logo

logo

logo

logo

logo

الرقابة الشعبية

رقابه شعبيه

popular control - contrôle populaire

 الرقابة الشعبية

الرقابة الشعبية

سعيد نحيلي

نشأة الرقابة الشعبية

أغراض الرقابة الشعبية

آليات ممارسة الرقابة الشعبية

آثار ممارسة الرقابة الشعبية

ملامح الرقابة الشعبية في الجمهورية العربية السورية

 

تتعدَّد أنواع الرقابة على أجهزة الحكم وتختلف باختلاف الهيئة التي تباشرها. ويصنف بعض علماء القانون الإداري والإدارة العامة الرقابة على الحكومة في مجموعتين اثنتين هما: الرقابة الإدارية والرقابة القضائية.

وهناك من ينطلق من تقسيم الرقابة على أعمال الإدارة إلى ثلاثة أنواع أساسية: وهي الرقابة القضائية والرقابة الشعبية والرقابة الإدارية، وفي مؤلفات أخرى في مجال علم الإدارة العامة يلاحظ أن الرقابة على النشاط الحكومي متعددة المصادر وتشمل الرقابة الشعبية والرقابة الإدارية. وبالتالي فإن الرقابة الشعبية تقدِّم نفسها واحدة من أساليب الرقابة على النشاط الحكومي، وهي لا تتمانع ولا تتعارض مع غيرها من أنواع الرقابة الأخرى لأنها تختلف عن تلك الأنواع من جهة ماهية الرقابة وهدفها ومن جهة مصدرها ومن جهة آلياتها ومن ناحية الآثار المترتبة عليها. كما لا تعد احتياطية بالنسبة إلى باقي أنواع الرقابة، بل تمارس بالتزامن معها.

ومهما تعدَّدت الآراء واختلفت وجهات النظر في تناول موضوع الرقابة الشعبية فإن هناك إجماعاً على أن محل الرقابة هو أعمال السلطة العامة، غير أنه وبغية أن يكون لهذا النوع من الرقابة دوره المنهجي وتأثيره الفاعل في النشاط الحكومي تسعى دول العالم المعاصر إلى تصميم إطار قانوني يتم من خلاله تنظيم الرقابة الشعبية من حيث هدفها وآليات ممارستها وذلك بغية تفادي وقوع إرباكات سياسية أو إدارية في الدولة. علماً أن هذا التنظيم يختلف من دولة إلى أخرى تبعاً لظروفها التاريخية والسياسية وبنيتها المجتمعية والثقافية،كما أنه يختلف ضمن الدولة الواحدة من فترة لأخرى تبعاً للمستجدات التي تواجهها.

وقبل الخوض في مسألة تحديد أغراض الرقابة  الشعبية وآليات ممارستها وآثارها يجب التعرض ولو بشيء من الاختصار إلى أصل نشأة الرقابة الشعبية.

أولاً ـ نشأة الرقابة الشعبية:

يكاد لا يختلف اثنان على أن الرقابة الشعبية تعد أداة أساسية من أدوات المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار السياسي المتعلق بإدارة شؤون الدولة. وقد منحت دساتير دول العالم المعاصر للمشاركة الشعبية دوراً رائداً في إدارة شؤون الدولة من خلال النص في متنها على أن كل سلطات الدولة تنبثق من الشعب (مثال: المادة /20/ فقرة /2/ من الدستور الألماني لعام 1949) غير أن هناك تفاوتاً في درجة ممارسة الشعب للسلطة. وإذا كان السائد في النظم السياسية المعاصرة هو انتشار نظام الديمقراطية التمثيلية، حيث يمارس الشعب دوره في إدارة شؤون الدولة وتسييرها على نحو رئيسي من خلال انتخاب ممثليه في البرلمان (الديمقراطية غير المباشرة) نظراً للصعوبات الفنية والعلمية التي تقف حائلاً في طريق تطبيق نظام الديمقراطية المباشرة، فإن هناك مظاهر للديمقراطية شبه المباشرة يمارسها الشعب في سائر دول العالم وهي مظاهر تقترب من الديمقراطية المباشرة. وتأتي المشاركة الشعبية إلى التطبيق العملي من خلال عدة أشكال مختلفة يهدف كل منها إلى تحقيق هدف مختلف عن الآخر. فهناك مثلاً الاستفتاء الشعبي Volksbefragung أي أخذ رأي الشعب حول موضوع محدَّد بدقة. وذلك وفق إجراءات شكلية محدّدة في القوانين والأنظمة، وهناك شكل آخر من أشكال المشاركة الشعبية يتجلى بالمبادرة الشعبية (الاقتراح الشعبي) Volksbegehren للتوصل إلى قرار شعبي أو لاستصدار قرار برلماني، أما الشكل الثالث فهو القرار الشعبي Volksentscheid الذي يتجلى بأن يقوم الشعب باتخاذ قرار في مسألة عرضت عليه أو اتخاذ قرار بشأن مشروع قانون. وهذه الصورة الأخيرة تختلف عن غيرها من مظاهر الديمقراطية شبه المباشرة لجهة القوة الملزمة للقرار الشعبي.

ومما لا شك فيه أن مظاهر الديمقراطية شبه المباشرة هذه تنتسب بلا أدنى شك إلى عائلة آليات الرقابة الشعبية على النشاط الحكومي، وهي آليات منصوص عليها في سائر دساتير دول العالم المعاصر (مع الاختلاف في درجة التطبيق من الناحية العمليّة).

ومع التسليم بانتصار نظام الديمقراطية التمثيلية البرلمانية وقيام الدساتير بإسناد وظائف رقابية للبرلمان على النشاط الحكومي وانتشار هذا النوع من الرقابة (الذي يطلق عليه الرقابة البرلمانية)، وقيام الدساتير بتنظيمه تنظيماً دقيقاً، فإنه من غير المتصور استبعاد وسائل الرقابة الشعبية على النشاط الحكومي التي تطورت فكرتها تطوراً كبيراً في ظل انتشار الأفكار الديمقراطية، كما تطورت آليات تطبيقها في ظل التطور التقني الذي أصاب العالم وأدى إلى خلق وسائل جديدة يستطيع المواطنون استخدامها للقيام بدورهم في عملية إدارة الشأن العام كي لا تكون الدولة حكراً على الأجهزة الحكوميّة.

وباختصار يمكن القول: إذا كانت الرقابة البرلمانية على أجهزة الحكومة تؤدي في الوقت الحالي دور "السيِّد" وهي بلا شك جوهر النظم الديمقراطية، أي هي الحد الفاصل بين الأنظمة الديمقراطية والأنظمة المستبدة أو الشمولية، فإن هذا الدور يجد أصله بلا شك في الشرعية التي حصل عليها البرلمان من الشعب. بيد أن دور الشعب في التدخل في الشأن العام والتدخل في الدولة لا ولن يتوقف عند نقطة الانتهاء من الانتخابات البرلمانية بل إنه دور مستمر.

بعبارة أخرى: إن الرقابة البرلمانية ما هي إلا تفعيل للرقابة الشعبية لتحقيق المصلحة العامة.

ثانياً ـ أغراض الرقابة الشعبية:

من الصعب القيام بتحديد أغراض الرقابة الشعبية على سبيل الحصر؛ ذلك لأن الرقابة الشعبية بمختلف أدواتها ومصادرها تعد مفهوماً واسع الطيف مقارنة مع غيرها من أنواع الرقابة كالرقابة القضائية أو الرقابة الإدارية. ومما يزيد الأمر صعوبة هو أن الرقابة الشعبية تتداخل مع نمط رقابي آخر ذي طبيعة سياسية يطلق عليه الفقه مصطلح الرقابة البرلمانية التي تتجلى بقيام السلطة التشريعية بمراقبة أعمال السلطة التنفيذية من خلال مجموعة من الوسائل أهمها: السؤال والاستجواب والتحقيق وحجب الثقة.

وإذا كانت الرقابة القضائية على أعمال الإدارة تهدف إلى حماية مبدأ المشروعية من خلال الدعاوى التي يرفعها الأفراد المتضررون من تصرفات الإدارة وتستند إلى معيار القانون، فإنها تشترك بهذا الهدف مع شتى أنواع الرقابة الأخرى. حيث إن معايير الرقابة واحدة في جميع دول العالم المعاصر، وهي لا تخرج عادة عن ثلاثة معايير أهمها: الرقابة القانونية التي تعنى بمشروعية التصرف واتفاقه مع القانون النافذ، والثاني هو رقابة الملاءمة التي تسأل هل هناك انسجام بين الوسائل المستخدمة والهدف المراد تحقيقه، أما المعيار الثالث فيتعامل مع مبدأ الاقتصاد والوفر في الإنفاق ولاسيما في ظل انخفاض الوسائل والمصادر التمويلية التي تملكها الدولة. إذ من الضروري أن يستند أي تصرف إداري إلى العلاقة الشهيرة بين التكلفة والمنفعة KostenـNutzenprinzip.

وليس من الجائز الادعاء بأن هذه المعايير والأغراض هي حكرٌ على الرقابة القضائية أو الرقابة الإدارية الرسمية، بل هي أغراض تسعى إلى تحقيقها باقي الجهات الرقابيّة ومنها الرقابة الشعبية بمختلف أدواتها ووسائلها.بيد أن أغراض الرقابة الشعبية لا تقتصر على هذه النواحي الفنية الضيقة، بل تعد تجسيداً لمبادئ الديمقراطية وميداناً هاماً لمشاركة الشعب في إدارة شؤون الدولة حتى لا تكون الدولة حكراً على الحكومة.

كما تعد الرقابة الشعبية واحدة من الضمانات الأساسية لتطبيق القواعد الدستورية وحماية حقوق الأفراد وحرياتهم، وهي من حيث المبدأ ضمانة واقعيّة تضاف إلى الضمانات القانونية التي تعجز عن توفير الحماية اللازمة للدستور واحترام الأفراد وحرياتهم.

ويمكن الذهاب في أغراض الرقابة الشعبية إلى أبعد من ذلك لكونها وسيلة فعالة تهدف إلى محاربة الفساد وتعزيز الشفافية والنزاهة، إذ من غير المتصور محاربة الفساد من دون مساندة من المواطن وقيامه بواجبه الوطني، آخذين في الحسبان أن هناك تعدداً وتنوعاً لصور مساندة المواطن في حماية الدستور ومبدأ سيادة القانون. لذلك لا بد من التعرف إلى سائر الوسائل والآليات التي يمارس الشعب من خلالها دوره في الرقابة على أعمال الحكومة آخذين في الحسبان أن هذه الوسائل والآليات إنما تختلف من دولة إلى أخرى باختلاف نظامها السياسي وباختلاف ظروفها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتقنية.

ثالثاً ـ آليات ممارسة الرقابة الشعبية:

 مهما اختلفت الدول فيما بينها بخصوص الآليات المتبعة في ممارسة الرقابة الشعبية فإن هناك آليات متبعة في سائر دول العالم المعاصر وهي تعدّ قواسم مشتركة بين الدول، وإذا كان هناك اختلاف بين دولة وأخرى بهذا الشأن فيكون هذا الاختلاف محصوراً في أثر ممارسة الرقابة وفعاليتها والنتائج المترتبة على ذلك. وفيما يلي أهم آليات الرقابة الشعبية:

الرأي العام: وهو مجموعة آراء المواطنين في المجتمع بخصوص موضوعات معينة تتعلق بمصالحهم العامة والخاصة. وصحيح أنه ليس لرقابة الرأي العام تأثير مباشر في التصرف الإداري (لغياب التركيبة التنظيمية والوظيفية عن الجهة التي تتولى الرقابة مقارنة مع غيرها من أنواع الرقابة الأخرى القضائية أو الإدارية)، لكن  مع ذلك تعدّ رقابة الرأي العام في الواقع واحدةً من العوامل الرئيسية الكفيلة في ردع الحكام وإجبارهم على احترام الدستور. كما أن لرقابة الرأي العام دوراً فعالاً في الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية ومنعها من التعسف في استعمال السلطة.

هذا ولا يختلف اثنان على أن الكشف عن مواطن الضعف في التصرف الحكومي وتوجيه النقد البناء الذي تتولاه رقابة الرأي العام إنما يعد أداة ديمقراطية مساعدة وهامة من شأنها أن تحرِّض المؤسسات المختصة على القيام بممارسة رقابة ومتابعة متوازنة ومستمرة لتصرفات الحكومة. ومما لا شك فيه أن الإدارة العامة ذاتها بإمكانها أن تسهم في أن يكون النقد الذي يوجه إليها مهنياً وأن يمارس على نحو أخلاقي إذ ينبغي أن تجعل من سلوكها وتصرفاتها وأسبابها أمراً معروفاً وشفافاً وذلك من خلال عملٍ يحاكي الإعلام والرأي العام. يقول الفيلسوف الألماني كانت: «إن النقد أهم أداة بناء عرفها العقل الإنساني فهي تذكره بعدم الكمال، كما أن سببه للتقدم والارتقاء يكون بمعرفته للنقائص والعيوب والتخلي عنها»، والمعاناة في الإدارة العربية اليوم أن الأجهزة الإدارية لا تستجيب للنقد الموضوعي.

غير أن نجاح الرأي العام في ممارسة دور الرقابة إنما هو مشروط بكفالة حرية التعبير عن الرأي نصاً وعملاً، وعدم الخضوع لمصالح فئات معينة تسخِّر الإرادة الشعبية والرأي العام لتحقيق أهدافها الخاصة.

ويشترك في تكون الرأي العام الإعلام واتحادات المصالح والتنظيمات الشعبية ومؤسسات المجتمع الأهلي والأحزاب عن طريق طرح أفكارها والدعوة إليها في مختلف الوسائل التي تقوم الصحافة وسائر وسائل الإعلام السمعية والبصرية في نشرها.

2ـ الأحزاب السياسية: تعد الأحزاب اتحادات من المواطنين تمارس وعلى نحو دائم نفوذاً في عملية صنع الإرادة السياسية. وتتجلى مشاركة الأحزاب للشعب في صنع القرار السياسي من خلال الانتخابات البرلمانية، بل توصف الانتخابات البرلمانية في الدول ذات النظام البرلماني بأنها انتخابات حزبيّة، كما ينبغي تأكيد أن تأثير الأحزاب السياسية في الدولة لا يقتصر على المشاركة في الانتخابات، بل يمتد ليشمل شتى المجالات الممكنة و بصورة خاصة لدى توزيع المناصب، وأيضاً أحزاب المعارضة لها دور أساسي في مسألة الرقابة الشعبية.

وباختصار: إن الأحزاب السياسية تعد من المؤسسات الدستورية، وهي المؤسسة الأوفر حظاً من حيث التأثير في السلطة التنفيذية كضمان من الضمانات الشعبية.

وسائل الإعلام: إلى جانب الأحزاب السياسية يوجد عدد كبير من المجموعات المجتمعية التي تشارك في الحياة السياسية للشعب أهمها وسائل الإعلام. حيث تؤدي وسائل الإعلام دوراً مهماً في المساهمة في تنبيه الرأي العام من خلال كتابات المفكرين والصحف والفضائيات المرئية والمسموعة والاجتماعات والندوات التي تسهم في إطلاع الجماهير على المشاكل الأكثر إلحاحاً التي يتعرض لها المجتمع، وتكون مراقباً جماعياً لمصلحة الشعب من خلال انتقاد سياسات الحكام وكشف فسادهم وانتهاكهم لسيادة القانون.

رابعاً ـ آثار ممارسة الرقابة الشعبية:

بعد استعراض أغراض الرقابة الشعبية وآليات ممارستها لا بدَّ الآن من وقفة تحليلية مع آثار الرقابة الشعبية.

والحقيقة أن هذا الموضوع يرافقه مجموعة من التساؤلات التي تطرح نفسها في إطار مفهوم الرقابة الشعبية وفلسفتها وآلياتها. وأهم هذه الأسئلة:

هل أجهزة الرقابة الشعبية تعبر عن مفهوم الرقابة الشعبية (سلطة الشعب)؟

وهل تسهم الرقابة الشعبية في ترسيخ سلطة الشعب؟ وإلى أي مدى تكون الرقابة الشعبية؟

ويجب ألا ينظر إلى هذه التساؤلات نظرة تساهل واستهتار إذا ما أريد أن تكون الرقابة الشعبية حقيقة صلبة تساعد على ترسيخ السلطة الشعبية ولا تسرقها وتسهم في تنفيذ خطط التنمية ولا تعطلها، وتطهر طريق السلطة الشعبية ولا تشوهها، وتفتح آفاق الصدق والمواطنة ولا تفسدها وتقوي أدوات التنفيذ ولا تضيقها. ولكي تنتج الرقابة الشعبية هذه الآثار ينبغي أن يكون امتدادها هو امتداد الشعب نفسه فهي في ردهات المحاكم ومركز الشرطة وفي المصارف وفي الجامعات وفي المستشفيات وفي المشاريع التنموية وفي حركة المواصلات. وكما هو ملاحظ فإن هذا الانتشار لا يمكن أن يقوم به جهاز، إنها الرقابة الشعبية. إنها محرك فاعل لا يتقيد بأوقات دوام ولا بأشخاص محدَّدين ولا مجال فيه للوساطة والمحسوبيّة. إنها شبكة شعبية قوية متحركة في كل مكان.

 إلا أن هذا مشروط بإعادة هيكلية الرقابة الشعبية وبنائها من خلال اعتماد الآليات التالية:

الرقابة الشعبية ومتابعتها ليس حكراً على أحد.

تجذير الوطنية والمسؤولية لتفعيل الرقابة الشعبية.

المؤتمرات الشعبية وكل أدوات الإعلام والاتصال وصناديق الشكاوى أداة الكشف المباشر لنتاج الرقابة والمتابعة. 

وإذا تحققت هذه الآليات فسوف تظهر مزايا التنفيذ الحقيقي للرقابة الشعبية المباشرة وأهمها:

ـ انتشار الوعي بالمسؤولية وبتر شروط التسلط والتعسف والفساد.

والحقيقة أظهر البحث أهمية الرقابة الشعبية وجديتها وفعاليتها في التأثير في الحياة العامة في الدولة. من هنا تعدّ الرقابة الشعبية مشروعاً تنموياً ضخماً يحقق جدواه السياسية والاقتصادية والمالية وبالتالي فإن الإنفاق على مشروع كهذا يعد إنفاقاً استثمارياً بامتياز بالنظر إلى العوائد الضخمة التي سيحققها.

خامساً ـ ملامح الرقابة الشعبية في الجمهورية العربية السورية:

هناك الكثير من الدلائل على اعتماد نظام الرقابة الشعبية في سورية، وأول هذه الدلائل هو أحكام الدستور السوري الدائم لعام 1973. فقد نصت المادة الأولى فقرة /1/ من الدستور على أن: "الجمهورية العربية السورية دولة ديمقراطية شعبية…" كما نصت المادة (8) من الدستور على أن "حزب البعث العربي الاشتراكي هو الحزب القائد في المجتمع والدولة ويقود جبهة وطنية تقدمية تعمل على توحيد طاقات جماهير الشعب في خدمة أهداف الأمة"، كما جاء في المادة (9) من الدستور الدائم "المنظمات الشعبية تنظيمات تضم قوى الشعب العاملة من أجل تطوير المجتمع".

أما المادة (10) منه فقد  نصت على أن "مجالس الشعب مؤسسات منتخبة انتخاباً ديمقراطياً يمارس المواطنون من خلالها حقوقهم في إدارة الدولة وقيادة المجتمع". وجاء في المادة (26) أن "لكل مواطن حق الإسهام في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية…". أما المادة (49) من الدستور فقد نصت على أنه "تشارك التنظيمات الجماهيرية مشاركة فعالة في مختلف القطاعات والمجالس المحّددة بالقوانين في تحقيق الأمور التالية: 1…2…5 ـ الرقابة الشعبية على أجهزة الحكم".

من خلال استعراض هذه الأحكام الدستورية يخلص إلى نتيجة غاية في الأهمية تتجلى بأن الدستور السوري أخذ بنظام الرقابة الشعبية صراحةً وضمناً وعدّه أحد الأنماط الرقابية على أجهزة الحكم. واعتمد آليات مماثلة لتلك المتبعة في سائر الديمقراطيات علماً أنه أعطى المنظمات الشعبية الدور المركزي في هذا المجال من دون إهمال الأدوات الأخرى.

وإذا أريد التعرف بدقة أكثر على ملامح الرقابة الشعبية في سورية فلا بدَّ من استعراض أحكام قانون الإدارة المحلية الصادر بالمرسوم التشريعي رقم /15/ لعام 1971. وبالعودة إلى المادة (76) من القانون رقم /15/ والمادة (43) من المرسوم /2297/ المتضمن اللائحة التنفيذية للقانون يستنتج أهم ملامح الرقابة الشعبية:

تشمل الرقابة الشعبية مجمل الجهاز الإداري في الدولة وتمارس قبل كل شيء عن طريق المنظمات الشعبية وعن طريق وحدات الحزب.

إن تشكيل المجالس المحلية يفهم بذاته على أنه وسيلة من وسائل الرقابة الشعبية حيث يشارك الشعب من خلال تلك المجالس بالإدارة والاقتصاد والثقافة.

اعتمدت المادة (76) من قانون الإدارة المحلية رقم /15/ لعام 1971 آليات عديدة للرقابة الشعبية على أعمال الوحدات المحلية أهمها:

التزام المجالس المحلية بتأمين اجتماعات مع المواطنين تناقش من خلالها نتائج أعمالها وأنشطتها، وفسح المجال للمواطنين لمناقشتهم وتقديم الشكاوى والاعتراضات، كما يحق للمنظمات الشعبية انتقاد المجالس المحلية ومكاتبها التنفيذية. ويحق لكل مواطن تقديم الشكاوى والاعتراضات للجهات المعنية وعلى هذه أن تجيبه عن طلبه.

وخلاصة القول أن المشرِّع السوري تبنى أسلوب الديمقراطية الشعبية وقد ظهرت ملامح الأخذ بهذا الأسلوب بأفضل صورها في قانون الإدارة المحلية الذي اعتمد نظام الرقابة الشعبية على أعمال الإدارة المحلية.

وبغض النظر عن الآليات التي اعتمدها قانون الإدارة المحلية لتفعيل الرقابة الشعبية تعدّ الرقابة الشعبية حقاً ومطلباً جماهيرياً وعاملاً مهماً من عوامل التفاعل بين السلطة والمواطنين، ولا يجوز أن ينحصر دور الرقابة الشعبية في ميدان عمل الإدارة المحلية، بل ينبغي أن يمتد ليشمل كل أجهزة الحكم.

فالرقابة الشعبية تجعل من كل مواطن عيناً ساهرة على المصلحة العامة وتضعه أمام مسؤولياته، كما أنها تعدّ إضافة إلى الضمانات القانونية ضمانة واقعية لحماية الدستور واحترام حقوق الأفراد وحرياتهم. 

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ إبراهيم درويش، التحليل الإداري (1973).

ـ بكري القباني، الإدارة العامة، الجزء الثاني (1968).

ـ عبد الكريم درويش، ليلي تكلى، أصول الإدارة العامة (مكتبة الأنجلو مصرية، القاهرة 1968).

ـ أنور رسلان، القضاء الإداري (مركز جامعة القاهرة للتعليم المفتوح، طبعة خاصة بسورية، 2003).

ـ عبد الله طلبه، الإدارة العامة (منشورات جامعة دمشق، الطبعة السادسة، 1999).

ـ عبد الله طلبه، الإدارة المحلية (مطبعة جامعة دمشق، 1984).

ـ سام دله، القانون الدستوري والنظم السياسية (منشورات جامعة حلب، 2005).

ـ نعمان عطا الله الهيتي، الرقابة على الحكومة (دار رسلان للطباعة والنشر، الطبعة الأولى، دمشق 2007).

ـ محمد الديداموني، محمد عبد العال، الرقابة السياسية والقضائية على أعمال الإدارة المحلية، دراسة مقارنة (دار الفكر القانوني، طنطا 2008).

ـ عبد الغني بسيوني عبد الله، القضاء الإداري اللبناني (منشورات الجلي الحقوقية، بيروت 2001).

- Jorn IPSEN, Staatsorganisationsrecht, 2.Aufi., Neuwied/ Frankfurt, 1989).

- Karl- Heinz MATTERN, Allgemeine Verwaltungslehre, 4.Aufl., Berlin/ Bonn,1994).


التصنيف : القانون العام
النوع : القانون العام
المجلد: المجلد الرابع: الرضاع ــ الضمان المصرفي
رقم الصفحة ضمن المجلد : 39
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 526
الكل : 29593783
اليوم : 48699