logo

logo

logo

logo

logo

العدة الشرعية

عده شرعيه

iddah - iddah

 العدَّة الشَّرعيَّة

العدَّة الشَّرعيَّة

محمد أبو الخير شكري

العدَّة

الرجعة في العدة

 

أولاًـ العدَّة:

1ـ معنى العدة:

العِدَّة لغةً: بكسر العين جمعها عِدَد وهي الإحصاء، يُقال: عددت الشيء عِدَّة: أحصيته إحصاءً.

اصطلاحاً: هي مدَّة حددها الشارع بعد الفرقة، يجب على المرأة الانتظار فيها من دون زواج حتى تنقضي المدة.

2ـ حكمها الشرعي:

العدة واجبة شرعاً على المرأة بالكتاب والسنة والإجماع:

أ ـ أما الكتاب: فقوله عز وجل في عدة الطلاق }وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ{ [البقرة 228]، وفي عدة الوفاة }وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا{ [البقرة 234]، وفي عدة الصغيرة والآيسة والحامل }وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنّ{ [الطلاق 4].

ب ـ وأما السنّة: فقولهr: «لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاثٍ إِلاَّ عَلَى زَوْجٍ فَإِنَّهَا تُحِدُّ عَلَيْهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا» (متفق عليه).

ج ـ وأما الإجماع: فقد أجمعت الأمة على وجوب العدة في الجملة، وإنما اختلفوا في أنواع منها.

3ـ سببها:

تجب العدة بأحد الأسباب التالية:

أ ـ تجب العدة بالفرقة بعد الدخول من زواج صحيح أو فاسد، أو بعد الخلوة الصحيحة في رأي الجمهور في النكاح الصحيح دون الفاسد.

ب ـ تجب العدة أيضاً بالاتفاق بالتفريق للوطء بشبهة، كالموطوءة في زواج فاسد، لأن وطء الشبهة والزواج الفاسد كالوطء في الزواج الصحيح في شغل الرحم ولحوق النسب بالواطئ.

ج ـ وتجب العدة بالاتفاق بعد وفاة الزوج في العقد الصحيح ولو قبل الدخول أو الوطء، لإطلاق الآيات القرآنية مثل: }وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا{ [البقرة 234].

4ـ ركن العدة:

هو التزام المرأة بحرمات ثابتة بسبب العدة يحرم عليها مخالفتها، كحرمة التزوج بزوج آخر وحرمة الخروج من بيت الزوجية الذي طلِّقت فيه إلا لضرورة أو حاجة مشروعة، وصحة الطلاق في العدة، وحرمة التزوج بأخت المطلقة ونحوها.

5ـ بدء وجوبها:

ابتداء العدة على النحو التالي:

أ ـ إن كان الزواج صحيحاً: فمبدأ العدة بعد الطلاق أو الفسخ أو الموت، ففي الطلاق ونحوه عقب الطلاق، وفي الوفاة عقب الوفاة.

ب ـ وإن كان الزواج فاسداً: فمبدأ العدة عقب التفريق من القاضي بين الزوجين أو بعد المتاركة وإظهار عزم الواطئ على ترك وطئها.

ج ـ وإن كان الوطء بشبهة: فمبدأ العدة من آخر الوطآت عند زوال الشبهة.

6ـ أنواع العدة ومقاديرها:

العدة ثلاثة أنواع: أ ـ عدة بالأقراء. ب ـ عدة بالأشهر. ج ـ عدة بوضع الحمل.

والمعتدات ستة أنواع: الحامل، والمتوفى عنها، وذات الأقراء المفارقة في الحياة، ومن لم تحض لصغر أو إياس، ومن ارتفع حيضها ولم تدرِ سببه، وامرأة المفقود.

المقصود بالقرء: القرء لغة مشترك بين الطهر والحيض، ويجمع على قروء، فيرى الحنفية والحنابلة أن المراد به الحيض، ويرى المالكية والشافعية أن القرء هو الطهر.

7ـ آراء الفقهاء فيها وشروط كل نوع:

أ ـ عدة بالأقراء:

لها ثلاثة أسباب:

(1) الفرقة في الزواج الصحيح سواء كانت بطلاق أم بغير طلاق، وتجب هذه العدة لاستبراء الرحم وتعرف براءته من الشغل بالولد.

وشرط وجوبها: الدخول بالمرأة أو ما يجري مجرى الدخول، وهو الخلوة الصحيحة في الزواج الصحيح دون الفاسد عند الحنفية والحنابلة، وفي الفاسد عند المالكية.

(2) الفرقة في الزواج الفاسد بتفريق القاضي أو المتاركة، وشرطها الدخول عند الجمهور غير المالكية.

(3) الوطء بشبهة العقد: كأن زفت إلى الرجل امرأة غير امرأته فوطئها، لأن الشبهة تقوم مقام الحقيقة في حال الاحتياط.

ب ـ عدة الأشهر:

وهي نوعان: نوع يجب بدلاً من الحيض، ونوع يجب أصلاً بنفسه، أما العدة التي تجب بدلاً من الحيض بالأشهر فهي عدة الصغيرة والآيسة والمرأة التي لم تحض أصلاً بعد الطلاق. وسبب وجوبها: الطلاق لمعرفة أثر الدخول، وهو سبب وجوب عدة الأقراء المتقدمة.

وشرط وجوبها شيئان:

أحدهما ـ الصغر أو الكبر أو فقد الحيض أصلاً.

الثاني ـ الدخول، أو الخلوة الصحيحة عند غير الشافعية في النكاح الصحيح، وكذا في النكاح الفاسد عند المالكية.

وأما عدة الأشهر الأصلية بنفسها فهي عدة الوفاة، وسبب وجوبها الوفاة إظهاراً للحزن بفوات نعمة الزواج، وإبراء للرحم من الحمل. وشرط وجوبها الزواج الصحيح فقط فتجب هذه العدة على المتوفى عنها زوجها، سواء أكانت مدخولاً بها أم غير المدخول بها، وسواء أكانت ممن تحيض أم ممن لا تحيض.

ج ـ عدة الحبل:

هي مدة الحمل، وسبب وجوبها الفرقة أو الوفاة، حتى لا تختلط الأنساب.

وشرط وجوبها: أن يكون الحمل من الزواج الصحيح أو الفاسد، ولا تجب هذه العدة عند الحنفية والشافعية على الحامل بالزنا، لأن الزنا لا يوجب العدة.

8ـ مقادير عدة المعتدات:

أ ـ عدة الحامل:

تجب بسبب الموت أو الطلاق، وتنتهي بوضع الحمل اتفاقاً لقوله عز وجل }وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُن{ [الطلاق 4]، فإن كانت المرأة حاملاً ثم طُلقت أو مات عنها زوجها انتهت عدتها بوضع الحمل، ولو بعد الوفاة بزمن قليل.

وانتهاء العدة بوضع الحمل له شرطان:

الأول ـ عند الجمهور (ظاهر الرواية عند الحنفية والشافعية والمالكية في المعتمد) وهو وضع جميع حملها، أو انفصاله كله، فلو خرج أكثر الولد لم تنقضِ العدة إلا في قول للحنفية ولا من وهب من المالكية.

الثاني ـ واشترط المالكية والشافعية وفي رواية عند الحنابلة أن يكون الحمل منسوباً إلى صاحب العدة.

وأقل مدة الحمل ستة أشهر، وغالبها تسعة، وأما أكثر مدة الحمل فيعتمد فيها الاستقراء وتتبع أحوال النساء.

ـ التحول لعدة الحمل: ولو ظهر في أثناء عدة الأقراء أو الأشهر حمل للزوج اعتدت المرأة بوضعه.

ب ـ عدة المتوفى عنها زوجها:

عدة المتوفى عنها زوجها غير الحامل أربعة أشهر قمرية وعشرة أيام بلياليها من تاريخ الوفاة لقوله عز وجل }وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا{ [البقرة 234].

وشرط وجوب العدة بالأشهر الأربعة والعشر للمتوفى عنها: النكاح الصحيح فقط، وبقاء النكاح صحيحاً إلى الموت مطلقاً، وسواءٌ وطئت أم لا، وسواءٌ أكانت كبيرة أم صغيرة في سن لم تحض فيه، أم كتابية تحت مسلم. فإذا كان الزواج فاسداً فالعدة بالأقراء فقط لمن تحيض، وبثلاثة أشهر لغير ذوات الحيض.

ج ـ عدة المطلَّقة:

عدة المطلقة غير الحامل إن كانت من ذوات الحيض ثلاثة قروء، قال عز وجل: }وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ{ [البقرة 228].

وإن لم تكن المرأة من ذوات الحيض لصغر أو كبر سن بأن بلغت سن اليأس، أو لكونها لا تحيض أصلاً بعد بلوغها خمس عشرة سنة، فإن عدتها تكون ثلاثة أشهر لقوله عز وجل }وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ{ [الطلاق 4].

ـ وسن اليأس: وهو السن الذي إذا بلغته المرأة لا تحيض فيه، قال الحنابلة: خمسون سنة، وقال الحنفية: خمس وخمسون سنة، وقال الشافعية: اثنتان وستون سنة، وقال المالكية: سبعون سنة.

ـ سن الحيض: أقل سن تحيض فيه المرأة تسع سنين.

ـ سن البلوغ: خمس عشرة سنة تُعد الأنثى بتمامها بالغة ولو لم تحض.

د ـ عدة المرتابة (ممتدة الطهر) والمستحاضة:

النساء في سن الحيض ثلاثة أصناف: معتادة ومرتابة ومستحاضة:

فأما المعتادة: فتعتد بثلاثة قروء على حسب عادتها.

وأما المرتابة بالحيض أو ممتدة الطهر وهي التي كانت تحيض ثم ارتفع حيضها ولم تدرِ سببه من حمل أو رضاع أو مرض فحكمها عند الحنفية والشافعية: أنها تبقى أبداً حتى تحيض أو تبلغ سن من لا تحيض ثم تعتد بثلاثة أشهر.

وعند المالكية والحنابلة: عدتها سنة بعد انقطاع الحيض بأن تمكث تسعة أشهر، وهي مدة الحمل غالباً، ثم تعتد بثلاثة أشهر فيكمل لها سنة ثم تحل للأزواج.

وأما المستحاضة أو ممتدة الدم ـ وهي المتحيرة التي نسيت عادتها ـ فعدتها عند الحنفية سبعة أشهر، وعدتها عند الحنابلة والشافعية ثلاثة أشهر، أما المالكية فقالوا: إن المستحاضة تعتد بسنة كاملة.

و ـ عدة المفقود زوجها:

المفقود: هو الغائب الذي لم يُدْر أحيٌّ هو فيتوقع قدومه، أم ميتٌ أودِع القبر.

وعدة المفقود زوجها: قال الحنفية: لا تعتد زوجته حتى يتحقق موته، استصحاباً لحال الحياة.

وقال الشافعية أيضاً مثل قول الحنفية بأن زوجته لا تعتد حتى يتحقق موته أو طلاقه عملاً بمبدأ الاستصحاب.

وقال المالكية والحنابلة: تنتظر امرأة المفقود أربع سنين، ثم تعتد عدة الوفاة أربعة أشهر وعشراً.

9ـ أحكام العدة أو حقوق المعتدة وواجباتها:

يتعلق بالمعتدة الأحكام التالية:

أ ـ تحريم الخطبة:

لا يجوز للأجنبي خطبة المعتدة صراحة، سواءً أكانت مطلقة أم متوفى عنها زوجها، لأن المطلقة رجعياً في حكم الزوجة فلا يجوز خطبتها، ولبقاء آثار الزواج في المطلقة ثلاثاً أو بائناً أو متوفى عنها زوجها.

ولا يجوز التعريض بالخطبة في عدة الطلاق، ويجوز في عدة الوفاة، لقوله عز وجل }وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ{ [البقرة 235] إلى قوله عز وجل }وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاَّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفًا{ [البقرة 235] والآية في عدة الوفاة.

ب ـ تحريم الزواج:

لا يجوز للأجنبي إجماعاً نكاح المعتدة لقوله عز وجل }وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَه{ [البقرة 235] أي لا تعقدوا عقد النكاح حتى تنقضي العدة التي كتبها الله عز وجل على المعتدة، ولبقاء الزوجية في الطلاق الرجعي وبعض آثار الزواج في الطلاق الثالث والبائن.

وإذا تزوجت فالنكاح باطل، ويجب أن يفرق بينهما.

ج ـ سكنى المعتدة في بيت الزوجية، وحرمة خروجها منه:

سكنى المعتدة في بيت الزوجية واجبة لقوله عز وجل }أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ{ [الطلاق 6] وقال: }لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ{ [الطلاق 1] وهذا في الطلاق الرجعي، أما في الطلاق البائن أو الثلاث فلا بد من ساتر حاجز بين الرجل والمطلقة؛ لأنه في الطلاق الرجعي لا تحرم المطلقة على مطلقها، بل له الاستمتاع بها، ويكون ذلك رجعة. وإذا كان المنزل ضيقاً، أو كان حجرة واحدة وجب على الزوج المطلِّق أن يخرج من المسكن لتقضي فيه المطلقة عدتها.

الأصل أن على المرأة المعتدة أن تلازم البيت الذي تعتد به ويحرم عليها الخروج منه إلا لحاجة أو عذر، فإن خرجت بغير عذر أثمت لأن الله تعالى أوجب عليها ملازمة البيت خلال عدتها لقوله تعالى }وَلا يَخْرُجْنَ{، فالملازمة لبيت الزوجية هي الأصل والقاعدة، والخروج هو الاستثناء.

والفقهاء متفقون على لزوم المعتدة للبيت الذي كانت تسكنه قبل مفارقة زوجها، فلا تخرج منه إلا لحاجة أو عذر، فإن خرجت أثمت، وللزوج في حال الطلاق أو الفسخ، ولورثته كذلك من بعده في حال الوفاة منعها.

ولا يجوز للزوج ولا لورثته إخراجها من مسكن النكاح ما دامت العدة وإلا أثموا لقوله تعالى }لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِن{. فالعدة حق لله تعالى، والحق له سبحانه لا يسقط بالتراضي لعدم قابليته للإسقاط، وهذا هو الأصل، فإن كانت هناك أعذار وحاجات يلزم قضاؤها كان لها ذلك في الجملة، أما في التفاصيل فقد اختلف الفقهاء في الخروج وجوازه تبعاً لاختلاف أسبابه ودواعيه، وتبعاً لاختلاف أحوال المرأة المعتدة.

فهناك المطلقة الرجعية، والمطلقة البائن، والبينونة صغرى وكبرى... وهناك المتوفى عنها زوجها... وقد تكون المعتدة حاملاً أو صغيرة أو آيسة، وقد تتعرض المرأة خلال سكناها لخطر أو ضرر تضطر معه إلى الانتقال من مكان إلى آخر لقضاء عدتها، واختلف الفقهاء في اجتهاداتهم تبعاً لذلك، والجميع يؤكد:

التزامها بطاعة ربها في استكمال العدة.

يحق لها أمنها وسلامتها وسترها بقدر الإمكان.

يحافظ على صيانة ماء الرجل عن الاختلاط حفاظاً على طهارة الأنساب.

وتفصيل ذلك في مصادر الفقه المختلفة يرجع إليه من أراد التوسع.

د ـ الإحداد أو الحداد:

وهو ترك الزينة بحلي أو خاتم ذهب أو فضة، وترك الطيب في البدن والامتشاط، وترك الدهن المطيب وغير المطيب، والاكتحال ووضع الحناء وكل أنواع الخضاب والصباغ، وعدم لبس الثوب المطيب والمصبوغ بالأحمر أو الأصفر، ولا مانع من تجميل الفراش والبساط وأثاث البيت.

واتفق الفقهاء على وجوب الحداد على المتوفى عنها زوجها بعد نكاح صحيح ولو لم يدخل بها الزوج ومدته أربعة أشهر وعشرة أيام لقوله r «لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاثٍ إِلاَّ عَلَى زَوْجٍ فَإِنَّهَا تُحِدُّ عَلَيْهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا» (متفق عليه).

ولا حداد على المطلقة الرجعية.

وأوجبه الحنفية على المبتوتة أو المطلقة طلاقاً بائناً، ولم يوجبه الجمهور عليها إنما يستحب لها ذلك فقط.

هـ ـ ثبوت نسب الولد المولود في العدة:

يثبت نسب ولد المطلَّقة الرجعية من الزوج في رأي الحنفية إذا جاءت بالولد لسنتين أو أكثر. ويثبت نسب ولد المبتوتة بلا دعوى. ويثبت نسب الولد المتوفى عنها زوجها ولو غير مدخول بها.

و ـ ثبوت الإرث في العدة:

إذا مات أحد الزوجين قبل انقضاء عدة المطلقة طلاقاً رجعياً ورثه الآخر بلا خلاف. فإن كان الطلاق بائناً أو ثلاثاً في حال الصحة فمات أحد الزوجين في العدة لم يرثه الآخر، وإن كان الطلاق بائناً أو ثلاثاً في حال المرض فإن كان برضاها لا ترث بالإجماع، وإن كان بغير رضاها فإنها ترث من زوجها عند الجمهور ولا ترث عند الشافعية.

ز ـ لحوق الطلاق في العدة:

إذا طلّق الرجل زوجته طلقة فقط فاعتدت منه ثم طلّقها طلقة ثانية وثالثة فيلحقها الطلاق إلى انقضاء العدة.

10ـ الفرق بين العدة والاستبراء:

العدة لا تجب على الزوجة إلا بعد الفرقة من زواج صحيح أو فاسد، أو بعد الوطء بشبهة، أو بعد وفاة الزوج في العقد الصحيح.

أما الاستبراء: فهو تربص الأمَة الرقيقة مدة بسبب ملك اليمين حدوثاً أو زوالاً أو بشبهة، أو تربص المزني بها لمعرفة براءة الرحم أو للتعبد لقوله r «لا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ وَلا غَيْرُ ذَاتِ حَمْلٍ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً» (رواه أحمد وأبو داود).

 واتفق الفقهاء على أن استبراء من تحيض بحيضة، والحامل بوضع الحمل، واختلفوا فيمن لا تحيض لأنها صغيرة أو آيسة أو منقطعة حيض، فالحنفية والشافعية قالوا: تستبرأ بشهر، والمالكية والحنابلة قالوا: تستبرأ بثلاثة أشهر.

11ـ الزواج بالمعتدة:

يحرم بالإجماع الزواج بالمرأة المعتدة، وهي التي تكون في أثناء العدة من زواج سابق سواءٌ عدة طلاق أم وفاة، وسواءٌ كانت العدة من زواج فاسد أم من زواج بشبهة لثبوت نسب الولد، لقوله عز وجل }وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ{ [البقرة 235]، ولقوله عز وجل }وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ{ [البقرة 228] أي يجب على المطلقة الانتظار ثلاثة أطهار أو حيضات.

وحكمة تحريم الزواج بالمعتدة بقاء آثار الزواج السابق ورعاية حقوقه ومنع اختلاط الأنساب.

ورأي الجمهور أن الزواج بالمعتدة لا يحرمها على الرجل، بل إذا انقضت عدتها حل له الزواج بها.

وقال المالكية: الدخول بالمعتدة يحرمها على الرجل تحريماً مؤبداً.

12ـ الجمع بين المحارم في العدة:

اتفق الفقهاء على أنه يجوز للرجل الجمع بين المرأة ومحارمها بعد الفرقة بسبب وفاة إحداهما، فلو ماتت زوجة رجل جاز له أن يتزوج بأختها أو عمتها مثلاً من غير انتظار مدة بعد الوفاة.

واتفقوا أيضاً على عدم جواز الجمع بين المرأة ومحارمها في أثناء العدة من طلاق رجعي، فلو طلق الرجل زوجته طلاقاً رجعياً لم يجز له الزواج بواحدة من قريباتها المحارم إلا بعد انقضاء العدة لأنها باقية في حكم الزواج السابق.

واختلفوا في الجمع بين المحارم إذا كانت المرأة معتدة من طلاق بائن بينونة صغرى أو كبرى، فقال الحنفية والحنابلة: يحرم الجمع لقوله r «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجمع ماءه في رحم أختين»، ولما رُوي عن فيروز الديلمي عن أبيه قال: «قُلْت: يَا رَسُولَ اللهِ إنِّي أَسْلَمْت وَتَحْتِي أُخْتَانِ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: طَلِّقْ أَيَّتَهمَا شِئْت» (رواه أبو داود وابن ماجه)، وقال المالكية والشافعية: يصح الجمع لانقطاع أثر الزواج السابق.

13ـ عدم العدة قبل الدخول:

ولا عدة على المرأة قبل الدخول اتفاقاً لقوله عز وجل }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا{ [الأحزاب 49].

14ـ العدة والخلوة:

تجب العدة على الزوجة بعد الخلوة الصحيحة في رأي المالكية والحنابلة. وتجب عليها العدة بعد الخلوة ولو كانت فاسدة في رأي الحنفية، وقال الشافعية: لا تجب العدة على الزوجة بعد الخلوة الصحيحة.

وتكون القاعدة: كل طلاق أو فسخ وجب فيه الصداق وجبت فيه العدة، وحيث سقط الصداق كله أو لم يجب إلا نصفه سقطت العدة.

15ـ انتهاء العدة وما يترتب عليها:

يُعرف انقضاء العدة بالقول أو الفعل: أما الفعل: فنحو أن تتزوج المعتدة بزوج آخر بعدما انقضت مدة تنقضي في مثلها العدة.

وأما القول: فهو إخبار المعتدة بانقضاء العدة في مدة يحتمل الانقضاء في مثلها، وهي ثلاثة أشهر في عدة الطلاق للآيسة وغير ذات الحيض، وأربعة أشهر وعشر في عدة الحمل، وأما إن كانت من ذوات الأقراء (الحيضات) فقال أبو حنيفة: أقل ما تصدق به الحرة ستون يوماً عملاً بالوسط في مدة الحيض وهو خمسة أيام، فإذا انقضت عدتها حل لها الزواج بزوج آخر.

ثانياًـ الرجعة في العدة:

1ـ تعريفها:

هي إعادة المطلقة طلاقاً رجعياً غير بائن إلى الزواج في العدة بغير عقد.

والطلاق الرجعي: هو تطليق المدخول بها ما دون الثلاث بلا مال.

2ـ مشروعيتها:

الرجعة مشروعة لقوله عز وجل }وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ{ أي في العدة }إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا{ [البقرة 228]، أي رجعة ولقوله عز وجل }الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَان{ [البقرة 229] وقوله عز وجل }فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ{ [البقرة 231] والرد والإمساك مفسران بالرجعة.

ولقولهr «أَتَانِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ فَقَالَ: رَاجِعْ حَفْصَةَ فَإِنَّهَا صَوَّامَةٌ قَوَّامَةٌ، وَإِنَّهَا زَوْجَتُكَ فِي الْجَنَّةِ» (رواه الطبراني).

3ـ ركن الرجعة:

عند الحنفية: الصيغة والفعل فقط، وعند الجمهور: أركانها ثلاثة: مرتجع وصيغة فقط عند الشافعية وكذا وطء عند الحنابلة، أو فعل أو نية عند المالكية وزوجة.

4ـ نوعا الرجعة:

الرجعة نوعان: رجعة من طلاق رجعي ورجعة من طلاق بائن، أما الرجعة من الطلاق الرجعي فتكون بالقول اتفاقاً، وتكون بالفعل وهو أن يستمتع بالوطء فما دونه.

ولا يجب في الارتجاع من الطلاق الرجعي صداق ولا ولي، ولا يتوقف على إذن المرأة ولا غيرها.

أما الرجعة من طلاق بائن: بأن انقضت عدتها فيحتاج في ذلك ما يحتاج إليه في إنشاء الزواج الجديد من إذن المرأة وبذل صداق لها وعقد وليها عند الجمهور ـ غير الحنفية ـ ويجوز أن يعقد عليها في العدة أو بعدها باتفاق العلماء.

5ـ أحكام المرأة في الطلاق الرجعي:

تعود المرأة الرجعية بالرجعة إلى الزواج بكل ما له وما عليه، ويكون لها حكم الزوجات، وتخالفها في أشياء، ومما تخالف الزوجة ما يلي:

تحريم الاستمتاع بها عند الشافعية والمالكية ورواية عند الحنابلة، فيحرم الاستمتاع بالمرأة المطلقة طلاقاً رجعياً قبل المراجعة، سواءٌ كان الاستمتاع بوطء أم غيره.

وذهب الحنفية وظاهر المذهب عند الحنابلة: إلى أنه لا يحرم الاستمتاع بالرجعية فيباح لزوجها وطؤها والخلوة بها والسفر بها، ولها أن تتزين له لأنها في حكم الزواج، والمرأة الرجعية مثل الزوجة اتفاقاً في لزوم النفقة والكسوة والسكنى والميراث وغير ذلك.

6ـ شروط صحة الرجعة:

تُلخص شروط صحة الرجعة بما يلي:

أ ـ أهلية المرتجع عند المالكية والشافعية والحنابلة، أي البلوغ والعقل.

ب ـ أن يكون الطلاق رجعياً لا بائناً ولا بعوض.

ج ـ أن تقع الرجعة في العدة لا بعد انقضائها.

د ـ أن تكون المرأة زوجة مدخولاً بها في نكاح صحيح، فلا تصح رجعة غير مدخول بها..

هـ ـ أن تكون الرجعة منجزة غير مؤقتة بوقت وغير معلقة على شرط، ولا مضافة إلى زمن مستقبل.

7ـ ما لا يشترط في الرجعة:

لا يشترط في الرجعة أمور أهمها:

أ ـ رضا المرأة: لا يشترط بالاتفاق رضا المرأة في الرجعة لقوله عز وجل }وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا{ [البقرة 228]، فجعل الحق للأزواج فقط، ولا يشترط في الرجعة ولي ولا صداق.

ب ـ إعلام المرأة بالرجعة: ولا يشترط إعلام المرأة بالرجعة، فتصح الرجعة ولو لم تعلم بها الزوجة لأن الرجعة حق خالص للزوج، لكن يُندب إعلام الزوجة بها؛ لكي لا تتزوج بزوج آخر بعد انقضاء العدة، ولكي لا تقع المنازعة بين الزوجين.

ج ـ الإشهاد على الرجعة: ليس الإشهاد على الرجعة شرطاً لصحتها عند الجمهور، ولكن الإشهاد عليها مستحب احتياطاً، وحملوا الأمر في الآية }وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ{ [الطلاق 2] على الاستحباب.

8ـ ارتباط الرجعة بالطلاق الرجعي دون البائن:

 مما لا شك فيه أن الرجعة مرتبطة بالطلاق الرجعي دون البائن، فإذا انقضت العدة في الطلاق الرجعي أصبح الطلاق بائناً ولا رجعة عندئذٍ، إذ لابد من عقد ومهر وإذن ولي.

9ـ اختلاف الزوجين في الرجعة:

إذا توافق الزوجان على الرجعة في أثناء العدة ثبتت وترتب عليها أثرها.

وإن اختلف الزوجان، فإما أن يكون الخلاف في حصول الرجعة وإما في صحتها:

أ ـ إن اختلف الزوجان في حصول الرجعة بأن ادعاها الزوج فقال راجعتك وأنكرت المرأة، فإن كان قبل انقضاء العدة فالقول قول الزوج اتفاقاً، وإن كان بعد العدة فإن أثبت الرجل دعواه بالبينة أو صدقته المرأة ثبتت الرجعة، وإن عجز عن الإتيان بالبينة أو كذبته المرأة فالقول قولها بيمينها.

ب ـ وإن اختلف الزوجان في صحة الرجعة بأن قال الزوج: راجعتك في العدة، فالرجعة صحيحة، فقالت الزوجة: الرجعة باطلة لوقوعها بعد انقضاء العدة وكانت العدة بالأقراء، فالقول قولها، فإن كانت المدة بين الطلاق وبين ادعاء المرأة انقضاء العدة كافية لانقضاء العدة قُبِل قولها بيمينها، وإن كانت المدة غير كافية لانقضاء العدة فلا يُقبل قولها وتصح الرجعة.

10ـ وقت انتهاء الرجعة:

ـ أقل مدة تنقضي بها العدة بالحيضات وهي الأقراء عند الحنفية: ستون يوماً عند الحنفية، أما عند المالكية والعدة عندهم بالأطهار فهي ثلاثون يوماً، أما عند الشافعية فهي اثنان وثلاثون يوماً.

ـ أما إن كانت عدتها بوضع الحمل: فلا يُقبل قولها في أقل من ستة أشهر، لأن أقل مدة الحمل ستة أشهر.

ـ وأما إن كانت عدتها بالشهور: فأقل مدة تنقضي بها عدتها ثلاثة أشهر.

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته (دار الفكر، دمشق 1984م).

ـ عبد الله بن قدامة المقدسي، المغني (مكتبة الرياض الحديثة، الرياض 1981م).

ـ محمد الشربيني الخطيب، مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج (دار إحياء التراث العربي، بيروت 1933م).

ـ الإمام النووي، المجموع شرح المهذب (المطبعة المنيرية، 1344هـ).

ـ محمد أمين الشهير بابن عابدين، حاشية رد المحتار على الدر المختار (دار الفكر، بيروت 1421هـ).

ـ علاء الدين الكاساني، بدائع الصنائع (دار الكتب العلمية، بيروت 1406هـ).

ـ محمد الرعيني الشهير بالحطاب، التاج والإكليل لمختصر خليل (دار الفكر، بيروت 1398هـ).

ـ ابن قدامة، المغني (دار الفكر، بيروت 1984م).


التصنيف : العلوم الشرعية
النوع : العلوم الشرعية
المجلد: المجلد الخامس: طرق الطعن في الأحكام الإدارية ــ علم العقاب
رقم الصفحة ضمن المجلد : 113
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 560
الكل : 31684285
اليوم : 38867