logo

logo

logo

logo

logo

الدبلوماسية

دبلوماسيه

diplomacy - diplomatie

 الدبلوماسية

الدبلوماسية

محمد عزيز شكري، ماهر ملندي

 الدبلوماسية وتطورها التاريخي

الحصانات الدبلوماسية

بدء المهمة الدبلوماسية وانتهاؤها

   

أولاً - الدبلوماسية وتطورها التاريخي

الدبلوماسية diplomacy/diplomati كلمة مشتقة عن اليونانية(دبلوما) diploma وفعلها دبلون diplon ومعناها الوثيقة التي تطوى على نفسها والتي كانت تصدر عن الشخص ذي السلطان في البلاد وتخول حاملها امتيازات خاصة. وقد دخلت هذه الكلمة المعجم الدولي منذ أواسط القرن السابع عشر حين حلت محل كلمة المفاوضة negociation وتطور مدلول الدبلوماسية مع الزمن وأصبح يشير إلى معان شتى يمكن أن يتضمنها التعريف العام الآتي: «الدبلوماسية هي فن وعلم إدارة العلاقات الدولية»: والدبلوماسية على أنواع:

1- فمن حيث أطراف العلاقة الدولية: هناك الدبلوماسية الثنائية أي الدبلوماسية بين دولتين، وهناك الدبلوماسية الجماعية، أي الدبلوماسية بين مجموعة من الدول عن طريق المؤتمرات أو المنظمات الدولية[ر]، يسمي بعضهم النوع الأخير الدبلوماسية البرلمانيةparliamentary diplomacy. وقد شاع هذا النوع الثاني، بتواتر وتصاعد، منذ عصبة الأمم وحتى اليوم.

2- ومن حيث الشكل الذي تأخذه إدارة العلاقات الدولية: هنالك الدبلوماسية السرية وهي التي تجري بين الكواليس وتكتم نتائجها كلاً أو بعضاً عن الغير أو حتى عن رعايا الدول المتفاوضة. وهناك الدبلوماسية العلنية وهي التي تتضح نتائجها فور انتهائها حتى لو جرت المفاوضات بشكل غير علني. وقد كان إنشاء عصبة الأمم بهيئاتها ومجالسها العلنية واشتراط ميثاقها تسجيل المعاهدات المبرمة بين الدول ونشرها تحت طائلة بطلانها، كان محاولة من جانب مؤسسي العصبة للخلاص من عهد الدبلوماسية السرية secret diplomacy الذي ساد حتى ذلك التاريخ.

3- ومن حيث الوسائل المستخدمة في إدارة العلاقات الدولية: يمكن القول بوجود دبلوماسية سلم تقوم على أساس المفاوضة بين الدول المعنية وهذا هو الأصل، ودبلوماسية عنف أو ما سمي دبلوماسية السفن الحربية Gun Boat Diplomacy تتجلى في تحقيق الدولة لأغراضها عن طريق اتباع وسائل الزجر والعنف بما في ذلك الحرب التي يعدها بعضهم استمراراً للنشاط الدبلوماسي للدولة في ميدان آخر غير ميدان المفاوضات.

إن اعتماد السفراء وسيلة للمفاوضات رافق العالم منذ وجوده فالتاريخ حافل بأمثلة وشواهد من هذا القبيل. ومن الطريف أن نلاحظ أن السفراء تمتعوا منذ القديم بحماية خاصة وامتيازات معينة عندما لم تكن قواعد القانون الدولي قد ظهرت للوجود على النحو الذي نراها اليوم. إلا أن هذه الامتيازات كانت تستند قديماً إلى أحكام الدين أو المعاملة بالمثل بينما تستند اليوم إلى قواعد قانونية ملزمة.

وهكذا فقد عرفت الدبلوماسية بمعناها في زمن اليونان والرومان أما الإسلام فاعتمدها أول الأمر وسيلة لنشر الدعوة، فقد بادر النبي الكريم إلى إرسال الرسل داعياً ملوك وأمراء زمنه إلى الإسلام وتبعه خلفاؤه، فاستخدموا الرسل أما لنشر الدعوة الإسلامية قبل بدء الجهاد أو لتبادل الأسرى وإنهاء القتال بعد اندلاع الحرب. كما أقر الإسلام بدءاً من النبي[ مبدأ حصانة الدبلوماسي، والرواية معروفة كيف أنه لم يهدر دم رسل مسيلمة الكذاب الذين رفضوا شهادة أن محمداً رسول الله وأصروا على أن موفدهم هو الرسول. وتروى كتب التاريخ أن الدبلوماسية بمعنى التعامل السلمي المطلق قد استعمل منذ زمن العباسيين الذين دأبوا على إرسال أو استقبال الرسل بينهم وبين دار الحرب. ولو تعمق المرء في التاريخ الدبلوماسي الإسلامي لوجده تاريخاً راقياً سواء من حيث الشروط التي كانت تشترط في الرسول أو من حيث مهامه أو حصانته وامتيازاته أو وظائفه.

1- تاريخ الدبلوماسية:

ويقسم تاريخ الدبلوماسية إلى مرحلتين:

الأولى: تشمل العهد القديم والقرون الوسطى حتى القرن الخامس عشر، وكان التمثيل الدبلوماسي فيها ذا صفة عارضة مؤقتة.

والثانية: تبدأ من القرن الخامس عشر وأصبح التمثيل الدبلوماسي فيها يتصف بصفة الديمومة والاستمرار.

وقد بدت طلائع ذلك في إيطالية ولاسيما في مدينة البندقية. وظلت الحال تتأرجح بين قبول مبدأ الدبلوماسية الدائمة أو المؤقتة حتى جاءت الثورة الفرنسية والحروب التي تلتها فقضت على عزلة الدول وأقامت بينها علاقات منتظمة وأخذ العالم يفكر جدياً منذ ذلك الحين بنظام موحد يفرض على الجميع بشأن حقوق الدبلوماسيين الأجانب وامتيازاتهم: فصدر عن مؤتمر ڤيينا لعام 1815 اتفاقية تتناول مهام الدبلوماسيين وحصاناتهم وامتيازاتهم، ثم انعقد مؤتمر اكس لاشابل لعام 1818 فعدل في تصنيف الدبلوماسيين. ومنذ ذلك الحين والجهود تبذل للوصول إلى تقنين دولي للدبلوماسية حتى تمكنت لجنة القانون الدولي التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة من وضع مشروع اتفاقية للعلاقات الدبلوماسية وقد أقرت هذه الاتفاقية في مدينة ڤيينا في 18 نيسان عام 1961 وهي تشكل القانون المتعامل به في هذا المضمار.

كذلك وضعت لجنة القانون الدولي وأقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1969 اتفاقية خاصة بالبعثات الخاصة، وقد عرضت على الدول للمصادقة عليها أو الانضمام إليها وهي في جوهرها لا تخرج عن اتفاقية ڤيينا لعام 1961 لذا يكتفى بالإشارة إليها.

2- هيئات العلاقات الدبلوماسية:

تتألف هذه الهيئات من فئتين: الهيئات المركزية والهيئات اللامركزية أو الخارجية، أما الهيئات المركزية فتضم:

1- رئيس الدولة: الذي يختص باعتماد رؤساء البعثات الدبلوماسية، واستقبال نظرائهم الأجانب.

2- وزير الخارجية: وهو يهيمن على السياسة الخارجية في الدولة. و يعد صلة الوصل بين دولته والعالم الخارجي وتصريحاته تقيد بلاده.

أما الهيئات اللامركزية فتتمثل في رجال السلك الدبلوماسي، وهم مصنفون في الفئات الآتية بحسب ما جاء في اتفاقية ڤيينا لعام 1961:

1- السفراء والقاصدون الرسوليون (النونس) ـــ وهم سفراء البابا ـــ ومن في حكمهم (كالمفوض السامي بين دول الكومنولث). وهؤلاء يعتمدون لدى رؤساء الدول.

2- المبعوثون والوزراء المفوضون والقاصدون الرسوليون الوكلاء (الانترونونس) المعتمدون لدى رؤساء الدول أيضاً.

3- القائمون بالأعمال المعتمدون لدى وزراء الخارجية.

وهؤلاء جميعاً هم رؤساء البعثات الدبلوماسية التي تضم إضافة إليهم مستشارين وسكرتيرين وملحقين عاديين وملحقين فنيين.

ولايجوز التمييز بين رؤساء البعثات بحسب فئاتهم إلا فيما يتعلق بالتشريفات وحق التقدم.

3- وظائف الممثلين الدبلوماسيين:

يقوم الممثل الدبلوماسي بعدد كبير من المهام في البلد المعتمد لديه وقد جاءت اتفاقية ڤيينا في مادتها الثالثة على ذكر أهم هذه الوظائف وهي مايأتي:

1- تمثيل دولته لدى الدولة المعتمد إليها: و يجوز اعتماد ممثل دبلوماسي واحد لدى أكثر من دولة بشرط موافقة الدولة المحال إليها. وفي مثل هذه الحال يتنقل الممثل بين عواصم الدول المعتمد لديها ويقوم في كل منها بالمهام الأساسية الملقاة على عاتقه ويحل محله في أثناء غيابه قائم بالأعمال بالنيابة.كما يجوز استثناء تكليف مواطن في الدولة المضيفة أن يكون سفيراً للدولة الموفدة إذا وافقت الأولى على ذلك.

2- حماية مصالح دولته لدى الدولة المعتمد لديها.

3- التفاوض باسم دولته لدى الدولة المعتمد لديها.

4- الاستعلام عن الأوضاع والحوادث في الدولة المعتمد لديها.

5- تعزيز العلاقات الودية بين دولته والدولة المعتمد لديها

4- واجبات الممثلين الدبلوماسيين:

تشترط اتفاقية ڤيينا لعام 1961 والعرف الدولي أن يراعى الممثل الدبلوماسي عدداً من الواجبات في أثناء قيامه بعمله وإلا تعرض لحسبان الدولة المعتمدة لديها له شخصاً غير مرغوب فيه. وهذه الواجبات هي مايأتي:

1- احترام قوانين وأنظمة الدولة المعتمد لديها وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.

2- عدم إساءة استعمال الأماكن التي تشغلها البعثة.

3- حصر مرجعه مبدئياً بوزارة الخارجية.

4- عدم ممارسة أي نشاط غير ذلك المكلف به بصفة رسمية.

من الجدير بالذكر أن إخلال الممثل الدبلوماسي بالواجبات الملقاة على عاتقه لايرفع عنه حصانته الدبلوماسية إلا إذا قررت دولته ذلك صراحة، وكل ما يمكن للدولة المستقبلة أن تفعله إزاء الممثل الدبلوماسي المخالف هو أن تطلب من حكومته إما تأنيبه أو سحبه أو تطرده هي بوصفه شخصاً غير مرغوب فيه persona non grata وفق القواعد المقررة لذلك في التعامل الدولي.

ولاتبتعد واجبات البعثات الدبلوماسية الخاصة كثيراً عما تقدم مع مراعاة طبيعتها المؤقتة والاستثنائية كحضور مؤتمر أو حفل زفاف أو تشييع جنازة في البلد المضيف.

ثانياً- الحصانات الدبلوماسية

امتزج التاريخ الدبلوماسي منذ القدم بتطور الشعوب التي تتعايش فيما بينها وفق مصالح متبادلة، وقد ترسخت عبر الزمن مجموعة لا متناهية من القواعد والمبادئ والأعراف الهادفة إلى تنظيم العلاقات الدبلوماسية بين الدول، وخصوصاً فيما يتعلق بظاهرة الحصانة الدبلوماسية diplomatic immunity وامتيازات المبعوث الدبلوماسي. فقد كان المبعوثون الأجانب المعتمدون في دولة الإسلام، يتمتعون بالحصانة والحرمة الشخصية، وذلك منذ أن منح الرسول r الأمان لموفدي مسيلمة الكذاب، ولم يذكر التاريخ أي حادثة خالف فيها أحد الحكام المسلمين هذه القاعدة. وكانت هذه الحصانات والامتيازات ترتكز على الأعراف والمجاملات المتبادلة على اختلافهما من حيث الطبيعة الإلزامية لكلٍ منهما. ومع استقرار نظام التمثيل الدبلوماسي منذ القرن التاسع عشر، عُقد العديد من الاتفاقيات الثنائية والمتعددة الأطراف التي تعالج الوظيفة الدبلوماسية أو بعض مظاهرها والمتمثلة خصوصاً في مسألة الحصانات والامتيازات الدبلوماسية، مثل ميثاق هافانا المنعقد بتاريخ 20/2/1928م بين دول القارة الأميركية، والاتفاقية التي عُقدت بتاريخ 26/2/1946م بين الولايات المتحدة الأميركية والفليبين. وبتاريخ 18/4/1961، تمَّ عقد اتفاقية ڤيينا حول العلاقات الدبلوماسية، مما أسهم في التأصيل القانوني للقواعد والمبادئ المتعلقة بالحصانات والامتيازات الدبلوماسية التي اكتسبت من الآن فصاعداً صفة القاعدة القانونية الدولية الملزمة لجميع أعضاء المجتمع الدولي المعاصر.

جوهر الحصانات والامتيازات الدبلوماسية:

تتمحور الحصانات والامتيازات الدبلوماسية حول إقرار سلسلة من الاستثناءات، التي يتمتع بها الممثلون الدبلوماسيون وبعثاتهم وأفراد أسرهم، وتعفيهم من الخضوع لقواعد النظام القانوني المطبقة على الأجانب في الدولة المعتمدين لديها، وقد ظهرت ثلاث نظريات فقهية تبرر الأساس القانوني لاعتماد مثل هذه الحصانات والامتيازات، وهي:

1- نظرية الامتداد الإقليمي exterritoriality: وهي تفترض أن يعدُّ المبعوث الدبلوماسي كأنه لا يزال مقيماً في إقليم دولته، ويخضع من ثم لنظامها القانوني فقط، وهذا ما ينطبق أيضاً على مقر البعثة الدبلوماسية، التي تشكّل - حسب هذا الرأي - امتداداً افتراضياً لإقليم دولتها وتتبع لها حصراً بمن فيها من أشخاص وأثاث ومحفوظـات. ولم تلقَ هذه النظرية صدى واسعاً في الأوساط العلمية لكونها تستند إلى التصور والافتراض ولا أساس لها في الواقع. كما أنها قاصرة عن تفسير الحدود التي تولدها الحصانات والامتيازات للمبعوثين الدبلوماسيين. فقد دل التعامل الدبلوماسي على أن أعضاء البعثة الدبلوماسية يتمتعون أيضاً بحصاناتهم خارج مقر البعثة وأينما وجدوا على أراضـي الدولة المضيفة، وهم ملزمون باحتـرام قوانين وأنظمة الدولـة المعتمدين لديهـا. ولكن مازال لها أثر في موضوع الحماية التي يتمتع بها المجرم السياسي الذي يلجأ إلى دار بعثة دبلوماسية.

2- نظرية الصفة التمثيلية representation: وبمقتضاها يتمتع المبعوث الدبلوماسي بالحصانات والامتيازات الدبلوماسية لكونه يمثل رئيس دولته حينما يباشر أعماله لدى الدولة المعتمد لديها. لكن أهم ما يؤخذ على هذه النظرية هو عدم تمييزها بين حصانات وامتيازات الدبلوماسي، وتلك التي يتمتع بها رؤساء الدول عادة، إضافة إلى أن رئيس البعثة لا يمثل رئيسه وإنما دولته بشخصيتها القانونية المستقلة. فلا يستطيع المبعوث الدبلوماسي أن يتمتع بالحصانات الرئاسية التي عادة ما تكون أوسع وأشمل بكثير من حصانات وامتيازات المبعوث الدبلوماسي.

3- نظرية مقتضيات الوظيفة necessity of the function: وهي النظرية السائدة في الوقت الحاضر. ومؤداها أن إقرار الحصانات والامتيازات الدبلوماسية تسوغه ضرورة تمكين البعثة الدبلوماسية وأعضائها من أداء مهامهم على النحو الأمثل وبكل استقلالية ومن دون أي عقبات. وقد لاقت هذه النظرية تأييداً واسعاً وأخذت بها صراحة اتفاقية ڤيينا لعام 1961م حينما أكدت في ديباجتها أن الغرض من منح الامتيازات والحصانات الدبلوماسية ليس إفادة الأفراد، بل لضمان الأداء الفعال لوظائف البعثات الدبلوماسية بوصفها تمثل دولها. ومن ثم يتجسد الهدف الأساسي للحصانات والامتيازات في تحصين المبعوث الدبلوماسي من اتخاذ أية إجراءات بحقه تعوق مباشرة وظائفه، ولكن ذلك لا يعفيه من الخضوع لأحكام القانون.

فحوى الحصانات والامتيازات الدبلوماسية:

بالاستناد إلى قواعد العرف والمجاملات الدولية وما نصت عليه اتفاقية ڤيينا لعام 1961م فإنه يمكن تصنيف الحصانات والامتيازات الدبلوماسية - من حيث مضمونها والمستفيدون منها - في فئتين: حصانات وامتيازات البعثة الدبلوماسية بصورة عامة، وحصانات وامتيازات المبعوث الدبلوماسي بوجه خاص.

1- حصانات وامتيازات البعثة الدبلوماسية: وهي تتعلق بمقر البعثة وحرمة مبانيها وممتلكاتها ومحفوظاتها ومراسلاتها ووسائل نقلها وتيسير أعمالها وببعض التسهيلات المالية والجمركية والضريبية وبمسألة الحصانة القضائية. وقد أشارت إليها بعبارات عامة المادة /25/ من اتفاقية ڤيينا لعام 1961م عندما أكدت ضرورة أن تَمنح الدولة المعتمدة لديها جميع التسهيلات اللازمة للبعثة الدبلوماسية بغية أداء مهامها على أكمل وجه. وهذه الحصانات والامتيازات تشمل الآتي:

أ- تسهيل حيازة مقر البعثة الدبلوماسية: نصت المادة /21/ من اتفاقية ڤيينا لعام 1961م على أنه يتوجب على الدولة المضيفة أن تيسر للدولة المعتمدة حيازة واقتناء العقارات اللازمة للبعثة الدبلوماسية سواء في إطار تشريعها الوطني أم بأي طريقة أخرى. وكذلك مساعدة البعثة في الحصول على المساكن الملائمة لأعضائها، ولم تحدد طريقة قانونية معينة لاقتناء دار البعثة أو سكن أعضائها، سواء أكان ذلك بالتملك أم الاستئجار أم الإعارة أم بأي طريقة أخرى مناسبة. ولكن إذا كانت تشريعات الدولة المضيفة لا تسمح للأجانب بتملك العقارات، يجوز حينئذٍ للبعثات الدبلوماسية اقتناء مقراتها بالاستئجار، بشرط أن يكون منع التملك مطبقاً بوجه عام على جميع البعثات الدبلوماسية بلا تمييز، أي غير مقتصر على دولة معينة. وفي جميع الأحوال، يجب أن تحصل الحيازة ضمن الإطار القانوني والتنظيمي للدولة المضيفة فيما يتعلق بتشريعات الملكية والإيجار وإجازة البناء والأنظمة البلدية والخدمات المختلفة.

ب- حرية اختيار مكان البعثة الدبلوماسية: جرت العادة على أن تستقر البعثات الدبلوماسية في عاصمة الدولة المعتمدة لديها وحيث تتواجد المقرات الحكومية للدولة. ولكن يلاحظ وجود بعض الاستثناءات في هذا المجال. ففي هولندا وعاصمتها أمستردام، تتوضع معظم البعثات الدبلوماسية في مدينة لاهاي. وفي المملكة العربية السعودية، فإن مقرات وزارة الخارجية وأغلب البعثات الدبلوماسية الأجنبية كانت تتواجد في مدينة جدة، في حين أن بقية الأجهزة الحكومية تقع في العاصمة الرياض، أما الآن فقد أضحت الخارجية السعودية والبعثات الدبلوماسية المعتمدة لدى المملكة مستقرة في حي خاص بالرياض. كما يحق للدولة المضيفة أن تجمع السفارات المعتمدة لديها في حي واحد تسهيلاً لمهمتها وحمايتها، كما فعلت الصين والهند والجزائر والولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية جنوب أفريقيا. علماً بأن المادة /12/ من اتفاقية ڤيينا لعام 1961م قد نصت على إمكانية قيام الدولة المعتمدة بفتح مكاتب تابعة لبعثتها الدبلوماسية خارج مكان تواجد البعثة، ولكن بعد الحصول على موافقة الدول المضيفة (مكتب إعلامي، مكتب ثقافي، مكتب عسكري … الخ).

ج- امتداد مقر البعثة الدبلوماسية وملحقاته: نصت المادة الأولى من اتفاقية ڤيينا لعام 1961 على أن مصطلح مقر البعثة الدبلوماسية يشمل دار البعثة وأجزاء مبانيها والعقارات الملحقة بها والتابعة لها والتي تستخدم لأغراض البعثة، وكذلك مقر إقامة رئيس البعثة. وتحتفظ عادة البعثات الدبلوماسية بسجل يوضح امتداد مبانيها الدبلوماسية ليتم مناقشته عند الاقتضاء مع سلطات الدولة المعتمدة لديها.

د- استخدام علم وشعار الدولة المعتمدة: وهذا ما أشارت إليه المادة /20/ من اتفاقية ڤيينا لعام 1961م بأنه يحق للبعثة ولرئيسها رفع العلم الوطني لدولته وشعارها في مقر البعثة وسكن رئيسها ووسائل تنقلاته. وقد جرى العرف على أن يُرفع علم الدولة المعتمدة على سيارة رئيس البعثة الدبلوماسية من دون غيرها من وسائل تنقل أعضاء البعثة الآخرين في أثناء تنقلاته الرسمية فقط. وتعاقب معظم التشريعات الوطنية في العديد من الدول على إهانة أو تحقير أو شتم دولة أجنبية أو رئيس دولة أجنبية أو علمها وشعارها. وقد دأبت دول الاتحاد الأوربي على رفع أعلامها الوطنية وعلم الاتحاد في مقرات سفاراتها في الخارج.

هـ- منع التعرض لدار البعثة الدبلوماسية: بموجب المادة /22/ من اتفاقية ڤيينا لعام 1961م فإن حرمة دار البعثة الدبلوماسية مصونة ولا يجوز لموظفي الدولة المعتمدة لديها دخولها إلا بموافقة رئيس البعثة أو من ينوب عنه. كما تلتزم سلطات الدولة المضيفة باتخاذ جميع التدابير المناسبة لحماية أماكن البعثة من أي اقتحام أو ضرر أو إخلال بأمن البعثة أو المساس بكرامتها. وبناءً عليه، لا يجوز إرسال مذكرات التبليغ القضائية مباشرة إلى البعثة الدبلوماسية أو لأعضائها إلا بالطريق الدبلوماسي عبر وزارة خارجية الدولة المضيفة. كما يحظر وضع أجهزة تنصت داخل مباني البعثة. ومع ذلك، يجوز لسلطات الدولة المعتمدة لديها دخول مباني البعثة الدبلوماسية استثنائياً في حالتين: طلب رئيس البعثة الدبلوماسية أو من ينوب منابه عند غيابه تدخل قوات الأمن للدولة المضيفة. وفي حالة الضرورة أوالقوة القاهرة، عندما تحدث مثلاً حرائق أو أوضاع صحية خطيرة وجدية.

و- حظر اتخاذ إجراءات تنفيذية بمواجهة البعثة الدبلوماسية: نصت المادة /22/ من اتفاقية ڤيينا لعام 1961م على إعفاء دار البعثة الدبلوماسية وأثاثها وأموالها ووسائل نقلها من إجراءات التفتيش أو الاستيلاء أو الحجز أو أي إجراء تنفيذي آخر.

ز- حرمة محفوظات ووثائق البعثة الدبلوماسية: نصت المادة /24/ من اتفاقية ڤيينا لعام 1961 على أنه لا يجوز المساس بوثائق ومحفوظات البعثة الدبلوماسية في أي وقت وأينما وجدت. وتشمل محفوظات البعثة أوراقها ومستنداتها والكتب والأفلام والأشرطة، وكذلك سجلاتها الرسمية والأثاث المستعمل لحفظها وصونها. ويُستشف من نص المادة المذكورة أن حماية هذه المحفوظات والوثائق مطلقة سواء أكانت موجودة داخل دار البعثة أم خارجها.

ح- حرمة المراسلات والحقيبة الدبلوماسية: أشارت المادة /27/ من اتفاقية ڤيينا لعام 1961م إلى ضرورة أن تسمح الدولة المعتمدة لديها البعثة الدبلوماسية بحرية الاتصال والمراسلات فيما يتعلق بأعمالها الرسمية. ويحق للبعثة أن تستخدم جميع الوسائل المناسبة، بما في ذلك الرسائل المرسلة بالرموز والشيفرة، ولكن لا يجوز لها تركيب أو استخدام جهاز لاسلكي من دون موافقة الدولة المضيفة. وتعني حرمة المراسلات الرسمية للبعثة عدم تعرضها للتفتيش والحجز والاطلاع عليها أو استعمالها دليلاً أمام المحاكم المحلية، وهذا ما يقود إلى موضوع آخر مثير للاهتمام، وهو ما يتعلق بالحقيبة الدبلوماسية. إذ نصت المادة /27/ من اتفاقية ڤيينا لعام 1961م على حظر فتح الحقيبة الدبلوماسية أو تفتيشها أو حجزها. والمقصود بالحقيبة الدبلوماسية جميع الطرود التي تحمل علامات خارجية ظاهرة تبين طبيعتها. ولا يجوز أن تحتوي هذه الحقيبة سوى على الوثائق والمواد المعدة للاستعمال الرسمي. وتدل الممارسات الدبلوماسية المستقرَّة بهذا الشأن على إمكانية احتواء الحقيبة الدبلوماسية على فئات مختلفة من الوثائق والمواد، كالرسائل والتقارير والمستندات والكتب وأجهزة الاتصال والأشرطة والمواد الفنية والطبية. ويلاحظ أن اتفاقية ڤيينا لعام 1961م لم تحدد حجم الحقيبة الدبلوماسية أو وزنها أو شكلها. وقد استقر التعامل الدبلوماسي بهذا الشأن على تقدير كل حالة على حدة حسب اتفاق الأطراف المعنية. وكثيراً ما يتم استغلال الحصانة الدبلوماسية لارتكاب أفعال غير مشروعة عبر الحقيبة الدبلوماسية، كاستخدامها لنقل المخدرات أو الأسلحة أو لاختطاف المعارضين السياسيين. ولتلافي مثل هذه الحوادث، أجازت المادة /27/ من اتفاقية ڤيينا لعام 1961م إمكانية فتح الحقيبة الدبلوماسية استثنائياً وتفتيشها بإذن وزير خارجية الدولة المعتمدة لديها البعثة التي تتبع لها الحقيبة، بشرط توافر أسباب جدية للاعتقاد بأن الحقيبة تحتوي على مواد غير مشروعة أو ممنوع استيرادها أو تصديرها، ويتم ذلك أيضاً بحضور ممثل البعثة الدبلوماسية المعنية. وتتحمل سلطات الدولة المعتمَدة لديها مسؤولية هذا التصرف في حال التأكد من عدم صحة المعلومات عما تحتويه الحقيبة. أما إذا عارضت الدولة المعتمدة فتح الحقيبة أو تفتيشها، فيمكن حينئذٍ لسلطات الدولة المضيفة إعادة الحقيبة إلى مصدرها. فقد تطرقت المادة /27/ من هذه الاتفاقية إلى موضوع حامل الحقيبة الدبلوماسية، أذ أوجبت عليه أن يكون مزوداً بمستند رسمي يثبت صفته هذه وعدد الطرود التي تحتويها الحقيبة. وهو يتمتع في أثناء قيامه بمهمته بالحصانة الشخصية ولا يجوز إخضاعه لأي شكل من أشكال التوقيف أو الاعتقال. كما يجوز للدولة الموفدة تعيين حامل مؤقت للحقيبة تنتهي حصانته بمجرد تسليم الحقيبة التي في عهدته للمرسل إليه. أما إذا تمّ تكليف ربّان إحدى الطائرات التجارية بنقل الحقيبة، فلا يُعدّ رسولاً دبلوماسياً، وتتمتع الحقيبة بالحصانة دون الربّان لحين وصولها إلى مقصدها النهائي.

ط- إعفاء البعثة الدبلوماسية من الضرائب والرسوم: أعفت المادة /23/ من اتفاقية ڤيينا لعام 1961م البعثات الدبلوماسية كافة من أداء جميع الرسوم والضرائب القومية والإقليمية والبلدية المتعلقة بالأماكن التي تشغلها البعثة بالتملك أو الإيجار، باستثناء الضرائب والرسوم المفروضة لقاء خدمات خاصة، كرسوم استهلاك الاتصالات التلفونية والكهرباء والماء، أو تلك المتوجبة بموجب قوانين الدولة المضيفة على المتعاقدين مع البعثة الدبلوماسية، كالمتعهدين وغيرهم ممن يقومون بأعمال البناء والصيانة والترميم والنقل لمصلحة البعثة وأعضائها. وأشارت المادة /28/ من اتفاقية ڤيينا إلى إعفاء واردات البعثة الدبلوماسية نتيجة قيامها بأعمالها الرسمية، كمنح جوازات السفر والتأشيرات وتصديق الوثائق، من جميع الضرائب والرسوم. كما أضافت المادة /36/ من الاتفاقية أن تقوم الدولة المعتمدة لديها البعثة الدبلوماسية بالسماح بدخول المواد المعدة للاستعمال الرسمي من قبل البعثة أو للاستعمال الشخصي للمبعوث الدبلوماسي وأفراد أسرته الذين يقيمون معه، وإعفائها من جميع الضرائب والرسوم الجمركية والتكاليف الأخرى غير تكاليف التخزين والنقل والخدمات المماثلة.

2- حصانات المبعوث الدبلوماسي وامتيازاته: كما هي الحال إزاء البعثة الدبلوماسية، يتمتع المبعوث الدبلوماسي مهما كانت فئته بعدد من الامتيازات والحصانات الشخصية التي تعدُّ من أقدم الحصانات المقررة للدبلوماسيين. وتستند بجذورها التاريخية أيضاً إلى قواعد الأعراف والمجاملات الدولية التي تم تقنينها فيما بعد في اتفاقية ڤيينا لعام 1961م. وتهدف هذه الحصانات والامتيازات إلى قيام المبعوث الدبلوماسي بأداء مهامه بكل يسر واطمئنان وحرية وتأمين عدم تعرضه لأي إجراءات قسرية، كالضغط والابتزاز والاعتقال والتهديد والإبعاد والرشوة، التي يمكنها أن تعرض حياة المبعوث وحريته وممتلكاته للخطر، وكذلك أفراد أسرته. وأهم هذه الحصانات والامتيازات هي:

أ- احترام شخص المبعوث الدبلوماسي وحمايته: عدّت المادة /29/ من اتفاقية ڤيينا لعام 1961 أن حرمة شخص المبعوث الدبلوماسي مصونة ولا يجوز إخضاعه لأي صورة من صور القبض والاعتقال. كما يجب على الدولة المعتمد لديها معاملته بالاحترام اللائق واتخاذ جميع التدابير المناسبة لمنع أي اعتداء على شخصه أو حريته وكرامته. ويتوجب كذلك على سلطات الدولة المعتمدة لديها البعثة الدبلوماسية ردع أي إهانات أو اعتداءات قد يتعرض لها الدبلوماسيون الأجانب من قبل رعايا هذه الدولة. إذ تتطلب قواعد المسؤولية الدولية أن تتخذ الدولة المضيفة جميع الإجراءات المناسبة للوقاية من هذه الانتهاكات وإيقاع العقاب بمرتكبيها في حال حدوثها. والمقصود بالمبعوث الدبلوماسي diplomatic agent كل من حمل هذه الصفة واعتمدته الدولة المضيفة، ولا تقتصر على السفير أو الوزير المفوض أو من في  مستواهم.

وقد اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 11/12/1973م اتفاقية حول الإجراءات الوقائية وردع الانتهاكات ضد الأشخاص الذين يتمتعون بالحماية الدولية، بمن في ذلك المبعوثون الدبلوماسيون وأفراد عائلاتهم. وقد نصت هذه الاتفاقية على ضرورة التزام الدول المتعاقدة بتسليم المتهم الذي يعتدي على أحد الأشخاص المحميين دولياً على إقليمها أو ممارسة اختصاصها القضائي عليه.

ب- حرمة مسكن المبعوث الدبلوماسي وممتلكاته ومحفوظاته: نصَّت المادة /30/ من اتفاقية ڤيينا لعام 1961م على أن يتمتع المنـزل الخاص الذي يقطنه المبعوث الدبلوماسي بالحصانة والحماية اللتين تتمتع بهما دار البعثة، وكذلك أمواله وأوراقه ومراسلاته. ويُلاحظ بوجه عام أن اتفاقية ڤيينا لم تميز في الحصانات والامتيازات بين مقر البعثة الدبلوماسية وسكن رئيسها. ومن ثم لا يجوز دخول مقر إقامة رئيس البعثة من دون إذنه أو تفتيشه ولا يجوز مصادرة أملاكه والإضرار بها، باستثناء حالة الضرورة كحصول حريق أو لظروف صحية خطيرة. ويشمل مفهوم الممتلكات والأموال العائدة للمبعوث الدبلوماسي حسابه المصرفي وأجوره وحقائبه وأثاث منـزله وسياراته وغيرها من الأشياء والممتلكات الشخصية.

ج- حرية الحركة والتنقل للمبعوث الدبلوماسي: وهذا ما تضمنته المادة /26/ من اتفاقية ڤيينا لعام 1961م التي أشارت إلى أن الدولة المعتمد لديها المبعوث الدبلوماسي تكفل له حرية الانتقال والسفر في إقليمها من دون الإخلال بقوانينها وأنظمتها المتعلقة بالمناطق المحظورة أو المنظم دخولها لأسباب تتعلق بالأمن القومي. كما أن المبعوث الدبلوماسي لا يعفى من الحصول على تأشيرة دخول إلى أراضي الدولة المعتمد لديها، بشرط أن تكون إجراءات الحصول على التأشيرة مطبقة على نحو موَّحد وبلا تمييز على جميع الدبلوماسيين، ويعني رفض إعطاء التأشيرة للمبعوث الدبلوماسي استبعاده واعتباره شخصاً غير مرغوب فيه. علماً بأن التعامل الدبلوماسي يشير إلى إعفاء حاملي جوازات السفر الدبلوماسية من رسم الحصول على التأشيرة وتسهيل إجراءاتها لهم. ويعفى المبعوث الدبلوماسي من جميع الأنظمة واللوائح المتعلقة بالهجرة والإقامة ومراقبة الأجانب. فقد اكتفت المادة العاشرة من الاتفاقية بأن تلتزم الدولة المعتمدة بإعلام وزارة الخارجية المعتمدة لديها البعثة الدبلوماسية أو بإعلام أية وزارة أخرى متفق عليها بتعيين أعضاء البعثة وبوصولهم مع أفراد أسرتهم ومغادرتهم النهائية أو إنهاء خدمتهم في البعثة.

د- الحصانة القضائية والتنفيذية للمبعوث الدبلوماسي: وقد حددتها المادتان /31/ و /32/ من اتفاقية ڤيينا لعام 1961م حول العلاقات الدبلوماسية. إذ يتمتع المبعوث الدبلوماسي بالحصانة القضائية المطلقة فيما يتعلق بالقضايا الجنائية لدى الدولة المعتمد لديها، فلا يجوز توقيفه أو التحقيق معه أو إحالته للمحاكمة. كذلك يتمتع المبعوث بالحصانة القضائية فيما يتعلق بالقضايا المدنية والإدارية باستثناء الحالات التالية:

1- الدعاوى العينية المتعلقة بالأموال العقارية الخاصة الكائنة في إقليم الدولة المعتمد لديها، مالم تكن حيازته لها بالنيابة عن الدولة المعتمدة لاستخدامها في أغراض البعثة.

2- الدعاوى المتعلقة بشؤون الإرث والتركات والتي يظهر فيها المبعوث الدبلوماسي بصفته منفذاً أو مديراً أو وريثاً أو موصى له، وذلك بالأصالة عن نفسه لا بالنيابة عن الدولة المعتمدة.

3- الدعاوى المتعلقة بأي نشاط مهني أو تجاري يمارسه خارج أوقات أعماله في الدولة المعتمد لديها.

كما يتمتع المبعوث الدبلوماسي أيضاً بالإعفاء من أداء الشهادة أمام محاكم الدولة المضيفة. ولا يجوز إضافة إلى ذلك اتخاذ أي إجراءات تنفيذية بحقه إلا في الحالات الثلاث التي يخضع فيها للقضاء المدني والإداري، أي فيما يتعلق بالتشريعات العقارية التي يملكها بصفته الشخصية وقضايا الإرث والتركات وفي حال ممارسته لأي نشاط مهني أو تجاري خاص لدى الدولة المعتمد لديها. وفي جميع الأحوال، يحظر المساس بحرمة شخص المبعوث الدبلوماسي أو ممتلكاته أو مكان إقامته. كما أن تمتع المبعوث الدبلوماسي بالحصانة القضائية لدى الدولة المضيفة لا يعفيه من الخضوع لقضاء دولته. إذ يستطيع الطرف المتضرر ملاحقة المبعوث الدبلوماسي أمام محاكم الدولة المعتمدة. أما إذا تنازلت هذه الدولة عن حصانة مبعوثها، فيحق حينئذٍ للطرف المتضرر رفع الدعاوى أمام محاكم الدولة المضيفة. وقد استقر العرف أنه لا يجوز للمبعوث الدبلوماسي التنازل عن حصانته شخصياً، وذلك باعتبار أن الحصانة الدبلوماسية ليست امتيازاً له، بل لضمان الأداء الفعال لوظائف البعثة الدبلوماسية. لذلك كانت المادة /32/ من اتفاقية ڤيينا صريحة في هذا المجال، عندما نصت أنه يحق للدولة المعتمدة حصراً التنازل عن حصانة أحد مبعوثيها الدبلوماسيين. وقد نصت المادة /32/ على أن التنازل عن الحصانة القضائية في أي دعوى مدنية أو تجارية لا ينطوي عن أي تنازل عن الحصانة في تنفيذ الحكم، بل لا بد في هذه الحالة الأخيرة من تنازل مستقل. وهذا النص منتقد من الناحية القانونية لعدم شموله للحصانة الجنائية من جهة، وابتعاده عن المنطق. إذ لا يُعقل أن يتنازل شخص عن حصانته لتتم محاكمته، وعندما يُدان لا يمكن تنفيذ الحكم بحقه، مما يخالف مبادئ العدل والإنصاف. وفي معظم الحالات، عندما ترفض الدولة المعتمدة سحب الحصانة عن مبعوثها الدبلوماسي المتهم بانتهاك القانون المحلي، يتم فيها اعتبار هذا المبعوث شخصاً غير مرغوب فيه ويتم طرده أو البحـث عن تسوية ودية بيـن الدولتين المعتمـدة والمعتمـد لديها. وأخيراً، لا بد من الإشارة إلى أنه لا يجوز التذرع بالحصانة الدبلوماسية في حال توجيه الاتهام إلى أحد الدبلوماسيين لارتكابه إحدى الجرائم الدولية كجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وهذا ما يضطلع بشرحه القانون الدولي الجنائي.

ه- الإعفاءات الضريبة والجمركية للمبعوث الدبلوماسي: نصت المادة /34/ من اتفاقية ڤيينا على إعفاء المبعوث الدبلوماسي من جميع الرسوم والضرائب الشخصية والعينية والقومية والإقليمية والبلدية، باســتثناء الآتي:

1- الضرائب غير المباشرة التي تدخل في أثمان السلع والخدمات.

2- الرسوم والضرائب المفروضة على الأموال العقارية الخاصة والكائنة في إقليم الدولة المضيفة، ما لم تكن حيازة المبعوث لها بالنيابة عن الدولة المعتمدة لاستخدامها في أغراض البعثة.

3- الضرائب التي تفرضها الدولة المضيفة على التركات.

4- الرسوم والضرائب المفروضة على الدخل الخاص الناشئ في الدولة المعتمد لديها، وكذلك الضرائب المفروضة على رؤوس الأموال المستثمرة في المشروعات التجارية لدى تلك الدولة.

5- الرسوم والضرائب المفروضة مقابل خدمات عامة، كتلك المتعلقة برسوم الكهرباء والهاتف والمياه.

6- رسوم التسجيل والتوثيق والرهن العقاري والطابع في الأموال العقارية الخاصة.

كما أضافت المادة /35/ إعفاء المبعوث الدبلوماسي من أداء جميع أنواع الخدمات الشخصية والعامة لدى الدولة المضيفة، كالخضوع لتدابير الاستيلاء وتقديم التبرعات والالتزامات والأعباء العسكرية. وبموجب المادة /36/ تقوم الدولة المعتمد لديها المبعوث الدبلوماسي بالسماح بدخول المواد المعدة لاستعمال البعثة الرسمي أو من أجل الاستعمال الخاص للمبعوث أو لأفراد أسرته ممن يقيمون معه، مع إعفائها من إجراءات التفتيش ومن جميع الضرائب والرسوم الجمركية والتكاليف الأخرى غير تكاليف التخزين والنقل والخدمات المماثلة. ومن المتعارف عليه، أنه يجوز للدولة المضيفة حظر استيراد المواد المنافية للأخلاق والصحة والأمن والنظام العام، كالمخدرات والأسلحة، وكذلك الكحول في بعض الدول الإسلامية. كما يحظر إعادة بيع هذه المواد أو تأجيرها أو إعارتها لأشخاص لا يتمتعون بالحصانة الدبلوماسية. وتتساهل الدولة عادة في منح الإعفاءات المقررة عند القدوم الأول للدبلوماسي إلى إقليم الدولة المعتمد لديها. وأخيراً، نصت المادة /33/ من اتفاقية ڤيينا على إعفاء الدبلوماسيين من الخضوع لأحكام الضمان الاجتماعي النافذة لدى الدولة المضيفة. ويشمل هذا الإعفاء المبعوث وأفراد أسرته وأعضاء الطاقم الإداري والفني والخدم الخاصين بالبعثة ما لم يكونوا من مواطني الدولة المعتمدين لديها، أو أن تكون إقامتهم الدائمة فيها، وأن يكونوا خاضعين لأحكام التأمينات الاجتماعية لدى الدولة المعتمدة.

نطاق الحصانات والامتيازات الدبلوماسية:

يمتد نطاق الحصانات والامتيازات الدبلوماسية ليشمل عدة فئات من الأشخاص وبدرجات متفاوتة، كما لا تسري نفاذ هذه الحصانات والامتيازات إلا خلال فترة محددة قانوناً على إقليم الدولة المضيفة. وهذا ما يثير مسألة تحديد نطاق الحصانات والامتيازات الدبلوماسية من حيث الزمان والمكان والأشخاص الذين يتمتعون بها.

1- النطاق الشخصي: نصت المادة /37/ من اتفاقية ڤيينا لعام 1961م على أن تشمل الحصانات والامتيازات الدبلوماسية الفئات التالية، بشرط ألا يكونوا من مواطني الدولة المضيفة أو من المقيمين فيها إقامة دائمة:

1) أفراد أسرة المبعوث الدبلوماسي ممن يقيمون معه في الدولة المضيفة، من زوجة وأصول وفروع.

2) الملاك الإداري والفني للبعثة فيما يتعلق فقط بأعمالهم الرسمية، وكذلك أفراد أسرهم ممن يقيمون معهم.

3) المستخدمين المحليين للبعثة فيما يتعلق فقط بأعمالهم الرسمية.

4) الخدم الخاصين بالبعثة ورئيسها فيما يتعلق فقط بمرتباتهم التي يتقاضونها لقاء عملهم.

وأكّدت المادة /38/ من الاتفاقية أن المبعوث الدبلوماسي أو أعضاء الطاقم الإداري والفني الذي يحملون جنسية الدولة المعتمدين لديها، لا يتمتعون سوى بالحصانة عن أعمالهم الرسمية. كما لا يتمتع المستخدمون المحليون والخدم الخاصون ممن يحملون جنسية الدولة المضيفة أو من المقيمين فيها إقامة دائمة بالامتيازات والحصانات، إلا بالقدر الذي تقرره سلطات هذه الدولة، بشرط مراعاة عدم تدخلها الزائد في أداء وظائفهم.

2- النطاق الزماني: نصت المادة /39/ من اتفاقية ڤيينا لعام 1961م على أن يتمتع المبعوث الدبلوماسي بالحصانات والامتيازات المقررة له بمجرد وصوله إلى إقليم الدولة المعتمد لديها لتسلم مهامه، أو منذ إخطار وزارة خارجية الدولة المضيفة أو أية وزارة أخرى متفق عليها بتعيينه إذا كان مقيماً على أراضيها. وينتهي حق هذا المبعوث في التمتع بالحصانات والامتيازات الدبلوماسية من لحظة مغادرته أراضي الدولة المعتمد لديها أو بعد انقضاء فترة معقولة من الزمن لتصفية أعماله وترتيب إجراءات مغادرته النهائية. ويلاحظ بوجه عام تشدد الدول في حال قطع العلاقات الدبلوماسية، إذ تمنح المبعوث الدبلوماسي عادة فترة لا تتجاوز يومين أو أسبوعاً لمغادرة أراضي الدولة المعتمد لديها، ومن ثم انتهاء تمتعه بالحصانات والامتيازات الدبلوماسية. وفي حال وفاة المبعوث الدبلوماسي، يستمر أعضاء أسرته في التمتع بالحصانات لغاية انقضاء فترة معقولة من الزمن قبل مغادرة إقليم الدولة المضيفة، ويحق لهم سحب أمواله المنقولة باستثناء ما يكون منها محظوراً تصديره وفقاً للقوانين المحلية. ولا يجوز استيفاء ضرائب التركات على الأموال المنقولة التي كانت موجودة لدى الدولة المضيفة لمجرد وجود المتوفى فيها بوصفه أحد أفراد البعثة أو أحد أفراد أسرته.

3- النطاق المكانـي: يتمتع المبعوث الدبلوماسي بالحصانات والامتيازات الدبلوماسية طول فترة وجوده لدى الدولة المعتمد لديها وممارسة وظائفه الرسمية، حتى انقضاء فترة معقولة بعد انتهاء مهامه. ويدل الاجتهاد القضائي على أنه يجوز الدفع بالحصانة من قبل المبعوث إذا رُفعت ضده دعوى تتعلق بأعماله الرسمية قبل انتهاء مهامه. كما نصت المادة /40/ من اتفاقية ڤيينا لعام 1961 على أن تقوم الدولة المعنية بمنح الحصانة للدبلوماسي الذي يمر عبر أراضيها أو يقيم فيها وكانت قد منحته تأشيرة دخول بقصد التوجه لأداء مهامه أو للعودة إلى بلده، ويسري ذلك على أفراد أسرته المسافرين معه أو بمفردهم. كما لا يجوز لهذه الدولة أن تعرقل مرور أعضاء البعثة من الإداريين والفنيين أو المستخدمين وأفراد عائلاتهم في إقليمها، وكذلك توفير جميع التسهيلات لمرور الحقائب الدبلوماسية وجميع المراسلات الرسمية، ومنحها الحماية والحصانة اللازمة مع مراعاة الفترة الزمنية للعبور.

ثالثاً- بدء المهمة الدبلوماسية وانتهاؤها

إنشاء العلاقات الدبلوماسية وقطعها حق مطلق للدول لأنه من أهم مستتبعات السيادة. فلا تلزم دولة بالدخول في علاقات مع غيرها من الدول إلا برضاها. وكذلك برضا الدول صاحبة العلاقة تتحدد درجة العلاقة الدبلوماسية ونوعها.(سفارة، مفوضية، بعثة على مستوى القائم بالأعمال).

والتمثيل الدبلوماسي حق للدول المستقلة. فلها وحدها ـــ من حيث المبدأ ـــ حق إيفاد المعتمدين الدبلوماسيين(وهذا هو الجانب الإيجابي من حق التمثيل). وحق استقبالهم (وهذا هو الجانب السلبي من حق التمثيل). ولكن لايمكن لدولة إرغام دولة أخرى على قبول معتمديها وإن كان الواقع يجعل من التبادل الدبلوماسي ضرورة حيوية تفرضها متطلبات العصر، عصر التكامل والتكافل بين الأمم. أما الدول ذات السيادة الناقصة، كالدول المحمية مثلاً، فتتولى الدولة الحامية مهمة تمثيلها في الخارج وقد تسمح لها بممارسة حق التمثيل السلبي بموجب صك الحماية كما كانت الحال عليه أيام الحماية على تونس والمغرب قبل استقلالهما عام 1956.

ومن ناحية أخرى فلا تلزم دولة قبول شخص ما كممثل دبلوماسي لدولة أخرى إلا إذا وافقت عليه. لذلك يسبق تعيين الممثل عادة عملية استمزاج agreation تعرض فيها الدولة الموفدة اسم مرشحها للمنصب لتبدي الدولة الأخرى رأيها فيه سلباً أو إيجاباً. وهي في حالة الرفض غير ملزمة ـــ قانوناً بيان أسباب رفضها وما على دولة المرشح إذا كانت حريصة على تمتين علاقاتها بالدولة الرافضة إلا أن تقدم مرشحاً جديداً.

يصطحب المبعوث الدبلوماسي معه كتاب اعتماد credentials موجه من رئيس الدولة المعتمدة إلى رئيس الدولة المعتمد لديها. إلا إذا كان المبعوث من رتبة قائم بالأعمال فيكون كتاب اعتماده من وزير خارجيته إلى وزير خارجية الدولة المعتمد لديها. ويعدّ كتاب الاعتماد وثيقة التفويض التي يعتمد بموجبها المبعوث الدبلوماسي والتي تخوله حق ممارسة وظائفه بما فيها التفاوض باسم بلاده والإقرار بأن النص المتفق عليه هو النص المعتمد. كما تخوله حق التمتع بالحصانات والامتيازات التي يرتبها له القانون الدولي. وباعتبار أن كتاب الاعتماد وثيقة شخصية تصدر من رئيس دولة إلى رئيس دولة أخرى فإنه قد يحتاج إلى تجديد في بعض الحالات وخاصة حين يتم تغيير رئيس إحدى الدولتين بطريقة غير مشروعة.

يقدم الممثل الدبلوماسي أوراق اعتماده لرئيس الدولة المعتمد لديها أو لوزير خارجيته بحسب صفته وضمن مراسم protocol معينة تختلف من دولة لأخرى ولكن يشترط فيها عدم التمييز بين الممثلين الدبلوماسيين من الفئة نفسها. وتراعى في المراسم أقدمية الممثل الدبلوماسي، وهذه الأقدمية تتحدد بحسب النظام المتبع في كل دولة إما من تاريخ التبليغ الرسمي لوصول المبعوث الدبلوماسي وإما من تاريخ تقديم كتاب الاعتماد.

ويبقى الممثل الدبلوماسي قائماً على رأس عمله إلا إذا انتهت مهمته. ويكون ذلك في واحدة من الحالات الآتية: الاستقالة، الاستدعاء من حكومته، طرده من حكومة الدولة المضيفة، وقطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.

وقطع هذه العلاقات لايعني بالضرورة قطع العلاقات القنصلية بين البلدين كما لايعني بالضرورة أن حرباً ستنشب بينهما. على عكس الحرب فهي تستتبع عادة قطع العلاقة الدبلوماسية بين المتحاربين.

وتجدر الإشارة إلى أن اتفاقية البعثات الخاصة لعام 1969 تفصل بين إرسال هذه البعثات ووجود علاقات دبلوماسية أو قنصلية فلا يشترط لإرسال البعثات الخاصة وجود مثل هذه العلاقات (م7 من اتفاقية عام 1969).

مراجع للاستزادة:

ـــ علي صادق أبو هيف، القانون الدبلوماسي (منشاة المعارف، الإسكندرية 1970).

ـــ عبد العزيز سرحان، قانون العلاقات الدبلوماسية (دار النهضة العربية، القاهرة 1975م).

- رمضان بن زير، العلاقات الدولية وقت السلم (الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والإعلان، بنغازي، ليبيا 1989م).

- عبد العزيز محمد سرحان، قانون العلاقات الدبلوماسية والقنصلية (مطبعة جامعة عين شمس، القاهرة 1974م).

- عبد الكريم علوان، الوسيط في القانون الدولي العام، الكتاب الثاني (مكتبة دار الثقافة للنشر، عمان، الأردن 1997م).

- علي صادق أبو هيف، القانون الدبلوماسي والقنصلي (منشأة المعارف، الاسكندرية 1987م).

- فؤاد شباط، الدبلوماسية (منشورات جامعة دمشق 2001/2002م).

- ماجد شدود، علم وفن إدارة العلاقات الدولية - الدبلوماسية (مطبعة ابن حيان، دمشق 1987/1988م).

- محمد سامي عبد الحميد ومصطفى سلامة حسين، القانون الدولي العام (الدار الجامعية، بيروت 1988م).

- محمد عزيز شكري، الوسيط في القانون الدولي العام (منشورات جامعة دمشق 1997/1998م).

- محمد المجذوب، القانون الدولي العام، الطبعة الخامسة (منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت 2004م).

- ناظم عبد الواحد الجاسور، أسس وقواعد العلاقات الدبلوماسية والقنصلية (دار مجدلاوي للنشر والتوزيع، عمان، الأردن 2001م).

- Sataw’s Guide To Diplomatic Practic.

- Alain Pellet et Patrick Dallier, Droit international public (L.G.D.J, Paris 1999).

- S.F.D.L, Aspect récent du droit des relations diplomatiques, Colloques de Tours (Pedone, Paris 1989).

 


التصنيف : القانون الدولي
النوع : القانون الدولي
المجلد: المجلد الثالث: الجرف القاري ــ الرسم والنماذج الصناعية
رقم الصفحة ضمن المجلد : 427
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 535
الكل : 29647446
اليوم : 27456