logo

logo

logo

logo

logo

التوقيف الاحتياطي

توقيف احتياطي

preventive detention - détention préventive

 التوقيف الاحتياطي

التوقيف الاحتياطي

طارق الخن

 تعريف التوقيف الاحتياطي

مبررات التوقيف الاحتياطي وعيوبه

شروط التوقيف الاحتياطي

حسم مدة التوقيف الاحتياطي من العقوبة

 

الأصل أن الحرية حاجة إنسانية لازمة لتأكيد كرامة الإنسان، وهي حق من حقوقه، لا يجوز أن يُسلب منه أو أن ينازعه فيه أحد.

وتماشياً مع هذا الأصل سعت الدساتير في العالم إلى تكريس الحرية والحدّ من سلطات التوقيف والتضييق من نطاق اللجوء إليه. فقد نصت المادة /28/ من دستور الجمهورية العربية السورية لعام 1973 على ما يلي:

1- كل متهم بريء حتى يُدان بحكم قضائي مبرم.

2- لا يجوز تحري أحد أو توقيفه إلاّ وفقاً للقانون.

وقرينة البراءة تقضي بأن المدعى عليه بريء، ويجب أن يُعامل على هذا الأساس خلال فترة النظر في الدعوى حتى صدور حكم قضائي مبرم. غير أن ضرورات اكتشاف الحقيقة قد تقتضي تقييد حريته في بعض الأحيان.

أولاً- تعريف التوقيف الاحتياطي Preventive detention:

التوقيف الاحتياطي هو «إيداع المتهم السجن خلال فترة التحقيق كلها أو بعضها أو إلى أن تنتهي محاكمته».

وفي تعريف آخر هو «سُلب حرية المتهم مدة من الزمن تحددها مقتضيات التحقيق ومصلحته وفق ضوابط قررها القانون».

كما يمكن تعريفه بأنه «وضع المدعى عليه في أحد محال التوقيف طيلة مدة التحقيق معه أو خلال فترة منه بموجب مذكرة صادرة عن قاضي التحقيق. وقد يستمر هذا التوقيف إلى أن يصدر حكم مبرم في الدعوى».

ولابدّ من الإشارة إلى أن المشرع السوري قد اكتفى في قانون أصول المحاكمات الجزائية باستعمال تعبير (التوقيف) فقط، دون أن يصفه بوصف ما، كما فعل المشرع المصري الذي سمّاه (الحبس الاحتياطي)، أو المشرع الفرنسي الذي سمّاه (التوقيف المؤقت).

ثانياً- مبررات التوقيف الاحتياطي وعيوبه:

يرى الفقه الجزائي أن للتوقيف الاحتياطي عدة مبررات لا يجوز تجاوزها وإلاّ أضحى حجزاً للحرية غير مشروع، وهذه المبررات هي:

أ- الخشية من تمكن المجرم عندما يترك حراً طليقاً من طمس معالم الجريمة المنسوبة إليه أو محو آثارها، أو التأثير في الشهود الذين لم يستمع القاضي إلى شهاداتهم.

ب- عدم فرار المدعى عليه وتواريه عن الأنظار، واحتمال تعذر إنزال العقاب به عند إدانته.

ج- الخوف من إقدام المدعى عليه على ارتكاب جرائم أخرى؛ ولاسيما إذا كانت العوامل الإجرامية التي قادته إلى جريمته الأولى ما تزال قائمة.

د- حماية المدعى عليه نفسه، فوجود المدعى عليه طليقاً في مكان جريمته قد يغري أهل المجني عليه بالانتقام منه.

هـ- تهدئة الرأي العام وكبح غضبه، فبقاء المدعى عليه حراً على الرغم من جريمته قد يثير مشاعر الاستنكار في المجتمع، فالتوقيف الاحتياطي للمدعى عليه يمثل إرضاء عاجلاً لمشاعر المجتمع ريثما يتحقق الرضا الكامل بإنزال العقاب بالمدعى عليه فيما بعد.

وعلى الرغم من هذه المبررات فإن للتوقيف الاحتياطي عيوبه، فهو يناقض قرينة البراءة، باعتباره ينزل بالمدعى عليه إيلاماً في الوقت الذي لم تثبت فيه إدانته بعد، كما أنه يؤدي إلى قطع صلاته بعائلته، ويوقف نشاطه المهني؛ وقد يحدث التوقيف الاحتياطي صدمة نفسية للمدعى عليه ولاسيما إذا ثبتت براءته فيما بعد.

والواقع أن الفقه الجزائي قد تقبّل عيوب التوقيف الاحتياطي بسبب مبرراته التي سبقت الإشارة إليها.

ثالثاً- شروط التوقيف الاحتياطي:

يمس التوقيف الاحتياطي حرية المدعى عليه، ولذلك فقد أحاط القانون إصدار مذكرة التوقيف ببعض الشروط، وهي:

1- جسامة الجريمة: يشترط لإصدار مذكرة التوقيف أن يكون الفعل المسند إلى المدعى عليه جرماً معاقباً عليه بالحبس أو بعقوبة أشد من الحبس، كالأشغال الشاقة مثلاً. ومن ثم لا يمكن إصدار مذكرة توقيف بحق شخص إذا كان جرمه معاقباً عليه بالغرامة فقط.

2- استجواب المدعى عليه: يشترط لإصدار مذكرة التوقيف أن يستجوب قاضي التحقيق المدعى عليه حول التهمة المنسوبة إليه. وهذا الاستجواب ذو أهمية خاصة؛ لأنه من الجائز أن يتمكن المدعى عليه من إثبات عدم صحة التهمة المنسوبة إليه. أما إذا كان المدعى عليه فارّاً من وجه العدالة؛ فيمكن لقاضي التحقيق في هذه الحالة أن يصدر بحقه مذكرة توقيف غيابياً.

3- أخذ رأي النيابة العامة: يشترط القانون أخذ رأي النيابة العامة قبل إصدار مذكرة التوقيف. بيد أن رأيها استشاري لا يلزم قاضي التحقيق، فإذا اتخذ المحقق قراراً خلافاً لرأيها، كان للنيابة العامة أن تستأنف القرار الصادر بهذا الشأن. وهذه إحدى الضمانات الهامة لو أحسن استعمالها وتطبيقها.

4- إصدار مذكرة التوقيف جوازي: جعل المشرع إصدار مذكرة التوقيف أمراً اختيارياً، وليس وجوبياً، فتحقق شروط إصدار هذه المذكرة لا يعني بالضرورة إصدارها فعلاً، فالقاضي هو الذي يقدر ظروف القضية وملابساتها ومدى الحاجة إلى اتخاذ مثل هذا الإجراء الخطير الذي يمس الحرية.

ولابدّ من الإشارة بأن وزارة العدل السورية أصدرت سلسلة من القرارات والبلاغات تشدّد فيها على وجوب احترام الحرية الإنسانية. ومن هذه القرارات القرار رقم /50/ الصادر بتاريخ 18/12/1953، وقد جاء فيه «إن القوانين احتاطت جداً للمحافظة على الأبرياء من كيد الآثمين، لذلك يجب على قضاة التحقيق سرعة البت في قضايا الموقوفين». وأيضاً البلاغ الصادر برقم /13/ تاريخ 7/2/1955 الذي يلح كثيراً على إيلاء هذا الموضوع ما يستحقه من عناية قصوى.

5- الجهة التي تملك إصدارها: خصّ المشرع السوري قضاة التحقيق والإحالة بسلطة إصدار مذكرة التوقيف، كما خصّ المحاكم بذلك بعد دخول الدعوى في حوزتها. ومن ثم ليس للنيابة العامة أو الضابطة العدلية مثل هذه السلطة، وذلك ضماناً لحريات الأفراد من التعسف والاعتباط.

ولابدّ من الإشارة إلى أنه يجب على القاضي أن يعلّل مذكرة التوقيف لجهة الوقائع والقانون، فيصّرح فيها بالجرم الذي استوجب إصدارها، كأن يذكر أنه ارتكب جرم القتل، ونوعه، فيُقال: عمداً أو قصداً أو خطأً، والمادة القانونية التي تعاقب عليه.

وصدور مذكرة التوقيف يجيز لمن ينفذها دخول بيت الشخص المطلوب إلقاء القبض عليه دون حاجة إلى إذن من القضاء.

رابعاً- حسم مدة التوقيف الاحتياطي من العقوبة:

لم يحدّد المشرع مدة مذكرة التوقيف معتمداً في ذلك على ضمير  القضاة وشرفهم، بيد أن المشرع أوجب حسم مدة التوقيف الاحتياطي من العقوبة المحكوم بها، سواء أكانت العقوبة مانعة للحرية (كالأشغال الشاقة أو الاعتقال أو الحبس) أم كانت مقيدة للحرية (كالإقامة الجبرية)، وهذا ما نصت عليه المادة /117/ من قانون العقوبات بقولها:

1- يحسب التوقيف الاحتياطي دائماً في مدة العقوبة المانعة أو المقيدة للحرية.

2- ويحسم هذا التوقيف من الغرامة بمقدار ما يقرره القاضي وفقاً لأحكام المواد /54/ و/62/ و/64/، ويُسقط من مدة التدابير الاحترازية المانعة للحرية إذا قضى القاضي بذلك صراحة في الحكم.

وعلة هذه القاعدة أن التوقيف الاحتياطي - وإن لم يكن عقوبة - فهو سلب للحرية، وقد تحمّله المدعى عليه من أجل المصلحة العامة في وقت كان لايزال فيه بريئاً، وحسم مدته من مدة العقوبة إجراء تقتضيه العدالة كي لا يُضار المدعى عليه بهذا التوقيف.

وتحسب مدة التوقيف الاحتياطي من اليوم الذي تمّ فيه حجز حرية المدعى عليه بموجب مذكرة التوقيف، أو من يوم حجز حريته إذا كان التوقيف عرفياً، أو من يوم إلقاء القبض عليه من قبل الضابطة العدلية إذا كان مذاع البحث عنه.

ولا تثور صعوبة إذا أُدين المدعى عليه بالجريمة التي حُبس احتياطياً من أجلها؛ لأن قاعدة الحسم في هذه الحالة سهلة التطبيق. ولكن تثور الصعوبة إذا بُرئ المدعى عليه من الجريمة التي حُبس احتياطياً من أجلها، وحُكم عليه بالعقوبة من أجل جريمة أخرى، فهل تُطبق هنا قاعدة الحسم؟

أجابت محكمة النقض السورية عن هذا السؤال، فميزت بين حالتين:

الحالة الأولى: أن يكون الجرمان اللذان ادعت النيابة العامة بهما منظورين أمام المحكمة ذاتها أو تمّ توحيدهما. ففي هذه الحالة يُحسب التوقيف الاحتياطي من الجرم الثاني الذي لم يوقف من أجله المدعى عليه؛ لأن الدعويين أصبحتا دعوى واحدة، والعقوبة التي سيُحكم بها واحدة.

الحالة الثانية: أن تكون كل جريمة منظورة على حدة أو في محاكم مختلفة. ففي هذه الحالة لا علاقة بين الجرمين، ولا تسقط مدة الحبس الاحتياطي في الجريمة التي بُرئ منها من عقوبة الجريمة الأخرى؛ لأن الإدغام وتنفيذ العقوبة الأشدّ ينحصر في حالة اجتماع العقوبات المحكوم بها، وليس في مثل هذه الحالة عقوبات متعددة، وإنما توجد براءة من الجرم الذي أُوقف به، وعقوبة على الجرم الآخر الذي لم يوقف من أجله، وقد ذهبت البراءة بالتوقيف الاحتياطي، وبقيت العقوبة المقابلة للجرم الثاني دون تنفيذ.

وإذا حكم على المدعى عليه بعقوبة سالبة للحرية وبالغرامة؛ حُسمت مدة الحبس الاحتياطي من العقوبة السالبة للحرية أولاً، فإن لم تستنفد حُسمت بعد ذلك من الغرامة. وتختلف طريق الحسم باختلاف نوع الغرامة، فإذا كانت الغرامة جنحية الوصف؛ كان الحسم باعتبار أن يوماً واحداً من مدة الحبس الاحتياطي يوازي غرامة تراوح بين خمس ليرات إلى عشر ليرات. أما إذا كانت الغرامة تكديرية؛ فيكون اليوم الواحد من الحبس الاحتياطي يوازي غرامة تراوح بين ليرتين وخمس ليرات. أما في الغرامة الجنائية؛ فإن اليوم الواحد من الحبس الاحتياطي يوازي غرامة بين خمسين ليرة وثلاثة آلاف ليرة.

أما إذا حُكم على المدعى عليه بالتدابير الاحترازية المانعة للحرية - وهي: الحجز في مأوى احترازي، أو العزلة، أو الحجز في دار للتشغيل- فيتم حسم مدة الحبس الاحتياطي من مدة التدبير الاحترازي المحكوم به.

وفي جميع الحالات السابقة، إذا سهت المحكمة عن حساب مدة التوقيف الاحتياطي؛ أمكن استدراكه بقرار لاحق، ولا يعدّ ذلك سبباً للنقض.

مراجع للاستزادة:

 

- حسن الجوخدار، أصول المحاكمات الجزائية، الجزء الثاني (منشورات جامعة دمشق، الطبعة الخامسة، 1991).

- محمود نجيب حسني، شرح قانون الإجراءات الجنائية (دار النهضة العربية، الطبعة الثانية، القاهرة 1988).

- عبد الوهاب حومد، أصول المحاكمات الجزائية (المطبعة الجديدة، الطبعة الرابعة، دمشق 1987).

- أحمد فتحي سرور، الوسيط في قانون الإجراءات الجنائية (دار النهضة العربية، القاهرة 1985).

- يعرب عبد اللطيف سلوم، «مدة التوقيف الاحتياطي في قانون أصول المحاكمات الجزائية السوري والقوانين العربية والأجنبية»، بحث مقدم إلى المعهد القضائي في سورية، 2009.

 


التصنيف : القانون الجزائي
النوع : القانون الجزائي
المجلد: المجلد الثاني: بطاقة الائتمان ــ الجرائم الواقعة على السلطة العامة
رقم الصفحة ضمن المجلد : 302
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 530
الكل : 31804251
اليوم : 3794