logo

logo

logo

logo

logo

العقود الدولية

عقود دوليه

international contracts - contrats internationaux

 العقود الدولية

العقود الدولية

وفاء  فلحوط

العقود النموذجية والاتفاقيات الدولية الناظمة للعقد الدولي أطراف العقد الدولي
تعريف العقد الدولي الحقوق والالتزامات المتبادلة
شروط العقد الدولي طرق تسوية المنازعات الناشئة عن العقد الدولي
أنواع العقود الدولية القانون الواجب التطبيق على العقد الدولي
 

مع اختلاف مفهوم التنمية وانتقال الدول لإيجاد بديل عن نظريات الاكتفاء الذاتي ظهرت النظريات التي تسمح بدخول المؤسسات الاقتصادية للاستثمار داخل الدول.

ونظراً لأن عمليات انتقال الأموال مادية كانت أم معنوية، أو الخبرات فنية كانت أم إدارية إنما تتم في غالبيتها العظمى ضمن إطار عقدي، فمن هنا تأتي أهمية دراسة موضوع «العقود الدولية The international contracts» على مختلف أنواعها.

أولاً ـ العقود النموذجية والاتفاقيات الدولية الناظمة للعقد الدولي:

تحتل  العقود التجارية الدولية مقدمة الركائز الأساسية التي يقوم عليها الاقتصاد الدولي في الوقت الحاضر، وقد  بدأت علاقات التجارة الدولية حقيقة تبتعد منذ وقت بعيد عن سيطرة القوانين الداخلية، لتحكم أو تنظم عن طريق قواعد ذات طابع مهني وقواعد عرفية لا تنتمي بأصلها إلى قواعد مستمدة من قانون دولة ما، وقد عملت بعض الهيئات الدولية على وضع قواعد موضوعية موحدة دولية تخضع لها مباشرة معاملات التجارة الدولية، منها المعهد الدولي لتوحيد القانون الخاص الذي أولى اهتماماً لعدة مسائل في القانون الخاص تتعلق بموضوعات التجارة الدولية من أهمها البيوع الدولية. وقد أسفرت جهوده في هذا المجال عن توقيع اتفاقيتي لاهاي في أول تموز/يوليو سنة 1964، وتتضمنان قواعد موحدة للبيوع الدولية؛ الأولى منهما تتعلق بالقانون الموحد للبيع الدولي للمنقولات المادية، والثانية تشتمل على قواعد موحدة خاصة بتكوين هذا العقد. وقد دخلت الاتفاقيتان حيز التنفيذ منذ 18 و23 آب/أغسطس سنة 1972 بالنسبة للدول التي صدقت عليهما. إلا أنها أخفقت في تحقيق الغرض المقصود منها، إذ لم يصدق عليها سوى عدد قليل من الدول، كما ـ وأنشأت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 17 كانون الأول/ديسمبر 1966 لجنة دائمة أسمتها «لجنة الأمم المتحدة لقانون التجارة الدولي United Nations Commission on International Trade Law»، بقصد تشجيع التنسيق والتوحيد التدريجي لقانون التجارة الدولية. وحدد قرار إنشائها نوعية الأعمال التي يتسنى للجنة القيام بها لتحقيق هذا الغرض، ومنها على وجه الخصوص إعداد مشروعات اتفاقيات دولية وقوانين نموذجية وقوانين موحدة جديدة، أو تشجيع الأخذ بهذه الأدوات، وتشجيع تدوين المصطلحات التجارية والقواعد والعادات والممارسات الخاصة بالتجارة الدولية ونشرها. وقد أنجزت لجنة قانون التجارة الدولية التابعة للأمم المتحدة حتى الآن عدداً لا بأس به من الاتفاقيات الدولية والقواعد النموذجية أهمها:

ـ اتفاقية مدة التقادم في البيع الدولي للبضائع في نيويورك سنة 1974، و«البروتوكول» المعدل لاتفاقية مدة التقادم في البيع الدولي للبضائع في ڤيينا سنة 1980.

ـ اتفاقية الأمم المتحدة للنقل البحري للبضائع لعام 1978 في هامبورغ وتعرف باسم قواعد هامبورغ التي دخلت حيز النفاذ في أول تشرين الثاني/نوفمبر سنة 1992 فيما يتعلق بالدول المنضمة إليها.

ـ اتفاقية الأمم المتحدة بشأن عقود البيع الدولي للبضائع في ڤيينا سنة 1980 التي دخلت دور النفاذ في أول كانون الثاني/ يناير سنة 1988 فيما يتعلق بالدول التي انضمت إليها.

ـ القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي في حزيران/يونيو 1985.

ـ اتفاقية الأمم المتحدة بشأن السفاتج (الكمبيالات) الدولية والسندات الأذنية الدولية التي أقرتها اللجنة في اجتماعها في ڤيينا بتاريخ 14 آب/أغسطس 1987.

ـ الدليل القانوني لصياغة العقود الدولية لتشييد المنشآت الصناعية على حسب ما أقرته مجموعة العمل التي انعقدت في نيويورك في نيسان/ أبريل 1987، وقد أقرته اللجنة في ڤيينا بتاريخ 14 آب/أغسطس عام 1987.

وبذلك يمكن القول بتعدد أساليب التوحيد الدولي لقانون التجارة الدولية والتي يمكن أن تتم بأحد الطرق التالية:

ـ عقد اتفاقية دولية متعددة الأطراف من دون اعتماد قانون نمطي (اتفاقيات الغات).

ـ عقد اتفاقية دولية متعددة الأطراف تعتمد قانوناً موحدا ً(اتفاقية ڤيينا للبيوع الدولية للبضائع).

ـ عقد مجموعة من الاتفاقيات الدولية الثنائية الأطراف (اتفاقيات الازدواج الضريبي).

ـ عن طريق التشريعات الإقليمية (مثل توصيات الاتحاد الأوربي).

ـ عن طريق قانون نمطي أو نموذجي (مثل قانون اليونسترال للتحكيم التجاري الدولي والقانون الموحد للتجارة الإلكترونية).

ـ عن طريق صياغة قواعد الأعراف والعادات الدولية من قبل منظمة غير حكومية (الاعتمادات المستندية).

ـ عن طريق تعابير موحدة تنشر من قبل منظمة غير حكومية INCOTERMS.

ـ عن طريق عقود نمطية وشروط عامة نمطية (نموذج joint venture).

ـ عن طريق المقترحات العلمية والخبرات الدولية (في مجال القانون التجاري البحري ـ تقاسم الخسائر).

ولكن يلاحظ أن التوحيد يجب أن يقتصر على وضع الشروط العامة للتعاقد مع ترك التفاصيل للاتفاقات الخاصة في كل حالة على حدة، ولمواجهة الظروف المختلفة للتعاقدات الدولية.

ثانياً ـ تعريف العقد الدولي:

يعرف العقد الدولي عموماً بأنه: «العقد غير الداخلي الناظم لعلاقات الأفراد على الصعيد الدولي، وهو يستمد صفته الدولية من طبيعة العلاقة التي يحكمها، ويتخذ عادة شكل شروط عامة أو عقد نموذجي».

وعلى الرغم من ذلك فإن تحديد دولية العلاقة قد أثار بعض الصعوبات، وأدى إلى اختلاف الفقه حول المعيار الواجب الاتباع لتحديد دولية العقد بوصفه شرطاً لأعمال قواعد القانون الدولي الخاص، فبينما استقر الفقه التقليدي على تبني المعيار القانوني الذي يعتد بعناصر الرابطة العقدية أخذ جانب من الفقه الحديث بالتركيز على المعيار الاقتصادي الذي يعبر عن مدى اتصال العقد بمصالح التجارة الدولية.

1ـ المعيار القانوني لدولية العقد: وفقاً لهذا المعيار فان العقد يعد عقداً دولياً فيما لو اتصلت عناصره القانونية بأكثر من نظام قانوني واحد. أي إن الصفة الأجنبية تكون قد تطرقت لأحد عناصره (الأطراف ـ الموضوع ـ واقعته المنشئة ـ هدفه ـ محل إبرامه).

ولكن اختلاف أحد العناصر القانونية للعقد كجنسية المتعاقدين أو اختلاف محال إقامتهما، كالبيع الذي يبرم بين أجنبيين من جنسيتين مختلفتين يقيمان في سورية مثلاً وموضوعه سلع موجودة في سورية وليس في النية نقلها إلى مكان آخر، أو البيع الذي يبرم في سورية بين سوري يقيم بسورية وفرنسي يقيم بفرنسا لكنه في زيارة لسورية وموضوعه سلع موجودة بسورية وليس في النية نقلها وبثمن يدفع في سورية وبالعملة السورية، فالبيع في الحالتين تغلب فيه الصفة الوطنية على الرغم من اختلاف جنسية المتعاقدين ومحال إقامتهما.

وهذا ما أدى إلى وقوع الخلاف بين أنصار المعيار القانوني أنفسهم حول مدى فاعلية العناصر القانونية للرابطة العقدية، وأثر كل منها في اتسام هذه الرابطة بالطابع الدولي.

فذهب الفقه التقليدي إلى التسوية بين العناصر القانونية للرابطة العقدية، بحيث يكتسب العقد الطابع الدولي بمجرد تطرق الصفة الأجنبية إلى أي من عناصره القانونية مما يبرر إخضاعه لأحكام القانون الدولي الخاص.

في حين ذهب جانب من الفقه المعاصر إلى التفرقة بين العناصر الفاعلة والعناصر غير الفاعلة في العقد، وعدّوا أن الجنسية الأجنبية للمتعاقد ليست من العناصر الفاعلة في العقود التجارية الدولية، وذلك خلافاً لمحل تنفيذ العقد الذي يعدُّ من أهم تلك العناصر.

وبناء على ذلك عُرف العقد الدولي بأنه «العقد الذي يبرم بين مختلفي الجنسية أو متحديها إذا كان مكان إبرامه، أو أعمال تنفيذه، أو مكان وجود محله يهم أكثر من نظام قانوني».

وهذا يقود إلى استعراض المعيار الاقتصادي لدولية العقد:

2 ـ المعيار الاقتصادي لدولية العقد: استند القضاء الفرنسي (محكمة النقض) في تحديد الصفة الدولية للعقد على معيار اقتصادي يعد بموجبه العقد دولياً إذا كان يتصل بمصالح التجارة الدولية. أي ينطوي على رابطة تتجاوز الاقتصاد الداخلي لدولة ما، ويترتب عليها حركة للأموال وانتقالها من مكان إلى آخر.

وهذا يعني أن أعمال المعيار الاقتصادي لدولية العقود لا يتعارض مع المعيار القانوني، لأن العقد الذي يترتب عليه حركة للأموال وانتقالها من دولة إلى أخرى ـ أي يتعلق بمصالح التجارة الدولية ـ هو عقد دولي وفقاً للمعيار الاقتصادي، وهو عقد يتصل بالضرورة بأكثر من نظام قانوني واحد، وبالتالي يكون عقداً دولياً وفقاً للمعيار القانوني في الوقت نفسه.

إلا أن الأمر يختلف فيما لو اكتسب العقد طابعه الدولي وفقاً للمعيار القانوني (الواسع تحديداً)، إذ ليس بالضرورة أن يتحقق معه المعيار الاقتصادي لدولية العقود.

ومن هنا يتبين أن المعيار القانوني لدولية العقد أوسع من المعيار الاقتصادي، وأن الأخذ بالمعيار الاقتصادي سيفضي بالضرورة إلى المعيار القانوني في حين أن العكس غير صحيح بالضرورة.

وبذلك تصبح التفرقة بين العناصر الفاعلة والعناصر غير الفاعلة (المعيار القانوني المضيق) هي الأساس الصحيح لدولية الرابطة العقدية، وتصلح ليس فقط معياراً لدولية العقود المالية، وإنما أساساً لإضفاء هذه الصفة على جميع العقود أياً كانت طبيعتها على النقيض من الأخذ بالمعيار القانوني الموسع الذي يؤدي إلى دولية تلك الرابطة على الرغم من عدم اتصالها بمصالح التجارة الدولية.

وهكذا يثبت قانوناً (من وجهتي نظر المعيارين) أن العقد القائم بين الشركة الأم وأحد فروعها في دولة أخرى هو عقد دولي خلافاً لما تريده تلك الشركات، على أنه يمكن أن يعدّ عقدها عقداً داخلياً، ولكن ليس من وجهة نظر قانونية إنما من وجهة نظر اقتصادية بحتة (تحويل الأرباح)، ومن هنا يُتوصل إلى نقطة الالتقاء ما بين (المعيار الاقتصادي) و(المعيار القانوني المضيّق) الذي يعتد بالصفة الأجنبية للعناصر الفاعلة والمؤثرة فقط في العلاقة العقدية بحيث يؤدي إعمال أحدهما إلى إظهار الآخر، وهذا ما دفع القضاء الفرنسي الحديث للجمع بينهما في تقرير دولية العقود عموماً.

وتجدر الإشارة إلى أن تكييف القاضي للعلاقة العقدية المطروحة أمامه، وتحديد ما إذا كانت تتسم بالطابع الدولي وبالتالي تطبيق قواعد الإسناد، أو أنها تتسم بالطابع الداخلي الذي يحتم عليه تطبيق قانونه الوطني هي مسألة قانونية تخضع لرقابة محكمة النقض.

ومن ناحية أخرى هناك نقطة جديرة بالملاحظة، وذلك بعد تحديد المعايير المتبعة في تحديد دولية العقد ألا وهي ما المقصود بالصفة الدولية، هل هي الدولية المطلقة أو الموضوعية أم هل هي الدولية النسبية أو الشخصية؟

يقصد بالصفة الدولية هنا الدولية المطلقة أو الموضوعية أي دولية العقد في ذاتها بصرف النظر عن القضاء الناظر فيه، إذ قد تكون دولية أي عقد دولي شخصية (نسبية) بحيث تتركز جميع عناصره في دولة واحدة ولكن تطرح المنازعات الناشئة بصدده أمام قضاء دولة ثانية.

ثالثاً ـ شروط العقد الدولي:

1ـ الشروط الموضوعية: إنّ توافر المقومات الموضوعية الأربعة في أي عقد كان لازمة وضرورية لقيام ذلك العقد صحيحاً، وهذه المقومات هي:

أ ـ الرضا: يشترط لقيام العقد الدولي أن تكون إرادة عاقديه موجودة أصلاً وغير معيبة، فإن كانت إرادة أحد المتعاقدين غير موجودة كان العقد باطلاً، أمّا إذا كان واقعاً تحت تأثير الإكراه أو التدليس (أي كانت الإرادة موجودة لكن معيبة) يكون العقد قابلاً للإبطال. وتكون الإرادة معيبة في كُلٍّ من:

ـ التدليس: وهو خديعة توقع الشخص في وهم يدفعه إلى التعاقد.

ـ الغش: هو الخديعة التي تقع عند تنفيذ العقد بعد تمام انعقادهِ.

ـ الغلط: بما يعنيه من وهمٍ يقع به المتعاقد من تلقاء نفسه ويحمله على التعاقد.

ـ الإكراه: ويقصد به ذلك الضغط (المادي أو المعنوي) الذي تتأثر به إرادة الشخص فيندفع إلى التعاقد من دون حق.

ـ الاستغلال: أي استغلال هفوات الطرف الآخر للحصول على مزايا من دون مقابل، أو للتوصل إلى مزايا غير متعادلة.

ب ـ الأهلية: يشترط في العقد الدولي أهلية عاقديه، ويمكن الرجوع لمعرفة وجود الأهلية من عدمها من خلال القانون الناظم لها.

جـ ـ المحل: بداية لابُدَّ من القول إنَّ محل العقد يختلف عن محل الالتزام: فمحل الالتزام: هو كل ما يلتزم به المدين، وقد يكون عملاً أو امتناعاً عن عمل أو إعطاء شيءٍ ما، في حين محل العقد: يراد به موضوعه الذي يتحقق عن طريق إنشاء الالتزامات ذاتها.

وبما أنَّ العقد ينشئ عدة التزامات لكل منها محله يتسنى القول إن المحلَ ركنٌ في العقد لكنه حقيقة ركن في الالتزام لا في العقد.

أما عن شروط المحل: فيعد محل العقد الدولي صحيحاً (فيما لو كان ذلك المحل شيئاً ما)، إذا كان:

ـ موجوداً أو يمكن وجوده في المستقبل.

ـ معيناً أو قابلاً للتعيين.

ـ داخلاً في دائرة التعامل.

د ـ السبب: يستخدم مفهوم السبب للدلالة على عدة معانٍ، يعدُّ أهمها:

ـ السبب المنشئ: أي المصدر المولد للالتزام، «كالعقد».

ـ السبب القصدي: أي الغرض المباشر الذي يرمي إليه الملتزم.

ـ السبب الدافع: وهو الغرض الشخصي البعيد غير المباشر الذي دفع المتعاقد للتعاقد.

2ـ الشروط الشكلية: فيما يتعلق بشكل العقد يُميز بين ما يسمى بالعقود الشكلية من جهة، وبين العقود التي تتطلب شكليات معينة من جهة أخرى، وهذا التميز ليس شكلياً فثمة اختلافات بينهما:

أ ـ العقود الشكلية: ترد إلى نوعين:

(1) ـ الرسمية: أي تحرير العقد من قبل موظف (جهة) خاصة.

(2) ـ الكتابة: والكتابة تعني هنا (بوصفها شرطاً شكلياً) شريطة جوهرية خامسة لقيام العقد، وإلا فإنَّ العقد يقع باطلاً أو معدوماً، وهذا ما يميزها من الكتابة بوصفها شرطاً للإثبات لا يفرز تخلفه النتائج نفسها.

وقد تثبت شكلية الكتابة باشتراط العاقدين «وهذه هي الشكلية الاتفاقية».

كما قد تثبت الشكلية بحكم القانون ومثالها: المادة 74/1 من قانون التجارة المصري الجديد الواردة في الفصل الخاص بعقود نقل التكنولوجيا الدولية إذا اشترطت صراحةً كتابة العقد وإلاَّ وقع باطلاً.

ب ـ العقود التي تستلزم شكلية معينة: لا يتطلب القانون في هذه العقود الشكل (بالمعنى الدقيق للكلمة) لتكوين العقد، إنما يقتصر على فرض شكليات معينة لا تعدُّ استثناءً على مبدأ الرضائية بقدر ما هي تلطيف له، ومن هنا فإن تخلف تلك الشكليات لا يترتب عليها بطلان العقد كما في الحالة السابقة، إنما قد يؤدي إلى حجب بعض آثار العقد أو إلى عدم نفاذه، وأهم تلك الشكليات:

(1) ـ الشكليات المالية: وأهمها التسجيل، ومثالها ما جاء في القانون المكسيكي /1981/ حيث رفضت م16 منه «تسجيل العقود التي تهدف إلى نقل تقنيات مستوردة من الخارج والتي تكون متواجدة في الدولة».

(2) ـ الشكليات الإدارية: كالتصريح عن العقود لجهة معينة، وليس أدل على ذلك أكثر من المرسوم رقم 70 ـ441 الصادر في 26 أيار/مايو 1970 في فرنسا، إذ جاء في المادة (1) منه:

«كل عقد أو ملحق عقد موضوعه التنازل من قبل شخص طبيعي أو اعتباري له موطن أو مركز إدارة في فرنسا إلى شخص طبيعي أو اعتباري مركز إدارته في الخارج عن حقوق الملكية الصناعية وجميع العناصر الفكرية المتعلقة بالمساعدة العلمية أو التقنية في جميع أشكالها وخاصة المعرفة التقنية والدراسات تخضع للتصريح عنها لدى وزارة التطور الصناعي والعلمي».

رابعاً ـ أنواع العقود الدولية:

للعقود الدولية نماذج كثيرة ومختلفة ولعلَّ أهمها على سبيل المثال لا الحصر: عقود امتياز البترول، عقود الأشغال الدولية، عقود الـ (BuildـOperateـTransfer) BOT، وعقود نقل التكنولوجيا...

وتعدّ عقود امتياز البترول ـ زمنياً ـ من أولى عقود الدولة، إلا أن صراع المصالح بين أطراف العقد (الدول المنتجة للبترول والشركات الأجنبية العاملة في هذا المجال) كان السبب وراء تطويرها إلى عقود مشاركة أو عقود المشروعات المشتركة.

ويعرف عقد امتياز البترول في صورته التقليدية: «بأنه التصرف الذي تمنح بواسطته الدولة لمشروع أجنبي حقاً خالصاً له وقاصراً عليه في البحث في إقليمها عن البترول واستخدامه واستغلاله خلال مدة زمنية محدودة»، أما عقود المشاركة فهي تعني مشاركة الدول المنتجة للبترول في عمليات الاكتشاف والاستغلال، وتتحقق هذه المشاركة إما عن طريق إنشاء شركة تشمل الدولة مع المشروع الأجنبي، وإما عن طريق خلق مشروع مشترك باعتباره علاقة تعاقدية تقوم على الاستغلال المشترك لما يقدمه أطراف العلاقة من مال ومهارات وجهد بغرض اقتسام أرباح نشاطهم.

أما عقود الأشغال الدولية: «فهي تمثل توافق إرادتي جهة الإدارة مع أحد الأشخاص الأجنبية الخاصة من أجل تنفيذ أعمال عقارية معينة، لحساب شخص معنوي عام، وتحقيقاً للمصلحة العامة، على نحو معين ولقاء ثمن معين» مما يعني تطابق دلالتها مع دلالة عقد الأشغال الداخلي باستثناء إضفاء الصفة الدولية عليها.

وبذلك تعد عقود الـ BOT من الصور الحديثة لعقود الأشغال الدولية، التي تعني «قيام مستثمر أو شركة خاصة بعملية إنشاء مرفق من مرافق البنية الأساسية لحساب إحدى الحكومات على أن يحتفظ بحق تشغيل ذلك المرفق تجارياً والحصول على أرباحه لفترة معينة ثم يلتزم بنقل ملكيته إلى السلطة المتعاقدة».

إلا أن الصور العقدية الأكثر حداثة هي حقيقة التي نشأت في مجال «نقل التكنولوجيا»، حيث ظهر مؤخراً أن الغالبية العظمى من عمليات نقل التكنولوجيا التي تتم على الصعيد الدولي إنما ترد في قوالب عقدية تمثل الدول النامية الطرف المتلقي فيها.

وعقد نقل التكنولوجيا ـ بوصفه مصطلحاً ـ يشار إليه للدلالة على مجموعة واسعة من العقود التي تتضمن نقلاً للمعارف والمهارات العملية مع الالتزام بنتائج معينة تختلف من نمط عقدي إلى آخر، وأبرز هذه العقود على المستوى الدولي:

ـ عقد الترخيص، الذي يعرف بأنه العقد الذي يرخص بموجبه صاحب حق ملكية صناعية بحق استغلالها مدة زمنية معينة لقاء مقابل معين، ومثاله عقد الترخيص المبرم بين سورية وشركة Ericsson السويدية في عام 1999.

ـ عقد تسليم مفتاح باليد، ويعرف بأنه العقد الذي يلتزم فيه المورد بتسليم مشروع (مجمع صناعي) في حالة تسمح بتشغيله، ومثاله عقد تسليم مشفى الأسد الجامعي المبرم بين جامعة دمشق وشركة Babcoc Bau الألمانية في عام 1981.

ـ عقد الترخيص Franchiser الذي يعرف بأنه الاتفاق الذي يعطي بموجبه مانح الحق (الفرانشيزور) franchiser للغير حق استثمار الماركات والأسماء التجارية والشعارات والمعرفة الفنية...

ـ عقد التعاون الصناعي والتقني، ومثاله عقد مشاركة التصنيع بين المؤسسة العامة للمواصلات السلكية واللاسلكية السورية وشركة Samsung عام 1995.

ـ عقود الخدمات التكنولوجية على اختلافها، ومنها عقود الاستشارة الهندسية وعقود تقديم المساعدة التقنية، ومثالها العقود المبرمة بين المعهد العالي للعلوم التطبيقية السوري HIAST وجهات أوربية في عام 2001م.

خامسا ـ أطراف العقد الدولي:

تظهر أهمية التعريف بأطراف أي عقد كان في مدى مساهمته في معرفة القضاء المختص بتسوية النزاعات وتعيين القانون الواجب التطبيق.

من تحليل الواقع العملي يتبين أنه في الغالب الأعم أنَّ عمليات العرض والطلب الدولي تتم ما بين مجموعتين من الأطراف هما الدولة من جهة، والشركات متعددة الجنسية من جهة ثانية.

1ـ الدولة: إن وجود الدولة طرفاً في العقود الدولية يستوجب الوقوف عند مسألتي مدى تدخل الدولة في العقد، ومفهوم الدولة بوصفها طرفاً عقدياً.

أ ـ مدى تدخل الدولة في العقد الدولي: يمكن أن يُميز في مسلك الدولة السبل الآتية:

(1)         فإما أن تترك الدولة زمام المبادرة للقوى الاقتصادية الخاصة، في حين تتخذ هي التدابير والأساليب الكفيلة بتوجيه تلك المبادرة بما يتفق مع سياستها، كأن تترك استقدام التكنولوجيا الأجنبية لمشروعات «القطاع الخاص» وتقوم هي بإصدار القوانين واللوائح الناظمة لذلك النقل، وإما أن تلزم الأطراف باستصدار ترخيص معين من جهة محددة، أو تضع قيوداً معينة على محل العقد. وتقوم الدولة بذلك في معرض سياسة الرقابة والحماية، إلاَّ أنها لا تعدُّ طرفاً في العقد.

(2)         إلاَّ إنها كثيراً ما تجد بديلاً عن السياسة الرقابية والحمائية «أو على الأغلب إضافة إلى تلك السياسة»، ضرورة التدخل بنفسها في العقد وخاصةً في عقود نقل التكنولوجيا اللازمة لصناعات معينة حساسة وسرية «كالتكنولوجيا العسكرية»، أو الثقيلة والحيوية «كإنشاء المطارات والجسور...».

والدولة في الفرض الأول «حالة إصدار القوانين واللوائح..» لا تتصرف إلاَّ بوصفها شخصاً عاماً بما له من امتيازات سيادية، وفي الحالة الثانية قد تتعاقد إمَّا هي بذاتها، وإما بواسطة أحد الأشخاص العامة التابعة لها، وإمَّا أن تظهر بمظهر الشخص العام صاحب السيادة وإما أن ترضى النزول إلى مصاف المتعاقد العادي، وذلك بحسب الظروف المحيطة واللازمة لإبرام العقد.

ب ـ مفهوم الدولة بوصفها طرفاً عقدياً في العقود الدولية «المعيار الضيق والمعيار الواسع»: لا يثير تحديد الدولة على اعتبار أنها طرفٌ عقدي أي صعوبة تذكر فيما لو تعاقدت بنفسها عن طريق من يمثلها «رئيس الدولة، رئيس الوزراء، وزير»، إلاَّ أنَّ الوضع لا يظهر بمثل هذه السهولة فيما لو تعاقد بدل الدولة أحد الأجهزة التابعة لها، أو التي تعمل لحسابها. ومن هنا يطرح التساؤل الآتي موضعاً للنقاش، هل يقصد بالدولة: الدولة نفسها عبر من يمثلها فقط (الدولة بالمفهوم الضيق) بحيث تعدُّ عقودها عقود دولة وعقود أجهزتها التابعة تعامل كأي عقود تجارية دولية بالمعنى التقليدي «أي تقع خارج نطاق عقود الدولة»؟، أم هل ينصرف معنى الدولة للأجهزة التابعة لها أيضاً، والتي تقوم الدولة بتحديدها «المعيار الموسع»؟

على الرغم من الخلاف على الإجابة، هناك ترجيح واضح لمصلحة المعيار الموسع للدولة، حتى قيل «إن المعيار في اعتبار عقد ما من عقود الدولة هو ما إذا كان للدولة أو إحدى مؤسساتها أثر في التعاقد من عدمه».

وقد أيد ذلك الاتجاه جانب كبير من الفقه معتمداً لتغليب المعيار الموسع على نص المادة (25) من اتفاقية واشنطن المنشئة للمركز الدولي لحل المنازعات الناشئة من الاستثمار (18آذار/مارس 1965). وتقضي بأن «يختص المركز بنظر المنازعات القانونية الناشئة بين الدولة المتعاقدة أو هيئة عامة أو جهاز تابع للدولة تقوم الدولة بتحديده أمام المركز …».

وفيما يتعلق بتحديد تبعية الأجهزة للدول فإنه يمكن القول إن المعيار الحديث، والقائم على مزج عدة دلائل «قرائن» على تابعية جهازٍ ما أو مشروع لدولة يكتب له النجاح أكثر من غيره، لأنه يعدُّ من الخطر على مستقبل العلاقات الدولية اعتبار جهاز ما «شركة مثلاً» تابعاً لدولة، لمجرد قيام معيار وحيد «أو قرينة ضعيفة» على تلك التابعية، مما قد يعرضه لخطر الحجز على أمواله مثلاً لسداد ديون مترتبة على تلك الدولة. وهذا ما يحتم توخي مزيداً من الدقة الموضوعية عند تطبيق معيار تبعية جهاز ما إلى الدولة، إذ إنَّ العيب لا يلحق بالمبدأ «التبعية» إنما بكيفية تطبيقه.

2ـ المتعاقد الأجنبي: يمكن أن يتم التعاقد مع مجرد شخص طبيعي حيث لا يستبعد أن تبرم الدولة عقداً مع شخص طبيعي ويكيف عقدها بأنه «عقد دولة»، وأشهر أمثلته العقد المبرم بين المملكة العربية السعودية والمليونير أناسيس، الذي خلق تعارضاً مع عقدها مع شركة Aramco، وبالتالي يمكن إحالة النزاع فيه إلى مراكز تسوية منازعات عقود الدول «كمركز تسوية المنازعات المنشأ بمعاهدة واشنطن» بشروط معينة، إلاَّ أنه نادراً ما يحدث ذلك، وفي الغالب الأعم يكون المتعاقد مع الدولة شخصاً اعتبارياً أجنبياً، كالشركات متعددة الجنسية.

  وتعرف الشركة متعددة الجنسية من وجهة نظر اقتصادية بأنها المشروع الذي تكون فيه الملكية والإدارة والإنتاج والتسويق موزعة بين تشريعات وطنية متعددة.

كما تعرف من وجهة نظر قانونية بأنها: «المشروع الذي يملك ويسيطر على عدة منشآت إنتاجية من خلال مركز رئيسي يرسم استراتيجية واحدة لمجموعة من الفروع المساعدة ذات الشخصية القانونية المستقلة».

سادساً ـ الحقوق والالتزامات المتبادلة:

تختلف الالتزامات حقيقة تبعاً لاختلاف النمط العقدي المبرم، فالالتزامات التي يرتبها عقد البيع الدولي تختلف عن تلك التي يرتبها عقد المقاولة أو عن تلك الناجمة عن عقد الترخيص أو عن عقد التعاون الصناعي، وهكذا...

ومع ذلك يمكن الحديث عموماً عن أهم الالتزامات في معرض تنفيذ العقود الدولية، ومنها التزام المالك (أو المورد) بضمان التعرض والاستحقاق وذلك بأن يضمن الحيازة الهادئة لمحل العقد، والتزامه بضمان العيوب الخفية، أي خلو محل العقد من العيب الذي يجعله غير نافع أو أقل نفعاً، والالتزام بالتأمين لتغطية الخسائر والأضرار التي يمكن أن تلحق بالأشياء والأشخاص في صدد تنفيذ العقد، إضافة إلى التزامات أخرى، كالالتزام بنقل التحسينات في بعض العقود، أو الالتزام بتأمين قطع الغيار في عقودٍ أخرى.

وبالمقابل عادةً ما يلتزم الطرف الآخر المشتري (أو المتلقي) بأداء المقابل إما نقداً وإما عيناً وإما مقايضةً بحسب الاتفاق.

وأحياناً يلتزم بالمحافظة على السرية في بعض العقود، كما ويلتزم بعدم المنافسة في بعضها الآخر.

سابعاً ـ طرق تسوية المنازعات الناشئة عن العقد الدولي:

1ـ الطرق الودية: عندما يثور نزاع ما بين الأطراف المتعاقدة ـ بصرف النظر عن سببه ـ يفكر هؤلاء الأطراف بحله سريعاً عبر مختلف الطرق والوسائل، إلاَّ إنهم يفضلون عادة البدء بالطرق الودية قبل اللجوء إلى الطرق الأخرى.

فهذا الالتزام شبه المعمم باللجوء إلى التسوية الودية قبل اللجوء إلى أي وسيلة أخرى إنما تمليه طبيعة العقد التي تفرض نوعاً من التعاون المستمر ما بين أطراف العقد.

وكثيراً ما يظهر انعكاس له عبر أسلوبٍ وقائي يتمثل بإدراج شرط يسمح باستمرار التفاوض «المراجعة المنتظمة» بهدف المحافظة على توازن الالتزامات العقدية.

وإما أن تقتصر إجراءات المصالحة الودية على الأطراف المتعاقدة فحسب، كما لو شكلوا (لجنة مشتركة) لفصل النزاع، وإما أن تقتضي تدخل شخصٍ خارجي كالخبير أو الوسيط...

كما أن هناك بعضاً من النماذج العقدية ـ كما في عقود البناء والتشييد الدولية ـ التي تخرج عن التدرج الاعتيادي للإجراءات وذلك بإضافة وسيلة أخرى، كعرض النزاع على المهندس الاستشاري قبل التفاوض بين الأطراف، حيث يؤدي هذا الأخير دوراً وقائياً بأن يفحص طلبات المقاول حتى يصل إلى قراره، فإن امتنع أحد الأطراف عن تنفيذ ذلك القرار، أو تخلى المهندس ذاته عن وظائفه، لأي سبب كان ـ من دون تعيين البديل ـ انقضت هذه الطريقة لمصلحة السبل الأخرى.

إلاَّ أنَّ هذا الأسلوب في التسوية لن يكون فعَّالاً، وخاصة أن صاحب العمل يستند في إدعاءاته على ملاحظات المهندس الاستشاري ذاته مما يهدد بتحيز قرار المهندس لمصلحته.

والأهم من ذلك أن الدور السابق الذي منح للمهندس الاستشاري قد أُلغي مؤخراً بموجب العقد النموذجي الصادر عن الفيدك في عام 1999 (الكتاب الفضي)، ليتم قصر مهامه على تمثيل مصالح رب العمل حيال المقاول.

ويبدو عملياً أنَّ هذه الطريقة لفض النزاع ما تزال محل تحفظ، نظراً لإدراجها على نحو مفرط بالعمومية مما يهدد بضياع معالمها، سواء فيما يتعلق بمدى التزام الأطراف باللجوء إلى السبل الودية، أم من جهة الإجراءات الواجب اتباعها، وبالمقابل إذا ما تمَّ وضع إجراءات دقيقة لتستخدم من قبل العاقدين فإن تلك الإجراءات قد تفوت فرصة التصالح نهائياً.

وعلى الرغم من ذلك التحفظ فإن التسوية الودية ستفرض نفسها مع كل حالةٍ تستدعي تدخل الموفّق أو الخبير أكثر من تدخل القاضي أو المحكم.

أ ـ التوفيق Conciliation: والتوفيق هو وسيلة اتفاقية لحل المنازعات، تعتمد على تدخل شخصٍ غريبٍ بما يولده من انعكاسات نفسية لدى المتعاقدين تترجم بالرغبة في حسم الخلاف، كما أنها وسيلة غير ملزمة قانوناً نظراً لأن الموفّق لا يملك على غرار القاضي أو المحكم صلاحية اتخاذ أي قرار، وكل ما له هو مساعدة الأطراف على الوصول إلى حل، وقد أخذت بهذه الطريقة قواعد واتفاقيات وأجهزة دولية على قدر عالٍ من الأهمية في سياق محاولة تسوية منازعات العقود الدولية، ولعلَّ أهم ما يذكر هنا:

نظام التوفيق لدى غرفة التجارة الدولية بباريس: حيث تقدم لجنة التوفيق مشروع تسوية للطرفين يعلق على إخفاقه حق الأطراف في طلب اللجوء إلى وسيلة أخرى كالقضاء أو التحكيم.

وكذلك الحال في قواعد الفيدك إذ أجازت اللجوء إلى قواعد التوفيق الخاصة بغرفة التجارة الدولية، وقد منحت اتفاقية تسوية منازعات الاستثمار بين الدول ومواطني الدول الأخرى «اتفاقية واشنطن للاستثمار» لجنة التوفيق صلاحية الفصل في موضوع اختصاصها  إذ لها أن تفصل في الدفوع التي يثيرها أحد الأطراف باعتبار أن موضوع النزاع ليس من اختصاصها، ويجوز لها الفصل في الطعن باعتباره مسألة أولية، أو ضمه إلى موضوع النزاع للفصل فيهما معاً، على أن تطبق القواعد الإجرائية الواردة في الاتفاقية عند غياب اتفاق الأطراف عليها، حتى تصل إلى قرارها الذي يعدُّ مجرد توصيات لا تلحق الضرر بأي من الطرفين.

ب ـ الخبرة الفنية: إنَّ اللجوء إلى خبير فني هو أسلوب حديث نسبياً فرض نفسه نتيجة للتحليل العملي لغالبية العقود الدولية، التي أظهرت ارتباط الكثير من المنازعات بأسبابٍ فنية بحتة، كمدى الوفاء بالتزام الضمان عموماً.

وكثيراً ما يظهر انعكاس لهذا الأسلوب في عقود «التنقيب عن النفط وتنميته وإنتاجه»، ويُشار على سبيل المثال إلى العقد المبرم في 21 كانون الأول/ديسمبر 1996 بين حكومة الجمهورية العربية السورية والشركة السورية للنفط والشركة الهنغارية للنفط والغاز المحدود (MOL CO. LTD) إذ أخذ بنظام الخبرة في الكثير من بنوده العقدية.

وقد أكدت التجربة الحديثة في التحكيم التجاري الدولي أن عدداً من منازعات العقود الدولية تثور نتيجة خلافات تقنية، وأنَّ المحكم رغم خبرته الطويلة بالصعوبات التقنية المرافقة لتلك المنازعات يدرك قدرة الخبير على حلها أكثر منه، وهذا ما يبرر بدوره تسبيب محكمة التحكيم لقرارها استناداً إلى تقارير الخبراء على نحو يجعلها جزءاً من الحكم لا يقبل الطعن إلاَّ من خلال الطعن بالحكم ذاته، رغم أنها غير ملزمة قانونياً بها.

2ـ القضاء الدائم: يلجأ الأطراف عادة إلى أحد خيارين مع إخفاق الطرق الودية في تسوية النزاع، وهما التحكيم أو القضاء الدائم.

إلاَّ أن المتعاقدين يستبعدون عادةً اللجوء إلى القضاء الدائم لعدة أسباب، ولعلَّ أهمها صعوبة تحديد المحاكم التي يمكن أو ينبغي اللجوء إليها نظراً لانتمائهم إلى بلدان مختلفة، إضافة إلى توقف نجاح القضية على إقامة المدعى عليه في البلد ذاته الذي ترفع فيه تلك الدعوى، وعلى الإلمام المعقول بالقانون واجب التطبيق على موضوع المنازعة ولغة المناقشات والإجراءات المتبعة أمام المحاكم الوطنية المختارة، هذا فضلاً عن خشية عدم حياد هذا القضاء أصلاً.

ومع تعدد درجات التقاضي، وبطء إجراءات المرافعة، وخاصة في حل منازعات العقود الفنية الكبيرة والمعقدة يصبح الأسلوب القضائي قليل التجاوب مع متطلبات المرونة التي تستلزمها تلك العقود إضافة إلى ارتفاع كلفته المالية.

ومع تخطي كل الأزمات السابقة قد يصطدم الحكم القضائي بصعوبة تنفيذه مع عدم وجود اتفاقية دولية بين دولة المدعى عليه والدولة التي صدر فيها الحكم حول تنفيذ تلك الأحكام. ويزداد الوضع تعقيداً مع غياب اتفاقية دولية بين جميع الدول حول هذا الموضوع على غرار ما هو عليه الحال في التحكيم الدولي.

ولذلك إذا لم يتمكن أطراف العقد من تسوية خلافهم بالطرق الودية، كثيراً ما يقضي اتفاقهم بالرجوع إلى التحكيم، ويبدو أنَّ ظاهرة ارتباط العقود الدولية باتفاقية التحكيم قد غدت ظاهرة معاصرة ترافق غالبية العقود بصرف النظر عن موضوعها.

3 ـ التحكيم: التحكيم هو قضاء متخصص لحل المنازعات، يبيحه القانون ويتم عن طريق شخص أو عدة أشخاص يستمدون سلطتهم من اتفاق أطراف النزاع.

وتَرِدُ اتفاقية التحكيم بأحد شكلين، إما على «مشارطة أو اتفاق التحكيم» وهي عقد مستقل يتعلق بنزاعٍ قد وقع فعلاً، وإما على شكل «شرط أو بند التحكيم» وهو شرط يرد في العلاقة الأصلية ويتعلق بنزاعٍ محتمل الوقوع.

وقد أفرز العمل الدولي طريقتين أساسيتين في اللجوء إلى التحكيم، وهما طريقة التحكيم الخاص وذلك حين اللجوء إلى أشخاصٍ معينين يحددهم الأطراف لنظر النزاع على أن تنتهي مهمتهم بإصدار القرار، والتحكيم المؤسسي الذي يتم عن طريق (منظمات مهنية) أو (مؤسسات دائمة متخصصة) تستمر في أداء مهامها في حل المنازعات من خلال هيئة يتم تعيينها وفقاً لنظام التحكيم المعمول فيه لديها.

ويفضل غالبية المتعاقدين اللجوء إلى التحكيم لما يمتاز به من خصائص عملية كالسرعة مثلاً، حيث يتمكن المحكم من حسم مسائل النزاع ـ كتقدير التعويض ـ مباشرة، في حين يلجأ القاضي غالباً إلى خبير لمساعدته على ذلك، كما يمتاز التحكيم ببساطة الإجراءات، ولعل أكثر ما يشجع أطراف العقد الدولي للاحتكام إليه هو محافظته على السرية: وخاصة أن القرارات التحكيمية لا تنشر عادة، وإذا ما نشرت فيتم ذلك من دون ذكرٍ لأسماء الخصوم أو صفاتهم، ويرى جانب من أنصار التحكيم أنَّ مرونته كافية لترجيحه على وسائل التسوية الأخرى، حيث يمكن ـ فيما لو اتفق الأطراف على ذلك ـ تفويض المحكم بالصلح للخروج عن نصوص العقد. وهذا كله من شأنه أن يجعل منه الوسيلة الأكثر انسجاماً مع خصوصية منازعات العقود الدولية الخاصة التي لا تعد مجرد نزاعات تقليدية، ولاسيما أنَّ كثيراً من العقود الدولية تبرم فترات طويلة قد تخضع خلالها لتطورات تكنولوجية واقتصادية وسياسية مما يفترض معه تعديل الكثير من الشروط العقدية أو تغييره، كتلك المتعلقة بالأتاوات، حيث يمكن مع التحكيم تسوية تلك الآثار على نحو مقبول، وبالنتيجة فإنَّ قبول القوانين الوطنية لدولة ما لطريقة التحكيم سيؤدي من وجهة نظرٍ قومية إلى تشجيع تدفق الاستثمار إلى تلك الدولة.

ثامناً ـ القانون الواجب التطبيق على العقد الدولي:

إذا عرض النزاع الناشئ عن عقد دولي على القضاء العادي فإن القاضي الوطني سيلجأ إلى تطبيق قواعد الإسناد في قانونه، ومن هذا القبيل قاعدة الإسناد المنصوص عليها في المادة (20) من القانون المدني السوري، التي تقضي بما يلي:

«1 ـ يسري على الالتزامات التعاقدية، قانون الدولة التي يوجد فيها الموطن المشترك للمتعاقدين إذا اتحدا موطناً، فإن اختلفا موطناً يسري قانون الدولة التي تم فيها العقد هذا ما لم يتفق المتعاقدان أو يتبين من الظروف أن قانوناً آخر هو الذي يراد تطبيقه».

أما إذا عرض النزاع على التحكيم فإن المحكم عادة ما يكون أكثر تحرراً في البحث عن القانون الواجب التطبيق، ففيما يتعلق بقانون الإرادة وهو القانون الأهم في مجال الالتزامات العقدية فإنه يمكن القول إن مبدأ سلطان الإرادة مقيد في نطاق التشريعات الوطنية بعدد جدي من الضوابط اللازمة لإعماله، يأتي في مقدمتها عادة عدم مخالفة القانون الواجب التطبيق للقواعد الآمرة في الدولة المعنية، وألاَّ يكون اختياره قد تمَّ بناءً على غش أو احتيال من جانب عاقديه للتهرب من القانون المختص، مع ضرورة وجود صلة بينه وبين العقد، كما يجب أن ينتمي إلى نظام قانوني معين على اعتبار أن العقد لا ينشأ أو يعيش في فراغ، ومع ذلك إذا ما انتُقل إلى العمل في قضاء التحكيم الدولي وجد هذا المبدأ أكثر وضوحاً وتحرراً وفعالية، إذ يقبل هذا القضاء اختيار المتعاقدين لقانون ما بصرف النظر عن وجود أي رابطة بينه وبين العقد لما ينطوي عليه من ميزة تعدُّ محل شأنٍ بالنسبة لهما، كما يقبل استبعادهم أو تحررهم النهائي من مختلف القوانين الوطنية، ولعل سبب الخلاف السابق هو قناعة المحكم الدولي ـ إلى حدٍ ما ـ بأن مبدأ سلطان الإرادة لا يستمد أساسه من القوانين الوطنية بقدر ما يستمده من ذلك العرف الدولي المطبق عالمياً.

وتظهر إمكانية تدخل المحكم في تحديد القانون الواجب التطبيق كلما غاب اتفاق الأطراف على ذلك التحديد، أو تمَّ منحه تلك المهمة، ونظراً لعدم انتماء المحكم الدولي إلى قانون وطني محدد، فإنه غير مقيد ـ من حيث المبدأ ـ باللجوء إلى قواعد إسنادٍ معينة في معرض ذلك التحديد.

ومن هنا كان الحديث عن ذلك المجال الواسع من الحرية التي تمنح للمحكم إلى درجة قد تصل إلى حسم موضوع النزاع من دون التقييد بأحكام قانون معين «التفويض بالصلح»، بل ذهب المتحمسون للتحكيم إلى أنه في الوقت الراهن، نظراً لعدم وجود تشريعات قانونية وضعية خاصة ببعض النماذج العقدية الدولية، أو مع نقص الوضوح والدقة في أحكامها على الصعيد الدولي يصبح من الضروري تبني هذا الحل بمزيدٍ من الشجاعة.

في حين أنكر آخرون على المحكم قدرة التحرر النهائي من سلطان القوانين الوطنية، كقانون دولة مكان التحكيم «استناداً إلى نظرية المؤشرات في غياب الإرادة»، أو قانون مكان تنفيذ قرار التحكيم، ويصبح تدخلها آمراً فيما لو تعلق الأمر بالنظام العام..

ويجد هذا القول سنده في عدم اعتبار جميع القوانين الوطنية قوانين بيضاء أو اعتبارها كلها سوداء لا تصلح لحكم علاقات التنمية الدولية، إذ من الممكن أن تشير إلى قواعد منصفة وعادلة.

أما عملياً ـ وفي معرض البحث عن أسس اختيار المحكم للقانون الواجب التطبيق ـ فيبدو من الواضح غياب تلك الأسس الثابتة الناظمة لهذا الاختيار.

ومع ذلك لا تخرج اختيارات المحكم عموماً عن واحدة من عدة احتمالات تعد الأكثر شيوعاً: فإمَّا أن يتجه إلى قانون وطني معين عبر قواعد الإسناد من دون أن يكون ملزماً باللجوء إلى قواعد إسناد معينة، أو أن يحاول التحرر من تلك القوانين باتجاه القانون الدولي العام  الذي يعرف بأنه مجموعة القواعد القانونية التي تحكم الدول وغيرها من الأشخاص الدولية في علاقاتها المتبادلة، أو باتجاه قانون التجارة الدولية (Lex Mercatoria) الذي يشير إلى مجموعة القواعد التي تحكم العلاقات التجارية ذات الصلة بالقانون الخاص، وهو الخيار المفضل لديه، أو بتطبيق المبادئ العامة للقانون كالمبادئ القانونية المشتركة في القوانين الوطنية للأطراف المتنازعة، أو تطبيق قواعد العدالة والإنصاف، أو بتطبيق شروط العقد نفسه استناداً إلى مبدأ «العقد شريعة المتعاقدين».

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ أحمد عبد العزيز ووفاء فلحوط، العقود الدولية (منشورات جامعة دمشق ـ التعليم المفتوح 2007ـ2008م).

ـ أحمد عبد الكريم سلامة،نظرية العقد الدولي الطليق بين القانون الدولي الخاص وقانون التجارة الدولية (دار النهضة العربية 1989).

ـ إلياس ناصيف، عقد المفتاح في اليد (منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، لبنان 1999م).

ـ أنس السيد عطيه سليمان،الضمانات القانونية لنقل التكنولوجيا إلى الدول النامية والمشروعات التابعة لها ـ دراسة في الإطار القانوني للنظام التكنولوجي الدولي السائد(دار النهضة العربية، القاهرة 1996).

ـ حفيظة السيد الحداد،العقود المبرمة بين الدول والأشخاص الأجنبية، تحديد ماهيتها والنظام القانوني لها (دار الفكر الجامعي، الاسكندرية 2001).

ـ محمد عبد المجيد إسماعيل، عقود الأشغال الدولية والتحكيم فيها ـ دراسة للطبيعة القانونية الجديدة والأحكام الخاصة بعقود مشروعات البنية الأساسية المبرمة بين الدول والأشخاص الأجنبية الخاصة والتحكيم فيها (منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت،لبنان 2003).

ـ هشام علي صادق، القانون الواجب التطبيق على عقود التجارة الدولية «دراسة تحليلية ومقارنة للاتجاهات الحديثة في التشريعات الداخلية والاتفاقيات الدولية وأحكام القضاء والمحكمين وتوصيات مجمع القانون الدولي» (منشأة المعارف الاسكندرية 1995).

ـ وفاء فلحوط، المشاكل القانونية في عقود نقل التكنولوجيا إلى الدول النامية ـ الطبعة الأولى (منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت 2008م).

ـ موسى خليل متري، العقود الدولية للتعاون الصناعي بين أطراف غير متساوية التطور (غرب ـ جنوب) ـ أطروحة دكتوراه (كلية الحقوق والعلوم الاقتصادية والاجتماعية، جامعة فرانسوا رابليه في تور 1994).


التصنيف : القانون الدولي
النوع : القانون الدولي
المجلد: المجلد الخامس: طرق الطعن في الأحكام الإدارية ــ علم العقاب
رقم الصفحة ضمن المجلد : 372
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 586
الكل : 31712216
اليوم : 66798