logo

logo

logo

logo

logo

عقد الهبة

عقد هبه

donation contract - contract du don

 عقد الهبة

عقد الهبة

ياسر عياش

مفهوم عقد الهبة وتعريفه

أركان عقد الهبة

 آثار الهبة

الرجوع في الهبة

 

أولاًـ مفهوم عقد الهبة وتعريفه:

يعدّ عقد الهبة من العقود المسـماة، وهو من عقود التبرع، وفيه تتجلى أسمى وأرفع النزعات الإنسانية في فعل الخير وحب العطاء والتضحية، والذي يهدف من خلاله إلى الإحسـان وتمتين روابط المحبة بين الناس، وهذا مقصد من مقاصد الشـريعة الإسـلامية، فقد قال الله عز وجل في كتابـه العزيز }إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْـوَةٌ{ (الحجرات 10). وبذلك يكــون المجتمع متراحماً، يشـعر الفرد بالأخـوَّة والرحمة، لا بالغربة والقسوة، ويعمل فيه لإيثار الغير عليه لا إيثار نفسه، لأن التراحم والتعاطف والتواد في المجتمع قَوَامُ بقائه واستمراره.

وقد تكون الهبة بعوض، بقصد تحقيق غرض آخر لدى الواهب. إذ كثيراً ما يكون الواهب قد تسرع بالهبة، فيفاجأ بعد ذلك بخسرانه المال الموهوب، أو تتبدل حال الواهب كأن يفتقر بعد غنى، فيندم أو يتراجع عما أقدم عليه.

وقد درس فقهاء الشريعة الإسلامية ورجال القانون الهبة بعناية فائقة والنواحي التي تتجلى فيها خاصية هذا العقد من التراحم والتواد، والنواحي التي عُرِفت بها الحضارة الإسلامية والعربية، وبحثوا في أركانها وشروطها وجواز الرجوع فيها والأعذار والموانع التي تجيز الرجوع فيها أولا تجيز ذلك.

والقانون المدني السوري سدَّ كلَّ الثغرات التي يمكن أن تنشأ من هذا العقد حفاظاً على حقوق الواهب والموهوب له، فأورد أحكام عقد الهبة في الفصل الثالث من الباب الأول من الكتاب الثاني من القانون المدني في المواد (454 حتى 472) منه.

1ـ تعريف عقد الهبة: تطلق الهبة في اللغة على التبرع والتفضل على الغير ولو بغير مال، أي بما ينتفع به الموهوب له مطلقاً، سواء كان مالاً أو غير مال. قال الله تعالى في كتابه العزيز }فهَبْ لي مِنْ لَدُنْكَ ولِياً{ (مريم 5).

والهبة في الاصطلاح الشرعي: عقد يفيد التملك بلا عوض تطوعاً، أو تمليك المال في الحال مجاناً. وعرفها آخرون بأنها عقد موضوعه تمليك الإنسان ماله لغيره في الحياة بلا عوض.

أما قانوناً: فقد أوردت المادة (454) من القانون المدني تعريفاً لعقد الهبة بقولها "1ـ الهبة عقد يتصرف بمقتضاه الواهب في مال له دون عوض 2ـ ويجوز للواهب، دون أن يتجرد عن نية التبرع، أن يفرض على الموهوب له القيام بالتزام معين". وبذلك يتكون عقد الهبة من عنصرين اثنين: عنصر مادي وهو تصرف الواهب في مال له من دون عوض، وعنصر معنوي وهو نية التبرع.

وبهذا التعريف تختلف الهبة عن غيرهـا من أعمال التبرعات، كعاريّة الاستعمال والوديعة بلا مقابل. فهي تشترك مع سائر التبرعات في أنها تجعل الموهوب له يثري من دون عوض، وإنها تقترن بنية التبرع، ولكنها تنفرد بأنها من أعمال التصرف ولا تنتفي نية التبرع إن اشترط الواهب عوضاً لهبته.

2ـ أنواع الهبات: للهبة أنواع عدة يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أنواع:

أ ـ حسب طبيعة الشيء الموهوب: تنقسم إلى هبة عقار وهبة منقول.

ب ـ حسب كونها مباشرة أو غير مباشرة: تنقسم إلى ثلاثة أنواع:

(1)ـ الهبة المباشرة: وهي تصرف الواهب في ماله للموهوب له على سبيل التبرع. فالذي يميز الهبة المباشرة أنها تصرف مباشر في المال، إما بنقل حق عيني للموهوب له، وإما بإنشاء التزام شخصي في ذمته للموهوب له. كما لو وهب شخص لآخر سيارة بلا مقابل على سبيل التبرع، يكون قد نقل له حقاً عينياً هو حق الملكية على السيارة، فتكون الهبة مباشرة. أو التزم له بمبلغ من النقود على سبيل التبرع، فإنه يكون قد التزم له بحق شخصي هو إعطاء شيء، فتكون الهبة مباشرة أيضاً. وهذه الهبة يجب إفراغها في الشكل الواجب القانوني للهبة.

(2)ـ الهبة غير المباشرة: إذ يكسب الموهوب له حقاً عينياً أو شخصياً بلا مقابل على سبيل التبرع عن طريق الواهب، ويكون من دون أن ينتقل إليه هذا الحق مباشرة من الواهب، كأن يتنازل صاحب حق الانتفاع أو الارتفاق عن حقه لمالك الرقبة.

(3)ـ الهبة المستترة: وهي الهبة التي وضعت تحت مظهر عقد آخر من عقود المعاوضة، كأن يوصف العقد بأنه بيع أو إيجار ولا يدفع أي ثمن أو أجرة، أو إذا أعيد الثمن لمن دفعه، أو أن يكون الثمن قد دفع ولكنه حدد قصداً بأقل بكثير من الثمن العادي.

ويجب أن تتوافر في الهبات المستترة الشروط التالية: وجود عقد ساتر ويكفي فيه المحرر العرفي، وتوافر جميع شروط العقد الساتر، وتوافر سائر شروط الهبة.

وتتميز الهبة المستترة من الهبة غير المباشرة بأن الهبة المستترة هبة مباشرة، لأن الواهب ينقل فيها إلى الموهوب له حقاً عينياً أو يلتزم له بحق شخصي. إضافة إلى أن الهبة المستترة ظاهرها غير حقيقتها، فهي في حقيقتها هبة ولكنها تظهر تحت اسم عقد آخر، أما الهبة غير المباشرة فظاهرها كحقيقتها فهي هبة في الحقيقة وفي الظاهر.

يضاف إلى ذلك أن الهبة المباشرة قد أعفيت من الشكل بخلاف الهبة المستترة، فهي هبة غير مباشرة ومن ثم تخضع لشكل الهبة. ولكن القانون أعفاها من هذا الشكل وفق ما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة (456) من القانون المدني التي تعفي الهبة التي تتم تحت ستار عقد آخر، أي الهبة المستترة، من الشكلية، سواء كانت هبة عقار أم هبة منقول. ومن ثم تتم هبة المنقول من دون حاجة إلى ورقة رسمية ومن دون حاجة إلى القبض، إذا كانت هبة مستترة.

ج ـ حسب درجة القرابة بين الواهب والموهوب له:

(1)ـ الهبة لذي رحم محرم، كهبة شخص لأبويه أو أعمامه أو أخواله.

(2)ـ الهبة بين الزوجين، كهبة الزوج لزوجته أو العكس.

(3)ـ الهبة لمحرم غير ذي رحم، كالهبة لأم الزوجة.

(4)ـ الهبة لذي رحم غير محرم، كالهبة لأولاد الأعمام والعمات والأخوال.

(5)ـ الهبة لأجنبي، كالهبة لشخص آخر لا تربطه بالواهب صلة قرابة.

3ـ مقومات الهبة: للهبة مقومات أربعة هي:

أ ـ الهبة عقد بين الأحياء: فالهبة عقد لا بد فيه من إيجاب وقبول متطابقين، ولا تنعقد الهبة بإرادة الواهب المنفردة. وهذا الذي يميز الهبة من الوصية. لأن الوصية تنعقد بإرادة الموصي المنفردة ويجوز لهذا الأخير أن يرجع فيها ما دام حياً، فلا تنتج الوصية أثرها إلا عند موته. أما رضاء الموصى له بالوصية بعد موت الموصي فليس قبولاً لإيجاب من الموصي، بل هو تثبيت لحق الموصى له في الموصى به حتى لا يكسب حقاً بغير رضائه. ويقطع في ذلك أن الموصى له يكسب الموصى به لا من وقت قبوله لوصية بل من وقت موت الموصي.

ب ـ الواهب يتصرف بمال له: ذلك أن الهبة تدخل في عموم عقود التبرع، وتدخل معها عقود أخرى كالعاريّة والوديعة بغير أجر والوكالة بغير أجر. وتتخصص الهبة في أن الواهب يلتزم بإعطاء شيء. أما في العقود الأخرى فالمتبرع يلتزم بعمل أو بالامتناع عن عمل.

فالواهب إذن يتصرف في مال له من دون عوض، ومعنى ذلك في الأصل أنه يلتزم بنقل حق عيني إلى الموهوب له. ويتحقق هذا بالتصرف مباشرة في المال، فينقل الواهب إلى الموهوب له ملكية عقار أو منقول. وليس من الضروري أن يكون الحق الموهوب هو حق الملكية في العقار أو المنقول، بل يجوز أن يكون حق انتفاع أو حق الارتفاق أو غير ذلك من الحقوق العينية الأصلية المتفرعة عن الملكية. وقد يكون معنى ذلك أيضاً أن يلتزم الواهب للموهوب له بحق شخصي هو إعطاء شيء، فيجوز أن تتحقق الهبة لا عن طريق الالتزام بنقل حق عيني، بل بطريق الالتزام بحق شخصي، كأن يلتزم الواهب للموهوب له بمبلغ من النقود، وهذا تصرف غير مباشر في المال، إذ هو إنقاص من مجموع ذمة الواهب.

ج ـ بلا عوض: إن التزام الواهب يجب أن لا يقابلـه أي عوض. لأن الهبة وفـق المادة (454) من القانون المدني هي تصرف في المال بلا عوض. فهي افتقار للواهب وإثراء للموهوب له، وقد ترتب هذا الإثراء على ذلك الافتقار، ولكنه ليس إثراء بلا سبب، فلا يستطيع الواهب أن يسترد الهبة إلا في الأحوال التي يجوز الرجوع فيها، إذ الإثراءُ هنا سببه عقد الهبة.

وليس ما يمنع أن تكون الهبة بلا عوض من الهبات المتبادلة. فقد يهب شخص شخصاً آخر شيئاً، ثم يهب الموهوب له شيئاً للواهب، فتكون الهبتان متبادلتين. وتكون كل منهما بلا عوض، لأن كلاً من الهبتين ليست عوضاً عن الهبة الأخرى، بل كل واهب قد وهب بنية التبرع غير ناظر إلى الهبة الأخرى على أنها عوض عن هبته. وينطبق ذلك أيضاً على الهدايا المتبادلة في مناسبات معينة، كالأفراح وحفلات أعياد الميلاد، فالصديق يقدم هدية لصديقه في إحدى هذه المناسبات قاصداً التبرع، ولا ينفي هذه النية عنده أنه يتوقع أن صديقه سيقدم له هدية في مناسبة مقبلة.

وكذلك يكون العقد هبة إذا فرض الواهب على الموهوب له القيام بالتزام لمصلحة الموهوب له نفسه، عملاً بأحكام الفقرة الثانية من المادة 454 من القانون المدني، كأن يهب له مبلغاً من المال ويلزمه إنفاقه على تحصيل العلم. أو أن يكون الالتزام مفروضاً لمصلحة الواهب أو لمصلحة أجنبي أو للمصلحة العامة وفق ما نصت عليه المادة (467) من القانون المدني.

د ـ نية التبرع: لا يكفي لتحقق الهبة أن يتصرف الواهب في ماله من دون عوض، بل لابد من توافر العنصر المعنوي أو القصدي وهو نية التبرع. إذ يجب أن تتجه نيـة الواهب إلى التبرع لا بقصد الوفـاء بالتزام طبيعي، أو بهدف الإثابة على صنيع أو جني منفعة مادية أو معنوية. فقد يتصرف شخص في ماله من دون عوض ولا تكون عنده نية التبرع، كأن يوفي بالتزام طبيعي، فهولا يتبرع وإنما يوفي ديناً، وإن كان لا يجبر على الوفاء به.

ونية التبرع مسألة نفسية، والعبرة فيها بما يقوم في نفس المتبرع وقت التبرع، فإذا كان قصده التضحية من جانبه من دون أن يقصد منفعة، فعندها تتوافر نية التبرع. وإذا كان قصده جني منفعة مادية أو أدبية فتنتفي نية التبرع. وفي الواقع تختلط نية التبرع بركن الرضاء، وتُعرف هذه النية من قبل قاضي الموضوع.

وتنتفي نية التبرع في عطايا المكافآت، وهي العطايا المقدمة للإثابة على خدمة أو صنيع، فمن يعطي خادماً له مبلغاً من المال مكافأة له على إخلاصه في العمل لا يعطيه هبة، ولكنه يفي بالتزام طبيعي. ذلك أن عطايا المكافآت تكـون معاوضة إذا كانت وفاء لالتزام طبيعي. وتنتفي أيضاً نية التبرع في المكافآت السـنوية التي تعطيها الشركات لمستخدميها ولعمالها.

4ـ خصائص عقد الهبة: يتميز عقد الهبة بالخصائص التالية:

أ ـ عقد شكلي: وقد فرضت الشكلية لأن الواهب يتجرد من ماله بلا مقابل، وهذا ضار به وبورثته من بعده، ولخطورة هذا التصرف فقد نبه المشرع إلى خطره عن طريق اقتضاء الرسمية فيه، حتى يتسع الوقت للواهب فيتدبر أمر هذا التصرف ويبقى له الوقت الكافي للمضي فيه أو الرجوع عنه، هذا في هبة العقار. أما عقد هبة المنقول فهو عقد عيني لا ينعقد إلا بالتسليم .

ب ـ عقد ملزم لجانب واحد هو الواهب: فلا يلتزم الموهوب له بشيء إلا إذا اشترط العوض، فتكون الهبة ملزمة للجانبين.

ج ـ عقد تبرع: إذ إن مقومات الهبة نية التبرع. لذلك اشترط المشرع في هبة العقار الشكلية لخطرها، وكذلك اشترط فيها أهلية خاصة وهي أهلية التبرع.

5ـ تمييز عقد الهبة من بعض العقود المشابهة له:  تتشابه الهبة مع الوصية من حيث إنها تمليك بلا عوض، ومع العاريّة في أن كلاً منهما يحصل على فائدة من الآخر بلا مقابل. وعلى الرغم من ذلك فهما يختلفان عن عقد الهبة بالنقاط التالية:

أ ـ تختلف الهبة عن الوصية بالنواحي التالية:

(1)ـ الهبة عقد، ومن ثم تحتاج إلى إرادتين. في حين أن الوصية ليست عقداً وإنما هي تصرف بإرادة منفردة هي إرادة الموصي.

(2)ـ يجب أن تكون الهبة بورقة رسمية إذا كانت واقعة على عقار، بخلاف الوصية التي لا تتطلب الرسمية.

(3)ـ إن ملكية الشيء الموهوب تنتقل إلى الموهوب له حال حياة الواهب، بخلاف الوصية التي لا تنتقل ملكية الموصى به إلى الموصى له إلا بعد وفاة الموصي.

(4)ـ يجوز أن ترد الهبة على جميع أموال الواهب، إلا في حالة مرض الموت، فلا تنفذ إلا بحدود الثلث، أما الوصية فلا تنفذ إلا بحدود ثلث التركة.

(5)ـ لا يجوز الرجوع في الهبة إلا في الأحوال التي نص عليها القانون، في حين يحق للموصي بإرادته المنفردة أن يرجع في وصيته متى شاء ما دام على قيد الحياة.

ب ـ وتختلف عاريّة الاستعمال أو الإعارة عن الهبة في الوجوه التالية:

(1)ـ تُعقد الهبة بقصد التبرع، وذلك بمنح الموهوب له منافع جدية يحرم الواهب نفسه منها. أما في الإعارة فقد لا يقصد المعير التبرع، بل يكون قصده مصلحة لنفسه، كون الباعث على الإعارة في غالب الأحيان للمجاملة وتوثيق أواصر الصداقة.

(2)ـ تتوثق الهبة بورقة رسمية أو بالقبض إذا كان المال الموهوب منقولاً. في حين لم يشترط القانون ذلك في الإعارة، بل يكفي لانعقادها رضاء المتعاقدين.

(3)ـ يترتب على انعقاد الهبة تملك الموهوب له الشيء الموهوب أو منفعته، بخلاف الإعارة التي تقتصر على إباحة الانتفاع بالشيء أو محل الإعارة مؤقتاً دون تملكه.

6ـ إخفاء بعض التصرفات بالهبة: إن الخصائص والمقومات المشار إليها أعلاه كافية وحدها لتمييز عقد الهبة من غيره من العقود، ومع ذلك فقد يلتبس عقد الهبة ببعض العقود فيدق تمييزها.

فقد تستر الهبة وصية، فيعمد الموصي إلى إفراغ وصيته في صورة هبة، ويشترط عادة استبقاء المنفعة، وعدم تصرف الموهوب له في العين الموهوبة. فإذا استخلص القاضي من ظروف التعاقد أن التصرف الحقيقي هو وصية يسترها عقد الهبة، أجرى عليها أحكام الوصية فلا تنفَّذ بغير إجازة الورثة إلا في ثلث التركة.

وقد يستر البيع هبة، وذلك عندما يذكر في العقد ثمن صوري لا ينوي البائع أن يتقاضاه، فيكون العقد في هذه الحالة هبة لا بيعاً، وتجري عليه أحكام الهبة من حيث الموضوع ولكنه يعفى من الرسمية.

وقد يلتبس البيع بالهبة إذا كانت الهبة مقترنة بعوض، فإذا كان العوض أقل من قيمة الموهوب، فالفرق هبة. أما إذا كان العوض يعادل قيمة الموهوب أو يقاربها، فالعقد معاوضة لا هبة، ويكون بيعاً أو مقايضة بحسب طبيعة العوض.

ثانياًـ أركان عقد الهبة:

للهبة أركان ثلاثة كما في سائر العقود وهي: التراضي والمحل والسبب.

1ـ الركن الأول: التراضي: للتراضي في عقد الهبة، شأن سائر العقود، نوعان من الشروط: شروط انعقاد وشروط صحة.

أ ـ شروط الانعقاد من حيث الموضوع والشكل: ويتجلى ذلك في توافق الإيجاب والقبول وشكلية العقد.

(1)ـ تطابق الإيجاب والقبـول في الهبة: نصت المادة (455) من القانـون المدنــي على أنه " لا تتم الهبة إلا إذا قبلها الموهوب له أو نائبه. فإذا كان الواهب هو ولي الموهوب له أو وصيه، ناب عنه في قبول الهبة وقبض الشيء الموهوب". أي يجب لانعقاد الهبة تبادل الرضاء من المتعاقدين. وأن يكون رضاء الموهوب مطابقاً لرضاء الواهب، لأن الهبة وإن كانت تبرعاً، إلا أنها تثقل عنق الموهوب له بالجميل الذي سيطوق عنقه، وتفرض عليه واجبات أدبية نحو الواهب، وقد يرى من مصلحته عدم قبولها، كما إذا استشف من ورائها غايات للواهب لا يحمدها.

وإذا مات الموهوب له أو فقد أهليته قبل أن يصدر منه القبول فلا تتم الهبة، لأن الإيجاب لم يلاق شخصاً يقبله، لأن الهبة أمر خاص بشخص الموهوب له، فلا يحل ورثته محله في القبول.

ولكون الهبة تنعقد بإيجاب وقبول فإنه يجوز للواهب الرجوع عنها قبل قبول الطرف الآخر. وينوب عن الموهوب له في القبول نائبه الذي يمكن أن يكون نائباً نيابة قانونية كالولي، أو أن يكون نائباً نيابة اتفاقية كالوكيل.

وإذا وكل الواهب وكيلاً ليهب مالاً له نيابة عنه، وجب أن تكون الوكالة في سند رسمي. أما إذا وكل الموهوب له وكيلاً ليقبل عنه الهبة فإنه يجب التفرقة بين حالتين:

الحالة الأولى: وهي أن يكون قبول الموهوب له للهبة متصلاً بإيجاب الواهب، فتحرر الورقة الرسمية متضمنة كلاً من الإيجاب والقبول في وقت واحد.

الحالة الثانية: وهي أن ينفصل الإيجاب عن القبول، فيوجب الواهب الهبة في وقت ويرسل إيجابه إلى الموهوب له، فيقبل الموهوب له الهبة في وقت آخر، فيجوز قبول الهبة في ورقة عرفية، بل يمكن أن يتم باللفظ أو حتى بمجرد السكوت، على أن تسري القواعد العامة في الإثبات. ذلك لأن المشرع قد أغفل صراحة أن يكون القبول بورقة رسمية، إضافة إلى أن القواعد العامة تقضي بأنه إذا تقررت الشكلية لحماية أحد المتعاقدين دون الآخر، فإنه يكفي توافرها في رضاء من تقررت لحمايته.

(2)ـ شكل الهبة: لقد أوجبت المادة (456) من القانون المدني أن تكون الهبة بسند رسمي بقولها: " تكون الهبة بسند رسمي، وإلا وقعت باطلة ما لم تتم تحت ستار عقد آخر ومع ذلك يجوز في المنقول أن تتم الهبة بالقبض، دون حاجة إلى سند رسمي".

يستنتج من ذلك أن هبة العقار لا تكون إلا بسند رسمي، أما هبة المنقول فيمكن أن تتم بسند رسمي أو بالقبض.

وإذا كان القانون قد استغنى في المنقول عن الورقة الرسمية بالقبض، فهذا أثر من الآثار الباقية في إيثار العقار على المنقول، وملاءمة القبض لطبيعة المنقول الذي هو عمل مادي يكفل تنبيه الواهب إلى خطر ما يقدم عليه.

وينبع وجوب الشكلية في عقد الهبة من كونها عقداً خطيراً لا يقع إلا نادراً ولدوافع قوية، وبه يتجرد الواهب من ماله بلا مقابل. فالواهب في أشد الحاجة إلى التأمل والتدبر فيما يقدم عليه، ولاشك أن هذه الشكلية تعينه على ذلك. فالورقة الرسمية بما تتضمنه من إجراءات معقدة وما تستتبعه من جهر وعلانية، وما تستلزمه من وقت وجهد، نافعة كل النفع لحماية الواهب ليتدبر ويتمعن في تصرفه، وليأمن من شر الاندفاع وراء انفعالات عارضة. وهي نافعة لأسـرته لإحاطة ورثته بما قد يُقدم عليه مؤرثهم فيبصِّرونه بمغبة عمله. وهي نافعة أيضاً للموهوب له نفسه، لأن الهبة عقد يسهل الطعن فيه، فخير للموهوب له أن يتسلح بهذه الرسمية للدفاع عن حقه.

وإذا جاز أن يكون القبول المنفصل للهبة في ورقة عرفية، فإن الإيجاب المكتوب في سند رسمي يجب أن يشتمل على جميع عناصر الهبة من مال موهوب وواهب وموهوب له، وكذلك الشروط التي يجب أن يحتويها هذا العقد من عوض والتزامات مفروضة على الموهوب.

وإذا اختل الشكل في عقد الهبة يكون باطـلاً بطلاناً مطلقاً ولا ينتج أي أثر، ويجوز للواهب أن يرفع دعوى البطلان، وأن يتمسك بالبطلان دفعاً في دعوى يرفعها عليه الموهوب له. ويجوز لكل ذي مصلحة أن يتمسك بالبطلان. ولا تصحح الإجازة هذا البطلان في الشكل سواء من الواهب أومن ورثته، ما لم ينفذ الواهب أو ورثته الهبة اختياراً، فلا يجوز لهم في هذه الحالة أن يستردوا ما سلموه إعمالاً لنص المادة (457) من القانون المدني التي نصت على أنه: "إذا قام الواهب أو ورثته مختارين بتنفيذ هبة باطلة لعيب في الشكل، فلا يجوز لهم أن يستردوا ما سلموه".

ب ـ شروط صحة عقد الهبة: وترجع هذه الشروط إلى الأهلية والرضا.

(1)ـ الأهلية في عقد الهبة: يجب التمييز بين أهلية الواهب التي يتشدد القانون فيها لكونها أقوى من أهلية التصرف، لأنه يقوم بعمل ضار به ضرراً محضاً، وبين أهلية الموهوب له التي لا يشـترط فيها أهلية التصرف بل يكفي فيه التمييز، لأنه يقوم بعمل نافع له نفعاً محضاً.

أما أهلية الواهب، فإن كل هبة تصدر من الصبي غير المميز ـ وهو الذي لم يبلغ السابعة من العمرـ أو المجنون أو المعتوه، تكون باطلة ولا تلحقها الإجازة لانتفاء الإرادة عندهم إعمالاً لنص المادة (111) من القانون المدني التي نصت على أنه "ليس للصغير غير المميز حق التصرف في ماله، وتكون جميع تصرفاته باطلة". وكذلك ما نصت عليه المادة (115) من القانون المدني التي نصت على أنه "1ـ يقع باطلاً تصرف المجنون والمعتوه إذا صدر التصرف بعد شهر قرار الحجر 2ـ أما إذا صدر التصرف قبل شهر قرار الحجر فلا يكون باطلاً، إلا إذا كانت حالة الجنون أوالعته شائعة وقت التعاقد، أو كان الطرف الآخر على بينة منها".

أما الصبي المميز والسفيه وذو الغفلة، فإن كل هبة تصدر منهم تكون باطلة لأنهم لا يملكون أهلية التبرع تطبيقاً لما جاء في الفقرة الأولى من المادة (112) من القانون المدني التي نصت على أنه " إذا كان الصبي مميزاً كانت تصرفاته المالية صحيحة متى كانت نافعة نفعاً محضاً، وباطلة متى كانت ضارة ضرراً محضاً"، ولما جاء في المادة (116) من القانون المدني  " إذا صدر تصرف من ذي الغفلة أومن السفيه بعد شهر قرار الحجر، سرى على هذا التصرف ما يسري على تصرفات الصبي المميز من أحكام. أما التصرف الصادر قبل شهر قرار الحجر فلا يكون باطلاً أو قابلاً للإبطال، إلا إذا كان نتيجة استغلال أو تواطؤ". ولكون هبة هؤلاء باطلة فإنها لا ترد عليها الإجازة سواء صدرت هذه الإجازة من الولي أو الوصي أو القيم أو صدرت من المحكمة. 

وتتوافر أهلية التبرع لمن بلغ سن الرشد، وهي ثماني عشرة سنة، ويستطيع عندئذ أن يهب بعض ماله أو كله لمن أراد وشاء. وإذا صدرت الهبة منه وهو في مرض الموت فيكون لها عندئذ حكم الوصية، ولا تجوز إلا في ثلث التركة للوارث ولغير الوارث.

وإذا كان البالغ الراشد أصم أبكم، أو أعمى أصم، أو أعمى أبكم، جاز للمحكمة أن تعين له مساعداً قضائياً يعاونه في التصرفات التي تقتضيها مصلحته، وكل تصرف بعد شهر قرار المساعدة دون المساعد القضائي يعتبر قابلاً للإبطال.

وأما أهلية الموهوب له، فإنه إذا كان الموهوب له جنيناً فإن الهبة له باطلة، لأن الهبة إيجاب وقبول، والجنين لا يقدر على القبول وليس له ولي يقبل عنه.

وبما أنه يكفي في الموهوب له التمييز ليكون أهلاً لقبول الهبة، ولكون الصبي غير المميز أو المجنون أو المعتوه لا أهلية قبول لهم بأنفسهم، فإنه يقبلها عنهم الولي أو الوصي أو القيم عليه عملاً بأحكام الفقرة الثانية من المادة (455) من القانون المدني سالفة الذكر.

أما إذا كان الموهوب له صبياً مميزاً أو سفيهاً أو ذي غفلة، فإنه قد استوفى بالتمييز أهليته لقبول الهبة، وجاز له أن يقبلها وحـده وأن يقبضها، من دون إذن الولـي أو الوصي أو القيم ومن دون إذن المحكمة، لأنها نافعة له نفعاً محضاً.

أما البالغ الراشد فله أهلية قبول الهبة من دون إذن أحد، حتى لو كانت مقترنة بشروط أو التزامات. وإذا كان غائباً قبلها عنه وكيله، أو محكوماً بعقوبة جنائية قبلها عنه القيم، أو إذا كان من ذوي الاحتياجات الخاصـة كالصمم والبكم فإنه يقبلها بمعاونة المساعد القضائي.

(2)ـ عيوب الرضا في عقد الهبة: إن عيوب الرضا في عقد الهبة هي عيوبه في أي عقد آخر، فيعيب إرادة المتعاقديـن وإرادة الواهب بوجه خاص، أن تكون مشـوبة بغلط أو تدليـس أو إكراه أو بالغبن الاستغلالي.

2ـ الركن الثاني: المحل: إن محل الهبة غالباً هو الشيء الموهوب، وقد يكون لها محل آخر هو العوض.

أ ـ الشيء الموهوب: يسري على الشيء الموهوب ما يسري على محل العقد بوجه عام. فيجب أن يكون موجوداً، وأن يكون معيناً أو قابلاً للتعيين، وأن يكون صالحاً للتعامل فيه، فلا يجوز هبة ما هو مخالف للنظام العام أو الآداب العامة. ولتوضيح ذلك لا بد من الإشارة إلى الهبات التالية:

(1)ـ الوعد بالهبة: لقد اشترطت المادة (458) من القانون المدني لصحة الوعد بالهبة وجود ورقة رسمية بقولها: "الوعد بالهبة لا ينعقد إلا إذا كان بسند رسمي".

(2)ـ الهبة المستقبلية: لقد أجاز القانون من حيث المبدأ التعامل في المال المستقبل وفق ما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة (132) من القانون المدني. إلا أن القانون ولاعتبارات خاصة قد يحرم ضروباً من التعامل في الشيء المستقبل كتحريمه التعامل في التركة المستقبلية وتحريمه هبة المال المستقبل وعلى هذا نصت المادة (460) من القانون المدني التي جاء فيها: "تقع هبة الأموال المستقبلية باطلة".

ومن ثم فإن الهبة المستقبلية باطلة بطلاناً مطلقاً، ولا تلحقها الإجازة، ولا يرد عليها التقادم، ويجوز لكل ذي مصلحة أن يتمسك بالبطلان، ويجوز للقاضي أن يحكم به من تلقاء نفسه. والسبب في ذلك يرجع إلى ما تنطوي عليه هبة المال المستقبل من خطر، فإن الواهب يندفع إلى هبة مال مستقبل أكثر مما يندفع إلى هبة مال حاضر، فأراد المشرع أن يحميه من هذا الاندفاع بإبطال هبته.

(3)ـ الهبة المضافة: وهي الهبة في أجل معين ولمال معين موجودٍ وقت الوعد بالهبة. كالقول مثلاً: وهبتك مزرعتي في بداية العام القادم. ولا توجد في القانون السوري أي مادة تشير إليها مما يقطع عدم صحتها وبطلانها، مع أن مجلة الأحكام العدلية الملغاة قد نصت صراحة في المادة (854) منها على اعتبارها باطلة.

(4)ـ هبة أموال الغير: نصت المادة (459) من القانون المدني على ما يلي: "إذا وردت الهبة على شيء معين بالذات، غير مملوك للواهب، ســرت عليها أحكـام المادتين 434 و435".

لقد أحالت المادة المذكورة أحكام هبة مال الغير إلى النصوص والقواعد القانونية التي تحكم بيع ملك الغير المنصوص عليها في المادتين (434) و(435) من القانون المدني، والتي تقضي بأنه إذا باع شخص شيئاً معيناً بالذات وهولا يملكه جاز للمشتري أن يطلب إبطال البيع، وفي كل الأحوال لا يسري هذا البيع في حق المالك للعين المبيعة إلا إذا أقر المالك ذلك البيع.

ومقتضى ذلك أن للموهوب له وحده أن يطلب إبطال الهبة، حتى قبل أن يتعرض له المالك الحقيقي. ويكون له مصلحة في هذا الإبطال إذا كانت الهبة بعوض أو مقترنة بالتزامات فرضت عليه. كما يجوز له أن يطالب بتعويض عما أصابه من الضرر بسبب إبطال الهبة إذا كان الواهب قد تعمد إخفاء أن الشيء الموهوب مملوك للغير أو كانت الهبة بعوض.

أما الواهب فلا يجوز له إبطال الهبة الصادرة منه، لأن الهبة ليست باطلة بطلاناً مطلقاً، بل هي قابلة للإبطال لمصلحة الموهوب له وحده.

وللموهوب له أن يجيز الهبة فتنقلب صحيحة، ولكن ذلك لا يعني إنها تنقل ملكية الموهوب إلى الموهوب له، لأن المالك الحقيقي لم يجز الهبة وهو أجنبي عنها، فلا تنتقل الملكية منه إلا برضائه.

وكذلك تنتقل الهبة صحيحة إذا آلت ملكية المال الموهوب إلى الواهب بعد صدور الهبة، وفي هذه الحالة تنتقل الملكية من الواهب إلى الموهوب له.

(5)ـ هبة المريض مرض الموت: من الرجوع إلى القواعد العامة يتضح أن هبة المريض مرض الموت حكمها حكم الوصية عملاً بأحكام الفقرة الأولى من المادة (877) من القانون المدني التي نصت على إن: "كل عمل قانوني يصدر من شخص في مرض الموت ويكون مقصودا به التبرع، يعتبر تصرفاً مضافاً إلى ما بعد الموت، وتسري عليه أحكام الوصية أياً كانت التسمية التي تعطى لهذا التصرف" ومفاد ذلك أنه إذا كانت قيمة الموهوب لا تزيد على ثلث التركة صحت الهبة، سواء أكانت لوارث أم لغير وارث، وإذا تجاوزت الثلث لم تنفذ في حق الورثة بغير إجازتهم.

(6)ـ هبة المال الشائع: وتسـري عليها القواعد العامة الواردة في التصرف في المال الشائع والمنصوص عليها في المادة (781) من القانون المدني بقولها: "1ـ كل شريك في الشيوع يملك حصته ملكا تاماً، وله أن يتصرف فيها وأن يستولي على ثمارها وأن يستعملها بحيث لا يلحق الضرر بحقوق سائر الشركاء 2ـ وإذا كان التصرف منصباً على جزء مفرز من المال الشـائع ولم يقم هذا الجزء عند القسمة في نصيب المتصرف، انتقل حق المتصرف إليه من وقت التصرف إلى الجزء الذي آل إلى المتصرف بطريق القسمة. وللمتصرف إليه، إذا كان يجهل أن المتصرف لا يملك العين المتصرف فيها مفرزة، الحق في إبطال التصرف".

فهذه المادة أجازت للمالك على الشيوع أن يتصرف في ماله الشائع بالبيع أو الهبة. وتنتقل ملكية الحصة الشائعة للموهوب له ويصبح خلفاً خاصاً للواهب ويحل محله في الجزء الشائع. أما إذا وهب المالك على الشيوع جزءاً مفرزاً من المال الشائع قبل قسمة هذا المال ثم وقع هذا الجزء المفرز في حصته فإن الهبة صحيحة. أما إذا لم يقع الجزء المفرز الموهوب في نصيب الواهب عند القسمة، ووقع بدله جزء آخر، تحول حق الموهوب له بحكم الحلول العيني إلى الجزء المفرز الذي وقع في نصيب الواهب. وإذا كان الموهوب له جاهلاً بأن الواهب يملك على الشيوع، فمن حقه إبطال الهبة لأنه وقع في غلط جوهري.

ب ـ العوض: قد يشترط الواهب على الموهوب له عوضاً يؤديه في مقابل الهبة، وقد يكون العوض لمصلحة الواهب، وقد يكون لمصلحة أجنبي أو للمصلحة العامة عملاً بأحكام المادة (465) من القانون المدني. فإذا قام الواهب بتنفيذ الالتزامات التي يفرضها عليه عقد الهبة، كان له الحق مطالبة الموهوب له بأداء العوض المشترط، سواء كان العوض مشترطاً لمصلحة الواهب أم لمصلحة أجنبي أم للمصلحة العامة، وينتقل هذا الحق من الواهب إلى ورثته.

وأياً كان الالتزام الذي يشتمل عليه المقابل، فإن محله يجب أن تتوافر فيه الشروط العامة الواجب توافرها في محل الالتزام. إذ يجب أن يكون المحل موجوداً إذا كان متعلقاً بشيء معين بالذات أو ممكناً أو إذا كان عملاً أو امتناعاً عن عمل، وأن يكون معيناً أو قابلاً للتعيين، وأن يكون صالحاً للتعامل فيه، وأن يكون غير مخالف للنظام العام أو الآداب العامة، وأن تكون القيمة المادية للمقابل أقل من قيمة الشيء الموهوب حتى تبقى للهبة صفتها تبرعاً وإلا كانت عقد معاوضة.

3ـ الركن الثالث: السبب: أي الباعث الدافع للواهب على الهبة. إذ يجب أن يكون هذا الباعث مشروعاً، وإذا لم يكن الباعث مشروعاً كانت الهبة باطلة بطلاناً مطلقاً بشرط أن يكون الموهوب له يعلم أو بمقدوره أن يعلم بهذا الباعث غير المشـروع. ومن أمثلة عدم مشروعية السبب في الهبة، إذا كان الباعث لتبرع خليل إلى خليلته هو إيجاد علاقة غير شرعية بينهما أو استدامتها أو تجديدها، كانت الهبة باطلة لعدم مشروعية السبب. أما إذا كان الباعث هو تعويض الخليلة عما أصابها من الضرر بسبب المعاشرة غير الشرعية بعد أن انقطعت، فالباعث يكون مشروعاً والهبة تكون صحيحة.

أما إذا اقترنت الهبة بشرط مستحيل أو غير مشروع، فإن الهبة تكون صحيحة ويلغى الشرط إلا إذا كان هذا الشرط هو السبب الدافع للهبة، فتكون عندئذ الهبة كلها باطلة. كأن يهب شخص لآخر داراً، ويقرن الهبة بشرط أن يرتب الموهوب له إيراداً لشخص آخر مدى حياة هذا الشخص، ثم يتبين أن هذا الشخص قد توفي قبل صدور الهبة. فإذا كان هذا الشرط هو الباعث للواهب على أن يتبرع بالدار للموهوب له تبطل الهبة كلها لانعدام السبب ويسترد الواهب الدار من الموهوب له. أما إذا كان الشرط ليس هو الباعث والدافع على التبرع، وثبت أن الواهب كان يهب الدار حتى لو تبين أن الشرط مستحيل، فإن الهبة تبقى صحيحة ويلغى الشرط وحده.

ومثل الهبة المقترنة بشرط غير مشروع، أن يهب شخص مالاً لمطلقته ويشترط عليها عدم الزواج. فإن كان هذا الشرط غير المشروع هو الباعث والدافع للواهب على التبرع، ألغي الشـرط وبطلت الهبة معه، وإن لم يكن هو الباعث والدافع إلى التبرع، ألغي الشرط وبقيت الهبة.

وإذا اشترط الواهب على الموهوب له ألا يتصرف في الشيء الموهوب، فإن شرط عدم التصرف لا يكون صحيحاً إلا إذا كان مبنياً على باعث مشروع ومقصوراً على مدة معقولـة وفق ما نصت عليه المادة (778) من القانون المدني بقولها: "1ـ إذا تضمن العقد أو الوصية شرطاً يقضي بمنع التصرف في مال فلا يصح هذا الشرط ما لم يكن مبنياً على باعث مشروع، ومقصوراً على مدة معقولة 2ـ ويكون الباعث مشروعا ً، متى كان المراد بالمنع من التصرف حماية مصلحة مشروعة للمتصرف، أو للمتصرف إليه أو الغير 3ـ والمدة المعقولة يجوز أن تستغرق مدى حياة المتصرف أو للمتصرف إليه أو الغير".

 وكذلك المادة (779) من القانون المدني التي نصت على أنه: "إذا كان شرط المنع من التصرف الوارد في العقد أو الوصية صحيحاً طبقاً لأحكام المادة السابقة، فكل تصرف مخالف له يقع باطلاً".

ثالثاًـ آثار الهبة:

الأصل في عقد الهبة أنه عقد ملزم لجانب واحد، هو الواهب، إلا إذا اشترط الواهب لهبته عوضاً، فتكون الهبة ملزمة للجانبين، ووجدت التزامات متقابلة في جانب الموهوب له.

1ـ التزامات الواهب: إن التزامات الواهب كالتزامات البائع وهي:

أ ـ نقل ملكية الشيء الموهوب إلى الموهوب له: إذا كان الشيء الموهوب منقولاً، وكان هذا المنقول معيناً بالذات، فتنتقل ملكيته إلى الموهوب له فوراً بمجرد تمام الهبة وقبل القبض، سواء تمت الهبة بورقة رسمية أو كانت هبة مستترة. أما إذا كانت هبة يدوية وهي أن يلجأ المتعاقدان إلى القبض في إبرام هبة المنقول، فتتم الهبة وتنتقل الملكية في الوقت ذاته إلى الموهوب له بالقبض. وإذا كان المنقول غير معين إلا بالنوع، فإذا كانت الهبة يدوية تمت بالقبض وتنتقل الملكية بمجرد تمام القبض. أما إذا وثقت الهبة في ورقة رسمية، فتنتقل ملكية الموهوب بالإفراز ولو قبل القبض.

أما إذا كان الشيء الموهوب عقاراً، فسواء وثقت الهبة بورقة رسمية أو كانت هبة مستترة، فإن ملكية العقار لا تنتقل إلا بتسجيل عقد الهبة في السجل العقاري وفق ما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة (825) من القانون المدني بقولها: "تكتسب الحقوق العينية وتنتقل بتسجيلها في السجل العقاري".

ب ـ تسليم الشيء الموهوب للموهوب له: نصت المادة (461) من القانون المدني على أنه: "إذا لم يكن الموهوب له قد تسلم الشيء الموهوب، فإن الواهب يلتزم بتسليمه إياه، وتسري في ذلك الأحكام المتعلقة بتسليم المبيع".

إذ يلتزم الواهب بالمحافظة على الشيء الموهوب وتسليمه إلى الموهوب له بالحالة التي كان عليها وقت صدور الهبة، وبالمقدار الذي عين في العقد، وبالملحقات التي تتبعه وكل ما أعد بصفة دائمة لاستعماله، كما يشمل الثمرات التي ينتجها من وقت العقد.

والالتزام بتسليم الموهوب في الحالة التي كان عليها وقت صدور الهبة ليس من النظام العام، إذ يجوز للواهب أن يشترط تسليم الموهوب بالحالة التي يكون عليها وقت التسليم.

ويكون التسليم بوضع الموهوب تحت تصرف الموهوب له في الزمان والمكان المعينين، بحيث يتمكن الموهوب له من حيازته ولو لم يتم الاستيلاء عليه استيلاء مادياً ما دام الواهب قد أعلمه بذلك عملاً بأحكام المادة 403 من القانون المدني.

وقد يكون التسليم فعلياً وهو التسليم الذي يتم على النحو الذي يتفق مع طبيعة الشيء الموهوب. وقد يكون التسليم حكمياً، كأن يكون الشيء الموهوب في حيازة الموهوب له قبل الهبة على سبيل الإجارة أو الوديعة ثم تنتقل ملكيته إليه، وهذا التسليم الحكمي يقوم مقام التسليم الفعلي

والأصل في وقت تسليم الموهوب أن يتم بمجرد تمام الهبة ما لم يتفق المتعاقدان على وقت معين للتسليم، وإلا ما يقتضيه العرف في هذه الحالة أو ما تقتضيه طبيعة الشيء الموهوب.

ويكون مكان التسليم هو مكان وجود الموهوب وقت الهبة ما لم يتم الاتفاق على غير ذلك، وتكون نفقات التسليم على الواهب لأنه هو المدين بالتسليم، ما لم يتم الاتفاق على غير ذلك أو يستخلص من ظروف الهبة.

وقد أعفت المادة (462) من القانون المدني الواهب من مسؤولية تغيير حالة الموهوب أو نقصه أو هلاكه، إذا لم يكن ذلك ناتجاً من تعمده أو خطئه الجسيم، وإلا كان ملزماً بدفع تعويض عادل للموهوب له.

وإذا أخل الواهب بالتزامه بتسليم الشيء الموهوب، كان للموهوب له أن يطالبه بالتنفيذ العيني ويجبره على التسليم، ما لم يكن للواهب حق الرجوع في الهبة. أما المطالبة بالفسخ لعدم التسليم فلا مصلحة للموهوب بذلك إلا إذا أراد التخلص من التزام فرضته عليه الهبة كتعويض أو شرط.

ج ـ ضمان التعرض والاستحقاق: يعتبر التزام الواهب التزاماً مزودجاً يتجلى في: التزامه بعدم تعرضه الشخصي للموهوب له بأن يأتي بأي عمل مادي يتعدى به على حقوق الموهوب له ويعكر صفو حيازته. والتزامه بضمان التعرض القانوني الصادر من الغير دون التعرض المادي.

والالتزام بضمان التعرض الشخصي سواء كان مادياً أو قانونياً غير قابل للانقســام وهو يتصف بالدوام، ويترتب على ذلك انتقاله إلى الورثة، وإذا تم الاتفاق على الإعفاء من هذا الضمان عد باطلاً وبقي الضمان قائماً.

وكذلك التزام الواهب بضمان تعرض الغير فهو التزام غير قابل للانقسام، لأن دفع تعرض الغير أمام القضاء لا يكون جزئياً.

وإذا نجح الأجنبي المتعرض في دعوى الاستحقاق، وقُضي له به، فلا يرجع على الواهب إلا في حالتين جاءت على ذكرهما الفقرة الأولى من المادة (462) من القانون المدني وهما:

الحالة الأولى: إذا كان الواهب قد تعمد إخفاء سبب الاستحقاق، كأن يخفي مستنداً يثبت حق الغير في الموهوب، فهو مسؤول عن الضرر الذي أصاب الموهوب له بسبب هذا الغش، ويقضي القاضي بتعويض عادل للموهوب له من جراء ذلك.

الحالة الثانية: إذا كانت الهبة بعوض أو كان الواهب قد فرض على الموهوب له التزامات أو شروطاً مقابل الهبة، ففي هذه الحالة يكون الواهب ضامناً للاستحقاق ولو كان يجهل سببه، ولا يكون مسؤولاً أمام الموهوب له إلا بالقدر الذي أداه له من عوض. أما إذا تعمد الواهب إخفاء سبب الاستحقاق فإنه يكون مسؤولاً عن كل ضرر أصاب الموهوب له ولو جاوز العوض. وفي كلتا الحالتين يجوز للمتعاقدين أن يتفقا على زيادة ضمان الاستحقاق.

وعملاً بأحكام الفقرة الثانية من المادة (462) من القانون المدني فإنه يجوز للموهوب له أن يحل محل الواهب فيما له من حقوق ودعاوى بسبب الاستحقاق، كما لو سلم الواهب عقاراً مرهوناً للموهوب له وقام الموهوب له بالوفاء للدائن المرتهن ليحتفظ بعقاره، فإنه يحل محله في حقه ويمكن أن يرجع عند الاقتضاء على الواهب نفسه الذي يكون ملزماً شخصياً بهذا الدين، كما يجوز للموهوب له المرفوعة عليه الدعوى أن يدخل الواهب في الدعوى ليطلب الحكم عليه بتخليص العقار.

د ـ ضمان العيوب الخفية: نصت المادة (463) من القانون المدني على أنه: " لا يضمن الواهب خلو الشيء الموهوب من العيب على أنه إذا تعمد الواهب إخفاء العيب، أو ضمن خلو الشيء الموهوب من العيوب كان ملزما بتعويض الموهوب له عن الضرر الذي سببه العيب. ويكون كذلك ملزما بالتعويض إذا كانت الهبة بعوض على ألا يجاوز التعويض في هذه الحالة قدر ما أداه الموهوب له من هذا التعويض". ومن ثم فإن الواهب لا يضمن خلو الشيء الموهوب من العيب إلا في الحالات التالية: إذا تعمد الواهب إخفاء العيب. أو إذا كانت الهبة بعوض أو مقابل التزامات وشروط فرضت على الموهوب له. أو إذا ضمن الموهوب باتفاق خاص خلو العين الموهوبة من العيب.

فإذا كانت الهبة بعوض يجب التعويض بمقدار الضرر الذي لحق بالموهوب له مضافاً إليه ما  لحق بالعين الموهوبة على أن لا  يتجاوز التعويض في ذلك كله مقدار العوض أو المقابل. أما في حال تعمد الواهب إخفاء العيب أو ضمان خلو العين من العيوب، فإنه وجب تعويض الموهوب له عن الخسارة ولو جاوزت مقدار العوض أو المقابل.

2ـ التزامات الموهوب له: الأصل أن ألا يلتزم الموهوب له بشيء، إذ يغلب أن تكون الهبة تبرعاً محضاً فتكون عقداً ملزماً لجانب واحد هو جانب الواهب. ولكن حتى في هذه الحالة قد يتفق المتعاقدان على أن يتحمل الموهوب له نفقات عقد الهبة ونفقات التسليم. وقد تكون الهبة بعوض أو بمقابل من التزامات أو شروط تفرض على الموهوب له، ففي هذه الحالة يلتزم الموهوب له بأداء هذا العوض أو المقابل. وم ثم فإنه يقع على الموهوب له الالتزامان الآتيان:

أ ـ الالتزام بأداء العوض أو المقابل: نصت المادة (465) من القانون المدني على أنه: "يلتزم الموهوب له بأداء ما اشترط عليه من عوض سواء اشترط هذا العوض لمصلحة الواهب أم لمصلحة أجنبي أم للمصلحة العامة".

وحتى تبقى الهبة محتفظة بطابعها التبرعي يجب ألا تزيد قيمة العوض المشترط على قيمة الشيء الموهوب كي يكون الفرق بين القيمتين هبة محضة. أما إذا تبين أن الشيء الموهوب أقل في القيمة من العوض المشترط. فلا يكون الموهوب له ملزماً بأن يؤدي من هذا العوض إلا بقدر قيمة الشيء الموهوب. وفق ما نصت عليه المادة (466) من القانون المدني.

أما إذا اشترط الواهب على الموهوب له مقابلاً للهبة وهو الوفاء بديونه، فلا يكون الموهوب له ملزماً إلا بوفاء الديون التي كانت موجودة وقت الهبة. أما إذا اشترط عليه وفاء ديونه التي تستجد بعد الهبة فالموهوب له ملتزم بوفائها بشرط ألا تزيد قيمتها على قيمة الشيء الموهوب. أما إذا كان الشيء الموهوب مثقلاً بحق عيني ضماناً لدين في ذمة الواهب أوفي ذمة شخص آخر فإن الموهوب له يلتزم بوفاء هذا الدين ما لم يشترط عقد الهبة عدم التزامه به، عملاً بأحكام المادة (467) من القانون المدني. أما إذا اضطر الموهوب له إلى دفع الدين المضمون بالعيب الموهوبة جاز له الرجوع على المدين الأصلي، لأن التزام الموهوب له بوفاء الديون هو التزام نحو الواهب.

ب ـ الالتزام بنفقات الهبة: الأصل أن نفقات الهبة على الموهوب له قياساً على البيع تطبيقاً  للمادتين (430) و(432) من القانون المدني. ومع هذا فإنه يجوز الاتفاق على غير هذا وعلى أن يتحمل الواهب نفقات الهبة.

رابعاًـ الرجوع في الهبة

1ـ أنواع الرجوع: نصت المادة (468) من القانون المدني على أنه: "1ـ يجوز للواهب أن يرجع في الهبة إذا قبل الموهوب له ذلك 2ـ فإذا لم يقبل الموهوب له جاز للواهب أن يطلب من القضاء الترخيص له فـي الرجوع، متى كان يستند في ذلك إلى عذر مقبول، ولم يوجد مانع من الرجوع".

من ذلك يتضح أنه يجـوز للواهب أن يرجـع في الهبة إما بالتراضي مع الموهـوب لـه وإما بالتقاضي من دون رضاء الموهوب له.

أ ـ الرجوع بالتراضي: وهو أن يتفق الواهب مع الموهوب له على الرجوع في الهبة وقبول هذا الأخير بذلك. ويكون هذا الاتفاق بينهما إقالة من الهبة التي تمت بإيجاب وقبول جديدين، شأن الإقالة من أي عقد آخر، إلا أن الإقالة في عقد الهبة لها أثر رجعي إلى وقت الهبة، فتعد الهبة كأن لم تكن، مع وجوب حماية الغير حسن النية الذي اكتسب حقاً عينياً من الموهوب له على الموهوب قبل الإقالة.

ب ـ الرجوع بالتقاضي: يتضح من نص المادة (468) سالفة الذكر أن رجوع الواهب في الهبة ليس أمراً تحكميّاً يجري على حسب إرادته المطبقة. فهو إذا لم يتراض مع الموهوب له على الرجوع، وأراد أن يرجع بإرادته وحده، يتقيد بالقيود التالية:

إذا كانت الهبة من الهبات اللازمة، فهذه لا يجوز الرجوع فيها إلا بالتراضي، وهذه هي الهبات التي يقوم فيها مانع من موانع الرجوع.

أما في الهبات غير اللازمة التي لا يقوم فيها مانع من موانع الرجوع، لا يجوز للواهب بغير التراضي أن يرجع في الهبة بإرادته المنفردة إلا إذا كان عنده عذر مقبول للرجوع.

وأن هذا العذر المقبول لا يترك لتقدير الواهب وحده بل يراقبه فيه القضاء، فإذا رأى القاضي أن العذر الذي يقدمه الواهب للرجوع في هبته عذر مقبول، أقره عليه وقضى بفسخ الهبة وإلا امتنع من إجابة طلبه وأبقى الهبة قائمة.

2ـ الأعذار المقبولة للرجوع في الهبة:

لقد حددت المادة (469) من القانـون المدني الأعذار المقبولة للرجـوع في الهبة على سبيل الحصر وهي:

أ ـ جحود الموهوب له: فإذا جحد الموهوب له جميل الواهب لم يكن مستحقاً للهبة، وكان الواهب معذوراً بالرجوع فيها إن شاء.

ومن الأعمال التي تكون جحوداً من الموهوب له، أن يعتدى هذا على حياة الواهب أو على حياة أحد أقاربه، أو على المال أو العرض أو غير ذلك من ضروب الإساءة. ولا يشترط أن تكون الإساءة جريمة يعاقب عليها القانون. ويعود تقدير ما إذا كان العمل إساءة بالغة أم لا إلى قاضي الموضوع ولا معقب على قضائه من محكمة النقض التي استقر قضاؤها على أنه إذا جحدت الزوجة ما التزمت به، كان من حق الواهب الرجــوع عن الهبة إلا أن هـذا يقتضي إثبات الجحود.

ب ـ أن يصبح الواهب عاجزاً عن توفير أسـباب المعيشة لنفسه بما يتفق مع مكانته الاجتماعية أو عجزه عن النفقة على من تجب عليه نفقتهم، ويعود تقدير ذلك إلى قاضي الموضوع.

ج ـ أن يرزق الواهب بعد الهبة مولوداً ذكراً كان أو أنثى، أو أن يكون للواهب ولد يظنه أنه ميت وقت الهبة فإذا هو حي. ويتوجب على القاضي في هذه الحالة أن يفسخ الهبة لأنه ليس له في هذه الحالة أي سلطة تقديرية. مع الإشارة إلى أنه إذا كان للواهب ولد وقت الهبة ثم رزق ولداً آخر بعد الهبة فليس له الرجوع عن الهبة.

3ـ موانع الرجوع في الهبة:

إن موانع الرجوع في الهبة حسب المادة (470) من القانون المدني تنقسم إلى قسمين، موانع قائمة منذ صدور الهبة وموانع تطرأ بعد صدور الهبة.

أ ـ الموانع القائمة منذ صدور الهبة:

(1)ـ إذا قدم الموهوب له عوضاً عن الهبة أو التزم بشروط أو تكاليف لمصلحة الواهب أو لمصلحة أجنبي أو للمصلحة العامة.

(2)ـ إذا كانت الهبة صدقة أو عملاً من أعمال البر.

(3)ـ إذا كانت الهبة من أحد الزوجين للآخر ولو أراد الواهب الرجوع بعد انقضاء الزوجية.

ولا بد من الإشارة إلى أن هبة الخطيب لخطيبته أو العكـس يجوز الرجــوع فيها وتخضع للقواعد العامة.

(4)ـ إذا كانت الهبة لذي رحم محرم. تطبيقاً لحديث النبي محمدr "إذا كانت الهبة لذي رحم محرم لم يرجع فيها".

ب ـ الموانع التي تطرأ بعد صدور الهبة:

(1)ـ إذا مات أحد طرفي عقد الهبة. فإذا مات الواهب امتنع على ورثته الرجوع في الهبة لان حق الرجوع حق متصل بشخص الواهب. وإذا مات الموهوب له انتقل الشيء الموهوب إلى ورثته، ولم يجز عند ذلك للواهب الرجوع في الهبة. ذلك أن حق الورثة على الموهوب قد ثبت بالميراث واطمأن الورثة إلى ذلك.

(2)ـ إذا حصل للشيء الموهوب زيادة متصلة موجبة لزيادة قيمته؛ فإذا زال المانع عاد حق الرجوع؛ كأن حُصد الزرع أو أزيل البناء أو قلع الغرس.

(3)ـ إذا تصرف الموهوب له في الشيء الموهوب تصرفاً نهائياً، فإذا اقتصر التصرف على بعض الموهوب جاز للواهب أن يرجع في الباقي.

(4)ـ إذا هلك الشيء الموهوب في يد الموهوب له، سواء أكان الهلاك بفعله أم بحادث أجنبي لا يد له فيه أو بسبب الاستعمال. فإذا لم يهلك إلا بعض الشيء جاز الرجوع في الباقي.

4ـ الآثار التي تترتب على الرجوع في الهبة:

نصت المادة (471) من القانون المدني على ما يلي: "1ـ يترتب على الرجوع في الهبة بالتراضي أو بالتقاضي أن تعتبر الهبة كأن لـم تكن 2ـ ولا يرد الموهوب له الثمرات إلا من وقت الاتفاق على الرجوع، أومن وقت رفع الدعوى، وله أن يرجـع بجميع ما أنفقه من مصروفات ضرورية، أما المصروفات النافعـة فلا يجاوز في الرجوع بها القدر الذي زاد في قيمة الشيء الموهوب".

وكذلك نصت المادة (472) من القانون المدني على أنه: " إذا استولى الواهب على الشيء الموهوب، بغير التراضي أو التقاضي، كان مسؤولاً قبل الموهوب له عن هلاك الشيء سواء كان الهلاك بفعل الواهب أو بسبب أجنبي لا يد له فيه أو بسبب الاستعمال أما إذا صدر حكم بالرجوع في الهبة وهلك الشيء في يد الموهوب لعذاره بالتسليم، فيكون الموهوب له مسؤولاً عن هذا الهلاك، ولو كان الهلاك بسبب أجنبي".

ومفاد ذلك أن الرجوع في الهبة إذا تم بالتراضي يسمى تقايلاً، وإذا تم بالتقاضي يسمى فسخاً. وسواء أكان تقايلاً أم فسخاً، فإن الآثار التي تترتب على الرجوع في الهبة تختلف فيما بين المتعاقدين عنها إزاء الغير.

أ ـ أثر الرجوع في الهبة بين المتعاقدين:

(1)ـ عدّ الهبة كأن لم تكن ولا يلتزم الواهب بتسليم الموهوب إذا كان لم يسلمه، ويستطيع أن يسترده من الموهوب له إذا كان قد سلمه. وإذا هلك الشيء الموهوب في يد الموهوب له بعد أن تم الرجوع في الهبة بفعله أو باستهلاكه إياها، أو كان قد أُعذر بالتسليم وهلك الشيء بعد الإعذار كان ضامناً لهذا الهلاك ووجب عليه تعويض الواهب.

(2)ـ يجب على الموهوب له أن يرد إلى الواهب ثمرات الشيء الموهوب، إما من يوم التراضي على الرجوع وإما من تاريخ رفع دعوى الرجوع لعذر مقبول.

(3)ـ يرجع الموهوب له على الواهب في جميع المصروفات الضرورية، بخلاف المصروفات الكمالية، فلا يجوز للموهوب له أن يرجع بشيء منها على الواهب، وله أن يعيد الشيء إلى حالته الأولى بنزع ما استحدثه من منشآت وذلك إذا لم يختر الواهب أن يستبقي هذه المنشآت ويدفع قيمتها. أما إذا كانت المصروفات نافعة فيجوز للموهوب له أن يرجع على الواهب بها بأقل القيمتين، وهي المصروفات التي أنفقها والتي أدت إلى زيادة قيمة الشيء الموهوب بسبب هذه المصروفات.

ب ـ أثر الرجوع في الهبة تجاه الغير: ليس للرجوع في الهبة سواء تم بالتراضي أو بالتقاضي أي أثر رجعي تجاه الغير، بل تجب حقوق الغير حسن النية وفقاً للقواعد المقررة في هذا الشأن. فإذا تصرف الموهوب له في الشيء الموهوب تصرفاً نهائياً، كالبيع أو الهبة أو الوقف أو بغير ذلك من الأسباب الناقلة للملكية أو المسقطة لها، أصبحت الهبة لازمة ويصبح الرجوع في الهبة ممتنعاً، ولا يحق للواهب الرجوع على الموهوب له بالتعويض عن الشيء الموهوب حتى مع وجود قيام العذر المقبول للرجوع.

أما إذا كان الشيء الموهوب له عقاراً، وترتّب للغير حق عيني عليه، كحق انتفاع أو ارتفاق أورهن بعد وضع إشارة دعوى الرجوع في الهبة على صحيفة العقار، أو بعد تسجيل التراضي على الرجوع في الهبة في الصحيفة العقارية، فإن حق الغير لا يسري على الواهب، ويسترد الواهب العقار خالياً من كل حق للغير. أما إذا كان الحق العيني قد ترتب قبل تسجيل إشارة الدعوى أو قبل تسجيل التراضي على الرجوع في الهبة في الصحيفة العقارية، فإذا كان حسن النية، أي لا يعلم قيام عذر مقبول للرجوع في الهبة، سرى حقه على الواهب، ويسترد العقار الموهوب مثقلاً بالحق العيني المترتب للغير، ولا يرجع الواهب بتعويض عن هذا الحق على الموهوب له. أما إذا كان الغير سيئ النية فإن حقه لا يسري على الواهب ويسترد هذا الأخير العقار خالياً من حقوق الغير ويرجع الغير على الموهوب له طبقاً للقواعد العامة.

أما إذا كان الشيء الموهوب منقولاً وتم الرجوع بالتراضي، فإن الرجوع في هذه الحالة لا يؤثر في حقوق الغير. أما إذا كان الرجوع بالتقاضي فيكون لحكم الفسخ أثر رجعي حتى في حقوق الغير، فيسترد الواهب المنقول خالياً من حقوق الغير إلا في حالة أن يكون الغير قد حاز حقه وهو حسن النية فلا يستطيع الواهب أن يسترد المنقول إلا مثقلاً بهذا الحق.

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ عبد الرزاق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني الجديد، المجلد الخامس (دار النهضة العربية، القاهرة).

ـ شفيق طعمه، التقنين المدني السوري، الجزء الخامس (دار الأنوار للطباعة، الطبعة الأولى، دمشق 1984).

ـ زهدي يكن، شرح قانون الموجبات والعقود، الجزء الثامن (دار الثقافة، بيروت).


التصنيف : القانون الخاص
النوع : القانون الخاص
المجلد: المجلد الخامس: طرق الطعن في الأحكام الإدارية ــ علم العقاب
رقم الصفحة ضمن المجلد : 505
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 549
الكل : 31761931
اليوم : 37392