logo

logo

logo

logo

logo

عقد الوكالة

عقد وكاله

procuration contract - contrat de procuration

 عقد الوكالة

عقد الوكالة

ياسر عياش

مفهوم عقد الوكالة

أركان عقد الوكالة

آثار عقد الوكالة

انتهاء عقد الوكالة

 

أولاً ـ مفهوم عقد الوكالة:

يدخل عقد الوكالة من حيث تصنيفه في العقود المسماة، إلا أنه لا يرمي من حيث موضوعه إلى خلق التزام ما بصورة مباشرة، وإنما يرمي إلى إعطاء شخص ما الصلاحيات اللازمة التي تمكنه من تمثيل الموكل، ومن ثم فإن عقد الوكالة هو عقد تمثيلي أو عقد نيابة.

ولا تخفى على أحد الأهمية الكبرى التي يتمتع بها عقد الوكالة سواء على صعيد القانون أو على صعيد التعامل اليومي في حياة الأفراد والمجتمع. وقد جاءت هذه الأهمية من كثرة المعامـلات بين الأفـراد وتنوعها، وما اقتضاه هذا التعامل من سرعة في الحياة العصرية، واتساع مجالات التوكيل في الحياة اليومية، وما ينبني عليه من أنواع متعددة للوكالات، وما يترتب على صدورها من آثار، وحقوق والتزامات على طرفيها، أو على الأشخاص الآخرين الذين ترتبط مصالحهم بالموكـل أو الوكيل.

لذلك كله أعطى المشرع عقد الوكالة أهمية كبيرة تتناسب مع خطورة أثاره، وما ينعكس على اسـتقرار المعاملات. فأفرد له في القانون المدني المواد (665 وحتى 683) ضمن العقود الواردة على العمل.

1ـ تعريف عقد الوكالة: الوكالة لغة: بفتح الواو وكسرها، تعني التفويض، كقولك: وكلتُ أمري إلى الله أي فوضّته إليه، مصداق ذلك قوله عز وجل في حكاية هودu: }إنّي تَوَكّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبُّكُم{ (هود 56). وتطلق على الحفظ، ومنه قوله سبحانه وتعالى }حَسُْبنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيْل{ (آل عمران ـ 173).

أما في الاصطلاح الشـرعي فتعني: أن يُقيم الفرد غيره مقام نفسه، في تصرّف جائز معلوم يملكه. ومن ثم فالمتصّرف في مال الغير من دون أن يقيمه المالك عنه لا يكون وكيلاً، وإذا أقامه في تصّرفٍ غير جائزٍ كان التوكيل غير صحيح، أي: كل ما جاز فعله جاز توكيله.

أما قانوناً فقد عرف المشرع السوري الوكالة في المادة (665) من القانون المدني بقوله: "الوكالة عقد بمقتضاه يلتزم الوكيل بأن يقوم بعمل قانوني لحساب الموكل".

2ـ خصائص عقد الوكالة:

يختص عقد الوكالة بالخصائص الآتية:

أ ـ عقد الوكالة هو في الأصل من العقود الرضائية، وقد يكون شكلياً إذا كان التصرف القانوني محل الوكالة تصرفاً شكلياً، وهذا ما نصت عليه المادة (666) من القانون المدني بقولها: "يجب أن يتوافر في الوكالة الشكل الواجب توافره في العمل القانوني الذي يكون محل الوكالة ما لم يوجد نص يقضي بغير ذلك". فالعقود الشكلية التي تقتضي لانعقادها شكلاً خاصاً تكون الوكالة فيها أيضاً شكلية. ومثال ذلك أن الإبراء لكونه تصرفاً يرقى في خطورته إلى أعمال التبرع، يتعين أن يتخذ التوكيل فيه وكالة خاصة تفوض بالإبراء وتعين محله. وكذلك الخصومة، والتوكيل أمام القضاء إذ لا بد من توكيل خاص بذلك.

كما أن عقد الوكالة في الأصل هو من عقود التبرع، فيمكن أن يكون من عقود المعاوضة إذا اشترط الأجر صراحة أو ضمناً.

ب ـ إن عقد الوكالة الأصلي يكون دائماً تصرفاً قانونياً. أي إن المهام الملقاة على عاتق الوكيل هي أساساً القيام بتصرفات قانونية، لا القيام بأعمال مادية، كعقدي العمل والمقاولة. وهذا التصرف القانوني يقوم به الوكيل لحساب الموكل وباسم هذا الأخير. ويمكن أن يكون باسمه الشخصي ما دام لحسـاب الموكل، كما يقع في الاسم المستعار وفي الوكالة بالعمولة. وهذا ما يميز الوكالة من النيابة.

فهي تارة تكون مقترنة بها، فتكون الوكالة نيابية عندما يعمل الوكيل باسم الموكل، وتارة تنفصل عنها فتكون الوكالة غير نيابية عندما يعمل الوكيل باسمه الشخصي. وفي كلتا الحالتين يجب أن يعمل الوكيل لحساب الموكل لا لحسابه الشخصي، فيقدم عند انتهاء الوكالة حساباً عما قام به من الأعمال لتنفيذ الوكالة، وليس له أن يستعمل مال الموكل لمصلحة نفسه، وعليه فوائد المبالغ التي استخدمها لمصلحته من وقت استخدامه، وعليه فوائد ما تبقى في ذمته من حساب الوكالة من وقت أن يُعذر.

ج ـ تختلف الوكالة عن غيرها من العقود الأخرى بتغليب الاعتبار الشخصي، فالموكل أدخل في اعتباره شخصية الوكيل، وكذلك الوكيل أدخل في اعتباره شخصية الموكل. وتبرز أهمية الاعتبار الشخصي لكل من الموكل والوكيل بأن هذه الخاصية يترتب عليها أن الوكالة تنتهي بموت الوكيل أو بموت الموكل.

د ـ تتميز الوكالة بأنها عقد غير لازم، ومن ثم يجوز من حيث المبدأ للموكل أن يعزل الوكيل، ولهذا الأخير أن يعتزل الوكالة قبل إتمام التصرف القانوني محل الوكالة، أو حتى قبل البدء به.

3ـ موازنة بين عقد الوكالة والعقود المشابهة له:

أ ـ عقد الوكالة وعقد المقاولة: يتفق عقد الوكالة وعقد المقاولة في أن كلاً منهما يرد على العمل، وهذا العمل يؤديه كل من المقاول والوكيل لمصلحة الغير. ولكنهما يختلفان في أن العمل في عقد الوكالة هو تصرف قانوني وينوب فيه الوكيل عن الموكل إذا كان يعمل لحسابه، وأن الوكالة في الأصل تكون بغير أجر وإذا كانت بأجر خضعت لتقدير القاضي، وأنها تنتهي حكماً بموت الوكيل أو الموكل، وأنها في الأصل عقد غير لازم. في حين أن العمل في عقد المقاولـة عمل مادي ولا ينوب فيه المقاول عن رب العمل، وأن المقاولة تكون دائماً مأجورة ولا يخضع الأجر فيها لتقدير القاضي، ولا تنتهي المقاولة بموت رب العمل أو المقاول إلا إذا كانت شخصيته محل اعتبار، إضافة إلى أن عقد المقاولة عقد غير لازم.

وقد تلتبس الوكالة بالمقاولة، وخاصة في العقود التي تبرم مع أصحاب المهن الحرة، كالطبيب والمحامي، لأن المحل في هذه العقود هو عمل مادي وإن كان يتميز بأنه عمل فكري، فتكون هذه العقود عقود مقاولة. وقد يختلط بها عقد الوكالة، فالعقد مع المحامي يقع على خليط من الأعمال المادية والتصرفات القانونية، ويغلب فيه عنصر الوكالة. وكذلك مصفي الشركة يعتبر وكيلاً عن الشركة في أثناء التصفية وليس مقاولاً. والتعاقد مع رجال الأعمال يكون في الأصل مقاولة، وقد يتضمن وكالة إذا دخل في الأعمال المتعاقد عليها أن يقوم رجل الأعمال بتصرف قانوني.

ب ـ عقد الوكالة وعقد العمل: يفترق عقد الوكالة عن عقد العمل بأن محله تصرف قانوني، في حين أن محل عقد العمل هو القيام بعمل مادي. وأن العامل في عقد العمل يعمل دائماً تحت إشراف رب العمل وتوجيهه، فعلاقته به هي علاقة التابع بالمتبوع، في حين أن الوكيل في عقد الوكالة لا يعمل تحت إشراف الموكل، إذ ليس من الضروري أن تقوم بينهما علاقة التبعية.

ويفترق عقد الوكالة عن عقد العمل في الوجوه والنواحي ذاتها التي يفترق بها عقد الوكالة عن عقد المقاولة، لجهة ضرورة الأجر في عقد العمل وعدم ضرورته في عقد الوكالة، وخضوع أجر الوكيل إن وجد لتقدير القاضي، وعدم نيابة العامل عن رب العمل، ونيابة الوكيل عن الموكل إن كان يعمل باسمه، وعدم انتهاء عقد العمل بموت رب العمل وانتهاء الوكالة بموت الموكل. وإن كان كل من العقدين ينتهي بموت العامل أو موت الوكيل. ولزوم عقد العمل وعدم لزوم عقد الوكالة.

وقد يلتبس عقد الوكالة بعقد العمل، ويقع ذلك عادة في شأن الممثلين التجاريين ومندوبي التأمين، فهؤلاء يقومون بأعمال مادية وبتصرفات قانونية مع العملاء لحساب مخدوميهم، فيعقدون الصفقات ويبرمون عقود التأمين.

وكثيراً ما يختلط عقد الوكالة بعقد العمل، فيعهد صاحب المتجر إلى مستخدمه بعقد الصفقات مع العملاء أو بقبض الديون منهم. ففي هذه الحالة تسري في الأصل أحكام عقد العمل، وتسري في الوقت ذاته أحكام عقد الوكالة فيما يتعلق بالتصرفات القانونية التي يقوم بها هؤلاء المستخدمون. ومن ثم ينتفعون بالتشريعات العمالية وبما تضفيه عليهم من الحماية ويكونون تابعين لرب العمل، فيكون هذا مسؤولاً عنهم مسؤولية المتبوع عن عمل التابع. أما التصرفات القانونية التي يقومون بها فيمثلون فيها مخدومهم، وتنصرف أثارها مباشرة إلى المخدوم. وإذا تعارضت أحكام عقد العمل مع أحكام عقد الوكالة، غُلب عنصر عقد العمل فتسري أحكامه  وتستبعد أحكام عقد الوكالة.

ج ـ عقد الوكالة وعقد الإيجار: يشترك الوكيل والمستأجر في أنه إذا تصرف أي واحد منهما في الشـيء الذي تحت يده من دون إذن المالك عدّ مبدداً. ويختلفان في أن محل الوكالة تصرف قانوني، وأن الوكيل يعمل عادة باسم الموكل ويمثله، وأن الوكالة تنتهي بموت الموكل أو الوكيل، وأنه يجوز الرجوع في الوكالة، ويجوز للقاضي أن يعدل الأجر المتفق عليه إذا كانت بأجر. بخلاف عقد الإيجار الذي يكون محله عملاً مادياً، وأن المستأجر لا يمثل المؤجر، وأن الإيجار لا ينتهي بموت المستأجر إلا في حالات استثنائية، وأنه لا يجوز الرجوع في الإيجار، ولا يجوز أن يعدل القاضي الأجر إلا في حالات استثنائية.

وقد يقع لبس بين الوكالة والإيجار، وذلك إذا اتفق شخص مع آخر على أن يؤجره جملة واحدة عدة عقارات يملكها الأول، على أن يؤجرها المستأجر من الباطن عقاراً، ويتقاسم الأجرة مع المؤجر بنسبة معينة، أو يأخذ لنفسه مبلغاً معيناً يقتطعه من الأجرة التي يتقاضاها من المستأجرين من الباطن ويعطي البقية للمؤجر. فالعقد هنا ليس عقد إيجار وإنما عقد وكالة مأجورة، والوكيل فيها هو من تسمى بالمستأجر الأصلي والموكل من تسمى بالمؤجر.

د ـ عقد الوكالة وعقد البيع: قد تقترن الوكالة بالبيع، ويحدث ذلك في أحوال منها:

(1)ـ حالة الاسم المستعار أو المسخر، فهو يشتري باسمه ما وكل بشرائه، ثم يبيعه بعقد جديد للموكل. فيقترن عقد الوكالة في هذه الحالة بعقدي بيع، الأول هو الذي أبرمه المسخر مع المتعاقد الآخر والثاني هو الذي أبرمه المسخر مع الموكل.

(2)ـ حالة السمسار والوكيل بالعمولة، يقوم كل منهما بشراء الشيء باسمه ولكن لحساب عميله، ثم ينقله إلى العميل بعقد جديد، فيكون هناك عقد وكالة مقترناً بعقدي بيع على النحو السالف الذكر.

(3)ـ حالة الوكالة بالشراء في حق التقرير بالشراء عن الغير، وهو أن يشتري الوسيط الشيء باسمه مع احتفاظه بالحق في أن يقرر في مدة يتفق عليها أنه اشترى لشخص يعلن اسمه. ويعد الوسيط وكيلاً عنه في الشراء. فإذا لم يعلن الوسيط اسم أحد في هذه المدة بقي البيع باسمه وعدّ أصيلاً في الشراء لا وكيلاً.

وقد تلتبس الوكالة بالبيع في أحوال كثيرة منها، أن يوكل شخص شخصاً آخر في بيع مال له، مع تخويله الحق في أن يشتري لنفسه إذا شاء. فالعقد هنا وكالة معلقة على شرط فاسخ، هو أن يشتري الوكيل المال لنفسه. فإذا اشترى الوكيل المال لنفسه انفسخت الوكالة، وتبقى من المتعاقد وعد بالبيع قبِله الموعود له (الوكيل) بشرائه المال.

هـ ـ عقد الوكالة وعقد الشركة: تتشابه الوكالة مع عقد الشركة فيما إذا فوض الدائن شخصاً أن يقبض حقه من المدين في مقابل نسبة معينة من الدين المحصل. فالعقد وكالة مأجورة لا شراكة، لأن الوكيل لا يشارك الدائن في الخسارة إذا لم يقبض الدين، بل يأخذ أجراً على وكالته نسبة معينة من الدين.

ويعد العقد عقد شركة إذا عهد شخص إلى آخر إدارة مال له، على أن يشـاركه في الربح والخسارة. أما في حال تقاضي ذلك الشخص لنسبة مئوية من صافي الربح ولا يشاركه في الخسارة، فيعد هذا العقد عقد وكالة.

ويعد مجلس إدارة الشركة وعضو مجلس الإدارة المنتدب، كل منهما أداة للشركة لا وكيلاً عنهاً. ويعد رئيس مجلس إدارة الشركة وكيلاً عن هذا المجلس، أما المدير الفني فيعد موظفاً مرتبطاً بعقد عمل لا وكيلاً.

و ـ عقد الوكالة وعقد الوديعة: إن جميع الأموال والأشياء العائدة ملكيتها للموكل، والتي في يد الوكيل إنما يكون هذا الأخير قد تسلمها لتنفيذ عمل قانوني لحساب الموكل، فهي عقد وكالة. ولم يتسلمها لحفظها كما هو الأمر في عقد الوديعة.

ومع ذلك قد تقترن الوديعة بالوكالة، كما لو أودع شخص مالاً عند آخر لحفظه، ووكله في الوقت ذاته بأن يدفع هذا المال بعد مدة معينة لدائن له يستوفي منه حقه.

ثانياًـ أركان عقد الوكالة:

للوكالة أركان ثلاثة كما في سائر العقود: التراضي والمحل والسبب.

1ـ التراضي: للتراضي في عقد الوكالة، شأن سائر العقود، نوعان من الشروط: شروط الانعقاد وشروط الصحة.

أ ـ شروط الانعقاد من حيث الموضوع والشكل: ويتجلى ذلك في توافق الإيجاب والقبول وشكلية العقد.

(1)ـ تطابق الإيجاب والقبول في الوكالة: يجب لانعقاد الوكالة توافق الإيجاب والقبول بين الموكل والوكيل، فيتم التراضي بينهما على ماهية العقد. كما لو حوَّل دائن لشخص حقه على سبيل الوكالة في قبضه، وقبِل هذا الشخص التعاقد على أنه حوالة حق، لم تكن هناك وكالة أو حوالة، ولم يكن هناك تعاقد أصلاً لعدم التراضي على ماهية العقد.

ويجب التراضي على التصرف القانوني أو التصرفات القانونية التي يقوم بها الوكيل، كما لو وكل شخص شخصاً آخر بشراء سيارة من طراز معين، فقبِل الآخر الوكالة معتقداً أن السيارة المطلوب شراؤها من طراز آخر، لم تنفذ الوكالة لعدم التراضي على المحل.

وكذلك يجب التراضي على الأجر الذي يتقاضاه الوكيل، إن كان هناك أجر. ويجوز عدم الاتفاق على الأجر ومع ذلك يفهم من الظروف، وخاصة من مهنة الوكيل، أن الوكالة مأجورة أولاً، كالطبيب والمحامي، فيتولى القاضي تقدير الأجر. وإذا لم يتفق المتعاقدان على الأجر، ولم يستنتج ذلك من الظروف أن الوكالة مأجورة أولاً، انعقدت الوكالة بلا أجر، لأنها في الأصل تبرعية.

والتعبير عن التراضي قد يكون صريحاً، كأن يكون مشافهة أو بواسطة الهاتف أو بالمراسلة بالبريد، وقد يكون ضمنياً، أي بالأفعال، كأن يكتب شخص إلى تاجر يكلفه شـراء بضاعة معينة وإرسالها إليه، فيشتري المرسل إليه البضاعة ويرسلها إلى المرسل عملاً بالتكليف، فيعد ذلك قبولاً ضمنياً بالوكالة من هذا الأخير.

وفي كل الأحوال، فإن التراضي يجب أن يسـبق التصرف القانوني الذي يعقده الوكيل، فإن كان لاحقاً لم تكن هناك وكالـة بل فضالـة. وكذلك يجب أن يصدر رضـاء الوكيل الصريـح أو الضمني قبل وقوع حادث يكون من شأنه إنهاء الوكالة لو أنها انعقدت، كموت الموكل أو فقد أهليته.

(2) ـ شـكل الوكالة: لقد بحثت المادة (666) من القانون المدني في شكل الوكالة فقالت بوجوب أن يتوافر في الوكالة الشكل الواجب توافره في العمل القانوني موضوع الوكالة، كهبة عقار أو الوعد بهبته، إذ يُوجب عقداً رسمياً، ومن ثم فالتوكيل بهبة عقار يجب أن يكون بوكالة رسمية لدى الكاتب بالعدل.

والمشرع قد يقر الشكل الرسمي لاطلاع الغير، أو حمايته، أو لمصلحة المتعاقدين لتوجيه نظرهم لأهمية العمل القانوني الذي يجرونه، فمن المعقول أن يطلب إلى الموكل، الذي يريد إجراء عقد رسمي، أن تظهر إرادته بصورة رسمية في توكيله للغير.

ولكن إذا وجد نص قانوني يقضي بأن يكون التوكيل في شكل معين وجب مراعاة هذا الشكل من دون النظر إلى ما إذا كان التصرف القانوني محل التوكيل شكلياً أو غير شكلي، ومن دون النظر إلى ماهية الشكل المطلوب لهذا التصرف، كالتوكيل الصادر للمحامي أو الوكيل بالخصومة.

ب ـ شروط صحة عقد الوكالة: وترجع هذه الشروط إلى توافر الأهلية الواجبة، وسلامة الرضا من عيوب الإرادة.

(1)ـ الأهلية في الوكالة: يجب التمييز بين أهلية الموكل التي يشترط فيها أهلية التصرف، وبين أهلية الوكيل التي لا يشـترط فيها أهلية التصرف بل يكفي فيها التمييز.

فقد أوجب القانون أن يكون الموكل حائزاً على أهلية التصرف القانوني في العمل الذي وكل الغير بإبرامه؛ لأن العمل القانوني الذي يبرمه الوكيل لحساب الموكل ينصرف أثره مباشرة إلى الموكل كأنه عقده بنفسه. فإذا وكل في بيع وجب أن تتوافر فيه أهلية التصرف الواجب توافرها في البائع، وإذا وكل في إيجار وجب أن تتوافر فيه أهلية الإدارة الواجب توافرها في المؤجر.

والعبرة في توافر الأهلية في الموكل في وقت الوكالة وفي الوقت الذي يباشر فيه الوكيل العقد في وقت واحد، فلو أن الموكل لم يكن أهلاً لهذا العقد وقت إعطاء التوكيل لم تصح الوكالة، ولا تصح أيضاً إذا كان الموكل أهلاً وقت التوكيل وغير أهل وقت مباشرة العقد.

وإذا لم يكن الموكل أهلاً لأن يؤدي التصرف القانوني محل الوكالة كانت الوكالة باطلة، فلا تضفي على الوكيل صفة النيابة. فإذا تعاقد مع الغير تنفيذاً للوكالة كان العقد باطلاً، حتى لو كان حسن النية، وكان الغير الذي تعاقد معه حسن النية، ما لم يكن هناك محل لتطبيق قواعد الوكالة الظاهرة.

وإذا تضمنت الوكالة التزامات أخرى تعهد بها الموكل، يجب أن يكون حائزاً على الأهلية للقيام بالالتزام الآخر، إضافة إلى الأهلية المشترطة فيها. فإذا وكل شخص آخر بإيجار منزله وتعهد بدفع الأجر للوكيل، وجب على الموكل أن يكون أهلاً للإدارة فيما يتعلق بعقد الايجار، وأن يكون أهلاً للتصرف فيما يتعلق بتعهده بدفع الأجر للوكيل. فإذا كان أهلاً للإدارة دون أن يكون أهلاً للتصرف، كانت الوكالة صحيحة في التوكيل بعقد الإيجار، وقابلة للإبطال بالتزام الموكل بدفع الإيجار للوكيل.

أما أهلية الوكيل، فلا يلزم أن تتوافر فيه أهلية التصرف، لأن أثر العقد لا ينصرف إليه، وإنما يكفي أن يكون أهلاً لأن تصدر منه إرادة مستقلة، لأنه يعبر عن إرادته هو لا عن إرادة الموكل وفقاً للقواعد العامة في نظرية النيابة، فيجب أن يكون قادراً على التمييز ولو كان قاصراً. فإذا كان الوكيل غير مميز كان العقد باطلاً.

وإذا كان الوكيل قاصراً أو ناقص الأهلية، جاز له وحده إبطال عقد الوكالة. فإذا لم يطلب الإبطال وتعاقد مع الغير تنفيذاً للوكالة، كان تعاقده صحيحاً ونفذ في حق الموكل، من دون أن يستطيع الموكل ولا الغير الذي تعاقد معه الوكيل أن يتمسك بإبطال عقد الوكالة. ذلك أن عقد الوكالة إذا كان قابلاً للإبطال، فإنما يكون هذا في العلاقة بين الموكل والوكيل، فليس للغير الذي تعاقد مع الوكيل أن يبطل العقد، لأن قابلية الإبطال تقررت في الوقت ذاته لمصلحة الوكيل لا لمصلحة الموكل، فليس للموكل أن يطلب إبطال الوكالة.

وإذا طلب الوكيل إبطال الوكالة وأبطلت، فإن نيابته المستمدة من الوكالة تبطل. وإذا كان قد تعاقد مع الغير، جاز لهذا الأخير أن يتمسك بالوكالة على اعتبار أنها وكالة ظاهرة وفي الحدود التي يجوز فيها التمسك بهذه الوكالة. وإذا لم يكن قد تعاقد مع الغير، فلا يجوز له أن يتعاقد بصفته نائباً، لأن هذه الصفة قد انعدمت بعد إبطال الوكالة، ولكنه إذا تعاقد مع ذلك وتوافرت شروط الوكالة الظاهرة جاز للغير أن يتمسك بها.

ومتى أبطل الوكيل الوكالة، جاز للموكل أن يرجع على الوكيل بدعوى الإثراء بلا سبب، كما يجوز أن يرجع عليه بالمسؤولية التقصيرية، ويتحقق ذلك بوجه خاص إذا كان في يد الوكيل مال للموكل فأتلفه أو تصرف به لمصلحته.

(2)ـ عيوب الرضا في عقد الوكالة: يكون الرضا في عقد الوكالة معيباً إذا شــابه غلط أو تدليس أو إكراه أو استغلال، شأن الوكالة في ذلك شأن سائر العقود. ذلك أن الوكالة يغلب فيها الاعتبار الشخصي، فالوكيل لم يرض بالوكالة إلا بعد أن أدخل في اعتباره شخص الموكل، وكذلك الموكل لم يرض بالتوكيل إلا بعد أن أدخل في اعتباره شخص الوكيل.

ويترتب على وقوع غلط في شخص الوكيل، قابلية عقد الوكالة للإبطال إذا كان الوكيل يعلم بالغلط أو كان في استطاعته أن يتبينه. وقد يكون للموكل فائدة في إبطال العقد، ويؤثر ذلك في عزل الوكيل، إذ قد تترتب على عزل الوكيل التزامات في ذمته يستطيع أن يتوقاها إذا هو عمد إلى إبطال الوكالة.

وقد يداخل الوكالة إكراه أدبي، ويتحقق ذلك بوجه خاص في التوكيل الصادر من الزوجة لزوجها، وفي التوكيل الصادر من الابن لأبيه. فإذا أثبتت الزوجة أو الابن أن الوكالة مشوبة بإكراه أدبي، جاز إبطال الوكالة، ويتوقى الموكل بالإبطال ما كان يترتب في ذمته من التزامات لو أنه اقتصر على عزل الوكيل.

وإذا كانت الوكالة قابلة للإبطال للإكراه الأدبي أو لأي عيب آخر من عيوب الرضا، وتعاقد الوكيل مع ذلك بموجب هذه الوكالة مع شخص يجهل ما انطوت عليه من عيب، فإن أثر التصرف ينصرف إلى الموكل ولو حصل على حكم بإبطال الوكالة، وذلك في حدود تطبيق قواعد الوكالة الظاهرة.

2ـ محل الوكالة: أي التصرف القانوني محل الوكالة الذي له شروط وأنواع وفق التفصيل التالي:

أ ـ الشروط الواجب توافرها في التصرف القانوني محل الوكالة:

(1)ـ أن يكون التصرف ممكناً، فإذا كان مسـتحيلاً كان باطلاً عملاً بأحكام المادة (133) من القانون المدنـي. ومثاله أن يوكل الخصم محامياً للطعن بالنقض في حكم لا يقبل الطعن فيه بالنقض.

وقد يكون التصرف القانوني محل الوكالة ممكناً ولكن طبيعته لا تقبل التوكيل فيه، إذ قد يكون عملاً يقتضي أن يقوم به صاحبه شخصياً. كالحضور أمام القضاء للاستجواب أو لحلف اليمين. فلا يجوز للخصم أن يوكل غيره لمثل هذا وتكون الوكالة باطلة.

(2)ـ أن يكون معيناً أو قابلاً للتعيين وإلا كانت الوكالة باطلة عملاً بأحكام المادة (134) من القانون المدني. فإذا وكل شخص شخصاً آخر وجب عليه أن يعين التصرف الذي وكله فيه تعييناً نافياً للجهالة، فيوكله مثلاً في بيع أو رهن أو هبة. وإذا لم يكن التصرف محل الوكالة معيناً، وجب على الأقل أن يكون قابلاً للتعيين، كأن يوكل المالك ناظر زراعته بإدارة المزرعة، من دون أن يعين له بالتحديد التصرفات القانونية محل التوكيل.

(3)ـ أن يكون مشروعاً، فإذا كان التصرف غير مشروع لمخالفته للنظام العام أو الآداب أو القانون كان باطلاً، وكانت الوكالة فيه أيضاً باطلة وفق ما تقرره المادة (136) من القانون المدني. فإذا وكل شخص آخر بشراء مخدرات أو أن يراهن أو يقامر نيابة عنه كانت الوكالة باطلة.

ب ـ أنواع التصرفات القانونية التي يصح أن تكون محلاً للوكالة: إن أي تصرف قانوني توافرت فيه الشروط سالفة الذكر يصح أن يكون محلاً للوكالة. فقد يكون عقداً كالبيع والإيجار، وقد يكون إرادة منفردة كالوصية، وقد يكون إجراءً قضائياً تابعاً لتصرف قانوني كالإقرار. وقد يستتبع التصرف القانوني القيام بأعمال مادية تعد ملحقة به، كالبيع يستتبع التصديق على الإمضاء والتسجيل.

وإذا تعين التصرف القانوني محل الوكالة، فإن حرية العمل التي يتركها الموكل للوكيل في تنفيذ الوكالة تضيق وتتسع تبعاً لما يتفق عليه الطرفان. وسواء كان مدى حرية الوكيل ضيقاً أو واسعاً فإن الوكالة من ناحية التصرفات القانونية التي تكون محلاً لها، تنقسـم إلى قسمين رئيسيين: وكالة عامة ووكالة خاصة.

فقـد نصت المادة (667) من القانون المدني على أن: " الوكالـة الـواردة في ألفاظ عامة لا تخصيص فيها حتى لنوع العمل القانوني الحاصل فيه التوكيل، لا تخول الوكيل صفة إلا في أعمال الإدارة ويعد من أعمال الإدارة الإيجار إذا لم تزد مدته على ثلاث سنوات وأعمال الحفظ والصيانة واستيفاء الحقوق ووفاء الديوان. ويدخل فيها أيضاً كل عمل من أعمال التصرف تقتضيه الإدارة كبيع المحصول وبيع البضاعة أو المنقول الذي يسرع إليه التلف وشراء ما يستلزمه الشيء محل الوكالة من أدوات لحفظه واستغلاله".

فالوكالة العامة هي التي ترد في ألفاظ عامة، فلا يعين فيها الموكل محل التصرف القانوني المعهود به للوكيل، بل ولا يعين فيها نوع هذا التصرف القانونـي ذاته. كأن يقـول الموكل للوكيـل "وكلتك في إدارة أعمالي".

والوكالة العامة لا تخول الوكيل صفة إلا في أعمال الإدارة التي جاء ذكر بعضها على سبيل المثال في المادة سالفة الذكر، وهي الإيجار لمدة لا تزيد على ثلاث سنوات أو أعمال الحفظ والصيانة أو استيفاء الحقوق ووفاء الديون. ومن ثم لا يجوز للوكيل أن يقوم بأي عمل من أعمال التصرف، تبرعاً كان أو معاوضة، إلا إذا كان هذا التصرف تقتضيه أعمال الإدارة.

أما فيما يتعلق بالوكالة الخاصة فقد نصت المادة (668) من القانون المدني على أنه: "1ـ لا بد من وكالة خاصة في كل عمل ليـس من أعمال الإدارة، وبوجه خاص في البيع والرهن والتبرعات والصلح والإقرار والتحكيم وتوجيه اليمين والمرافعـة أمام القضاء 2ـ والوكالة الخاصة في نوع معين من أنواع الأعمال القانونية تصح ولو لم يعين محل هذا العمل على وجه التخصيص، إلا إذا كان العمل من التبرعات 3ـ والوكالة الخاصة لا تجعل للوكيل صفة إلا في مباشرة الأمور المحددة فيها، وما تقتضيه هذه الأمور من توابع ضرورية وفقاً لطبيعة كل أمر وللعرف الجاري".

فهي التي تكون في كل عمل ليس من أعمال الإدارة، أي في أعمال التصرف، فتكون الوكالة مثلاً في البيع أو في الرهن أو في التبرعات أو في الصلح أو في الإقرار أو في التحكيم. ويجوز أن تقتصر الوكالة الخاصة على تصرف واحد من هذه التصرفات، كما يجوز أن تشمل طائفة منها. ولكن يجب في هذه الحالة الأخيرة أن تبين الوكالة على وجه التحديد كل نوع من أنواع التصرفات التي تدخل فيها، فتتعدد الوكالات الخاصة بتعدد أعمال التصرف بين المعاوضات والتبرعات.

فالمعاوضات كالبيع والرهن، وإن كان لا بد فيها من وكالة خاصة، إلا أنه يصح أن تصدر هذه الوكالة من دون تحديد للمحل الذي يقع عليه التصرف، فتكون خاصة في نوع التصرف وعامة في محله. فيجوز مثلاً أن يوكل شخص شخصاً آخر في بيع منزل معين، كما يجوز أن يوكله في البيع بوجه عام. وفي هذه الحالة الأخيرة يكون للوكيل صفة في بيع أي مال للموكل بل في بيع جميع أمواله، ولكن لا يجوز له أن يرهن هذه الأموال أو أن يرتب عليها حقاً عينياً آخر، إذ لا بد لكل نوع من هذه التصرفات من توكيل خاص.

أما التبرعات، كالهبة والإبراء، فيجب أن تكون الوكالة فيها خاصة في نوع التصرف وخاصة أيضاً في محله. فلا يكفي أن يوكل شخص شخصاً آخر في الهبة أو في الإبراء، بل يجب أن يعين المال الذي وكله في هبته أو الدين الذي وكله في الإبراء منه.

والوكالة الخاصة، سواء كانت في التبرع أو التصرف أو الإدارة، لا يجوز التوسع في تفسيرها فالتوكيل في الإبراء من دين لا يشمل التوكيل في حوالته مثلاً.

3ـ السبب في الوكالة: إذا كانت الوكالة بلا مقابل أو أجر فإنها تكون من عقود التبرعات ويكون السبب في الالتزام في الوكالة هو نية التبرع. أما إذا كانت بمقابل أو بأجر فإنها تكون من العقود الملزمة للجانبين، ويكون التزام كل متعاقد سبباً في التزام الآخر.

وقد اشترط المشرع أن يكون الباعث على التعاقد مشروعاً، وأن يكون الغرض الذي ترمي الإرادة إلى تحقيقه غرضاً لا يحرمه القانون ولا يتعارض مع النظام العام ولا يتنافى مع الآداب تحت طائلة البطلان.

ثالثاًـ آثار عقد الوكالة:

يترتب على الوكالة باعتبار أن محلها تصرف قانوني يعقده الوكيل مع الغير نوعان من الآثار: آثار فيما بين المتعاقدين الوكيل والموكل، وآثار في حقوق الغير الذي تعاقد معه الوكيل.

1ـ آثار الوكالة فيما بين المتعاقدين: تنشئ الوكالة التزامات في جانب الوكيل والموكل.

أ ـ التزامات الوكيل: تنشئ الوكالة الالتزامات التالية على عاتق الوكيل:

(1)ـ تنفيذ الوكالة: نصت المادة (669) من القانون المدني على ما يلي: " الوكيل ملزم بتنفيذ الوكالة دون أن يجاوز حدودها المرسومة على أن له أن يخرج عن هذه الحدود متى كان من المستحيل عليه إخطار الموكل سلفاً وكانت الظروف يغلب فيها الظن بأن الموكل ما كان إلا ليوافق على هذا التصرف. وعلى الوكيل في هذه الحالة أن يبادر بإبلاغ الموكل خروجه عن حدود الوكالة".

ويقتضي ذلك أنه يجب على الوكيل أن يلتزم في تنفيذ الوكالة بحدودها المرسومة، فلا يخرج على هذه الحدود، لا من ناحية مدى سعة الوكالة والتصرفات القانونية التي تتضمنها، ولا من ناحية طريقة التنفيذ التي رسمها له الموكل.

وليس معنى التزام الوكيل الحدود المرسومة للوكالة أنه لا يستطيع التعاقد بشروط أفضل، فإذا باع الوكيل المنزل بثمن أعلى من الثمن الذي حدده الموكل، أو اشتراه بثمن أدنى لصح ذلك وكان الموكل هو الذي يفيد منه.

وقد يتطلب تنفيذ الوكالة القيام بأعمال مادية تابعة للتصرف القانوني محل الوكالة، فيقوم الوكيل بهذه الأعمال المادية التابعة للوكالة وكيلاً، لا أجيراً يرتبط بالموكل بعقد عمل أو بعقد مقاولة. ويترتب على ذلك أن أحكام عقد العمل أو عقد المقاولة لا تسري فيما يتعلق بهذه الأعمال المادية، فلو أصيب الموكل بضرر بسبب تأديتها لا يدخل هذا الضرر في نطاق إصابات عقد العمل.

ويحتفظ الوكيل بما يثبت تنفيذه للوكالة على الوجه المطلوب، حتى يستطيع الرجوع على الموكل بما عليه من التزامات، كدفع الأجرة إذا كانت الوكالة مأجورة، أو رد المصروفات التي أنفقها، وحتى يستطيع  أيضاً أن يؤدي حساباً للموكل عن تنفيذ الوكالة، فيحتفظ بنسخة العقد الذي أمضاه أو بالمستند الذي يثبت ذلك، كما يحتفظ بالمستندات التي تثبت المصروفات التي أنفقها في تنفيذ الوكالة.

وإذا لم يقم الوكيل بتنفيذ الوكالة وفق الحدود المبسوطة آنفاً، من دون أن يتنحى عن الوكالة على الوجه الذي رسـمه القانون، جاز للموكل بعد إعذاره أن يرجع عليه بالتعويض، بل إن الإعذار لا يكون له مقتضى إذا أصبح تنفيذ الوكالة مستحيلاً.

وقد أجازت المادة (669) سالفة الذكر للوكيل أن يخرج عن الحدود المرسومة للوكالة إذا توافر الشرطان الآتيان اللذان يعود تقديرهما لقاضي الموضوع:

الشرط الأول: على الرغم من خروج الوكيل عن الحدود المرسومة للوكالة إلا أن الظروف هي، بحيث يفترض معها أن الموكل ما كان إلا ليوافق على تصرف الوكيل. والمعيار هنا شخصي محض يستمد من الإرادة المفترضة للموكل ذاته وبشخصه.

الشرط الثاني: أنه كان من المستحيل على الوكيل أن يخطر الموكل سلفاً بخروجه عن الحدود المرسومة للوكالة. ولو أنه تراخى في عقد الصفقة حتى يخطر الموكل لضاعت عليه، فأقدم على عقدها قبل هذا الإخطار.

وإذا توافر الشرطان المذكوران آنفاً اعتبر الوكيل نائباً عن الموكل حتى فيما جاوز به حدود الوكالة، وانصرف أثر العقد إلى الموكل فيما كان داخلاً في حدود الوكالة وفيما كان خارجاً عنها على السواء.

أما إذا اختل الشـرطان أو أحدهما فإن الوكالـة لا تعتبر إلا في حدودها المرسـومة أصـلاً. وما جاوز الوكيل فيه هذه الحدود يجوز أن يعتبر فضولياً إذا توافرت شروط الفضالة. كما يجوز أن يعتبر وكيلاً ظاهراً إذا كان الغير الذي تعامل معه اعتقد بحسن نية أنه لم يجاوز حدود الوكالـة وتوافرت شروط الوكالة الظاهرة. فإذا لم تتوافر شروط الفضالة ولا شروط الوكالة الظاهرة، توقف تصرف الوكيل فيما جاوز فيه حدود الوكالة على إقرار الموكل، فإن لم يقره لم ينصرف أثره إليه وفقاً للقواعد المقررة في هذا الشأن.

(2)ـ العناية الواجبة في تنفيذ الوكالة: نصت المادة (670) من القانون المدني على انه: "1ـ إذا كانت الوكالة بلا أجر وجب على الوكيل أن يبذل في تنفيذها العناية التـي يبذلها في أعماله الخاصة، دون أن يكلف في ذلك أزيد من عناية الرجل المعتاد 2ـ فإن كانت بأجر وجب على الوكيل أن يبذل دائماً في تنفيذها عناية الرجل المعتاد".

يستنتج من ذلك أن التزام الوكيل بتنفيذ الوكالة هو التزام ببذل عناية لا التزام بتحقيق غاية. فقد يكون التصرف القانوني محل الوكالة يتضمن التزاماً بتحقيق غاية، كالبيع والرهن، أو يتضمن التزاماً ببذل عناية كالإيجار والعارية والوديعة، ولكن التوكيل في أي تصرف قانوني ولو كان يتضمن التزاماً بتحقيق غاية، ينشئ في جانب الوكيل التزاماً بالقيام بهذا التصرف بقدر معين من اليقظة ويكون دائماً التزاماً ببذل عناية.

والوكيل سواء كان مأجوراً أو غير مأجور، فإنه يكون مسؤولاً في تنفيذ الوكالة عن غشه وعن خطئه الجسيم، حتى لو اتفق مع الموكل على إعفائه من هذه المسؤولية، تطبيقاً لما جاء في الفقرة الثانية من المادة (212) من القانون المدني. ويكون الوكيل أيضاً مسؤولاً عن تعمده عدم تنفيذ الوكالة من دون أن يتنحى عنها في الوقت المناسب. ويكون مسؤولاً أيضاً إذا وكل في بيع شيء من دون تحديد قيمته عن تواطئه مع المشتري على تخفيض الثمن.

أما إذا كان الخطأ عادياً أي خطأً يسيراً، فيجب تمييز إذا كانت الوكالة مأجورة أو غير مأجورة.

فإذا كانت الوكالة مأجورة وجب على الوكيل أن يبذل في تنفيذها عناية الشخص المعتاد، أي إن المعيار هنا يكون معياراً موضوعياً لا شخصياً. فإذا لم يبذل هذه العناية، حتى لو أثبت أن العناية الأقل التي بذلها فعلاً هي العناية التي يبذلها هو في شؤون نفسه، كان مع ذلك مسؤولاً، لأنه ملزم ببذل عناية الشخص المعتاد، ولو كانت هذه العناية تزيد على عنايته بشؤونه الشخصية. أما إذا كانت الوكالة غير مأجورة، فالوكيل لا يكون مسؤولاً إلا عن بذل عنايته في شؤون نفسه بالمعيار الشخصي، إذا كانت هذه العناية هي دون عناية الشخص المعتاد بالمعيار الموضوعي. ذلك أنه وكيل غير مأجور وهو متفضل بتبرعه، فلا يجوز أن يكون مسؤولاً عن أكثر من عناية الشخص المعتاد، كما لا يجوز أن يكون مسؤولاً عن أكثر من عنايته الشخصية، فلا يكون مسؤولاً إلا عن أدنى العنايتين. وتطبيقاً لذلك يكون الوكيل مسؤولاً إذا تأخر في تنفيذ الوكالة بلا مسوّغ فأضاع على الموكل صفقة رابحة، ما لم يكن غير مأجور وكان معروفاً بالتهاون في شؤونه الخاصة.

وغني عن البيان أن الوكيل لا يكون مسؤولاً عن السبب الأجنبي أو السبب الخارج عن إرادته، فإذا أصاب الموكل ضرر من جراء تنفيذ الوكالة، وكان هذا الضرر راجعاً إلى قوة قاهرة أو حادث مفاجئ أو فعل الغير أو خطأ الموكل نفسه، فإنه يكون ضرراً ناجماً عن سبب أجنبي، فلا يكون الوكيل مسؤولاً عنه. وبإمكان الوكيل الرجوع على الموكل بما أنفقه في تنفيذ الوكالة، على الرغم من أن التنفيذ قد حال دون إتمامه سبب أجنبي، فالوكيل يرجع بالمصاريف التي أنفقها في تنفيذ الوكالة، مهما كانت نتيجة تنفيذها.

وعبء الإثبات بأن الوكيل لم يقم بواجبه في تنفيذ الوكالة، أو أنه قام بتنفيذها على نحو معيب، يقع على الموكل. ويعود  لقاضي الموضـوع تقدير ما إذا كان الوكيل قد قام بواجبه بعناية أم لا، وما إذا كان قد أصاب الموكل ضرر من خطأ الوكيل أو تعمده الإضرار.

وقد ميز المشرع لجهة تحديد المسؤولية في تنفيذ الوكالة ما إذا كان الوكلاء متعددين أو إذا أناب الوكيل نائباً عنه.

فقد نصت المادة (673) من القانون المدني على ما يلي: " إذا تعدد الوكلاء كانوا مسؤولين بالتضامن متى كانت الوكالة غير قابلة للانقسام، أو كان الضرر الذي أصاب الموكل نتيجة خطأ مشترك. على أن الوكلاء ولو كانوا متضامنين لا يسألون عما فعله أحدهم مجاوزاً حدود الوكالة أو متعسفاً في تنفيذها. وإذا عين الوكلاء في عقد واحد دون أن يرخص في انفرادهم في العمل كان عليهم أن يعملوا مجتمعين إلا إذا كان العمل مما لا يحتاج فيه إلى تبادل الرأي كقبض الدين أو وفائه".

يستفاد من ذلك أن الوكلاء لا يكونون متضامنين في المسؤولية رجوعاً إلى الأصل إلا في حالتين:

الحالة الأولى: إذا كانت الوكالة غير قابلة للانقسام، ومثال ذلك أن يوكل شخص وكيلين في شراء منزل معين.

 والحالة الثانية: إذا كانت الوكالة قابلة للانقسام ولكن الضرر الذي أصاب الموكل كان نتيجة خطأ مشترك من الوكلاء جميعاً، ومثال ذلك أن وكيلين يديران مزرعة بالوكالة عن صاحبها ويعملان مجتمعين، فارتكبا معاً خطأً في تنفيذ الوكالة كأن اشتريا بذاراً غير صالح ولم يبذلا العناية الواجبة في انتقائه.

ففي هاتين الحالتين يكون الوكلاء متضامنين في جميع التزاماتهم نحو الموكل في تنفيذ الوكالة بالعناية الواجبة وفي تقديم الحساب للموكل وفي رد ما للموكل في أيديهم.

أما إذا عُين الوكلاء في عقد واحد فقد اتخذ المشرع من ذلك قرينة قانونية على أن الموكل أراد ألا يعملوا إلا مجتمعين، فإذا باشر التصرف أحد الوكلاء أو بعضهم دون الباقين، كان التصرف باطلاً لانعدام صفة من باشر التصرف، إذ لا صفة إلا للوكلاء مجتمعين. ويستوي في ذلك أن يكون الغير عالماً بتعدد الوكلاء أو غير عالم بذلك، فقد كان عليه أن يتحرى وخاصة أن الوكلاء مذكورون جميعاً في عقد واحد، وذلك مع عدم الإخلال بتطبيق قواعد الوكالة الظاهرة. ومع ذلك يجوز لأحد الوكلاء أن ينفرد بالعمل إذا وافق عليه الباقون فيما بعد، ويعد التصرف صادراً منهم جميعاً من وقت موافقة الباقين.

ويستثنى من ذلك ما نصت عليه المادة (108) من قانون أصول المحاكمات بقولها "إذا تعدد الوكـلاء، جاز لأحدهم الانفراد بالعمل في القضية، ما لم يكن ممنوعاً من ذلك صراحة في التوكيل" أو أن يكون التصرف محل الوكالة مما لا يحتاج فيه إلى تبادل الرأي، كأن يكون التصرف هو قبض دين معين أو وفاؤه.

ووجوب اجتماع الوكلاء المعينين في عقد واحد ليس من النظام العام، والقرينة القانونية التي وضعها المشرع في هذا الشأن ليست قرينة قاطعة، فيجوز إثبات عكسها. ومن ثم يجوز للموكل أن يرخص للوكلاء المعينين في عقد واحد، صراحة أو ضمناً، في الانفراد بالعمل. فإذا باشر التصرف أحدهم صح عمله وامتنع على الباقين أن يباشروا التصرف ذاته.

أما إذا عُين الوكلاء في عقود متفرقة، فالقرينة تنعكس ويجوز مبدئياً لأي وكيل منهم أن ينفرد بالعمل، على أن هذه القرينة العكسية قابلة أيضاً لإثبات العكس، ويجوز للموكل أن يشترط على الوكلاء الذين عينهم في عقود متفرقة أن يعملوا مجتمعين، فلا يجوز عندئذ لأحد من الوكلاء أن ينفرد بالعمل، وإذا فعل كان تصرفه باطلاً لانعدام الصفة.

ومن جهة أخرى، فإن الوكيل قد ينيب شخصاً عنه لتنفيذ الوكالة ما لم يمنعه الموكل من ذلك وفق ما نصت عليه المادة (674) من القانون المدني بقولها: " إذا أناب الوكيل عنه غيره في تنفيذ الوكالة دون أن يكون مرخصاً له في ذلك، كان مسؤولاً عن عمل النائب كما لو كان هذا العمل قد صدر منه هو. ويكون الوكيل ونائبه في هذه الحالة متضامنين في المسؤولية أما إذا رخص للوكيل في إنابة نائب عنه دون أن يعين شخص النائب، فإن الوكيل لا يكون مسؤولاً إلا عن خطئه في اختيار نائبه، أو عن خطئه فيما أصدره له من تعليمات ويجوز في الحالتين السابقتين للموكل ولنائب الوكيل أن يرجع كل منهما مباشرة على الآخر".

ومقتضى ذلك أنه إذا لم يكن مرخصاً للوكيل في إنابة غيره فإن الإنابة تكون باطلة، ومن ثم لا تكون لنائب الوكيل صفة في مباشرة التصرف القانوني محل الوكالة، ويبقى الوكيل هو وحده المسؤول عن تنفيذ الوكالة، وذلك ما لم يقر الموكل الإنابة بعد وقوعها فيكون لها عندئذ حكم الإنابة التي وقعت بترخيص من الموكل. ومن ثم يكون الوكيل ونائبه مسؤولين تجاه الموكل بالتضامن كما يقضي صريح النص. ويعد الخطأ الصادر من نائب الوكيل كأنه صادر من الوكيل نفسه. ويكون هذا مسؤولاً عنه بمعيار المسؤولية الذي ينطبق عليه هو لا بمعيار المسؤولية الذي ينطبق على نائب الوكيل.

أما إذا كان مرخصاً للوكيل في إنابة غيره من دون تعيين شخص النائب فلا مسؤولية عقدية على الوكيل عن عمل النائب إلا عن خطئه الشخصي سواء في اختيار النائب أو في توجيهه وفيما أصدره له من تعليمات.

أما إذا كان الوكيل مرخصاً له في إنابة شخص بعينه، فلا يكون الوكيل مسؤولاً عن اختيار نائبه، لأن الموكل قد وافق على هذا الاختيار ورخص فيه، ومن ثم لا يكون الوكيل مسؤولاً إلا عن خطئه الشخصي فيما أصدر إليه من تعليمات.

(3)ـ تقديم حساب عن الوكالة: لقد أوجبت المادة (671) من القانون المدني "على الوكيل أن يوافي الموكل بالمعلومات الضرورية عما وصل إليه في تنفيذ الوكالة، وأن يقدم له حساباً عنها".

فالوكالة قد يسـتغرق تنفيذها وقتاً غير قصير، لذلك أوجبت المادة المذكـورة على الوكيل ألا يقطع صلته بالموكل في أثناء تنفيذ الوكالة، وأن يطلعه من تلقاء نفسه أو إذا طالبه الموكل بذلك، على الخطوات المهمة التي يتخذها لتنفيذ الوكالة.

وإذا ما أتم تنفيذ الوكالة وجب عليه أن يقدم حساباً مفصلاً عنها للموكل، ما له وما عليه، شاملاً لجميع أعمال الوكالة ومدعماً بالمستندات حتى يتمكن الموكل من أن يستوثق من سلامة تصرفات الوكيل. وإذا تعدد الوكلاء قدموا حساباً واحداً إلا إذا كانت أعمال الوكالة مجزأة عليهم، فكل وكيل يقدم حساباً مستقلاً عن أعمال وكالته. وإذا وجب على الوكلاء أن يقدموا حساباً واحداً، كانوا متضامنين في التزامهم بتقديمه.

ويعفى الوكيل من تقديم الحساب إذا كانت طبيعة المعاملة أو الظروف أو الاتفاق يقضي بذلك. فتقضي طبيعة المعاملة بعدم تقديم الحساب إذا كان التصرف محل الوكالة لا يحتمل تقديم حساب عنه، كأن تكون الوكالة في الإقرار بدين أو الوكالة في الزواج أو الطلاق. وقد تقضي الظروف بالإعفاء من تقديم حساب عن الوكالة، ويرجع ذلك غالباً إلى الصلة ما بين الموكل والوكيل، كوكالة الابن لأبيه، أو إذا كان الوكيل مستخدماً عند الموكل. وقد يتفق الموكل مع الوكيل على عدم تقديم حساب فيكون الاتفاق صحيحاً، كما إذا أعطى الموكل الوكيل مخالصة أبرأ فيها ذمة الوكيل من دون أن يطلب منه تقديم حساب.

(4)ـ رد ما للموكل في يد الوكيل: يلتزم الوكيل برد كل ما كسبه لحساب الموكل سواء عمل الوكيل باسم الموكل أو عمل باسمه الشخصي، وإذا لم يرد الوكيل ما بيده من مال للموكل وتصرف فيه أو استعمله لمصلحته، ارتكب جريمة تبديد المال إضافة إلى مسؤوليته المدنية.

فقد نصت المادة (672) من القانون المدني على أنه: "1ـ ليس للوكيل أن يستعمل مال الموكل لصالح نفسه. 2ـ وعليه فوائد المبالغ التي استخدمها لصالحه من وقت استخدامها، وعليـه أيضـاً فوائد ما تبقى في ذمته من حساب الوكالة من وقت أن يعذر".

فقد أوجبت هذه المادة على الوكيل أن يدفع للموكل الفوائد عن المبالغ التي في ذمته في حالتين: الحالة الأولى: فوائد المبالغ التي استخدمها الوكيل لمصلحته من وقت استخدامه للمبلغ من دون حاجة إلى إعذار. والحالة الثانية: فوائد المبالغ التي ثبتت في ذمة الوكيل من حساب الوكالة بعد تصفية الحساب بينهما، وتسري الفائدة من تاريخ الإعذار برد المبالغ المتبقية في ذمة الوكيل، ويجوز الاتفاق على أن تسري الفوائد من وقت انتهاء الوكالة وتعيين الرصيد المتبقي في ذمة الوكيل من دون حاجة إلى الإعذار.

ويجب على الوكيل إضافة إلى ذلك أن يرد ما في يده من أوراق ومستندات تتعلق بالوكالة وتخص الموكل بعد انتهاء الوكالة، وإلا كان مسؤولاً عن الضرر الذي قد يصيب الغير حسن النية من جراء بقاء الأوراق والمستندات أو سند الوكالة تحت يده.

وبعد أن يؤدي الوكيل الحساب للموكل ويرد إليه جميع ما في يده من مال أو أوراق ومستندات وفوائد مستحقة مع سند التوكيل يمنح الموكل الوكيل مخالصة ببراءة ذمته من أعمال الوكالة. وإذا امتنع الموكل من إعطاء الوكيل مخالصة بإبراء ذمته، جاز لهذا الأخير أن يرفع عليه دعوى يطلب فيها الحكم ببراءة ذمته مما سلف بيانه.

فإذا لم يحصل الوكيل على مخالصة بإبراء ذمته ولا على حكم بذلك، كان معرضاً لرجوع الموكل عليه في كل وقت إذا كان هناك وجه لذلك، ولا يتقادم حق الرجوع هذا إلا بخمس عشرة سنة من وقت تقديم الحساب للموكل. فإن لم يقدم الوكيل حساباً، سقطت دعوى تقديم الحساب نفسها بانقضاء خمس عشرة سنة وسرت المدة من وقت انتهاء أعمال الوكالة.

على أن التقادم لا يمنع الموكل من أن يرفع دعوى استحقاق على الوكيل يسترد بها ما في يد الوكيل من أعيان مملوكة له، ولا يجوز للوكيل أن يحتج بالتقادم المكسب لأن يده على هذه الأعيان يد عارضة بصفته وكيلاً.

ب ـ التزامات الموكل: ينشئ عقد الوكالة الالتزامات التالية على عاتق الموكل:

(1)ـ دفع الأجر: نصت المادة (675) من القانون المدني على ما يلي: " الوكالة تبرعية، ما لم يتفق على غير ذلك صراحة أو يستخلص ضمناً من حالة الوكيل فإذا اتفق على أجر للوكالة كان هذا الأجر خاضعاً لتقدير القاضي، إلا إذا دفع طوعاً بعد تنفيذ الوكالة".

فالأصل أن الوكالة تبرعية وأن الوكيل لا يأخذ أجراً إلا إذا وجد اتفاق على ذلك صراحة أو ضمناً. ويستحق الوكيل الأجر غالباً ولو لم ينجح في مهمته، لأن التزامه هو التزام ببذل عناية لا التزام بتحقيق غاية. ويجوز الاتفاق على خلاف ذلك وأن يكون التزام الوكيل التزاماً بتحقيق غاية، كتوكيل الوسطاء والسماسرة.

وإذا اتفق الطرفان على أن الوكالة مأجورة واتفقا على مقدار الأجر، فالأصل أن يسري هذا الاتفاق، ويتقاضى الوكيل من الموكل المقدار المتفق عليه من دون زيادة أو نقصان وأياً كانت النتيجة التي وصل إليها الوكيل في تأدية مهمته، إلا إذا حالت قوة قاهرة دون أن يؤدي الوكيل مهمته أو أصبحت تأدية الوكالة مستحيلة بغير خطأ الموكل، أو لم يتم الوكيل تأدية المهمة، أو أنهما أخطأ في تقدير الأجر، فإنه لا يستحق أجراً، أو يخفض مقدار الأجر المتفق عليه، بحسب الأحوال، ويترك ذلك لتقدير القاضي.

أما إذا اقتصر الوكيل على اشتراط الأجر ولم يتفق مع الموكل على تعيين مقداره واختلفا حول ذلك، تولى القاضي تعيين هذا المقدار آخذاً بعين الاعتبار أهمية العمل والجهد المبذول.

(2)ـ رد المصروفات: نصت المادة (676) من القانون المدني على ما يلي: "على الموكل أن يرد للوكيل ما أنفقه في تنفيذ الوكالة التنفيذ المعتاد مع الفوائد من وقت الاتفاق، وذلك مهما كان حظ الوكيل من النجاح في تنفيذ الوكالة. فإذا اقتضى تنفيذ الوكالة أن يقدم الموكل للوكيل مبالغ للإنفاق منها في شؤون الوكالة، وجب على الموكل أن يقدم هذه المبالغ إذا طلب الوكيل ذلك".

فإذا اشـترط الوكيل صراحة أو ضمناً أن يقـدم له الموكل المصروفات الواجب إنفاقها لتنفيذ الوكالة، التزم الموكل بذلك، وإذا لم يقم الموكل بتنفيذ التزامه هذا كان للوكيل أن يطلب التنفيذ العيني، كما أن له أن يوقف تنفيذ الوكالـة حتى يتقاضى هذه المصروفات، أو أن يطلب فسخ الوكالة مع التعويض إن كان له مقتضى.

وكذلك يلتزم الموكل برد ما أنفقه الوكيل من ماله الخاص في تنفيذ الوكالة، بشرط أن تكون هذه النفقات استلزمها تنفيذ الوكالة التنفيذ المعتاد، وأن تكون هذه النفقات مشروعة ولم تكن رشوة مثلاً. كما يلتزم أيضاً بدفع فوائد المصروفات إلى الوكيل من يوم الإنفاق، ويجوز لهذا الأخير أن ينزل صراحة أو ضمناً عن تقاضي هذه الفوائد ولا يعتبر هذا النزول هبة غير مباشرة، بل هو يشبه القرض بغير فائدة.

ويسقط التزام الموكل برد المصروفات بالتقادم بمضي خمس عشرة سنة من وقت استحقاقه أي من وقت التصديق على الحساب.

(3)ـ التعويض عن الضرر: نصت المادة (677) من القانون المدني على ما يلي: "يكون الموكل مسؤولاً عما أصاب الوكيل من ضرر دون خطأ منه بسبب تنفيذ الوكالة تنفيذاً معتاداً".

لقد قررت هذه المادة مسـؤولية الموكل عما أصاب الوكيل من ضرر إذا تحقق الشرطان التاليان: أن يكون تنفيذ الوكالة التنفيذ المعتاد هو السبب في الضرر الذي أصاب الموكل، وألا يثبت خطأ في جانب الوكيل. فإذا توافر هذان الشرطان تحققت مسؤولية الموكل.

(4)ـ الضمانات التي تكفل التزامات الموكل: للوكيل ضمانان خاصان يكفـلان التزامات الموكل نحوه وهما الحبس والتضامن في حالة تعدد الموكلين.

فللوكيل الحق في أن يحبـس كل ما كسـبه لحسـاب الموكل، وكل ما وقع في يده من مال أو أوراق للموكل بسبب الوكالة حتى يستوفي حقوقه من الموكل من أجر ومصروفات وتعويض، حتى يسلمه الموكل المخالصة بإبراء ذمته بعد التصديق على الحساب، مع ملاحظة عدم جواز حبس سند الوكالة من قبل الوكيل.

أما التضامن في حالة تعدد الموكلين فقد نصت المادة (678) من القانون المدني على أنه: "إذا وكل أشخاص متعددون وكيلاً واحداً في عمل مشترك كان جميع الموكلين متضامنين قبل الوكيل في تنفيذ الوكالة، ما لم يتفق على غير ذلك". ويستوي في ذلك أن تكون الوكالة مأجورة أو غير مأجورة، كما يستوي أن يكون الوكيل قد نجح في مهمته أو لم ينجح.

ويكون الموكلون متضامنين نحو الوكيل في جميع التزاماتهم الناشئة عن عقد الوكالة، من دفع الأجر ورد المصروفات والتعويض عن الضرر. ويستطيع الوكيل الرجوع على أي منهم بأي التزام من هذه الالتزامات كاملاً ولو كان قد تراخى في المطالبة حتى أعسر بعض الموكلين. ولا يعد تضامن الموكلين من النظام العام فيجوز الاتفاق على خلاف ذلك.

2ـ آثار الوكالة في حقوق الغير الذي تعاقد معه الوكيل: نصت المادة (679) من القانون المدني على أن: "تطبق المواد من 105 إلى 108 الخاصة بالنيابة في علاقة الموكل والوكيل بالغير الذي يتعامل مع الوكيل".

يشير هذا النص إلى أن مهمة الوكيل هي أن يقوم بتصرف قانوني، فهو يتعاقد مع الغير لحساب الموكل. ويحيل إلى الأحكام الخاصة بالنيابة في التعاقد في أثر الوكالة في حقوق هذا الغير الذي يتعاقد معه الوكيل.

وبالرجوع إلى أحكام النيابة يلاحظ أنه يجب التمييز بين فرضين، ذلك أن الوكيل إذا كان يتعاقد دائماً لحساب الموكل فذلك يعني أن الوكيل يتعاقد لحساب الموكل فيكون عندها نائباً في تعاقده مع موكله، فتقترن الوكالة هنا بالنيابة. وقد يعمل الوكيل باسمه الشخصي عندها يغلب أن يكون مسخراً أو اسماً مستعاراً فلا يكون نائباً في تعاقده لحساب موكله فتقوم الوكالة هنا دون أن تقوم النيابة.

أ ـ الوكيل يعمل بإسم الموكل: وتقضي أحكام النيابة أن التصرف الذي يعقده الوكيل مع الغير يقوم على إرادته هو لا على إرادة الموكل، ويترتب على ذلك أن الوكيل يجب أن يكون أهلاً لأن تصدر منه إرادة، فيجب أن يكون على الأقل مميزاً وأن تكون إرادته خالية من عيوب الرضا، لأن أثر هذا التصرف لا ينصرف إليه وإنما ينصرف إلى الأصيل الذي يجب أن تتوافر فيه أهلية التصرف.

وكذلك تقضي أحكام النيابة أن لا ينصرف أثر التصرف الذي يبرمه الوكيل إلى شخصه بل ينصرف إلى شخص الموكل. ولا يجوز للغير الذي تعاقد مع الوكيل مطالبة هذا الأخير بالالتزامات التي نشأت من هذا العقد، وكذلك لا يجوز للوكيل أن يطالب الغير الذي تعاقد معه بالالتزامات التي ترتبت في ذمة هذا الغير بموجب هذا التعاقد. ولا يكون الوكيل مسؤولاً إذا كان التصرف الذي عقده مع الغير باسم الموكل باطلاً أو قابلاً للإبطال ما لم يثبت في جانبه الخطأ الشخصي. ولا يكون الوكيل مسؤولاً قبل الغير إلا إذا ارتكب خطأ يستوجب مسؤوليته. فإذا لم يرتكب خطأً لم يكن مسؤولاً حتى لو أصاب الغير ضرر من تنفيذ الوكالة. فإذا وكل شخص في قبض شيك مزور وهولا يعلم تزويره، لم يكن مسؤولاً إذا قبضه، ويرجع البنك على الموكل لا على الوكيل.

أما إذا ارتكب الوكيل خطأ، فإنه يكون مسؤولاً قبل الغير، فإذا دلَّس الوكيل على الغير في تعاقده معه أو أكرهه على التعاقد، جاز للغير أن يطلب إبطال العقد ويرفع دعوى الإبطال على الموكل لا على الوكيل.

وقد يرتكب الوكيل خطأ وهو ينفذ الوكالة، فيوقع الغير الذي يتعاقد معه في خطأ في شأن حدود وكالته، فلا يكون الوكيل مسؤولاً إذا جاوز حدود الوكالة. لأن الغير الذي يتعاقد مع الوكيل عليه أن يتثبت من قيام الوكالة ومن حدودها. أما إذا تعمد الوكيل إيهام الغير وتعاقد معه مجاوزاً حدود وكالته أو بعد انتهاء الوكالة، فلا يسري التعاقد في حق الموكل، ويكون الوكيل مسؤولاً قبل الغير ويرجع هذا عليه بالتعويض. كذلك يجوز أن يضمن الوكيل للغير أنه يعمل في حدود التوكيل، فيكون مسؤولاً قبله لو جاوز هذه الحدود. ويصح كذلك أن يضمن الوكيل للغير تنفيذ الموكل للالتزامات الناشئة من تعاقد الوكيل مع الغير، فيكون الوكيل في هذه الحالة مسؤولاً نحو الغير مسؤولية الكفيل. ويجوز أيضاً أن يقتصر الوكيل على ضمان إقرار الموكل للتصرف فيما جاوز حدود الوكالة، فإذا لم يصدر هذا الإقرار كان الوكيل مسؤولاً عن التعويض، أما إذا صدر الإقرار فإن ذمة الوكيل تبرأ من الضمان ولا يكفل الموكل في تنفيذ التزاماته.

وتقف نيابة الوكيل عن الموكل عند حد الغش، فإذا تواطأ الوكيل مع الغير للإضرار بحقوق الموكل، فإن التصرف الذي يعقده الوكيل مع الغير على هذا الوجه أو الإجراء الذي يتخذه لا ينصرف أثره إلى الموكل. ويقع على الغير عبء إثبات أن الوكيل قد تصرف في حدود الوكالة، حتى يستطيع إلزام الموكل بهذا التصرف.

والوكيل قد يتعامل مع الغير فيعتقد هذا الغير مستنداً إلى مظاهر خارجة خلقها الموكل أنه يتعامل مع وكيل يعمل باسم الموكل، عندئذ يتعين حماية هذا الغير حسن النية بتحمل الموكل نتائج أعماله، وذلك بانصراف أثر الوكالة إلى الموكل، لا بموجب وكالة حقيقية بل بموجب ما أطلق عليه الوكالة الظاهرة التي تتطلب ثلاثة شروط وهي:

الشرط الأول: أن يعمل الوكيل باسم الموكل ولكن بلا نيابة، ويكون ذلك إما أن يجاوز الوكيل حدود الوكالة المرسومة له، وإما أن يستمر في العمل كوكيل بعد انتهاء الوكالة، وإما أن يعمل وكيلاً بلا وكالة أصلاً أو بوكالة باطلة أو قابلة للإبطال.

الشرط الثاني: أن يكون الغير الذي يتعامل مع الوكيل حسن النية يعتقد أن الوكيل نائب، ويجب بداهة أن يكون الغير الذي يتعامل مع الوكيل حسـن النية، إذ لو كان يعلم بانعدام نيابة الوكيل وأقدم مع ذلك على التعاقد معه كان عليه أن يتحمل تبعة ذلك.

الشرط الثالث: أن يقوم مظهر خارجي للوكالة منسوب إلى الموكل ويكون من شأنه أن يجعل الغير معذوراً في اعتقاده أن هناك وكالة قائمة.

وإذا توافرت الشروط سالفة الذكر وقامت الوكالة، فإنه يترتب على قيامها ما يترتب على الوكالة الحقيقية فيما بين الموكل والغير.

إلا أنه في العلاقة ما بين الموكل والوكيل الظاهر، يجب التمييز بين ما إذا كان هذا الوكيل حسن النية أو سيئها. فإذا كان حسن النية وكان يعتقد مثلاً أنه يعمل في حدود الوكالة وقد جاوز هذه الحدود أو بوكالة صحيحة وكانت الوكالة باطلة، لم يرجع الموكل على الوكيل بالتعويض من جراء ذلك. أما إذا كان الوكيل الظاهر سيئ النية وكان يعلم أن الوكالة غير قائمة، ومع ذلك أقدم على التعاقد مع الغير، فإنه يكون قد ارتكب خطأ في حق الموكل يستوجب المسؤولية التقصيرية، ومن ثم يرجع الموكل عليه بالتعويض عن الضرر الذي أصابه من جراء انصراف أثر التصرف الذي عقده مع الغير إليه.

أما علاقة الموكل بالغير فالأصل أن الموكل لا يكون مسؤولاً عن الخطأ الذي ارتكبه وكيله. ومع ذلك يكون الموكل مسؤولاً نحو الغير عن خطأ الوكيل في حدود قواعد المسؤولية التقصيرية وكذلك في حدود قواعد الوكالة ذاتها.

ب ـ الوكيل يعمل باسمه الشخصي: قد يرى الموكل أن يخفي اسمه في التصرف الذي فوض فيه الوكيل لسبب أو لآخر، فيشترط في عقد الوكالة أن يعمل الوكيل باسمه الشخصي ويسخره في ذلك مستعيراً اسمه وتسـمى الوكالة في هذه الحالة بعقد التسخير أو عقد الاسم المستعار ويسـمى الوكيل المسخر أو الاسم المستعار.

والوكيل المسخر لا يصرح وقت إبرام العقد مع الغير أنه يتعاقد بصفته نائباً، بل هو يتعاقد باسمه الشخصي، وهو لا يكون نائباً عن الموكل في تعاقده. لذلك فإن جميع الحقوق التي تنشأ من التعاقد مع الغير تضاف إلى الوكيل المسخر، فيكون هو الدائن بها للغير، كما تضاف إليه جميع الالتزامات فيكون هو المدين بها للغير.

وهناك حالتان استثنائيتان نصت عليهما المادة (107) من القانون المدني يكون فيهما الوكيل المسخر نائباً عن الموكل على الرغم من أن الوكالة الصادرة له وكالـة غير نيابية، فتضاف حقوق العقد والتزاماته مباشرة إلى الموكل دون الوكيل، وتسري أحكام الوكالة كما لو كانت وكالة نيابية، وهما:

الحالة الأولى: إذا كان الغير يعلم أو من المفروض حتماً أن يعلم بأن الوكيل المسخر إنما يتعاقد لحساب الموكل، ويعود البت فيما إذا كان الغير يقصد التعاقد مع الوكيل المسخر أو مع الموكل إلى قاضي الموضوع لأنها مسألة واقع.

الحالة الثانية: وهي التي يستوي فيها عند الغير أن يتعامل مع الوكيل أو مع الموكل. وهذا يحدث في المألوف من الحياة اليومية، فمن يدخل متجراً ليشتري سلعة لا يعنيه أن يكون البائع وكيلاً أم أصيلاً، كما لا يعني البائع أن يكون المشتري أراد الشراء لنفسه أو كان مسخراً يشتري لحساب غيره.

أما علاقة الوكيل المسخر بالموكل فهذه تطبق بحقها قواعد الصورية. لأن الوكالة المستترة هي العقد الحقيقي الذي يسري بين المتعاقدين، وهذه الوكالة تجعل كلاً منهما مرتبطاً بالآخر ارتباط الوكيل بالموكل.

ولما كان الوكيل يتعاقد مع الغير باسمه الشخصي وينصرف أثر التعاقد إليه، فالوكالة المستترة تقضي بنقل هذا الأثر من الوكيل إلى الموكل. فتنتقل الحقوق والالتزامات من الأول إلى الثاني، كما أن على الموكل أن يبرئ ذمة الوكيل المسخر بما عقده باسمه من الالتزامات.

وتقضي القواعد العامة بأن يلتزم الوكيل أو ورثته بنقل الحقوق التي كسبها باسمه الشخصي لحساب الموكل إلى هذا الأخير. وتقضي بأن يلتزم الموكل أو ورثته بتحمل الالتزامات التي عقدها الوكيل باسمه الشخصي لحساب الموكل.

ويتم نقل الحقوق وتحمل الالتزامات قِبَل الغير إما بعقد جديد يصدر من الوكيل إلى الموكل بمشتملات العقد الأول وشروطه نفسها، فتنتقل بموجبه الحقوق والالتزامات من ذمة الوكيل إلى ذمة الموكل ويصبح الموكل دائناً للوكيل بالحقوق ومديناً بالالتزامات. وإما أن يحله الوكيل محله في العقد الذي أبرمه مع الغير ويشترك الغير في هذا الإحلال فيصبح الموكل هو الدائن للغير بالحقوق والمدين له بالالتزامات.

ويستطيع الموكل أن يجبر الوكيل قضاء على تحمل الالتزامات عنه طبقاً للقواعد العامة، ولا يكون لنقل الحقوق والالتزامات من الوكيل إلى الموكل أثر رجعي، فيعد النقل قد تم من وقت حصوله بين الوكيل والموكل لا من وقت تعاقد الوكيل مع الغير.

وإذا نقل الوكيل الحقوق إلى الموكل فعليه ضمان تنفيذها، ولكن يجوز الاتفاق على غير ذلك، وعلى ألا يضمن الوكيل للموكل إلا وجود الحق في ذمة الغير طبقاً للقواعد المقررة في حوالة الحق.

وإذا تحمل الموكل الالتزامات بدلاً من الوكيل، فالأصل أن يبقى الوكيل ضامناً للغير يسار الموكل، لأن المفروض هنا أن الغير لم يرض بالموكل مديناً بدلاً من الوكيل إلا على هذا الشـرط ، ولكن يجوز الاتفاق على غير ذلك، وعلى ألا يضمن الوكيل للغير إلا يسار الموكل وقت إقرار الغير للحوالة طبقاً للقواعد المقررة في حوالة الدين.

رابعاًـ انتهاء عقد الوكالة:

نصت المادة (680) من القانون المدني على ما يلي: "تنتهي الوكالة بإتمام العمل الموكل فيه أو بانتهاء الأجل المعين للوكالة وتنتهي أيضاً بموت الموكل أو الوكيل".

يتبين من هذا النص أن الوكالة تنتهي لأسباب ترجع إلى القواعد العامة، وهي التي تنتهي بها العقود كافة، ولأسباب خاصة ترجع إلى أن الوكالة ينظر فيها إلى الاعتبار الشخصي.

1ـ الأسباب العامة لانتهاء الوكالة: وتنقسم قسمين:

أ ـ انتهاء الوكالة انتهاء مألوفاً بسبب تنفيذها: ويعود ذلك إلى أحد سببين:

(1)ـ إتمام العمل محل الوكالة: تنتهي الوكالة بإتمام الوكيل العمل الذي وكل فيه، وكذلك بعدم النجاح في العمل، ويعود لقاضي الموضوع تقدير ما إذا كانت الوكالة قد انتهت بإنجاز العمل أو بعدم النجاح فيه.

(2)ـ انقضاء الأجل المحدد لها: تنتهي الوكالة بانقضاء الأجل الذي يحدده المتعاقدان. ومثال ذلك أن يوكل شخص شخصاً آخر في إدارة متجره لمدة سـنة، فتكون الوكالة في هذه الحالة كالإيجار عقداً زمنياً، فتنتهي الوكالة بانقضاء الأجل المحدد لها، وإذا استمر الوكيل بعد انقضاء الأجل في تنفيذ الوكالة بعلم الموكل ومن دون معارضة، كان هناك تجديد ضمني للوكالة.

وقد يكون الأجل المحدد للوكالة أجلاً غير معين ولا يُعرف ميعاد حلوله، كأن يوكل شخص شخصاً آخر في إدارة أمواله طوال مدة غيابه في سفر، فتنتهي الوكالة بعودة الموكل من السفر من دون أن يكون ميعاد هذه العودة معروفاً. وكذلك يجوز أن يوكل شخص شخصاً آخر مدة حياة الموكل أو مدة حياة الوكيل، ففي هذه الحالة تنتهي الوكالة بموت أي من المتعاقدين لأن أجل الإنسان غير معروف.

وكذلك تنتهي الوكالة إذا عُلقت على شرط الإلغاء، كأن يوكل أحدهم شخصاً لينوب عنه في تصريف أعماله وإدارة شؤونه حتى يحضر من السفر، فهذه الوكالة تتضمن شرطاً فاسخاً هوحضور الموكل من السفر، فمتى حضر يتحقق شرط الإلغاء وتنتهي الوكالة.

ب ـ انتهاء الوكالة لأسباب ناجمة قبل التنفيذ: وتعود إلى ثلاثة أسباب، وهي:

(1)ـ استحالة التنفيذ: تطبيقاً للقواعد العامة الواردة في المادة 371 من القانون المدني فإن الالتزام ينقضي إذا أثبت المدين أن الوفاء به أصبح مستحيلاً عليه لسبب أجنبي لا يد له فيه.

ومن ثم فان الوكالة تنقضي إذا استحال إتمام العمل مادياً أو معنوياً. ومثال الاستحالة المادية إذا وكل شخص شخصاً آخر في بيع مصنعه واحترق المصنع بعد التوكيل، فإن التزامات الوكيل تنتهي باستحالة تنفيذها ومن ثم تنتهي الوكالة. أما الاستحالة القانونية فهي أن يوكل شخص شخصاً آخر بإدارة أمواله فوضعت تحت الحراسـة القضائية، فتنتهي الوكالة لاستحالة تنفيذ الوكيل التزاماته.

(2)ـ الإفلاس ونقص الأهلية: تنتهي الوكالة بحدوث تغيير في حالة الموكل أو الوكيل يفضي إلى فقدانه الأهلية الشرعية لاستعمال حقوقه، مثل الحجر أو الإفلاس، ما لم يكن موضوع الوكالة من الأعمال التي يمكن إتمامها على الرغم من ذلك التغيير. ومثال ذلك إذا أعطى المؤمن له شركة التأمين توكيلاً في أن تتولى الدفاع عنه في القضية التي ترفع بشأن الخطر المؤمن منه، وأفلس المؤمن له، فإن التوكيل يبقى على الرغم من إفلاسه.

والإفلاس كالإعسار في ذلك، فإذا أشهر إعسار أي من الموكل أو الوكيل انتهت الوكالة، وإذا أفلـس الموكل أو أعسر جاز للوكيل التمسك بانتهاء الوكالة، كما يجوز ذلك لدائني الموكل. ولكن لا يجوز للموكل نفسه أن يتمسك بذلك، كما لا يجوز الاحتجاج بانتهاء الوكالة على الوكيل قبل أن يعلم بالإفلاس أو الإعسار. أما إذا أفلس الوكيل أو أعسر، كان للموكل أن يتمسك بانتهاء الوكالة، ولا يجوز ذلك للوكيل. وإذا تعدد الموكلون أو الوكلاء وأفلس أحدهم أو أعسر، فإن الوكالة تنتهي عنه وحده، ما لم تكن غير قابلة للتجزئة.

وكذلك تنتهي الوكالة إذا طرأ نقص على أهلية الموكل أو على أهلية الوكيل، كأن يحجر على أي منهما؛ فإذا حُجر على الموكل فأصبح غير أهل للتصرف القانوني الذي صدر منه التوكيل فيه، فتنتهي الوكالة. لأن الوكيل لا يستطيع مباشرة هذا التصرف، إذ لا يمكن أن ينصرف أثر التصرف إلى الموكل وهو غير أهل له. ولكن إذا كان الحجر على الموكل ليس من شأنه أن يجعله غير أهل للتصرف الذي صدر منه التوكيل فيه، كأن يكون التصرف من أعمال الإدارة وكان الموكل مأذوناً له في إدارة أمواله، فإن الوكالة لا تنتهي ويبقى الوكيل ملزماً بالمضي في تنفيذ الوكالة. أما إذا حُجر على الوكيل، فإنه يصبح غير أهل للالتزامات الناشئة عن الوكالة، حتى لو بقي أهلاً لمباشرة التصرف الموكل به إليه ومن ثم تنتهي الوكالة.

(3)ـ انتهاء الوكالة بسبب الفسخ وتحقق الشرط الفاسخ: يجوز إنهاء الوكالة عن طريق طلب فسخها إذا أخل أحد المتعاقدين بالتزاماته، وذلك طبقاً للقواعد العامة. فيجوز للوكيل طلب فسخ الوكالة في الأحوال التي لا يجوز له فيها التنحي عن الوكالة، أو إذا أراد أن يطالب الموكل بالتعويض إلى جانب الفسخ، أو إذا أراد أن يتوقى رجوع الموكل عليه بالتعويض.

أما الموكل فيجوز له طلب فسـخ الوكالة في الأحوال التي لا يجوز له فيها عزل الوكيل، أو إذا أراد توقي رجوع الوكيل عليه بالتعويض، أو إذا أراد أن يطالب بالتعويض إلى جانب الفسخ.

وإذا فسخ كل من الوكيل أو الموكل عقد الوكالة بلا سبب مشروع، فإن للفريق الآخر مطالبته بالعطل والضرر على أساس إساءة استعمال حق الفسخ.

كما تنتهي الوكالة إذا علقت على شـرط فاسخ وتحقق هذا الشرط، وذلك طبقاً للقواعد العامة، فتنفسخ الوكالة بمجرد تحقق الشرط من دون حاجة إلى أي إجراء آخر، ومن ثم لا يحتاج انفساخها إلى إرادة الوكيل، كما في الاعتزال، أو إلى إرادة الموكل كما في العزل.

2ـ الأسباب الخاصة لانتهاء الوكالة: وتنقسم قسمين:

أ ـ لكون الوكالة تقوم دائماً على الاعتبار الشخصي فهي تنتهي بموت الوكيل أو بموت الموكل.

(1)ـ انتهاء الوكالة بسبب موت الموكل: تنتهي الوكالة سواء أكانت مأجورة أم غير مأجورة بموت الموكل. لأن الوكالة من العقود التي يراعى فيها شخص الموكل. أما الأشخاص الاعتبارية المعنوية، كالشركات فتنتهي الوكالة بحل الشركة، حتى لو كان الحل اختيارياً، غير أن الوكالة تبقى المدة اللازمة لتصفية الشركة، إذ الشخصية المعنوية تبقى للشركة في حدود أغراض التصفية.

ويمكن أن تبقى الوكالة قائمة بعد وفاة الموكل أو الوكيل، كما لوكانت الوكالة مرتبطة بصورة لا تقبل التجزئة بعقد آخر يبقى بعد وفاة الموكل، أو أن موضوع الوكالة لا ينفذ إلا بعد الوفاة، ومن ثم تبقى خاضعة لحق الورثة فيما يتعلق بحق العزل. وفي حال تعدد الموكلين أو الوكلاء وتوفي أحدهم فإن الوكالة لا تنتهي إلا عن المتوفى، ما لم تكن الوكالة غير قابلة للتجزئة فتنتهي كلياً.

ولا تنتهي الوكالة بمجرد موت الموكل، بل لا بد من علم الوكيل بوفاة الموكل، وفي حال عدم علمه بالوفاة وتعاقد مع الغير حسن النية، اعتبرت الوكالة قائمة، وانصرف أثر العقد الذي يبرمه الوكيل إلى ورثة الموكل لا بموجب وكالة ظاهرة وإنما بموجب وكالة حقيقية. وحتى بعد أن يعلم الوكيل بموت الموكل، فإنه يجب عليه أن يصل بالأعمال التي بدأها إلى حالة لا تتعرض معها للتلف، وتبقى الوكالة فيما يتعلق بما يقوم به من أعمال لهذا الغرض، وفق ما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة (683) من القانون المدني بقولها: "على أي وجه كان انتهاء الوكالة، يجب على الوكيل أن يصل بالأعمال التي بدأها إلى حالة لا تتعرض معها للتلف".

وانتهاء الوكالة بسبب موت الموكل لا يعد من النظام العام، إذ يجوز الاتفاق على ما يخالف ذلك، بل يلتزم بها الورثة في حدود التركة. وكذلك لا تنتهي الوكالة بموت الموكل إذا كانت في مصلحة الوكيل أو في مصلحة شخص ثالثٍ، كما لو وكله في بيع سلعة ودفع ثمنها للغير.

ولا تنتهي الوكالة إذا كان تنفيذها يتم بعد موت الموكل، كما لو وكله في وفاء الدين الذي عليه من تركته، وتتخذ الوكالة في هذه الحالة صورة الوصية ويكون الوكيل هو المنفذ لها.

(2)ـ انتهاء الوكالة بسبب موت الوكيل: إن وفاة الوكيل من شـأنه أن ينهي الوكالة، لأن الموكـل لا يعين وكيلاً عنه إلا إذا حاز على ثقته. وإذا انتهت الوكالة فعلى الورثة الذين توافرت فيهم الأهلية وكانوا يعلمون بالوكالة أن يتخذوا جميع التدابير العاجلة والتحفظية لحفظ مصالح الموكل، كما عليهم أن يبادروا بإخطار الموكل بموت مورثهم حتى يتدبر أمره لصراحة الفقرة الثانية من المادة (683) من القانون المدني التي نصت على ما يلي : "وفي حال انتهاء الوكالة بموت الوكيل يجب على ورثته، إذا توافرت فيهم الأهلية وكانوا على علم بالوكالة، أن يبادروا إلى إخطار الموكل بموت مؤرثهم وأن يتخذوا من التدابير ما تقتضيه الحال لصالح الموكل".

ويدخل ضمن هذه الأعمال التحفظية، الاحتفاظ بالوثائق والأوراق الخاصة وغيرها من التدابير لصون مصالح الموكل.

وتعد الوكالة قائمة فيما يتعلق بهذه الأعمال التحفظية، ويترتب على قيامها بقاء التزامات كل من الوكيل والموكل، فيكون ورثة الوكيل ملتزمين ببذل العنايـة الواجبة في القيام بهذه الأعمال وبتأدية حساب عنها، ويكون ورثة الموكل ملتزمين بالأمر وبرد المصروفات وبالتعويض عن الضرر.

وغني عن البيان أن انتهاء الوكالة بموت الوكيل ليس من النظام العام، إذ يجوز الاتفاق على ما يخالف هذا الأمر، ومن ثم يلتزم ورثة الوكيل في حدود التركة، فتبقى الوكالة بعد موت الوكيل.

وفي حال تعدد الوكلاء، فإن موت أحدهم ينهي الوكالة عنهم جميعاً إذا كانوا يعملون مجتمعين لا منفردين، وإلا فإن موت أحدهم ينهي الوكالة عمن مات منهم فقط.

أما في حال وفاة الموكل الذي نظم لوكيله وكالة تضمنت عبارة "غير قابلة للعزل لتعلق حق الغير بها" فقد فرقت محكمة النقض بين حالتين للوكالة غير القابلة للعزل، بين أن تكون عامة أو خاصة. فقررت أن الوكالة العامة تسقط بالوفاة وإن تضمنت عبارة غير قابلة للعزل لتعلق حق الوكيل بها، على عكس الوكالة الخاصة التي تبقى سارية المفعول حتى بعد الوفاة.

ب ـ انتهاء الوكالة لأسباب ترجع إلى عقد الوكالة غير اللازم: بما أن الوكالة هي من العقود غير اللازمة فهي تنتهي بإرادة الموكل عن طريق عزل الوكيل، أو بإرادة الوكيل عن طريق اعتزال الوكيل للوكالة.

(1)ـ انتهاء الوكالة بسبب عزل الوكيل من الوكالة: نصت المادة (681) من القانون المدني على أنه: " يجوز للموكل في أي وقت أن ينهي الوكالة أو يقيدها ولو وجد اتفاق يخالف ذلك. فإن كانت الوكالة بأجر فإن الموكل يكون ملزماً بتعويض الوكيل عن الضرر الذي لحقه من جراء عزله في وقت غير مناسب أو بغير عذر مقبول. على أنه إذا كانت الوكالة صادرة لصالح الوكيل أو لصالح أجنبي، فلا يجوز للموكل أن ينهي الوكالة أو يقيدها دون رضاء من صدرت الوكالة لصالحه".

ومقتضى ذلك أن الموكل يستطيع أن ينهي الوكالة عن طريق عزل الوكيل في أي وقت شاء وقبل انتهاء العمل محل الوكالة، حتى لو تضمنت الوكالة اتفاقاً بغير ذلك. لأن الوكالة في الأصل هي لمصلحة الموكل، فإذا رأى هذا الأخير أن مصلحته في الوكالة لم تعد قائمة، كان له أن ينهي الوكالة بعزل الوكيل. كما له أيضاً أن يقيد وكالته وهذا ما يسمى بالعزل الجزئي، كأن يوكله في البيع وقبض الثمن ثم يقيد الوكالة بالبيع من دون قبض الثمن.

وعزل الوكيل يكون بإرادة منفردة تصدر من الموكل وموجهة إلى الوكيل، فتسري في شأنها القواعد العامة. ويكون ذلك العزل صريحاً أو ضمنياً، كأن يقوم الموكل بنفسه بتنفيذ العمل محل الوكالة. وسواء كان العزل صريحاً أو ضمنياً فإنه لا ينتج أثاره إلا إذا وصل إلى علم الوكيل طبقاً للقواعد العامة، وقبل علم الوكيل بالعزل تبقى وكالته قائمة. فإذا تعاقد مع شخص حسن النية انصرف  أثر التعاقد إلى الموكل. حتى بعد علم الوكيل بالعزل إذا تعاقد مع الغير حسن النية، فإن أثر التعاقد ينصرف أيضاً إلى الموكل، ولكن لا بموجب وكالة حقيقية بل طبقاً لقواعد الوكالة الظاهرة. ومن ثم يتعين على الموكل، حتى يكون بمأمن من ذلك أن يعلم الغير الذين يتعاملون عادة مع الوكيل بعزله لهذا الأخير.

ويكفي لإثبات علم الوكيل بالعزل إعلامه ذلك عن طريق محضر، ولو كان هذا الإعلام باطلاً من ناحية الشكل، إذ لا يشترط شكل خاص في العزل. ولا يكون للعزل أثر رجعي، فإذا كانت الوكالة بأجر ولمدة معينة، استحق الوكيل الأجر عن المدة التي سبقت العزل.

ويجب على كل حال أن يتخذ الوكيل بعد علمه بالعزل جميع الإجراءات اللازمة لحفظ مصالح الموكل، حتى يتمكن هذا الأخير من صون مصالحه بنفسه أو بواسطة نائبه في حال إفلاسه أو نقص أهليته أو ورثته أو النائب عنهم في حال الوفاة. ومن ثم يترتب على ذلك قيام الوكيل بجميع التدابير المستعجلة والتحفظية لصون مصالح الموكل وفق ما تقتضيه الظروف. فإذا بدأ الموكل بجني المزروعات وبيعها وجب عليه الاستمرار حتى يصل إلى مرحلة تكون معها مصالح الموكل مضمونه، وليس من الضروري الانتهاء من بيع المزروعات بأكملها.

أما إذا كانت الوكالة صادرة لمصلحة الوكيل، كأن يوكل الشركاء في الشيوع شريكاً منهم في إدارة المال الشائع، أو لمصلحة شخص آخر، كأن يوكل شخص شخصاً آخر في بيع منزله وقبض الثمـن ووفاء الدين في ذمته للغير، فلا يجوز للموكـل في الحالتين أن ينهي الوكالـة أو يقيدها من دون رضاء من صدرت الوكالة لمصلحته، ومن ثم فإن الوكالة تبقى قائمة على الرغم من العزل، ولا ينعزل الوكيل وينصرف أثر تصرفه إلى الموكل.

وإذا كانت الوكالة مأجورة، فقد قيَّد القانون حق الموكل في عزل الوكيل، إذ أو جب أن يكون العزل لعذر مقبول أو في وقت مناسب، وإلا كان الموكل ملزماً بتعويض الوكيل عن الضرر الذي لحقه من جراء عزله، لأن العزل في هذه الحالة ينطوي على تعسف في استعمال الحق يستوجب التعويض.

وتطبيقاً لذلك، فإنه إذا قام الموكل بعزل المحامي الوكيل بغير سبب مشروع، فإنه يكون ملزماً بدفع كامل الأتعاب عن تمام المهمة الموكلة إليه، ويعود تقدير السبب المشروع للمحكمة التي كانت تنظر في الدعوى أو إلى مجلس الفرع في الحالات الأخرى، حسب ما تقضي به المادة 59 من قانون تنظيم مهنة المحاماة.

(2)ـ انتهاء الوكالة بسبب اعتزال الوكيل للوكالة: لقد أجازت الفقرة الأولى من المادة (682) من القانون المدني للوكيل أن يعتزل الوكالة في أي وقت وأن يتنازل عنها بقولها: "يجوز للوكيل أن يتنازل في أي وقت عن الوكالة ولو وجد اتفاق يخالف ذلك، ويتم التنازل بإبلاغه للموكل. فإذا كانت الوكالة بأجر فإن الوكيل يكون ملزماً بتعويض الموكل عن الضرر الذي لحقه من جراء التنازل في وقت غير مناسب وبغير عذر مقبول".

وتنحي الوكيل عن الوكالة يكون بإرادة منفردة تصدر منه، ويمكن أن يكون هذا التعبير عن إرادة الاعتزال صريحاً أو ضمنياً، لأن القانون لم ينص على شكل خاص لذلك. ولا ينتج هذا الاعتزال أثره إلا بعد وصوله إلى علم الموكل، إذ قبل إعلان التنحي تبقى الوكالة قائمة ويكون الوكيل ملزماً بتنفيذ الوكالة، أما بعد إعلان التنحي فإن الوكالة تنتهي ويبقى الوكيل ملزماً بأن يصل بأعمال الوكالة إلى حالة لا تتعرض معها للتلف.

وإذا استمر الوكيل بعد أن أعلن تنحيه في أعمال الوكالة وتعامل باسم الموكل مع شخص حسن النية، فإن أحكام الوكالة الظاهرة هي التي تسري. وإذا تعدد الموكلون وكانت الوكالة غير قابلة للتجزئة، جاز للوكيل أن يتنحى عن الوكالة بالنسبة إلى بعض الموكلين دون بعضهم الآخر. أما إذا كانت الوكالة غير قابلة للتجزئة، فإنه لا يجوز للوكيل أن يتنحى عن الوكالة إلا بالنسبة إلى جميع الموكلين.

وجواز تنحي الوكيل كجواز عزله، قاعدة من النظام العام، فلا يجـوز الاتفاق على ما يخالفها، ومن ثم لا يجوز للموكل أن يشترط على الوكيل البقاء في الوكالة حتى يتم العمل الموكل به، حتى لو كانت الوكالة مأجورة. وكذلك لا يجوز اشتراط الموكل أن يتقاضى تعويضاً من الوكيل إذا تنحى عن الوكالة لأن في هذا تقييداً لحرية الموكل في التنحي وفي ذلك مخالفة للنظام العام.

غير أن الفقرة الثانية من المادة (682) من القانون المدني قد قيَّدت حق الوكيل في التنحي في حالتين، وهما:

الحالة الأولى: إذا كانت الوكالة بأجر، فلا يجوز للوكيل أن يتنحى عن الوكالة بغير عذر مقبول أو في وقت غير مناسب. فإن هو فعل، صح التنحي، وأصبح مسؤولاً عن تعويض الموكل لأنه متعسف في استعمال هذا الحق.

الحالة الثانية: إذا كانت الوكالة صادرة لمصلحة أجنبي، كأن يكون الوكيل معهوداً إليه بوفاء دين لأجنبي من ذمة الموكل من المال الذي يقع في يده لهذا الأخير، فلا يجوز للوكيل التنحي إلا ضمن ثلاثة شروط وهي: أن تقوم أسباب جدية تبرر التنحي، وأن يخطر الوكيل الأجنبي بالتنحي، وأن يمهله وقتاً كافياً ليتخذ ما يلزم لصون مصالحه.

فإذا أخل الوكيل بشرط من هذه الشروط الثلاثة، فإنه مع ذلك لا يجبر على المضي في الوكالة، إذ لا يجوز إجبار أحد على عمل شخصي، وإنما يكون مسؤولاً عن تعويض الأجنبي. أما إذا كانت الوكالة لمصلحة الوكيل نفسه، فإنه يجوز له التنحي بلا شرط، لأنه هو الذي يقدر مصلحته.

وفي جميع الأحوال لا يكون الوكيل ملزماً بالتعويض إذا هو تنحى عن الوكالـة لعذر مقبول، كالمرض أو تغيير محل الإقامة أو تغيير المهنة أو السـفر أو قيام خصومة بينه وبين الموكل، أو إذا لم يكن في وسعه أن يستمر في تنفيذ الوكالة، إلا إذا عرض مصالحـه لخطر شديد.

وأخيراً، فإنه يحق للمحامي أن يعتزل الوكالة المبرزة أمام جهة قضائية بشرطين أتت على ذكرهما الفقرة /و/ من المادة (57) من قانون تنظيم مهنة المحاماة وهما: موافقة مسبقة من الجهة التي تضع يدها على الدعوى، وتبليغ الموكل هذا الاعتزال عن طريق مجلس الفرع مرفقاً بموافقة الجهة القضائية المذكورة.       

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ عبد الرزاق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني الجديد، المجلد السابع، القسم الأول (دار النهضة العربية، القاهرة).

ـ شفيق طعمه، التقنين المدني السوري، الجزء السادس (دار الأنوار للطباعة، الطبعة الأولى، دمشق 1985).

ـ زهدي يكن، شـرح قانون الموجبات والعقود، الجزء الثالث عشر (دار الثقافة، الطبعة الأولى، بيروت).


التصنيف : القانون الخاص
النوع : القانون الخاص
المجلد: المجلد الخامس: طرق الطعن في الأحكام الإدارية ــ علم العقاب
رقم الصفحة ضمن المجلد : 530
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 539
الكل : 29668016
اليوم : 48026