logo

logo

logo

logo

logo

عقد الكفالة

عقد كفاله

contract of suretyship - contrat de cautionnement

 عقد الكفالة

عقد الكفالة

أحمد حداد

التوصيف القانوني للكفالة

خصائص عقد الكفالة

أركان الكفالة

آثار الكفالة

انقضاء الكفالة

 

تُعدّ الكفالة تأميناً شخصيّاً للوفاء بالالتزام، وباعتبارها تنتمي إلى فئة التأمينات الشخصيّة، فمن الطبيعي أن تكون سابقة للتأمينات العينيّة لسببين اثنين:

ـ الأول فيهما أنها من اليُسر بحيث أنها تستدعي فقط ضمّ ذمّة إلى ذمّة أُخرى على المساواة أو التعاقب.

ـ أمّا السبب الثاني فهو أنّ أسلوب الـتأمينات العينيّة باعتبارها تقوم أساساً على ضمان العقار الذي يمثل مالاً معيناً من أموال المدين مخصّصاً لوفاء حقّ الدائن، وبالتالي فإن هذا الأسلوب لم يبلغ شأنه من التطوّر إلا بعد تطوّر المجتمعات، وتنظيم حقوق الملكية وخاصّة الحقوق العينيّة.

وقد استعرض المشرّع السوري أحكام الكفالة في الباب الخامس من الكتاب الثاني من القانون المدني المتعلق بالعقود المسمّاة، لكنه لم يعدها عقداً يقع على الملكية، ولا على الانتفاع بالشيء، ولا عقداً يرد على العمل كما أنها ليست من عقود الغرر.

وأفرد لها تعريفاً في المادة (738) من القانون المدني بأنها:

"عقدٌ بمقتضاه يكفل شخص تنفيذ التزام بأن يتعهّد للدائن بأن يفي بهذا الالتزام إذا لم يفِ به المدين نفسه".

أولاًـ التوصيف القانوني للكفالة:

الأصل في الكفالة أنها عمل مدني بالنسبة إلى الكفيل حتى لو كان الكفيل تاجراً أو كان الدين المكفول التزاماً تجاريّاً (المادة 745 مدني)، ويرِد على هذا التوصيف استثناءان يُنزلان الكفالة في منزلة الأعمال التجاريّة وهما:

إذا كانت الكفالة ناشئةً من ضمان الأسناد التجاريّة ضماناً احتياطيّاً.

أو من تظهير هذه الأسناد (الكمبيالات والأسناد لأمر والشيكات).

في هاتين الحالتين تعدّ الكفالة عملاً تجارياً وما خلا ذلك تعدّ عملاً مدنياً.

ثانياًـ خصائص عقد الكفالة:

يتبيّن من تعريف عقد الكفالة أنه يحمل الخصائص التالية:

هو عقد رضائي يقوم على اتفاق إرادتين، لكن هذا الاتفاق لا يثبت إلا كتابةً على ما هو عليه نصّ المادة/739/ مدني.

ومن المفيد التنويه أن الكتابة شرط إثبات فحسب، ذلك لأنه من الممكن إثباتها في حال عدم تحقق الكتابة بالإقرار أو باليمين، بمعنى أنه لو كان المشرّع قد اشترط الكتابة شرطاً للصحّة لمَا كان من الممكن إثباتها بالطرق الأخرى.

وهو عقد مُلزم لجانب واحد، وبهذا يختلف عن العقود الأخرى التي تربط كِلا الجانبين بالتزامات متقابلة.

وبموجب هذا العقد يلتزم الكفيل بوفاء الالتزام للدائن إذا تخلف المدين عن ذلك. أما الدائن فلا التزام عليه، وبطبيعة الحال المدين ليس طرفاً في العقد.

لكن لا شيء يمنع أن يكون العقد مُلزماً للجانبين كما هو الأمر في حال التزام الدائن أن يدفع للكفيل عِوضاً عن كفالته فينشأ في هذه الحالة التزام متبادل كما في حال المصرف الذي يكفل بمقابل يتقاضاه من المدين. ومع ذلك يظلّ العقد بينه وبين الدائن ملزماً لجانب واحد هو الكفيل.

وجديرٌ بالذكر أن العقد مع أنه ملزمٌ لجانب واحد هو الكفيل فإن قبول الدائن بالكفالة مع أنها لمصلحته يعدّ شرطاً لازماً؛ ولذا فإن المشرّع أتاح للكفيل فرصة الرجوع عن الكفالة قبل قبول الدائن بها.

عقد الكفالة عقد تبرّعي بالنسبة إلى الكفيل، (وهي الصورة المألوفة للكفالة) لكنه يُعد بالنسبة إلى الدائن عقد معاوضة لأنه حصل على الكفالة مقابل الدين الذي قدّمه. وهكذا يأخذ مثل هذا العقد صفة مزدوجة فهو عقد تبرّعي بالنسبة إلى أحد الطرفين (الكفيل)، وعقد معاوضة بالنسبة إلى الطرف الآخر. وقد يكون عقد معاوضة بالنسبة إلى الكفيل إذا تقاضى مقابلاً عن كفالته.

ومن المألوف أن الكفيل لا يأخذ مقابلاً عن كفالته لذا اشترط المشرّع فيه أن يكون أهلاً للتبرّع (موسِراً ومقيماً في سورية) المادّة (740) مدني. ذلك لأن الكفالة قد تكون من دون علم المدين، بل تجوز بالرغم من معارضته (م741) مدني.

عقد الكفالة عقد تابع: فهو تابع للالتزام الأصلي يدور في فلكه، حتى إذا التزم الكفيل عن دين الغير ديناً أصليّاً لا تابعا لا يُعدّ كفيلاً بل مديناً يستقلّ التزامه عن المدين الأصلي.

وينجم عن كون عقد الكفالة تابعاً للالتزام الأصلي الآثار التالية:

أ ـ لا يجوز أن يزيد التزام الكفيل على التزام المدين.

ب ـ ولا يجوز أن يكون أشدّ عبئاً أو إرهاقاً.

ج ـ ينقضي التزام الكفيل بوفاء الدين ولا يقوم بعده.

د ـ لا يجوز أن يكون التزام الكفيل منجزاً في حين يبقى التزام المدين الأصلي معلقاً على شرط ولا منتجاً لأيّ فوائدَ فيها إذا كان التزام المدين الأصلي غير منتج لفوائد.

هـ ـ وهو تابعٌ للالتزام الأصلي من حيث صحّتُه وبطلانُه.

و ـ تنطبق عليه جميع الدفوع التي يمكن للمدين أن يدفع بها.

ز ـ ومن نافلة القول أن الكفيل يستطيع أن يكفل جزءاً من الدين لا كله وبشروط أخفّ من الشروط التي التزم بها المدين (المادة 746) مدني.

ثالثاًـ أركان الكفالة: لعقد الكفالة ركنان أساسيّان:

1ـ الركن الأول:

أن يكون هناك التزامٌ أصلي وصحيح على المدين يكفله الكفيل (م 742 مدني).

ويكون الالتزام صحيحاً حين يتولد من التزام عقدي أو غير عقدي. أمّا كفالة الالتزام الباطل فتكون بدورها باطلة. وللكفيل كما تمّ الإسلاف أن يتمسّك بجميع الدفوع التي يتمسّك بها المدين بما في ذلك بطلان الالتزام المكفول (م 748  مدني).

والبطلان يمكن أن ينصبّ على الالتزام العقدي فحسب، أمّا الالتزام غير العقدي فيحميه القانون لا العقد. ومن أمثلة البطلان (دين المقامرة والدين القائم على سبب غير مشروع كالرّبا الفاحش).

ومن الطبيعي أن يكون الالتزام المكفول ممّا تجوز كفالته من حيث مصدره ومحله، لكن هناك صوراً مختلفة تتعلق بمصدر هذا الالتزام يمكن إيجازها بما يلي:

> فقد يكون مصدره القانون، كأن يكفل الكفيل الجار لجاره التعويض عن الأضرار غير المألوفة بسبب الجوار.

> وقد يكون مصدره العقد كما في حال عقد القرض.

> ويمكن أن تنصبّ الكفالة على عمل غير مشروع كما في حال اعتراف المدين بمبدأ المسؤوليّة ومقدار التعويض.

> ويمكن أن يكون مصدر الالتزام الإثراء بلا سبب أو ردّ غير المستحقّ.

وقد يكون الالتزام قابلاً للإبطال كما في حالة كون العقد مشوباً بالغلط أو التدليس أو الإكراه. وكذلك في حالة نقص الأهليّة كما في القاصر المميِّز ومَن في حكمه كالمحجور عليه لسفهٍ أو غفلة، إلا إذا كان الكفيل عالماً بذلك وقت التعاقد (م 748/2) مدني، فليس له أن يحتجّ بهذا الوجه.

ويمكن استعراض فرضيّات ثلاث تتعلق بنقص الأهليّة:

أ ـ أن يكون الكفيل قد كفِل المدين الأصلي وهو غير عالمٍ بنقص أهليّته.

في هذه الحالة يستطيع أن يتمسّك بقابليّة الدين للإبطال، ويستطيع أن يتمسّك بهذا الدفع سواءٌ تمسّك به المدين الأصلي أم لم يفعل.

ب ـ أن يكون الكفيل قد كفِل المدين الأصلي وهو عالمٌ بنقص أهليّته.

فإنه يكون بعلمه هذا متنازلاً عن التمسّك بعدم الأهليّة، فيما إذا قام المدين الأصلي بإجازة العقد وتنازل عن التمسّك بعدم أهليّته ذلك لأنه كان يعلم حين الكفالة أن المدين المكفول ناقص الأهليّة.

ج ـ أن يكون الكفيل قد كفِل المدين بسبب نقص في أهليّته.

في هذه الحالة يكون مُلزماً بتنفيذ الالتزام إذا لم ينفذه المكفول (م 743) مدني.

ويُبنى على ذلك أنه إذا لم يتمسّك المدين الأصلي بنقص أهليّته وأُبطل العقد الأصلي عُدّ الكفيل مديناً أصليّاً وكان ملزماً بتنفيذ التزامه مع الدائن.

والسؤال الذي يمكن إثارته:

هل تجوز كفالة الالتزام المعلق على شرط والالتزام المستقبلي؟

للجواب عن هذا السؤال يمكن استعراض بندين.

ـ الأوّل منهما يتعلق بكفالة الدين المعلق على شرط، وهي جائزة وفقاً للقواعد العامّة سواءٌ كان الدين معلقاً على شرط فاسخ أم واقف.

فالدين الموقوف على شرط فاسخ دينٌ نافذ وكذلك كفالته تكون تابعة له، فإذا تخلف الشرط الفاسخ وجب الدين الأصيل وكذلك التزام الكفيل. أمّا بالنسبة إلى الدين المعلق على شرط واقف فإنّ تخلف الشرط الواقف يُزيل الدين الأصلي بأثر رجعي، وكذلك التزام الكفيل حتى إذا تحقق الشرط وجب تنفيذ كِلا الالتزامين.

ـ أمّا البند الثاني المتعلق بكفالة الدين المستقبلي، كما لو فتح شخصٌ اعتماداً مصرفياً، فيجوز له أن يقدّم كفيلاً يضمن ما يمكن أن يقبضه المدين من هذا الاعتماد، فإنها جائزة سنداً للمادة /744/ مدني ولكن يرِد عليها قيدان:

ـ القيد الأول: وجوب تحديد المبلغ حمايةً للكفيل الذي يكفل ديناً مستقبليّاً لم يوجد بعد.

ـ القيد الثاني: يتعلق بالمدّة، فإنْ حدّدها الكفيل لم يجزْ له الرجوع طوال هذه المدّة.

وإنْ لم يحدد مدّة أو حدّدها وانقضت قبل نشوء الدين فإنّ له الرجوع عنها ما دام الدين المكفول لم ينشأ.

شمول الدَين للملحقات والمصروفات:

فمن المفترض أن الكفيل كفِل الالتزام المكفول مقداراً وشروطاً وعبئاً وموعد حلول ومكان وفاء. كما كفِل الملحقات كفوائد الدين والتعويض عن عدم التنفيذ.

كما يضمن مصروفات المطالبة الأولى (المادة 747) مدني.

2ـ الركن الثاني:

أن يكون هناك اتفاق بين الكفيل والدائن.

من المسلم به أن الكفالة عقدٌ مبرمٌ بين الكفيل والدائن، كما أن المدين ليس طرفاً في هذا العقد؛ لذلك فإنها تنعقد من دون إذن المدين أو علمه بل تنعقد برغم معارضته/م741/مدني. لكن هناك فوارق قد تنشأ في حال رجوع الكفيل على المدين بعد الوفاء عنه:

ـ فإذا عُقدت بإذن المدين رجع الكفيل عليه بدعوى الوكالة.

ـ وإذا عُقدت بعلمه ولكن من دون إذنه رجع عليه الكفيل بدعوى الفضالة.

ـ أمّا إذا عُقدت برغم معارضته رجع عليه بدعوى الإثراء بلا سبب.

لكن الحالة الشائعة أن تُعقد الكفالة بإذن المدين وبناءً على طلبه.

وقد تُعقد الكفالة بين الدائن وكفيل الكفيل فيتولد من العلاقة عقدان؛ أحدهما بين الدائن والكفيل، والثاني بين الدائن وكفيل الكفيل فينزل كفيل الكفيل منزِلة الكفيل والكفيل منزِلة المدين الأصلي.

وجديرٌ بالذكر أنه لا بدّ لانعقاد الاتفاق أن يرضى الدائن بالكفالة ولو ضمنياً؛ لأنه لا يكفي رضاء الكفيل وحده بالرّغم من أنه جوهري ويجب أن يكون صريحاً وواضحاً. وقد يمكن التعبير عن رضاء الكفيل من دون استخدام لفظ الكفالة على وجه التحديد، كأن يقول الكفيل مثلاً إن ما التزم به المدين أمرٌ مقدّس لا يحيد عنه وأنه يلتزم بتنفيذه في حال عدم قيام الأخير بذلك.

أمّا فيما يتعلق بالشكل الذي يمكن أن تظهر فيه الكفالة فليس له صيغة معيّنة. وبما أنها عقدٌ من عقود التراضي فيكفي التعبير عنه بأيّ صيغة تفيد الرّضا، غير أن هناك فارقاً بين رضاء الدائن ورضاء الكفيل، فالكفيل عادة متبرّع لذلك يجب أن يكون الرّضا واضحاً ولا يجوز استخلاصه ضمناً.

بخلاف الدائن الذي يمكن استخلاص الرّضا بالنسبة إليه من كلّ الظروف والقرائن باعتبار أن الكفالة أساساً لمصلحته.

أ ـ إثبات الكفالة:

بموجب المادة (739) مدني لا تُثبت الكفالة إلا كتابةً، ولو كان من الجائز إثبات الالتزام الأصلي بالشهادة. والكتابة ضروريّة لإثبات التزام الكفيل فقط لكنها ليست ضروريّة لانعقاد الكفالة.

والسبب في ذلك ما يتخلف في الذهن من خطورة الكتابة وضرورة التروّي قبل الإقدام عليها. وهي ضروريّة بين الكفيل والدائن وليست كذلك بين الكفيل والمدين. ويجب أن تكون ثابتة التاريخ.

ب ـ أهليّة الكفيل:

يجب أن تتوافر في الكفيل أهليّة بلوغ سنّ الرشد وأن يكون غير محجور عليه، كما يجب أن تتوافر فيه أهليّة التبرّع، وعلى ذلك لا يجوز للقاصر أو المحجور عليه أن يكفل الغير متبرِّعاً وإلا عُدّت الكفالة باطلة. كما أنه لا يجوز للوليّ أو الوصيّ أو القيّم أن يعقد باسم القاصر وكالة تبرّعية.

وإذا قدّم المدين كفيلاً وجب أن تتوافر في هذا الكفيل الشروط المنصوص عليها في المادة (740) مدني.

أمّا إذا كانت الكفالة بمقابل (غير تبرّعية) فيجب أن تتوافر في الكفيل أهليّة التصرّف لا التبرّع فحسب.

كما أنه يجوز للوليّ والوصيّ والقيّم أن يعقد كفالةً باسم القاصر ولكن بإذن ٍمن المحكمة.

وتجوز كفالة الشخص المعنوي بواسطة المفوّض بذلك.

كما أنه يجوز للشريك كامل الأهليّة أن يكفل الشركة التي هو شريك فيها، وللشركة أيضاً أن تكفله.

ج ـ أهليّة الدائن:

لا يُشترط في الدائن سوى أهليّة التعاقد، فيكفي أن يكون مميّزاً في حال كونها تبرّعية، لأنها معقودة لمصلحته، أمّا إذا دفع مقابلاً للكفيل فلا بدّ من تمتعه بأهليّة التصرّف.

د ـ عيوب الرّضا في الكفالة:

هي عيوب الرّضا ذاتها في القواعد العامّة. ولذلك فالكفالة تكون قابلةً للإبطال إذا وقع الكفيل في غلطٍ جوهريٍّ كأنْ يعتقد أنّ الفوائد التي يخضع لها الدين المكفول بسيطة، فإذا هي مركبة. أو إذا اعتقد أنها لا تنتج فوائد فإذا هي مُنتِجة لها.

كما أنّ عقد الكفالة يكون قابلاً للإبطال إذا عُقدت بالإكراه، أو شاب رضاءَ الكفيل تدليسٌ كأنْ يوهم الدائن الكفيل بملاءة المدين الأصلي في حين أنه غير مليء.

رابعاً ـ آثار الكفالة:

ينجم عن عقد الكفالة بعض الآثار المتعلقة بالأطراف جميعاً، ويمكن تقسيمها إلى فئتين من العلاقات وهما:

ـ العلاقة بين الكفيل والدائن.

ـ العلاقة بين الكفيل والمدين.

أمّا فيما يتعلق بالعلاقة بين الكفيل والدائن فيمكن دراسة الحالات التالية:

أ ـ حالة الكفيل غير المتضامن مع المدين أو مع كفلاء آخرين:

الصورة البسيطة المألوفة هي عدم تضامن الكفيل لا مع المدين ولا مع كفلاء آخرين. وفي هذه الحالة يطالب الدائن الكفيل عند حلول الأجل لأن الكفالة دين مؤجّل تابع للدين المؤجّل. ولكن قد يحدث اختلاف في آجال الوفاء بين الكفيل والمدين وفقاً لما يلي:

> ربما لا يحلّ الالتزامان في وقتٍ واحد كما في حالة مدّ أجل الدين بالنسبة إلى المدين من قِبل الدائن أو بحكمٍ من المحكمة فيصبح التزام الكفيل أشدّ عبئاً. في هذه الحالة يجب مدّ أجل الكفيل بالقدر الذي مُدَّ فيه التزام الأصيل.

> وقد يحلّ التزام الأصيل قبل الكفيل في حالة كون التزام هذا الأخير أخفّ عبئاً. في هذه الحالة لا يجوز للدائن مطالبة الكفيل بالوفاء بالالتزام قبل حلول الأجل وذلك كما لو سقط الالتزام الأصيل بشهر إفلاس المدين الأصلي أو إعساره أو حين لا يقدّم المدين للدائن ما وعد به من التأمينات (المادة 273/3) مدني.

إذاً ما دام أجل الكفيل لم يحلّ ولم يسقط فإنه يبقى قائماً.

الدفوع التي يمكن أن يدفع بها الكفيل رجوع الدائن عليه:

للكفيل أن يواجه الدائن الذي يرجع عليه بالدفوع التالية:

(1) ـ الدفع بوجوب الرجوع على المدين أولاً (المادة 754/1) مدني. ويترتب على التمسّك بهذا الدفع أولاً أن يُقضى بعدم قبول الدعوى المرفوعة على الكفيل وحده. فإما أن تُباشر الدعوى على المدين والكفيل معاً، وإما أن يرفع الدائن على المدين أولاً. ولا يكفي إعذار المدين بالوفاء بل لابدّ من المطالبة القضائيّة أو أن يتقدم بحقه في التفليسة حين إفلاس المدين.

(2) ـ الدفع بجميع الدفوع التي يمكن للمدين التمسّك بها. وذلك وفقاً لما تمّ التطرّق إليهِ فيما سلف لجهة أن التزام الكفيل تابع للالتزام الأصلي يصحّ معه ويبطل معه وينقضي بانقضائه. ولا يتمسّك الكفيل بأوجه الدفع هذه ضدّ التزام المدين بل ضدّ التزامه هو.

(3) ـ كما يمكنه الدفع بدفوع خاصّة تتعلق به كفيلاً، ودفوع تتعلق بالكفالة ذاتها. وهي في هاتين الحالتين دفوع لا يشترك فيها المدين. ففيما يتعلق به كفيلاً يمكن ذكر الدفوع التالية:

> الدفع ببراءة ذمّة الكفيل بقدر ما أضاعه الدائن بخطئه من الضمانات (المادة 750) مدني.

> الدفع ببراءة الذمّة بقدر ما أصابه من ضرر بسبب عدم تقدّم الدائن للاشتراك في تفليسة المَدين (المادة 752) مدني.

> الدفع ببراءة الذمّة لتقصير الدائن أو تأخره في اتخاذ الإجراءات ضدّ المدين خلال ستة أشهر من إنذار الكفيل للدائن،ما لم يقدّم المدين للكفيل ضماناً كافياً (المادة 751) مدني.

وهناك دفوع خاصّة بعقد الكفالة التي لا يشترك فيها المدين كما في:

> الدفوع العائدة إلى بطلان عقد الكفالة ذاته أو قابليته للإبطال بعيداً عن كون الالتزام الأصلي باطلاً أو قابلاً للإبطال، كعدم تحقق الشرط الواقف أو تحقق الشرط الفاسخ.

> الدفع المتعلق بانقضاء التزام الكفيل بطريق أصلي من دون انقضاء التزام المدين.

وهكذا يتضح كيف يمكن للكفيل أن يدفع بالرجوع على المدين في حال المطالبة، أمّا حين التنفيذ فيمكنه الدفع بوجوب التجريد (المواد 754ـ 757) مدني.

ب ـ حالة الكفيل المتضامن مع المدين أو مع كفلاء آخرين:

يكون الكفلاء دوماً متضامنين مع المدين في حالتي الكفالة القضائية والقانونية (المادة 761) مدني.

والكفيل القضائي هو الكفيل الذي يكون المدين مُلزماً بتقديمه بموجب حكم قضائي.

أمّا الكفيل القانوني فهو الذي يُلزم المدين بتقديمه بنصّ القانون.

وقد يتعدّد الكفلاء ويكونون متضامنين فيما بينهم وغير متضامنين مع المدين.

وقد يكونون متضامنين فيما بينهم ومع المدين.

ويجوز أن يتعدّد الكفلاء والمَدينون في دينٍ واحد ويكون المدينون متضامنين.

ولكلّ حالة من هذه الحالات حكمها التفصيلي.

2ـ العلاقة بين الكفيل والمدين:

يمكن للكفيل بعد الوفاء الرّجوع على المدين بإحدى الطرق التالية:

أ ـ الرجوع بالدعوى الشخصية: وتعدّ هذه الدعوى دعوى وكالة خاصّة إذا عُقدت الكفالة بعلم المدين ومن دون معارضته فيرجع الكفيل عليه رجوع الوكيل على الموكل.

ولهذه الدعوى شروط ثلاثة لا بدّ من تحققها:

(1) ـ قيام الكفيل بوفاء الدين عن المدين (المادة 765) مدني.

(2) ـ أن يتمّ الوفاء وقت حلول الأجل، فإذا تعجّل الكفيل الوفاء لم يعد له حق الرّجوع بالدعوى الشخصيّة إلا بحلول الأجل.

(3) ـ وجوب إخطار الكفيل المدين (قبل الوفاء) وعدم معارضة هذا الأخير (المادة 764) مدني.

ب ـ الرّجوع بدعوى الحلول: (المادة 765) مدني تنص على أنه: "إذا وفى الكفيل الدين كان له أن يحلّ محل الدائن في جميع ماله من حقوق قِبلَ المدين…".

والأساس القانوني لدعوى الحلول مستنِد إلى القواعد العامّة ولا سيّما المادة (325) مدني التي تنصّ:

"إذا قام بالوفاء الشخص غير المدين، حلّ الموفي محلّ الدائن الذي استوفى حقه في الأحوال التالية…".

وقد فرّق المشرّع بين الدعوى الشخصيّة ودعوى الحلول حين ميّز في المادة (766) مدني فيما يتعلق بالدعوى الشخصية بين الكفالة من دون علم المدين أو بعلمه، وبين ما إذا كانت بمعارضة المدين.

أمّا في دعوى الحلول فقد جاءت العبارة مطلقة، لكنه أوجب توافر شرطين أساسيّين هما:

ـ قيام الكفيل بوفاء الدين عن المدين.

ـ ووفاء الدين عند حلول أجله مع مراعاة العبارة الأخيرة من نصّ المادة (328) مدني، وهي:

"ويكون هذا الحلول بالقدر الذي أدّاه مِن ماله مَن حلّ محلّ الدائن…".

 ج ـ رجوع الكفيل على المدينين المتضامنين:

تنصّ المادة (767) مدني على ما يلي:

"إذا تعدد المدينون في دينٍ واحد وكانوا متضامنين فللكفيل الذي ضَمِنهم جميعاً أن يرجع على أيٍّ منهم بجميع ما وفاه من الدين".

فإذا كان المدينون متضامنين وضمِنهم الكفيل جميعاً ـ كما هو وارد في النصّـ فإن الكفيل يرجع على أيٍّ منهم بدعوى شخصيّة أو بدعوى حلول.

أمّا إذا كان المدينون متضامنين وكفِل الكفيل بعضهم دون بعضهم الآخر فإنه يرجع على المدين الذي كفله بكلّ الدين وبإحدى الدعويَين السابق ذكرهما.

وأمّا إذا رجع بالدعوى الشخصيّة على أحد المدينين الذين لم يكفلهم فإنه يرجع عليه:

(1) ـ إما بالدعوى غير المباشرة، وذلك بحصّة المدين الذي يرجع عليه ونصيب هذا الأخير في حصّة من يُعسر من المدينين المتضامنين؛ لأن الدين ينقسم بين هؤلاء عند رجوع أحدهم على الآخرين كما تنقسم عليهم حصّة المدين المُعسر وفقاً لقواعد التضامن.

(2) ـ وإما بدعوى الإثراء بلا سبب، ويكون الرجوع بمقدار ما استفاد المدين الذي يُرجَع عليه (مقدار حصّته في الدين، ونصيبه في حصّة من يُعسر من المدينين المتضامنين).

د ـ رجوع الكفيل على الكفلاء المتعدّدين الذين كفِلوا الدين:

(1) ـ يمكن الرجوع عليهم فيما إذا كانوا جميعاً التزموا كفالة الدين بعقدٍ واحدٍ بشرط أن يكونوا قد كفِلوا الدين نفسه والمدين نفسه وغير متضامنين فيما بينهم، كما يمكن الرجوع عليهم في حال التضامن أو التضامم.

(2) ـ ويمكن الرجوع على الكفيل العيني والحائز للعقار وفقاً لما يلي:

> الرجوع على الكفيل العيني: باعتباره ضامناً كالكفيل الشخصي. وهو كفيل وليس مديناً أصلياً لكنه يتميز من الكفيل الشخصي أنه غير مسؤول عن الدين إلا بمقدار المال المرهون، في حين أن الكفيل الشخصي يُسأل عن كلّ الدين.

> الرجوع على حائز العقار: وحائز العقار هو من تنتقل إليه ملكية عقار رهنه المدين، فإذا وفى الكفيل الدين حلّ محلّ الدائن في الرّهن وحق تتبّع العقار في يد الحائز. ولا يستطيع الحائز الرجوع على الكفيل لأنه حين كفِل كان يعتمد على ضمان العقار المرهون، وبالتالي فإن انتقال الملكية لا يغير من هذا الاعتماد.

خامساًـ انقضاء الكفالة:

تنقضي الكفالة تبعيّاً بانقضاء الدين المكفول، وتنقضي انقضاءً أصليّاً بذاتها من دون انقضاء الدين المكفول. ويمكن استعراض حالتي الانقضاء هاتين على الوجه التالي:

1ـ انقضاء الكفالة بطريق تبعي:

ينقضي الدين المكفول للأسباب العامّة نفسها التي ينقضي بها أيّ دين. ويتبعه في ذلك انقضاء الكفالة باعتبارها التزاماً تابعاً. ويكون انقضاء الدين المكفول بأحد الأسباب التالية:

أ ـ الانقضاء بالوفاء:

قد ينقضي الدين بوفاء المدين ما عليه للدائن فتنقضي الكفالة.

ويقوم العرض الحقيقي والإيداع مقام الوفاء إذا قبله الدائن أو صدر حكمٌ نهائي بصحّته (المادة 337) مدني.

ب ـ انقضاء الدين المكفول بالوفاء بمقابل:

تنصّ المادة (749) مدني على أنه:

"إذا قبل الدائن أن يستوفي في مقابل الدين شيئاً آخر برئت ذمّة الكفيل ولو استحقّ هذا الشيء".

والمُفترض في هذه الحالة أن المدين وفى الدين وذلك بالاستعاضة من الدين الأصلي نقل ملكية شيء آخر إلى الدائن فتبرأ ذمّته وتنقضي الكفالة بطريق تبعي.

ج ـ انقضاء الدين المكفول بالتجديد:

كما في حالة تجديد المدين الأصلي دينه بتغيير أي من العناصر التالية:

الدائن ـ المدين ـ محلّ الدين أو مصدره. فإن الدين ينقضي في هذه الحالة وتنقضي معه الكفالة.

وجديرٌ بالذكر أن التجديد لا يُفترض قانوناً بل يجب الاتفاق عليه صراحة، أو أن يُستخلص بوضوح من خلال الظروف (المادة 352) مدني.

د ـ انقضاء الدين بالمقاصّة:

وتصح هذه الحالة فيما إذا كان للمدين في ذمّة الدائن دينٌ يصلح للمقاصّة مع الدين الثابت في ذمّة المدين، فينقضي الدين المكفول وتنقضي الكفالة تِبعاً لذلك.

هـ ـ انقضاء الدين باتحاد الذمّة:

كأنْ يرِث المدين الدائن، ويصبح دائناً لنفسه وينقضي الدين لاتحاد الذمّة، وتنقضي الكفالة تِبعاً لذلك.

و ـ انقضاء الدين المكفول بالإبراء:

كأن يُبرئ الدائن المدين من الدين، فينقضي الدين، وتنقضي الكفالة تِبعاً له.

 ومن المفيد ذِكر أن الإبراء يتمّ بإرادةٍ واحدةٍ من جانب الدائن على ما هو عليه نصّ المادة (369) مدني، الذي جاء فيه:

"ينقضي الالتزام إذا أبرأ الدائن مدينه مختاراً، ويتمّ الإبراء متى وصل إلى علم المدين ويرتدّ بردّه".

كما تسري على الإبراء أحكام التبرّع.

ز ـ انقضاء الدين المكفول باستحالة التنفيذ:

فإذا استحال تنفيذ الدين بسبب أجنبي فانقضى وبرئت ذمّة المدين انقضت الكفالة.

ويجدر الذكر هنا أن من الضرورة أن تكون استحالة التنفيذ لسبب أجنبي، فإذا استحال التنفيذ بخطأ من المدين فإن محلّ الدين يتحوّل إلى تعويض فلا تبرأ ذمّة المدين ولا تنقضي كفالة الكفيل.

ح ـ انقضاء الدين المكفول بالتقادم:

فإذا انقضى الدين المكفول بالتقادم انقضت الكفالة بانقضائه. ولكن إذا انقضى الدين الأصلي بالتقادم من دون انقضاء التزام الكفيل الذي قد تكون كفالته نشأت بعد الدين الأصلي، أو إذا حدّد الكفيل بإرادته أجلاً للكفالة أبعد من أجَل الدين الأصلي فإن الدين الأصلي يتقادم من دون التزام الكفيل.

ط ـ انقضاء الكفالة بفسخ الدين المكفول أو بإبطاله:

كما لو ضمِن الكفيل التزام المشتري بدفع الثمن، فيفسخ البيع، فيزول بأثر رجعي، ويزول ـ تِبعاًـ التزام الكفيل بزوال التزام المشتري بدفع الثمن.

وكذلك في حال قابلية الدين المكفول للإبطال، فإذا أبطِل بأثر رجعي زال الدين المكفول ـ تِبعاً له ـ بأثر رجعي.

2ـ انقضاء الكفالة بطريق أصلي:

إن انقضاء الكفالة بطريق أصلي يكون في حالة انقضاء التزام المكفول على نحو أساسي دون الدين المكفول فتنقضي الكفالة. ويكون ذلك في حالتين:

أ ـ انقضاء التزام الكفيل دون الدين المكفول بسبب من أسباب انقضاء الالتزام:

وتنحصر هذه الأسباب في ثلاثة، وهي:

(1) ـ الانقضاء بسبب اتحاد الذمّة: كما لو مات الدائن وورثه الكفيل فتتحد الذمّة وتنقضي الكفالة على نحو أصلي؛ لأن الكفيل يصبح بوراثة الدائن دائناً لنفسه.

(2) ـ الانقضاء بسبب الإبراء: كما لو أبرأ الدائن الكفيل وأبقى دينه الأصلي على المدين. ونقيض هذا غير جائز قانونياً كما لو أبرأ الدائن ذمّة المدين الأصلي وأبقى على كفالة الكفيل.

(3) ـ الانقضاء لعلة التقادم: فالأصل أن يسري التقادم في آنٍ واحد على المدين والكفيل، ولكن قد يحدث أن ينقضي التزام الكفيل من دون انقضاء الالتزام الأصلي الذي يبقى قائماً، وقد يقف التقادم بالنسبة للمدين الأصلي لكنه لا يقف بالنسبة للكفيل فينقضي التزام هذا الأخير (الكفيل) قبل انقضاء التزام المدين الأصلي.

ب ـ أسباب الانقضاء الخاصّة بالكفالة:

قد تنقضي الكفالة بأسباب خاصّة بها دون غيرها أيضاً في حالاتٍ ثلاث وهي:

(1) ـ براءة ذمّة الكفيل بقدر ما أضاع الدائن من ضمانات:

وهذا ما نصّت عليه المادة (750/1) من القانون المدني. وتقوم هذه البراءة على أن الدائن قد تسبّب بخطئه في جعل التزام الكفيل في ضماناته مستحيلاً، كأن يُبرئ ـ مثلاًـ ذمّة أحد الكفلاء المتعدّدين، أو أن ينزل عن رهنٍ ترتب لمصلحته.

وقد حدّدت  المادة ذاتها (750/2 مدني)، الضمانات بأنها كل تأمين يُخصّص لضمان الدين ولو تقرّر بعد الكفالة، وكلّ تأمين مقرّر بحكم القانون.

(2) ـ براءة ذمّة الكفيل لإهمال الدائن أو تأخره في اتخاذ إجراءات ضدّ المدين: والنصّ ليس على إطلاقه كما ورد في العنوان، إذ إنه وبموجب المادة (751) مدني لا تبرأ ذمّة الكفيل لمجرّد أن الدائن تأخر في اتخاذ الإجراءات أو لمجرّد أنه لم يتخذها، لكنها تبرأ إذا لم يقم باتخاذ هذه الإجراءات ضدّ المدين خلال ستة أشهر من إنذار الكفيل له (للدائن) ما لم يقدّم المدين للكفيل ضماناً كافياً.

(3) ـ عدم تقدّم الدائن في تفليسة المدين: فعلى الدائن أن يتقدّم بدينه في تفليسة المدين، وإلا سقط حقه في الرّجوع على الكفيل بقدر ما أصاب الكفيل من ضرر وبسبب إهمال الدائن (المادة 752) مدني.

ويرى بعض الفقهاء أن الشيء ذاته يُطبّق في حالة إعسار المدين مع أن المادة (752) السالفة الذكر لم تأتِ على موضوع الإعسار ويُعزى عدم ذكر الإعسار، إلى أن المطالبة في حالة الإفلاس هي تطبيقٌ للقواعد العامّة من حيث إلزام الدائن بمطالبة المدين في الوقت المناسب.

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ السنهوري، الوسيط ـ ج 10.

ـ أنور طلبة، التعليق على نصوص القانون المدني ـ ج 2.

ـ مصطفى الزرقاء، المدخل إلى نظرية الالتزام العامة في الفقه الإسلامي ـ ج 3 (طبعة 1965).

ـ شفيق طعمة، التقنين المدني السوري ـ ج 6.


التصنيف : القانون الخاص
النوع : القانون الخاص
المجلد: المجلد الخامس: طرق الطعن في الأحكام الإدارية ــ علم العقاب
رقم الصفحة ضمن المجلد : 476
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 568
الكل : 31530318
اليوم : 46723