logo

logo

logo

logo

logo

حقوق المرأة

حقوق مراه

women's rights - droits de la femme

 حقوق المرأة

حقوق المرأة

سوسن بكة

 القانون الدولي لحقوق الإنسان وحقوق المرأة

القانون الدولي الإنساني وحقوق المرأة

القانون الدولي الجنائي وحقوق المرأة

حقوق المرأة في الجمهورية العربية السورية

   

تعد الممارسات التمييزية ضد المرأة وانتهاك حقوقها أمراً تاريخياً وظاهرةً حاضرةً، فقد واجهت المرأة منذ الأزل تمييزاً مجحفاً، بسبب جنسها، تقوم على فكرة النقص المدّعى فيها، وعانت كثيراً من هذا التمييز الذي كان مصدره الدولة حيناً والمجتمع والأسرة أحياناً أخرى. وقد حاولت جماعة المجتمع المدني في العصر الحديث إلغاء القوانين والأعراف والممارسات القائمة التي تُعدُّ تمييزاً ضد المرأة لإرساء قاعدة المساواة الفعلية بين الرجال والنساء في الكرامة والقدر والحقوق والأدوار المختلفة التي يمكن لكلٍ منهما القيام بها في المجتمع.

إلا أن مقاومة عنيفة وكثيراً من الصعوبات والعقبات واجهت مناصري قضايا المرأة، في معرض محاولتهم إحداث تطورات في المجتمع، لما يتسم به موضوع المرأة من حساسية كبيرة في معظم المجتمعات والأديان.

ومع مرور الزمن أسهم التقدم الاجتماعي والثقافي وازدياد الوعي لدى العامة في دخول المرأة ميادين العمل الأهلي والحكومي حيث نجحت في تعزيز مكانتها. وتمكنت في عدد من الأحيان من الوصول إلى السلطة التي تحكم المجتمع ووضع السياسات المؤثرة في مجال التنمية.

وهكذا في النهاية تمكن المجتمع الدولي من صياغة مجموعة كبيرة من الاتفاقيات التي من شأن الالتزام بتنفيذها تأمين قدرٍ كبير من الحماية للمرأة وضمان حقوقها.

وأصبحت حقوق المرأة اليوم جزءاً مهماً لا يتجزأ من حقوق الإنسان… تضمن إعمالها آليات دولية عديدة.

ويمكن دراسة آليات إعمال حقوق المرأة في الوثائق الدولية الموجودة في كلٍ من فروع القانون الدولي الثلاثة الأكثر أهمية، وهي القانون الدولي لحقوق الإنسان ــــ القانون الدولي الإنساني ــــ القانون الدولي الجنائي:

أولاً- القانون الدولي لحقوق الإنسان وحقوق المرأة:

يمكن استعراض واقع حقوق المرأة في إطار القانون الدولي لحقوق الإنسان بدراسته في ضوء الآليات المنشأة من قبل الهيئات الرئيسة في الأمم المتحدة، ومن ثم دراسة الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان.

1- الآليات المُنشأة من قبل الهيئات الرئيسية في الأمم المتحدة:

يعد ميثاق الأمم المتحدة من أوائل الصكوك الدولية التي دعت إلى المساواة بين الرجل والمرأة بعبارات محددة، إذ جاء في ديباجته ما يلي: (نحن شعوب الأمم المتحدة. وقد آلينا على أنفسنا… وأن نؤكد من جديد إيماننا بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد وقدره. وبما للرجال والنساء والأمم كبيرها وصغيرها من حقوق متساوية).

وقد ذكرت الفقرة الثالثة من المادة الأولى من الميثاق، التي تتحدث عن أهداف المنظمة الدولية، وجوب تحقيق التعاون الدولي لحل المسائل الدولية ذات الصبغة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإنسانية وتعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعاً بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين ولا تفريق بين الرجال والنساء.

ونصت على مثل ما سبق مواد عديدة في الميثاق فدعت إلى المساواة ومنها المواد (8) و(13) و(55) و(76). وتعهدت الدول بموجب المادة (56) بالعمل منفردة ومجتمعة بالتعاون مع الأمم المتحدة لتحقيق هذا الهدف، مما رتب التزاماً أولياً على الدول تجاه المرأة في مواجهة ما قد ينال حقوقها من انتهاك.

وفي مقابل ذلك قامت المنظمة الدولية بتشكيل عددٍ من الهيئات الفرعية المختصة في مجال حقوق الإنسان عموماً وفي مجال حق المرأة بوجه خاص، فقد قام المجلس الاقتصادي والاجتماعي بإنشاء لجنة حقوق الإنسان عام 1946 فلعبت اللجنة دوراً لا يمكن إنكاره في مجال صياغة عددٍ من المواثيق الدولية المهمة، لعل أهمها الإعلان لعالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948.

وأنشأ المجلس الاقتصادي والاجتماعي بالقرار رقم (1503) لعام 1970 آلية تسمح بتلقي اللجنة للشكاوى الفردية.

إلا أن اللجنة عانت في النهاية إخفاقات كانت سبباً في تغييرها إلى مجلس حقوق الإنسان وهو ما سيتم بحث آليات عمله بعد بحث آليات اللجنة الأقدم وهي لجنة مركز المرأة.

أ- لجنة مركز المرأة (CSW): أنشأ المجلس الاقتصادي والاجتماعي هذه اللجنة عام 1946 وهو العام ذاته الذي أنشئت فيه لجنة حقوق الإنسان.

وقد بدأ تكوين اللجنة بـ(15) عضواً ليصبح فيما بعد (45) عضواً ينتخبون من قبل المجلس لمدة 4 سنوات، وقد عُهد إلى هذه اللجنة عددٌ من المهام التي تتضمن متابعة دراسة أوضاع النساء على النطاق العالمي، وصياغة توصيات تساعد في النهاية في رسم سياسات لتحسين هذه الأوضاع. وقد واجهت اللجنة مقاومة شديدة حالت دون تمكينها من تلقي الشكاوى الفردية على غرار ما كانت تقوم به لجنة حقوق الإنسان استناداً للقرار (1503).

وعلى كل حال، عملت اللجنة في إطار تعليمات المجلس الاقتصادي والاجتماعي على إعداد مسودات عددٍ من الوثائق الدولية المهمة ومنها:

¦ اتفاقية الحقوق السياسية للمرأة لعام 1952.

¦ اتفاقية جنسية المرأة المتزوجة لعام 1957.

¦ اتفاقية الرضا بالزواج والحد الأدنى لسن الزواج لعام 1962.

لكن أهم إنجازات اللجنة على الإطلاق كان صياغها مسودة اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة لعام 1979 كما سيأتي:

ب- مجلس حقوق الإنسان: تم مؤخراً إنشاء هذا المجلس بقرار صادر عن الجمعية العامة في 15/3/2006 بديلاً من لجنة حقوق الإنسان سابقة الذكر، وقد أصدر المجلس في جلسته المنعقدة في 18/6/2006 قراراً صاغ فيه آلية عمله على النحو التالي:

Ÿ أنشأ لجنة استشارية حلت محل اللجنة الفرعية لتعزيز الحريات وحماية حقوق الإنسان، التي كانت تتبع فيما مضى للجنة حقوق الإنسان.

Ÿ وضع قرار المجلس آلية تلقي تقارير المراجعة الدورية الشاملة، ومضمونها مراجعة سجلات حقوق الإنسان في كل دولةٍ عضو مرة كل أربع سنوات، مما يسمح للدول بمراجعة ما قامت به من تدابير لتفعيل نصوص الاتفاقيات الدولية الخاصة بهذا المجال.

Ÿ أنشأ قرار المجلس آلية تلقي الشكاوى الفردية، وهي آلية تسمح للأفراد بتقديم شكاوى للمجلس ضد الانتهاكات التي تطال حقوقهم الإنسانية.

Ÿ آلية الإجراءات الخاصة، وهي آلية كانت لجنة حقوق الإنسان قد ابتدعتها سابقاً، ويسهر على تنفيذ هذه الآلية شخص أو مجموعة من الأشخاص هم المقررون الخاصون والخبراء وفرق العمل.

ويواجه المجلس اليوم تحدياً كبيراً، وتنعقد عليه آمال عريضة، فمع أن المجلس ليس محكمة جنائية دولية بإمكانها أن تحاكم مباشرة منتهكي حقوق الإنسان إلا أن أنظار ضحايا الانتهاكات في كل بقاع العالم تتطلع إليه كونه الهيئة الدولية الأعلى التي يمكن لتوصياتها أن تكون ذات أثر كبير قد يصل في النهاية إلى حد إحالة مرتكبي الجرائم الدولية الخطيرة، كجرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، إلى المحكمة الجنائية الدولية سواء عن طريق الدول الأطراف في المحكمة أو عن طريق مجلس الأمن.

2- الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان ودورها في حماية حقوق المرأة:

وسيتم استعراض هذه الاتفاقيات في قسمين: يبحث الأول الاتفاقيات الدولية العامة لحقوق الإنسان ويبحث الآخر في الاتفاقية الدولية الخاصة بحماية حقوق المرأة.

أ- الاتفاقيات الدولية العامة لحقوق الإنسان: جاءت معظم الاتفاقيات الدولية بمبدأ أساسي هو المساواة وعدم التمييز مهما كان سببه.

ويعد التمييز على أساس الجنس بالطبع أحد أهم الأسباب التمييزية، ولذلك فإن جميع الوثائق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان تصلح لأن تكون وثائق تضمن حماية مناسبة للمرأة.

ولعل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 10/12/1948 هو الوثيقة القانونية الأهم التي تنطوي في نظر الكثيرين على طبيعة قانونية ملزمة عرفاً.

وقد أقر الإعلان في مادته الأولى مبدأ يقضي بالتساوي، إذ قال: «يولد جميع الناس أحراراً متساوون (متساوين) في الكرامة والحقوق وقد وهبوا عقلاً وضميراً، وعليهم أن يعامل بعضهم بعضاً بروح الإخاء».

كما أشارت المادة الثانية منه إلى أن لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المذكورة فيه دونما تمييز في أي نوع.

لقد أدى الإعلان دوراً مهماً في صياغة ما جاء بعده من اتفاقيات تناولت عدداً من الحقوق، كان من أهمها العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي وقع في 16/12/ 1966. ودخل حيز النفاذ عام 23/3/1976والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الذي وقع في 16/12/1966 ودخل حيز النفاذ في 3/2/1976.

أما العهد الدولي للحقوق المدنية السياسية فقد نصت المادة الثالثة منه على ما يلي: «تتعهد الدول الأطراف في الاتفاقية الحالية بضمان مساواة الرجال والنساء في حق الاستمتاع بجميع الحقوق المدنية والسياسية المدونة في الاتفاقية الحالية».

وقد أنشأ العهد في سبيل ذلك في مادته (28) اللجنة المعنية بحقوق الإنسان على أن تقوم بتنفيذ نصوص الاتفاقية.

وإضافة إلى تلقي التقارير من الدول، بنوعيها الأولية والدورية، ينطوي عمل اللجنة على آلية تلقي الشكاوى بين الدول، إذ يمكن لدولة من الدول الأطراف أن تتقدم بشكوى ضد دولة طرفٍ أخرى مدعية ارتكابها انتهاكاتٍ لحقوق الإنسان، بشرط أن تكون الدولتان قد أودعتا مسبقاً إعلاناً يقضي بقبولهما بهذه الآلية، وهي آلية مهمة إلا أنه لم يتم استخدامها حتى هذا اليوم لاعتبارات سياسية.

ب- الاتفاقيات الدولية الخاصة بحماية حقوق المرأة: أسهمت لجنة مركز المرأة التي أنشأها المجلس الاقتصادي والاجتماعي في العام 1946- كما سبق ذكره - في صياغة عددٍ من الاتفاقيات والإعلانات الهامة وهي:

(1)- اتفاقية الحقوق السياسية للمرأة: التي عرضت للتوقيع والتصديق بموجب قرار الجمعية العامة المؤرخ في 20/12/1952 ودخلت حيز النفاذ 7/5/1954.

وكان مجمل ما جاءت به الاتفاقية الإشارة إلى حق النساء في التصويت والترشيح وتقلد المناصب العامة بشروط تساوي بينهن وبين الرجال من دون أي تمييز.

(2)- اتفاقية جنسية المرأة المتزوجة: التي عرضت للتوقيع والتصديق بقرار الجمعية العامة في 29/1/1957 ودخلت حيز النفاذ في 11/8/1958.

وتنطوي نصوص هذه الاتفاقية على مبدأ أساسي يقضي بعدم تأثر جنسية المرأة بصورة آلية، بجنسية الزوج، بعد الزواج أو بعد انحلاله.

وتُلزم الاتفاقية الدول الأطراف فيها بأن توافق على منح الزوجة الأجنبية جنسية زوجها إذا ما طلبت ذلك من خلال إجراء تجنس امتيازي خاص، هذا إذا لم يوجد مانع من ذلك أساسه مصلحة الأمن القومي أو النظام العام.

(3)- اتفاقية الرضا في الزواج والحد الأدنى لسن الزواج: وقد عرضتها الجمعية العامة للتوقيع والتصديق بتاريخ 7/11/1962 ودخلت حيز النفاذ في 9/12/1964.

يضاف إلى هذا كله اتفاقيات عديدة أخرى تناولت حظر الاتجار بالنساء. سيتم تناولها عند دراسة دور القانون الدولي الجنائي في حماية حقوق المرأة، خاصةً أن نصوص هذه الاتفاقيات تميل إلى الجانب الجنائي، كونها تتضمن تعهداً من الدول بتجريم عددٍ من الممارسات التي سيتم ذكرها في حينه.

(4)- ولاحقاً لهذه الاتفاقيات اعتمدت الجمعية العامة بالإجماع إعلان القضاء على التمييز ضد المرأة عام 1967، وكان ذلك بعد سنوات من النقاش الذي دار في لجنة مركز المرأة وفي الجمعية العامة.

وقد أشارت ديباجة الإعلان إلى القلق من استمرار وجود قدر كبير من التمييز ضد المرأة على الرغم من وجود ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وتوقيع العهدين الدوليين عام 1966.

كما أعلنت الجمعية العامة العام 1975 عاماً دولياً للمرأة؛ لبذل مزيدٍ من الجهود لتشجيع المساواة وإدماج المرأة في إطار عملية التنمية الشاملة.

وأعلنت الجمعية العامة الأعوام (1976-1985) عقداً دولياً من أجل المرأة.

لكن جميع هذه الإعلانات لم تؤد دوراً كبيراً في حماية المرأةً لافتقارها في نظر الكثيرين إلى القوة الإلزامية، ولهذا كان اعتماد الوثيقة الدولية الأهم على الإطلاق في مجال حماية المرأة وهي اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، التي تبنتها الجمعية العامة في 18/12/1979 نتيجة جهود دولية حثيثة استمرت عقوداً من الزمن.

(5)- اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة: لقد كانت الاتفاقية من أسرع الاتفاقيات الدولية دخولاً حيز النفاذ، فقد تم ذلك في عام 1981 بعد تلقيها التصديقات العشرين.

وسيتم فيما يلي تناول مضمون الاتفاقية ومن ثم الآليات التي وضعتها في سبيل تفعيل نصوصها.

- مضمون الاتفاقية: تشتمل الاتفاقية بصورة أساسية على ديباجة وعدد من المواد التي تضم لائحة بالحقوق المقررة للمرأة تنتهي بالمادة (16).

كما تضم الاتفاقية مواد تتعلق بالآلية التي تستطيع مراقبة مدى تنفيذ الاتفاقية، ثم آليات التوقيع والتصديق والانسحاب من الاتفاقية وغير ذلك من أمور إجرائية.

أما الديباجة فقد جاءت لتؤكد أن التمييز ضد المرأة يعد خرقاً لمبدأ المساواة في الحقوق الإنسانية، ويمثل عقبة أمام مشاركة النساء في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لبلدانهن على قدم المساواة مع الرجال، مما يعرقل نمو المجتمع.

وعلى هذا فقد كان الغرض الأساسي من الاتفاقية منع التمييز الواقع على المرأة والذي عرفته المادة الأولى بما يلي:

«لأغراض هذه الاتفاقية يعني مصطلح التمييز ضد المرأة أي تفرقة أو استبعاد أو تقييد يتم على أساس الجنس ويكون من آثاره أو أغراضه النيل من الاعتراف للمرأة، على أساس تساوي الرجل والمرأة، بحقوق الإنسان والحريات الأساسية في الميادين السياسية والاقتصادية والثقافية والمدنية أو في أي ميدان آخر، أو إبطال الاعتراف للمرأة بهذه الحقوق أو تمتعها بها وممارستها لها بغض النظر عن حالتها الزوجية».

ويمكن إجمال الحقوق التي نصت الاتفاقية على منحها للمرأة فيما يلي:

¦ الحقوق السياسية المدنية: تعهدت الدول الأطراف بموجب المادتين (7-8) بحماية حقوق المرأة في مجال الحياة السياسية والعامة، فوافقت على أن يكون للمرأة حق التصويت والترشح وتقلد مناصب تمكنها من صياغة السياسات الحكومية على قدم المساواة مع الرجل. كما تعهدت بدعم مشاركة المرأة في المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية، وتمكينها من تمثيل بلادها على النطاق العالمي.

أما المادة التاسعة فقد أشارت إلى الحق المدني المتعلق باكتساب الجنسية فأوجبت على الدول - في هذا المجال- منح المرأة حقوقاً متساوية مع الرجال بحيث لا يتأثر اكتسابها للجنسية أو الاحتفاظ بها بتغير جنسية الزوج.

كما نصت هذه المادة على وجوب منح المرأة حق منح جنسيتها لأطفالها أسوة بالرجال.

وقد حظيت هذه المادة بأكبر كم من التحفظات، خاصة من جانب الدول العربية والإسلامية التي وجدت فيها مخالفة لمبادئ الشريعة.

¦ الحق في التعليم والعمل والصحة: نصت المادة (10) على وجوب حصول المرأة على فرص التعليم ذاتها التي يحصل عليها الرجال كما أوجبت على الدول الأطراف توفير المناهج الدراسية ذاتها لكلا الجنسين. فمثل هذه الممارسات معمول  بها في العديد من الدول التي تستند في سياستها هذه لاعتبارات متعددة.

أما المادة (11) فقد أوجبت القضاء على التمييز في حق المرأة في ميدان العمل، وذلك بمنحها الفرص ذاتها التي يحصل عليها الرجل، مع مساواة في الأجر والضمان الاجتماعي والوقاية الصحية. كما حظرت فرض تدابير الفصل من الخدمة بسبب الزواج والأمومة.

ونصت المادة (12) على وجوب حصول المرأة على خدمات صحية تماثل تلك التي يحصل عليها الرجل.

¦ الحق في المساواة مع الرجل في الحياة الاقتصادية والاجتماعية م(13): ويُقصد بذلك المساواة فيما يتعلق بالاستحقاقات الأسرية وإمكانية الحصول على قروض مصرفية أو رهونٍ عقارية أو غير ذلك. وذلك لتعزيز الاستقلال الاقتصادي للمرأة وتسهيل دخولها على قدم المساواة مع الرجل مجال التجارة والأسواق.

¦ الحق في المساواة أمام القانون: م (15-16) وقد أثارت هاتان المادتان الكثير من التحفظات خاصة في معرض تعلقهما بقوانين الأحوال الشخصية والمساواة مع الرجل فيما يتعلق بالزواج.

ولعل أكثر الأحكام تميُّزاً ذلك الذي نصت عليه م (14) التي تلزم الدول الأطراف بالالتفات إلى المشكلات الخاصة التي تواجه المرأة الريفية وأن تجهد في القضاء على التمييز ضدها.

وكما يبدو واضحاً مما سبق أن من شأن إعمال هذه الحقوق القضاء فعلياً على جميع أشكال التمييز بسبب الجنس، سواء كان هذا التمييز تمييزاً بحكم القانون أو بحكم الواقع.

ولكن هذا لم يكن ممكناً من الناحية العملية، بسبب ما جاءت به الاتفاقية، فالمادة (28) منها في جواز إبداء الدول التحفظات على موادها في أثناء عملية المصادقة، على أن لا تكون مثل تلك التحفظات مخالفة لأهداف الاتفاقية والغرض منها.

وعلى هذا الأساس فقد ضمّنت معظم الدول تصديقاتها تحفظاتٍ عديدة تجاوزت التحفظات على أي اتفاقية أخرى من اتفاقيات حقوق الإنسان؛ مما أفقد الاتفاقية في كثير من الدول فاعليتها.

وقد كان أكثر التحفظات إثارةً للجدل التحفظ المتعلق بالمادة (2) التي تمثل في نظر الكثيرين جوهر الاتفاقية. إذ نصت على وجوب تعهد الدول الأطراف بشجب جميع أشكال التمييز ضد المرأة وانتهاج سياسة كفيلة بالقضاء على هذا التمييز عن طريق إجراء التعديلات الملائمة في دساتيرها وتشريعاتها وأعمال سلطاتها العامة القضائية  منها وغير القضائية.

إلا أن الدول التي تحفظت على نص المادة لم تكن مستعدة - على ما يبدو - لإلغاء جميع تشريعاتها التي تتضمن في بعض الحالات تمييزاً مرده إلى أسباب دينية أو اجتماعية أو ثقافية لا يمكن العمل بخلافها على نحو ما سيأتي بعد قليل.

ونتيجة لما سبق ترتبت على عاتق اللجنة المنشأة بموجب الاتفاقية مسؤولية تشجيع الدول على سحب تحفظاتها أو وضعها في أضيق الحدود، وهو ما تقوم به اللجنة فعلاً في أثناء تقديم الدول الأطراف لتقاريرها.

وإضافة إلى مسألة التحفظات فقد أُخذ على الاتفاقية عدم معالجتها مسألة العنف المسلط على المرأة بأشكاله المختلفة على الرغم من كونها مسألة أساسية، مما دفع الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى اعتماد الإعلان العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة بقرارها الصادر عام 1993، والذي كان من نتائجه موافقة لجنة حقوق الإنسان عام 1994 على تعيين مقررة خاصة لموضوع العنف ضد المرأة تعمل في إطار ما سبق ذكره عن آلية الإجراءات الخاصة.

- الآليات الكفيلة بتنفيذ اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة: تتعهد الدول بمجرد تصديقها على الاتفاقية بمواءمة تشريعاتها الوطنية مع نصوص الاتفاقية، ومراقبة تطبيق هذه النصوص على الصعيد الوطني لكفالة تطوير المرأة وتقدمها.

وذلك ما أشارت إليه مواد عديدة في الاتفاقية، لعل من أهمها المادة الثانية التي جاء فيها ما يلي:

(تشجب الدول الأطراف جميع أشكال التمييز ضد المرأة وتوافق على أن تنتهج بكل الوسائل المناسبة ودون إبطاء سياسة القضاء على التمييز ضد المرأة، وتحقيقاً لذلك تتعهد بالقيام بما يلي:

أ- تجسيد مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في دساتيرها الوطنية أو تشريعاتها المناسبة الأخرى إذا لم يكن هذا المبدأ قد أدمج فيها حتى الآن، وكفالة التحقيق العملي لهذا المبدأ من خلال القانون والوسائل المناسبة الأخرى.

ب- اتخاذ المناسب من التدابير التشريعية وغيرها، بما في ذلك ما يقتضيه الأمر من جزاءات لحظر كل تمييز ضد المرأة.

جـ- إقرار الحماية القانونية لحقوق المرأة على قدم المساواة مع الرجل، وضمان الحماية الفعالة للمرأة عن طريق المحاكم الوطنية ذات الاختصاص والمؤسسات العامة الأخرى من أي عمل تمييزي.

د- الامتناع عن الاضطلاع بأي عمل أو ممارسة تمييزية ضد المرأة، وكفالة تصرف السلطات والمؤسسات العامة بما يتفق وهذا الالتزام.

هـ- اتخاذ جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة من جانب أي شخص أو منظمة أو مؤسسة.

و- اتخاذ جميع التدابير المناسبة، بما في ذلك التشريع لتعديل أو إلغاء القوانين والأنظمة والأعراف والممارسات القائمة التي تشكل تمييزاً ضد المرأة.

ز- إلغاء جميع أحكام قوانين العقوبات الوطنية التي تشكل تمييزاً ضد المرأة).

وبعيداً عن التزامات الدول بتعديل تشريعاتها، ألزمت الاتفاقية الدول الأطراف فيها بوضع سياسات مناسبة، قد تكون بعيدة أو قصيرة الأمد، تتدخل عن طريقها لتغيير النظرة الاجتماعية  الموروثة إلى المرأة باعتبارها مخلوقاً أقل شأناً من الرجل، وهذا ما نصت عليه المادة الخامسة من الاتفاقية التي جاء فيها ما يلي:

(تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة لتحقيق ما يلي:

1"- تعديل الأنماط الاجتماعية والثقافية لسلوك الرجل والمرأة بهدف تحقيق القضاء على التحيزات والعادات العرفية وكل الممارسات الأخرى القائمة على فكرة دونية أو تفوق أحد الجنسين، أو على أدوار نمطية للرجل والمرأة…).

وإضافةً لما ألزمت به الدول الأطراف نفسها فقد أنشأت الاتفاقية استناداً للمادة (17) منها (لجنة القضاء على التمييز ضد المرأة) والتي يبلغ عدد أعضائها (23) عضواً ينتخبون لمدة 4 سنوات، ويجتمعون في ڤيينا مرة في العام لمدة أسبوعين.

وتقوم اللجنة بعدد من المهام التي يمكن من خلالها وضع الاتفاقية موضع التنفيذ وفق الآليات التالية التي نصت على الأول منها المادة (18) ونص على الآليتين الأخريين البروتوكول الإضافي الملحق بالاتفاقية وفق ما يلي:

2"- آلية التقارير: لعل من أهم صلاحيات اللجنة النظر في تقارير الدول الأطراف لدراسة مدى فاعلية التدابير التي اتخذتها لإعمال نصوص الاتفاقية، ومن ثم إعداد مقترحات وتوصيات عامة، ورفع تقرير سنوي إلى الجمعية العامة عبر المجلس الاقتصادي والاجتماعي.

وتقسم هذه التقارير التي تقدمها الدول إلى تقارير أولية تقدمها كل دولة بعد نفاذ الاتفاقية فيها وتقارير دورية تقدمها كل 4 سنوات.

وتسمح اللجان الدولية مؤخراً للمنظمات غير الحكومية بتقديم تقارير بديلة أو تقارير ظل - كما يفضل بعضهم تسميتها - وذلك في مقابل التقارير الحكومية، للوقوف على مدى صدقية هذه التقارير في التعريف بالتدابير المتخذة على صعيد تنفيذ الاتفاقية في دولةٍ من الدول.

ولعل من مزايا هذه الآلية السماح للمنظمات غير الحكومية بتقديم تقاريرها والسماح لها بحضور جلسات اللجنة، إلا أن من مساوئها كونها مؤقتة زمنياً وغير مجدية في كثيرٍ من الحالات، بسبب ضيق وقت الجلسات ونقص خبرة أعضاء اللجنة.

3"- آلية التحقيق: نصت المادة الثامنة من البروتوكول الإضافي الملحق بالاتفاقية للعام 1999 والذي دخل حيز النفاذ في 22/12/2000 على آلية جديدة تدعى آلية التحقيق، وهي آلية يقتصر وجودها على هذه الاتفاقية والاتفاقية المتعلقة بمنع التعذيب للعام 1984.

ويمكن أن تتلقى اللجنة استناداً إلى هذه الآلية معلومات عن انتهاك ما لحقٍ من حقوق المرأة في دولة من الدول فتدعو اللجنة الدولة الطرف المشتكى منها إلى التعاون والسماح بالتأكد من المعلومات الواردة وتقديم ملاحظاتها حولها.

ويمكن للجنة أن تعين واحداً أو أكثر من أعضائها للتحقيق وتقديم تقرير قد يكون بعد طلب زيارة للدولة المعنية، ولعل من مزايا هذه الآلية عدم طلبها وجود شكوى فردية، إذ قد يحجم معظم الأفراد العاديين عن التقدم بمثل هذه الشكاوى مخافة الانتقام الحكومي.

ولكنّ أهم عيوب هذه الآلية أن للدولة الطرف في البروتوكول أن تنسحب من هذه الآلية وقتما تشاء.

4"- آلية الشكاوى الفردية: وتماثل هذه الآلية إلى حدٍ ما الآلية الموجودة في مجلس حقوق الإنسان أو اللجنة المعنية بحقوق الإنسان السابق ذكرهما، إذ تقدم الشكاوى من قبل أفراد أو مجموعات أفرادٍ أو منظمات غير حكومية بقبول من الأفراد الضحايا، فتنظر اللجنة في هذه الشكاوى بعد التأكد من استيفاء شروط المقبولية العديدة والتي من أهمها اشتراط استنفاد الضحية للإجراءات الداخلية، الأمر الذي يعد عقبة حقيقية في وجوه الضحايا، خاصةً إذا ما كان الوصول إلى هذه الإجراءات أمراً مستحيلاً أو شبه مستحيل.

ثانياً- القانون الدولي الإنساني وحقوق المرأة:

كفل القانون الدولي الإنساني منذ بداية نشأته نوعاً من الحماية للمرأة، بما يتفق مع احتياجاتها الخاصة، حيث تتعرض النساء خلال النزاعات المسلحة الدولية منها وغير الدولية للقدر الأكبر من المعاناة، سواء بوصفهن جزءاً من السكان المدنيين أو لكونهن مقاتلات في القوات المسلحة، فكان لا بد من دراسة أوجه الحماية المقدمة للمرأة في هاتين الحالتين.

1- حقوق المرأة بوصفها جزءاً من السكان المدنيين:

تتعرض النساء في حالات الحرب لما يمكن أن يتعرض له الرجال من المدنيين من قصفٍ وهجماتٍ عشوائية ونقصٍ في الأغذية وغير ذلك. وتتحملن مسؤولية أكبر عندما يتعرض الرجال من أفراد الأسرة للحبس أو الاحتجاز أو الاختفاء القسري أو الموت مما يضطرهن عادة إلى الفرار.

وإن من الحقائق المعروفة أن النساء والأطفال يشكلن النسبة الغالبة من اللاجئين في العالم.

وبعيداً عن الانتهاكات التي يمكن أن يتعرض لها الرجال والنساء، فقد أبزر النزاع المسلح في البوسنة والهرسك مشكلة خطرة تفاقمت لاحقاً على الصعيد العالمي، وتتمثل في العنف الجنسي الذي تتعرض له النساء، فقد استخدم الاغتصاب والعنف الجنسي وسيلةً من وسائل الحرب أصابت العالم بالرعب والذهول.

ولم تغفل اتفاقيات جنيڤ الأربع لعام 1949 قبل ذلك عما يمكن أن تتعرض له النساء بوصفهن جزءاً من السكان المدنيين فأشارت إلى وجوب معاملتهن بكل الاعتبار الواجب لجنسهن.

وإضافة إلى ذلك تستفيد النساء من الحماية العامة التي أقرتها بوجه خاص الاتفاقية الرابعة من اتفاقيات جنيڤ، وذلك ضد أعمال التعذيب والعقاب الجماعي والترحيل والهجمات العشوائية وأعمال العنف.

وإن من بين أهم المواد التي تمنح حماية خاصة للمرأة في النزاعات المسلحة الدولية ما نصت عليه اتفاقية جنيڤ الرابعة فيما يلي:

1- (م 27) إذ جاءت الفقرة الثانية منها لتخص بالحماية النساء خاصة فيما يتعلق بالاعتداء على شرفهن، ولا سيما ضد الاغتصاب والإكراه على الدعارة وأي هتك لحرمتهن.

2- المادة (89) التي تنص على ضرورة صرف أغذية إضافية للحوامل والمرضعات من النساء المعتقلات تتناسب مع احتياجات أجسامهن، كما أشارت م (91) إلى وجوب أن يعهد بحالات الولادة إلى منشأة يتوفر فيها علاج مناسب.

3- أشارت المادة (124) إلى وجوب احتجاز النساء المعتقلات في أماكن منفصلة ووضعهن تحت رقابة مباشرة من النساء.

أما النزاعات المسلحة غير الدولية فقد نصت المادة الثالثة المشتركة في اتفاقيات جنيڤ والبروتوكول الثاني الملحق بها لعام 1977 الخاصين بهذا النوع من النزاعات المسلحة على حماية مماثلة في مواد عديدة، ولم تؤمن هذه النصوص - للأسف - حماية فعلية تذكر في أثناء النزاعات المسلحة، لعدم الالتزام بها من أطراف النزاع المختلفة.

2- حقوق المرأة المقاتلة:

على الرغم من سمة الضعف الغالبة على النساء إلا أن النساء أصبحن يُقدمن مؤخراً بصورة متزايدة على حمل السلاح كأفرادٍ في القوات المسلحة، ففي الحرب العالمية الثانية كانت النساء في الاتحاد السوڤييتي تشكلن نسبة 8% من جملة القوات المسلحة، كما قمن في ألمانيا في الحرب ذاتها بدور أساسي في وحدات الاحتياط وفي معامل الذخيرة.

وتشكل النساء كذلك نسبة 14% من جملة أفراد القوات العاملة في جيش الولايات المتحدة الأمريكية، فقد ضمت القوات المسلحة الأمريكية التي خدمت في حرب الخليج (1990-1991) 40 ألف امرأة، والمرأة على ذلك ليست دائماً أقل قدرة من الرجل على ارتكاب أعمال عنف.

ومع ذلك لم تغفل اتفاقيات القانون الدولي الإنساني عن فرض حماية خاصة للنساء حتى في معرض مشاركتهن في العمليات القتالية.

وقد أشارت المادة الرابعة عشرة من اتفاقية جنيڤ الثالثة الخاصة بالأسرى إلى وجوب أن تعامل النساء بكل الاعتبار الواجب لجنسهن ـ كما نُص على وجوب تخصيص مهاجع خاصة لأسيرات الحرب (م25) وتخصيص مرافق صحية كافية ونظيفة لهن (م39).

ولم ينس البروتوكول الأول الملحق باتفاقيات جنيڤ لعام 1977 والخاص بالنزاعات المسلحة الدولية تأكيد ما سبق وأضاف في مادته (76) إلى وجوب إعطاء الأولوية القصوى لنظر قضايا أولات الأحمال وأمهات صغار الأطفال المقبوض عليهن والمحتجزات أو المعتقلات لأسباب تتعلق بالنزاع المسلح. وتجنب فرض عقوبة الإعدام عليهن قدر المستطاع، أما إذا فرضت فلا يجيز نص المادة تنفيذ حكم الإعدام وهُن في هذه الحالة.

وقد فرض البروتوكول الثاني الخاص بالنزاعات المسلحة غير الدولية حماية مشابهة للنساء المحتجزات في المادة الخامسة منه، إضافة إلى ما فرضه من حماية للرجال والنساء في العديد من مواده.

كان هذا غيض من فيض النصوص المتعلقة بحماية حقوق المرأة زمن النزاعات المسلحة، والتي ما زالت في كثير من الأحيان حبراً على ورق، وإن كان لا يجب إغفال دور اللجنة الدولية للصليب الأحمر في نشر قواعد القانون الدولي الإنساني وتطوير كثير من أحكامه، وإن كان دورها في الرقابة على تنفيذ نصوص الاتفاقيات قاصراً، فذلك لأنها لا تعدو أن تكون هيئة دولية غير حكومية محايدة تبذل ما بوسعها في العمل الميداني من دون أن يكون لها التدخل في صلب النزاعات المسلحة.

ثالثاً- القانون الدولي الجنائي وحقوق المرأة:

أفرز تطور المجتمعات البشرية وتشابك العلاقات بين الدول المختلفة نوعاً جديداً من الجرائم أطلق عليه تسمية الجرائم الدولية؛ لتمييزها عن الجرائم العادية بركنٍ دولي يتمثل في انتهاكها مصلحة دولية مهمة، فضلاً عن انتهاكها حقوق ضحاياها من الأفراد.

وقد وجد أعضاء المجتمع الدولي ضرورة للوقوف مجتمعين في وجه هذا النوع الخطر من الجرائم بما لا يسمح لأحدٍ أن يفلت من العقاب، فكان نشوء مبدأ العالمية الذي يقضي بوجوب التزام الدول فكرة (حاكم أو سلم).

وقد ظهرت اتفاقيات دولية عديدة تجرم ممارسات ترتكب في حق الإنسان، لعل من أهمها تلك التي تجرم الممارسات ضد المرأة، التي غالباً ما تكون أولى ضحايا الجرائم الدولية، سواء زمن السلم أم زمن الحرب، وإن من أهم هذه الاتفاقيات ما يلي:

1- الاتفاق الدولي لتحريم الاتجار بالرقيق الأبيض لعام 1904.

2- الاتفاقية الدولية لتحريم الاتجار بالرقيق الأبيض لعام 1910، وقد تم تعديل الاتفاقيتين السابقتين بموجب البروتوكول الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1948.

3- الاتفاقية الدولية لتحريم الاتجار بالنساء والأطفال لعام 1921.

4- الاتفاقية الدولية لتحريم الاتجار بالنساء البالغات لعام 1933، وقد تم تعديل اتفاقيتي 1921و1933 بموجب البروتوكول الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1947.

5- الاتفاقية الدولية لتحريم الاتجار بالرقيق الأبيض لعام 1949، والتي اعتمدتها الجمعية العامة ودخلت حيز النفاذ عام 1951، والتي أقرت الدول الأطراف بموجبها نفاذ جميع الصكوك القانونية السابقة التي تم عقدها تحت رعاية عصبة الأمم.

6- الاتفاقية الدولية لتحريم الاتجار بالأشخاص واستغلال دعارة الغير لعام 1950.

7- الاتفاقية التكميلية لإبطال الرق وتجارة الرقيق والأعراف والممارسات الشبيهة بالرق لعام 1956، والتي جرمت في الفقرة الثالثة من المادة الأولى منها عدداً من الممارسات والأعراف الاجتماعية المتعلقة بالزواج وهي:

1"- تزويج المرأة أو الوعد بتزويجها من دون أن تملك حق الرفض لقاء دفع بدل مالي أو عيني لأبويها أو أسرتها أو أي شخصٍ آخر.

2"- منح الزوج أو أسرته أو قبيلته حق التنازل عن زوجته لآخر لقاء بدلٍ مالي أو عيني.

3"- أن تكون المرأة عرضةً لأن يرثها شخص آخر بعد وفاة زوجها.

8- البروتوكول الاختياري حول الاتجار بالأشخاص وخاصة النساء والأطفال لعام 2000 والملحق بالاتفاقية المناهضة للجريمة المنظمة عبر الوطنية التي تم تبنيها في العام ذاته.

وعلى الرغم من جميع هذه الاتفاقيات لم يكن مبدأ العالمية مبدأً كافياً في نظر الكثيرين، مما استدعى مواجهة مثل هذه الجرائم البشعة بإنشاء قضاء دولي جنائي بدأت أولى محاولات إنشائه في أعقاب الحرب العالمية الأولى إلا أنها أخفقت وعادت وأثمرت في أعقاب الحرب العالمية الثانية محكمتين دوليتين في كلٍ من نورمبورغ وطوكيو لمحاكمة كبار المجرمين الألمان واليابانيين.

وقام مجلس الأمن بعد ذلك في التسعينيات من القرن الماضي بإنشاء محكمتين دوليتين جنائيتين لمحاكمة مجرمي الحرب في كلٍ من يوغسلافيا السابقة ورواندا.

إلا أن الخطوة الأكثر أهمية في هذا المجال كانت إنشاء المحكمة الجنائية الدولية الدائمة التي دخل نظامها الأساسي حيز النفاذ في 1/7/2002 ونص على اختصاصها بالنظر في جرائم أربع هي:

Ÿ الإبادة الجماعية (م6).

Ÿ الجرائم ضد الإنسانية (م7).

Ÿ جرائم الحرب (م8).

Ÿ جريمة العدوان فيما لو تم الاتفاق على تعريفها (م5).

وبعيداً عن جميع الجرائم الأخرى التي يمكن أن ترتكب ضد الرجال والنساء، وكذلك بعيداً عن جريمة الاتجار بالنساء المذكورة في النظام الأساسي للمحكمة كأحد صور جريمة الاسترقاق تنضم معظم الجرائم المرتكبة ضد المرأة إلى قائمة جرائم الاغتصاب والعنف الجنسي، سواء صُنفت هذه الجرائم جرائمَ ضد الإنسانية أو جرائم حرب.

وقد أشارت المادتان (7-8) إلى ستة أصناف من هذه الجرائم هي: الاغتصاب - الاستعباد الجنسي - الإكراه على البغاء - الحمل القسري - التعقيم القسري وأي شكل آخر من أشكال العنف الجنسي على مثل هذه الدرجة من الخطورة.

وهذه للأسف جرائم ترتكب على نطاقٍ واسع وتتجاوز في فظاعتها وما ترتبه من آثار جسدية ونفسية مدمرة كل ما سواها من جرائم.

رابعاً- حقوق المرأة في الجمهورية العربية السورية:

التزمت الجمهورية العربية السورية بمعظم الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان إضافة إلى اتفاقيات القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي الجنائي، إلا أنها أحجمت عن التصديق على بعض البروتوكولات التي تسمح بتقديم شكاوى فردية، كتلك الملحقة بالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية أو الملحقة بالاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.

أما عن هذه الاتفاقية الأخيرة فقد انضمت سورية إليها في 28/3/2003، وأبدت على نصوصها عدداً من التحفظات، شأنها شأن عددٍ كبير من الدول، وخاصة الدول العربية منها والإسلامية.

وتتعلق هذه التحفظات بما يلي:

1- التحفظ على الفقرة (ب) من المادة الثانية والمتعلقة باتخاذ تدابير تشريعية لحظر كل تمييز ضد المرأة وذلك أن بعض نصوص القوانين السورية تسمح ببعض أشكال التمييز المبرر لأسباب تتعلق في الأصل بالشريعة الإسلامية.

2- التحفظ على البند الثاني من المادة التاسعة الذي ينص على منح المرأة حقاً مساوياً لحق الرجل فيما يتعلق بجنسية أطفالها.

3- التحفظ على الفقرة الرابعة من المادة الخامسة عشر التي تمنح الرجل والمرأة الحقوق ذاتها فيما يتعلق بالقانون المتعلق بالحركة وحرية اختيار مكان الإقامة والسكن.

4- التحفظ على المادة السادسة عشرة المتعلقة باتخاذ جميع التدابير للقضاء على التمييز ضد المرأة في الأمور المتعلقة بالزواج والعلاقات الأسرية.

فقد تحفظت سوريا على بنود من الفقرة الأولى من المادة وهي كالتالي:

أ- البند (ج) المتعلق بمنح المرأة الحقوق والمسؤوليات ذاتها في أثناء الزواج وعند فسخه.

ب- البند (د) المتعلق بمنحها الحقوق ذاتها كوالدة؛ بغض النظر عن حالتها الزوجية في الأمور المتعلقة بأطفالها.

جـ- البند (و) المتعلق بمنحها الحقوق والمسؤوليات ذاتها فيما يخص الولاية والقوامة والوصاية على الأطفال وتبنيهم.

د- البند (ز) المتعلق بمنح الحقوق الشخصية ذاتها للزوج والزوجة، بما في ذلك الحق في اختيار اسم الأسرة والمهنة والوظيفة.

هذا كله إضافة للتحفظ على الفقرة الثانية من المادة السادسة عشرة التي جاء فيها ما يلي:

«لا يكون لخطوبة الطفل أو زواجه أثر قانوني وتتخذ جميع الإجراءات الضرورية بما فيها التشريع لتحديد سن أدنى للزواج ولجعل تسجيل الزواج في سجل رسمي أمراً إلزامياً».

وقد أخذ مشرع قانون حقوق الطفل السوري هذا الأمر بالحسبان ولحظ رفع الحد الأدنى لسن زواج كلٍ من الفتيات والفتيان إلى ثمانية عشر عاماً وهو عمر ينسجم مع اتفاقية حقوق الطفل.

5- وأخيراً التحفظ على المادة التاسعة والعشرين التي توجب عرض الخلافات الناشئة بين الدول الأطراف حول تفسير أو تطبيق الاتفاقية على التحكيم.

ولقد تحفظت الكثير من الدول العربية والإسلامية على العديد من المواد لتعارضها مع الشريعة الإسلامية، كما تحفظت عدد من الدول استناداً إلى قوانينها الوطنية، حيث تحفظت بلجيكا مثلاً على المادة (7) من الاتفاقية حتى لا يضر تطبيقها بالمادة (60) من الدستور البلجيكي التي تقصر على الرجال حق ممارسة السلطات الملكية.

وتعد معظم تلك التحفظات العربية والإسلامية مبررة منطقاً وشرعاً، فعلى سبيل المثال يعود عدم المساواة في الميراث في الشريعة الإسلامية إلى تحمل الرجل أعباء الأسرة والإنفاق فيكون تقرير النصف للمرأة ليس دليلاً على عدم المساواة بل وسيلة لتحقيقها على أساس إقامة توازن بين الأعباء والحقوق.

وباستثناء هذه التحفظات تعترف التشريعات السورية للمرأة بشخصية قانونية كاملة، إذ يكون لها حق التصرف في أموالها وحق رفع الدعاوى أمام القضاء.

وتقوم الحكومة السورية بمحاولة النهوض بواقع المرأة السورية وإشراكها في جميع نواحي الحياة في المجتمع السوري، ويشمل المرأة بالتأكيد اهتمام الهيئة السورية لشؤون الأسرة.

وختاماً لكل ما سبق فإن القانون الدولي، بفروعه المتعددة، يزخر بكثيرٍ من النصوص المهمة التي سيكون من شأن تطبيقها الارتقاء بوضع المرأة على الصعيد العالمي.

وإنه وإن لم يتم التوصل حتى الآن في إطار الأمم المتحدة إلى إنشاء محكمة لحقوق الإنسان إلا أن مثل هذه المحاكم موجودة على الصعيد الإقليمي في كل من أوربا وأمريكا وإفريقيا.

أما في حالة ارتكاب جرائم دولية فيمكن محاكمة الأفراد ممن يرتكبون مثل هذه الجرائم أمام المحكمة الجنائية الدولية.

ويبقى على الدول العربية واجب أخلاقي ملح في إنشاء نظام قانوني خاص بحقوق الإنسان العربي. والمحاكمة عن جرائم دولية ترتكب في حقه؛ لأن تصديق الدول العربية على نظام المحكمة الجنائية الدولية مبعث حقيقي للقلق من تدخل خارجي محتمل، لأسباب أبعد ما تكون عن الاهتمام بحقوق الإنسان العربي وحرياته الأساسية.

مراجع للاستزادة:

- أبو الخير أحمد عطية، حماية السكان المدنيين والأعيان المدنيين إبان النزاعات المسلحة (دار النهضة العربية، 1998).

- أحمد أبو الوفا، حقوق الإنسان (دار النهضة العربية، 2005).

- أمل يازجي، القانون الدولي الإنساني وحماية الأطفال والنساء أثناء النزاعات المسلحة في القانون الدولي الإنساني آفاق وتحديات (منشورات الحلبي الحقوقية، 2005).

- زياد عيتاني، المحكمة الجنائية الدولية وتطور القانون الجنائي الدولي (منشورات الحلبي الحقوقية، 2009).

- سوسن بكة، الجرائم ضد الإنسانية في ضوء أحكام النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، ط1 (منشورات الحلبي الحقوقية، 2006).

- عبد الفتاح مراد، حقوق الإنسان (مؤسسة المعارف، بيروت 1994).

- عبد الكريم علوان خضير: الوسيط في القانون الدولي ج3، ط1 (دار الثقافة للنشر والتوزيع، 1997).

- نبيل عبد الرحمن ناصر الدين، ضمانات حقوق الإنسان وحمايتها، ط1 (دار نشر بك، 2006).

- جوديت ج. غردام «النساء وحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني» في دراسات في القانون الدولي الإنساني (دار المستقبل العربي، 2000).

- جين كونورز وآخرون، تقييم وضع المرأة، بحث لصالح شبكة العمل الدولية للعمل من أجل المرأة في الولايات المتحدة الأمريكية وقسم الشؤون النسائية والشبابية العامة للكومنولث ــــ لندن.

- شارلوت ليندسي، المرأة والحرب (منشورات الصليب الأحمر، مختارات عام 2000).

- فرانسواز كريل، «حماية النساء في القانون الدولي الإنساني»، في المجلة الدولية للصليب الأحمر، تشرين الثاني، كانون الأول، 1985.

- Javaid REHMAN, International Human Rights Law (Personal Education Limited, 2003).

- Richard STORE, Civil Liberties and Human Rights (Oxford University Press, 2002).

 


التصنيف : القانون الدولي
النوع : القانون الدولي
المجلد: المجلد الثالث: الجرف القاري ــ الرسم والنماذج الصناعية
رقم الصفحة ضمن المجلد : 305
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 529
الكل : 31619293
اليوم : 54148