logo

logo

logo

logo

logo

التنسيق الضريبي بين الدول

تنسيق ضريبي بين دول

tax coordination among states - coordination fiscale entre les états

 التنسيق الضريبي بين الدول

التنسيق الضريبي بين الدول

محمد خير العكام

مفهوم التنسيق الضريبي درجة التنسيق الضريبي المرغوب فيها وأولوياته
أساليب التنسيق الضريبي أهداف التنسيق الضريبي
درجات التنسيق الضريبي جهود التنسيق الضريبي في إطار مجلس الوحدة الاقتصادية العربية
 

أولاً ـ مفهوم التنسيق الضريبي:

ارتبطت فكرة التنسيق الضريبي بنظرية التجارة الدولية، وازدادت أهميتها على الصعيد الدولي مع تنامي ظاهرة الاعتماد الاقتصادي المتبادل وتدويل عملية الإنتاج والاستهلاك في العالم وما نتج منها من مشكلات ضريبية تثيرها العلاقات الاقتصادية الدولية في ظل نظام اقتصاد السوق السائد في العالم. وقد ظهرت نظرية التنسيق الضريبي من خلال الاتحادات الجمركية، وبدأت تأخذ أبعاداً دولية، لمنع الازدواج الضريبي الدولي الذي يستنفد الجانب الأكبر من أرباح الشركات ويحّد من حجم الاستثمارات الدولية، ومنع التهرب الضريبي الدولي الذي يؤثر سلباً في الأدوار التي تقوم بها الضريبة على صعيد كل دولة في جميع المجالات، وخصوصاً بعد انخفاض أهمية الرسوم الجمركية في الهيكل الضريبي للدول، وخاصة المتقدمة منها، وازدياد أهمية ضرائب الدخل فيها مع سيطرة الشركات دولية النشاط على معظم النشاطات الاقتصادية في العالم، وأصبح هنالك ثلاثة أسباب رئيسة لتنسيق الاختصاصات الضريبية على الصعيد الدولي، تتعلق بعدالة توزيعها بين الدول وتحقيقها للعدالة تجاه المكلفين ، وتحقيق حيادية مواقع الإنتاج فيما بينها، مما أدى إلى ظهور التنسيق الضريبي الدولي الذي يدعو إلى التعاون بين الدول من أجل العمل ما أمكن على تحقيق الأهداف السابقة.

ويعد التنسيق الضريبي بين الدول ذا أهمية كبيرة من أجل وضع قواعد منظمة للضرائب الداخلية التي تتألف منها الهياكل الضريبية في تلك الدول؛ لتجنيبها الاختلالات التي يمكن أن تحدثها الاختلافات في تلك الضرائب والتي تؤثر سلباً في سير المنافسة فيما بينها، مما يؤثر سلباً في تخصيص الموارد فيها، والتي تحد من تحقيق أي مظهر من مظاهر التعاون أو التكامل فيما بين هذه الدول، وتقلل من منافعها، فهو إجراء وقائي للمحافظة على المعدلات الحدّية للتحويل والاستبدال بين دولة وبقية دول العالم، مع العمل على زيادة تلك المعدلات لدى الدول المؤلفة لكتلة التعاون أو التكامل، فهنالك علاقة تأثير متبادل بين التنسيق الضريبي والتكامل الاقتصادي، فكما أن الأخير يصبح أقوى في ظل التنسيق الضريبي، فإن نطاق وأولويات التنسيق الضريبي يحددها شكل ومضمون التكامل المطلوب تشكيله بين الدول.

كما تطور مفهوم التنسيق الضريبي في سياق بناء الاتحاد الأوربي، فاستُعمل تعبير التنسيق الضريبي في البداية بمعنى الإجراءات التي تعمل على التوحيد الضريبي الكامل بين الدول، ثم ما لبث أن استقر على معنى التسوية التي تعني مرحلة وسطاً بين التوافق والتوحيد الكامل للأنظمة الضريبية من أجل تحييد الأثر السلبي للاختلافات الضريبية بين الدول الأعضاء في تحقيق أهداف التعاون أو التكامل.

ويمكن التمييز بين معنى التنسيق الضريبي عمليةً وبين معناه واقعاً، فهو عمليةً يشمل جميع الإجراءات التي يجب أن تقوم بها الدول الأعضاء المؤلفة لكتلة التعاون أو التكامل، من أجل إزالة أهم أوجه الخلاف بين نظمها وتشريعاتها الضريبية بحيث تصبح متناغمة ومتناسقة ومتقاربة في مختلف المعاملات الضريبية؛ لتحييد أثرها السلبي في عملية المنافسة بين دولها من أجل بناء تكاملها الاقتصادي وفق الشكل والمضمون اللذين تتطلبهما اقتصادياتها، وفي هذا السياق يمكن التمييز بين معناه الضيّق الذي يمثل إزالة العوائق الضريبية التي تقف في وجه تدفق السلع والخدمات وعناصر الإنتاج، وبين معناه الواسع الذي يعني تهيئة السياسات الضريبية على نحو غير منعزل عن بقية السياسات المالية في الدول الأعضاء، من أجل تعزيز أهداف التكامل الاقتصادي التي تعمل على تحقيقه، وهو واقعاً يمثل حالة التسوية الضريبية المرغوب فيها في مختلف المعاملات الضريبية من أجل إزالة جميع التمييزات الضريبية الأكثر تأثيراً في تحقيق أهداف كل مرحلة من مراحل التكامل الاقتصادي بين أعضائه، والتي تبدأ من الاختلافات الضريبية الموجودة بين تشريعات الدول الأعضاء.

وبذلك يتضمن معنى التنسيق الضريبي وفق المنهج السابق العناصر التالية:

1ـ إنه تعديل اتفاقي بين الدول للأنظمة والتشريعات الضريبية الوطنية، وبذلك يختلف عن مفهوم الإصلاح الضريبي، إذ يفترض التنسيق الضريبي إحداث تغييرات في النظام الضريبي لدولة معينة بحسب مستوى وأهداف علاقاتها التكاملية مع بقية الدول الأعضاء في منطقة التكامل وباتفاق مسبق مع تلك الدول على هذه التغييرات، في حين يهدف الإصلاح الضريبي إلى إحداث تغييرات في النظام الضريبي لدولة معينة من دون اشتراط الاتفاق على تلك التغييرات مع غيرها من الدول التي تشكل معها تكاملاً اقتصادياً، على الرغم من أن الاتجاهات الحديثة لإصلاح السياسات الضريبية وخاصة في الدول النامية والتي تدعو إلى التوسع في تطبيق الضريبة على القيمة المضافة وتحجيم الحوافز الضريبية لجعلها محددة الهدف مع تخفيض معدلات ضرائب الدخل، تخدم عملية التنسيق الضريبي فيما بينها ولو كانت بدون اتفاق، لأنها تخلق حالة من التناسق الضريبي الدولي بين الدول.

2ـ إنه إزالة لجميع العقبات الضريبية التي تحّد من المنافسة بين الدول الأعضاء، فيتطلب أن يعمل التنسيق على تقارب العبء الضريبي فيما بينها وفي توزيع ذلك العبء على الهيكل الضريبي في كل منها وعلى تقارب وتناسق أنظمة وتشريعات أهم الضرائب المؤلفة للهيكل الضريبي في دولها، من أجل المساواة في مراكز الأشخاص والشركات بين الدول الأعضاء، بحيث يشمل التعديل الاتفاقي بينها المعاملات الضريبية التالية: الإدارات الضريبية، الواقعة المنشئة للضريبة، الأوعية الضريبية، المعاملة الضريبية للاستثمار الوافد، المعدلات الضريبية، الحوافز الضريبية بما فيها طرق الهلاك وكيفية حسابها، وطرق ربط وتحصيل الضرائب، وطرق المراجعة والطعن وأية معاملة ضريبية أخرى حسب أهمية تلك المعاملة النسبية في عملية تنظيم المنافسة، وبما يزيد من المنافع الاقتصادية لدول التكامل في تعاملها مع العالم الخارجي.

3ـ إن تحقيق التنسيق الضريبي بمعناه الضيق يجب أن يسبق تحقيقه بمعناه الواسع، فهو عملية متدرجة ومستمرة تبدأ بإزالة العقبات الضريبية بين دول التكامل وتنتهي بتهيئة سياساتها الضريبية من أجل تعزيز أهداف التكامل.

4ـ قد يكون التنسيق الضريبي جزئياً وقد يكون كلياً، وفقاً لحجم التعديلات المطلوب إجراؤها في المعاملات السابق ذكرها وفق الهدف المنشود منها، فإذا كانت بهدف زيادة التبادل التجاري فيتم التركيز على تنسيق الرسوم الجمركية، وإذا كانت بهدف زيادة الاستثمارات فيتم التركيز على تنسيق ضرائب الدخل والحوافز الضريبية المعطاة للاستثمارات الوافدة إلى الدول الأعضاء دون غيرها من الضرائب، وقد يكون ذا طابع كلي يشمل معظم الضرائب التي تؤلف الهيكل الضريبي لكل دولة وفي معظم المعاملات الضريبة السابق ذكرها، وهو عملية مستمرة ومتدرجة تحدد نطاقها ودرجاتها المرغوب فيها للمرحلة التكاملية المطلوب بناؤها لتحقيق التنسيق التدريجي للهياكل الاقتصادية والمالية لكل دولة من دول التكامل، فتحقيق السوق المشتركة يتطلب برنامجاً شاملاً للتنسيق بين دولها، أما ما دونها من المراحل فيكفي فيها التنسيق الجزئي للرسوم الجمركية، وهذا يعني أن أهميته في التجمعات الإقليمية تختلف تبعاً لدرجة التعاون وأهدافه.

5ـ تختلف أولويات البرنامج الشامل للتنسيق الضريبي باختلاف الأهداف التي قامت من أجلها التكاملات الاقتصادية بين الدول، فالسوق الأوربية المشتركة التي قامت من أجل تنظيم عملية المنافسة بين أسواقها لأسباب تسويقية، فرضت له أولويات تمثلت في إلغاء التعريفات الجمركية البينية، ثم عملت على توحيد تلك التعريفات بين الأعضاء إزاء العالم الخارجي أو ما يُعرف بالاتحاد الجمركي، فعملت على تنسيق ضرائبها غير المباشرة التي تؤثر مباشرة في تحقيق حرية انتقال السلع والخدمات فيما بينها، ثم نسقت ضرائبها المباشرة بما فيها ضرائب الشركات لتحييد أثر تلك الضرائب في توزيع الشركات فيما بينها بعد ضمان تحييد أثر ضرائبها غير المباشرة في ذلك. في حين تتميز الأسواق المشتركة في البلدان النامية، بأنها ذات طابع إنتاجي تنموي، مما يفرض عليها أن تهتم بتنسيق ضرائبها المباشرة أولاً بهدف الاتفاق على تخفيضها لزيادة الإنتاج ضمن منطقة التكامل، ثم تعمل على توزيع تلك الزيادة بين دولها بما يتناسب والحاجات الاقتصادية لكل منها مع الميزات النسبية للموارد الاقتصادية المتوافرة فيها لزيادة الميزات الاقتصادية التنافسية على مستوى دول التكامل، بما في ذلك الاتفاق الكامل على الحوافز الضريبية المعطاة في قوانينها وتشريعاتها الضريبية، من دون أن تهمل تنسيق ضرائبها غير المباشرة، بدءاً من إلغاء رسومها الجمركية البينية لتحقيق منطقة التجارة الحرة بين دولها باعتبارها أقل مرحلة تكاملية إقليمية يُسمح بإقامتها بين الدول استثناء من مبدأ الدولة الأولى بالرعاية في منظمة التجارة العالمية، ثم تعمل على تنسيق ضرائبها غير المباشرة من دون الالتزام بالترتيب الذي فرضته نظرية التكامل الاقتصادي الكلاسيكية التي تستلزم تحقيق مرحلة الاتحاد الجمركي قبل مرحلة السوق المشتركة، ومن ثم لا ضرورة للانتهاء من مرحلة توحيد التعريفات الجمركية بين دولها للبدء في عملية تنسيق ضرائبها الداخلية غير المباشرة.

ثانياً ـ أساليب التنسيق الضريبي:

 هنالك عدة أساليب للتنسيق الضريبي يمكن للدول الأعضاء في التكامل الاستعانة بها من أجل تحقيق أهدافها، قد تختلف باختلاف الضريبة المطلوب تنسيقها، فتنسيق ضرائب الإنفاق يتطلب الاتفاق على أنظمتها، أما تنسيق ضرائب الدخل فلا يتطلب توحيد مبادئ توزيع الاختصاص الضريبي، ولا يتطلب تماثل أنظمة الخصم والتخفيض من أجل تحديد الأرباح الخاضعة لها، بل يكفي تناسقها لضبط أثرها بين تلك الدول ومن ثم العمل على تنسيقها بتبني أسلوب منح الدولة العضو حق فرضها على الدخول التي تنشأ فيها من دون الأخذ بمبدأ الإقامة أو الجنسية على هذا النوع من الضرائب، وفي سياق أساليب التنسيق الكلية يمكن التمييز بين نوعين من الأساليب: الأول لا ضرورة فيه للتمييز بين الضرائب، والثاني يشار فيه إلى التمييز بين الضرائب المباشرة وغير المباشرة وهي كما يلي:

1ـ النوع الأول: يمكن أن يميّز فيه ثلاثة أساليب هي كالآتي:

أ ـ أسلوب توحيد الضرائب Equalization Approach:

يقتضي هذا الأسلوب توحيد النظم والتشريعات الضريبية جميع القواعد الفنية التي تحكمها وجميع الضرائب التي يتألف منها الهيكل الضريبي في الدول الأعضاء لتظهر كأنها نظام أو تشريع ضريبي واحد. واستند هذا الأسلوب في البداية، في السوق الأوربية المشتركة وخاصة في ضريبة الشركات، إلى تفسير اتفاقية روما لمفهوم التكامل الاقتصادي بأنه خلق الظروف المشابهة لظروف الاقتصاد الواحد، ومنها خضوع الإنتاج نفسه للضرائب نفسها بصرف النظر عن محل إنتاجه أو استهلاكه.

على الرغم من بساطة هذا الأسلوب فإنه لا يمكن تحقيق أهدافه في توحيد الضرائب؛ لأن اختلاف درجة المنافسة التي تواجهها الشركات عند قيامها ببيع إنتاجها أو عند حصولها على عوامل إنتاجها تؤثر في إمكانات نقل عبء الضريبة إلى الأمام أو الخلف حسب أحجام هذه الشركات وحسب معدلات نموها وطبيعة هياكلها المالية، ففي ظل هذه الاختلافات يؤدي توحيد الضرائب إلى خلل في توزيع الشركات بين الأعضاء يبعدها عن الوضع الأمثل، مما يعني أن توحيد الضرائب في ظل السوق المشتركة غير ضروري، بل يؤثر سلباً في تحقيق أهداف السوق عدا الرسوم الجمركية، إضافة إلى صعوبة تحقيق ذلك؛ فهو يتطلب إرادة سياسية قوية، بحيث تتنازل كل دولة عن سيادتها الضريبية لمصلحة أجهزة التكامل، ولا يمكن تصور ذلك في مرحلة السوق المشتركة. كما أنه يتطلب برنامجاً طويل الأمد يلزمه فترة طويلة ويعمل بالتوافق مع التنسيق بين الهياكل الاقتصادية والاجتماعية الأخرى في السوق، مما يسمح بتقاربها لظهور دول التكامل كأنها دولة واحدة، ولا يمكن تحقيق ذلك إلا في مرحلة الاندماج الاقتصادي الكامل، لا في مرحلة السوق المشتركة.

ب ـ الأسلوب النمطي Standard Approach:

يقتضي هذا الأسلوب اتخاذ نمط أو نموذج ضريبي معين يتم تطبيقه في جميع الدول الأعضاء في التكامل الاقتصادي، كما يدعو إلى بدء التنسيق بتماثل أنظمة الضرائب دون القواعد الفنية التي تحكمها، وقد اتبع عند تعميم نظام الضريبة على القيمة المضافة، التي بدأت تطبيقها فرنسا على دول السوق الأوربية المشتركة عام 1970 وفق النموذج المعدل لها في فرنسا عام 1967، وفق تصور مفاده أن لتماثل الأنظمة الضريبة في الضرائب على رقم الأعمال أو ضرائب المبيعات دوراً مهماً في ضبط آثارها الاقتصادية أكثر من تماثل قواعدها الفنية، لذلك يجب الاتفاق على توحيد تلك الأنظمة، ثم العمل على تنسيق قواعدها الفنية للتقريب بين تلك القواعد في الدول الأعضاء. ولكن لم يؤخذ بهذا الأسلوب في الضرائب المباشرة لصعوبة الاتفاق على النظام الأكثر فاعلية في تلك الضرائب، وخاصة في ضريبة الشركات بين الدول الأعضاء، وصعوبة تغيير تلك الأنظمة لارتباطها بطبيعة هياكلها الاقتصادية والسياسية والإدارية وبتقاليد فنية وإدارية بين الإدارات الضريبية والمكلفين من الصعب تغييرها، مما جعل كل دولة تدعو إلى تعميم نموذجها الضريبي على دول السوق الأوربية المشتركة، وتدّعي أنه الأكثر فعالية في تحقيق أهدافها، وهذا ما دعا الاقتصاديين إلى تبني أسلوب آخر لا يتطلب هذه التغييرات في تلك الضرائب.

ج ـ الأسلوب التمييزي Differential Approach:

يقتضي هذا الأسلوب الاتجاه إلى التوافق بين آثار الضرائب من دون تغير أنظمتها أو قواعدها الفنية إلا وفق ما يقتضيه تحقيق أهداف التكامل الاقتصادي بين الدول، وهو يفترض ـ كما هو في الواقع ـ وجود ضرائب مختلفة ومتمايزة في أنظمتها وأحكامها الفنية، ويفترض صعوبة تغيرها أيضاً، كما يفترض أن أولويات تغيير تلك الأنظمة والقواعد تحددها أهداف التكامل، مما يستلزم الانطلاق من واقع الاختلاف بين الدول الأعضاء والتدرج في إزالة الاختلافات في الأنظمة والتشريعات الضريبية بين دول التكامل خطوة خطوة تحددها الأهمية النسبية لإزالة تلك الاختلافات في تحقيق أهداف التكامل.

ويعد هذا الأسلوب من أكثر الأساليب واقعية وعلمية ومرونة، لذلك فهو أكثرها انتشاراً وقابلية للتطبيق في التكتلات الاقتصادية الدولية، كما يعد الأكثر تعبيراً عن حقيقة استمرار عملية التنسيق الضريبي، فهو يعمل على ضبط آثار الضرائب من الناحية الاقتصادية بين دول التكامل، للعمل على تحقيق أهدافها بالتزامن مع تنسيق الظروف الاقتصادية لكل منها، وبما يتناسب مع تحقيق التنسيق التدريجي للهياكل الاقتصادية والمالية وفق ما تتطلبه كل مرحلة تكاملية، ومن هذا المنطلق فهو الأكثر قابلية للتطبيق في الأسواق المشتركة التنموية، كالسوق العربية المشتركة، فهو لا يتطلب توحيد أسس المعاملة الضريبية لمختلف الاستثمارات في الدول الأعضاء، بل يدعو إلى ضرورة تمايزها لتحقيق التنمية المتوازنة وتحقيق التخصيص الأمثل للموارد على مستوى كتلة التكامل.

2ـ النوع الثاني: يمكن التمييز بين أسلوبين لتنسيق الضرائب في كل من الضرائب غير المباشرة والضرائب المباشرة:

أ ـ أساليب تنسيق الضرائب غير المباشرة:

ـ أسلوب دولة المقصد أو دولة الاستهلاك:

يعني هذا الأسلوب خضوع المنتج لضريبة الدولة التي يُستهلك فيها، لا لضريبة الدولة التي أنتجته، مما يستدعي خصم جميع الضرائب التي يتحملها المنتج عند تصديره من دولة الإنتاج إلى دولة الاستهلاك، ليخضع بعد ذلك لضرائب هذه الدولة من أجل ضمان المساواة في المعاملة الضريبية بينه وبين المُنتج المستورَد. وهذا يجعله صالحاً للضرائب غير المباشرة دون المباشرة؛ لأنها الأكثر انعكاساً على مستوى أسعار المنتجات بين الدول، فهو يعمل على ضمان مساواة العبء الضريبي بين المنتجات بغض النظر عن مكان إنتاجها، مما يضمن حرية انتقالها بين الدول الأعضاء بسهولة وسرعة أكبر، ولضمان أكبر قدر من المساواة في هذا العبء تم الاتفاق على تطبيق نظام الضريبة على القيمة المضافة في السوق الأوربية المشتركة، لأنها أفضل ضريبة داخلية غير مباشرة يمكن أن تحقق تلك المساواة بين أقرانها، فهي ذات أساليب واضحة في حساب الضرائب على الصادرات تسمح بإعمال مبدأ رد الضرائب المدفوعة عنها، وهي الوحيدة التي تسمح بخصم كامل الضريبة على المنتج عند تصديره، فتمنع أي تراكم ضريبي في عبئها بين دولتي الإنتاج والاستهلاك عبر تطبيقها للمعدل الصفري في هذه الحالة وسعة نطاق الخصم فيها، وتسمح من ثم باتساق ذلك العبء بين دولها عند تنسيقها.

ـ أسلوب دولة المصدر أو المنشأ Origin Approach:

يعني هذا الأسلوب خضوع المنتج لضريبة الدولة التي أُنتج فيها أياً كان مكان استهلاكه، وذلك للصعوبات العملية في تطبيق هذا المبدأ في الضرائب غير المباشرة، وباعتبار أن دولة الاستهلاك هي الأكثر قدرة على تحديد نوع ومعدل الضرائب غير المباشرة التي تتفق مع ظروفها الداخلية، ومع اختلاف ظروف الإنتاج والهياكل الاقتصادية بين الدول الأعضاء الذي يؤثر في مدى إمكانية نقل عبء الضريبة، وصعوبة قياس مقدار ما تم نقله منها كي يمكن خصمه عند تصدير المنتج، مما يؤثر سلباً في حرية المنافسة فيما بينها، فالصعوبات السابقة تجعله غير صالح لهذا النوع من الضرائب.

ب ـ أساليب تنسيق الضرائب المباشرة:

ـ أسلوب دولة الإقامة: ويعني هذا الأسلوب خضوع الدخل المكتسب لضريبة دولة إقامة المكلف بغض النظر عن مكان اكتساب الدخل، أي إن الدخل المكتسب في مكان الإقامة يخضع للضريبة نفسها سواء اشتق من المنتجات المبيعة في الداخل أم المصدرة إلى الأسواق الخارجية أو اشتق من رأس مال مستثمر في الداخل أم مصدر إلى الخارج، لذلك فإن هذا المبدأ يحقق حيادية الاستيراد سواء كانت المستوردات منتجات أم رأس مال.

ـ أسلوب دولة المنشأ: ويعني خضوع الدخل المكتسب لضريبة الدولة التي نشأ فيها بغض النظر عن دولة إقامة المكلف أو جنسيته، وأياً كان مكان استخدامه، مما يعني أن تصدير هذا الدخل إلى دول أخرى غير الدولة التي نشأ فيها لا يغير من المعاملة الضريبية له ومن ثم يفترض إعفاؤه من ضريبة دولة الإقامة أو الجنسية عند تصديره إليها بعد اكتسابه، لذلك فإن هذا المبدأ يحقق حيادية التصدير سواء كانت الصادرات منتجات أم رأس مال، وقد التزمت الدول الأوربية بهذا الأسلوب في الضرائب المباشرة لأنه يضمن حيادية مواقع الإنتاج، فالاتفاق على هذا الأسلوب بين الدول الأعضاء يؤدي إلى منع الازدواج الضريبي فيما بينها من دون الحاجة إلى اتفاقيات لذلك، وهذا ما جعله أسلوباً مناسباً للضرائب المباشرة.

يمكن الإشارة في هذا المجال إلى أن حجم المنافع الاقتصادية لأسلوب دولة المنشأ يكون أكبر في الدول ذات الاقتصاد الكبير مقارنة بالدول ذات الاقتصاد الأصغر، لتوسع إمكانية الاعتماد الاقتصادي المتبادل بين الدول الأولى أكثر منها في الثانية، كما أوضح الاقتصادي Dosser عام 1967 في معرض تحليله للآثار الاقتصادية لعملية التنسيق الضريبي بين دول السوق الأوربية المشتركة، أن أسلوب دولة المنشأ يحقق حيادية مواقع الإنتاج، أما أسلوب دولة الاستهلاك فإنه يحقق حيادية مواقع الاستهلاك، ولكن مستوى المعدلات المنسقة بين الدول هو الذي يحدد أثرها في كمية الإنتاج الكلية على مستوى دول التكامل كتلةً واحدةً مع بقية دول العالم، فإذا انخفضت تلك المستويات عما كانت عليه قبل القيام بعملية التنسيق فإنها تؤدي إلى زيادة الإنتاج ضمن دول التكامل، وإذا ارتفعت عما كانت عليه قبل القيام بعملية التنسيق فإنها تنقص من كمية الإنتاج بغض النظر عن الأسلوب الذي اتخذته لتنسيق ضرائبها، وهذا ما يؤكد أن تنسيق الضرائب في الدول العربية، باعتبارها دولاً نامية، يجب أن يؤدي إلى تخفيض مستويات معدلاتها بالدرجة الأولى ليعمل على زيادة الإنتاج فيها.

ثالثاً ـ درجات التنسيق الضريبي:

يمكن تصنيف أحوال الدول من حيث الاختلافات القائمة بين ضرائبها من الأكثر اختلافاً إلى الأقل كما يلي:

1ـ حالة المنافسة الضريبية: وهي الحالة التي تتشكل بين الدول في إطار العلاقات الاقتصادية الدولية العادية عندما تكون أنظمتها وتشريعاتها الضريبية في حالة تعارض تام أو عدم تنسيق تام، كالحالة التي تنشأ عند تحديد السيادة الضريبية بين الدول والتي تُوجِد حالة من التنازع في توزيع الاختصاصات الضريبية من دون اتفاق فيما بينها على أي مبادئ لتجنب هذا التنازع، من أجل تجنب الازدواج الضريبي، أو الحالة التي تنشأ عند التنازع بين الدول على جذب الاستثمارات الخارجية إليها عبر الحوافز الضريبية، كالحالة التي تقع فيها معظم الدول النامية، مما يضر بالسياسات الضريبية للدول وبالأهداف الاقتصادية التي تبتغيها منها، وخاصة عندما تكون تلك الدول متجاورة أو متقاربة جغرافياً، ويمكن وصفها بحالة اللاتنسيق.

2ـ حالة التعاون الضريبي: وهي الحالة التي تنشأ بين الدول في إطار العلاقات الاقتصادية الدولية العادية عند اتفاقها على الحد من الأعباء الضريبية المباشرة وغير المباشرة وتبسيط إجراءاتها بالقدر اللازم للحفاظ على تلك العلاقات عبر تقريرها بعض الإعفاءات أو التخفيضات في بعض رسومها الجمركية، أو معالجتها للازدواج الضريبي فيما يتعلق بضرائب الدخل أو الضرائب المفروضة على رأس المال، أو معالجتها لحالة التهرب الضريبي، سواء بواسطة تشريعاتها أم بعقد اتفاقيات ثنائية أو جماعية لهذا الهدف. مما يؤدي إلى نشوء تناسق جزئي بين الأنظمة والتشريعات الضريبية في تلك الدول، ويمكن وصفها بحالة عدم التنسيق المخفف.

3ـ حالة التوافق أو التناسق الضريبي: وهي حالة من التوافق بين الأنظمة والتشريعات الضريبية تسبق حالة التنسيق الضريبي التي يتم فيها تحضير تلك الأنظمة والتشريعات للعمل على التنسيق الضريبي المرغوب فيه بين الدول، وتنشأ هذه الحالة بين الدول عندما تكون أهداف وأدوات سياساتها الضريبية متقاربة، وظروفها الاقتصادية والمالية متقاربة أيضاً، مع احتفاظ الدول بحريتها الكاملة في اختيار ضرائبها وفق نظمها وقواعدها الفنية، لتحقيق أهدافها من منظورها العام على أن تكون متفقة فيما بينها على وجود منظومة من الضرائب، سواء في نطاق الضرائب غير المباشرة، كالرسوم الجمركية وضرائب الإنفاق، أم في نطاق الضرائب المباشرة، كضرائب الدخل الفردية وضريبة الشركات، وتوافق على الهدف من وجودها، مما يقلل من اختلاف نظمها وقواعدها الفنية، وقد تكون تلك الحالة موجودة بين الدول في إطار العلاقات الاقتصادية الدولية العادية، مما يُسّهل عملية التنسيق الضريبي بينها في إطار علاقاتها التكاملية، فكلما قلت درجة الاختلاف الضريبي في هذه المنظومة ارتفعت نقطة البداية في عملية التنسيق الضريبي بين الدول في إطار علاقاتها التكاملية، وسَرّعت من بلوغ أهدافها، وقللت من المدة اللازمة للوصول إلى درجة التنسيق المرغوب فيها في ظل تلك العلاقات، سواء كانت جزئية لتحقيق مرحلة منطقة التجارة الحرة أو الاتحاد الجمركي أم كانت لتحقيق هدف بذاته، كجذب الاستثمارات الأجنبية إليها أو قيام مشروعات مشتركة فيها، أم كانت كلية لتحقيق مراحل تكاملية أكثر عمقاً وشمولاً، كمرحلة السوق المشتركة أو غيرها. وسعي الدول ضمن التكتلات الاقتصادية الدولية إلى إيجاد حالة من التناسق الضريبي فيما بينها هو أولى خطواتها باتجاه تنسيق ضريبي قابل للتطبيق.

4ـ حالة التنسيق الضريبي: وهي الحالة التي تنشأ بين الدول في ظل تكتلاتها الاقتصادية التي تعمل من خلالها على التقليل من اختلافاتها الضريبية في أنظمتها وقواعدها الفنية، من أجل تحييد أثر تلك الاختلافات في المنافسة فيما بينها من أجل تحقيق أهداف تلك التكتلات، أي حالة التسوية المرغوب فيها بين أنظمتها وتشريعاتها الضريبية من أجل ذلك، ويتطلب تشكيلها تنازل الدول الأعضاء عن جزء من سيادتها الضريبية ونقلها إلى أجهزة التكتل بما يقتضيه تحقيق أهدافها، لذلك يختلف نطاق التنسيق المرغوب فيه باختلاف المرحلة التكاملية التي تعمل دول التكتل على تشكيلها. كما تنشأ هذه الحالة في الدولة الواحدة عندما تكون دولة فيدرالية، فهذا الشكل الدستوري يستدعي تقاسم السيادة الضريبية بين الحكومة الفيدرالية والحكومات المحلية لتوزيع اختصاصات فرض الضرائب فيما بينها، ويمكن أن تنشأ في الدول الموحدة عندما تعطي الحكومة المركزية وحداتها المحلية بعض اختصاصاتها في فرض بعض الضرائب استناداً إلى مبدأ اللامركزية في الإدارة المالية.

5ـ حالة التنسيق التام أو التوحيد الضريبي: وهي الحالة التي يمكن أن تنشأ بين الدول نتيجة التوافق الكامل في أنظمتها وتشريعاتها الضريبية ضمن علاقاتها التكاملية، ويتطلب تحقيقها تنازل الدول الأعضاء عن كامل سيادتها الضريبية الوطنية لتمارسها أجهزة التكامل، لذلك فهي غير مرغوب فيها في ظل التكتلات الاقتصادية حتى بين دول الاتحاد الأوربي على الرغم من وصوله إلى مرحلة الوحدة النقدية، ويمكن التمييز في هذه الحالة بين التنسيق الكامل الكلي، الذي يعني التطابق أو التماثل التام في الأنظمة والتشريعات الضريبية للدول في جميع الضرائب المؤلفة للهيكل الضريبي فيها لتظهر كأنها تملك تشريعاً ضريبياً موحداً، ومن غير الضروري الوصول إليها قبل مرحلة الاندماج الاقتصادي الكامل، فهي لا يمكن تصورها إلا في هذه الحالة، وبين التنسيق التام الجزئي والذي يعني توحيد جزء من الأنظمة والتشريعات الضريبية للدول الأعضاء، التي يتطلبها قيام مراحل تكاملية معينة، كتوحيد الأنظمة والتعريفات الجمركية التي يتطلبها قيام الاتحاد الجمركي.

تجب الإشارة إلى أنه كي تصبح عملية التنسيق الضريبي بين الدول عملية مفيدة وذات فعالية اقتصادية على مستوى التكتل ومستوى دوله الأعضاء، يجب أن تكون عملية هرمية وتراكمية تنقل الدول الأعضاء من حالة المنافسة إلى حالة التعاون فالتناسق فالتنسيق، ثم التوحيد إذا لزم الأمر، ولا يمكن الدخول في مرحلة لاحقة قبل الانتهاء من متطلبات المرحلة السابقة. والرفاهية الاقتصادية تزداد في تلك الدول من جراء التنسيق الضريبي كلما أدى ذلك التنسيق إلى التقارب في معدلات الضرائب، وقد اقترح أحد الاقتصاديين شكلاً مبسطاً لتصنيف درجات التنسيق استوحاه من تجربة التنسيق الضريبي الأوربي.

رابعاً ـ درجة التنسيق الضريبي المرغوب فيها وأولوياته

كل مرحلة تكاملية تتطلب درجة تنسيق بين الدول المؤلفة لها، ومن ثم يختلف نطاق التنسيق الضريبي ومداه باختلاف درجة التكامل المراد تحقيقها ويزداد عمق درجة التنسيق المرغوب فيها كلما تعمق مسار العمل التكاملي بين الدول، فمرحلة منطقة التجارة الحرة تتطلب الاتفاق على إلغاء التعريفات الجمركية على التجارة البينية بين أعضائها فقط، أما الاتحاد الجمركي فيتطلب إضافة إلى ما سبق توحيد الأنظمة والتشريعات الجمركية، أي يتطلب تنسيقاً تاماً لجزء من الهيكل الضريبي للدول الأعضاء، وهو الجزء المتعلق بتجارتها الخارجية، أما مرحلة السوق المشتركة فتتطلب تنسيقاً كلياً لمعظم أجزاء الهيكل الضريبي لدولها، ولا ضرورة للوصول بتلك الأجزاء إلى حالة التوحيد، ويكتفى فيها بالتسوية بين اختلافات تلك الأجزاء للعمل على تحييد أثرها السلبي في تحقيق أهدافها، ولما كانت أهداف الأسواق مختلفة؛ فإن أولويات هذه التسوية في أجزاء الهيكل الضريبي للدول الأعضاء تختلف أيضاً، فأولويات التنسيق الضريبي في الأسواق المشتركة غير متماثلة في التكتلات الاقتصادية، فالسوق الأوربية المشتركة تطلبت البدء بتنسيق الضرائب غير المباشرة ثم الضرائب المباشرة بين أعضائها وهذا الترتيب لا يمكن تعميمه على التكتلات الاقتصادية الأخرى عند اختلاف أهدافها.

وقد ربط الاقتصادي Musgrave منذ عام 1959 بين درجة التنسيق المرغوب فيها في ظل الأسواق المشتركة وبين حجم القطاع العام في الدول المؤلفة له، فأشار إلى أن أهمية التنسيق تتناقص مع توسع القطاع العام؛ لأن توسع ذلك القطاع يزيد من صعوبة تشكيل تلك الدرجة، ومع ذلك فقد أقر بضرورة بقاء إنتاج بعض السلع والخدمات بيد القطاع العام، ومن ثم جعلها خارج نطاق التنسيق الضريبي، كالسلع والخدمات المتعلقة بالدفاع الوطني، ولم يقر بضرورة ذلك في إنتاج السلع والخدمات التي لها تأثيرات خارجية في دول أخرى، كالتي لها علاقة بمسائل تلوث البيئة، مما جعله يصر على إنتاجها في ظل التنسيق الضريبي بين دولها، وهذا يعني أن أهمية التنسيق الضريبي تزداد تبعاً لزيادة دور اقتصاد السوق في الدول التي تؤلف التكتل الاقتصادي، ويفسر جزئياً صعوبة الوصول إلى أي مرحلة تكاملية بين الدول مع اختلاف فلسفتها الاقتصادية، والتجارب العملية منذ ذلك التاريخ حتى الآن أثبتت ذلك وخاصة في تجربة السوق العربية المشتركة.

ويمكن الإشارة إلى أن درجة التنسيق المرغوب فيها مرتبطة بالرفاهية الاقتصادية التي يمكن أن تحققها على مستوى التكامل في تعامله مع الدول الأخرى، ولكن سرعة الوصول إليها مرتبطة بالرفاهية الاقتصادية التي تحققها لكل دولة من دوله، باعتبار أن الأولوية عند التعارض بين الرفاهية على المستويين يجب أن تكون لتحقيق الرفاهية على المستوى الأول، كيلا تعمل الدول الأعضاء على الإبقاء على الاختلافات الضريبية التي تضمن لكل منها رفاهية أكبر، فتزداد المدة الزمنية التي يتم خلالها تحقيق درجة التنسيق المرغوب فيها في كل مرحلة تكاملية، وللتقليل من تلك المدة لا بد من وجود أدوات تعويضية مؤقتة لتعويض الدول عن الخسائر التي يمكن أن تلحق بها في رفاهيتها الاقتصادية نتيجة لذلك التنسيق، والتي يمكن أن تزداد بازدياد درجة تلك الاختلافات بين الدول الأعضاء في ضرائبها المحلية المرتبطة أصلاً بظروفها الاقتصادية وحجم إيراداتها المالية غير الضريبية وطرق إنفاق إيراداتها العامة، من هنا تأتي أهمية التزامن بين التنسيق الضريبي والتنسيق المالي والاقتصادي بين الدول الأعضاء في الأسواق المشتركة.

وباعتبار أن هدف التكامل الاقتصادي في الدول النامية والعربية على وجه الخصوص إنتاجي وتنمويّ وأن رفاهيتها الاقتصادية تزيد بزيادة الاعتماد الاقتصادي المتبادل فيما بينها، فإن التنسيق الضريبي المرغوب فيه هو الذي يزيد الاعتماد المتبادل فيما بينها، وبما أن ذلك مرتبط بزيادة الإنتاج والإنتاجية والقيمة المضافة لمواردها الاقتصادية في هذه الأسواق بالدرجة الأولى، فإن درجة التنسيق الضريبي المرغوب فيها وأولوياتها ترتبط بتحقيق تلك الأهداف على مستوى السوق كتلة واحدة، ومن ثم على مستوى الدول الأعضاء، فأولوية تنسيق الضرائب المباشرة مرتبطة بتحقيق تلك الأهداف بالدرجة الأولى، لا بقلة إيراداتها، كما يعتقد بعضهم، على الرغم من أن قلة هذه الإيرادات يسهل تلك العملية، ومن ثم تأتي أولوية الضرائب غير المباشرة في تلك الأسواق.

صحيح أن المدة الزمنية اللازمة للوصول إلى درجة التنسيق المرغوب فيها وفق الأولوية المناسبة لها مرتبطة بحجم الاختلافات القائمة في ضرائبها واختلافاتها في الظروف المالية والاقتصادية، ولكن العامل الأهم في تحديد هذه المدة هو كيفية التعامل مع تلك الاختلافات للإسراع في ردمها على المدى القريب والبعيد، وفي هذا السياق لا بد من وجود صناديق تعويضية مؤقتة تُنشأ على مستوى الأسواق، فإن وجود مثل هذه الصناديق له علاقة بتكلفة التنسيق على الدول الأعضاء وقدرة تلك الدول على تحمل هذه التكلفة على المدى القصير والمتوسط ـ وهي نقص إيراداتها الضريبية ـ لمساعدتها على تحمل هذه التكلفة، إذ تمولها الدول الأخرى من العوائد الآنية والمستقبلية التي تعود عليها منه، وكلما كانت الاختلافات في الظروف المالية والاقتصادية ومراحل التنمية بين الأعضاء كبيرة زادت الحاجة إلى التنسيق بين سياساتها الإنفاقية سواء في نفقات البنية التحتية أم في مشروعاتها المشتركة، ولهذا يعد تنسيق السياسات الإنفاقية بين الدول شرطاً لازماً لا يمكن نجاح عملية التنسيق الضريبي فيها بمعزل عن تنسيق تلك السياسات، ومن هنا تأتي أهمية تنسيق السياسات الإنفاقية في الدول النامية لتحقيق درجة التنسيق الضريبي المرغوب فيها في أسواقها المشتركة، وخاصة الدول العربية التي تعاني شدةَ الاختلاف في ظروفها المالية والتنموية، وهذا كله يؤدي إلى زيادة المدة الزمنية التي تحتاج إليها الدول النامية للوصول إلى درجة التنسيق الضريبي اللازمة لتحقيق أهداف الأسواق المشتركة واختلاف الآليات أو الإجراءات اللازمة لذلك.

من هذا المنطلق فإن الدول العربية في حاجة إلى القيام بعملية تنسيق ضريبي كلي في إطار برنامج شامل من أجل العمل على تحقيق أهداف السوق العربية المشتركة المستقبلية من بداية تكوينها ـ من دون الالتزام بالترتيب الذي فرضته نظرية التكامل الاقتصادي الكلاسيكية والذي يُلزم بالبدء في توحيد الرسوم الجمركية ثم تنسيق الضرائب الداخلية غير المباشرة فالضرائب المباشرة ـ فتكون عملية تنسيق الرسوم الجمركية أحد أهدافها المتزامنة مع تنسيق الضرائب الداخلية المباشرة وغير المباشرة وليست هدفاً سابقاً عليها، بل تأخذ عملية تنسيق الضرائب المباشرة الأولوية على الضرائب غير المباشرة، الداخلية والجمركية، لأن أثر التنافس وعدم التعاون الضريبي على تحقيق أهداف السوق أكبر من عدم تنسيق الضرائب غير المباشرة وأعم.

خامساً ـ أهداف التنسيق الضريبي

يعد التنسيق الضريبي وسيلة لتحقيق مجموعة من الأهداف، وهذه الأهداف يحددها نوع التعاون أو التكامل الاقتصادي القائم ودرجة التكامل التي تعمل الدول على تحقيقها في التكتلات الاقتصادية المختلفة، كما تختلف أهداف تنسيق كل ضريبة عن أهداف تنسيق الضريبة الأخرى، فهدف تنسيق ضريبة الشركات مختلف عن تنسيق الضرائب غير المباشرة، وتختلف في كل منها وفق الأفق الزمني بين المدى القريب والبعيد كما في هدف تنمية الاستثمارات الدولية فيها، ويمكن القول إن أهداف التنسيق الضريبي الشامل كثيرة ومتعددة أهمها ما يلي:

1ـ تحسين المناخ الاستثماري من أجل توطين رأس المال المحلي، ومن ثم تنمية الاستثمارات الدولية، عبر تجنيبها الازدواج الضريبي بين دولة المستثمر والمستثمر فيها وتخفيض معدلات الضرائب المفروضة عليها وإعطاء المستثمرين الحوافز الضريبية اللازمة لجذب الاستثمارات التي تؤثر مباشرة في تنمية الدول الأعضاء.

2ـ توزيع الاستثمارات الوافدة إليها، كل وفق الفجوة الاستثمارية التي يعاني منها، عبر الاتفاق على الحوافز المعطاة لها في كل دولة من الدول الأعضاء لمنع المنافسة الضريبية وتقريب مستويات التنمية بين الدول الأعضاء.

3ـ المساعدة على إقامة مشروعات مشتركة بين الدول الأعضاء عبر المزايا والمنح والتسهيلات التي يمكن أن يعطيها لتلك المشروعات، وخاصة الإنتاجية منها.

4ـ تسهيل عملية انتقال رؤوس الأموال بين الدول عن طريق إلغاء الحواجز الضريبية، كالازدواج الضريبي، أو تحقيق حرية انتقال السلع ورؤوس الأموال من خلال تشابه أو تقارب الأنظمة والقواعد الفنية في الدول الأعضاء، ولاسيما معدلات الضريبة والإعفاءات والأوعية الضريبية وغيرها، وتسهيل عملية انتقال الأشخاص فيما بينها.

5ـ تحقيق الممارسة الفعلية لحرية انتقال السلع والخدمات بين الدول الأعضاء، عبر التحقيق التدريجي للمساواة في العبء الضريبي على السلع والخدمات المنتجة والمتداولة فيها.

6ـ المساعدة على تعبئة الموارد المالية في الدول الأعضاء، الأمر الذي يؤدي إلى تطوير أداء الأجهزة الضريبية فيها ويرفع من كفاءتها؛ لأنه يقلل من إمكانية التهرب الضريبي بين الدول الأعضاء.

يعد التنسيق الضريبي أحد الوسائل الموجهة للإصلاح الضريبي المرغوب فيه في الدول الأعضاء.

يعد التنسيق الضريبي أحد وسائل تنسيق السياسات النقدية وله علاقة وثيقة بالتعاون المالي بين الدول الأعضاء.

وكي يحقق التنسيق الضريبي أهدافه، يجب أن يحقق قدراً من الوفورات الاقتصادية في دوله، أي يجب أن تكون تكلفة التنسيق الضريبي أقل من المكاسب التي يحققها خلال فترة محددة، لذلك يجب التحقق من المكاسب المتوقعة منه في تلك الفترة وتقويمه على أساسها، ويجب أن تبقى هذه العملية مستمرة لتطوير عملية التنسيق الضريبي وضمان فاعليتها لتحقيق الرفاهية الاقتصادية على مستوى الدول الأعضاء في السوق وعلى مستوى منطقة السوق كتلة واحدة.

سادساً ـ جهود التنسيق الضريبي في إطار مجلس الوحدة الاقتصادية العربية

حاولت الدول العربية إقامة نوع من التنسيق الضريبي بين أنظمتها وتشريعاتها الضريبية من أجل السوق العربية المشتركة مستلهمة ذلك من تجربة التنسيق الضريبي الأوربية ومحاولة تقليدها في منهجها وأولوياتها، نتيجة محاولتها إقامة سوق عربية مشتركة وفق المنهج والخطوات التي قامت عليها السوق الأوربية المشتركة، فعقد المجلس الاقتصادي والاجتماعي العربي خلال مسيرته الطويلة في العمل التعاوني العديد من الاتفاقيات لتفعيل العمل الاقتصادي العربي المشترك، لكنها لم تُشر إلى دور التعاون أو التنسيق الضريبي من أجل تحقيق أهدافها، كالاتفاقية الموحدة لاستثمار رؤوس الأموال العربية وغيرها من الاتفاقيات التي تؤدي إلى نوع من التعاون أو التكامل الاقتصادي العربي. فلم يقر أي اتفاقية في إطار التعاون الضريبي كالتي تهتم بتجنب الازدواج الضريبي أو التعاون في تحصيل الضرائب، إلى أن جاءت اتفاقية تيسير وتنمية التبادل التجاري بين الدول العربية عام 1981، فأكدت إمكانية تحقيقها لأهدافها عبر التنسيق الضريبي بين الدول العربية، ومن ثم كانت الاتفاقية الوحيدة في إطار هذا المجلس التي لها علاقة مباشرة بعملية التنسيق الضريبي بين الدول العربية وكانت تفتقر إلى الإطار الزمني اللازم من أجل تحقيق أهدافها إلى أن وُضِع لها ذلك الإطار في برنامجها التنفيذي لترتكز عليه من الأجل الوصول إلى منطقة تجارة حرة بين الدول العربية قابلة للتطوير في المستقبل لبناء الاتحاد الجمركي العربي المزمع إقامته عام 2013، وتعد هذه الاتفاقية أساسه القانوني.

كما بذل مجلس الوحدة الاقتصادية العربية جهوداً كبيرة لتحقيق تنسيق ضريبي عربي يساعد على تحقيق السوق العربية المشتركة، وركّز في هذه الجهود على التنسيق الضريبي الكلي وفق أولويات حددها للوصول إلى السوق العربية المشتركة، كانت ذروتها عندما أقر برنامجاً شاملاً للتنسيق الضريبي بين دول مجلس الوحدة مع بداية التسعينات من القرن الماضي، فبذل هذا المجلس جهوداً في تنسيق النظم والقواعد الفنية الضريبية في الدول الأعضاء منطلقاً من النصوص الواردة في اتفاقية الوحدة الاقتصادية العربية وقرار السوق العربية المشتركة، فقد عدت المادة الثانية من اتفاقية الوحدة أن التنسيق الضريبي من الأدوات اللازمة لتحقيق أهدافها في بناء الوحدة الاقتصادية العربية، فنصت في بنديها الأول والسابع على ما يلي:

البند الأول: جعل الدول الأعضاء منطقة جمركية واحدة تخضع لإدارة موحدة وتوحيد التعريفة والتشريع والأنظمة الجمركية في كل منها.

البند السابع: أـ تنسيق تشريع الضرائب والرسوم الحكومية والبلدية وسائر الضرائب والرسوم الأخرى المتعلقة بالزراعة والتجارة والعقارات وتوظيف رؤوس الأموال بما يكفل مبدأ تكافؤ الفرص.

ب ـ تلافي الازدواج في الضرائب والرسوم على المكلفين من رعايا الدول المتعاقدة.

شكّل هذان البندان العمود الفقري والأساس القانوني لجهود التنسيق الضريبي في إطار مجلس الوحدة الاقتصادية العربية وقراراته اللاحقة التي صدرت بهذا الشأن، ويمكن تقسيم تلك الجهود إلى:

1ـ جهود تنسيق الضرائب غير المباشرة: انصبت تلك الجهود على التنسيق في المجال الجمركي في محاولات المجلس بناء السوق العربية المشتركة على مراحل، من منطقة تجارة حرة إلى اتحاد جمركي، وما زالت تلك المحاولات مستمرة حتى الآن وصدر بشأنها الكثير من القرارات من أجل الوصول إلى سوق مشتركة على الطريقة الأوربية، وأعيد إحياء هذه الجهود مع إصرار الدول العربية على بناء منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى والتي دخلت حيز التنفيذ عام 2005، وانتقلت بعدها الى محاولة بناء اتحاد جمركي عربي في المستقبل القريب.

2ـ جهود تنسيق الضرائب المباشرة: تمثلت جهود مجلس الوحدة الاقتصادية العربية في هذا المجال في إصدار القرار رقم (577/د 18) لعام 1971، الذي تبنى توصيات المؤتمر المالي والضريبي للدول الأعضاء الذي عُقد في شهر تشرين الأول من العام المذكور، ونص على توحيد ضرائب الدخل بين الدول الأعضاء في مجلس الوحدة بما فيها دول السوق العربية المشتركة على أساس نظام الضريبة الموحدة على جميع مصادر الدخل.

وهذا يعني أن المجلس أقر بضرورة تنسيق الضرائب المباشرة بين دوله من أجل تحسين البيئة الإنتاجية فيها وتشجيع انتقال رؤوس الأموال فيما بينها، وأقر بضرورة البدء بتنسيق ضرائب الدخل ثم ضرائب الثروة من أجل ذلك، ولكنه أخذ بالأسلوب التوحيدي وفرض على الدول تغيرات في أنظمة ضرائب دخلها وقواعدها الفنية كان من الصعب عليها الالتزام بها في ذلك الوقت، لا لأنه الأسلوب الأفضل لأوضاعها الضريبية بل لكونه الأسلوب الأكثر رواجاً في تجربة التنسيق الضريبي الأوربية في ذلك الوقت، لذلك لا بد من البدء في عملية التنسيق من توحيد الأنظمة ثم الانتقال إلى توحيد المعدلات فالأوعية الضريبية، في وقت كانت أغلب الدول الأعضاء تأخذ بنظام الضرائب النوعية على فروع الدخل، ولم تتهيأ بعد للانتقال إلى نظام الضرائب الموحدة، فكان في ذلك القرار حماسة من مجلس الوحدة الاقتصادية أكثر من اللازم وفيه تجاوز للواقع الضريبي العربي نتيجة سعة الاختلافات الضريبية بين الدول الأعضاء التي لا تسمح بالاتفاق على توحيد أنظمة ضرائب دخلها، وفيه قلة إدراك لمفهوم التنسيق الضريبي بصفته أداة لها دور معين في تحقيق التكامل الاقتصادي العربي وليس هدفاً بذاته، لذلك تواضعت نتائج التنسيق الضريبي العربي في هذا المجال على الرغم من إصدار مجلس الوحدة الاقتصادية العربية برنامجاً للتنسيق الضريبي العربي بين دوله عام 1991 لم يستطع تنفيذه.

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ حسني علي خريوش، التنسيق بين دول السوق العربية المشتركة، رسالة ماجستير (كلية التجارة، جامعة الإسكندرية، 1974).

ـ رمضان صديق محمد، تجربة التنسيق الضريبي الأوربي ومدى امكانية الاستفادة منها على المستوى العربي، مجلة المعهد العربي للتخطيط، ندوة سياسات الضرائب في الأقطار العربية، تحرير محمد ناجي النوني، (الكويت 2000).

ـ يونس أحمد البطريق، «التنسيق الضريبي بين الدول العربية»، مجلة البحوث والدراسات العربية الصادرة عن معهد البحوث والدراسات العربية، العدد4، القاهرة 1973.

ـ عبد الله العبودي وحسني خريوش، المفاهيم العامة للتنسيق وآلياته وفعاليته، ورقعة عمل مقدمة إلى ندوة التنسيق الضريبي لتنمية الاستثمارات العربية المشتركة، الأمانة العامة لجامعة الدول العربية وآخرون (القاهرة 1995).

ـ فاروق مرسي متولي، تنسيق الضرائب بين البلاد العربية (مجالاته وإمكانيات تطبيقه)، ورقة عمل مقدمة إلى ندوة التنسيق الضريبي للتنمية.

ـ عبد الله العبودي وحسني خريوش، المفاهيم العامة للتنسيق وآلياته وفاعليته، ورقة عمل مقدمة إلى ندوة التنسيق الضريبي للتنمية.

ـ يونس أحمد البطريق، السياسات الدولة في المالية العامة (الدار الجامعية، ط2، الإسكندرية 1997).

ـ حسني علي خريوش، «التنسيق الضريبي بين الدول العربية وأثره على جذب الاستثمارات الخارجية»، مجلة بحوث اقتصادية عربية، العدد 15، ربيع 1999.

ـ حسني علي خربوش، «واقع الأنظمة الضريبية وأسس تنسيقها»، مجلة الوحدة الاقتصادية العربية، السنة /4/ العدد /7/ حزيران 1989.

ـ فريد النجار، الاستثمار الدولي والتنسيق الضريبي (مؤسسة شباب الجامعة، ط1، الإسكندرية 2000).

 

 


التصنيف : القانون الدولي
النوع : القانون الدولي
المجلد: المجلد الرابع: الرضاع ــ الضمان المصرفي
رقم الصفحة ضمن المجلد : 519
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 570
الكل : 29586119
اليوم : 41035