logo

logo

logo

logo

logo

عقد التأمين العادي (ذو القسط الثابت)

عقد تامين عادي (ذو قسط ثابت)

ordinary insurance contract (fixed premium) - contrat d'assurance ordinaire (prime fixe)

 عقد التأمين العادي (ذو القسط الثابت)

عقد التأمين العادي (ذو القسط الثابت)

جمال مكناس

التعريف بعقد التأمين التزامات طرفي عقد التأمين
خصائص عقد التأمين حق شركة التأمين في الحلول
موضوع عقد التأمين انقضاء عقد التأمين
 

أولاًـ التعريف بعقد التأمين:

يُعد عقد التأمين من العقود المسماة، ذلك أن المشرع نظمه بأحكام خاصة به، وأعطى عقد التأمين تعريفاً قانونياً، إلا أن هذا التعريف وإن كان من الناحية القانونية شاملاً لالتزامات الأطراف إلا أنه لم يمنع الفقه من محاولة إعطاء تعريف آخر لعقد التأمين.

1ـ التعريف القانوني لعقد التأمين:

أعطى المشرع السوري تعريفاً عاماً لعقد التأمين، وذلك من خلال تعرضه للأحكام العامة للتأمين، فقد نصت المادة (713) من القانون المدني على ما يلي:

"التأمين عقد يلتزم المؤمن بمقتضاه أن يؤدي إلى المؤمن له أو إلى المستفيد الذي اشترط التأمين لصالحه (لمصلحته) مبلغاً من المال أو إيراداً مرتباً أو أي عوض مالي آخر في حالة وقوع الحادث أو تحقيق الخطر المبين بالعقد وذلك لقاء قسط أو أي دفعة مالية أخرى يؤديها المؤمن له للمؤمن".

من خلال هذا النص يتبين أن التعريف الذي أعطاه المشرع السوري لعقد التأمين عامٌ يتضمن بيان التزامات أطرافه فقط، من دون أن يبين خصائصه التي تميزه من سائر العقود الأخرى. كما أنه أعطى تعريفاً لأطرافه، المؤمن والمؤمن له، ولا يخفى ما في ذلك من لبس لدى بعضهم في معرض دراسة عقد التأمين، وكان حرياً بالمشرع أن يستخدم تعبير عقد الضمان كما ذهب إلى ذلك المشرع اللبناني فقد عرفت المادة (950) من قانون الموجبات والعقود اللبناني عقد الضمان بأنه:

"عقد بمقتضاه يلتزم شخص (يقال له الضامن) بعض الموجبات، عند نزول بعض الطوارئ بشخص المضمون أو بأمواله مقابل دفع بدل يسمى القسط أو الفريضة".

فالتعريف القانوني لعقد التأمين لم يشر إلى هذه الناحية من التأمين. وكذلك فإن هذا التعريف أشار إلى العلاقة القانونية بين شركة التأمين والمؤمن له، أما الجانب الآخر في العملية التأمينية وهو الجانب الفني فلم يحط به تعريف المشرع الذي لا يصلح تعريفاً للتأمين في ذاته كعملية قانونية وفنية، في الوقت ذاته، لها أسس معينة تقوم عليها.

2ـ التعريف الفقهي لعقد التأمين:

اقترحت تعاريف عديدة للتأمين تختلف في مضمونها بحسب من يعرفها وكونه من الاقتصاديين أو من رجال التأمين أو من فقهاء القانون.

فمن تعريفات الاقتصاديين ثمة تعريف "فريدمان" "وسافاج" اللذان يعرفان التأمين بقولهم: "إن الفرد الذي يقوم بشراء تأمينات من الحريق على منزله، ويفضل تحمل خسارة مالية صغيرة مؤكدة (قسط التأمين) بدلاً من أن يبقى متحملاً خليطاً من احتمال ضعيف لخسارة مالية كبيرة (قيمة المنزل كاملة) واحتمال كبير بألا يخسر شيئاً، وهذا يعني أنه يفضل حالة التأكد عن حالة عدم التأكد".

ومن تعريفات رجال التأمين تعريف "ويليت" الذي عرفه قائلاً: "التأمين مشروع اجتماعي يهدف إلى تكوين رصيد بغرض مجابهة خسائر مالية غير مؤكدة، ويمكن تحاشيها عن طريق نقل عبء الخطر من عدة أشخاص إلى شخص واحد أو مجموعة من الأشخاص، وعادة ما يظهر عنصر من عناصر التأمين إذا ما كون هذا الرصيد بغرض مجابهة خسائر غير مؤكدة، أو إذا تم نقل عبء الخطر، أما إذا اكتمل مع هاتين الظاهرتين ظاهرة تجميع المخاطر ففي هذه الحالة يظهر التأمين بمعناه الكامل".

ويعرفه الدكتور صلاح الدين طلبة بقوله: "التأمين يتضمن اتفاق عدد من الأفراد الذين يتعرضون لنفس الخطر على أن يدفع كل منهم مبلغاً صغيراً نسبياً لكي يعوض من الرصيد المتكون كل من يعاني منهم من تحقق الخطر: على أن تكون الخسائر متوقعة، مع إمكان تقدير مجموعها مقدماً بدرجة معقولة".

ومن تعريفات رجال القانون نذكر تعريف سارتر: "التأمين هو شراء الأمن"، وذلك أن المؤمن له مدفوعاً بالرغبة في حماية نفسه ضد خطر ما فإنه يشتري من المؤمن حق التعويض إن وقع الضرر بسبب ذلك الخطر ويقال لثمن الشراء (قسط) وغالباً ما يكون دفعه سنوياً، ويندرج وعد المؤمن بالتعويض في حالة وقوع الحادثة المؤمن منها فيما يقال له بالوثيقة.

ويعرفه الفقيه الفرنسي بلانيول بأنه: "عقد يتعهد بمقتضاه شخص يسمى المؤمن أن يعوض شخصاً آخر يسمى المؤمن له عن خسارة احتمالية يتعرض لها هذا الأخير، مقابل مبلغ من النقود هو القسط الذي يقوم المؤمن له بدفعه إلى المؤمن".

يلاحظ أن أغلب هذه التعاريف كانت مرتبطة بصفة عمل واختصاص الفقيه الذي أعطى تعريفاً للتأمين، ولم تكن شاملة لسائر أنواع التأمين. كما أنها لا يظهر كل منها منفرداً العناصر القانونية والفنية بآن واحد لعملية التأمين. ومع ذلك فإن كلاً من الفقيه هيمار والأستاذين رزق أنطاكي ونهاد السباعي قد أعطي تعريفاً أفضل من ذلك لأنه من المتعذر وضع تعريف عام وشامل للتأمين كما في الموضوعات الحقوقية الأخرى.

فقد عرف الأستاذان أنطاكي وسباعي التأمين بأنه: "عقد يتعهد بموجبه الضامن ـ وفق خطة فنية معينة ـ بدفع مبلغ من المال في حالة حدوث طارئ يسبب ضرراً اقتصادياً مقابل تعهد المضمون بدفع البدلات المقتضية".

ثانياً ـ خصائص عقد التأمين:

إن عقد التأمين اتفاق مبرم بين شركة التأمين وشخص طبيعي أو اعتباري، يحدد محل التأمين وشروطه، ومهما يكن موضوع عقد التأمين فإنه يتمتع بخصائص متعددة تميزه مما يشابهه من عقود، فهو عقد مسمى وملزم للجانبين ورضائي ومن عقود المعاوضة وهو من العقود الاحتمالية (عقود الغرر) ومن العقود الزمنية، ومن عقود الإذعان وهو أخيراً من عقود حسن النية.

1ـ عقد التأمين عقد مسمى: نظراً لشيوع التعامل في عقود معينة، كالبيع والهبة والإيجار والتأمين، فقد خصها المشرع بأحكام خاصة بموجب نصوص القانون المدني وأطلق عليها تسمية العقود المسماة، ذلك لأن الناس تعارفوا على إبرامها نظراً للحاجات التي تسدها في التعامل. وهذا ما يميز العقود المسماة من العقود غير المسماة. فالعقود التي أفرد لها القانون أحكاماًً خاصة نظراً لشيوعها بين الناس وأطلق عليها اسماً معيناً هي "عقود مسماة". أما العقود الأخرى التي يبرمها الناس فيما بينهم من دون اعتماد عقد معين وضع له القانون أحكاماً خاصة ولا يمكن من ثم إدخالها في أحد العقود التي نص عليها القانون، بوجه خاص، هي عقود غير مسماة. وقد أخذ المشرع هذه العقود ومنها عقد التأمين كونه عقداً مسمى وأفرد له المشرع أحكاماً خاصة في نصوص القانون المدني أخضعها لبعض القواعد الإلزامية، التي لا يجوز للمتعاقد الاتفاق على خلافها، ولقواعد أخرى تفسيرية. ولا يلجأ إلى تطبيقها إلا في حال عدم اتفاق المتعاقد على ما يخالفها. ومن أبرز القواعد الإلزامية التي تتعلق بالنظام العام ولا يجوز مخالفتها ما جاء بأحكام المادة (716) من القانون المدني التي تنص على أنه: "يقع باطلاً ما يرد في وثيقة التأمين من الشروط الآتية:

الشرط الذي يقضي بسقوط الحق بالتأمين بسبب مخالفة القوانين والأنظمة. إلا إذا انطوت هذه المخالفة على جناية أو جنحة قصدية.

الشرط الذي يقضي…".

كما تظهر بأن صفة العقد المسمى لعقد التأمين من خلال المادة (714) من القانون المدني والتي تقضي بأن:

"الأحكام المتعلقة بعقد التأمين التي لم يرد ذكرها في هذا القانون تنظمها القوانين الخاصة".

2ـ عقد التأمين عقد رضائي ينعقد بمجرد توافق الإيجاب والقبول: فهو يبرم فور تبادل إرادتين صحيحتين ويعد تاماً بدءاً من اتفاق أطرافه على الشروط الأساسية للتأمين. وبذلك فإن رضاء الطرفين، شركة التأمين وطالب التأمين، هو أساس صحة عقد التأمين. أما وثيقة التأمين فلا تشترط إلا لإثبات العقد لا لانعقاده، فإبرامه يتم بمجرد اتفاق أطرافه. وبذلك تسري على عقد التأمين النظرية العامة في عيوب الإرادة.

ومن ثم إذا قبلت شركة التأمين الإيجاب الثابت الموجه إليها من المؤمن، ووصل هذا القبول لهذا المؤمن، تم عقد التأمين وصار ملزماً لكل من الطرفين. ولا ضرورة في انعقاده لوثيقة التأمين أن توقعها شركة التأمين، بل يكفي أن ترسل هذه الشركة بقبولها في كتاب أو برقية أو شفوياً عن طريق الوسيط، فيصبح العقد تاماً ملزماً بمجرد وصول القبول إلى علم المؤمن، حتى قبل أن يدفع هذا الأخير القسط الأول من أقساط التأمين، ويكون هذا القسط ديناً في ذمته تطالب به شركة التأمين بالطرائق المقررة في القانون. وأكدت محكمة النقض الفرنسية في العديد من القضايا على أن عقد التأمين إنما هو عقد رضائي، ومع ذلك فإن إثبات عقد التأمين لا يكون إلا بالكتابة، وتكون هذه الكتابة عادة وثيقة التأمين. ذلك أن عقد التأمين شديد التعقيد، يشتمل على كثير من الشروط المتنوعة، ويبقى مدة طويلة، وقد يتعدى إلى الغير كالمستفيد في التأمين على الحياة، والمتضرر في التأمين من المسؤولية، والدائنين المرتهنين في التأمين من الحريق، وهذا كله لا يتفق مع جواز إثباته بالبينة الشخصية أو القرائن. ومع ذلك لا يكون إثبات عقد التأمين بوثيقة التأمين. ولكن بأي دليل كتابي آخر، غير وثيقة التأمين، فيجوز الإثبات بكتب متبادلة بين شركة التأمين والمؤمن، وببرقية صادرة من المؤمن بقبول طلب التأمين المكتوب. ولكن الطريق المألوف للإثبات هو وثيقة التأمين كدليل نهائي، ومذكرة التغطية كدليل مؤقت.

3ـ عقد التأمين عقد ملزم لجانبين (ثنائي الطرف): يلتزم طرفا عقد التأمين على نحو متبادل بتنفيذ التزامات تقع على عاتق كل منهما تجاه الطرف الآخر.

فالمؤمن ملزم بالإعلان عن الخطر والكارثة وبدفع ثمن التأمين، وتلتزم شركة التأمين بتغطية الأخطار المغطاة بعقد التأمين، ودفع التعويض المتفق عليه بالعقد في حال وقوع الكارثة المؤمنة. والتزام كل طرف هو مقابل التزام الطرف الآخر، وهذا ما يفسر التزامات أطراف عقد التأمين، فعندما لا ينفذ المؤمن التزاماته فإن شركة التأمين تتحلل من التزامها بالتعويض، كأن يمتنع المؤمن عن الإعلان عن الخطر أو يكون الإعلان عن الخطر أو الكارثة منطوياً على غش متعمد منه، فيكون  العقد باطلاً، أو تخفض نسبة التعويض ويسقط حق المؤمن في التعويض. كذلك في حال عدم تنفيذ المؤمن لالتزامه بدفع بدل التأمين، فإن ضمان الأخطار يتوقف، ويصبح المؤمن مؤمناً لنفسه خلال فترة توقف الضمان.

على أن ذلك لا ينسف الطابع الملزم للجانبين لعقد التأمين، لأن هنالك تبادلاً في الوعود بين طرفي العقد، وكل وعد من طرف يكون سبباً للوعد الصادر عن الطرف الآخر. فالمؤمن يلتزم بدفع بدل التأمين، وتلتزم شركة التأمين بدفع المبلغ الموعود به في حال وقوع الكارثة. وبين تعهدات الطرفين علاقة قطعية. فاحتمالية عقد التأمين لا تنفي أبداً تقابل التعهدات إذ ليس وجود عقد التأمين نفسه معلقاً على شرط، فعقد التأمين ناجز وقطعي، مع أن التزام شركة التأمين معلق على حادث غير مؤكد، فهو عقد ملزم للجانبين

4ـ عقد التأمين عقد احتمالي أو من عقود الغرر: فقد أورده القانون المدني في الباب الرابع ضمن عقود الغرر بعد المقامرة والرهان المرتب مدى الحياة. ويقصد بأن عقد التأمين عقد احتمالي هو أنه في العلاقة القانونية ما بين شركة التأمين والمؤمن نفسه يكون احتمالياً من الناحية القانونية المحضة، إلا أن الأمر ليس كذلك من وجهة نظر اقتصادية وفنية.

ـ فمن الناحية القانونية: لا تعرف شركة التأمين، مبدئياً، عند إبرام العقد مقدار ما تأخذ ولا مقدار ما تعطي إذ إن ذلك متوقف على وقوع الكارثة أو عدم وقوعها، وكذلك المؤمن فمقدار ما يأخذ ومقدار ما يعطي متوقف ـ هو أيضاًـ على وقوع الكارثة أو عدم وقوعها. إذن ففي علاقة شركة التأمين بالمؤمن هنالك احتمال الربح أو الخسارة للطرفين. وخاصة عندما يكون الخطر نفسه غير مؤكد. فإذا لم تتحقق الكارثة، لا تلتزم شركة التأمين بدفع أي أداء مالي وتكون قد حصلت على بدلات التأمين، أما إذا وقعت الكارثة، فإن شركة التأمين ستلتزم بدفع مبلغ لا يتناسب مع مقدار البدل، وبذلك يحقق المؤمن ربحاً. وتبعاً للمصادفة، سيستفيد من العملية إما المؤمن وإما شركة التأمين، وبالموازنة بين دفعاتهما يظهر، في النهاية، أيهما هو المستفيد.

ـ أما من الناحية الاقتصادية والفنية: فبالنظر إلى علاقة شركة التأمين لا بالمؤمن نفسه وإنما بمجموع شركات التأمين، نجد فإن عقد التأمين ليس احتمالياً لا لشركات التأمين ولا للمؤمن. فهو ليس احتمالياً لشركة التأمين، لأنها تحصل على بدلات التأمين من المؤمن ثم تعيد توزيعها على من وقعت الكارثة به منهم، بعد أن تحسب مصروفات الإدارة، فهي إن أحسنت تقدير الاحتمالات والتزمت الأسس الفنية في التأمين، لم تعرض نفسها لاحتمال الخسارة أو لاحتمال المكسب بأكثر مما تعرض أي شركة تجارية نفسها، تقوم بعمل تجاري آخر غير التأمين، أضف إلى ذلك الدور الذي تلعبه عملية إعادة التأمين التي تستبعد كل احتمالات الخسارة التي قد تتعرض لها مشاريع التأمين. كذلك فإن عقد التأمين غير احتمالي للمؤمن. فالعقد الاحتمالي هو الذي يتوقف على الحظ والمصادفة، في حين أن المؤمن يقصد بعقد التأمين عكس ذلك تماماً، فهو يريد أن يتوقى مغبة الحظ والمصادفة، ويتعاون مع غيره من المؤمنين على توزيع سيئات ما يبـيته الحظ لهم جميعاً بحيث لا ينال أياً منهم من هذه المساوئ إلا مقدار يسير يستطيع تحمله بغير عناء. فهو إذا لم تقع الكارثة، لا يخسر الأقساط التي دفعها، لأن هذه الأقساط إنما دفعها مقابلاً لتعاون سائر المؤمنين معه وقد تعاونوا. وهو، إذا تحققت الكارثة لم يكسب مبلغ التأمين، لأن هذا المبلغ ليس إلا تعويضاً لما حاق به من الخسارة وقد جاء ثمرة لهذا التعاون. فعقد التأمين للمؤمن ليس إذاً عقداً يقصد به تحمل أثر الحظ كما هو الحال في المقامرة أو الرهان، بل هو على العكس من ذلك عقد يقصد به إبعاد أثر الحظ بقدر المستطاع.

ولكن إذا كان التنظيم الفني والاقتصادي للتأمين يهدف، في النهاية، إلى استبعاد صفة الاحتمال، فإن عقد التأمين يبقى من الناحية القانونية، عقداً احتمالياً.

5ـ عقد التأمين من عقود المعاوضة: إذ أن كلاً من المتعاقدين يأخذ مقابلاً لما أعطى، ولا يمكن أن تكون هنالك نية المسامحة لدى المتعاقدين، ويتضح ذلك من حقيقة أنه لا يمكن أن يكون هنالك تأمين للمؤمن من دون بدل التأمين، وعليه أن يدفع مبلغاً يعادل المبلغ المغطى. صحيح أنه من الممكن أن يمنح التأمين للغير، إلا أن هذا الاتفاق لا يغير من صفة المعاوضة لعقد التأمين المبرم بين طالب التأمين وشركة التأمين.

6ـ عقد التأمين من العقود الزمنية: يعد الزمن عنصراً جوهرياً في عقد التأمين، فهو يعقد لفترة زمنية معينة، ويتدرج تنفيذه لزمن معين، ذلك أن أطرافه يلتزمون لمدة محددة. فشركة التأمين تأخذ على عاتقها الخطر المؤمن لمدة زمنية، فهي تضمن المؤمن ابتداء من تاريخ محدد إلى نهاية تاريخ معين. أما المؤمن فإنه يلتزم للمدة نفسها التي تلتزم بها شركة التأمين، ويوفي التزامه أقساطاً متتابعة على مدى هذه المدة، ويمكن له أن يوفي التزامه بدفع البدل دفعة واحدة، ولكن يراعى في تقدير هذه الدفعة الزمن المتعاقد عليه. وتلتزم شركة التأمين بتغطية الخطر من حيث الزمن وفقاً للاتفاق الأصلي.

 7ـ عقد التأمين من عقود الإذعان: ويقصد من ذلك، أنه غالباً، لا يستطيع المؤمن إلا قبول العرض العام الذي تقدمه شركة التأمين من خلال شروط أكثرها مطبوع مسبقاً، ومعروضة على الناس كافةً، وتكون فيه شركة التأمين الجانب الأقوى في العقد. إذ يكتفي المؤمن بأن يذعن للعقد المجهز والمطبوع مسبقاً من قبل شركة التأمين، ومن ثم يخضع لإرادة هذه الشركة من دون أي مناقشة. وهذا لا يسمح بافتراض وجود عيب في الإرادة لدى المؤمن وإبطال سائر عقود التأمين لهذا السبب. ومع ذلك فإن إذعان المؤمن يوضح عدم التوازن الاقتصادي بين المؤمن وشركة التأمين، وعدم المساواة هذه يمكن أن تكون مصدر تعسف من قبل منظمي عقود التأمين.

إلا أن تدخل المشرع في تنظيم عقد التأمين لحماية المؤمن خفف كثيراً من تعسف شركات التأمين بالمؤمنين. كما أن قيام التأمين على الأسس الفنية الصحيحة يمنع أحد الطرفين من أن يجور على الآخر، ويجعل التأمين يؤدي مهمته الحقيقية وهي تنظيم التعاون بين المؤمنين المعرضين لخطر مشترك ومساهمة كل منهم بنصيبه فيه، إذا نزل بأحد منهم، ويجعل شركة التأمين تقوم بدورها الصحيح وهو دور الوسيط بين المؤمنين لتنظيم التعاون فيما بينهم، لا دور المتعاقد القوي الذي يستغل ضعف الآخر.

8ـ عقد التأمين من عقود حسن النية: والمقصود بحسن النية ـ هناـ ليس المعنى المألوف، ذلك أن القوانين الحديثة تعد سائر العقود، لا عقد التأمين وحده، من عقود حسن النية. وإنما المقصود أن عقد التأمين بوجه خاص يجعل شركة التأمين تحت رحمة المؤمن فيما يخص إعطاء البيانات اللازمة عن الخطر المؤمن، وفي وجوب تجنب وقوع الكارثة أو اتقائها أو الحد من آثارها إذا وقعت. وشركة التأمين تعتمد في ذلك اعتماداً كاملاً على حسن نية المؤمن، فإذا أخل هذا بواجب حسن النية، فلم يدل بسائر البيانات اللازمة عن الخطر المؤمن أو قصر في اتخاذ الاحتياطات لدرء الخطر أو لمنع تفاقمه بعد وقوعه، فإن هذا الإخلال يكون خطيراً، وقد يكون جزاؤه سقوط حق المؤمن. وهذا ما يلاحظ في مجال التأمين من السرقة خاصة. كذلك يجب المحافظة على عدالة العلاقة التعاقدية، فغالباً ما تثق شركة التأمين في بيانات المؤمن من دون أن تتأكد منها لحظة إبرام العقد، لذلك يجب على المؤمن أن يكون حسن النية في تقديم هذه البيانات، فإذا ما ثبتت سوء نية المؤن فإن الجزاء سيكون بطلان العقد أو سقوط الحق حسب البيان المدلى به.

9ـ عقد التأمين هو عقد تجاري من جهة شركة التأمين:

ذلك أن المشرع السوري عد مشروع التأمين بأنواعه عملا ًتجارياً (المادة 6 ف1/ ط من قانون التجارة) سواء أكان مشروع التأمين لقاء قسط محدد أم كان التأمين تبادلياً أو تعاونياً لا يسعى إلى تحقيق الربح. على الرغم من أن الفقه ذهب إلى أن الجمعية التبادلية للتأمين أو مشروع التأمين التبادلي يفتقر إلى الصفة التجارية ما دام لا يستهدف المشروع تحقيق أي ربح.

أما من جهة المؤمن له فالعقد مدني، على أنه تطبيق لنظرية التبعية، فإن عقد التأمين يكون تجارياً بالتبعية إذا كان المؤمن تاجراً وكان عقد التأمين متعلقاً بحاجات تجارته. كأن يبرم تاجر عقد تأمين من الحريق لمصنعه أو لمتجره.

وبذلك فإن عقد التأمين هو عقد تجاري للطرفين إذا كان المؤمن من التجار وأبرمه في معرض تجارته. وهو عقد مختلط تجاري لشركة التأمين ومدني للمؤمن إذا لم يكن من التجار أو كان من التجار وإنما لم يعقده في معرض تجارته. كأن يؤمن تاجر من سرقة منزله أو من أضرار الحريق في منزله.

ثالثاً ـ موضوع عقد التأمين:      

 يُعد عقد التأمين عقداً ثنائي الطرف أي يولد التزامات متقابلة على طرفي العقد. فالمؤمن يلتزم بدفع القسط وهو محل التزامه، وتلتزم شركة التأمين بدفع مبلغ التأمين عند وقوع الكارثة وهذا محل التزام هذه الشركة. أما الخطر وهو أهم وأبرز العناصر التي يقوم عليها التأمين فهو محل التزام المؤمن وشركة التأمين. فالمؤمن يلتزم بدفع بدلات التأمين ليؤمن نفسه من الخطر، وشركة التأمين تدفع مبلغ التأمين لضمان المؤمن من الخطر، ويضاف إلى ذلك ضرورة توافر عنصر المصلحة في بعض أنواع التأمين.

1ـ الخطر: أدت خشية تحقق الأحداث الضارة إلى البحث عن الأمان عن طريق التأمين. وأطلق الخطر في التأمين، على الحدث المراد تغطيته من جهة، كما أطلق على احتمال وقوع هذا الحدث من جهة ثانية، من دون تمييز بينهما على الرغم من اختلاف الدور الذي يؤديه كل من المفهومين. والوقوف على الحادث المراد التأمين منه، أمر لازم في إبرام عقد التأمين وفي تحديد آثاره. وكل حادث قابل للتأمين هو خطر وتحيط به بعض الظروف والوقائع، تلك الظروف وهذه الوقائع ليس لها من شأن إذا وضعت في الحسبان وحدها من دون ربطها بالخطر المؤمن. إلا أن قيامها إلى جوار هذا الخطر أمر بالغ الأهمية، فهي قد تؤثر في احتمال تحقق الخطر ذاته، وقد تؤثر في الوقت الذي يمكن أن يتحقق فيه، وقد تؤثر في نطاقه إذا ما تحقق. وهي بهذا تدخل مع الحدث المؤمن في تحديد قسط التأمين أو ثمنه. ولم يكن الفقه قد وقف على التفريق بين الخطر بمعنى الحادث المؤمن، والخطر بمعنى احتمال تحقق هذا الخطر مقياساً لأداءات عقد التأمين أو تكلفته، كأثر من آثار خلط محل العقد بأداءاته، وذلك لقصور الجدوى من وراء ذلك.

 ويمكن تعريف الخطر بأنه:

"حادث مشروع ومحتمل الوقوع في المستقبل، يصيب المؤمن في ماله أو في جسمه، ولا يتوقف تحققه على محض إرادة أحد المتعاقدين".

 2ـ قسط التأمين أو البدل: القسط هو ثمن التأمين، وهو المقابل المالي الذي يلتزم المؤمن بدفعه لتغطية الخطر الذي تأخذه شركة التأمين على عاتقها. فهو من الناحية الفنية يمثل قيمة الخطر المغطى، ويمثل من الناحية القانونية مقابل الضمان والأمان الذي تبيعه شركة التأمين لزبائنها.

وقد يدفع القسط لشركة التأمين بصفة ثابتة لا تتغير ـ في الأصل ـ من عام إلى آخر، لذلك يسمى التأمين في هذه الحالة التأمين ذا القسط الثابت، وهو ما يدفع لشركة التأمين ذات القسط الثابت، كالأقساط التي تحصل عليها المؤسسة العامة السورية للتأمين التي تقوم بهذا الدور. أما في حالات التأمين التبادلي أو التعاوني فيمكن أن يكون المبلغ الذي يدفعه المؤمن لهيئة التأمين التعاونية متغيراً ويسمى في هذه الحالة اشتراكاً.

3ـ مبلغ التأمين: مبلغ التأمين أو أداء شركة التأمين: هو المبلغ الذي تتعهد شركة التأمين بدفعه للمؤمن، أو للمستفيد، عند تحقق الخطر المؤمن، أي عند وقوع الكارثة التي هي محل التأمين. كموت المؤمن بعد مدة معينة في حالة التأمين على الحياة. وكاحتراق المنزل المؤمن في حالة التأمين من الحريق، وكرجوع المتضرر على المؤمن في حالة التأمين من المسؤولية.

فمبلغ التأمين وهو التزام في ذمة شركة التأمين هو المقابل لقسط التأمين وهو التزام في ذمة المؤمن، وهذا نتيجة لكون عقد التأمين عقداً ملزماً للجانبين. وهناك ارتباط وثيق بين مبلغ التأمين وبين قسط التأمين، وقسط التأمين يحسب على أساس مبلغ التأمين، فكلما كان مبلغ التأمين كبيراً ارتفع قسط التأمين.

ويلاحظ أن مبلغ التأمين، وهو دين في ذمة شركة التأمين، يكون تارة ديناً مضافاً إلى أجل غير معين، وتارة يكون ديناً احتمالياً، بحسب ما إذا كان الخطر المؤمن محقق الوقوع ولكن لا يعرف ميعاد وقوعه، أو كان غير محقق الوقوع. ففي التأمين على الحياة يكون الخطر المؤمن هو الموت، وهو أمر محقق الوقوع ولكن لا يعرف ميعاد وقوعه، فيكون مبلغ التأمين ديناً في ذمة شركة التأمين مضافاً إلى أجل غير معين. وفي التأمين من الأضرار، سواء أكان تأميناً على الأشياء، كالتأمين من الحريق، أم كان تأميناً من المسؤولية، يكون الخطر المؤمن ـ وهو وقوع الحريق أو تحقق المسؤولية ـ أمراً غير محقق الوقوع، فيكون مبلغ التأمين ديناً احتمالياً في ذمة شركة التأمين، وهو بذلك التزام شرطي، نظراً لأن الخطر يُعد أمراً غير محقق الوقوع في ذاته.

 4ـ المصلحة: يهدف المؤمن من وراء إبرام عقد التأمين إلى تأمين نفسه ضد خطر معين مقابل قسط. فهو بذلك يسعى للحصول على التأمين، تأمين مصلحته من هذا الخطر الذي يخشى وقوعه. وقد اختلف الفقهاء في ضرورة توافر المصلحة في سائر أنواع التأمين وأقسامه بعدها عنصراً أساسياً من العناصر التي تشكل محل عقد التأمين.

فقد ذهب بعض الفقهاء إلى أن المصلحة ليست عنصراً من عناصر محل التأمين إلا في التأمين من الأضرار. أما في التأمين على الأشخاص فلا يشترط فيه توافر عنصر المصلحة. ولا تظهر أهمية اشتراط المصلحة في التأمين على الأشخاص إلا في حالة التأمين على الغير. ففي هذه الحالة وحدها يمكن التساؤل عما إذا كان من الضروري أن يكون للمؤمن مصلحة في بقاء المؤمن على حياته.

وذهب آخرون إلى ضرورة توافر المصلحة في التأمين، فإذا لم تكن للمؤمن مصلحة في عدم تحقق الخطر، كما لو كان من قام بالتأمين غير مالك أو لم يكن صاحب حق على الشيء المؤمن، فإن هذا قد يدفعه إلى افتعال الخطر، فيعمل على تحقيق الكارثة لكي يقبض مبلغ التأمين وبذلك يصير التأمين في حالة عدم توافر المصلحة للمؤمن عليه من عمليات المغامرة التي تبطل العقد..

ولهذا كان استلزام المصلحة في التأمين أمراً يمليه النظام العام، وهو خشية تعمد إحداث الكوارث ومنع المغامرة. فالخشية من الكوارث المتعمدة تقتضي ألا يستفيد المؤمن من الكارثة، ولا يتقاضى إلا ما يعوضه في حالة التأمين من الأضرار، كما تقضي كذلك أن يكون للمؤمن مصلحة في حفظ الشيء وعدم تحقق الكارثة. وأما من ناحية منع المغامرة فإن هذا يستلزم أن تكون للمؤمن مصلحة في حفظ الشيء. ذلك أنه إذا كان هلاك الشيء لا يهم المؤمن، فإنه سيضارب عليه.

وإذا كان توافر المصلحة في التأمين أمراً لازماً باعتبار أن ذلك يتعلق بالنظام العام فإن لزوم المصلحة واجب توافره في عقود التأمين كافة، إذ تعد المصلحة شرطاً في وجود التأمين. كما يجب أن تبقى المصلحة متوافرة طوال مدة التأمين. وهذا ما دعا بعضهم إلى القول إنه لا تأمين بلا مصلحة (Pas d’intérêt pas d’assurance).

فهي بذلك شرط ابتداء وبقاء في التأمين. ولهذا يترتب على عدم وجودها بطلان التأمين منذ البداية. كما يترتب على زوالها بعد قيام التأمين فسخ العقد، مع ترتيب الآثار القانونية في حالتي البطلان أو الفسخ لهذا النوع من العقود.

وقد ذهب المشرع في نص المادة (715) من القانون المدني إلى أنه:

"يكون محلاً للتأمين كل مصلحة اقتصادية مشروعة تعود على الشخص من عدم وقوع خطر معين".

من خلال ورود هذا النص بين الأحكام العامة للتأمين، يتبين أن المشرع جعل من المصلحة شرطاً عاماً في التأمين من الأضرار والتأمين على الأشخاص معاً. كما أن النص جاء مطلقاً، ولهذا لا ينبغي قصره على تأمين الأضرار فقط، خلافاً لما ذهب إليه بعضهم من أن المصلحة ليست إلا عنصراً في تأمين الأضرار فقط، دون التأمين على الأشخاص واستندوا إلى أن نص المادة (715) إنما يتكلم على المصلحة الاقتصادية التي لا تقوم إلا في تأمين الأضرار أما في تأمين الأشخاص، فإن المصلحة لا تكون عند اشتراطها مصلحة اقتصادية، بل معنوية.

رابعاًـ التزامات طرفي عقد التأمين:

1ـ التزامات المؤمن:

أ ـ الالتزام بالإعلان عن الخطر: يُعد هذا الالتزام ذا أهمية خاصة في عقد التأمين، ذلك أن الخطر هو المحل الرئيس للعقد، ومن ثم يقع على عاتق المؤمن أن يحيط شركة التأمين إحاطة تامة بجميع البيانات اللازمة لتمكينها من تقدير الخطر الذي تؤمنه، وبجميع الظروف التي من شأنها أن تؤدي إلى زيادة هذا الخطر. وإذا كانت شركة التأمين تستطيع، بوسائلها الخاصة، أن تقف على بعض هذه البيانات وأن تلم ببعض هذه الظروف، فإنها غير قادرة على أن تقف عليها جميعاً من دون مساعدة المؤمن. ومن ثم يجب على المؤمن أن يقدم جميع هذه البيانات وتقرير جميع هذه الظروف، لكي تتمكن شركة التأمين من تقدير جسامة الخطر، لتدرس إمكان تأمين الخطر، وتحديد مقدار القسط الذي سيدفعه المؤمن. فإذا لم يقدم المؤمن هذه البيانات ولم يعلن عن الخطر لشركة التأمين فإن جزاء مؤيداً يقع على ما يترتب على الإخلال بهذا الالتزام.

ب ـ الالتزام بدفع قسط التأمين: يُعد بدل التأمين سبب تغطية الخطر الذي تلتزم به شركة التأمين، فهو سبب الضمان. فشركة التأمين تلتزم بضمان الأخطار الواردة في العقد، مقابل التزام المؤمن بدفع بدل التأمين. ويكون بدل التأمين، غالباً، أقساطاً دورية سنوية، فإذا كان التأمين تعاونياً سمي هذا البدل اشتراكاً، وقد يكون البدل مبلغاً إجمالياً يدفع مرة واحدة ويسمى القسط الوحيد.

وقسط التأمين هو المقابل المالي الذي يدفعه المؤمن لشركة التأمين لتغطية الخطر المؤمن، ويحسب على أساس هذا الخطر، فإذا تغير الخطر تغير معه القسط وفقاً لمبدأ نسبة القسط إلى الخطر.

ويوجد التزام المؤمن بدفع قسط التأمين في أنواع التأمين كافة، حتى في التأمين على الحياة، يلتزم المؤمن بدفع القسط ويجبر على دفعه عن طريق القضاء، غير أنه يجوز له أن يتحلل من عقد التأمين قبل انتهاء الفترة الجارية، وهذا ما نصت عليه المادة (725) من القانون المدني:

"يجوز للمؤمن له الذي التزم بدفع أقساط دورية، أن يتحلل في أي وقت من العقد بإخطار كتابي يرسله إلى المؤمن قبل انتهاء الفترة الجارية، وفي هذه الحالة تبرأ ذمته من الأقساط اللاحقة".

ج ـ الالتزام بالإعلان عن الكارثة والتخفيف من آثارها:

يتوجب على المؤمن أن يصرح لشركة التأمين عن كل حادثة من شأنها أن تؤدي إلى تحقق الخطر المؤمن. وهذا التزام بديهي، يمس حقوق شركة التأمين التي يعنيها أن تعلم بوقوع الخطر المؤمن في أقرب وقت ممكن لتتخذ الاحتياطات اللازمة في الوقت المناسب. وتتأكد من أن الخطر الذي تحقق هو فعلاً من الأخطار المؤمنة، ثم تبادر إلى إجراء التحقيق اللازم، إن استدعى الأمر، لجمع الأدلة الممكنة عن ظروف وقوع الحادث وسؤال الشهود إن وجدوا، واتخاذ ما تستطيع من تدابير تحصر الضرر في أضيق نطاق ممكن، وتبحث عن المسؤول عن تحقق الخطر لكي تعود عليه بالتعويض عن محل التأمين. ويجب أن يصدر التصريح بوقوع الكارثة من المؤمن، أو من خلفه العام إذا مات أو من خلفه الخاص إذا انتقلت ملكية الشيء المؤمن إلى مالك آخر. على أنه قد يصدر التصريح من المستفيد ولاسيما في حالة التأمين على الحياة إذا استحق هذا الأخير مبلغ التأمين. وكذلك فإنه يصح التصريح عن الكارثة إذا قام به المتضرر، في التأمين من المسؤولية، تمهيداً لاستعمال حقه في الدعوى المباشرة.

ويوجه التصريح إلى شركة التأمين، في مركز عملها إما في الإدارة العامة أو أقرب فرع أو وكالة وذلك بموجب إخطار يتضمن البيانات كافة التي استطاع المؤمن العلم بها عند وقوع الكارثة.

2ـ التزام شركة التأمين بالتعويض عن الكارثة:

تسوى الكارثة بدفع مبلغ التأمين للمؤمن أو المستفيد أو الغير المتضرر. وفي التأمين من الأضرار يسبق دفع مبلغ التأمين الخبرة الفنية لتقدير الأضرار ودعوى قضائية قد تحفظ حقوق المؤمن أو حقوق شركة التأمين تجاه الغير المسؤول عن الحادث. وإذا تمت تسوية الحادثة بموجب قرار قضائي، فإن هذه التسوية قطعية بين الأطراف، وذلك وفقاً لقاعدة حجية الشيء المقضي به، ومع ذلك ففي التأمين من المسؤولية، إذا أصابت المتضرر أضرار جسدية أدت إلى عجز دائم وطالب بالتعويض عن هذه الأضرار وقت وقوعها من دون أن يضع في الحسبان تفاقم هذه الأضرار في المستقبل، فإن مبدأ حجية الشيء المقضي به لا يطبق، ومن ثم يستطيع المتضرر إذا تفاقمت إصابته الجسدية أن يطالب بتعويض عن هذه الأضرار التي ظهرت فيما بعد إذا لم يكن القاضي قد أخذ بها في أثناء الحكم بالتعويض عن الأضرار وقت وقوعها.

وقد تتم تسوية الكارثة ودياً، فتدفع شركة التأمين للمؤمن أو للمستفيد أو للغير المتضرر أو الدائن التعويض مباشرة  ودياً من دون اللجوء إلى نزاع قضائي لتسوية الكارثة. ومع ذلك فقد تعترض هذه التسوية بعض الصعوبات، كادعاء شركة التأمين بأنها وقعت في غلط في التعويض، فشاب إرادتها عيب. وكذلك قد يدعي المؤمن أو الغير المتضرر أنه قد التبس عليه الأمر في أهمية حقوقه، ومدى الأضرار التي لحقت به (في التأمين من الأضرار)، ويحتج بأنه كان ضحية غلط أو تدليس.

ولوضع حد لذلك تلجأ شركا التأمين إلى طلب صك مخالصة قطعي من المؤمن أو المتضرر بعد أن يتم تعويضه نهائياً بمبلغ يعادل الأضرار التي لحقت به، وبقيمة اتفاقية تأخذ صفة المصالحة، ويتنازل المؤمن أو المتضرر بموجب هذا الصك عن أي مطالبة لاحقة. على أن مثل هذه المصالحة يمكن إبطالها، وفقاً للقواعد العامة، بسبب الإكراه أو التدليس.

خامساًـ حق شركة التأمين في الحلول:

1ـ شروط الحلول:

تحل شركة التأمين محل المؤمن له في ملاحقة الغير بالمسؤولية عن الحادث بعد أن تعوض المؤمن عما أصابه من ضرر. لكي تستطيع شركة التأمين أن تحل محل المؤمن في ملاحقة الغير المسؤول عن الحادث، الذي تولد عنه ضمان الشركة بدفع مبلغ التأمين للمؤمن، لا بد من توافر الشروط التالية:

الشرط الأول: أن تدفع شركة التأمين فعلاً مبلغ التأمين للمؤمن، إذ لا حلول دون وفاء مبلغ التأمين، فالوفاء بمبلغ التأمين هو أساس الحلول. ويجب على شركة التأمين أن تثبت ذلك بأي وسيلة إثبات كانت (شيك، إيصال تسديد، حوالة مصرفية…)، ومن ثم فإن المؤمن الذي حصل على مبلغ التأمين كاملاً من الشركة يفقد حقه في الرجوع على الغير المسؤول.

الشرط الثاني: أن تكون هناك دعوى مسؤولية يرجع بها المؤمن على الغير المسؤول، فتحل فيها شركة التأمين محل المؤمن. ذلك أنه لا يمكن أن يكون هنالك حلول إذا لم تكن هنالك دعوى مسؤولية أو كانت دعوى المسؤولية قد انقضت. ودعوى المسؤولية قد تكون دعوى مسؤولية عقدية، مثالها المسؤولية العقدية للمستأجر تجاه مالك المنزل الذي احترق.

على أنه قد تنقضي دعوى المسؤولية، فلا مجال لإعمال الحلول، وذلك في حالات عديدة أهمها:

إذا دفع الغير المسؤول تعويضاً للمتضرر.

إذ تنازل المؤمن عن دعوى المسؤولية تجاه الغير المسؤول أو أعفى الغير من مبلغ التعويض. وفي هذه الحالة ترجع شركة التأمين على المؤمن لمطالبته بمبلغ التعويض كلياً أو جزئياً.

إذا ترك المؤمن دعواه تجاه المسؤول تسقط بالتقادم، فلا يمكن لشركة التأمين أن ترجع على المسؤول بدعوى الحلول.

2ـ نطاق الحلول:

يتحدد نطاق حلول شركة التأمين محل المؤمن في الرجوع على المسؤول بمقدار ما دفعته الشركة للمؤمن، ولو كان هذا المقدار أقل مما يترتب في ذمة الغير المسؤول للمؤمن. ذلك أن شركة التأمين قد لا تعوض المؤمن تعويضاً كاملاً لأسباب عديدة: إما بسبب التخفيض النسبي للبدل أو التعويض، أو بسبب الإعفاءات.

ففي هذه الحالة لا يمكن لشركة التأمين أن تمارس دعوى الحلول إلا ضمن حدود المبلغ الذي دفعته، ومن ثم يحق للمؤمن المتضرر أن يلاحق الغير بدعوى المسؤولية على بقية مبلغ التعويض عن الأضرار التي لحقت به. وفي هذه الحالة يكون هناك تزاحم بين المؤمن وشركة التأمين في الرجوع على الغير المسؤول. وتعترض مشكلة من يتقدم منهما على الآخر في حال عدم ملاءة المسؤول، أي إذا كان الغير المسؤول لا يستطيع أن يدفع مبلغ التعويض إلا جزئياً. تطبيقاً لقاعدة أنه لا يمكن للمرء أن يحل ضد نفسه، فإن المؤمن يتقدم على شركة التأمين في الرجوع على المسؤول الذي تعهدت الشركة بضمان الضرر الذي يسببه.

وبالمقابل إذا تعددت عقود التأمين، وكان هناك عدة شركات تأمين. وحلت محل المؤمن تجاه الغير المسؤول عن الكارثة نفسها، فإنها تتمتع بالحقوق نفسها، والوضع نفسه أيا كان تاريخ دفع كل منها مبلغ التأمين للمؤمن.

 3ـ آثار الحلول:

 يترتب على حلول شركة التأمين، محل المؤمن، بعد أن دفعت مبلغ التأمين، في ملاحقة الغير المسؤول أن يفقد المؤمن حقه في إقامة دعوى المسؤولية قبل الغير من جهة وأن شركة التأمين تمارس دعوى المسؤولية نفسها التي كانت من حق المؤمن.

أ ـ فقدان المؤمن لحقه في إقامة دعوى المسؤولية قبل الغير المسؤول:

ويعد ذلك طبيعياً لأن المؤمن، الذي تم تعويضه عن الأضرار التي لحقت به من قبل شركة التأمين، لا يمكنه أن يرجع على الغير المسؤول، بعد أن حلت محله شركة التأمين في سائر الحقوق والدعاوى تجاه الغير المسؤول بموجب نص قانوني أو اتفاقي، لذلك فلم يعد للمؤمن مصلحة ولم تعد له صفة في إقامة دعوى المسؤولية (نقض مدني فرنسي 1975 المجلة العامة للتأمين البري، R.G.A.T.، 1975، ص 382). إلا إذا لم يكن قد حصل على تعويض كامل من شركة التأمين، فيمكنه أن يلاحق الغير جزئياً بموجب دعوى المسؤولية.

ب ـ تمارس شركة التأمين دعوى المسؤولية نفسها التي يتمتع بها المؤمن:

تمارس شركة التأمين، عن طريق الحلول، محل المؤمن الدعاوى نفسها التي يتمتع بها قبل الغير المسؤول عن الضرر. لذلك فهي تتمتع بالحقوق والمزايا نفسها التي يستفيد منها المؤمن، وبالمقابل يمكن للغير أن يحتج تجاه شركة التأمين بالدفوع كافة التي من حقه التمسك بها تجاه المؤمن .

 5ـ القيود التي ترد على الحلول:

 ترد على الحلول قيود معينة ينتفي معها الحلول، فلا تحل شركة التأمين محل المؤمن في ملاحقة المسؤول عن الحادث.

القيد الأول: انتفاء الحلول تجاه بعض الأشخاص:

فقد نصت المادة (737) من القانون المدني السوري على الاستثناء من الحلول:

"ما لم يكن من أحدث الضرر قريباً أو صهراً للمؤمن له ممن يكون معه في معيشة واحدة، أو شخصاً يكون المؤمن له مسؤولاً عن أفعاله".

وسبب هذا القيد، أنه فيما يتعلق بالأقارب والأصهار ممن يكونون مع المؤمن في معيشة واحدة، وهم ذوو المؤمن من زوجة وأولاد وأقارب وأصهار، فرض القانون أنهم إذا كانوا هم الذين تسببوا في الحادث، فلن يرجع المؤمن عليهم بالتعويض لعلاقته الخاصة بهم التي تأكدت بأنهم يعيشون معه في بيت واحد، فإذا كان هو لا يرجع عليهم فأولى بشركة التأمين ألا ترجع.

أما فيما يتعلق بالأشخاص الذين يكون المؤمن مسؤولاً عن أفعالهم، كالخدم والأتباع ويدخل أيضاً من هم تحت رقابته ولو لم يقيموا معه في معيشة واحدة، فقد منع المشرع هنا أيضاً المؤمن من الرجوع عليهم بدعوى الحلول، لا من أجل العلاقة الخاصة التي تربطهم بالمؤمن فحسب، وإنما أيضاً لأن المؤمن هو المسؤول بالمال عنهم.

ويعد هذا القيد من النظام العام ولا يجوز الاتفاق على ما يخالفه، ومن ثم لا يجوز لشركة التأمين أن تشترط الرجوع على هؤلاء بدعوى الحلول، ولا أن تتفق مع المؤمن على تحويل حق هذا الأخير إليها.

القيد الثاني: إذا أصبح حلول شركة التأمين محل المؤمن متعذراً لسبب يعود إلى المؤمن. كأن يقر المؤمن للغير المسؤول بعدم مسؤوليته، أو يبرئ ذمته منها، أو يصالحه من دون موافقة شركة التأمين. وفي هذه الحالة تبرأ ذمة شركة التأمين تجاه المؤمن بقدر ما أضاعه هذا الأخير عليها من الرجوع بدعوى الحلول على الغير المسؤول، إذا لم تكن قد دفعت له مبلغ التأمين. أما إذا كانت قد دفعت له مبلغ التأمين، كان من حقها أن تسترد من المؤمن مبلغاً بمقدار ما أضاعه عليها، من دون أي زيادة. فإذا اتفق طرفان على حسم أكثر مما ضاع ضد مصلحة المؤمن كان هذا الاتفاق مخالفاً للنظام العام ومن ثم يكون باطلاً.

القيد الثالث: أن تتنازل شركة التأمين عن حقها في الحلول.

وقد يكون هذا النزول عاماً قبل وقوع الحادث المؤمن، فيدرج كشرط في وثيقة التأمين وتقابله عادة زيادة في قسط التأمين. وقد يكون النزول عن هذا الحق خاصاً بحادث معين بعد وقوعه. ولا يجوز التوسع في تفسير هذا التنازل، ويقتصر على الحادث المبين وعلى الأشخاص الذين تنازلت شركة التأمين عن الحلول لمصلحتهم فيجوز على الرغم من هذا التنازل، لشركة التأمين، مبدئياً، أن تعود على شركة التأمين التي أمن الغير المسؤول لديها عن مسؤوليته.

سادساً ـ انقضاء عقد التأمين:

ينقضي عقد التأمين إما بالأسباب العادية لانقضاء العقود بحلول أجل العقد أي بانتهاء مدته أو بانقضاء محل العقد كهلاك المركبة المؤمنة.

أو بفسخ عقد التأمين جزاء لعدم دفع قسط التأمين، فإذا امتنع المؤمن له أو تخلف عن تسديد القسط، جاز لشركة التأمين أن تتحلل من الضمان. وحول هذه النقطة فإن الحل الذي يتبع وفقاً للقواعد العامة، هو أن تلجأ شركة التأمين إلى إعذار المؤمن له، وتطلب إلى القضاء إما التنفيذ العيني، وإما فسخ عقد التأمين مع التعويض. وهذا الإجراء لا يُعد كافياً من جهة وهو خطير من جهة أخرى. فلا يمكن مطالبة كل شركة تأمين لم تحصل بدل التأمين أو لم يدفع لها أن تعذر المؤمن وتلاحقه عن طريق القضاء للمطالبة بفسخ العقد والتعويض. وفي هذا الوقت يبقى التأمين (وهذا هو الخطر) ساري المفعول إلى أن يصدر الحكم بالفسخ؛ ذلك لأن التأمين هو عقد زمني لا يفسخ بأثر رجعي، فإذا ما تحقق الخطر وجب على شركة التأمين تعويض المؤمن له، مع جواز حبس مبلغ التأمين حتى تستوفي القسط أو الأقساط المستحقة، أو تقتطع من مبلغ التأمين هذه الأقساط. ولا شك في أن هذه الإجراءات، لا تلائم إطلاقاً مصلحة شركة التأمين، ولا سيما إذا استغل المؤمن له طولها وتعقيداتها، وهذا ما لا يتفق مع التبسيط الواجب مراعاته في تسيير عجلة التأمين؛ لذلك لجأت شركات التأمين إلى وضع شروط خاصة في وثائق التأمين من شأنها أن تقلب الوضع، فتيسر الإجراءات تيسيراً شديداً بحيث يصبح المؤمن تحت رحمة شركة التامين. من ذلك أن تشترط إعفاءها من الإعذار، فإذا تأخر المؤمن في دفع القسط وقف عقد التأمين ويتوقف معه التزام شركة التأمين بضمان الخطر المؤمن. فيفاجأ المؤمن، قبل أن يعذر بدفع القسط المستحق، وقد تحقق الخطر، بأن التزام شركة التأمين موقوف لأنه لم يدفع القسط في تاريخ استحقاقه، فيضيع عليه حقه في التعويض.

لذلك كان لا بد من تدخل المشرع وحل هذه النقطة تحقيقاً لمصلحة طرفي العقد، فقد تدخل كل من المشرع الفرنسي واللبناني والمشروع التمهيدي للقانون المدني المصري في وضع أحكام تنظم جزاء تخلف المؤمن عن التزامه بدفع التأمين.

وفي الواقع العملي تفسخ شركة التأمين عقد التأمين إذا لم يلتزم المؤمن له بدفع قسط التأمين دون أن توجه له أي إنذار خطي بضرورة الدفع. على أن القانون المصري واللبناني ألزما شركة التأمين بوجوب توجيه إعذار خطي للمؤمن بوجوب دفع بدل التأمين وبأنها ستوقف العقد لمدة معينة ثم ستلجأ إلى فسخه، في حال عدم التزامه بدفع قسط التأمين، وبذلك ينقضي عقد التأمين.

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ توفيق حسن فرج، أحكام الضمان في القانون اللبناني (الدار الجامعية، 1986).

ـ رزق الله انطاكي ونهاد السباعي، موسوعة الحقوق التجارية، الجزء السادس، أعمال التأمين (مطبعة جامعة دمشق، 1961).

ـ صلاح الدين طلبة، التأمين (دار الفكر، 1966).

ـ عبد الرزاق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني، عقود الغرر، عقد التأمين.

ـ ميشيل بيكار وأندريه بيسون، التأمين البري، الجزء الأول، عقد التأمين، الطبعة الخامسة (منشورات المطبعة العامة للقانون والاجتهاد القضائي، 1982).

ـ بلانيول، ريبر، بيسون، عقد التأمين، في الموسوعة العلمية للقانون المدني، الطبعة الثانية (1954).

ـ جوزيف هيمار، الموسوعة النظرية والعملية للتأمين البري (باريس 1924ـ 1925).

ـ ايفون لامبير، فيفر، قانون التأمين، وجيز داللوز، الطبعة الخامسة (1985).

ـ أندريه روبير، موسوعة التأمين البري (بروكسل 1949).

ـ سارتر، القانون التجاري (طبعة 1961).

ـ مجلة القانون الصادرة عن وزارة العدل في الجمهورية العربية السورية.

ـ مجلة المحامون الصادرة عن نقابة المحامين في الجمهورية العربية السورية.

ـ المجلة العامة للتأمين البري(R.G.A.T.) .


التصنيف : القانون التجاري
النوع : القانون التجاري
المجلد: المجلد الخامس: طرق الطعن في الأحكام الإدارية ــ علم العقاب
رقم الصفحة ضمن المجلد : 263
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 529
الكل : 31278732
اليوم : 26920