدية بما جاء في قرار محكمة النقض.

فالطعن بالنقض لا يجعل من محكمة النقض درجة ثالثة من درجات التسلسل القضائي، وإنما تتحدد وظيفتها في مراقبة حسن سير تطبيق القوانين وصحة تفسيرها وإيجاد اجتهاد مستقر ومنسجم في الدولة، ولذا فقد وصف دورها بأنه: «الحكم على الحكم». وتوجد في سورية محكمة نقض واحدة مركزها دمشق، وتتألف من رئيس وعدد من نواب الرئيس والمستشارين، وتقسم إلى ثلاث دوائر: واحدة للقضايا المدنية والتجارية، وأخرى لقضايا الأحوال الشخصية، وثالثة للقضايا الجزائية. وتتكون الدائرة الجزائية من أربع غرف: تنظر الأولى في القضايا الجنائية، والثانية في قضايا الجنح والمخالفات، والثالثة في قضايا الأحداث، والرابعة في القضايا العسكرية (المادتان 44 و47 من قانون السلطة القضائية). وللإحاطة بأحكام الطعن بالنقض لا بد من دراسة الأمور التالية: الأحكام التي يجوز الطعن فيها بالنقض، والأشخاص الذين يحق لهم الطعن بالنقض، وأسباب الطعن بالنقض، وشروطه الشكلية، وآثاره، والإجراءات لدى محكمة النقض، وأخيراً الأحكام الخاصة بالطعن بأمر خطي من وزير العدل. 

1ـ الأحكام والقرارات التي يجوز الطعن فيها بالنقض: نصت المادة (336) من قانون أصول المحاكمات الجزائية (المعدلة بالمرسوم التشريعي رقم /99/، تاريخ 15/11/1961) على أنه: «تقبل الطعن بطريق النقض: الأحكام الصادرة بالدرجة الأخيرة في الجنايات والجنح والمخالفات ما لم ينص القانون على خلاف ذلك». كما نصت المادة (341) من القانون ذاته على أنه: «يقبل الطعن بطريق النقض في القرارات الصادرة عن قاضي الإحالة…». يستفاد من هذين النصين أن الطعن بطريق النقض لا يقتصر على الأحكام الصادرة عن المحاكم، وإن كان هذا هو الأصل، وإنما يشمل بعض القرارات التي يصدرها قاضي الإحالة استثناءً من الأصل.

أ ـ الأحكام الصادرة عن المحاكم: لقد حدد المشرع السوري في المواد (336ـ 339) من قانون أصول المحاكمات الجزائية الأحكام الجزائية التي يجوز فيها الطعن بالنقض وشروطها. فيجب أن تكون هذه الأحكام صادرة في الدرجة الأخيرة، وأن تكون فاصلة في الموضوع.

(1) ـ أن يكون الحكم صادراً في الدرجة الأخيرة: اشترطت المادة (336) المشار إليها آنفاً لقبول الطعن بالنقض أن تكون الأحكام صادرة بالدرجة الأخيرة في الجنايات والجنح والمخالفات. والأحكام الصادرة بالدرجة الأخيرة هي التي لا تقبل الاستئناف، والتي تصدر عن محاكم آخر درجة غير قابلة للاعتراض. وبذلك يخرج من نطاقه الأحكام الصادرة بالدرجة الأولى، والأحكام المبرمة.

> أن يكون الحكم صادراً عن محاكم آخر درجة: ومحاكم آخر درجة في القانون السوري هي محاكم الاستئناف والجنايات والأحداث. إن أحكام محاكم الجنايات تصدر بالدرجة الأخيرة؛ لأنها لا تقبل الاستئناف، وإنما تقبل الطعن بطريق النقض فحسب. كما أن أحكام محاكم الأحداث لا تقبل الطعن بطريق الاستئناف، بل الطعن بالنقض؛ لأنها تصدر بالدرجة الأخيرة (المادة 50 من قانون الأحداث). وكذلك فإن أحكام محاكم الاستئناف تقبل الطعن بطريق النقض إذا قضت بعقوبة الحبس لمدة تزيد على عشرة أيام (المادتان 165/ج و262/1 من قانون أصول المحاكمات الجزائية).

> أن يكون الحكم صادراً في الجنايات والجنح والمخالفات: تقبل أحكام محاكم الدرجة الأخيرة الطعن بطريق الاستئناف سواء أكانت صادرة في جناية أم جنحة أم مخالفة. إن محاكم الجنايات تصدر أحكامها في الجنايات، وفي الجنح والمخالفات المتلازمة معها، والمحالة بقرار قاضي الإحالة. وإذا عدت هذه المحكمة أن الفعل المسند إلى المتهم لا يعدّ جناية، بل جنحة أو مخالفة، تبقي يدها على الدعوى، وتحكم بها (المادة 320 من قانون أصول المحاكمات الجزائية)، وأحكامها هذه تقبل الطعن بالنقض، وليس بالاستئناف. وتنظر محاكم الأحداث في جميع قضايا الأحداث الجانحين الذين أتموا العاشرة ولم يتموا الثامنة عشرة من عمرهم سواء أكانت جنائية أم جنحية أم مخالفات، وأحكامها فيها نهائية لا تقبل سوى الطعن بطريق النقض. ومحاكم الاستئناف تصدر أحكامها في قضايا الجنح والمخالفات المستأنفة أمامها والصادرة عن محاكم الدرجة الأولى، وهي تقبل الطعن بطريق النقض على النحو المشار إليه آنفاً.

> لا يجوز الطعن في أحكام محاكم الدرجة الأولى: تصدر محاكم الصلح والبداية أحكامها بالدرجة الأولى، وهي تقبل الطعن بطريق الاعتراض والاستئناف، ولا تقبل الطعن بطريق النقض مباشرة. ويترتب على ذلك أنه من غير الجائز للخصوم ـ فيما يتعلق بالأحكام الصادرة بالدرجة الأولى ـ سلوك طريق الطعن بالنقض قبل اللجوء إلى طرق الطعن العادية من اعتراض أو استئناف. وإذا فوت هؤلاء مواعيد الطعن بالاعتراض والاستئناف دون أن يطعنوا؛ فلا يجوز لهم بعد ذلك اللجوء إلى طريق الطعن بالنقض، وهو ما أكدته محكمة النقض في العديد من قراراتها بقولها: "لا يجوز الطعن بطريق النقض لمن فوت على نفسه الاستئناف في الحكم البدائي، إذ يعتبر رضوخاً منه للحكم الصادر قابلاً للاستئناف ولم يستأنف" (نقض سوري، جنحة 279، قرار290، تاريخ14/2/1984؛ جنحة 295، قرار 2513، تاريخ2/12/1980؛ جنحة 385، قرار 3195، تاريخ 20/11/1983؛ جنحة 1608، قرار 1281، تاريخ30/4/1964). وفي هذه الحالة أصبح حكم محكمة الدرجة الأولى مبرماً، مما يتعذر بعد  ذلك الطعن فيه بطريق النقض؛ لأن محكمة النقض لا تراقب إلا حكم محكمة الدرجة الأخيرة. فإذا حكمت محكمة الاستئناف برد الاستئناف شكلاً؛ فلا يقبل الطعن بطريق النقض إلا بهذا الحكم فحسب، ولا يُلحق حكم محكمة الدرجة الأولى المستأنف بأسباب موضوعية.

> ألا يكون الحكم قابلاً للاعتراض: نصت المادة (338) من قانون أصول المحاكمات الجزائية على أنه: "لا يقبل الطعن بطريق النقض في الحكم ما دام الطعن فيه بطريق الاعتراض جائزاً". ومفاد هذا النص أنه إذا كان الحكم الصادر عن محاكم الدرجة الأخيرة غيابياً في جنحة أو مخالفة؛ فإنه يقبل الطعن بطريق الاعتراض أمام المحكمة ذاتها التي أصدرته، ولا يجوز الطعن فيه بطريق النقض. والسبب في ذلك أن الطعن بالنقض هو طريق طعن غير عادي شرع لإصلاح ما يقع في الأحكام من خطأ يتعلق بتطبيق القانون، ومن غير الجائز سلوكه قبل أن تكون طرق الطعن العادية من اعتراض واستئناف قد استنفدت. إذ إن اللجوء إلى الطعن بطريق النقض يقتضي أن يكون الحكم صادراً بالدرجة الأخيرة بالنسبة إلى الطاعن، فإذا كان قابلاً للاعتراض، ولم يجرِ تبليغه، أو بلغ إلى المحكوم عليه، ولم تنقضِ مدة الاعتراض؛ فلا يقبل الطعن أمام محكمة النقض (نقض سوري، جناية 12، قرار 5، تاريخ 11/1/1983؛ جنحة 501، قرار 3205، تاريخ30/11/1983؛ جنحة 265، قرار 85، تاريخ 25/1/1986؛ جناية 198، قرار 464، تاريخ 18/3/1987). وعدم جواز الطعن بطريق النقض في هذه الحالة لا يقتصر على المحكوم عليه غيابياً فحسب، بل يشمل أيضاً جميع الخصوم الآخرين ممن صدر الحكم بحقهم وجاهياً أو بمثابة الوجاهي. ومن أمثلة ذلك أنه إذا صدر الحكم غيابياً، ولم يبلغ إلى المحكوم عليه الغائب شخصياً، ولم يعلم به علماً يقينياً؛ فإن ميعاد الاعتراض لم ينقضِ بالنسبة إليه، ومن ثم لا يجوز للنيابة العامة أن تطعن فيه بالنقض إلا بعد تقديم الاعتراض والفصل فيه أو فوات ميعاده. وكذلك إذا صدر الحكم غيابياً بحق المدعى عليه، ووجاهياً بالنسبة إلى المدعي الشخصي أو المسؤول بالمال؛ فإنه لا يجوز لهذا الأخير الطعن بالنقض، لما قد يؤدي إليه الاعتراض من إعادة طرح الدعوى العامة على بساط البحث وثبوت أن المدعى عليه لم يرتكب الفعل الجرمي الذي أسند إليه، وهو ما ينبني عليه بطريق التبعية تغيير الأساس الذي بنى عليه القضاء في الدعوى المدنية؛ مما تكون معه هذه الدعوى الأخيرة غير صالحة للحكم أمام محكمة النقض.

أما إذا كان الحكم الغيابي مما لا يجوز الاعتراض عليه، فإنه يُعدّ كالحكم الوجاهي، مما يصح الطعن فيه بالنقض فور صدوره. ومثاله أن يصدر حكم غيابي بعدم جواز استئناف النيابة العامة، أو ببراءة المدعى عليه، فلا يحق لهذا الأخير في الحالتين أن يعترض؛ لأنه لا مصلحة له في ذلك، ولكن يحق للنيابة هنا أن تطعن بالنقض فور صدور الحكم.

ولا يجوز للمحكوم عليه أن يطعن بطريق النقض في الحكم الغيابي الصادر بحقه عن محكمة الدرجة الأخيرة؛ إذا فوت ميعاد الاعتراض ولم يعترض، وذلك خلافاً للاستئناف. وهذا مستنتج من نص المادة (343) من قانون أصول المحاكمات الجزائية، حيث جاء فيها ما يلي: « ميعاد طلب النقض ثلاثون يوماً ويبدأ هذا الميعاد في الحكم الوجاهي من اليوم الذي يلي تاريخ صدوره بمواجهة الطاعن أو يلي تبليغه إليه إذا كان بمثابة الوجاهي. ويبدأ في الحكم الغيابي في الجنح والمخالفات من اليوم الذي يلي تاريخ انقضاء ميعاد الاعتراض».

> الحكم الغيابي في جناية: لا يُعدّ نهائياً الحكم الغيابي الصادر عن محكمة الجنايات ضد المتهم بجناية؛ مما يقتضي عدم جواز الطعن فيه بطريق النقض. والسبب في ذلك أنه إذا سلم المتهم المحكوم غيابياً نفسه إلى المحكمة أو قبض عليه قبل سقوط العقوبة المحكوم بها عليه بالتقادم؛ عُدّ الحكم وسائر المعاملات الجارية اعتباراً من مذكرة إلقاء القبض ملغاة حكماً، وتعاد محاكمته من جديد وفقاً للأصول العادية (المادة 333 من قانون أصول المحاكمات الجزائية). ولكن يجوز لبقية الخصوم من نيابة عامة ومدعٍ شخصي ومسؤول بالمال ـ كل فيما يخصه ـ الطعن بطريق النقض في الحكم الغيابي الصادر عن محكمة الجنايات بجناية (المادة 339 من قانون أصول المحاكمات الجزائية)، وذلك خلافاً للحكم الغيابي الصادر في جنحة أو مخالفة. ويمكن تفسير هذا الاختلاف في أن الحكم الغيابي في الجنح والمخالفات يقبل الاعتراض خلال ميعاد محدد إذا انقضى أصبح الحكم نهائياً، أما الحكم الغيابي في جناية فإنه لا يقبل الاعتراض، بل يبقى مهدداً بالسقوط خلال مدة طويلة؛ الأمر الذي قد يُلحق الضرر ببقية الخصوم في حال حُجب عنهم الطعن بالنقض.

> ألا يكون الحكم الصادر عن محكمة الدرجة الأخيرة مبرماً: تصدر محكمة الاستئناف أحكاماً مبرمة في حالتين نصت عليهما المادة (165) من قانون أصول المحاكمات الجزائية، وهي لا تقبل الطعن بالنقض. الحالة الأولى: إذا قضت محكمة الدرجة الأولى بغرامة لا تزيد على المئة ليرة سورية، واستأنفت النيابة العامة هذا الحكم، أو استأنفه أحد الخصوم إذا كانت دعوى الحق الشخصي مقامة تبعاً لدعوى الحق العام؛ فإن حكم محكمة الاستئناف يصدر في هذه الحالة بصورة مبرمة (المادة 165/أ). الحالة الثانية: إذا قضت محكمة الدرجة الأولى بعقوبة الحبس لمدة عشرة أيام على الأكثر وبغرامة تزيد على المئة ليرة سورية أو بإحدى هاتين العقوبتين؛ فإن حكمها هذا يقبل الاستئناف، فإذا استؤنف فإن حكم محكمة الاستئناف الصادر في هذا الشأن يكون مبرماً (المادة 165/ب). والسبب في ذلك يكمن في رغبة المشرع في التقليل ما أمكن من اللجوء إلى الطعن في الأحكام أمام محكمة النقض، والاكتفاء بمرور هذه الدعاوي على محاكم الدرجة الأولى ومحاكم الاستئناف؛ وذلك لبساطتها.

> أن يكون الحكم فاصلاً في موضوع الدعوى: نصت المادة (337) من قانون أصول المحاكمات الجزائية على أنه: « لا يجوز الطعن بطريق النقض في الأحكام الصادرة قبل الفصل في الموضوع إلا إذا انبنى عليها منع السير في الدعوى ولا يُعتبر إنفاذ الأحكام المذكورة رضوخاً لها». يستفاد من هذا النص أنه لا يجوز من حيث المبدأ الطعن بطريق النقض إلا في الأحكام الصادرة في موضوع الدعوى. ويراد بالحكم الصادر في الموضوع ـ كما سبق بيانه ـ هو الذي ينهي الخصومة بالبراءة أو بعدم المسؤولية أو بالإدانة وتقرير العقوبة والتعويض للمدعي الشخصي؛ مما يعني إخراج الدعوى من حوزة المحكمة مصدرة هذا الحكم. أما الأحكام الصادرة عن محاكم الدرجة الأخيرة غير الفاصلة في موضوع الدعوى؛ فهي على نوعين:

ـ أحكام وقرارات لا تمنع السير في الدعوى: وهي غير قابلة الطعن فيها استقلالاً بطريق النقض؛ لأنها لم تُخرج الدعوى من حوزة المحكمة التي أصدرتها، فهي تستطيع إعادة النظر فيها بتعديلها وإلغائها ما دامت الدعوى تحت يدها. هذا وإن عدم جواز الطعن في هذه الأحكام والقرارات يضع حداً للطعون التسويفية التي لا يراد منها سوى المماطلة في إنهاء الدعوى وتعطيل سير العدالة الجزائية. ومن هذه الأحكام والقرارات: القرارات الإعدادية كالقرار القاضي برد الدفع بعدم الاختصاص أو بعدم سماع الدعوى لسقوطها بأحد أسباب السقوط؛ وقرارات القرينة والقرارات القاضية بإجراء تحقيق وغيرها من القرارات التي تصدر في أثناء السير في الدعوى (نقض سوري، عسكرية 2488، قرار 2414، تاريخ 29/10/1986 و1321، قرار 1337، تاريخ 27/7/1983؛ جناية 272، قرار 859، تاريخ 27/11/1985؛ جناية 43، قرار 92، تاريخ 2/2/1987؛ جناية 295، قرار 603، تاريخ 1/4/1987؛ جنحة 4280، قرار 1403، تاريخ 7/10/1962؛ جنحة 849 قرار 344، تاريخ 26/2/1958)، والقرار القاضي بتوحيد الدعوى مع دعوى أخرى (نقض سوري، جنحة 653، قرار 431، تاريخ 2/3/1966).  فجميع هذه القرارات لا تقبل الطعن بالنقض مباشرة وفور صدورها؛ لأنها صادرة قبل الفصل في الموضوع، ولا ينبني عليها منع السير في الدعوى، ولكنها تقبل الطعن بالنقض بعد صدور الحكم الفاصل بموضوع الدعوى.

ـ الأحكام التي تمنع السير في الدعوى: إن أحكام محاكم الاستئناف القاضية بعدم الاختصاص أو برد الدعوى لسقوطها بالتقادم أو بالعفو تخضع للطعن بطريق النقض عملاً بأحكام المادة (336) من قانون أصول المحاكمات الجزائية (نقض سوري، جنحة 653، قرار 431، تاريخ 2/3/1973). ولكن ذلك  مقترن بشرط أن تمنع هذه الأحكام  السير في الدعوى كما نصت المادة (337) من قانون أصول المحاكمات الجزائية. فمثال القرارات الصادرة بعدم الاختصاص تخلي محكمة الاستئناف عن نظر الدعوى لاعتبارها الفعل جناية، وليس جنحة أو مخالفة، فهو يقبل الطعن بالنقض إذا كانت الدعوى قد أحيلت إلى محكمة الدرجة الأولى عن طريق قاضي التحقيق؛ أما إذا كانت الدعوى قد أقيمت بادعاء مباشر أمام محكمة الدرجة الأولى دون مرورها على قاضي التحقيق، فإن قرار محكمة الاستئناف بالتخلي عن الدعوى لا يجوز الطعن فيه بالنقض؛ لأنه لا يوقف السير في الدعوى (نقض سوري، جنحة 4280، قرار 1403، تاريخ 7/10/1962). إذ يتوجب على محكمة الاستئناف أن تحيل الدعوى إلى قاضي التحقيق عملاً بأحكام المادة (259/1) من قانون أصول المحاكمات الجزائية.

> الأحكام الصادرة عن محكمة الدرجة الأخيرة في غرفة المذاكرة: الأصل أنه لا يحق للمحكمة أن تنظر مرّة ثانية في الدعوى بعد إصدار حكمها فيها وخروجها من حوزتها. ولكن أورد المشرع استثناءً من هذا الأصل، فأجاز لها إصدار بعض القرارات في غرفة المذاكرة، ومثالها عدم إنفاذ الحكم لكون العقوبة مشمولة بالتقادم، أو لزوم إطلاق سراح المحكوم عليه، أو وقف التنفيذ، أو شمول الجريمة بالعفو العام، أو وقف الحكم النافذ، أو إعادة الاعتبار. وقد قضت محكمة النقض في البداية بأن هذه القرارات الصادرة عن محكمة الدرجة الأخيرة في غرفة المذاكرة تعدّ مبرمة، ولا تقبل الطعن بالنقض، وأن مثل هذه الطعون ترد شكلاً. ولكنها رجعت عن هذا الاجتهاد لعدم وجود سند له في القانون يمنع من بسط رقابتها على مثل هذه القرارات، وقررت أنها وأمثالها تقبل الطعن بالنقض أسوة بالحكم الأصلي الصادر عن محكمة الدرجة الأخيرة (نقض سوري، هيئة عامة 1039، قرار 83، تاريخ 25/1/1965).

ب ـ قرارات قاضي الإحالة: أجاز المشرع الطعن بالنقض في بعض قرارات قاضي الإحالة باعتباره درجة أخيرة في قضاء التحقيق، وهي كما حددتها المادة (341) من قانون أصول المحاكمات الجزائية: قرارات الاتهام الجنائية، قرارات الإحالة أمام محاكم الجنح والمخالفات، قرارات منع المحاكمة.

(1) ـ قرارات الاتهام الجنائية: إذا تبين لقاضي الإحالة من التحقيقات التي تمت في الفعل المنسوب إلى المدعى عليه أنه يعدّ جناية بحسب وصفه القانوني، وقامت أدلة كافية للاتهام؛ فإنه يصدر قراراً بإحالة المتهم موقوفاً إلى محكمة الجنايات (المادتان 149/3 و159/1 من قانون أصول المحاكمات الجزائية). وقد أجاز المشرع الطعن بطريق النقض في هذه القرارات؛ لأنها تصدر بالدرجة الأخيرة، وإذا لم يطعن بها؛ فإنها تصبح قطعية الدلالة في الإحالة إلى محكمة الجنايات، ولا يحق لها بعد ذلك أن تعلن عدم اختصاصها أو التخلي عن الدعوى إذا وجدت أن الفعل لا يعدّ جناية، بل جنحة أو مخالفة، إنما تبقي يدها على الدعوى، وتحكم بها (المادة 320 من قانون أصول المحاكمات الجزائية). وقد حصر المشرع حق الطعن فيها بالنيابة العامة والمدعى عليه فحسب (341/أ من قانون أصول المحاكمات الجزائية).

(2) ـ قرارات الإحالة أمام محاكم الجنح والمخالفات: نصت المادة (149/2) من قانون أصول المحاكمات الجزائية على أنه: "إذا تبين لقاضي الإحالة أن الفعل مخالفة أو جنحة قرر إحالة الظنين على المحكمة الصلحية أو البدائية المختصة، وأطلق سراحه إن كان الفعل مخالفة أو جنحة لا تستوجب عقوبة الحبس". وقد أجاز المشرع للنيابة العامة والمدعى عليه وحدهما الطعن بطريق النقض في هذه القرارات في حالتين نصت عليهما المادة (341/ب) من قانون أصول المحاكمات الجزائية: أولاهما: إذا فصل قاضي الإحالة في موضوع الاختصاص، كما لو استأنف النائب العام أو المدعى عليه في اختصاص قاضي التحقيق أمام قاضي الإحالة؛ فإن للطرفين الحق بالطعن بطريق النقض في قرار قاضي الإحالة في مسألة الاختصاص سلباً أم إيجاباً (نقض سوري، جناية 565، قرار 632، تاريخ 25/6/1967؛ جناية 18، قرار26، تاريخ 9/1/1982؛ جناية 584، قرار 637، تاريخ 15/6/1982؛ جناية 790، قرار 289، تاريخ 2/6/1985؛ جناية 454، قرار 165، تاريخ 8/2/1987). وثانيتهما: إذا فصل قرار الإحالة في مسائل لا تملك محكمة الموضوع حق تعديلها، فيصبح بذلك قطعياً، ويكون من الظلم ألا يسمح بالطعن فيه لمن تضرر منه، كما لو استأنف المدعي الشخصي وحده قرار قاضي التحقيق بمنع محاكمة المدعى عليه، وقرر قاضي الإحالة بناءً على هذا الاستئناف الظن عليه، وأحاله إلى محكمة البداية، فيعدّ هذا القرار صادراً بالدرجة الأخيرة، ويتضمن مسألة لا تملك محكمة الأساس تعديلها؛ مما يقتضي ـ والحالة هذه ـ الطعن فيه بالنقض من قبل النيابة العامة والمحال.

(3) ـ قرارات منع المحاكمة: نصت المادة (149/1) من قانون أصول المحاكمات الجزائية على أنه: "إذا تبين لقاضي الإحالة أن فعل الظنين لا يؤلف جرماً أو أن الأدلة غير كافية لاتهامه قرر منع محاكمته وإطلاق سراحه حالاً ما لم يكن موقوفاً بداعٍ آخر". وقد أجاز المشرع الطعن بطريق النقض في قرار قاضي الإحالة بمنع محاكمة المدعى عليه. والسبب في ذلك أن هذا قرار يُعدّ فاصلاً في الدعوى بالدرجة الأخيرة بمنع إحالتها إلى محاكم الأساس، فأوقف سير العدالة الجزائية، وحال دون مناقشة القضية أمامها، مما يقتضي إيجاد سبيل لإصلاح ما قد يظهر فيه من أخطاء قانونية، فأجاز المشرع الطعن فيه بطريق النقض (نقض سوري في 23/5/1959، مجموعة القواعد القانونية، القاعدة 1006). الحق بالطعن في هذا القرار مقرر للنيابة العامة والمدعي الشخصي، فنصت المادة (341/ج) من قانون أصول المحاكمات الجزائية على أنه: "قرارات منع المحاكمة: يقبل الطعن فيها من جانب النيابة العامة وبالتبعية من جانب المدعي الشخصي، ويقبل الطعن فيها من المدعي الشخصي طعناً أصلياً إذا قضت بعدم الاختصاص أو برد الدعوى أو إذا ذهل القاضي عن الفصل في أحد أسباب الادعاء".

2ـ الأشخاص الذين يحق لهم الطعن بالنقض: القاعدة  أنه لجميع الخصوم في دعوى اقترنت بحكم صادر في الدرجة الأخيرة الحق في الطعن بطريق النقض في الحكم (المادة 340 من قانون أصول المحاكمات الجزائية). ويعني ذلك أن للنيابة العامة والمحكوم عليه والمدعي الشخصي والمسؤول بالمال حق الطعن بالنقض؛ إذا كانوا أطرافاً في الدعوى التي صدر فيها الحكم المراد الطعن به بالنقض. ويضاف إلى ذلك أنه ينبغي أن تكون للطاعن مصلحة مباشرة في إزالة الضرر الذي لحق به من جراء حكم محكمة الدرجة الأخيرة. وسوف يتم توضيح حقوق الخصوم في الطعن بالنقض كما يلي:

أ ـ النيابة العامة: من حق النيابة العامة أن تطعن بطريق النقض في جميع الأحكام الصادرة في الدعوى العامة وحدها، ويمنع عليها الطعن في المسائل المدنية العائدة إلى الخصوم؛ لأنها تمثل الحق العام، ولا شأن لها بمصالح الطرفين المدنية، فهي ليست طرفاً في دعوى الحق الشخصي. ولكن القانون لم يمنعها من الطعن في الحكم الجزائي لمصلحة المحكوم عليه إذا وجدت أنه غير قانوني، ولو صدر بناءً على مطالبتها. وهي تتمتع بسلطة استنسابية في سلوك الطعن، أي إن لها مطلق الحرية في سلوكه أو عدم سلوكه. ولكن يصبح الطعن إلزامياً بالنسبة إليها في حال صدور حكم الإعدام على المتهم وجاهياً، فنصت المادة (340/ج) من قانون أصول المحاكمات الجزائية على ذلك بقولها: "من حق النيابة العامة، وإذا كان الحكم صادراً وجاهياً بعقوبة الإعدام وجب عليها أن تعرض القضية على محكمة النقض مشفوعة بمذكرة برأيها في الحكم خلال شهر على الأكثر من انقضاء مدة الطعن على الطرفين. وتنظر محكمة النقض في إبرام أو نقض حكم الإعدام المعروض عليها…".

ب ـ المدعى عليه: من حقه الطعن بصفته متهماً أو مدعى عليه أو ظنيناً في الأحكام الصادرة في الدعويين العامة والمدنية لكونه طرفاً في كلتيهما، أو يقصر طعنه على الحكم الصادر في إحداهما دون الأخرى. وفي دعاوى الأحداث يجوز أن يقدم الطعن من ولي الحدث أو وصيه أو الشخص المسلم إليه أيهم دعي للحضور أمام محكمة الأحداث (المادة 50 من قانون الأحداث).

أما إذا توفي المحكوم عليه في أثناء ميعاد الطعن أو في أثناء نظره؛ فلا يجوز لورثته أن يطعنوا أو أن يحلوا محله فيما يتعلق في الحكم الصادر في الدعوى المدنية فحسب.

ج ـ المدعي الشخصي والمسؤول بالمال: من حقهما الطعن في الأحكام والقرارات التي تضر بمصالحهما المدنية، أي إن حقهما في الطعن يقتصر على الإلزامات المدنية دون سواها (نقض سوري: جناية 307 قرار353 تاريخ6/4/1967؛ جناية 273 قرار 927 تاريخ 29/6/1980؛ جناية321 قرار 874 تاريخ2/10/1984؛ جناية 425، قرار 23، تاريخ 14/1/1987). وإذا كان الحكم صادراً عن القضاء العسكري فلا يحق للمدعي الشخصي والمسؤول بالمال الطعن فيه؛ لأن هذا القضاء لا ينظر إلا في دعاوى الحق العام على ما جاء في المادة (49) من قانون العقوبات العسكري (نقض سوري: جنحة عسكرية 1070، قرار 996، تاريخ 28/10/1975؛ جنحة عسكرية 1432، قرار 1528، تاريخ 12/11/1980).

3ـ أسباب الطعن بالنقض: حدد المشرع في المادة (342) من قانون أصول المحاكمات الجزائية أسباب الطعن بالنقض، حيث جاء فيها: "لا يقبل الطعن في النقض إلا للأسباب التالية: إذا كان الحكم المطعون فيه مبنياً على مخالفة للقانون أو على خطأ في تفسيره إذا وقع بطلان في الحكم إذا وقع في الإجراءات بطلان أثر في الحكم الذهول عن الفصل في أحد الطلبات أو الحكم بما يجاوز طلب الخصم صدور حكمين متناقضين في الواقعة الواحدة خلو الحكم من أسبابه الموجبة أو عدم كفايتها أو غموضها. والأصل اعتبار أن الإجراءات قد روعيت أثناء الدعوى، ومع هذا فلصاحب الشأن أن يثبت بكافة الطرق أن تلك الإجراءات قد أهملت أو خولفت، وذلك إذا لم تكن مذكورة في محضر الجلسة ولا في الحكم، فإذا ذُكر في أحدهما أنها اتبعت فلا يجوز إثبات عدم اتباعها إلا بطريق التزوير". من استعراض هذا النص يتضح على نحو جلي أن جميع الأسباب الواردة فيه هي قانونية تتعلق بأخطاء في تطبيق النصوص القانونية. إذ إن محكمة النقض لا تُعنى بالمسائل الموضوعية وقناعة حكام الأساس، وإنما تنحصر مهمتها في السهر على تطبيق القانون وصحة تفسير الاجتهاد وتوحيده (نقض سوري، جناية 428، قرار 279، تاريخ 14/4/1966).

4ـ الشروط الشكلية للطعن بالنقض: إن ميعاد طلب النقض ثلاثون يوماً، ويبدأ هذا الميعاد في الحكم الوجاهي من اليوم الذي يلي تاريخ صدوره بمواجهة الطاعن أو تبليغه إليه إذا كان بمثابة الوجاهي. ويبدأ في الحكم الغيابي في الجنح والمخالفات من اليوم الذي يلي تاريخ انقضاء ميعاد الاعتراض. أما قرارات قاضي الإحالة فميعاد طلب نقضها ثلاثة أيام تبدأ في حق النيابة العامة من اليوم الذي يلي تاريخ صدور القرار، وفي حق المتهم والمدعي الشخصي من اليوم الذي يلي تاريخ التبليغ (المادة 343 من قانون أصول المحاكمات الجزائية). ويقدم الطعن باستدعاء يسجل في ديوان المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه. ويُؤشر عليه من قبل رئيس المحكمة والكاتب بتاريخ تسجيله. ويجب أن يكون الاستدعاء موقعاً من الطاعن بالذات أو من وكيله القانوني أو المنتدب من قبل محكمة الجنايات (المادة 344 من قانون أصول المحاكمات الجزائية). إذا لم يكن الطعن مرفوعاً من النيابة  العامة أو المحكوم عليه بعقوبة مانعة للحرية أو موظف عام إضافة إلى وظيفته؛ وجب على الطاعن أن يودع خزينة الدولة في ميعاد الطعن مقدار التأمين المنصوص عليه في قانون الرسوم والتأمينات القضائية تحت طائلة رد طعنه. ويعفى من إيداع التأمين الذين حصلوا على قرار بهذا الإعفاء من لجنة المعونة القضائية وفقاً للقواعد المنصوص عليها في قانون المعونة القضائية (المادة 346 من قانون أصول المحاكمات الجزائية). ويعفى أيضاً الأحداث من أداء الرسوم والتأمينات القضائية والطوابع في جميع القضايا التي تنظر فيها محاكم الأحداث (المادة 52 من قانون الأحداث رقم 18 لعام 1974 وتعديلاته). ولا يقبل استدعاء الطعن إذا كان الطاعن محكوماً عليه بموجب الحكم المطعون فيه بعقوبة مانعة للحرية لمدة تزيد على ستة أشهر ما لم يكن موقوفاً أو مخلى سبيله بكفالة قبل صدور الحكم أو لم يصدر قرار بتوقيفه (المادة 347 من قانون أصول المحاكمات الجزائية). وعلى رئيس المحكمة مصدرة الحكم المطعون فيه أن يبلغ الطاعن أو ممثله وجوب إكمال النواقص الشكلية في الملف خلال ميعاد الطعن وأن يأخذ توقيعه على ذلك (المادة 348 من قانون أصول المحاكمات الجزائية). وقد أوجب المشرع على رئيس ديوان هذه المحكمة أن يبلغ المحكوم عليه صورة عن استدعاء الطعن المقدم من النيابة العامة أو المدعي الشخصي، وذلك في ميعاد ثمانية أيام يبدأ من اليوم الذي يلي تاريخ تسجيل الاستدعاء. ويتم هذا التبليغ  إلى المحكوم عليه بالذات إن كان موقوفاً أو إلى محل إقامته إن كان طليقاً. ويحق للمحكوم عليه خلال ثمانية أيام من اليوم الذي يلي التبليغ أن يقدم لائحة جوابية على أسباب النقض بواسطة ديوان المحكمة مصدرة الحكم المطعون فيه (المادة 349 من قانون أصول المحاكمات الجزائية). وعندما تكتمل إضبارة الطعن يرسل رئيس ديوان المحكمة إضبارة النقض وملف الدعوى مرفقين بجدول مصدق بما يتضمنانه من الأوراق إلى النيابة العامة، فترفعها برمتها إلى النائب العام لدى محكمة النقض. وتسجل الأوراق في سجلها الخاص، ثم يرفعها النائب العام لدى محكمة النقض إلى الدائرة الجزائية مرفقة بمطالبته في ميعاد ثمانية أيام على الأكثر من وصولها إلى ديوانه (المادة 350 من قانون أصول المحاكمات الجزائية). 

5ـ آثار الطعن بالنقض: للطعن بطريق النقض ـ كالاستئناف ـ أثر موقف:L’effet suspensif يوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، وأثر ناقل: L’effet dévolutif يضع يد محكمة النقض على الدعوى، وعدم إضرار الطاعن بطعنه.

أ ـ الأثر الموقف للتنفيذ: نصت المادة (345) من قانون أصول المحاكمات الجزائية على أن: «تسجيل استدعاء الطعن يستوجب وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، ولا يؤثر في أحكام مذكرات التوقيف الصادرة قبله». ومفاد ذلك أن الحكم الصادر بالدرجة الأخيرة لا ينفذ في أثناء ميعاد الطعن، ولا في أثناء نظر الطعن فيه من قبل محكمة النقض حين تقديمه. ولكن مذكرة التوقيف الصادرة بحق المحكوم عليه قبل الحكم المطعون فيه تظل سارية المفعول. وقد نصت المادة (50/أ) من قانون الأحداث على أن: "تصدر محاكم الأحداث أحكامها في الدرجة الأخيرة. ولها أن تصدر أحكاماً معجلة التنفيذ إذا اقتضت مصلحة الحدث ذلك…". ومعنى ذلك أن هذه الأحكام تنفذ رغم الطعن فيها بطريق النقض.

ب ـ الأثر الناقل: إن الأثر الناقل الطعن بالنقض يضع يد محكمة النقض على الدعوى، ولكن ينحصر مجاله في المسائل القانونية المتعلقة بالدعوى، ولا يمتد إلى المسائل الموضوعية، فإذا نقضت محكمة النقض الحكم المطعون فيه؛ فإنها لا تفصل في موضوع الدعوى، وإنما تحيله إلى المحكمة ذاتها التي أصدرته لتعيد النظر في الدعوى من جديد، وذلك بالنسبة إلى الناحية التي تم نقضها من الحكم المطعون فيه إذا لم يكن النقض شاملاً للحكم عليه.

ج ـ عدم إضرار الطاعن بطعنه: نصت المادة (364) من قانون أصول المحاكمات الجزائية على أنه: "إذا نقض الحكم بناءً على طعن أحد الخصوم غير النيابة العامة فلا يضار الطاعن بطعنه". ومعنى ذلك أنه لا يجوز لمحكمة الموضوع بعد نقض الحكم إضافة وقائع جديدة أو تعديل الوصف الجرمي نحو الأشد؛ ما دامت النيابة العامة لم تطعن في الحكم (نقض سوري، جناية 292، قرار 272، تاريخ 10/4/1963؛ جناية 207، قرار 125، تاريخ 9/2/1967).

6ـ الإجراءات لدى محكمة النقض وآثار الأحكام الصادرة عنها: نص المشرع على الإجراءات لدى محكمة النقض في المواد (351ـ362) من قانون أصول المحاكمات الجزائية. فتدقق محكمة النقض إضبارة الطعن، فإذا وجدت أن الاستدعاء مقدم ممن ليس له حق الطعن أو أن الشرائط الشكلية ناقصة أو لم تكتمل في الميعاد القانوني؛ قررت رد الاستدعاء (المادة 351). وإذا كان الاستدعاء مقبولاً في الشكل فلا حاجة إلى إصدار قرار خاص بذلك، بل تدقق المحكمة في أسباب النقض، وتفصل فيها بالرد أو القبول (المادة 352). وعلى المحكمة إذا كان الطعن واقعاً من المحكوم عليه أن تنقض الحكم من تلقاء نفسها إذا تبين لها مما هو ثابت في الملف أن الحكم المطعون فيه مشوب بإجراء مخالف للنظام العام، أو أن المحكمة التي أصدرته لم تكن مشكّلة وفقاً للقانون أو لم تكن مختصة للفصل في الدعوى، أو إذا صدر بعد الحكم المطعون فيه قانون يسري على واقعة الدعوى (المادة 353). وإذا رُدت جميع أسباب الطعن، ولم تجد المحكمة سبباً للنقض من تلقاء نفسها وفقاً لما سبق بيانه ردت استدعاء الطعن في الموضوع (المادة 354). ويترتب على رد استدعاء الطعن بالنقض مصادرة التأمين إذا كان قد أودع عملاً (بالمادة 346) والرسوم والمصاريف، وتأمر بإعادة الأوراق إلى المحكمة مصدرة الحكم المطعون فيه (المادة 355). وإذا اشتملت أسباب الحكم على الخطأ في القانون، أو وقع خطأ في ذكر النص القانوني أو في وصف الجريمة أو في صفة المحكوم عليه، أو أي خطأ آخر، وكانت العقوبة المحكوم بها هي المقررة في القانون للجريمة بحسب الوقائع المثبتة في الحكم؛ تصحح محكمة النقض الخطأ الذي وقع، وترد الطعن بالنتيجة (المادة 356). وترسل المحكمة صورة طبق الأصل عن الحكم برد الطعن إلى النائب العام لديها خلال ثلاثة أيام من صدوره، فيحيلها إلى النائب العام لدى المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه (المادة 357). ويترتب على رد استدعاء الطاعن صيرورة الحكم المطعون فيه مبرماً بحق من قدمه، ولا يجوز له بأي حال أن يطعن فيه مرّة ثانية (المادة 363).

أما إذا قبلت محكمة النقض سبباً من أسباب النقض أو وجدت سبباً له من تلقاء نفسها، فتقرر نقض الحكم المطعون فيه، وإرجاع التأمين إذا كان قد أودع الخزينة، وتأمر بإعادة الأوراق إلى المحكمة التي أصدرت الحكم المنقوض؛ لتحكم في الدعوى من جديد (المادة 358/1)؛ ويعاد التأمين إلى مودعه ولو ذهل الحكم عن النص عليه (المادة 359). وإذا كان الطعن للمرّة الثانية، ورأت المحكمة نقض الحكم المطعون فيه؛ وجب عليها الحكم في الموضوع، ولها عند الاقتضاء تحديد جلسة لنظره، وتتبع في المحاكمة الإجراءات المقررة للجريمة موضوع الطعن (المادة 358/2). ولكن لا ينقض من الحكم إلا ما كان متعلقاً بالأوجه التي بني عليها النقض؛ ما لم تكن التجزئة غير ممكنة (المادة 360). وإذا لم يكن الطعن مقدماً من النيابة العامة؛ فلا ينقض الحكم إلا بالنسبة إلى من قدم الطعن (المادة 361). ولكن إذا كان الطعن مقدماً من أحد المحكوم عليهم، وكانت الأسباب التي بني عليها النقض تتصل بغيره من المحكوم عليهم معه في الدعوى؛ فيحكم بنقض الحكم بالنسبة إليهم أيضاً ولو لم يطعنوا فيه (المادة362). ويتحتم على الجهة التي صدر عنها الحكم المنقوض اتباع النقض والعمل به (المادة 365 المعدلة بموجب المرسومين التشريعيين: رقم 68 لسنة 1966 ورقم 164 لسنة 1970).

7ـ الأحكام الخاصة بالطعن بالنقض بأمر خطي من وزير العدل: يعدّ هذا النقض خاصاً لأنه يأتي خلافاً للقواعد العامة للنقض، وهو لا يتم إلا من قبل النائب العام لدى محكمة النقض دون سواه، وذلك بناءً على أمر خطي من وزير العدل فحسب. وهو يهدف إلى تصحيح الأخطاء المخالفة للقانون التي انتابت إجراء حصل في دعوى الحق العام أو حكماً أو قراراً فيها؛ أي إنه يتناول جميع الأعمال القضائية، وذلك بخلاف الطعن بطريق النقض الذي ينصب على الأحكام الصادرة في الدرجة الأخيرة. وقد أورد المشرع أحكام هذا النوع من النقض في المادة (366) من قانون أصول المحاكمات الجزائية. فإذا تلقى النائب العام أمراً خطياً من وزير العدل بعرض إضبارة دعوى على الغرفة الجزائية بمحكمة النقض لوقوع إجراء فيها مخالف للقانون، أو لصدور حكم أو قرار فيها مخالف للقانون، وكان لم يسبق لمحكمة النقض التدقيق في الإجراء أو الحكم أو القرار المطعون فيه؛ فعليه أن يقدم الإضبارة إلى الغرفة الجزائية مرفقة بالأمر الخطي، وأن يطلب بالاستناد إلى الأسباب الواردة فيه إبطال الإجراء أو الحكم أو القرار (المادة 366/1). وإذا قبلت محكمة النقض الأسباب المذكورة نقضت أو أبطلت الإجراء المطعون فيه (المادة 366/2). وليس لهذا النقض أي أثر إلا إذا وقع لصالح المدعى عليه أو المحكوم عليه (المادة 366/3).

رابعاً ـ إعادة المحاكمة Le pourvoi en revision:

هي طريق طعن غير عادي يقرره القانون في حالات معيّنة نص عليها ضد أحكام الإدانة القطعية الصادرة في الجنايات أو الجنح بهدف إصلاح خطأ قضائي يتعلق بتقدير الوقائع. إذ يمكن أن يصدر حكم في قضية، ويكتسب الدرجة القطعية؛ أي قوة الشيء المقضي فيه L’autorité de la chose jugée، ثم يكتشف فيه خطأ مادي يعرف بالخطأ القضائي L’erreur judiciaire. وتنحصر إعادة المحاكمة في أحكام الإدانة فحسب، أما أحكام البراءة فلا يصح الطعن فيها بطلب إعادة المحاكمة أياً كان الخطأ الواقعي الذي يعيبها. فالغاية من هذا الطريق من طرق الطعن هي إصلاح الخطأ القضائي الذي يشوب الحكم من ناحية الوقائع، ولكنه يفترض أن يكون هذا الخطأ قد سبّب ظلماً نزل ببريء، ومن ثم كانت غايته الحقيقية إرضاء الشعور العام بالعدالة الذي يؤذيه أن يدان بريء. ويتصف طريق إعادة المحاكمة بطابعه الاستثنائي، إذ لا ينبغي اللجوء إليه إلا عندما تغلق جميع الطرق القضائية الأخرى لإصلاح عيب الحكم، أي ينحصر نطاقها في الأحكام المبرمة، أما إذا كان الحكم ما يزال قابلاً للطعن بطريق الاستئناف أو النقض؛ فإنه يتعين اللجوء إلى هذا الطريق. وينحصر نطاقه في أحكام الإدانة في الجنايات والجنح، ولا يشمل الأحكام الصادرة في المخالفات وتلك الصادرة في الدعوى المدنية. وقد عالج المشرع السوري إعادة المحاكمة في الباب الثاني عشر من قانون أصول المحاكمات الجزائية (المواد 367ـ 378). وللإحاطة بأحكام إعادة المحاكمة لا بد من بيان شروطها وآثارها تباعاً.

1ـ شروط إعادة المحاكمة: لإعادة المحاكمة شروط نص عليها القانون، وهي تتصل: بالأحكام الجائز فيها إعادة المحاكمة، والحالات التي يجوز فيها طلب إعادة المحاكمة، والأشخاص الذين يحق لهم طلب إعادة المحاكمة.

أ ـ الأحكام التي يجوز فيها إعادة المحاكمة: نص المشرع السوري في المادة (367) من قانون أصول المحاكمات الجزائية على أنه: «يجوز طلب إعادة المحاكمة في دعاوى الجناية والجنحة أياً كانت المحكمة التي حكمت بها والعقوبة التي قضت بها…». يستفاد من هذا النص أنه يشترط لإعادة المحاكمة ما يلي: أن يكون الحكم صادراً عن قضاء الحكم، وأن يكون صادراً في جناية أو جنحة، وأن يكون مبرماً، وأن يكون صادراً بعقوبة.

(1) ـ أن يكون الحكم صادراً عن قضاء الحكم: فقد اشترط المشرع لقبول طلب إعادة المحاكمة أن يكون الحكم صادراً بعقوبة، مما يعني أن القرارات الصادرة عن قضاء التحقيق والإحالة لا يجوز فيها إعادة المحاكمة؛ لأنها ليست من الأحكام الصادرة بعقوبة، وإنما هي طريق لإجراء المحاكمة (نقض سوري، جناية 775 ، قرار 718 ، تاريخ 24/8/1967). ويستوي في قبول طلب إعادة المحاكمة أن يكون صادراً بعقوبة من أي محكمة كانت، حتى إن كانت محكمة مدنية في الأحوال التي يجيز لها القانون ذلك، كأن ترتكب جنحة على هيئتها أو على أحد أعضائها أو أحد موظفيها، فيحق لها أن تحاكم مقترف الجريمة وأن تحكم عليه فوراً بالعقوبة، أو أن تحاكم المحكمة المدنية من شهد زوراً في الجلسة، وأن تحكم عليه بالعقوبة المقررة لشهادة الزور (المادتان 141 و142 من قانون أصول المحاكمات المدنية).

(2) ـ أن يكون الحكم صادراً في دعاوى الجناية أو الجنحة: إذ يقتصر نطاق إعادة المحاكمة على الأحكام الصادرة في الجنايات والجنح، ولا يشمل الأحكام الصادرة في المخالفات لبساطتها بحيث لا تبرر المساس بالحكم بعد اكتسابه الدرجة القطعية.

(3) ـ أن يكون الحكم صادراً بعقوبة: ينحصر مجال طلب إعادة المحاكمة في الأحكام الصادرة بالإدانة دون الأحكام الصادرة بالبراءة. إذ إن المشرع لم يجز طلب إعادة المحاكمة إلا في الأحكام الصادرة بعقوبة فحسب. ويستوي أن تكون هذه العقوبة سالبة للحرية أو مقيدة لها، أو مالية كالغرامة؛ لأن نص المادة (367) من قانون أصول المحاكمات يقول: "أياً كانت المحكمة التي حكمت بها والعقوبة التي قضت بها". ويترتب على اشتراط صدور الحكم بعقوبة أنه لا يجوز طلب إعادة المحاكمة في الأحكام الصادرة بالبراءة، ولا في الأحكام الصادرة بالتعويض المدني.

(4) ـ أن يكون الحكم مبرماً: يشترط لإعادة المحاكمة أن يكون الحكم مبرماً؛ أي غير قابل لأي طريق من طرق الطعن العادية أو غير العادية من اعتراض واستئناف ونقض. فإذا وجد طريق متاح من هذه الطرق أمام المحكوم عليه؛ فعليه أن يسلكه قبل اللجوء إلى طلب إعادة المحاكمة. وهذا الشرط ينبثق من الطابع الاستثنائي لطلب إعادة المحاكمة، فهو غير جائز إلا إذا سُدّ كل طريق سواه للطعن. والعبرة بصيرورة الحكم مبرماً، سواء لسلوك طرق الطعن فعلاً أم لاستنفادها بتفويت مواعيدها، ولا عبرة للمحكمة التي أصدرته سواء كانت محكمة أول درجة أم محكمة استئناف أم محكمة نقض (المادة 367 من قانون أصول المحاكمات الجزائية). ويترتب على ذلك أنه من غير الجائز للمحكوم عليه الفار طلب إعادة المحاكمة في الحكم الصادر بحقه غيابياً من محكمة الجنايات بجناية، إذ إن هذا الحكم ليس مبرماً، ويسقط بمجرد إلقاء القبض عليه أو تسليم نفسه، ولكن يجوز طلب إعادة المحاكمة فيه إذا انقضت العقوبة بالتقادم، أو تُوفِّي المحكوم عليه قبل انقضائها (المادة 333 من قانون أصول المحاكمات الجزائية).

ب ـ حالات إعادة المحاكمة: تنحصر إعادة المحاكمة في أربع حالات نصت عليها المادة (367) من قانون أصول المحاكمات الجزائية، وهي:

(1) ـ ظهور المدعى قتله حياً: نصت على هذه الحالة المادة (367/أ) بقولها: «إذا حكم على شخص بجريمة القتل، وقامت بعد ذلك أدلة كافية تثبت أن المدعى قتله هو حي». يستفاد من هذا النص أن من حق المحكوم عليه المظلوم طلب إعادة المحاكمة لإبطال الحكم، ولا يشترط أن يكون المدعى قتله باقياً على قيد الحياة عند تقديم هذا الطلب أو النظر فيه أو مثوله أمام المحكمة، وإنما يكفي أن تتحقق حياته وقت الادعاء بالقتل، ولو مات بعد ذلك لسبب لا علاقة له بالدعوى. ويخضع طلب إعادة المحاكمة في هذه الحالة لثلاثة شروط، هي:

> صدور حكم بالإدانة من أجل جريمة قتل: تشترط المادة المذكورة أن يصدر حكم بالإدانة من أجل جريمة قتل، وتعبير القتل يتسع للقتل العمد والقتل المقصود والقتل الخطأ والإيذاء المقصود المفضي إلى الموت. وتلتقي هذه الجرائم في أنها تفترض وفاة المجني عليه، وثبوت حياته بعد حكم الإدانة يعدّ دليلاً حاسماً على خطأ هذا الحكم. ومفاد ذلك أن حكم الإدانة الصادر من أجل جريمة الشروع في القتل أو من أجل إيذاء غير مقصود لا يعطي المبرر في طلب إعادة المحاكمة، ذلك أن حياة المجني عليه بعد حكم الإدانة أمر طبيعي، ومن ثم لا يستخلص منه خطأ الحكم.

> أن تقوم أدلة كافية لإثبات بقاء المدعى قتله حياً: وتشترط أيضاً المادة (367/أ) أن تتوافر أدلة كافية لإثبات بقاء المدعى قتله بصورة لا تترك مجالاً للشك. كأن تظهر وثائق خطية رسمية تثبت أنه حي بتاريخ لاحق للادعاء بقتله، أو مشاهدته بعد هذا الادعاء من قبل أشخاص لا يشك بنزاهتهم.

> ألا تكون الأدلة على ثبوت بقاء المدعى قتله حياً قد في أثيرت أثناء المحاكمة: وإضافة إلى الشرطين السابقين ينبغي ألا تكون الأدلة على ثبوت بقاء المدعى قتله حياً قد أثيرت أمام المحكمة التي أصدرت حكم الإدانة من أجل القتل؛ لأن إثارتها يعني أن المحكمة لم تأخذ بها، وإثارتها مجدداً لا يصلح سبباً للرجوع عن الحكم.

(2) ـ تناقض الأحكام: نصت على هذه الحالة الفقرة (ب) من المادة (367) بقولها: «إذا حكم على شخص بجناية أو جنحة، وحكم بعد على شخص آخر بالجرم نفسه، وكان الحكمان لا يمكن التوفيق بينهما، وينتج عن ذلك ما يؤيد براءة أحد المحكوم عليهما». يتضح من ذلك أن هذه الحالة من حالات إعادة المحاكمة تتطلب توافر شرطين أساسيين، هما:

> وجود حكمين بالإدانة ضد شخصين مختلفين من أجل واقعة واحدة: يكمن جوهر هذا الشرط في صدور حكمين بالإدانة، وينبغي أن يكون هذان الحكمان مستقلين فيما بينهما، وأن يصدرا ضد شخصين مختلفين لا تربط بينهما أي صلة مساهمة جرمية، وأن يصدرا من أجل واقعة واحدة ولو تعددت أوصافها القانونية.

إذ ينبغي وجود حكمين؛ مما يعني أنه يتعذر قبول طلب إعادة المحاكمة في هذه الحالة إذا صدر حكم بالإدانة ضد شخص عن جريمة معيّنة، ثم اتخذت إجراءات التحقيق أو المحاكمة من أجل الجريمة ذاتها بمواجهة شخص آخر، ولكن لم يصدر ضده بعد حكم بالإدانة. وكذلك الحال إذا حكم على شخص في جريمة معيّنة، ثم اعترف آخر بأنه هو الذي اقترفها، فإن اعترافه لا يقوم مقام الحكم، ولا يؤدي إلى إعادة المحاكمة.

ويجب أن يصدر الحكمان بالإدانة، أما إذا صدر حكم بإدانة شخص، والآخر ببراءة شخص ثانٍ، فلا تناقض بين الحكمين. ويشترط أن يكون كل من الحكمين مبرماً، فإن كان أحدهما أو كلاهما ما زالا قابلين للطعن بطريق من طرق الطعن، فيتعين سلوك هذا الطريق، إذ يمكن أن يؤدي ذلك إلى تعديلهما أو تعديل أحدهما على الأقل بما يزيل التناقض بينهما.

ويشرط أن يصدر الحكمان ضد شخصين مختلفين لا تربط بينهما أي صلة مساهمة جرمية، إذ لا يتصور التناقض بين الحكمين من دون هذا الشرط. وبناءً عليه إذا صدر الحكمان ضد شخص واحد من أجل جريمة واحدة، فإن الحكم اللاحق ينطوي على عيب قانوني لكونه أخل بمبدأ قوة الشيء المقضي فيه، ويتعين هنا سلوك طريق الطعن بالنقض لإلغائه لعدم جواز إدانة الشخص نفسه أكثر من مرّة واحدة من أجل جريمة واحدة. وإذا حُكم بإدانة شخصين باعتبارهما فاعلين للجريمة أو شريكين فيها؛ فإن ذلك لا يبرر إعادة المحاكمة لانتفاء حالة التناقض بين الحكمين.

ويشرط أن يصدر الحكمان من أجل واقعة جرمية واحدة، وإن تعددت أوصافها القانونية. ويقصد بذلك وحدة الفعل الجرمي الذي أدى إلى النتيجة الجرمية، ولا عبرة في الوصف الجرمي. كما لو صدر الحكم الأول بتكييف الواقعة على أنها قتل مقصود، ثم صدر حكم آخر في الواقعة نفسها على شخص ثانٍ، ووصفها بأنها قتل عمد، فيجوز طلب إعادة المحاكمة رغم الاختلاف في الوصف الجرمي؛ وذلك لوحدة الواقعة الجرمية.

> تعذر التوفيق بين الحكمين: فقد اشترطت المادة (367/ب) من قانون أصول المحاكمات الجزائية تعذر التوفيق بين الحكمين؛ مما يؤيد براءة أحد المحكوم عليهما. ومفاد ذلك أنه إذا أمكن التوفيق بين هذين الحكمين فلا يُقبل طلب إعادة المحاكمة. كما لو حُكم على شخص بأنه سارق، ثم حكم على شخص آخر بمساهمته معه بوصفه شريكاً أو متدخلاً، فلا تناقض بين الحكمين، وإنما التوفيق بينهما ممكن. أما إذا حكم على شخص بأنه قتل «زيداً» في درعا بيوم معيّن وساعة معيّنة، ثم حكم على شخص آخر بأنه قتل «زيداً» نفسه في اليوم والساعة ذاتيهما في دمشق؛ فإن إعادة المحاكمة جائزة لأن التوفيق غير ممكن بين الحكمين، والحكم على أحدهما دليل على براءة الآخر.

(3) ـ الشهادة الكاذبة: نصت على هذه الحالة الفقرة (ج) من المادة (367) بقولها: «إذا حكم على شخص، وبعد صدور الحكم قضي بالشهادة الكاذبة على من كان قد شهد عليه بالمحاكمة، ولا تقبل شهادة هذا الشاهد في المحاكمة الجديدة». من استعراض هذا النص يتبين أنه إذا حكم على شخص بناءً على شهادة كاذبة، وبعد صدور الحكم لوحق الشاهد الكاذب، وحكم عليه من أجلها، فهذا الحكم دليل براءة المحكوم عليه. ولكن يشترط لقبول طلب إعادة المحاكمة في هذه الحالة توافر ثلاثة شروط، هي: أولها: اكتشاف زور شهادة الشاهد بعد صدور الحكم القاضي بالإدانة؛ لأنها إذا اكتشفت قبل صدوره، فيمكن للمدعى عليه أن يثبت كذبها أمام ذات المحكمة أو بطريق الطعن (نقض سوري، جناية 213، قرار 440، تاريخ 1/4/1981)، لذلك لا تجوز إعادة المحاكمة إذا مات الشاهد قبل أن يلاحق ويحكم عليه بشهادة الزور (نقض سوري، جنحة عسكرية 166، قرار 209، تاريخ 11/2/1981)؛ وثانيها: الحكم على الشاهد بشهادة الزور، وصيرورة هذا الحكم مبرماً بحقه؛ وثالثها: أن تكون الشهادة الكاذبة ذات تأثير في حكم الإدانة المراد إعادة المحاكمة فيه. ومفاد ذلك أنه إذا لم تستند المحكمة في حكمها إلى هذه الشهادة؛ فإنه لا مجال لإعادة المحاكمة.   

(4) ـ الحدث الجديد أو المستندات الجديدة: نصت على هذه الحالة الفقرة (د) من المادة (367) بقولها: «إذا وقع أو ظهر بعد الحكم حدث جديد أو أبرزت مستندات جديدة كانت مجهولة حين المحاكمة، وكان من شأن ذلك إثبات براءة المحكوم عليه». ويتضح أن هذه الحالة فيها من العموم بحيث يشمل مدلولها جميع الحالات السابق بيانها، ولكن يبدو أن سبب النص على هذه الحالات استقلالاً هو أن إعادة المحاكمة فيها تبنى على أسباب واضحة لا تحتمل ما تحتمله الحالة المنصوص عليها في الفقرة (د) من المادة (367) من تأويلات. وقد بينت محكمة النقض المقصود بالحدث الجديد الذي يجيز طلب إعادة المحاكمة وهو ظهور وقائع وأدلة جديدة كانت خافية في أثناء المحاكمة، ولم تكن معلومة لا من المحكمة ولا من المدعى عليه، ثم ظهرت بسبب تطور المفاهيم العلمية بحيث أصبح التفسير العلمي الحديث يستند إلى نظرية حديثة تختلف عن النظرية القديمة التي استندت إليها المحكمة، أو بسبب ما ثبت بالخبرة بعد صدور الحكم أن المدعى عليه كان مصاباً بعاهة عقلية وقت ارتكابها، أو بسبب اجتماعي كأن يكون الشاهد مسافراً أو مسجوناً، ثم عاد من سفره أو أفرج عنه، وتبين أن في شهادته ما يثبت براءة المدعى عليه؛ أو بسبب ظروف طارئة جدت عند المجني عليه كالعثور على الشيء المسروق أو العثور على الإيصال برد الأمانة عند المجني عليه (نقض سوري، أحداث 94، تاريخ 2/5/1981). وكذلك فإن الحكم الصادر ببراءة الفاعل الأصلي من محكمة الاستئناف يعدّ حدثاً جديداً يجيز للشريك طلب إعادة المحاكمة؛ نظراً لأنه لم يستأنف الحكم الصادر من محكمة الدرجة الأولى (كتاب وزير العدل، رقم 958، تاريخ 23/1/1972)، وتقرير الخبرة اللاحق الذي ينفي الجرم عن المحكوم عليه يعدّ بمنزلة الحدث الجديد الذي يسمح بإعادة المحاكمة (كتاب وزير العدل، رقم 16808، تاريخ 17/11/1970). ولا يُعدّ الحدث أو المستند الجديد سبباً مسوغاً لإعادة المحاكمة إلا إذا توافر فيه شرطان: أولهما: أن يكون مجهولاً في أثناء المحاكمة، ولم يكن معلوماً لا من المحكمة، ولا من المدعى عليه، وإن كان الرأي الغالب في الفقه الجزائي يميل إلى عدم اشتراط أن يكون هذا الحدث أو المستند الجديد مجهولاً من قبل المدعى عليه، فإذا كان على علم به وقت المحاكمة، وامتنع عن تقديمه إلى المحكمة ظناً منه بعدم أهميته، أو عدم فائدته أو تستراً على الفاعل الحقيقي؛ فينبغي في هذه الحالة إعادة المحاكمة اكتفاءً بجهالة المحكمة فحسب، إذ لا يجوز الحكم على بريء من أجل جريمة لم يرتكبها؛ وثانيهما: أن يكون من شأن الحدث الجديد أو المستند الجديد إثبات براءة المحكوم عليه. ولا يشرط أن يؤدي ذلك إلى ثبوت هذه البراءة ثبوتاً جازماً، وإنما يكفي لإعادة المحاكمة أن يلقي الحدث أو المستند الجديد ظلالاً من الشك حول إدانة المحكوم عليه، وأن يجعل براءته محتملة (نظر كتابي وزير العدل، رقم13390، تاريخ 5/7/1966، ورقم 8741، تاريخ 8/6/1970).

ج ـ الأشخاص الذين يحق لهم طلب إعادة المحاكمة: حددت المادة (368) من قانون أصول المحاكمات الجزائية الأشخاص الذين يجوز لهم طلب إعادة المحاكمة. في الحالات الثلاث الأولى المبينة في الفقرات (أ، ب، ج) من المادة (367) من القانون ذاته يعود طلب إعادة المحاكمة لوزير العدل، وللمحكوم عليه ولزوجه وبنيه ولمن أوصى له إذا كان ميتاً أو ثبتت غيبته بحكم القضاء، ولمن عهد إليه المحكوم عليه بطلب إعادة المحاكمة صراحة. أما الحالة الرابعة الواردة في الفقرة (د) من المادة (367) فيعود الحق في طلب إعادة المحاكمة لوزير العدل وحده.

وفي جميع الأحوال، وإن كان الطالب غير وزير العدل، يقدم الطلب إلى وزير العدل صاحب القرار في إحالته إلى الغرفة الجزائية في محكمة النقض أو عدم إحالته، وذلك بحسب ما يتراءى له أن الطلب مبني على سبب جدي أو سبب واهٍ. وهذا ما عناه المشرع بنص المادة (379) من قانون أصول المحاكمات الجزائية حيث جاء فيها: «يحيل وزير العدل طلب الإعادة على الغرفة الجزائية في محكمة النقض، ولا يقرر إحالته إذا وجده مبنياً على سبب واهٍ». والغاية من ذلك هي الحفاظ ما أمكن على مبدأ قوة الشيء المقضي فيه، ومنع العبث بالأحكام الجزائية المبرمة لأسباب تافهة. وبناءً عليه فكل طلب إعادة محاكمة لا يقدم إلى وزير العدل لا يقبل. ولم ينص القانون على شروط شكلية معيّنة في طلب إعادة المحاكمة، كما أنه لم يحدد ميعاداً لتقديمه، لذا يكفي أن يحتوي هذا الطلب على اسم الطالب، والحكم المطعون فيه، والأسباب التي يستند إليها. وعلى طالب إعادة المحاكمة أن يعجل رسوم الدعوى ونفقاتها حتى صدور القرار بقبول طلب الإعادة (المادة 377/1 من قانون أصول المحاكمات الجزائية)، أما النفقات اللاحقة فتؤمنها الدولة (377/2).    

2ـ آثار طلب إعادة المحاكمة: إن دراسة الآثار المترتبة على طلب إعادة المحاكمة تتطلب البحث في أمور ثلاثة، هي: وقف تنفيذ الحكم، والبت في طلب إعادة المحاكمة، ونتائج إعادة المحاكمة.

أ ـ وقف تنفيذ الحكم: يترتب على تقديم طلب إعادة المحاكمة وقف تنفيذ الحكم، ولكن هذا الوقف ليس مطلقاً، فقد يكون وقف تنفيذ الحكم إجبارياً أو اختيارياً. ويراد بوقف التنفيذ الإجباري الوقف بحكم القانون. فإذا لم يكن الحكم الذي طلبت إعادة المحاكمة من أجله قد نفذ؛ فيتوقف إنفاذه حتماً من تاريخ إحالة وزير العدل طلب الإعادة إلى الغرفة الجزائية في محكمة النقض (المادة 370/1 من قانون أصول المحاكمات الجزائية). أما وقف التنفيذ الاختياري فهو متروك أمر تقديره إلى الجهة المختصة (وزير العدل أو محكمة النقض)، فلها إقراره أو عدم إقراره. فإذا قُدّم طلب إعادة المحاكمة في أثناء تنفيذ الحكم وكان المحكوم عليه موقوفاً؛ فيجوز وقف التنفيذ في حالتين: الحالة الأولى: يجوز وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه بناءً على أمر من وزير العدل إلى أن تفصل محكمة النقض (الغرفة الجزائية) في طلب إعادة المحاكمة (المادة 370/2). أما الحالة الثانية: يجوز لمحكمة النقض أن تأمر بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه في قرارها القاضي بقبول طلب إعادة المحاكمة (المادة 370/3).

ب ـ البت في طلب إعادة المحاكمة: تضع الغرفة الجزائية  في محكمة النقض يدها على طلب إعادة المحاكمة عن طريق إحالته إليها من وزير العدل حصراً. وبعد أن تدقق فيه وفي سبب إعادة المحاكمة، فإذا ثبت لها أن الطلب مقدم ممن يملك حق تقديمه وأنه مستوفٍ شروطه القانونية، وأن السبب الذي يتذرع به مما يدخل في الحالات المحددة حصراً في المادة (367) من قانون أصول المحاكمات الجزائية؛ فإنها تقرر قبول طلب إعادة المحاكمة، وإلا فإنها ترده، وعندها يطوى طلب إعادة المحاكمة وعلى الطالب أن ينتظر ظهور سبب غيره.

وقرار قبول طلب إعادة المحاكمة هو الذي يحدد الجهة القضائية التي ستعيد النظر في الدعوى على ضوء الأسباب المذكورة فيه، فيمكن للغرفة الجزائية في محكمة النقض أن تقرر إحالة القضية على محكمة من درجة المحكمة التي أصدرت الحكم بالأساس، أو أن تنظرها بنفسها، وذلك على التفصيل الآتي:

(1) إحالة القضية إلى محكمة أخرى: إن حالات إعادة المحاكمة السابق بيانها هي أسباب موضوعية تتعلق بالوقائع؛ الأمر الدي يمنع محكمة النقض من النظر فيها لأنها محكمة قانون، وليست محكمة موضوع. لذا فإن قررت الغرفة الجزائية في محكمة النقض قبول طلب إعادة المحاكمة فعليها أن تحيل القضية إلى محكمة من درجة المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه لتنظر فيها من جديد؛ لأن النص القانوني يمنع إحالتها إلى المحكمة ذاتها التي سبق لها أن أصدرت الحكم (المادة 371 من قانون أصول المحاكمات الجزائية). وتملك المحكمة المختارة كامل الصلاحية في الحكم بالدعوى المحالة إليها من محكمة النقض (الغرفة الجزائية)، فلها أن تصدر حكماً جديداً يوازي في مضمونه الحكم المطعون فيه، ولها أن تقرر براءة طالب الإعادة أو عدم مسؤوليته، أو أن تحكم عليه بعقوبة أخرى مغايرة للعقوبة الأولى. ولكن لا يجوز لها بأي حال من الأحوال أن تسوئ مركز المحكوم عليه، بأن تقضي بعقوبة   تتجاوز حدودها ما قضى به الحكم المطعون فيه، أو باستبدالها عقوبة أشد؛ وذلك تطبيقاً لمبدأ «لا يضار الطاعن من جراء طعنه»، إذ لا يجوز أن ينقلب تظلم المحكوم عليه من الحكم الصادر ضده وبالاً عليه.

(2) نظر القضية من قبل الغرفة الجزائية في محكمة النقض: استثناءً من مبدأ عدم جواز نظر محكمة النقض في موضوع الدعوى نص المشرع في المواد (372 و373 و374) من قانون أصول المحاكمات الجزائية على ثلاث حالات تتولى فيها الغرفة الجزائية رؤية الدعوى والحكم فيها:

الحالة الأولى ـ تعذر الشروع في إجراءات المحاكمة أصولاً: إذا تعذر إجراء محاكمة علنية وشفهية بمواجهة جميع ذوي العلاقة في الدعوى، إما لوفاة المحكوم عليهم أو جنونهم أو فرارهم أو غيابهم كلهم أو بعضهم أو عدم مسؤوليتهم جزائياً، وإما لسقوط الدعوى أو الحكم بالتقادم؛ فإن الغرفة الجزائية في محكمة النقض تتخذ قراراً بامتناع المحاكمة الشفاهية لأحد الأسباب المبينة آنفاً، وتتولى بنفسها رؤية الدعوى بالأساس بحضور المدعين الشخصيين إن وجدوا، وبحضور وكلاء تعيّنهم للمحكوم عليهم إن كانوا قد توفوا، وتبطل من الحكم أو الأحكام السابقة ما صدر منها بغير وجه حق، وتعيد إلى ذكرى المتوفين شرفهم المثلوم إذا لزم الأمر (المادة 372 من قانون أصول المحاكمات الجزائية).

الحالة الثانية ـ انتفاء الأفعال الجرمية: إذا كان إبطال الحكم الصادر بحق أحد المحكوم عليهم الأحياء يؤدي إلى انتفاء كل فعل يمكن عده جرماً؛ فلا تحال الدعوى إلى محكمة أخرى، وتكتفي الغرفة الجزائية في محكمة النقض بإبطال الحكم (المادة 373 من قانون أصول المحاكمات الجزائية). ومفاد ذلك أنه إذا كان من شأن إبطال الحكم الصادر ضد أحد المحكوم عليهم أن يؤدي إلى نفي الصفة الجرمية عن الفعل المسند إليه، فعلى الغرفة الجزائية في محكمة النقض ألا تحيل الدعوى إلى محكمة أخرى، وإنما عليها أن تحكم بها بنفسها، وتكتفي بإبطال الحكم.

الحالة الثالثة ـ إلغاء قرار الإحالة إلى محكمة أخرى: إذا تُوفِّي المتهمون، أو أصبحوا في حالة الجنون منذ قرار المحكمة بإبطال الحكم الصادر بحقهم؛ قررت الغرفة الجزائية في محكمة النقض بناء على طلب النائب العام إلغاء قرارها القاضي بإحالة الدعوى إلى محكمة أخرى، وفصلت فيها وفقاً للمادة (372) (المادة 374 من قانون أصول المحاكمات الجزائية). ومفاد ذلك أنه إذا قررت الغرفة الجزائية في محكمة النقض قبول طلب إعادة المحاكمة وإبطال الحكم الصادر وإحالة الدعوى إلى محكمة أخرى من درجة المحكمة التي أصدرته، ثم تُوفِّي المتهمون، أو أصبحوا في حالة جنون خلال هذه الفترة؛ فإنها تقررـ بناء على طلب النائب العامـ إلغاء قرارها بإحالة الدعوى إلى تلك المحكمة، وتستعيدها وتحكم فيها بنفسها.

ج ـ نتائج إعادة المحاكمة: إذا قضي بإبطال الحكم بنتيجة إعادة المحاكمة، فإن الحكم الأول يُعدّ كأنه لم يكن، وتزول جميع آثاره، أي إنه إذا صدر بنتيجة إعادة المحاكمة حكم بالبراءة أو عدم المسؤولية؛ يكون لهذا الحكم مفعول رجعي، فيلغي الحكم الأول، وتزول جميع النتائج التي ترتبت عليه. فتسقط العقوبة إذا لم تكن قد نُفذت، وإذا كانت قد نُفذت فإنها تسقط من الناحية المعنوية، ويستعيد طالب إعادة المحاكمة الغرامات والمصاريف والنفقات التي كان قد سددها، وتلغى نتائج الحرمان من الحقوق المدنية، ويتوقف عن دفع التعويض المدني للمضرور، وإذا كان قد دفعه له فإنه يسترده بإقامة دعوى استعادة غير المستحق تطبيقاً لنص المادة (181) وما يليها من القانون المدني. ولكن هذا المفعول الرجعي لا ينصرف إلى الغير حسن النية، فمثلاً في حال كان المحكوم عليه محجوراً عليه قانوناً، وعيّن له وصي على أملاكه؛ فإن العقود التي أبرمها هذا الوصي تلزم المحكوم عليه.

ومن نتائج إعادة المحاكمة منح تعويض للمحكوم عليه المبرّأ، أو لزوجته وأصوله وفروعه، أو لغيرهم من الأقرباء. فقد نصت المادة (375) من قانون أصول المحاكمات الجزائية على أنه: « إذا طلب المحكوم عليه تعويضاً عن الضرر الذي أصابه من جراء الحكم السابق جاز للمحكمة أن تحكم له به في الحكم الصادر ببراءته يعود طلب التعويض ـ إذا كان المحكوم عليه ميتاًـ لزوجه وأصوله وفروعه. ولا يحق لغيرهم من الأقرباء أن يطالبوا بالتعويض ما لم يثبت أن الحكم سبب لهم ضرراً مادياً يجوز طلب التعويض في جميع أدوار إعادة المحاكمة». ونصت المادة (376) من القانون ذاته على أن: «تتحمل الدولة التعويض المحكوم به ولها أن ترجع به على المدعي الشخصي أو المخبر أو شاهد الزور الذين كانوا السبب في صدور الحكم بالعقوبة 2ـ يحصل التعويض كالرسوم والنفقات القضائية».

وإلى جانب هذا التعويض فقد نصت المادة (378) من قانون أصول المحاكمات على نشر حكم براءة المحكوم عليه كتعويض الضرر الذي مسه في شرفه واعتباره من جراء الحكم المطعون فيه، فجاء فيها:

« يعلق الحكم الصادر ببراءة المحكوم عليه بنتيجة إعادة المحاكمة على باب دار الحكومة أو البلدية في البلدة التي صدر فيها الحكم الأول وفي محل وقوع الجرم وفي موطن طالبي الإعادة وفي الموطن الأخير للمحكوم عليه إن كان ميتاً ينشر حكم البراءة حتماً في الجريدة الرسمية، وينشر أيضاً إذا استدعى ذلك طالب الإعادة في خمس صحف يختارها، وتتحمل الدولة نفقات النشر».

وإذا أفضت إعادة المحاكمة بالنتيجة إلى حكم بالعقوبة، قضي على المحكوم عليه برسوم الدعوى ونفقاتها (المادة 377/3 من قانون أصول المحاكمات الجزائية). كما يقضى بهذه الرسوم والنفقات على طالب إعادة المحاكمة إذا ظهر أنه غير محق في طلبه (المادة 377/4).

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ حسن جوخدار، أصول المحاكمات الجزائية، الجزء الثالث (منشورات جامعة دمشق، 1997ـ1998).

ـ عبد الوهاب حومد، أصول المحاكمات الجزائية (المطبعة الجديدة، الطبعة الرابعة، دمشق 1987).


التصنيف : القانون الجزائي
النوع : القانون الجزائي
المجلد: المجلد الخامس: طرق الطعن في الأحكام الإدارية ــ علم العقاب
رقم الصفحة ضمن المجلد : 9
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 496
الكل : 31258803
اليوم : 6991