logo

logo

logo

logo

logo

البطلان في العقود الإدارية

بطلان في عقود اداريه

nullity in administrative contracts - nullité des contrats administratifs

 البطلان في العقود الإدارية

البطلان في العقود الإدارية

مهند نوح

ماهية البطلان وأنواعه

التمسك بالبطلان

إجازة البطلان

آثار البطلان

بطلان العقود الإدارية في ضوء اجتهاد القضاء الإداري السوري

 

أولاًـ ماهية البطلان وأنواعه:

للبطلان في العقود الخاضعة للقانون المدني نوعان، فهناك البطلان المطلق من جهة، والبطلان النسبي من جهة أخرى، ومن المعلوم أن معيار التفريق بين نوعي البطلان وفقاً لما هو مستقر عليه في إطار القانون الخاص إنما يكمن في المصلحة الجديرة بالحماية، فإذا كان سبب البطلان حماية المصلحة العامة فالبطلان يكون مطلقاً، أما إذا كان لحماية مصلحة خاصة فيكون البطلان عندئذ نسبياً، وإن سيطرة هذا المعيار للتفرقة بين نوعي البطلان في إطار عقود القانون الخاص أدى من حيث النتيجة إلى توسع مجال البطلان النسبي حتى في نطاق الرضا والأهلية.

وإذا كان القضاء والفقه الإداريان قد استقرا على نوعي البطلان في إطار العقود الإدارية، كما استقرا على إعمال معيار المصلحة المحمية للتفرقة بين نوعي البطلان، ولكن على العكس مما هو الحال في نطاق عقود القانون الخاص، إذ أدى إعمال معيار المصلحة المحمية إلى توسيع نطاق البطلان النسبي، فإن إعمال المعيار ذاته في نطاق العقود الإدارية قد أدى إلى توسيع نطاق البطلان المطلق على حساب البطلان النسبي حتى لاحظ جانب من الفقه الفرنسي أنه لا يوجد مجال للبطلان النسبي في إطار العقود الإدارية، وسبب ذلك يكمن في المكانة المتفوقة لمبدأ المصلحة العامة في القانون الإداري مما جعل البطلان المطلق يحتل مكاناً متفوقاً وأصلياً.

وعلى الرغم مما تقدم يلاحظ أن هناك بعض التطبيقات القديمة للبطلان النسبي في إطار العقود الإدارية، كما هو الحال في إطار الاختصاص، إذ شبهت قواعد الاختصاص بالقواعد التي تحكم الأهلية، إلا أن هذا الاتجاه سرعان ما تم هجره منذ زمن طويل من قبل مجلس الدولة الفرنسي، إذ قرر هذا الأخير أن المصلحة العامة هي التي تسوغ احترام قواعد الاختصاص، ورتب البطلان المطلق على مخالفتها، وكذلك الحال في إطار الوصاية التي تمارسها السلطات المركزية على عمل السلطات اللامركزية والتي شبهت بقواعد الوصاية في القانون الخاص، ومن ثم فقد ساد اتجاه في القرن التاسع عشر مؤداه أن إهمال تصديق السلطات المركزية على عقود السلطات اللامركزية من شأنه أن يجعل العقد مشوباً بالبطلان النسبي، إلا أن هذا الاتجاه أصبح مهجوراً أيضاً منذ زمن طويل، فقد رأى القضاء الإداري الفرنسي أن قواعد الوصاية الإدارية من قواعد القانون العام المستوحاة من مقتضيات المصلحة العامة، ويجب ترتيب البطلان المطلق في حالة إهمالها.

ثانياً ـ التمسك بالبطلان:

يتمسك ببطلان العقود الإدارية La nullité des contrats administratifs كل من:

1ـ أطراف العقد: فهؤلاء هم الذين يتمسكون بشروطه، وهم الذين يحق لهم أن يطالبوا ببطلانه، وذلك عن طريق الدعوى أو عن طريق الدفع، ومن الملاحظ دائماً أن الأطراف هم فقط الذين يحق لهم أن يطلبوا بطلان العقد ولو كان البطلان مطلقاً، وفي هذه الحالة فإن إصرار القضاء الإداري الفرنسي خصوصاً على إغلاق دعوى البطلان أمام الغير يبدو مستغرباً، لأن مبدأ نسبية آثار العقود أكثر مرونة في القانون الإداري، مما هو سائد في القانون الخاص، لأن هدف المرفق العام الذي يسود ضمن العقود الإدارية يؤدي إلى الحد من مبدأ نسبية آثار العقود، لذلك كان هذا النوع من العقود قابلاً جداً لأن ينتج حقوقاً والتزامات على عاتق الغير.

2ـ المحافظ: وذلك وفقاً لقانون اللامركزية الصادر في 2/3/1982 في فرنسا، والذي يجيز للمحافظ أن يطعن في مشروعية العقد المحال إليه من قبل وحدات الإدارة المحلية، وذلك أمام المحكمة الإدارية المختصة، وضمن الميعاد الذي حدده القانون.

3ـ القاضي: يستطيع القاضي أن يثير بطلان العقد من تلقاء ذاته، ولو لم يثره الأطراف.

ولكن على الرغم من ذلك، يلاحظ أن القاضي الإداري الفرنسي خصوصاً يقنن في بطلان العقود الإدارية، نظراً لدورها في سير المرفق العام، إذ تبلورت فلسفة القاضي الإداري الفرنسي على أساس النزعة إلى رسوخ العقود، وذلك من منطلق أن الارتباطات التعاقدية للإدارة من المفترض أن تساعد على دوام واستمرار سير المرفق العام. وليس هذا هو حال القاضي الإداري في فرنسا فحسب، بل هو حال القاضي العادي أيضاً الذي يتردد في ترتيب الجزاءات بحق الإدارة. عندما ينظر في قضاء بطلان عقود الإدارة الخاضعة للقانون الخاص.

وبناء على ما تقدم يطبق القاضي الإداري في فرنسا البطلان الجزئي، أكثر مما هو متبع لدى القضاء المدني، ويطبق البطلان الجزئي في هذه الحالة بشرط ألا يكون الشرط الذي حكم ببطلانه دافعاً إلى التعاقد، ومن ثم فإن المنهج المتبع عند ترتيب البطلان الجزئي، هو التوفيق ما بين مقتضيات إرادة الأطراف وضرورات النظام العام.

وعلى كل حال فإن المرجع القضائي الوحيد المختص بالنظر في بطلان العقود الإدارية إنما هو القاضي الإداري، وذلك ضمن ولاية القضاء الكامل من حيث الأصل، مع مراعاة مسألة مهمة جرى عليها العمل في فرنسا في إطار قضاء بطلان العقود الإدارية، إذ يجب على القاضي الإداري أن يراعي المسائل الأولية المتعلقة بالقانون الخاص، ويحيلها على القاضي المدني ليبت فيها، ومثل هذه المسائل الأولية لا تثار إلا إذا كان أحد أشخاص القانون الخاص طرفاً في العقد، كما لو طرحت أمام القاضي الإداري مسألة بطلان عقد إداري بسبب عدم أهلية المتعاقد مع الإدارة، في هذه الحالة لا يقدر القاضي الإداري صحة الأهلية، ويحيل الأمر إلى القاضي المدني ليقدر مسألة الأهلية، ثم يقوم بترتيب النتائج بناء على ما قرره القاضي المدني بهذا الشأن.

ثالثاً ـ إجازة البطلان:

الإجازة هي العمل الذي يستطيع الشخص عن طريقه إثارة البطلان، ومن ثم فإن الإجازة تعد عملاً إنفرادياً صادراً عن إرادة المجيز فقط، وللإجازة أثر رجعي، وتخضع للشروط العامة؛ إذ يجب أن يكون المجيز عالماً بالمخالفة التي تشوب العقد، ويجب أن تتوافر لديه نية إصلاح العقد، ويجب أن تكون إرادة المجيز خالية من أي عيب، ويمكن أن تكون الإجازة صريحة أو ضمنية وتنصب الإجازة في القانون المدني تقليدياً على العقود المشوبة بالبطلان النسبي، دون البطلان المطلق، وقد قبل مجلس الدولة الفرنسي إجازة البطلان في قضاء بطلان العقود الإدارية، وذلك في قواعد الشكل والإجراء المفروضة عند إبرام هذه العقود، إذا كانت لا تتعلق بالنظام العام.

رابعاً ـ آثار البطلان:

إن الأثر الرئيسي لبطلان العقد الإداري يتمثل في زوال كل فعالية قانونية له، وانحسار آثاره عن الماضي والمستقبل، ويعد بذلك كأنه لم يوجد مطلقاً، وبناء عليه لا يستطيع أطراف العقد إثارة شروط العقد الباطل، ومن جهة أخرى، فإن زوال العقد بأثر رجعي الذي يعقب البطلان، إنما يؤدي إلى إعادة أطراف العقد إلى المركز الذي كانوا فيه قبل الإبرام، وهذه الرجعية تفرضها الطبيعة الكاشفة لجزاء البطلان، ومادام الأمر كذلك، فإن مبدأ رجعية البطلان يفترض رد ما تم تنفيذه من العقد.

ولكن قد يكون هذا الرد مستحيلاً في بعض الأحيان، مما يؤدي إلى ضرورة الرد العيني، ويلاحظ أن القضاء الإداري الفرنسي يحجم عن الحكم برد الأداءات المنفذة من جانب المتعاقد مع الإدارة في الفترة بين إبرام العقد والحكم ببطلانه، وذلك تطبيقاً لقاعدة: «لا يصغى إلى قول من يستفيد من سوء عمله»، جزاءً على الرضائية غير المشروعة، ولكنه ـ أي القضاء الإداري الفرنسي ـ يطبقها على نطاق أوسع من القضاء المدني.

خامساً ـ بطلان العقود الإدارية في ضوء اجتهاد القضاء الإداري السوري:

لقد فرقت المحكمة الإدارية العليا السورية ما بين البطلان والانعدام في إطار العقود الإدارية، فرأت أن عدم توقيع العقد من قبل السلطة الإدارية المختصة من شأنه أن يجعل الرابطة العقدية معدومة لا باطلة، لأن الحكم ببطلان العقد يفترض وجود عقد قائم له كيان قانوني، ولكنه انطوى على عيب من عيوب البطلان المعروفة في القانون، أما مشروع العقد فيعني أن العقد لم يتحقق وجوده القانوني الكامل (راجع: قرارها رقم 100 في الطعن 166 لسنة 1970، مجموعة المبادئ لسنة 1970، ص162). كما رأت المحكمة ذاتها أن عدم تصديق العقد من قبل اللجنة المختصة في مجلس الدولة من شأنه أيضاً أن يؤدي إلى انعدام القرار (قرارها رقم 38 في الطعن رقم 147 لسنة 1985، مجموعة المبادئ لسنة 1985، ص223). وكذلك الحال إذا لم يقترن بتصديق اللجنة الاقتصادية لدى مجلس الوزراء (قرارها رقم 309 في الطعن رقم 144 لسنة 1979، مبادئ القضاء الإداري في أربعين عاماً، المحامي مصباح المهايني، مؤسسة النوري، دمشق، 2005، ص 38).

وقد طبق القضاء الإداري السوري نظرية البطلان الجزئي للعقود الإدارية، ولاسيما حين تضع الإدارة شرطاً من شأنه أن يحول دون مطالبة المتعاقد بإعادة التوازن المالي للعقد، إذ تواتر اجتهاد المحكمة الإدارية العليا على بطلان هذا الشرط وصحة العقد (مثلاً: قرارها رقم 191 في الطعن 204 لسنة 1984، مجموعة المبادئ لسنة 1984، ص332، وقرارها رقم 1 في الطعن رقم 8 لسنة 1990، مجموعة المبادئ لسنة 1990، ص757..)

وقد رتبت المحكمة الإدارية العليا السورية، على انعدام العقد الإداري أو بطلانه، وجود رابطة قانونية (فعلية) أو (عقد فعلي) يوجب أن تؤخذ النفقات التي تكبدها المتعاقد بعين الاعتبار إذا كانت نافعة وضرورية للإدارة (قرارها رقم 100 في الطعن 161 لسنة 1970، مجموعة المبادئ لسنة 1970 ص162). ومن الواضح أن المحكمة الإدارية العليا السورية قد تبنت مبدأ الإثراء بلا سبب لمعالجة الافتقار المترتب في ذمة المتعهد الذي ينفذ أعمالاً نافعة وضرورية للإدارة، ثم يترتب بطلان أو انعدام العقد، وإن لم تشر إلى ذلك صراحة.

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ سليمان الطماوي، الأسس العامة للعقود الإدارية (جامعة عين شمس، القاهرة 1991).

ـ زكي النجار، نظرية البطلان في العقود الإدارية، رسالة دكتوراه (جامعة عين شمس 1981).

ـ مهند نوح، الإيجاب والقبول في العقد الإداري (منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت 2005).

- Pouyaud, La nullité des contrats administratifs (L.G.D.J, Paris 1991).

- L. Richer, Droit des contrats administratifs (L.G.D.J, Paris 2004).

- A. Laubadère, P. Delvolvé et F. Moderne, Traité des contrats administratifs (L.G.D.J, Paris 1983 -1984).


التصنيف : القانون العام
النوع : القانون العام
المجلد: المجلد الخامس: طرق الطعن في الأحكام الإدارية ــ علم العقاب
رقم الصفحة ضمن المجلد : 364
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 478
الكل : 31187057
اليوم : 12214