logo

logo

logo

logo

logo

الجريمة

جريمه

crime - infraction

 الجريمة

الجريمة

عبد الجبار الحنيص

التعريف بالجريمة

الركن المادي للجريمة

الركن المعنوي للجريمة

الركن القانوني للجريمة

الشروع في الجريمة

   

الجريمة ظاهرة اجتماعية عرفتها المجتمعات الإنسانية على مر التاريخ، أي منذ نشوء التناقضات التي يحملها النظام الاجتماعي في تكوينه وفي الأسس التي يقوم عليها بنيانه. إذ قد تدفع ظروف الحياة المادية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية بالإنسان أحياناً إلى الخروج على القواعد التي تحكم المجتمع، إما بوسائل العنف (مثل القتل والضرب والإيذاء، والاغتصاب، وأخذ مال الغير بالقوة)، وإما بوسائل الغش والاحتيال والتزوير. وقد قاومها المجتمع منذ نشوئه، وقبل ظهور التشريعات الجزائية الوضعية الحديثة كان المرجع في تحديد الجريمة وعقوبتها هو الضوابط الأخلاقية والضوابط الدينية. وفي سورية صدر قانون العقوبات بالمرسوم التشريعي رقم 148 في 22 حزيران 1949، وتضمن القواعد القانونية التي تحدد الأفعال المجرمة وعقوباتها.

ودراسة الجريمة من الناحية القانونية تقتضي البحث في تعريفها، ثم في أركانها والشروع في تنفيذها.

أولاً- التعريف بالجريمة:

لم يتضمن قانون العقوبات السوري تعريفاً للجريمة l’infraction وذلك جرياً على النهج الذي اتبعته أغلب التشريعات الجزائية. وهو نهج سليم لأن وضع تعريف عام للجريمة  في متن القانون سوف يثير خلافات حادة حول الأساس الذي اعتمده المشرع لإقامة التعريف عليه. إذ لن يكون جامعاً لكل العناصر المطلوبة فيها، كما أنه لن يمنع من إدراج عناصر خارجة عما يراه المشرع. ومن هذا المنطلق اقتصر قانون العقوبات السوري على ذكر أركان ثلاثة للجريمة، إذا اجتمعت في فعل عُد جريمة معاقباً عليها. وهذه الأركان هي الركن المادي والركن المعنوي والركن القانوني. كما أنه صنف الجرائم في ثلاث زمر، هي الجنايات والجنح والمخالفات، دون أن يضع لكل زمرة منها تعريفاً مباشراً. إذ اختار العقوبة للدلالة على نوع كل جريمة، فإذا كان الجرم معاقباً بعقوبة جنائية عُد في زمرة الجنايات، وإذا كان معاقباً بعقوبة جنحية عُد في زمرة الجنح، وإذا كان معاقباً بعقوبة مخالفة عُد في زمرة المخالفات.

ولقد تصدى لتعريف الجريمة الفقهاء المهتمون بدراستها لوضع معيار للأفعال التي تُكوّن السلوك الإجرامي، يُمكّنهم من تمييز هذا السلوك من غيره من أنماط السلوك الإنساني الأخرى. وقد تعددت تعريفات الجريمة بتعدد الباحثين فيها. ويمكن رد هذه التعريفات إلى زمرتين: الأولى تتضمن التعريفات الاجتماعية، وتحتوي الثانية على التعريفات القانونية.

وتركز التعريفات الاجتماعية للجريمة على بيان جوهرها وعدها سلوكاً يخالف الناموس الاجتماعي، ويستحق مرتكبها العقاب حتى لو لم ينص عليها القانون. فالجريمة هي فعل مدان اجتماعياً، ومعاقب عليه بعقوبة تفرضها القيم الاجتماعية السائدة في المجتمع. ولكن فقهاء القانون لم يقبلوا بالتعريف الاجتماعي، لما يتصف به من عدم الثبات والاستقرار والغموض والبعد عن الدقة العلمية. إذ تتعارض هذه العيوب مع الحقيقة المادية للتجريم والعقاب التي تستلزم قواعد واضحة ومحددة وثابتة ودقيقة ومجردة ومُلزمة، وهذا لا يتوافر إلا في القواعد القانونية. لذا فقد أخذت الغالبية العظمى من القوانين الوضعية بالتعريف القانوني للجريمة وعزفت عن تعريفها الاجتماعي.

أما التعريفات القانونية للجريمة فجميعها متشابهة من حيث المضمون، ويقتصر التباين والاختلاف فيما بينها على الصياغة الشكلية فحسب. إذ جميع هذه التعريفات تدور حول مضمون الجريمة من خلال النصوص القانونية حسب وجهة نظر كل فقيه، فهي ترتد إلى هذه النصوص وتحتكم إليها.

ويُمكن تعريف الجريمة بأنها: «سلوك يحظره القانون ويقرر لفاعله عقوبة جزائية، أو تدبير احترازي أو إصلاحي».  فالسلوك لا يعد جريمة، إلا إذا وجدت قاعدة قانونية جزائية تحظره، وتقرر له عقوبة أو تدبير، وأن تتوافر فيه جميع أركان الجريمة بما يتطابق مع نموذجها القانوني كما رسمته تلك القاعدة.

ويستوي أن يكون مرتكب الجريمة شخصاً طبيعياً (الإنسان) أو شخصاً اعتبارياً. والقاعدة العامة أن المشرع لا يشترط صفة معينة في هذا الفاعل، فالقاعدة القانونية الجزائية موجهة لجميع الأشخاص الذين يعنيهم نصها. لكن المشرع يشترط، في بعض الحالات، صفة معينة في الشخص، ومن ثم لا تقوم الجريمة إلا بتوافر هذه الصفة في شخص مرتكبها. ومثال ذلك صفة السوري في جرائم الخيانة المنصوص عليها في المواد (263-269) من قانون العقوبات، وصفة الموظف في جريمة الرشوة المادة (341)، وصفة الحارس في جريمة تسهيل فرار السجناء المادة (416).

ويستوي أن يكون المجني عليه شخصاً طبيعياً أو شخصاً اعتبارياً. ولا يشرط دائماً أن يكون المجني عليه هو الشخص المتضرر من الجريمة، فمثلاً في جريمة إساءة الائتمان المنصوص عليها في المادة (656) من قانون العقوبات يمكن أن يكون المودع غير المالك للمال في عقد الوديعة، فالمجني عليه هنا المودع، أما المتضرر فهو المالك. وقد لا يكون المجني عليه هو الشخص الذي يعاني من السلوك المادي للجريمة، فمن يقوم بتشويه جسده للتخلص من الخدمة العسكرية لا يكون مجنياً عليه، بل المجني عليها هي الدولة؛ لكونها صاحبة الحق في مساعدة أبنائها للدفاع عن الوطن. ويكون المجني عليه شركة التأمين في حال إقدام شخص على إحراق المنزل الذي يملكه للحصول على مبلغ التأمين. 

وموضوع الجريمة هو الحق أو المصلحة التي يحميها القانون. إذ يهدف المشرع من خلال القواعد القانونية الجزائية إلى حماية حق الدولة بالبقاء والاستقرار في جريمة اغتصاب السلطة، وحق الحياة في جريمة القتل، وحق السلامة الجسدية في جريمة الإيذاء، وحق الملكية في جريمة السرقة، وحقوق الأسرة في جريمة الزنا، والمصلحة الاقتصادية للفرد في جريمة الاحتكار… إلخ.

ثانياً- الركن المادي للجريمة:

يتكون الركن المادي للجريمة، كقاعدة عامة، من عناصر ثلاثة هي: السلوك الإجرامي، والنتيجة الجرمية، وعلاقة السببية بينهما.

أ- السلوك الإجرامي: يتشكل السلوك الإجرامي من فعل إيجابي يرتكبه الفاعل، كما يتشكل من موقف سلبي يقفه هذا الفاعل. فتقوم الجريمة بفعل مادي، كما تقوم بامتناع عن القيام بفعل مادي. 

(1)- الفعل المادي: يُراد بالفعل المادي للجريمة الحركة العضوية الإرادية التي تحدث تغييراً ملموساً في المحيط الخارجي، يمكن إدراكه بأي حاسة من الحواس، سواء ترك آثاراً مادية أم لم يترك.

ويستفاد من هذا التعريف قيام الفعل المادي للجريمة على عنصرين هما: الحركة العضوية وصفتها الإرادية.

v الحركة العضوية: يتحقق الفعل المادي للجريمة في الحركات العضوية التي تصدر عن مرتكبه ابتغاء تحقيق آثار مادية معينة. إذ يتصوّر الجاني النتيجة الجرمية التي يرغب في بلوغها، ويتصوّر في الوقت نفسه الحركة العضوية التي يقتضيها تحقيق هذه النتيجة. ففي جريمة القتل يريد الفاعل إزهاق روح إنسان، ويتصوّر الوسيلة إلى ذلك قي إطلاق رصاصة تصيبه، فيحرك يده للضغط على زناد البندقية، أو في جريمة الذم والقدح يريد الجاني المساس بشرف شخص، ويتصوّر الوسيلة إلى ذلك في النطق بألفاظ تخدش اعتباره، فيحرك لسانه للتفوه بها… إلخ.

ويترتب على اعتبار الحركة العضوية عنصراً في الفعل المادي للجريمة، أن هذا الأخير لايقوم بفكرة حبيسة في نفس صاحبها، بل إنه لا يقوم بمجرد العزم والتصميم على المساس بحقوق الغير، إذ ينقصه في الحالتين الحركة العضوية.

ويستوي صدور الحركة العضوية عن أي عضو من أعضاء جسم الإنسان، فإن أعضاء الجسم الإنساني كلها سواء في تحقيق الحركات العضوية التي يتكون منها الفعل الإجرامي، فقد يستخدم ذراعيه أو أحدهما في القتل والضرب والسرقة والتزوير، أو لسانه في الذم والقدح وإفشاء الأسرار… إلخ.

v الصفة الإرادية: يشترط لقيام الفعل الإجرامي أن يكون مصدر الحركة العضوية أو سببها هو الإرادة، أي أن تكون هذه الإرادة هي التي دفعتها. فإذا انتفت الإرادة فقدت الحركة العضوية صفتها الإرادية، ولا يتحقق الفعل الإجرامي حتى لو أدت الحركة إلى إهدار حقوق يحميها القانون. ومثال ذلك من يصاب بإغماء في أثناء سيره أو جلوسه فيقع على مال الغير فيتلفه أو على طفل فيصيبه بجروح لا يعد مرتكباً فعل إتلاف أو إيذاء.

(2)- الامتناع: وكما تقوم الجريمة بفعل مادي، فإنها تقوم بالامتناع عن القيام بفعل مادي. وقد استخدم المشرع السوري تعبير «عدم الفعل»، ويطلق عليه الفقهاء «الامتناع أو الترك»، وهو إحجام شخص بإرادته عن القيام بفعل معين مأمور به قانوناً. فيجب أن يكون في التشريع نص يُلزم الشخص بالقيام بعمل معين، وإذا امتنع عن القيام به عوقب بالعقوبة المقررة في القانون الجزائي، إذ لا عقاب بدون نص. ومن أمثلة الجرائم التي تقع بالامتناع: امتناع القاضي عن الحكم، امتناع الشاهد عن الحضور أمام القضاء، امتناع عن الإبلاغ عن جناية واقعة على أمن الدولة، الامتناع عن تسليم الطفل إلى من له الحق في حضانته، الامتناع عن دفع النفقة المحكوم بها إلى مستحقيها… إلخ.

ب- النتيجة الجرمية: يقصد بالنتيجة الجرمية الأثر الناجم عن السلوك الإجرامي، ولها مدلولان: مدلول مادي لكونها تمثل «حقيقة مادية»، ومدلول قانوني لكونها تمثل «حقيقة قانونية»، وعلى الرغم من الاختلاف بين المدلولين ثمة صلة وثيقة بينهما تقتضي الرجوع إليهما معاً لتحديد ماهية النتيجة الجرمية والأحكام التي تخضع لها. 

فهي تعد حقيقة مادية لكونها تظهر بصورة أثر مادي ضار له وجوده في العالم الخارجي، كالوفاة في جريمة القتل، وانتقال المال المسروق إلى حوزة الجاني في جريمة السرقة.

وتعد النتيجة الجرمية حقيقة قانونية لما تمثله من اعتداء على حق جدير بالحماية الجزائية، بحسب رؤية الشارع. وبهذا المعنى يمكن القول: إن النتيجة الجرمية في القتل هي العدوان على الحق في الحياة، وهي في جريمة الإيذاء الجسدي العدوان على الحق في سلامة الجسم، وهي في السرقة العدوان على حق الملكية.

ويعد المدلول القانوني للنتيجة الجرمية التكييف القانوني لمدلولها المادي، إذ يقوم المدلول القانوني على أساس من المدلول المادي، ويُعد هذا الأخير الموضوع الذي ينصب عليه الأول. فالقول بوجود اعتداء على حق يحميه القانون هو تكييف قانوني للآثار المادية التي أنتجها السلوك الإجرامي.

وقد تعتبر النتيجة الجرمية مجرد حقيقة قانونية لا تحمل أي ضرر مادي لأحد، وإنما تتمثل في اعتداء على حق أو مصلحة يحميها القانون، كحمل سلاح ممنوع، والاتفاق الجنائي، وانتحال صفة عسكرية، والامتناع عن إنباء السلطات العامة بالجناية المخلة بأمن الدولة، الامتناع عن التبليغ عن الولادات والوفيات… إلخ.

وتكون النتيجة الجرمية ضارة غالباً، إذ معظم الجرائم تحدث ضرراً مادياً، كالقتل والإيذاء والسرقة والاختلاس والحريق وقطع الأشجار وإتلاف المحصولات الزراعية، أو تحدث ضرراً معنوياً كالتحقير والذم والقدح؛ ويطلق على هذه الجرائم تسمية «جرائم الضرر». وبالمقابل هناك عدد من الجرائم لا ينتج منها أي ضرر مادي أو معنوي، كالاتفاق الجنائي، والمؤامرة على أمن الدولة، والتحريض على ارتكاب جناية أو جنحة لم ترتكب، تقليد خاتم الدولة والعلامات الرسمية، وتزوير العملة والأسناد العامة دون استعمالها، وتزوير الطوابع دون استعمالها؛ ويطلق على هذه الجرائم تسمية «جرائم الخطر».     

ج- الصلة السببية «Lien de causalité»: يمكن تعريف الصلة السببية بأنها: «العلاقة التي تربط بين السلوك الإجرامي والنتيجة الجرمية». إذ لابد، لأجل إسناد جريمة إلى الفاعل، من وجود صلة سببية بين ما قام به من فعل أو امتناع وبين النتيجة الجرمية، أي يجب أن يثبت باليقين أن النتيجة الضارة حدثت بسبب فعل الفاعل أو امتناعه. ويترتب على ذلك أن الصلة السببية هي عنصر في الركن المادي للجريمة، وظيفته الربط بين السلوك والنتيجة الإجرامية.

ولكن قد يحدث أن ينضم إلى سلوك الفاعل أسباب أخرى تتعاون فيما بينها على إحداث النتيجة، فمن هو المسؤول في مثل هذه الأحوال؟

نصت المادة (203) من قانون العقوبات السوري على ما يلي:

«1- إن الصلة السببية بين الفعل وعدم الفعل من جهة وبين النتيجة الجرمية من جهة ثانية لا ينفيها اجتماع أسباب أخرى سابقة أو مقارنة أو لاحقة سواء جهلها الفاعل أو كانت مستقلة عن فعله.

2- ويختلف الأمر إذا كان السبب اللاحق مستقلاً وكافياً بذاته لإحداث النتيجة الجرمية. ولا يكون الفاعل في هذه الحالة عرضة إلا لعقوبة الفعل الذي ارتكبه».

ويتضح من النص السابق أن المشرع السوري أخذ بنظرية تعادل الأسباب، وعد الفاعل مسؤولاً عن النتيجة الجرمية ولو تضافرت أسباب متعددة على إحداثها، سواء كانت سابقة أو مقارنة أو لاحقة لفعله، حتى لو كان يجهلها، أو كانت مستقلة عن فعله استقلالاً تاماً، أي إن اجتماع هذه الأسباب مع سلوك الفاعل الأصلي لا ينفي قيام الصلة السببية بينه وبين النتيجة الجرمية. وقد ساوى المشرع أيضاً بين الفعل والامتناع عنه في قيام هذه الصلة.

ولكن بعد أن تبنى المشرع في الفقرة الأولى من المادة (203) من قانون العقوبات نظرية تعادل الأسباب في معيار الصلة السببية، عاد ووضع في الفقرة الثانية من هذه المادة استثناء مفاده: «ويختلف الأمر إذا كان السبب اللاحق مستقلاً وكافياً بذاته لإحداث النتيجة». فبموجب هذا الاستثناء لا يُعد الجاني مسؤولاً عن النتيجة الجرمية النهائية إذا كان السبب اللاحق على فعله مستقلاً (أي ألا يكون ناجماً أو متولداً عنه) وكافياً بذاته لإحداثها. وقد أجاز المشرع للمحكمة تخفيض العقوبة في الجرائم الواقعة على الأشخاص، إذ نصت المادة (554) من قانون العقوبات على أنه: «إذا كان الموت والإيذاء المرتكبان عن قصد أو غير قصد نتيجة عدة أسباب جهلها الفاعل وكانت مستقلة عن فعله أمكن تخفيض العقوبة بالمقدار المبين في المادة 199».  

ثالثاً- الركن المعنوي للجريمة:

يرتكب الفاعل جريمته قصداً أو خطأً. ففي حالة القصد يكون العلم والإرادة متجهين إلى الفعل والنتيجة، فتنشأ بذلك الجريمة المقصودة. أما في حالة الخطأ يريد الفاعل الفعل ولا يريد نتيجته، ولكنه يؤاخذ على عدم توقعه لهذه النتيجة لأن من واجبه أو بمقدوره توقعها فتنشأ بذلك الجريمة غير المقصودة. وعليه فإن الركن المعنوي يتحقق بإحدى صورتين: القصد (النية الجرمية) أو الخطأ.

أ- القصد الإجرامي: عبّر المشرع السوري عن القصد بالنية l’intention. والنية الجرمية كما عرفتها المادة (187) من قانون العقوبات هي «إرادة ارتكاب الجريمة على ما عرفها القانون». إذ الإرادة هي التي تعبّر عن اتجاه الفاعل إلى إحداث الفعل المكون للجريمة وتحقيق نتيجته، فهي جوهر القصد الإجرامي. ولكن لكي تنشأ هذه الإرادة ينبغي أن يسبقها العلم بعناصر ذلك الفعل على ما عرفه القانون. لذا فإن القصد الإجرامي يقوم على عنصرين هما: العلم والإرادة.

والعلم يتمثل في امتلاك الجاني قدراً كافياً من المعلومات عن العناصر التي تؤلف الجريمة على النحو الذي يحدده القانون. ومن هذه العناصر ما يتعلق بطبيعة الفعل، ومنها ما يتعلق بالنتيجة، ومنها ما يتعلق بالظروف التي تدخل في تشكيل الجريمة. فمن يضع سماً في طعام إنسان ليقتله، يجب أن يكون عالماً بأن المادة التي يضعها في الطعام سم قاتل موجه إلى إنسان حي. ومن يغمد خنجراً في صدر إنسان يجب أن يكون عالماً بأن الفعل سيقود إلى وفاته. ومن أمثلة العلم بالظروف التي تدخل في تشكيل الجريمة علم السوري أنه يرتكب أفعاله العدوانية ضد سورية زمن الحرب، وعلم الراشي بالصفة الوظيفية للشخص الذي يعرض عليه الرشوة، وعلم الفاعل أنه يرتكب فعل الاعتداء على موظف.

ولكن هل يشترط العلم بالقانون؟ افترض المشرع السوري العلم بجميع أحكام القانون الجزائي بتبنيه قاعدة «لا جهل بالقانون»، إذ نصت المادة (222) من قانون العقوبات صراحة على ذلك بقولها: «لا يمكن أحد أن يحتج بجهله بالقانون الجزائي أو تأويله إياه تأويلاً مغلوطا».

ولم يستثنِ المشرع من هذه القاعدة سوى حالتين ذكرتهما الفقرة الثانية من المادة ذاتها وهما: «أ- الجهل بقانون جديد إذا اقترف الجرم خلال الأيام الثلاثة التي تلت نشره. ب- جهل الأجنبي الذي قدم سورية منذ ثلاثة أيام على الأكثر بوجود جريمة مخالفة للقوانين الوضعية لا تعاقب عليها قوانين بلاده أو قوانين البلاد التي كان يقيم فيها».  

وينبغي أن تتجه إرادة الجاني في القصد الإجرامي إلى ارتكاب الفعل. ولكن هذا غير كافٍ في الجرائم ذات النتيجة الضارة، إذ يتطلب توافر القصد الإجرامي فيها أن تتجه الإرادة أيضاً إلى إحداث النتيجة. ففي جريمة القتل يجب أن تتجه إرادة الفاعل إلى إطلاق النار وإزهاق روح إنسان حي.

v القصد والدافع: يختلف القصد عن الدافعle mobile ، فهذا الأخير هو نشاط نفسي يتجه إلى إشباع  حاجة أو تحقيق رغبة. الدافع هو العامل النفسي الذي يحرك الإرادة لإشباع هذه الحاجة أو إرضاء هذه الرغبة.  وقد عرّف المشرع السوري «الدافع» في الفقرة الأولى من المادة (191) من قانون العقوبات بقوله: «الدافع هو العلة التي تحمل الفاعل على الفعل أو الغاية القصوى التي يتوخاها».

أما القصد الإجرامي فهو العلم بطبيعة الفعل ونتيجته وظروفه، وإرادة تنفيذه وتحقيق نتيجته، بصرف النظر عن أهدافه ودوافعه. لذلك فإن القصد واحد في جميع الجرائم، في الوقت الذي يتعدد فيه الدافع ويتغير من جريمة لأخرى. ففي جريمة القتل يقوم القصد دائماً على العلم بماهية القتل وطبيعة الفعل أو النتيجة التي يؤدي إليها، وإرادة إزهاق روح إنسان حي. أما الدافع فقد يكون الانتقام، أو التمهيد لسرقة، أو التخلص من خصم سياسي، أو الحفاظ على الكرامة والشرف.

والقاعدة العامة تقضي بعدم الاعتداد بالدافع فيما يتعلق بقيام الجريمة، إذ مهما كان الدافع فلا أثر له في مسؤولية الفاعل عن وقوع الجريمة، أي إنه لا يعد عنصراً في التجريم لأن الأساس المعنوي للتجريم هو القصد الإجرامي أو الخطأ الجزائي غير المقصود. وكذلك لا أثر للدافع في العقوبة؛ لأن الأساس الذي تقوم عليه العقوبة، من حيث المبدأ، هو خطورة الفعل. ولكن أورد المشرع السوري على هذه القاعدة استثناءات، إذ عد الدافع عنصراً في التجريم إضافة إلى القصد الإجرامي في بعض الجرائم (المادة 191/2 من قانون العقوبات)، كما يؤثر الدافع، في حالات معينة، في العقوبة فيشددها أو يخففها. ومن أمثلة الجرائم التي أدخل القانون الدافع عنصراً فيها، فجريمة التأثير في اقتراع أحد السوريين لا تقوم إلا إذا كان الدافع إليها إفساد نتيجة الانتخابات (المادة 321 من قانون العقوبات)، وجريمة إغواء امرأة أو فتاة لا تقوم إلا إذا كان الدافع إليها إرضاء أهواء الغير (المادة510 من قانون العقوبات)، وجريمة تسهيل إغواء العامة على ارتكاب الفجور مع الغير لا تتحقق إلا إذا كان الدافع إليها هو الكسب (المادة 512 من قانون العقوبات)، وجريمة عدم تنفيذ الالتزامات المتعلقة بالمشاريع أو المهمات الاقتصادية لا تقوم إلا إذا كان الدافع إليها هو إلحاق الضرر (المادة 6 من قانون العقوبات الاقتصادية). وقد ذكر المشرع دافعين لتخفيف العقوبة وهما الدافع الشريف (المادة 192 من قانون العقوبات) والدافع السياسي (المادتان 195/1 و197 من القانون ذاته). ومن الدوافع التي نص عليها المشرع السوري وعدها سبباً لتشديد العقوبة: الدافع الشائن (المادتان193و534/1 من قانون العقوبات)، ودافع الكسب (المواد 194 و512 و754 من قانون العقوبات)، والدافع الأناني الدنيء (المادتان 195 و198 من قانون العقوبات).

والقصد الإجرامي يكون عاماً أو خاصاً، أو مباشراً أو احتمالياً، أو محدداً أو غير محدد، أو بسيطاً أو عمداً.  

v القصد العام والخاص: تميز التشريعات الجزائية، ومن بينها القانون السوري، بين القصد العام والقصد الخاص. ويراد بالقصد العام النية الجرمية كما عُرفت آنفاً، أي القصد الإجرامي المتمثل بالعلم والإرادة. فالقصد الإجرامي العام هو توجيه إرادة الفاعل نحو ارتكاب فعل أو امتناع عن فعل يعلم أنه ينتهك به حرمة النصوص القانونية. وهذا القصد يجب توافره في جميع الجرائم المقصودة دون استثناء. أما القصد الإجرامي الخاص (أو النية الجرمية الخاصة) فيراد به القصد الإضافي، أو شرط التجريم، الذي تتطلبه بعض الجرائم إضافة إلى القصد الإجرامي العام. فعلى سبيل المثال، إن الضرب والجرح من الجرائم التي تتطلب قصداً عاماً فحسب، إذ يكفي أن يقصد الفاعل اقتراف فعل الإيذاء، أما جريمة القتل فلا يكفي فيها هذا القصد، بل يجب أن يتوافر معه قصد آخر هو نية إزهاق روح إنسان حي. وبناء على ذلك فرق المشرع السوري بين القتل قصداً وبين التسبب بموت إنسان من غير قصد القتل بالضرب أو بالعنف أو بالشدة أو بأي فعل مقصود آخر (المادة 536 من قانون العقوبات).

ومن الجرائم التي تحتاج إلى قصد خاص في قانون العقوبات السوري التجسس (المادة 271)، وبعض جرائم الخيانة (المادتان 264 و266) وصرف النفوذ (المادة 347)، وتقليد أو تزوير العملة أو الأسناد العامة أو الطوابع أو المحررات (المواد 430،432،440،443)، والتعرض للأخلاق والآداب العامة (المادة 519)، وتسهيل الإجهاض ومنع الحمل، والحريق (المادة 567)، والسرقة (المواد 621-634)، الابتزاز (المادة 636).

v القصد المباشر والقصد الاحتمالي: يراد بالقصد المباشر قصد الجاني إحداث نتيجة معينة يريد الوصول إليها وهو عالم بصورة يقينية بحدوثها أو بلزوم حدوثها كأثر حتمي لفعله. أما القصد الاحتمالي فيراد به قصد الجاني إحداث نتيجة جرمية معينة، فإذا بفعله يولد نتائج أخرى لم يكن يريد تحقيقها أو الوصول إليها، وإن كان قدر احتمال وقوعها فقبل بالمخاطرة. وقد نص المشرع السوري على القصد الاحتمالي في المادة (188) من قانون العقوبات، وجاء فيها أنه: «تعد الجريمة مقصودة وإن تجاوزت النتيجة الجرمية الناشئة عن الفعل أو عدم الفعل قصد الفاعل إذا كان قد توقع حصولها فقبل بالمخاطرة». فاشترط المشرع لقيام القصد الاحتمالي توافر شرطين: أولهما توقع الجاني حصول النتيجة الناشئة من فعله أو عدم فعله كأثر محتمل له، وثانيهما قبول الجاني بالمخاطرة على الرغم من توقعه للنتيجة الجرمية المحتملة.

v القصد المحدد والقصد غير المحدد: يكون القصد الإجرامي محدداً عندما تتجه فيه إرادة الفاعل إلى  ارتكاب جريمة محددة في موضوعها ونتيجتها، ومثاله من ينوي قتل زيد من الناس فيطلق عليه النار ويقتله. أما القصد الإجرامي غير المحدد فيكون عندما تتجه فيه إرادة الفاعل إلى ارتكاب جريمة دون تحديد موضوع نتيجتها، ومثاله من يلقي قنبلة في وسط جمع من الناس ولا يعلم مسبقاً عدد المصابين الذي سينجم عن فعله ومن هم الأشخاص المصابون.

v القصد البسيط والعمد: ميز المشرع السوري بين القصد الإجرامي البسيط والعمد (القصد الإجرامي المشدد). ويراد بالقصد البسيط النية الجرمية التي يعقبها التنفيذ بعد تشكيلها مباشرة أو بعد تشكيلها بفترة زمنية قصيرة. أما العمد فيراد به النية الجرمية التي تبدأ باتخاذ القرار بارتكاب الجريمة ثم التصميم على تنفيذها في حالة نفسية هادئة، أو في حالة تفكير هادئ؛ أو هو النية الجرمية التي تتكون في حالة استقرار النفس، وهدوء البال، وبعدٍ عن الانفعال وثورة العواطف (نقض سوري، جناية 367 قرار 390 تاريخ 14/6/1954؛ نقض سوري، جناية 128 قرار 156 تاريخ 26/2/1958؛ نقض سوري، جناية 22 قرار 5 تاريخ 7/1/1961؛ نقض سوري، جناية 412 قرار 282 تاريخ 30/11/1961؛ نقض سوري، جناية 256 قرار 249 تاريخ 3/4/1963؛ نقض سوري، جناية 282 قرار 402 تاريخ 9/6/1965؛ نقض سوري، جناية620قرار675 تاريخ 17/10/1968؛ نقض سوري، جناية 327 قرار 200 تاريخ 2/4/1973؛ نقض سوري، جناية 483 قرار 37 تاريخ 19/3/1992؛ نقض سوري، جناية 76 قرار 1 تاريخ 22/1/2000؛ نقض سوري، جناية 436 قرار 1053 تاريخ 3/12/2000؛ نقض سوري، جناية 1453 قرار 59 تاريخ 4/2/2001؛ نقض سوري، عسكرية 1059 قرار1140 تاريخ 13/11/1979؛ نقض سوري، عسكرية 1020 قرار 1054 تاريخ 8/10/1980). وتتطلب حالة استقرار النفس وهدوء البال مدة زمنية كافية قد تطول وقد تقصر تبعاً لشخصية الجاني وظروفه. وفي ذلك قالت الهيئة العامة لمحكمة النقض إن شرط المدة طويلاً أو قصيراً ليس مطلوباً قانوناً، وإنما يؤخذ كقرينة، وهي تختلف من شخص إلى آخر (نقض سوري، هيئة عامة 526 قرار 425 تاريخ 4/12/2000). وهذه مسألة موضوعية يترك تقديرها لمحكمة الموضوع. والنية الجرمية في العمد تستنتج من الأفعال المادية والتصرف والأقوال التي يقوم بها المتهم وتصدر عنه، وأن المتهم قد صمم على الخلاص من المغدور بالقتل وهو هادئ البال ومرتاح النفس (نقض سوري، هيئة عامة 258 قرار 120 تاريخ 24/6/1996). وتشدد العقوبة في حالة العمد، فيعاقب المشرع السوري مثلاً على القتل قصداً بالأشغال الشاقة من خمس عشرة سنة إلى عشرين سنة (المادة 533 من قانون العقوبات)، بينما يعاقب على القتل عمداً بالإعدام (المادة 535 من نفس القانون).

ب- الخطأ الجزائي la faute pénale: يُعد الخطأ صورة الركن المعنوي في الجريمة غير المقصودة، فهو وصف ينصرف إلى الإرادة فيجعلها محلاً للمساءلة القانونية. إذ يتطلب المشرع اتجاه الإرادة على النحو الذي لا يعرض حقوق ومصالح الغير للخطر، فإذا اتجهت إلى غير ذلك تكون قد خالفت أمره أو نهيه. وعلى ذلك؛ فإن جوهر الخطأ الجزائي هو إخلال بالتزام عام يفرضه المشرع يتمثل في مراعاة الحيطة والحذر والحرص على الحقوق والمصالح التي يحميها.

وقد حدّد المشرع السوري مدلول الخطأ في المادتين (189 و190) من قانون العقوبات، فنصت المادة الأولى على أن: «يكون الخطأ إذا نجم الفعل الضار عن الإهمال أو قلة الاحتراز أو عدم مراعاة الشرائع والأنظمة». ونصت المادة الثانية على أن: «تكون الجريمة غير مقصودة سواء لم يتوقع الفاعل نتيجة فعله أو عدم فعله المخطئين، وكان في استطاعته أو من واجبه توقعها، وسواء توقعها فحسب أن بإمكانه اجتنابها».

ويتضمن النص الأول بياناً للصور التي يتخذها الخطأ، أما الثاني فقد تضمن بياناً للصلة بين ذهنية مرتكب الجريمة غير المقصودة ونتيجتها. لذلك فإن تحديد مفهوم الخطأ واستخلاص عناصره يقتضيان الجمع بين النصين السابقين.

فالخطأ الجزائي يقوم على عنصرين: أولهما، الإخلال بواجب الحيطة والحذر، وثانيهما العلاقة الذهنية والنفسية بين مرتكب الفعل والنتيجة الجرمية.  ولكن ما هو معيار الإخلال بواجب الحيطة والحذر؟

يميل غالبية الفقهاء إلى الأخذ بالمعيار الموضوعي، وقوامه الشخص المعتاد، أي الشخص الذي يلتزم في تصرفاته قدراً متوسطاً من الحيطة والحذر. فبموجب هذا المعيار يقاس سلوك المدعى عليه بسلوك شخص مجرد يطلق عليه «الشخص المعتاد»، فإذا التزم المدعى عليه في تصرفاته القدر من الحيطة والحذر الذي يلتزمه هذا الشخص فلا ينسب إليه أي إخلال، أما إذا نزل دونه نُسب إليه الإخلال. ولا يعني ذلك إهمال الظروف التي صدر فيها التصرف، إذ لابد أن يوضع الشخص المعتاد في الظروف نفسها التي وضع فيها المدعى عليه، كظروف المكان و الزمان، والمرض، والخوف… إلخ.

ويشترط لقيام الخطأ وجود علاقة ذهنية ونفسية بين مرتكب الفعل (المدعى عليه) والنتيجة الجرمية. ومضمون هذه العلاقة هو عدم توقع النتيجة، مع وجوب توقعها، وإمكانية توقعها، والحيلولة دون حدوثها؛ أو توقع هذه النتيجة، وعدم إرادة الفاعل لها، واعتماده على مهاراته في إمكانية تجنب حدوثها.

أما صوّر الخطأ الجزائي كما حددتها المادة /189/ من قانون العقوبات فهي: الإهمال، وقلة الاحتراز، وعدم مراعاة الشرائع والأنظمة. وقد ردد المشرع هذه الصور في المواد (550 ، 579، 588، 590، 591) من قانون العقوبات، وردد بعضها في المواد (6، 7، 8، 10، 11، 13، 14، 18، 19، 20، 23، 25 ، 28) من قانون العقوبات الاقتصادية رقم 37 لعام 1966 وتعديلاته.

v الإهمالla négligence: ويراد بالإهمال حالة الفاعل الذي يرتكب الخطأ بوقوفه موقفاً سلبياً، تجاه ما تستلزمه قواعد الحيطة والحذر، بحيث لو قام به لما حدثت النتيجة الضارة. وهو ما يطلق عليه «الخطأ عن طريق الامتناع» أو «ترك الموجب». مثال ذلك حارس المنزل الذي يهمل في صيانته فينهار ويصيب سكانه بالأذى، والمكلف بالعناية بطفل فيهمل العناية به فيموت، وحائز الحيوان الخطر الذي يتركه حراً فيعض أحد الناس، وحارس السجن الذي يهمل مراقبة السجناء فيفرون.

v قلة الاحترازimprudence: ويراد بها حالة الطيش أو الرعونة، وعدم التبصر بالأمور أو قلة الاحتياط، أو سوء تقدير النتائج تقديراً كافياً. وهذه الصورة ترتبط دائماً بنشاط إيجابي. مثال ذلك المرأة التي تنام إلى جانب رضيعها وتنقلب عليه فيختنق، وسائق السيارة الذي يسير في طريق مزدحمة وهو يمازح من معه فيها فلا ينتبه إلى المارة فيدهس أحدهم، والسائق الذي ينطلق بسيارته قبل أن يتأكد من نزول جميع الركاب فيسقط أحدهم أثناء نزوله ويصاب بأذى. وأمثلة قلة الاحتراز كثيرة في حوادث السير والعمل والبناء والمعالجات الطبية والعمليات الجراحية.   

v عدم مراعاة الشرائع والأنظمة inobservation des lois et des règlements: ويقصد بالشرائع القوانين والمراسيم التشريعية التي تصدر عن مجلس الشعب أو رئيس الجمهورية. أما الأنظمة فيقصد بها المراسيم والقرارات التي تصدر عن رئيس الجمهورية، وأحياناً تصدر بعض الأنظمة بقرارات عن مجلس الوزراء أو الوزارات أو مجالس المحافظات أو البلديات وغيرها من الدوائر العامة، وهي تهدف إلى المحافظة على الأمن والسلامة العامة والصحة. 

إن عدم مراعاة الشرائع والأنظمة يرتب على الفاعل مسؤولية جزائية، دون حاجة إلى ارتكاب إهمال أو قلة احتراز، إذ  يعاقب بمجرد ارتكاب المخالفة ولو لم تلحق ضرراً بأحد. مثال ذلك السائق الذي يقود سيارته بسرعة تتجاوز الحد المسموح به قانوناً، أو الذي يقف بسيارته على يسار الطريق، أو السائق الذي يتجاوز الشارة الضوئية. ولكن إذا قاد السائق سيارته في الشروط القانونية ودهس أحد المارة، فذلك لا يعني ذلك إعفاءه من العقاب، بل يسأل جزائياً على أساس الإهمال أو قلة الاحتراز. وقد أدانت محكمة النقض سائق القطار الذي دهس راكب دراجة كان يمر على الخط الحديدي (وهذا خطأ من راكب الدراجة) قبيل مرور القطار، مع أنه كان يقود القطار بالسرعة القانونية. غير أنه وقد دخل مدخل مدينة حمص، لم يقلل السرعة، حين رأى راكب الدراجة على بعد 300 متراً، فاعتبر مرتكباً جريمة قتل خطأ (نقض سوري، جنحة قرار 15 تاريخ 11/1/1966).

ولكن إذا كان عدم مراعاة الشرائع والأنظمة سبباً في ارتكاب جريمة أخرى فيعد هذا الخطأ كافياً لقيام الركن المعنوي لهذه الجريمة. مثال ذلك إذا مارس شخص الطب وهو غير مجاز لممارسته قانوناً، فإنه يرتكب بذلك خطأ يعاقب عليه القانون، حتى لو لم يُحدث هذا الخطأ ضرراً. وإذا عالج شخصاً ومات هذا الشخص فإن مدعي الطب يكون مسؤولاً كقاتل خطأ، دون البحث فيما إذا كانت معالجته سليمة أو غير سليمة من الناحية الفنية.

ومما تجدر الإشارة إليه أن مساهمة المجني عليه في وقوع النتيجة بخطئه لا تسقط مسؤولية الجاني، لأنه لا مقاصة بين الأخطاء في التشريع الجزائي، إذ يبقى كل خطأ مستقلاً عن الآخر، ويحسب دوره كاملاً في المسؤولية الجزائية. ولكن يمكن أن يؤثر مساهمة المجني عليه في الخطأ في العقوبة والتعويض، بتخفيضهما حسب نسبة هذه المساهمة.

رابعاً - الركن القانوني للجريمة:

كل فعل لم يذكره القانون الجزائي صراحة لا يعد جرماً. وكل جرم منصوص عليه في القانون لا يمكن أن يعاقب عليه بغير العقوبات المذكورة صراحة في القانون. إذ لا يجوز للقاضي تجريم أفعال أو استنباط عقوبات لم تذكر في النص القانوني. فالركن القانوني يفترض خضوع الفعل لنص تجريم يكسبه صفة غير المشروعية. ولكن هذه الصفة يمكن أن تزول في حال توافر في الفعل سبب تبرير؛ لأن ذلك يعيد الفعل إلى أصله بصيرورته مشروعاً. إذ يفترض الركن القانوني انتفاء أسباب التبرير لما تمثله من قيود على نص التجريم، فتخرج من نطاقه أفعالاً كانت خاضعة له.

ويقصد بخضوع الفعل لنص تجريم حصر مصادر التجريم في النصوص التشريعية، وبهذا الحصر يقوم مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات Légalité des délits et despeines، ومقتضى هذا المبدأ أن الجريمة لا ينشئها إلا نص قانوني وأن العقوبة لا يقررها غير نص قانوني، «فلا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون Nullum crimen nulla poena since lege».

 ويعود الفضل في نشأة هذا المبدأ إلى الحركات الثورية في القرن الثامن عشر، وخاصة الثورة الفرنسية التي نادت باحترام الحريات العامة وبطرح أساليب الفوضى القديمة، ودعت إلى الحد من سلطة القاضي الذي كان قبل قيامها موظفاً عادياً في خدمة الملك. وقد أُعلن هذا المبدأ أول مرة بعد قيام الثورة الفرنسية في إعلان حقوق الإنسان الصادر في 26 آب عام 1789، ثم نص عليه قانون العقوبات الفرنسي لعام 1810، ثم أخذت به الأمم المتحدة في البيان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 10 كانون الأول 1948.

وقد أخذت به غالبية بلدان العالم وعدته ضمانة دستورية فأدخلته نصاً في صلب دساتيرها. إذ أصبح مبدأ قانونية الجرائم والعقوبات أساساً جوهرياً من أسس الاستقرار واحترام الكرامة الإنسانية، وضمان حقوق الفرد. وهذا ما فعلته سورية حين تبنت  مبدأ لا جريمة ولاعقوبة بلا نص قانوني في دساتيرها المتعاقبة. فنصت المادة التاسعة من دستور 1930 على أنه: «لا جرم يستوجب الجزاء ولا عقوبة يقضى بها إلا حسب نصوص القانون». وجاء في المادة العاشرة من دستور 1950 ما يلي: «لا يحكم على أحد بسبب فعل أو ترك لم يكن حين اقترافه معاقباً عليه بموجب القوانين المعمول بها، ولا تطبق عقوبة أشد من العقوبة النافذة حين ارتكابه». وهذا هو المذهب ذاته الذي تبناه الدستور المؤقت للجمهورية العربية المتحدة الصادر في 15 آذار 1958 (المادة الثامنة)، والدستور السوري المؤقت لعام 1969 في المادتين (27 و28). وأدخلت أخيراً في دستور الجمهورية العربية الصادر في 13 آذار 1973، فنصت المادة (29) منه على أنه: «لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص قانوني».

كما نصت على هذا المبدأ المادة الأولى من قانون العقوبات التي جاء فيها ما يلي:

«1- لا تفرض عقوبة ولا تدبير احترازي أو إصلاحي من أجل فعل لم يكن القانون قد نص عليه حين اقترافه. 2- لا تؤخذ على المدعى عليه الأفعال التي تؤلف الجرم وأعمال الاشتراك الأصلي أو الفرعي التي أتاها قبل أن ينص القانون على هذا الجرم». وقد وضع المشرع في المواد (1-5) من القانون نفسه قواعد قانونية الجرائم، وفي المواد (6-11) قواعد قانونية العقوبات، في المواد (12-14) قواعد قانونية التدابير الاحترازية والإصلاحية.

ويترتب على مبدأ قانونية الجرائم والعقوبات النتائج الآتية: هذا المبدأ يمنع القاضي من تجريم أفعال لم ينص القانون صراحة على تجريمها؛ وهو يمنعه أيضاً من فرض عقوبات لم يذكرها النص القانوني صراحة؛ وهو يمنعه كذلك من أن يستبدل بالعقوبة المنصوص عليها في القانون عقوبة أخرى لم ينص عليها القانون للجريمة المعينة. كما لا يجيز له تخفيض العقوبة أو رفعها إلا في الحدود التي نص عليها القانون. 

خامساً- الشروع في الجريمة:

عرّف المشرع السوري الشروع la tentative في المادة (199) من قانون العقوبات بأنه: «كل محاولة لارتكاب جناية بدأت بأفعال ترمي مباشرة إلى اقترافها تعتبر كالجناية نفسها إذا لم يحل دون إتمامها سوى ظروف خارجة عن إرادة الفاعل».

ومن استعراض النص السابق يتضح لنا أن للشروع ثلاثة أركان، وهي: البدء بتنفيذ الجريمة، وقصد إتمامها، وعدم إتمامها لأسباب خارجة عن إرادة الفاعل. وعلى الرغم من أن هذا التحديد جاء بالنسبة إلى الجنايات، فمن المسلم به سريانه على الشروع في الجنح أيضاً. إذ إن الشروع نظام عام يسري على جميع الجرائم التي يتصور فيها، أياً كانت العقوبة المقررة لها.

أ- البدء بتنفيذ الجريمة: تمر الجريمة عادة بمراحل ثلاث، وهي: مرحلة التفكير فيها والتصميم عليها، تليها مرحلة التحضير لها، وأخيراً مرحلة البدء بتنفيذها. وقد يبلغ التنفيذ غايته فتتم الجريمة، وقد لا يبلغ ذلك فتبقى الجريمة عند مرحلة الشروع. ولا يعاقب المشرع على مجرد التفكير في الجريمة، والتحضير لها. فالقانون لا يعاقب على النوايا وسرائر النفس، وإنما يعاقب على الفعال التي يبرزها صاحبها إلى حيّز الوجود بسلوكه. وكذلك لا عقاب على الأعمال التحضيرية؛ لكونها لا تعد شروعاً في الجرائم محل التحضير. فالعمل التحضيري لا أهمية قانونية له؛ لأنه لا يكشف بصورة أكيدة عن نية جرمية. وهذا ما أكدته محكمة النقض بقولها: «… فأعمال التحضير ليس لها مدلول ظاهر، ولا تكشف عن قصد الفاعل، ولذلك لا تستمد عقوبتها من الجرم الأصلي، ولا تعاقب ما لم تكن في نفسها عملاً مجرماً بالقانون…» (نقض سوري، جناية، 95 قرار49 تاريخ 31/1/1965).  فيعاقب على الأعمال التحضيرية إذا كانت تقع تحت طائلة القانون كجرائم مستقلة، كحيازة الأسلحة الممنوعة، وحيازة المخدرات، وحيازة العقاقير والمواد الطبية المغشوشة، وتأليف جمعية أو عقد اتفاق بقصد ارتكاب الجنايات على الناس أو المال، وتشكيل عصابات مسلحة بقصد سلب المارة والتعدي على الأموال والأشخاص أو ارتكاب أي عمل من أعمال اللصوصية، أو ضبط المتشرد وهو يحمل سلاحاً أو أدوات خاصة باقتراف الجرائم.

أما إذا جاوز الفاعل مرحلة التحضير للجريمة فبدأ في تنفيذها فإنه يعاقب. ولكن ما هو معيار الفصل بين العمل التحضيري والبدء في التنفيذ؟

لاشك في أن المشرع السوري قد تبنى النظرية الشخصية التي تعتبر أن البدء بالتنفيذ يقدّر بالنظر للفعل الذي يكشف عن اتجاه نية الفاعل إلى ارتكاب الجريمة مباشرة. وهذا مستفاد من نص المادة (199) من قانون العقوبات التي حددت أفعال البدء بالتنفيذ بقولها: «كل محاولة… بدأت بأفعال ترمي مباشرة إلى اقترافها». فيراد بكلمة «مباشرة» أن الفاعل قد وصل إلى مرحلة لا يمكنه فيها التراجع عن ارتكاب الجريمة وتحقيق الغاية المقصودة، أي إن نيته الجرمية نهائية وإنها سائرة قطعاً إلى الغاية المقصودة ولا تراجع فيها. وقد قالت محكمة النقض في ذلك: «… وأما أعمال التنفيذ فهي وإن كانت خارجة عن الجرم، إلا أنها مرتبطة به ارتباطاً وثيقاً، وتكشف عن قصد الفاعل وإرادته، وتدل على أنه جاد في انجاز الجريمة التي اختطها لنفسه، وتستمد عقوبتها من الجرم ذاته، وتكون معاقبته واجبة على كل حال» (نقض سوري، جناية 95 قرار 49 تاريخ 31/1/1965). والتفريق بين العمل التحضيري والعمل التنفيذي مسألة موضوعية تقدرها محكمة الموضوع في ضوء طبيعة الجريمة، وظروف الواقعة، والمرحلة التي وصل إليها الجاني، ونشاطه المادي، واتجاه إرادته (نقض سوري، جناية 520 قرار 458 تاريخ 14/11/1961؛ نقض سوري، جناية 656 قرار 959 تاريخ 12/5/ 1968).

ب- قصد إتمام الجريمة: يفترض الشروع اتجاه قصد الفاعل إلى ارتكاب الجريمة تامة لا إلى مجرد الشروع فيها. فمن يشرع في القتل يجب أن تكون نيته منصرفة إلى إحداث الوفاة، ومن يشرع في السرقة يجب أن تكون نيته منصرفة إلى الاستيلاء على مال الغير. كما يجب أن تكون هذه النية منصرفة إلى إتمام جريمة معينة يريد الفاعل تحقيق نتيجتها. فمن يضرب شخصاً بعصا ولا يقصد قتله لا يسأل عن جريمة قتل وإنما يسأل عن جريمة جرح أو إيذاء. وهذا ما أكدته محكمة النقض بقولها: «لابد للاتهام بجرم الشروع في القتل من توافر أركانه والتأكد من القصد الجرمي الذي يتطلب إرادة ارتكاب جريمة معينة، ولا يوجد في القانون شروعاً مجرداً من غير جريمة محددة، ويترتب على ذلك أنه إذا لم تتحد إرادة المجرم بالاتجاه إلى إحداث نتيجة جرمية معينة فلا محل للشروع ولا وجه للعقاب، إلا إذا كان النشاط الذي صدر عنه يعد جريمة قائمة بذاتها وكانت الإرادة الصادرة تصلح لأن تقوم بها هذه الجريمة» (نقض سوري، عسكرية451 قرار 568 تاريخ 1/5/1982). ويترتب على ذلك استبعاد الجرائم غير المقصودة من نطاق الشروع، إذ لا يمكن تصوره فيها.

ج- عدم إتمام الجريمة لأسباب خارجة عن إرادة الفاعل: يقتضي الشروع المعاقب عليه أمرين: عدم إتمام الجريمة، وكون ذلك غير راجع لإرادة الفاعل. وهذا الشروع إما أن يكون ناقصاً، وإما أن يكون تاماً. ويطلق على الأول اسم «الشروع البسيط»، أو «الجريمة الموقوفة»، أو «الجريمة المشروع فيها»، إذ تتوقف فيه الجريمة عند البدء بمراحلها الأولى. وفي ذلك قالت محكمة النقض السوري: «إن لمس الشيء المراد سرقته أو تحريكه وهو في موضعه هو شروع ناقص» (نقض سوري، جناية 140 قرار172 تاريخ 16/2/1953، مجلة القانون 1953، ص 398)، وقالت أيضاً: «إن دخول الدار بقصد السرقة هو من الأعمال الرامية إلى اقتراف هذه الجريمة… ويعد الشروع ناقصاً ما دام القبض على الفاعل قد تم في الدار نفسها وقبل أن يأخذ شيئاً منها» (نقض سوري، قرار مؤرخ في 6/9/1955، مجلة القانون 1955، ص 93).

أما الشروع التام فيطلق عليه اسم «الجريمة الخائبة»، أو «الجريمة الناقصة»، وفيه يقوم الفاعل بجميع الأفعال التنفيذية الرامية إلى حصول النتيجة، إلا أن هذه النتيجة لا تتحقق أو يتحقق جزء منها. وقالت محكمة النقض للتفريق بين الشروع الناقص والشروع التام: «… فالاقتراب من المال  عمل من أعمال التنفيذ وهو شروع ناقص حتى إذا وصل الفاعل إلى المال ووضع يده عليه ولم يتمكن من أخذه أصبح الشروع تاماً، أما إذا استولى على المال وأخرجه من حيازة صاحبه وجعله في قبضة يده وتحت تصرفه فالسرقة تامة وليست شروعاً» (نقض سوري، جناية 386 قرار 412 تاريخ 14/6/1964). فالسرقة لا تعد تامة إلا إذا استولى السارق على المال المسروق استيلاءً تاماً يخرجه من حيازة صاحبه ويجعله في قبضة السارق (نقض سوري، قرار مؤرخ في 12/2/ 1959، مجلة القانون 1959، ص 965). ويترتب على ذلك أنه يعد في حالة شروع تام من يدخل إلى منزل لسرقة مال فيه، وبعد أن يستولي على المال ويضعه في حقيبته ويهم بالخروج يفاجأ بصاحب المنزل يدخل عليه فيترك الحقيبة داخل المنزل ويفر.

ويشرط لتحقق الشروع في الجريمة أن يكون عدم إتمامها لأسباب خارجة عن إرادة الفاعل، ولولا هذه الأسباب لأتمها وحقق النتيجة الجرمية التي كان يسعى إلى تحقيقها.

أما في حال العدول الاختياري فلا يعاقب الفاعل إلا على الأفعال التي اقترفها وكانت تشكل بحد ذاتها جرائم. وقد نصت المادة (199/3) من قانون العقوبات صراحة على ذلك إذ قالت: «من شرع في فعل ورجع عنه مختاراً لا يعاقب على الأفعال التي اقترفها وكانت تشكل بحد ذاتها جرائم». ولكن بشرط أن يكون هذا العدول في وقت مناسب، أي في مرحلة الشروع الناقص.

د- عقاب الشروع في الجريمة: يعاقب على الشروع في الجنايات، ولا يعاقب عليه في الجنح إلا إذا نص القانون على ذلك، ولا يعاقب عليه في المخالفات (المادتان 199/1 و201 من قانون العقوبات). ويعاقب على الشروع بعقوبة الجريمة التامة (المادة 199/1). ولكن المشرع أجاز للقاضي تخفيض العقوبة على النحو الآتي:

Ÿ في الجنايات الشروع فيها شروعاً ناقصاً تستبدل بعقوبة الإعدام الأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة من عشر سنوات إلى عشرين سنة، وأن يستبدل بالأشغال الشاقة المؤبدة الأشغال الشاقة المؤقتة لسبع سنوات على الأقل، وأن تستبد بالاعتقال المؤبد الاعتقال المؤقت لسبع سنوات على الأقل. ويُحط من أي عقوبة أخرى من النصف إلى الثلثين (المادة 199/2 من قانون العقوبات).

Ÿ وفي الجنايات المشروع فيها شروعاً تاماً تستبدل بالإعدام الأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة من اثنتي عشرة إلى عشرين سنة، وأن تستبدل بالأشغال الشاقة المؤبدة الأشغال الشاقة المؤقتة من عشر سنوات إلى عشرين سنة، وأن تستبدل بالاعتقال المؤبد الاعتقال المؤقت من عشر سنوات إلى عشرين سنة، ويُحط من أي عقوبة أخرى حتى نصفها. كما يجوز للقاضي أن يخفض العقوبات مرة أخرى حتى الثلثين إذا حال الفاعل بمحض إرادته دون تحقيق نتيجة فعله (المادة 200 من قانون العقوبات).

 Ÿأما إذا كانت الجريمة جنحة معاقباً عليها في الشروع فتخفض العقوبة المفروضة قانوناً للجنحة التامة حتى النصف بالنسبة للجنحة المشروع فيها شروعاً ناقصاً، وحتى الثلث بالنسبة للجنحة المشروع فيها شروعاً تاماً (المادة 201 من قانون العقوبات).

ومما تجدر الإشارة إليه أن التخفيض الوارد في المواد (199،200،201) من قانون العقوبات لا يمنع القاضي من تطبيق الأسباب المخففة التقديرية المنصوص عليها في المواد (243-246) من القانون نفسه.  

وأخيراً فإن المشرع السوري قد عد الجريمة المستحيلة حالة من حالات الشروع أو صورة من صور الجريمة الخائبة، وعاقب فاعلها بمثل العقوبة التي يفرضها على مرتكب الشروع(نقض سوري، جناية 1193 قرار 38 تاريخ 10/1/1981). ولكنه استثنى من العقاب حالتين، وهما: إذا أتى فعله عن غير فهم، وإذا ارتكب فعلاً مباحاً وظن خطأ أن هذا الفعل يكون جريمة ما (المادة 202 من قانون العقوبات).

مراجع للاستزادة:

- عبد الوهاب حومد، المفصل في شرح قانون العقوبات - القسم العام (المطبعة الجديدة، دمشق 1990).

- عبود السراج، شرح قانون العقوبات - القسم العام (منشورات جامعة دمشق، 2006-2007).

- علي عبد القادر القهوجي، شرح قانون العقوبات - القسم العام (منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت 2008).

- محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات اللبناني - القسم العام (دار النهضة العربية، بيروت 1984).

 


التصنيف : القانون الجزائي
النوع : القانون الجزائي
المجلد: المجلد الثالث: الجرف القاري ــ الرسم والنماذج الصناعية
رقم الصفحة ضمن المجلد : 15
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 555
الكل : 31708265
اليوم : 62847