logo

logo

logo

logo

logo

انقضاء الخدمة الوظيفية

انقضاء خدمه وظيفيه

expiration of the career service - expiration du service de carrière

 انقضاء الخدمة الوظيفية

انقضاء الخدمة الوظيفية

سعيد نحيلي

ماهية انقضاء الخدمة الوظيفية

أسباب انتهاء الخدمة الوظيفية

 

تقوم الدولة بممارسة مهامها من خلال أشخاص طبيعيين يطلق عليهم "موظفون عموميون". وتنشأ الرابطة الوظيفية بين الدولة والموظف العام من خلال صلاحية التعيين التي تملكها وتمارسها الأشخاص الاعتبارية العامة في ظل القوانين والأنظمة النافذة.

وغني عن البيان أن تشريعات الوظيفة العامة في سائر دول العالم المعاصر تتضمن أحكاماً تنظم الرابطة الوظيفية منذ ابتدائها حتى انقضائها بما في ذلك تنظيم سائر الأوضاع الوظيفية التي يعيشها الموظف الحكومي. فيحدِّد التشريع شروط شغل الوظيفة العامة (الشروط العامة والخاصة) وحقوق الموظف العام وواجباته وأحكام المسؤولية المسلكية للموظف الحكومي، ويقفل التشريع الوظيفي أحكامه بمجموعة من النصوص التي تنظم طرق انقضاء الخدمة.

وقد استقر الرأي الراجح في الفقه والقضاء على تكييف العلاقة بين الموظف والدولة بأنها علاقة تنظيمية لائحية تضع الموظف في مركز قانوني عام وموضوعي يجوز تغييره وتعديله بقواعد عامة ومجرَّدة وفقاً لمقتضيات المصلحة العامة. وهذا ما أكده صراحة اجتهاد المحكمة الإدارية العليا المصرية في أحد أحكامها الذي قضى بأن علاقة الموظف بالإدارة علاقة تنظيمية تحكمها القوانين واللوائح. فمركز الموظف هو مركز عام يجوز تغييره في أي وقت وليس له أن يحتج بأن له حقاً مكتسباً. إن الموظفين هم عمال المرافق العامة وبهذه الصفة يجب أن يخضع نظامهم القانوني للتعديل والتغيير وفقاً لمقتضيات المصلحة العامة (مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا المصرية ـ السنة العاشرة ص: 800). وتترتب عدة نتائج على تكييف مركز الموظف بأنه مركز تنظيمي ولائحي أهمها:

أ ـ إن الآثار القانونية للتعيين في الوظيفة العامة تبدأ بعد صدور قرار التعيين.

ب ـ تنظيم الاستقالة والإضراب.

ج ـ إن القرارات الصادرة بشأن الموظفين تعدّ قرارات إدارية بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى ومن ثم فإن هذه القرارات تسري عليها أحكام القرارات الإدارية من حيث شروط صحتها وحالات وإجراءات وشروط الطعن فيها أمام القضاء الإداري.

د ـ بطلان كل اتفاق يخالف ما هو مقرر في القوانين واللوائح. فلا يجوز للإدارة المساومة على أحكام الوظيفة العامة أو الاتفاق على ما يخالفها.

والجدير بالذكر أن هذه الآثار تنسحب لتشمل جميع المسائل والقضايا القانونية المتعلقة بالوظيفة العامة بما في ذلك مسألة انقضاء (انتهاء) الخدمة الوظيفية. إذ أفردت التشريعات الناظمة للوظيفة العامة باباً خاصاً أوردت فيه أحكام انتهاء الخدمة من حيث تحديد حالات انتهاء الخدمة أومن حيث الآثار المترتبة على كل حالة من الحالات.

وبالنظر إلى أهمية موضوع انقضاء الخدمة الوظيفية وما ينجم عن ذلك من آثار عمليّة سوف يتم التعمق في هذا الموضوع بشيء من التفصيل في ضوء التشريع النافذ والاتجاه الحديث للقضاء الإداري.

أولاًـ ماهية انقضاء الخدمة الوظيفية:

مهما طال الزمن فإن أي علاقة سوف تنتهي. والعلاقة الوظيفية تنتهي هي أيضاً إذا تحقق أحد أسباب انتهائها. غير أن انتهاء العلاقة الوظيفية يختلف عن انتهاء أي علاقة حقوقيّة أخرى ولاسيما انتهاء العقود. فإذا كان السائد في الروابط العقدية هو خضوعها لقاعدة العقد شريعة المتعاقدين لجهة إبرامها وتعديلها وفسخها وانقضائها، فإن الرابطة الوظيفية محاطة بمجموعة من الأحكام المغايرة التي تنبثق من طبيعة الوظيفة ذاتها. وعلى هذا الأساس بنى المشرِّع أحكامه بخصوص انتهاء الرابطة الوظيفية وعدّها قواعد آمرة غير قابلة للاتفاق على مخالفتها، بل تطبق كما أرادها المشرِّع تحت طائلة بطلان أي اتفاق يخالفها. وإذا كان من المتصور تساهل المشرِّع في التعاطي مع بعض الأحكام القانونية المتعلقة بالوظيفة العامة، كالأحكام المتعلقة بأوضاع العاملين مثلاً، فإنه من غير المتصوَّر أن يفعل ذلك بخصوص الأحكام المتعلقة بانتهاء الرابطة الوظيفية، نظراً لخطورة هذا الموضوع وارتباطه ارتباطاً وثيقاً بمبدأ دوام سير المرافق العامة بانتظام واطراد، هذا المبدأ الذي تتجه جل نظريات القانون الإداري باتجاهه وخدمته، ذلك أن تطبيق هذا المبدأ من الناحية العمليّة يقتضي تنظيم وتحديد شروط تطبيق وانتهاء الرابطة الوظيفية ابتداءً بإرادة المشرِّع وعدم ترك الأمر لإرادة الإدارة الحرة. من هنا لجأت جميع تشريعات الوظيفة العامة في دول العالم المعاصر إلى تنظيم هذا الموضوع برمته من حيث تحديد الحالات التي تنتهي فيها خدمة العامل وشروط تطبيق كل حالة على حدة والآثار الناجمة عنها. وهذا ما يقتضي شرح الحالات الأكثر شيوعاً لانتهاء الخدمة في أغلب تشريعات الوظيفة العامة المقارنة وشرح الآثار الناجمة عن كل منها والتركيز على حالة التشريع والاجتهاد القضائي في سورية.

ثانياًـ أسباب انتهاء الخدمة الوظيفية:

بالعودة إلى الأحكام الناظمة للوظيفة العامة وتحديداً الأحكام المتعلقة بانتهاء الخدمة الوظيفية من الممكن تصنيف أسباب انتهاء الخدمة الوظيفية في ثلاث مجموعات رئيسيّة:

الأولى: انتهاء الخدمة الوظيفيِّة بقوة القانون.

الثانية: انتهاء الخدمة الوظيفيِّة بإرادة الإدارة.

الثالثة: انتهاء الخدمة الوظيفيِّة بإرادة الموظف.

1ـ انتهاء خدمة الموظف العام بقوة القانون:

تتميز حالة إنهاء خدمة الموظف العام بقوة القانون بأنها تتم بإرادة المشرِّع ولا دور فيها لإرادة الموظف أو لإرادة الإدارة. وكل ما في الأمر هو أنه متى تحققت حالة من الحالات التي تنهي فيها خدمة الموظف بقوة القانون، يتوجب على الإدارة اتخاذ الإجراءات التنفيذية اللازمة وعلى الموظف أن ينصاع لهذه الإجراءات وأن ينفذها من دون تعلل أو تردد فما هي حالات انتهاء خدمة الموظف بقوة القانون؟

أ ـ بلوغ سن المعاش: تنص قوانين الوظيفة العامة في جميع دول العالم على تحديد سن معينة لترك الخدمة لدى الإدارة. وباعتماد هذه الحالة من حالات انتهاء الخدمة يكون المشرِّع قد راعى أن الموظف ببلوغه سناً معينة فإنه يفقد القدرة على أداء المهام المسندة إليه، ومن ثم لا يعود صالحاً للاستمرار في أداء الوظيفة العامة. وهكذا تكون السن شرط استمرار في الخدمة تماماً كما هي شرط ابتداء الخدمة. وتجدر الإشارة إلى أن هناك اختلافاً بين تشريعات الدول فيما يخص تحديد السن المقررة لترك الخدمة، إذ يرتبط موضوع سن المعاش بعدة اعتبارات وظروف تتعلق في مجملها بحاجات الإدارة وإمكاناتها الماديّة.

بيد أنه ينجم عن جعل سن ترك الخدمة متأخراً مجموعة من المساوئ من ضمنها: تقليل فرص وصول العناصر الشابة إلى المناصب القيادية وبالمقابل فإن هذا يوفرِّ نفقات كبيرة تتحملها الدولة.

ويختلف تحديد السن المقررة لترك الوظيفة العامة حسب طبيعة الوظيفة ونوعها، إذ يمكن تخفيض هذه السن في الوظائف التي تتطلب جهداً جسدياً كبيراً، أما الوظائف التي لا تتطلب هذا الجهد فيمكن فيها رفع سن ترك الخدمة. وقد حدَّد النظام الأساسي للعاملين في الدولة رقم /50/ لعام 2004 سن ترك الخدمة بإتمام العامل الستين من العمر (المادة (131) بند /1/) وأجاز في حالات الضرورة بقرار من رئيس مجلس الوزراء بناءً على طلب العامل واقتراح الوزير المختص تمديد خدمة العامل بعد إتمامه الستين من العمر لمدة سنة قابلة للتجديد حتى خمس سنوات على أبعد حد، وتدخل الخدمة الممددة في حساب المعاش والترفيع (المادة (132) من القانون /50/ لعام 2004). وقد يحدث إحالة أحد العاملين في الدولة خطأ على التقاعد قبل بلوغ السن القانونية. ففي هذه الحالة لا يرى مجلس الدولة السوري (القسم الاستشاري) مانعاً قانونياً من إعادة الموظف المحال على التقاعد لبلوغه السن القانونية إلى الخدمة متى تبين للجهة صاحبة الحق في تعيينه أنه لم يبلغ هذه السن (رأي مجلس الدولة 134 لعام 1966). وينقطع حكماً عن العمل، أي بقوة القانون، فوراً الموظف المنتهية خدمته بسبب بلوغه السن القانونية، وإذا استمر في العمل بعد هذا التاريخ لا يترتب له أي أجر أو راتب أو بدل أتعاب عن الخدمة التي يؤديها بعد بلوغه حد السن (مجلس الشورى اللبناني قرار /872/، تاريخ 17/4/1974). إلا إذا تحققت شروط الموظف الفعلي فيتقاضى عندئذٍ مقابلاً مالياً على أساس نظرية الموظف الفعلي إذ لكل عمل أجر.

أما بخصوص تمديد الخدمة وفق أحكام المادة (132) من النظام الأساسي للعاملين في الدولة فإن التمديد يقتصر على حالات الضرورة وفي حدود ضيقة جداً (بلاغ رئاسة مجلس الوزراء رقم 124/3217/15 تاريخ 11/11/1973). وتعدّ الوظيفة مشغولة حكماً خلال فترة التمديد (رأي مجلس الدولة 128 لعام 1974 وكتاب وزارة المالية 5 ـ9/14 تاريخ 2/1/1981).

وإن العامل الممددة خدمته إنما يشغل وظيفته أصالة ولا تختلف خدمته الممددة عن الخدمة السابقة من حيث الحقوق والالتزامات (رأي لجنة الرد رقم /2/ 9199 تاريخ 19/9/1987) ومن غير الحكمة الذهاب بعيداً في استعمال السلطة التقديرية التي منحها المشرِّع لرئيس مجلس الوزراء بخصوص التمديد، ولاسيما أن هذا الإجراء سوف يفوت فرص توظيف أشخاص جدد ينتظرون فرصة الشروع في علاقة وظيفية لدى الدولة.

ب ـ الوفاة: تنتهي خدمة الموظف العام بوفاته، ويترتب هذا الأثر بمجرد حدوث الوفاة. والوفاة تعد حالة واضحة من حالات انتهاء الخدمة بقوة القانون، إذ لا دور لإرادة الإدارة أو إرادة الموظف ذلك، بل الإرادة تكون لله سبحانه وتعالى. ويتم إثبات الوفاة من خلال تقديم شهادة الوفاة التي تُسْأَل عنها دوائر الأحوال المدنية. ويتوجب على الورثة تقديم شهادة الوفاة ليتسنى للإدارة طي اسم الموظف من سجلات العاملين لديها. وتجدر الإشارة إلى أن الحديث عن الوفاة كحالة من حالات انتهاء الخدمة بقوة القانون إنما ينسحب على نوعي الوفاة سواء كانت وفاة حقيقية أم وفاة حكميّة بسبب الغياب أو الفقد. والجدير بالذكر أن أحكام الغياب أو الفقد منظمة في نصوص القانون المدني على نحو صريح.

وقد عدَّ القانون الأساسي للعاملين في الدولة رقم /50/ لعام 2004 الوفاة سبباً من أسباب الانتهاء الطبيعي للخدمة وحدد ذلك في البند التاسع من المادة (131) من القانون /50/. كما أشارت المادة (138) من القانون /50/ إلى الوفاة كسبب من أسباب انتهاء الخدمة في معرض الحديث عن الحالات التي تصرف فيها للعامل منحة نقدية تعادل مثلي أجره الأخير وكان من ضمن هذه الحالات حالة الموظف الذي تنتهي خدمته بالوفاة.

ج ـ انتهاء خدمة الموظف العام لصدور حكم جنائي: يخضع الموظف العام لمجموعة من المسؤوليات في حالة ارتكابه أفعالاً مخالفة للقوانين والأنظمة النافذة. وتختلف المسؤولية التي يخضع لها الموظف باختلاف الفعل الذي ارتكبه، فهو يخضع عادة للمسؤولية المسلكية في حال ارتكابه جرماً مسلكياً يتجلى في مخالفة الواجبات الوظيفية (الواجبات الإيجابية أو السلبية "المحظورات")، ويخضع للمسؤولية الجزائية في حال توافرت في فعله أركان الجرم الجزائي وفق ما جاء في أحكام قانون العقوبات، ويخضع للمسؤولية المدنية في حال تسبب بخطئه بضرر للغير.

وكما هو معروف فإن تشريعات الوظيفة العامة تشترط شرطاً أساسياً من شروط التعيين في الوظيفة العامة ألا وهو سلامة الصحيفة العدلية، أي كون المرشح غير محكوم بجناية أو بجنحة شائنة أو مخلة بالثقة العامة، وإذا كان هذا الشرط مطلوباً توافره لدى المرشحين، فمن باب أولى أن يطبق على الموظف القائم بالخدمة. وقد تمَّ تقنين حالة انتهاء الخدمة بسبب الحكم على الموظف بحكم جنائي مبرم في جميع تشريعات الوظيفة العامة. ولم يختلف التشريع السوري عن غيره من التشريعات في هذا المجال، إذ نصت المادة (68) فقرة /ب/ بند /3/ على عقوبة الطرد وعرَّفته بأنه الحرمان من الوظيفة حرماناً نهائياً وتصفى حقوق العامل المطرود وفق القانون التأميني الذي يخضع له.

والطرد هو عقوبة مسلكية شديدة نظمها نظام العاملين الأساسي رقم /50/ لعام 2004 وقد علّق المشرِّع تطبيق هذه العقوبة على الحكم على العامل بجناية أو بجنحة شائنة أو مخلة بالثقة العامة وفق ما حددته التشريعات الجزائية. وتجدر الإشارة إلى أن العقوبات الشديدة تحتاج إلى صدور حكم من المحكمة المسلكية المختصة على أن تنفذ بصك من الجهة صاحبة الحق في التعيين.

2ـ انتهاء خدمة الموظف العام بإرادة الإدارة:

الحالات التي تنتهي فيها خدمة الموظف بقوة القانون، هي حالات تقف الإدارة والموظف حيالها مكتوفي الأيدي وما عليهما إلا احترام حكم القانون، ولا تأخذ الصكوك التي تصدرها الإدارة تنفيذاً لحكم القانون سوى صفة الإجراءات التنفيذية التي لا تحدث هي ذاتها أثراً قانونياً مباشراً.

غير أن دور الإدارة (رب العمل) لا يقتصر على حالة اتخاذ الإجراءات التنفيذية نزولاً على حكم القانون، بل تملك الإدارة مكنة إنهاء خدمة الموظف العام بقرار منها إذا توافرت الشروط التي نصَّ عليها القانون.

وقد حددت التشريعات الحالات التي تنتهي بها خدمة الموظف العام بإرادة الإدارة وهذه الحالات في التشريع السوري هي الآتية:

أ ـ التسريح لأسباب صحية: تعد اللياقة الصحية شرطاً أساسياً من شروط تولي الوظيفة العامة، كما أنها شرطٌ أساسيٌ للاستمرار في الوظيفة العامة. فمن الطبيعي أن تنظم تشريعات الوظيفة العامة حالة تعرض الموظف لمرض في أثناء حياته الوظيفية يقف حائلاً دون إمكانية ممارسة الوظيفة العامة. وقد نظم القانون الأساسي للعاملين في الدولة رقم /50/ لعام 2004 حالة التسريح لأسباب صحية وأسند مهمة تسريح العامل إلى لجنة التسريح الطبيّة التي تقرر التسريح إذا تبين أن المرض ناجم عن الإصابة بأحد الأمراض السارية أو العضال التي يصدر بتحديدها قرار من وزير الصحة أو إذا تبين لها أن المرض ناجم عن الإصابة بعاهة دائمة أو إذا كان المرض غير قابل للشفاء (المادة (52) من القانون /50/ لعام 2004).

ويحق لكل من الإدارة أو العامل الاعتراض على تقرير لجنة التسريح الفرعية أمام اللجنة المركزية، وتعد قرارات لجنة التسريح العامة قطعية غير قابلة لأي طريق من طرق الطعن والمراجعة. وتنفذ قرارات لجنة التسريح الصادرة بالتسريح بموجب صكوك تصدر من السلطة صاحبة الحق في التعيين. وإذا حصل وصدر قرار التسريح من دون عرض الموظف على اللجنة الطبيّة المنصوص عليها قانوناً، يكون قرار الإدارة عندئذٍ مشوباً بعيب جسيم ينحدر به إلى درجة الانعدام (المحكمة الإدارية العليا في سورية قرار /97/ الطعن 861 لعام 1985).

ب ـ ثبوت عدم صلاحية العامل المتمرن: أشارت المادة (131) البند /4/ من القانون الأساسي للعاملين في الدولة إلى هذه الحالة. وبموجب المادة (17) من القانون الأساسي للعاملين رقم /50/ لعام 2004 يعين العامل متمرناً لمدة سنة يعدّ بعدها مؤهلاً حكماً ما لم يسرح خلالها بصك من السلطة صاحبة الحق في التعيين التي يعود لها وحدها حق تقدير عدم صلاحية العامل للعمل.

ومما لا شك فيه أن إنهاء خدمة الموظف بسبب عدم صلاحية العامل المتمرن إنما يدخل في نطاق السلطة التقديرية للإدارة، ومن ثم فإن هذه السلطة تخضع لرقابة القضاء للتأكد من عدم إساءة استعمالها.

ج ـ التسريح بسبب ضعف الأداء: وقد وردت هذه الحالة في البند الخامس من المادة (131) من قانون العاملين الأساسي رقم /50/ لعام 2004. وإنه من الحكمة بمكان أن تلجأ تشريعات الوظيفة العامة إلى تمكين الإدارة صاحبة الحق في التعيين من تسريح العامل غير الفعَّال. وهي وسيلة بيد الإدارة تمكنها من الاستغناء عن العاملين المتواكلين الذين انخفضت لديهم الرغبة في العمل والإنتاجية، فالوظيفة العامة كما هو معروف إنما هي مجموعة من الواجبات والمسؤوليات قبل أن تكون امتيازات. لذا فمن الطبيعي أن يجري تقييم أداء الموظف العام دورياً لقياس درجة كفاءته وإخضاعه لدورات تخصصية بغية تطوير مستوى أدائه بما ينسجم مع تطور احتياجات المواطنين. وبموجب المادة (26) فقرة /ج/ من القانون الأساسي للعاملين في الدولة فإن العامل الذي تحدد كفاءته بدرجة "ضعيف" ثلاث مرات متتالية أو أربع مرات خلال خدمته يسرح بصك من السلطة صاحبة الحق في التعيين بسبب ضعف أدائه.

د ـ حالة إلغاء الوظيفة: تعد هذه الحالة من الحالات التي من المحتمل أن تؤدي إلى انقضاء الخدمة الوظيفية للموظف العام. ويعود سبب تصنيفها بأنها حالة احتمالية إلى الآلية التي اعتمدها المشرِّع في تنظيمه لحالة إلغاء الوظيفة. إذ ليس من الضروري أن تنتهي خدمة الموظف العام لمجرَّد اتخاذ الإدارة قراراً بإلغاء الوظيفة لعدم جدوى هذه الوظيفة. وقد نظم المشرِّع السوري هذه الحالة بطريقة مميزة عندما نص في المادة (136) من القانون /50/ لعام 2004 على أنه: «يتبع في حال إلغاء الوظيفة ما يلي:

ينقل العامل إلى وظيفة شاغرة تتوفر فيه شروط شغلها معادلة لوظيفته في ملاكه كما يجوز نقله إلى مثل هذه الوظيفة في أي ملاك آخر.

عند عدم وجود وظيفة شاغرة معادلة في ملاكه أو عدم نقله إلى ملاك آخر يعطى العامل حق الخيار خلال شهر يبدأ من تاريخ إلغاء الوظيفة بين قبوله وظيفة أدنى مع احتفاظه بأجره وبحقه في شغل أول وظيفة في ملاكه معادلة لوظيفته الملغاة وبين التسريح وتصفية حقوقه وفق القوانين النافذة».

وكما هو ملاحظ، من الممكن تصنيف هذه الحالة من مجموعة حالات انتهاء خدمة الموظف بإرادته وذلك إذا كان قراره قد انصب على ترك الوظيفة وعدم الالتزام بوظيفة أخرى. تجدر الإشارة إلى أن الحكومة السورية قد اتخذت إجراء بإغلاق العديد من المعامل العامة ونجم عن ذلك إلغاء العديد من الوظائف.

هـ ـ التسريح التأديبي: وهو من العقوبات التأديبية الشديدة التي اعتمدها القانون /50/ لعام 2004. ولا يمكن فرض هذه العقوبة إلا بعد ارتكاب الموظف مخالفة مسلكية، إذ تتم إحالته إلى المحكمة المسلكية المختصة أصولاً وفي حال ثبوت ارتكابه جرماً مسلكياً يستحق عقوبة التسريح تصدر المحكمة المسلكية حكمها وينفذ الحكم بعد أن يصبح قطعياً بصك من السلطة صاحبة الحق في التعيين. ولا يجوز إعادة العامل المسرَّح إلا بعد سنتين من التسريح (المادة 69/ب ـ2 من القانون /50/ لعام 2004). وتختلف هذه العقوبة عن عقوبة الطرد، فإن فرض العقوبة الأخيرة مشروط بارتكاب الموظف جناية أو جنحة شائنة وفق ما تمَّ توضيحه أعلاه. كما أنها تختلف عن عقوبة الفصل بغير الطريق التأديبي.

و ـ الفصل بغير الطريق التأديبي (الصرف من الخدمة): تلجأ تشريعات الوظيفة العامة في بعض الدول إلى منح السلطة الإدارية العليا إمكانية استبعاد موظف من الخدمة بإجراء إداري تتخذه بما تملكه من صلاحية التوجيه والإشراف والمراقبة على عمالها استبعاداً نهائياً من كوادرها، أي تمكين الإدارة من إنهاء خدمة الموظف بقرار إداري في غير الحالات العادية المنصوص عليها لإنهاء خدمة العامل.

وأهم ما يميز هذه الطريقة من طرق انفصام الرابطة الوظيفية هو أنها تتم من دون محاكمة مسلكية لذا يطلق عليها البعض اصطلاح الفصل التحكمي أو السياسي.

وتكمن الحكمة من اعتماد هذه الطريقة في تشريعات الوظيفة العامة في تمكين الإدارة ومنحها إمكانية الدفاع عن المصلحة العامة في حال تبين لها أن موظفاً ما قام بتهديد هذه المصلحة، إذ بمقدورها حينئذٍ أن تفصل هذا الموظف من الخدمة من دون حاجة إلى محاكمة تأديبية قد لا تنتهي بالفصل من الخدمة كعقوبة تأديبية. وتماماً في هذه النقطة تظهر خطورة هذه الطريقة من طرق انفصام الرابطة الوظيفية، إذ تعد سلاحاً يهدد استقرار الموظفين وموارد رزقهم. وهذا ما دفع بعض الدول التي أخذت بهذه الطريقة إلى إحاطتها بمجموعة من الضمانات أهمها: إسناد صلاحية الفصل إلى أعلى سلطة في الدولة وأن يقتصر تطبيقها على الموظفين القادة انطلاقاً من أن وظائفهم تستلزم تمتعهم الدائم بثقة الحكومة (فرنسا). ودول أخرى اشترطت مجموعة من الشرائط والإجراءات الشكلية قبل اتخاذ القرار وذلك من خلال ضرورة تشكيل لجنة عليا مهمتها دراسة ملف الموظف موضوع التهمة وتقديم الاقتراح بصرفه أو عدمه إلى السلطة المختصة باتخاذ القرار (سورية).

فقد أدخل المشرِّع السوري إصلاحاً تشريعياً على النظام الأساسي للعاملين في سورية من خلال نص المادة (137) من القانون /50/ لعام 2004 التي ألغت المادة (138) من القانون /1/ لعام 1985 فاشترطت المادة (137) أن يتم الصرف من الخدمة بقرار من رئيس مجلس الوزراء بناءً على اقتراح لجنة مؤلفة من وزير العدل ووزير الشؤون الاجتماعية والعمل ورئيس الجهاز المركزي للرقابة المالية. كما تمَّ الاستغناء نهائياً عن الفقرة /2/ من المادة (138) من القانون /1/ لعام 1985 التي تضمنت تحصيناً تشريعياً لقرارات الصرف من الخدمة ضد رقابة القضاء الإداري باعتبارها قرارات إدارية. إلا أن الإحالة إلى قانون الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش رقم /24/ لعام 1981 خلقت نوعاً من الغموض بخصوص قابلية أو عدم قابلية قرارات الصرف من الخدمة للرقابة القضائية، ولاسيما أن المادة (48) من قانون الهيئة رقم 24 لعام 1981 قد أجازت للهيئة أن يطبق الصرف من الخدمة في الحالات التي تمس النزاهة أو عدم فاعلية الأداء الوظيفي، وبخصوص الرقابة القضائية على قرارات الصرف فقد اقتصرت على حالات الصرف لعلة عدم فاعلية الأداء الوظيفي، أما قرارات الصرف لعدم الثقة فلا تخضع لرقابة القضاء أي إنها محصنة ضد رقابة القضاء الإداري (الاستنتاج بمفهوم المخالفة). وهذا ما يمكن أن ينسحب على قرارات الصرف من الخدمة التي تتخذ تطبيقاً لأحكام المادة (137) من القانون /50/ لعام 2004.

وقد عدّت اجتهادات المحكمة الإدارية العليا السورية الصرف من الخدمة من الملاءمات الخاضعة لتقدير الإدارة بلا معقب عليها، ما دام تصرفها قد خلا من عيب إساءة استعمال السلطة (المحكمة الإدارية العليا السورية قرار 710/2 في الطعن رقم /428/ لعام 1998ـ مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا لعام 1998، ص 746)، وإن كان هذا الموقف القضائي سابقاً على صدور القانون رقم /50/ لعام 2004.

لذا لابد من تأكيد على مجموعة من الضمانات التي ينبغي مراعاتها عند تطبيق أحكام المادة (137) من القانون الأساسي للعاملين في الدولة رقم /50/ لعام 2004 (يقابلها المادة (85) من قانون الموظفين الأساسي رقم /135/ لعام 1945) وأهم هذه الضمانات:

احترام قواعد الاختصاص الموضوعي في قرارات الصرف.

حفظ حق الموظف في الراتب التقاعدي أو مكافأة نهاية الخدمة.

جواز الطعن بقرارات الفصل أمام القضاء الإداري ولاسيما أن المشرِّع لم يعدّ قرارات الصرف عملاً من أعمال السيادة التي لا تخضع لأي نوع من أنواع الرقابة.

3ـ انتهاء خدمة الموظف بإرادته:

الأصل أن الموظف يلتحق بالوظيفة العامة بإرادته وبناء على طلبه. كما أن الموظف يستطيع أن يترك الوظيفة أيضاً بإرادته من خلال ما يسمى الاستقالة ولكن بشرط موافقة الإدارة. على خلاف الحالات التي يعدّ فيها الموظف بحكم المستقيل بقوة القانون. وهكذا يتبين أن الاستقالة نوعان: الاستقالة الصريحة والاستقالة الحكميّة. وقد أفرد المشرِّع السوري كغيره من التشريعات للاستقالة بنوعيها أحكاماً خاصة ضمنها شروط الاستقالة الصريحة وحالات وقوع الاستقالة الحكميّة.

أ ـ الاستقالة الصريحة: وهي الاستقالة التي تتم بناء على طلب الموظف يعلن فيها رغبته في ترك الخدمة نهائياً وذلك لأسباب تتعلق به وبوضعه الشخصي. وبالعودة إلى مطلع هذا البحث فقد تأكد أن الموظف يرتبط بالإدارة بعلاقة تنظيمية لائحية، أي إنه يخضع للتشريعات والأنظمة الوظيفية كما وردت ومن ثم فإن المشرِّع نظم شروط قبول الاستقالة بصورة مباشرة ومنح الإدارة سلطة تقديرية للتعاطي مع طلب الاستقالة. إذ الوظيفة العامة ليست ملك الموظف ولا ترضخ لرغبته، لأن هذا يؤدي إلى خرق مبدأ سير المرافق العامة بانتظام واطراد. وتفادياً لهذا الخطر فقد نظم المشرِّع الاستقالة وحدَّد الشروط الواجب توافرها في طلب الاستقالة أهمها:

(1)ـ تقديم طلب خطي.

(2)ـ خلو الطلب من أي شرط.

(3)ـ أن لا تكون قد اتخذت ضد الموظف إجراءات تأديبية لم تنته بعد.

(4)ـ أن يكون طلب الاستقالة صادراً عن إرادة صحيحة.

(5)ـ أن يصدر قرار بقبول الاستقالة من الجهة المختصة خلال ستين يوماً من تاريخ تقديم طلب الاستقالة. ومن ثم فإن صدور قرار قبول الاستقالة من جهة غير مختصة يجعل القرار مشوباً بمخالفة قواعد الاختصاص (المحكمة الإدارية العليا القرار /573/ الطعن /441/لعام 1996).

(6)ـ ألا يقوم العامل بسحب طلب الاستقالة قبل انتهاء مدة الستين يوماً قبل أن يصدر صك قبول استقالته.

ومن ثم فإن صدور القرار القاضي بقبول الاستقالة بعد رجوعه عنها ضمن المهلة القانونية يجعل هذا القرار معدوماً لافتقاده السبب. وقد ألزم المشرِّع السوري الإدارة بأن تبت في طلب الاستقالة سلباً أو ايجاباً خلال ستين يوماً من تاريخ تقديم الطلب (المادة (133) فقرة /ب/ من القانون /50/ لعام 2004). إلا أن المشرِّع لم يحدد صراحة ما مصير الطلب الذي تقدّم به أحد العمال في حال سكوت الإدارة عن الرد سلباً أو إيجاباً على عكس المشرِّع المصري الذي عدّ الاستقالة مقبولة في حالة عدم البت في طلب الاستقالة (سلباً أم إيجاباً) خلال ثلاثين يوماً من تاريخ تقديمه. (المادة (97) من قانون العاملين المدنين في الدولة).

ب ـ الاستقالة الحكميّة: راعى المشرِّع الحالات التي يلجأ فيها الموظف إلى اتخاذ مواقف معينة غير مبررة من الجهة العامة وصمم نوعاً آخرَ من الاستقالة أطلق عليه الفقه الاستقالة الضمنية أو الحكمية أو الافتراضية. وقد حدد المشرِّع السوري حالات الاستقالة الحكمية على سبيل الحصر، إذ وردت هذه الحالات في المادة (135) من نظام العاملين الأساسي في الدولة رقم /50/ لعام 2004. ويمكن تصنيف هذه الحالات في ثلاث حالات رئيسية أهمها:

(1)ـ حالة الغياب عن العمل من دون عذر مقبول مدة /15/ يوم متصلة أو /30/ يوماً منفصلة وتملك الإدارة سلطة تقديرية في اعتبار هذا الغياب مبرراً أم لا وذلك قبل صدور القرار الذي ينهي علاقة الموظف بالإدارة.

(2)ـ حالة الانقطاع عن العمل بقصد الإضراب.

(3)ـ حالة الالتحاق بخدمة جهة أجنبية.

وإذا وضع العامل المعتبر بحكم المستقيل نفسه تحت تصرف الإدارة ضمن المهلة المحدَّدة من قانون العفو عن جرائم الانقطاع عن العمل وتأخرت الإدارة في إعادته إلى عمله يجعل من حق هذا العامل أن يعد معاداً إلى العمل حكماً من تاريخ وضع نفسه تحت التصرف وتعد المدة الواقعة بين هذا التاريخ وبين تاريخ إعادته خدمة فعلية (المحكمة الإدارية العليا قرار /260/ طعن /448/ لعام 1991).

وهكذا يمكن القول: إن حالات انتهاء الخدمة مهما كان سببها ومصدرها خضعت للتقنين في تشريعات الوظيفة العامة وتمَّ تنظيم جل تفاصيلها على النحو الذي يقلص السلطة التقديرية للإدارة إلى درجة الصفر.

وهذا التفصيل ضروري نظراً لخطورة موضوع انقطاع الخدمة والآثار التي يرتبها سواءً من وجهة نظر الإدارة أم من وجهة نظر الموظف.

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ أنور رسلان، القانون الإداري (مركز جامعة القاهرة للتعليم المفتوح، طبعة خاصة بسورية 2002).

ـ عبد الله طلبه، مبادئ القانون الإداري (الجزء الثاني) (منشورات جامعة حلب، كلية الحقوق، 1995).

ـ فوزت فرحات، القانون الإداري العام، التنظيم الإداري والنشاط الإداري (المؤسسة الحديثة للكتاب، طرابلس 2004).

ـ سعيد نحيلي، عبسي الحسن، القانون الإداري (النشاط الإداري) (منشورات جامعة حلب، كلية الحقوق، 2007).

ـ عبد الله طلبه، نجم الأحمد، القانون الإداري، قسم الدراسات القانونية (منشورات جامعة دمشق، مركز التعليم المفتوح، 2005).

ـ عبد الغني بسيوني عبد الله، القانون الإداري (المكتبة القانونية، الدار الجامعية، بلا تاريخ).

- Klaus KOPP, Offentliches Dienstrecht in: Steiner (Hrsg), Besonderes Verwaltungsrecht , 3; Aufl , Heidelberg, 1988 , S. 341 ff.


التصنيف : القانون العام
النوع : القانون العام
المجلد: المجلد الخامس: طرق الطعن في الأحكام الإدارية ــ علم العقاب
رقم الصفحة ضمن المجلد : 93
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 501
الكل : 31569342
اليوم : 4197