logo

logo

logo

logo

logo

واجبات العاملين في الدولة

واجبات عاملين في دوله

duties of workers in the state - obligations des travailleurs à l'état



واجبات العاملين في الدولة

واجبات العاملين في الدولة

عمار التركاوي

واجب أداء العمل الوظيفي بما يلبي حاجات المرفق العام واجب الحفاظ على اعتبار الوظيفة وكرامته
واجب الطاعة الرئاسية واجب عدم إفشاء الأسرار الوظيفية
واجب النزاهة الوظيفية واجب المحافظة على المال العام
 

تحظى الوظيفة العامة بعناية المشرع والفقهاء في كل دول العالم، لأهميتها في حياة كل الأفراد في الوقت الراهن. والاهتمام بالوظيفة ينعكس على شاغلها، وهو الموظف العام الذي يعتبرّ مرآة الدولة، فالأفراد يرون الدولة من خلال رؤيتهم للموظف العام، لأنه أداة الدولة في تنفيذ قوانينها وقراراتها، كما يعبر عن إرادتها ويحقق أهدافها.

ويمكن تعريف الموظف العام بحسب ما استقر عليه معظم الفقه بأنه الشخص الذي يعهد إليه بعمل دائم في خدمة مرفق عام تديره الدولة أو أحد أشخاص القانون العام الأخرى، عن طريق شغله منصباً يدخل في التنظيم الإداري لذلك المرفق.

وإن أكثر أنظمة الوظائف في العالم المعاصر تتضمن قائمة بواجبات الموظفين، وعلى الرغم من الاختلاف في محتواها فإنها تتشابه من بلد إلى آخر، وإن هذه الاختلافات لا تظهر على نحو ملموس في تعدّاد الواجبات، بل تكون أكثر وضوحاً في الطرق التي توضع فيها موضع التطبيق، وفي مدى احترامها من قبل الموظفين.

وتورد التشريعات عادةً مجموعة كبيرة من واجبات الموظفين، بعضها إيجابي يقتضي من الموظف القيام بأعمال وتصرفات معينة، وبعضها الآخر سلبي يتمثل في الامتناع عن القيام ببعض الأعمال التي تعدّ من المحظورات.

ويمكن إجمال أهم واجبات العاملين في الدولة بالنقاط التالية:

أولاً ـ واجب أداء العمل الوظيفي بما يلبي حاجات المرفق العام:

لعل الواجب الأول لكل موظف عام أن يقوم بأداء العمل الوظيفي بما يضمن استمرارية وديمومة المرافق العامة في مباشرة وظائفها بانتظام واطراد. ولكي يعتبر الموظف قد أدى هذا العمل كما يجب وبما يجنبه أي مساءلة تأديبية، فإنه يتحتم عليه القيام بالالتزامات التالية:

1ـ الإلمام الجيد بالاختصاصات المنوطة به:

أي إلمام الموظف بالاختصاصات التي تستمد من القوانين، خاصة قوانين التوظيف، أو من اللوائح أو الأوامر الداخلية الصادرة عن الإدارة.

فواجب أداء العمل يحتم على الموظف إذن ضرورة إطلاعه وإلمامه بكل اختصاصاته الوظيفية، خاصة أنه لا يقبل منه العذر ـ بأي حجة كانت ـ بعدم الإلمام بأي من هذه الاختصاصات.

2ـ أداء العمل بنفسه:

يجب أن يقوم الموظف العام بأداء أعمال وظيفته بنفسه، أي بشخصه دون أن يوكل أياً منها إلى غيره، لأن اختيار الموظف لشغل وظيفته تم استناداً إلى مواصفات شخصية مثل مؤهلاته وخبرته، ومن ثم يتعين أن يتولى بنفسه أداء متطلبات هذه الوظيفة وواجباتها، ما لم يكن القانون قد أجاز التفويض في بعض اختصاصاته، ففي هذه الحالة يجوز للموظف العام استناداً إلى النص القانوني الآذن بالتفويض ـ وفي حدود هذا النص ـ أن يفوض من يأذن القانون بتفويضه، في بعض الاختصاصات التي يجوز التفويض فيها لمدة محددة بحيث لا يجوز التفويض المطلق وإلا كان ذلك في حقيقة الأمر نزولاً عن الاختصاص وليس تفويضاً فيه، وهو أمر غير مشروع لمخالفته قواعد توزيع الاختصاصات بين الموظفين العموميين.

ولذلك فمن المستقر قضاء أن الاختصاص المخول للموظف العام من النظام العام، فلا يجوز النزول عنه أو التفويض فيه أو الإنابة إلا في الحدود التي يبينها القانون.

وقد نص نظام العاملين الأساسي الصادر بالقانون رقم (50) لعام 2004 على هذا الواجب في مادته (63 ف2) عندما ذكر أنه: «على العامل أن يؤدي العمل المنوط به بنفسه....».

 3ـ الدقة والأمانة في مباشرة الاختصاصات الوظيفية:

إذا كان على الموظف أن يؤدي اختصاصات وظيفته بذاته، فإنه يجب عليه أن يؤديها بدقة وأمانة.

وهذا الواجب يتصل في الواقع بالضمير والأخلاق والإحساس بالمسؤولية قبل اتصاله بالتزام قانوني مفروض عليه. ومعيار الدقة والأمانة يختلف باختلاف طبيعة الوظائف ومستواها في مدارج السلم الإداري، بيد أنه يمكن القول بصفة عامةك إن هذه الدقة أو تلك الأمانة تتطلب من الموظف أن يبذل ـ عند مباشرته لاختصاصاته ـ عناية الرجل الحريص الواعي المؤمن، وألا يكتفي ببذل عناية الرجل المعتاد أو متوسط الحال.

ومفهوم الدقة والأمانة يتسع هنا لكثير من الضوابط التي يجب على الموظف مراعاتها في أثناء أدائه لعمله، إذ يتطلب منه ضرورة مراعاة القواعد الإدارية والفنية وتوجيهات الرؤساء ومقتضيات الوظيفة والمواعيد المحددة لإنجاز العمل. وكذلك مبادئ الإدارة العامة التي تهدف إلى رفع الكفاءة وحسن أداء العمل، وتتطلب أيضاً ضرورة التعاون مع الزملاء سواء بإسداء النصح لهم وتبصيرهم بما فيه مصالح الإدارة أم بعدم وضع العراقيل في سبيل أدائهم لواجباتهم. كما يتطلب منه ضرورة الحرص على أموال الدولة وعدم العبث بها، وإنفاقها في مصارفها الشرعية أو القانونية.

وتجدر الإشارة هنا إلى أنه على الموظف العام أن يلتزم بأداء عمله بدقة وأمانة حتى إن كان يقوم بالعمل نيابة عن زميل له طواعية منه أو مجاملة له مدة غيابه. فعلى الموظف أن يولي العمل الذي يقوم به العناية الكافية لتحقيق الغرض منه بصرف النظر عن ظروف إسناده إليه.

وقد نص نظام العاملين الأساسي الصادر بالقانون رقم 50 لعام 2004 على هذا الواجب في مادته رقم (63 ف2) عندما ذكر أنه على العامل: «أن يؤدي العمل المنوط به … بأمانة وإخلاص....».

4ـ تخصيص كل وقت الدوام الرسمي لأداء واجبات الوظيفة:

من متطلبات واجب أداء العمل أيضاً أن يخصص الموظف وقت العمل الرسمي كاملاً لأداء واجبات وظيفته، مع ملاحظة أن ذلك لا يعني فقط مجرد وجود الموظف في مقر عمله، أو في المكان المخصص له داخل الإدارة طوال ذلك الوقت، وإنما يعني كذلك أن يباشر الموظف أعماله في هذه الأثناء.

وتفريعاً من ذلك يقع على عاتق الموظف العام احترام مواعيد العمل التي تحددها له جهة الإدارة حتى ولو كانت تلك المواعيد لا تتفق والمواعيد المحددة للعمل الإداري بصفة عامة، لأن لكل إدارة أو مصلحة ظروفها الخاصة والتي تستوجب تنظيم مواعيد العمل بها بما يتفق مع تلك الظروف، فإذا استلزمت طبيعة العمل في أحد المرافق العامة انفراده بمواعيد خاصة تتمشى مع ظروف العمل فيه بما يكفل سير المرفق على وجه يحقق المصالح العامة بتلبية حاجة المنتفعين بخدماته في أي ساعة من الليل أو النهار، ومن ثم لزم أن يخضع تحديد ساعات العمل فيه ومواعيدها لاعتبارات الملاءمة المستمدة من هذه الظروف، كان له ذلك.

وقد نص نظام العاملين الأساسي الصادر بالقانون رقم (50) لعام 2004 على هذا الواجب في مادته رقم (63 ف2) عندما ذكر أنه: «يجب على العامل … أن ينصرف كلياً في وقت العمل إلى أداء واجبات الوظيفة».

5ـ عدم التغيب عن العمل من دون عذر:

إضافة إلى ما سبق، فإنه يجب على الموظف ألا يتغيب عن العمل من دون عذر مقبول، ولا يقصد بالغياب هنا الانقطاع عن العمل فقط بل يقصد به كذلك «الانصراف من مقر العمل بدون إذن، والتخلف عن الحضور في أوقات العمل الرسمية».

فمقتضى واجب أداء العمل الوظيفي يحتم على الموظف إذن أن يحترم المواعيد المقررة للعمل الذي يباشره، فلا يجب عليه أن يتأخر عن بداية ذلك العمل ولا أن يتركه قبل انتهاء الوقت المحدد له، كما يتحتم عليه كذلك ألا ينقطع عن الوظيفة بعد انتهاء إجازته الاعتيادية أو المرضية أو الدراسية.... أو غيرها، إلا لمبرر أو عذر قهري تقبله الإدارة، وهذا أمر مستقر فقهاً وقضاءً.

وتستطيع الإدارة أن تتأكد من قيام الموظف بهذا الواجب من خلال إلزامه بالتوقيع على جدول معد لذلك عند حضوره وانصرافه، وحديثاً تم استحداث نظام تسجيل الحضور والانصراف من خلال جهاز البصمة الإلكترونية حيث خصص لكل موظف رقم معين يدخله إلى الجهاز مع وضع يده على الجهاز لأخذ بصمته وتسجيل ساعة حضوره وساعة مغادرته لمقر عمله.

وقد نص نظام العاملين الأساسي الصادر بالقانون رقم 50 لعام 2004 في مادته رقم (63 ف3) على هذا الواجب عندما ذكر أنه: «يجب على العامل أن يتقيد تقيداً تاماً بمواعيد الدوام المقررة. وألا يغادر عمله إلا بإذن خاص وفق الأصول».

6ـ عدم الجمع بين الوظيفة وأي عمل آخر:

وإعمالاً لواجب أداء العمل أيضاً، يمتنع على الموظف الجمع بين وظيفته وأي عمل آخر سواء أكان عملاً خاصاً أم عملاً حكومياً إلا بإذن مسبق من الإدارة. والحكمة من هذا الالتزام تتجلى في مايلي:

ـ حتى يتفرغ الموظف لعمله ويكرس له جهده، إذ تدل التجربة العملية على أن أي عمل إضافي مأجور يقوم به الموظف يكون دائماً على حساب عمله الأصلي، ولاسيما أنه يميل بطبعه ـ إذا عجز عن الجمع بينهما ـ إلى إعطاء الأولوية للعمل الإضافي.

ـ الحرص على تدعيم استقلال الموظف وتجرده عند مباشرته لأعمال وظيفته وحتى لا يؤدي العمل الإضافي إلى الإضرار بأداء واجبات الوظيفة.

ـ الرغبة في مقاومة البطالة، ذلك أن الموظف الذي يشغل وظيفة ما مهما كانت متواضعة يكون قد ضمن له مصدراً للرزق. فلو مارس هذا الموظف عملاً آخر فإنه سيأخذ فرصة من لا يجد مصدراً للرزق.

وقد نص نظام العاملين الأساسي الصادر بالقانون رقم 50 لعام 2004 على هذا الواجب في مادته رقم (64 وـ أولاً) الذي ذكر أنه: «يحظر على العامل أن يجمع بين وظيفته وبين أي عمل آخر يؤديه بالذات أو بالواسطة. وبشكل خاص:

أن يقبل تكليفه بأي عمل ـ مهما كان نوعه ـ لدى الجهات العامة الأخرى، إلا بناءً على موافقة خطية من الوزير المختص في الجهة العامة التي يعمل لديها.

أن يجمع بين وظيفته وبين ممارسة مهنة حرة، باستثناء المهن التي تنص القوانين والأنظمة النافذة على جواز ممارستها، وضمن الشروط المحددة فيها.

أن يشترك في المضاربات المالية، أو أن يمارس أي عمل من الأعمال التجارية أو الصناعية.

أن يدخل في التعهدات والمناقصات ـ بنفسه أو بالواسطة ـ أثناء وجوده في عمله ويبقى هذا الحظر قائماً بعد تركه الخدمة لأي سبب كان ـ ولمدة خمس سنوات ـ بالنسبة للتعهدات والمناقصات التي تجري في الجهة العامة التي كان فيها عند تركه الخدمة.

أن يستخدم ـ بأي صورة كانت ـ بعد انتهاء خدمته أو إنهائها من الدولة ـ لأي سبب كان ـ لدى إحدى الجهات الخاصة المحلية أو الأجنبية التي لها علاقة بأعماله السابقة، أو أن يكون ممثلاً أو وكيلاً لديها. ما لم تنقض خمس سنوات على انفكاكه عن تلك الأعمال.

ويصدر رئيس الوزراء التعليمات اللازمة لتنفيذ أحكام هذا البند.

أن يشترك في تأسيس الشركات، أو يقبل عضوية مجالس إدارتها أو أي عمل فيها، إلا إذا كان مندوباً عن الدولة أو عن المنظمات الشعبية.

أن يشتري عقارات أو منقولات تطرحها السلطات القضائية أو الإدارية للبيع، إذا كان ذلك يتصل بوظيفته.

أن يكون وكيلاً في القيام بأعمال للغير بأجر أو بمكافأة...

أن يقرض أو يقترض من المتعاملين مع الجهة العامة التي يعمل لديها، أو من المتعهدين معها، أو ممن له صلة بنشاطها».

ولكن يجوز ـ بموافقة خطية من الوزير المختص وفي حدود التعليمات التي تصدر بهذا الشأن عن رئيس مجلس الوزراء ـ السماح للعامل بالجمع بين وظيفته وبين أي عمل آخر يؤديه بالذات أو بالواسطة، إذا كان هذا العمل الآخر ليس من شأنه الإضرار بأداء واجبات الوظيفة، ولا يتعارض مع مقتضياتها.

وقد نظمت رئاسة مجلس الوزراء في سورية هذا الموضوع بإصدار التعليمات رقم (10987/12) تاريخ 30/12/2004 والتي تنص على أنه:

«ـ يجوز للوزير المختص منح موافقته الخطية بالسماح للعامل أن يجمع بين عمله الوظيفي وبين أي عمل خاص آخر يؤديه بالذات أو بالواسطة ضمن الشروط التالية:

أ ـ أن يقدم العامل إلى الوزير المختص طلباً يسجل أصولاً يتضمن نوع العمل الوظيفي في الجهة التي يعمل لديها وتحديد النوع للمهنة أو للعمل الخاص الذي يراد الجمع بينه وبين العمل الوظيفي كما يتضمن مكان تأدية العمل الخاص ونطاقه ويرفق بهذا الطلب تعهد خطي بصحة المعلومات التي أوردها في طلبه تحت طائلة المسؤولية الجزائية والمسلكية وبالتقيد بما تتضمنه موافقة الوزير المختص في هذا الشأن.

ب ـ ألا يؤدي العمل الخاص بأي صورة كانت خلال أوقات الدوام الرسمي للعامل صاحب العلاقة.

ج ـ ألا يكون للعمل الخاص أية علاقة بالعمل الوظيفي مهما كان نوع هذه العلاقة وطبيعتها.

د ـ ألا يكون للعمل الوظيفي أي تأثير في تحقيق مساعدة أو تسهيل للجمع بين العمل الوظيفي والعمل الخاص أو في تحقيق أي نفع أو مكسب بأي صورة كانت.

ـ يجري الوزير المختص تحقيقاً في هذا الشأن تقوم به لجنة ثلاثية تشكل بقرار منه يمثل فيها: (التنظيم النقابي ـ اللجنة النقابية) الذي يتبع إليه للتثبت من توافر الشروط آنفة الذكر والمعلومات الواردة في طلب العامل وبصورة خاصة التثبت من أن العمل الخاص موضوع طلب الموافقة لا يؤدي إلى الإضرار بأداء واجبات العمل الوظيفي ولا يتعارض مع مقتضياته بوجه من الوجوه.

ـ يمنح الوزير المختص موافقته الخطية أو يحجبها حسبما يراه مناسباً في ضوء التحقيق المذكور ويتضمن كتاب الموافقة تحديداً لنوع المهنة أو العمل الخاص المرخص به ومكان ونطاق أدائه.

ـ يعتبر كل تراخ في التقيد بشروط منح الموافقة وكذلك كل مخالفة يرتكبها العامل صاحب العلاقة لكل أو لبعض هذه الشروط مخالفة مسلكية وإهمالاً في القيام بالعمل الوظيفي ويتعين على الوزير المختص إلغاء موافقته في هذا الشأن وملاحقة العامل المخالف جزائياً ومسلكياً».

كما أصدرت رئاسة مجلس الوزراء التعليمات رقم (10988/12) تاريخ 30/12/2004 والتي تنص على أنه:

«ـ للعامل الذي تنتهي خدمته لدى الدولة أو تنتهي لأي سبب كان ويرغب بالعمل لدى إحدى الجهات الخاصة المحلية أو الأجنبية أو يكون ممثلاً أو وكيلاً لديها قبل انقضاء خمس سنوات على انفكاكه عن العمل في الدولة أن يقدم طلباً بذلك إلى وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل يتضمن نوع العمل الوظيفي الذي كان يؤديه لدى الجهة العامة التي كان يعمل لديها ونوع العمل الذي سيؤديه لدى الجهة الخاصة التي ستستخدمه، ويرفق بهذا الطلب كتاباً موقعاً أصولاً من الجهة الخاصة يتضمن موافقتها على هذا الاستخدام.

ـ يمنح وزير الشؤون الاجتماعية والعمل موافقته على الاستخدام أو حجبها في ضوء تقرير لجنة ثلاثية تشكل بقرار منه يمثل فيها ممثل عن مديرية الشؤون الاجتماعية والعمل والجهة العامة التي كان العامل يعمل فيها والتنظيم النقابي الذي كان العامل يتبع إليه، وذلك خلال ستين يوماً من تاريخ تسجيل الطلب في ديوان وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل.

ولصاحب العلاقة الذي يرفض طلبه أن يتظلم من ذلك أمام وزير الشؤون الاجتماعية والعمل خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ تبليغه قرار الرفض أو من تاريخ انقضاء ستين يوماً على تسجيل الطلب. ولا يجوز لوزير الشؤون الاجتماعية والعمل العدول عن قراره بالرفض قبل أخذ موافقة رئيس مجلس الوزراء الذي يكون قراره في هذا الشأن غير قابل لأي طريق من طرق المراجعة أمام أي مرجع إداري آخر.

وفي حال علم أي من الجهات العامة بارتكاب أحد العاملين الموصوفين في هذا القرار مخالفة لأحكام الفقرة (و/5/ من أولاً) من المادة (64) من القانون الأساسي للعاملين في الدولة فإنه يتوجب عليها إخطار السلطة المختصة بذلك، وعلى هذه السلطة إجراء التحقيق اللازم وتحريك الدعوى العامة بحقه عند الاقتضاء.

وكل تراخ أو إهمال في تنفيذ هذه التعليمات من قبل أي من العاملين القائمين على رأس العمل في معرض أداء مهمته، يعتبر مخالفة مسلكية وإهمالاً في أداء العمل الوظيفي يوجب ملاحقته مسلكياً....».

7ـ أداء العمل في المكان الذي تحدده السلطات المختصة:

وأخيراً يجب على الموظف ألا يرفض مباشرة أداء عمله في المكان الذي تحدده له السلطات المختصة، إذ المبدأ هو حرية هذه السلطات في الاستفادة من خدمات موظفيها في المكان الذي تحدده، وإن كان للموظف أن يطلب نقله من هذا المكان، فإن ذلك أمر متروك لتقدير جهة الإدارة، تترخص فيه وفقاً لمقتضيات سير المرافق العامة بانتظام واطراد.

ثانياً ـ واجب الطاعة الرئاسية:

إن مناط طاعة المرؤوس للرئيس مرتبط بفكرة السلم الإداري، أي تدرج الموظفين على مستوى المنظمة الإدارية تدرجاً تصاعدياً، بحيث يخضع كل موظف في ممارسة أعمال وظيفته لموظف آخر يعلوه درجة.

وترتيباً على ذلك تخضع كل درجة من درجات السلم الإداري لرقابة ما يعلوها من درجات وإشرافها، وهو ما يطلق عليه الرقابة أو السلطة الرئاسية، بيد أن هذا الاصطلاح الأخير لا يعني أنها حق شخصي مصاحب للوظيفة يباشره الرؤساء دون حدود أو قيود، بل على العكس من ذلك فهذه السلطة ما هي إلا نوع من الاختصاص تبين القوانين واللوائح مداه وكيفية ممارسته.

وهذه الرقابة تشمل في الواقع جميع أعمال المرؤوسين الوظيفية وتتدرج من مجرد النصح والتوجيه حتى تصل إلى حد إلغاء هذه الأعمال أو الحلول محل المرؤوسين في القيام بها. فإذا ما أصدر الرئيس إلى المرؤوس تعليمات أو توجيهات كان على هذا الأخير إطاعته، وإلا تعرض للمساءلة التأديبية.

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو التالي:

ما هي حدود هذه الطاعة؟ أو بمعنى آخر: هل يلتزم الموظفون بإطاعة التوجيهات الرئاسية دون أن يكون لهم الحق في إبداء الرأي في مضمونها ومحتواها؟ وهل يلتزمون بتنفيذها حتى لو كانت غير مشروعة؛ أي مخالفة للقوانين واللوائح الصادرة في ظلها؟

يُميز إذن بين فرضين:

الفرض الأول: وفيه تكون الأوامر مشروعة قانوناً. وهي تكون كذلك إذا استوفت شروط صحتها. وهذه الشروط تنقسم إلى شروط شكلية وأخرى موضوعية.

أما عن الشروط الشكلية فإنها تتمثل في:

ـ أن تصدر من رئيس مختص قانوناً بإصدارها، أي من سلطة شرعية مختصة بذلك.

ـ أن توجه إلى موظف مختص بتنفيذها.

ـ أن تفرغ في الشكل الذي يتطلبه القانون لذلك.

أما عن الشروط الموضوعية فتتمثل في مطابقة مضمون الأوامر لأحكام القانون الخاضعة لها، أو بمعنى آخر مطابقة الغاية التي ترمي إليها تلك الأوامر مع الغاية التي ترمي إليها القاعدة القانونية التي تحكمها.

فإذا توافرت الشروط الشكلية والموضوعية للأمر على هذا النحو، كان مشروعاً، ومن ثم يجب على الموظف إطاعته والعمل على تنفيذه، وإلا تعرض للمساءلة التأديبية، خاصة أن السلطة الرئاسية في مظاهرها المختلفة يمارسها رؤساء لهم من أقدميتهم في الخدمة ما يجعلهم أكثر إدراكاً للعمل وحاجاته، وبالتالي أكثر دراية وقدرة على مواجهته وحل مشاكله. ذلك فضلاً عن أن الرئيس هو المسؤول الأول عن سير العمل في الوحدة التي يرأسها، فالطاعة في هذا المجال أمر تمليه طبائع الأمور.

ولكن تجدر الإشارة من ناحية أخرى إلى أن الطاعة المفروضة على الموظف في نطاق الإدارة العامة، لا يجب أن تكون طاعة عمياء تقوده إلى التنفيذ الآلي دون أدنى تفكير فيما إذا كان هذا التنفيذ يتلاءم أو لا يتلاءم مع تحقيق المصلحة العامة، خاصة أن طاعة المرؤوس لرئيسه لا تعني تجريد هذا المرؤوس من شخصيته واستقلاله بحيث يكون ظلاً للرئيس، كما لا تعني حرمانه من التفكير للوصول إلى النتائج السليمة، لأن العمل الإداري هو في حقيقته عمل إنساني وجماعي وديمقراطي، وهذا يقتضي بحسب الأصول الإدارية أن يكون من حق المرؤوس أن يبدي وجهة نظره وأن يناقش رؤساءه ولو اختلف معهم في ذلك، إذ الحقيقة هي وليدة اختلاف الرأي.

فالصراحة في إبداء الرأي مطلوبة حتى لا تهدر المصلحة العامة نتيجة الجبن أو الرياء الوظيفي، ولهذا إن هناك حكماً قضائياً مهماً قد أرسى القواعد الملائمة أو المناسبة في هذا الخصوص وهي:

ـ إن من حق المرؤوس مناقشة الرئيس فيما أصدره إليه من توجيهات، مادامت تلك المناقشة تتم بحسن نية، وليس لها من هدف سوى تحقيق المصلحة العامة.

ـ مع ذلك لا تكون مثل هذه المناقشة من حق كل مرؤوس، وإنما فقط من جانب الموظف الذي يكون معتداً بنفسه واثقاً من سلامة نظره، أي من جانب الموظف الذي له من الخبرة والمران في مجال العمل ما يجعل الرئيس متقبلاً لمناقشته ومستمعاً لرأيه، وذلك متروك في الواقع لتقدير الرئيس ذاته.

ـ ألا يغفل الموظف عند مراجعته لرئيسه ما تقتضيه وظيفته من تحفظ ووقار وما تستوجبه علاقته برئيسه من التزام حدود الأدب واللياقة وحسن السلوك.

ـ إذا انتهت المناقشة بإصرار الرئيس على رأيه، وجب على المرؤوس في هذه الحالة ألا يخالف هذا الرأي أو يقيم العراقيل في سبيل تنفيذه، ذلك أن الطاعة أصبحت واجبة بعد أن خرجت المسألة من دور المناقشة. (حكم محكمة القضاء الإداري المصرية الصادر بتاريخ 21 يونيو 1950، السنة 4، ص916).

الفرض الثاني: وفيه تكون الأوامر الصادرة من الرئيس الإداري غير مشروعة. وهي تكون كذلك إذا تخلف في خصوصها واحد أو أكثر من الشروط الشكلية أو الموضوعية السالف ذكرها. كما لو صدرت من مدير أو رئيس غير مختص بإصدارها أو وجهت إلى موظف غير مختص بتنفيذها أو أفرغت في شكل على خلاف ما يتطلبه القانون، أو كانت الغاية منها لا تتفق والغاية التي ترمي إليها القاعدة القانونية التي تحكمها.

فإذا كانت كذلك فهل يلتزم المرؤوس بإطاعتها والعمل على تنفيذها؟ أم يجب عليه عدم الامتثال لها والامتناع عن تنفيذها؟

وجدت في هذا الخصوص ثلاثة اتجاهات فقهية، هي:

الاتجاه الأول: ويرى أن المرؤوس في حل من تنفيذ أوامر الرئيس، ذلك أنه ملزم باحترام القانون ومراعاة أحكامه والقول بغير ذلك يعني الخروج على مبدأ المشروعية. ذلك المبدأ الذي يجب أن يعمل في إطاره كل من الرئيس والمرؤوس على حد سواء.

ومع ذلك يؤخذ على هذا الاتجاه أنه بإعطائه المرؤوس سلطة تقدير مدى شرعية أوامر الرئيس  أو عدم شرعيتها ومجادلته فيها والامتناع عن تنفيذها بحجة عدم شرعيتها ـ وقد يكون غير محق ـ من شأنه إعاقة العمل الإداري وما يتطلبه من ضرورة سير المرافق العامة بانتظام واطراد وعرقلته، بل قد يؤدي ذلك إلى تحول العمل الإداري إلى صراع دائم بين الرؤساء والمرؤوسين.

الاتجاه الثاني: ويرى أنه يجب على المرؤوس الالتزام بطاعة أوامر الرئيس وتنفيذها دون بحث في مدى قانونيتها، ذلك أن شريعة الموظف هي القيام بعمله والامتثال لأوامر رئيسه، خاصة أن المسؤولية في هذه الحالة تقع على عاتق الرئيس مصدر الأمر.

الاتجاه الثالث: وهو يتوسط الاتجاهين السابقين، فهو يراعي مبدأ المشروعية من جانب، ويحافظ على السير المنتظم للمرافق العامة من جانب آخر. ومؤداه أنه إذا كانت طاعة الرؤساء واجبة من حيث الأصل ولو كانت غير مشروعة، حفاظاً على استمرارية العمل الإداري وانتظامه، فإن الالتزام بتنفيذها مقيد من ناحية أخرى بألا تكون هذه المخالفة أي عدم الشرعية ظاهرة وبأنها لا تؤدي إلى الإضرار الجسيم بالمصلحة العامة.

وعلى ذلك يجب على الموظف الذي يرى أن أمر رئيسه مخالف للقوانين واللوائح وأن تنفيذه قد يضر بالصالح العام، أن ينبه مصدر الأمر إلى ذلك كتابةً، فإن أصرّ الأخير كتابةً أيضاً على تنفيذ أوامره، أعفي الموظف من المسؤولية التي تقع فقط على مصدر القرار.

ولكن ذلك لا يعني أن مجرد صدور أمر كتابي من مصدر القرار يعفي الموظف من مسؤولية التنفيذ متى كان هذا التنفيذ مكوناً لجريمة جنائية.

وأخيراً فإن واجب المرؤوس نحو رئيسه لا يقتصر فقط على الطاعة لأوامره، بل يمتد هذا الواجب أيضاً إلى احترام هذا الرئيس وتوقيره والتزام حدود الأدب واللياقة في مخاطبته وحسن السلوك معه بالقدر اللازم لضمان حسن سير العمل، لذلك فإن المرؤوس إذا خرج على واجب اللياقة في مخاطبة رئيسه، فإنه يكون مستحقاً للجزاء التأديبي.

كذلك لا يجوز أن ينطوي سلوك المرؤوس على تحدٍّ لرؤسائه أو التطاول أو التمرد عليهم أو المساس أو التشهير بهم أو امتهانهم، وإلا عدّ ذلك مخالفة إدارية.

هذا وتجدر الإشارة إلى أن واجب احترام الرؤساء وتوقيرهم لا يقتصر على دائرة العمل وحدها، فهو في الواقع واجب أخلاقي يتابع الاثنين في كل مكان يلتقيان فيه سواء في العمل أم خارج العمل وفي الأماكن العامة، في المؤتمرات، في الندوات.... إلخ.

وقد نص قانون العاملين الأساسي رقم 50 لعام 2004 على هذا الواجب في المادة رقم (63ف5) عندما ذكر أنه: «يجب على العامل أن ينفذ أوامر رؤسائه بدقة وأمانة، في حدود القوانين والأنظمة النافذة. على أن يتحمل كل رئيس مسؤولية الأوامر التي تصدر عنه ويكون مسؤولاً عن حسن سير العمل في حدود اختصاصه».

ثالثاً ـ واجب النزاهة الوظيفية:

يبدو أن هذا الموضوع يلقى من الناحية النظرية تأييداً عاماً، ولكنه من الناحية العملية يواجه صعوبات ومشكلات خطرة. ومقتضى هذا الواجب أن يمتنع الموظف عن الرشوة وأن يظهر اهتماماً بالغاً بالقيام بأعباء وظيفته، وألا يقبل إطلاقاً أجوراً لا يكون مصدرها الإدارة نفسها، وبالتالي لا يجوز أن يقبل الهدايا الصغيرة أو الإكراميات البسيطة التي يطلق عليها عادة اسم (البخشيش)، ويجب أن يمتنع كذلك عن قبول كل أشكال الرشوة الأكثر تعقيداً التي قد تؤدي في النهاية إلى شراء الموظف فعلياً.

وتعدّ هذه المشكلة خطرة لجميع الوظائف العامة في العالم. وقد استطاعت بعض الوظائف أن تقضي نسبياً على الرشوة والاختلاس، في حين يجب على بعضها الآخر أن تبذل جهوداً كبيرة في هذا الميدان، والقضاء على الرشوة في جميع الأحوال لا يحدث طوعياً، لأن هذا يتطلب تطوراً في أخلاق أفراد الشعب وإتقاناً في تنظيم الوظيفة العامة وتحسينهاخلال فترة طويلة من الزمن.

إن السياسة التي تستهدف مكافحة الرشوة في جميع أشكالها يجب أن تعتمد على ناحيتين أساسيتين: الناحية الأولى يجب أن تتمثل في رفع مستوى الأجور، لأن القضاء على الرشوة يبدو مستحيلاً إذا كانت أجور الوظيفة العامة زهيدة وغير كافية. أما الناحية الثانية فتكتسي طابعاً تربوياً يشمل الموظفين وكذلك مجموع أفراد الأمة، لأن القضاء على الرشوة لا يمكن معالجته فقط عن طريق جعل الموظفين يتزودون بالفضائل الأخلاقية، بل لا بد من أن يعزف المواطنون أيضاً عن عادة اقتراح عروض غير شريفة على عمال الإدارة العامة.

وهذه المساعي لا يمكن أن يكتب لها النجاح إلا في حالة قدرة الإدارة على القيام بواجباتها على أحسن وجه، أما إذا كانت الإدارة عاجزة عن إنجاز الخدمات المطلوبة منها خلال فترات زمنية معقولة، فهذا الوضع يعدّ بالطبع المناخ الملائم لدفع المواطنين وبصورة خاصة التكتلات الاقتصادية إلى التفكير باستخدام الرشوة بغية الحصول على الخدمات التي يرغبون بها من الإدارة بطرق غير قانونية وبالسرعة القصوى.

فلأجل القضاء على الرشوة قضاء كاملاً، يجب على الإدارة إذن أن تقوم بالأعباء الملقاة على عاتقها جيداً، كما يجب أن يتقاضى الموظفون أجوراً كافية ومناسبة حتى تُدفع عنهم احتمالات الوقوع في الإغراءات المختلفة.

وينبغي على الموظفين أن يدركوا جيداً مفهوم المصلحة العامة، ولا بد من شن حملة توعية على الصعيد الشعبي لإبراز مساوئ هذه المشكلة ومخاطرها ليبتعدّ المواطنون عن استخدام وسائل الرشوة التي ترتب عليهم تبعات قانونية لا تقل خطورة عن تلك التي قد تصيب عمال الإدارة العامة.

وقد نص قانون العاملين الأساسي على هذا الواجب في المادة (64 الفقرة د) عندما نص على أنه يحظر على العامل أن يقبل لنفسه أو لغيره منحة أو هدية أو امتيازاً بسبب أدائه لأعمال الوظيفة، أو يقبل الوعد بشيء من هذا القبيل.

رابعاً ـ واجب الحفاظ على اعتبار الوظيفة وكرامته:

لا يكفي أن يؤدي العامل واجباته وأن يطيع رؤساءه وفقاً للقواعد المشار إليها فيما سبق، بل يتعين عليه إضافة إلى ذلك أن يلتزم خارج نطاق الوظيفة أو في حياته الخاصة بمستوى معين من السلوك يتلاءم مع الأخلاق العامة وشرف المهنة التي يمارسها.

ولهذا فمسؤولية الموظف التأديبية لا تقتصر على ما يقع منه من أعمال في إطار وظيفته أو في نطاقها، وإنما تمتد أيضاً إلى سلوكه العام خارج هذا الإطار أو ذلك النطاق إذا كان من شأن ذلك، الخروج على مقتضيات تلك الوظيفة أو المساس بواجباته. فهو «مطالب على الدوام بالحرص على اعتبار الوظيفة التي ينتمي إليها، حتى ولو كان بعيداً عن نطاق أعمالها، ولا يجوز أن يصدر منه ما يمكن أن يعتبر مناقضاً للثقة الواجبة فيه والاحترام المطلوب له، والذي هو عدته في التمكين لسلطة الإدارة وبث هيبتها في النفوس».

إن سلوك الموظف خارج نطاق الوظيفة يؤثر بما لا يدع مجالاً للشك في عمله وما يقتضيه منه من الالتزام بما لا يفقده الثقة والاعتبار. ولهذا فإن شرط حسن السيرة والسلوك أو السمعة الحسنة لا يعدّ فقط شرطاً للتعيين في الوظيفة العامة وإنما أيضاً شرط للبقاء فيها. وهذا ما أكدته المحكمة الإدارية العليا المصرية بقولها: «إن السيرة الحميدة والسمعة الحسنة من شروط التعيين في الوظيفة العامة والبقاء فيها، وتلك مجموعة من الصفات والخصال يتحلى بها الشخص فتجعله موضع ثقة المجتمع، وتجنبه ما يشيعه عنه زملاء السوء مما يمس الأخلاق، ولا يكفي أن يكون الموظف متحلياً بذلك عند التحاقه بالخدمة العامة، بل يجب أن يظل كذلك طوال مدتها، وذلك لما للوظيفة العامة من سلطة ومقتضيات توجب على صاحبها أن يحافظ على كرامتها، ولا يخرج على مقتضياتها أو ينحرف عنها ما استطاع إلى ذلك سبيلاً وآخذاً بهذا النظر في أن سلوك الموظف العام الشخصي في غير نطاق الوظيفة ينعكس على سلوكه العام في مجال الوظيفة من حيث الإخلال بكرامتها ومقتضياتها، فإنه واجب عليه أن يلتزم في سلوكه ما لا يفقده الثقة والاعتبار، إذ لا يقوم عازل سميك بين الحياة العامة والحياة الخاصة، يمنع كل تأثير متبادل بينهما».

ولا يسوغ للموظف العام ـ ولو كان خارج نطاق الوظيفة ـ أن ينسى أو يتناسى أنه موظف تحوطه سمعة الدولة، وترفرف عليه مثلها. والكثير من التصرفات الخاصة للموظف قد تؤثر تأثيراً بليغاً في حسن سير المرفق وسلامته، ومنها ما قد يؤثر تأثيراً فاضحاً في كرامة الوظيفة ورفعتها، فعليه أن يتجنب كل ما قد يكون من شأنه الإخلال بكرامة الوظيفة واعتبار الناس لها، وعليه أن يتفادى الأفعال الشائنة التي تعيبه، فتمس تلقائياً الجهاز الإداري الذي ينتسب إليه.

وإذا كان انتفاء حسن السمعة لدى الموظف العام لا يحتاج إلى دليل قاطع عليه، إذ يكفي لذلك وجود دلائل أو شبهات قوية تلقي ظلالاً من الشك المثير على توافر هذه الصفة، فإن ذلك لا يعني أن تسلك الإدارة مع موظفيها ـ لهذا الغرض ـ سبيل التجسس عليهم والتدخل في شؤونهم البحتة، فهذه دناءة لا تليق بكرامة الدولة، وتؤثر أسوأ الأثر في استقامة العمل في المصالح الحكومية.

ولهذا فإنه ليس للإدارة أن تتدخل فيما يفعله الموظف في مقر عمله أو ما يفعله خارج هذا المقر مما لا تتجه إليه الأنظار عادةً، إنما يبدأ حقها في التدخل من الوقت الذي يكون فيه سلوكه مدعاةً لتحقيق كرامته الشخصية الضرورية لأعباء منصبه.

وتجدر الإشارة إلى أن التزام الموظف بالسلوك الحسن والسمعة الطيبة خارج العمل، إنما يتأثر بعوامل كثيرة، أهمها القيم الاجتماعية والدينية والأخلاقية السائدة، وبالمركز الوظيفي ومكان العمل.

وعلى أي حال يمكن القول ـ قاعدةً عامةً ـ إن من المسائل الأساسية للحفاظ على كرامة الوظيفة واعتبارها، أن يتجنب الموظف مواطن الشبهات والريب، لما في ذلك من أثر في أن يتوافر لديه قدر من الهيبة والوقار اللذين يمكنانه من أداء وظيفته بما يحقق المصلحة العامة.

وقد نص قانون العاملين الأساسي على هذا الواجب، فأوجب على العامل أن يحافظ على كرامة الوظيفة، وأن يسلك في تصرفاته مع زملائه ورؤسائه ومرؤوسيه وذوي العلاقة من المراجعين مسلك الاحترام الواجب (المادة 63ف6).

كذلك يحظر على العامل أن يأتي بعمل، أو يظهر بما يخل بشرف الوظيفة الموكولة إليه. ولا سيما لعب الميسر والتواجد في العمل في حالة السكر. (المادة 64 الفقرة م).

خامساً ـ واجب عدم إفشاء الأسرار الوظيفية:

إن الموظف يطلع بحكم وظيفته على كثير من الأمور والأسرار التي تتضمنها وثائق رسمية، تكون في الغالب تحت يديه، سواء كانت وثائق عسكرية أم اقتصادية أم سياسية. كما قد يطلع كذلك أو يعلم بأمور سرية تتعلق بأدق خصوصيات المواطنين، كالمعلومات التي يعرفها رجال الشرطة وعمال الهاتف وغيرهم. فأساس هذا الالتزام إذن هو حماية مصلحة الدولة وفي الوقت ذاته حماية مصلحة الأفراد.

ومن هنا تنص قوانين التوظيف المختلفة على هذا الواجب، فيحظر على العامل أن يفشي الأمور التي يطلع عليها بحكم وظيفته، إذا كانت سرية بطبيعتها أو بموجب تعليمات تقضي بذلك، ويظل هذا الالتزام قائماً بعد ترك العامل الخدمة.

وقد نص قانون العاملين الأساسي على هذا الواجب في المادة رقم (64 الفقرتين أ، ج) فحظر على العامل أن يفشي الأمور التي يطلع عليها بحكم وظيفته، إذا كانت سرية بطبيعتها أو بموجب تعليمات تقضي بذلك. ويظل هذا الالتزام قائماً بعد ترك العامل الخدمة. كما يحظر على العامل أن يحتفظ لنفسه بأصل أي ورقة من الأوراق الرسمية، أو ينزع هذا الأصل من الملفات المخصصة للاحتفاظ به، ولو كان خاصاً بعمل كلف به شخصياً.

سادساً ـ واجب المحافظة على المال العام:

وهذا الواجب يفرض على الموظف الالتزام بالأمانة والحرص عند استعمال ممتلكات المرفق العام أو إنفاق الأموال باسم الجهة الإدارية التي يتبع لها، ومن ثم لا يجوز استغلال الأموال التي تكون تحت تصرف الموظف العام بحكم وظيفته في غير الغرض المخصص لها، كأن يستولي عليها لنفسه أو يستغلها لحسابه، أو يهمل في المحافظة عليها أو في صيانتها بما يعرضها للهلاك أو الضرر بسوء استخدامها.

وقد نص قانون العاملين الأساسي على هذا الواجب في المادة (64 الفقرة ب) عندما حظر على العامل أن يستعمل المواد والعتاد والآلات المسلمة إليه لأمور خارجة عن أغراض الجهة العامة التي يعمل لديها سواء لنفسه أم لغيره.

وأخيراً حظّر قانون العاملين الأساسي على العامل أن يشترك في تنظيم أي اجتماعات داخل مكان العمل، تتعارض مع أحكام القوانين والأنظمة النافذة. وأن يترك العمل أو يتوقف عنه أو يعطله، بقصد الإخلال بالنظام العام أو توقيف الإنتاج أو تعطيله، أو أن يحرض العاملين على ذلك. كذلك يحظر عليه الانتماء إلى جمعية أو جماعة، تتوخى أغراضاً غير مشروعة تهدد مصالح الدولة، أو تعرضها للخطر (المادة 64 الفقرات ز ـ ح ـ ط).

وتجدر الإشارة في الختام إلى أنه من أجل ضمان القيام بهذه الواجبات لا يكفي إعداد النصوص وفرض التعليمات والأوامر ولا حتى اتخاذ العقوبات، بل لا بد من توافر الشروط الضرورية وإيجاد البيئة المناسبة لتأمين احترام هذه الالتزامات، وذلك من خلال زيادة درجة النضج والوعي ليس فقط للموظف العام ولكن لجميع المواطنين.

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ رمضان بطيخ، المسؤولية التأديبية لعمال الحكومة والقطاع العام وقطاع الأعمال فقهاً وقضاء (دار النهضة العربية، القاهرة 1999).

ـ زين العابدين بركات، مبادئ القانون الإداري (منشورات جامعة دمشق 1975 ـ 1976).

ـ سامي جمال الدين، أصول القانون الإداري (منشأة المعارف، الاسكندرية 2004).

ـ سليمان الطماوي، القضاء الإداري، الكتاب الثالث، قضاء التأديب «دراسة مقارنة» (دار الفكر العربي، القاهرة 1995).

ـ سليمان الطماوي، الوجيز في القانون الإداري «دراسة مقارنة» (دار الفكر العربي، القاهرة 1996).

ـ صبحي سلوم، شرح القانون الأساسي للعاملين في الدولة، ج1، ط1 (2005).

ـ عبد الله طلبة، الوظيفة العامة في دول عالمنا المعاصر (منشورات جامعة دمشق 1982 ـ 1983).

ـ عبد الله طلبة ونجم الأحمد، القانون الإداري (منشورات جامعة دمشق، مركز التعليم المفتوح 2006 ـ 2007).

ـ محمد أنس قاسم جعفر، الوظيفة العامة (دار النهضة العربية، القاهرة 2007).

ـ محمد رهبان المحمد، المسؤولية التأديبية لضباط الشرطة والموظفين العامين، دراسة مقارنة في النظام التأديبي الفرنسي والمصري والسوري (الدار الهندسية للطباعة والنشر، القاهرة 2010).


التصنيف : القانون العام
النوع : القانون العام
المجلد: المجلد الخامس: طرق الطعن في الأحكام الإدارية ــ علم العقاب
رقم الصفحة ضمن المجلد : 105
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 984
الكل : 58978206
اليوم : 131618