logo

logo

logo

logo

logo

الملاذات الضريبية

ملاذات ضريبيه

tax havens - paradis fiscaux

 الملاذات الضريبية

الملاذات الضريبية

جميل الصابوني

 

تعريف الملاذات الضريبية الملاذات الضريبية آليةً للتهرب الضريبي
خصائص الملاذات الضريبية الملاذات الضريبية والمنافسة الضريبية
أنواع الملاذات الضريبية سورية والملاذات الضريبية
 

كل دولة تصمم نظمها الضريبية، على نحو يتلاءم مع ظروفها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، فينتج من ذلك قيام أنظمةٍ ضريبيةٍ متنوعة ومتباينة. ومن هنا، تقوم بعض الدول ـ سعياً وراء تحقيق مصالحها ـ بوضع أنظمةٍ ضريبية جذابة تنهض على تقديم إعفاءات ومزايا ضريبية كبيرة للاستثمارات عموماً، وللأجنبية منها بوجه خاص. ويطلق على مثل هذه الدول تسمية الملاذ الضريبي Tax haven، أو الملجأ الضريبي.

وتسمى أيضاً الجنة الضريبية Tax paradise كما يطلق عليها أيضاً مصطلح الواحة الضريبية Tax oasis.

أولاً ـ تعريف الملاذات الضريبية:

تعرّف بأنها "دول أو أقاليم تستطيع جذب الاستثمارات الأجنبية من خلال تمتعها بعدة خصائص أهمها انعدام الضريبة أو فرضها بمعدلات منخفضة".

ومن أمثلة هذه الملاذات في العالم، جزر الباهاما وبنما في القارة الأمريكية، وسويسرا وإمارة موناكو في أوربا، وفي آسيا هناك هونغ كونغ وسنغافورة، أما في إفريقيا فتعد ليبيريا وأنغولا ملاذاتٍ ضريبيةً حديثة.

والجدير بالذكر أن الملاذات الضريبية ليست جميعها دولاً ذات سيادة سياسية، بل إن بعضها أقاليم ومناطق تتبع سياسياً دولاً أخرى، ولكنها تشكل ملاذاتٍ ضريبية، كإمارة أندورا الفرنسية، التي لا تتمتع بالسيادة، إلا أنها تمتاز بنظامٍ ضريبيٍ خاص بها، ومختلف عن النظام الضريبي الفرنسي، وهذا ينطبق أيضاً على إقليم الكامبيون الإيطالي.       

ثانياً ـ خصائص الملاذات الضريبية:

إن تسمية تلك الدول بالملاذات الضريبية لا يعني اقتصار تميزها على بعض المزايا والحسومات والإعفاءات الضريبية التي تمنحها للمشروعات والاستثمارات المختلفة على أراضيها، وإن كانت تلك هي الخاصية الأبرز في تلك الدول، إلا أنها ليست الوحيدة والكافية لخلق الملاذات الضريبية بالمعنى الصحيح. بل هناك مجموعة خصائص أخرى سياسية واقتصادية ومالية تمتاز بها أيضاً لتصبح بيئة جاذبة للاستثمار. وأهم هذه الخصائص:

1ـ المعدلات المنخفضة للضريبة: من النتائج المنطقية في الأدب الاقتصادي والمالي أن معدل الضريبة له تأثير واضح ومباشر في قرارات الاستثمار، خصوصاً للشركات الدولية، التي تبحث دائماً عن المزايا والحوافز الضريبية لتوطين أنشطتها المربحة، في دولٍ ذات معدلات ضريبة منخفضة. وهذا ما تحققه الملاذات الضريبية، لأن الضرائب على الدخول والأرباح تفرض فيها بمعدلاتٍ منخفضةٍ للغاية، أو قد لا تفرض نهائياً.

إذ ترتكز السياسة الضريبية في تلك الدول ـ في معرض تشجيعها للاستثمارـ إلى أحد أمرين: الأول، هو أن هذه السياسة تشكل جزءاً من سياسة الدولة في جذب الشركات والمصارف والاحتكارات الدولية. أما الأمر الثاني: أن تلك الدولة قد لا تكون في حاجة أصلاً إلى فرض الضرائب لوجود إيرادات أخرى كافية تعتمد عليها في تغطية نفقاتها.

 ففي الباهاما وبرمودا وجزر الكايمان يلاحظ أن تشريعات تلك الدول لا تفرض أي ضرائب لا على الدخول الفردية، ولا حتى على أرباح الشركات. إلا أن ذلك لا يمنع من وجـود بعض الملاجئ التي تفرض الضرائب بمعدلات منخفضة، كما أن بعض الدول تفرض الضرائب بمعدلات معقولة أعلى من الدول السابق ذكرها، ولكنها تعطي مزايا أخرى تفوق أهمية انخفاض معدل الضريبة.

ويلاحظ أن غالبية الملاذات الضريبية هي دول صغيرة الحجم وقليلة السكان، لذلك فقد استقر الفقه عام 1982 على تسمية سبع دول ممن تجاوز عدد سكانها المليون نسمة باسم السبعة الكبار، أما بقية الملاذات الضريبية فكانت تسمى النقاط Dots.

وإن غالبية الملاذات الضريبية تفرض ضرائب معقولة ومهمة على الدخول المحلية، إلا أنها تفرض ضرائب بمعدلات منخفضة جداً، أو لا تفرضها نهائياً على الدخول والأرباح ذات المصدر الأجنبي. ومن هنا تأتي أهمية عدّ الملاذ الضريبي آلية مهمة في خلق ظاهرة التهرب الضريبي لتلك الدخول أو الشركات التي تهرب عادة إلى تلك الملاذات من أجل تخفيض العبء الضريبي عليها وتشهر فيها.

2ـ الاستقرار السياسي: هو أحد العوامل المهمة المؤثرة في قرارات الاستثمار. ويعرّف الاستقرار السياسي بأنه "كون الدولة ذات نظامٍ سياسيٍ واضح لا يُخشى معه حدوث انقلاباتٍ أو ثوراتٍ أو حروبٍ أهلية، من شأنها أن تؤدي بشكلٍ أو بآخر إلى إعاقة الاستثمارات عموماً، والأجنبية منها بشكلٍ خاص".

ويعد من متممات الاستقرار السياسي في أي دولة، الاستقرار القانوني والتشريعي، بحيث يأمن المستثمر الأجنبي عـدم صدور قوانين تأميم أو مصادرة للمشروعات الأجنبية، مع حدوث أي تغير في السلطة، وتولي حكومة جديدة زمام الحكم.

ومما لاشك فيه أن أهم أولويات الاستثمار الناجح هو العمل ضمن مناخ سياسي وقانوني مستقرٍ وآمن، وهذا ما يفسِّر قدرة دولة مثل سويسرا، كونها دولة تمتاز بهذا الاستقرار، سواءٌ من حيث انعدام وجود أي انقلاباتٍٍ أو حركاتٍ عسكرية في تاريخها، أو من حيث عدم إصدارها لأي تشريعاتٍ تتعلق بالتأميم أو المصادرة لمشروعاتٍ وشركاتٍ أجنبية.

وبالمقابل هذا ما يفسر حالة نفور وهروب الاستثمارات الأجنبية من الدول العربية في فترة الستينات والسبعينات من القرن الماضي، نتيجة الانقلابات والثورات والحروب المستمرة التي سادت في تلك الفترة من جهة، وكثرة قوانين المصادرة والتأميم الصادرة آنذاك، مما اضطر هذه الدول إلى أن تصدر بعد ذلك قوانين مشجعة للاستثمار، كما هو الحال في سورية ومصر وغيرهما.

3ـ السرية في العمل المصرفي والمعاملات التجارية: تتمتع الملاذات الضريبية بامتلاكها قدراً كبيراً من السرية، واحترامها لخصوصيات المستثمرين والمشروعات المشتغلة في أراضيها. وتبرز تلك السرية على نحو خاص في القطاع المصرفي؛ إذ تكون جميع الصفقات والتحويلات والقروض والإيداعات التي يقوم بها المستثمرون عن طريق بنوك تلك الدول طي الكتمان. وضماناً لهذه السرية يتم إبرام عقد بين البنك والعميل يلتزم بموجبه البنك بالحفاظ على سرية معاملات وحسابات العميل، وتترتب عليه مسؤولية مدنية في حال إخلاله بهذا الالتزام. في حين يقع على عاتق العميل إثبات عدم وفاء البنك بالتزامه. والأكثر من ذلك، أن بعض الدول، مثل سويسرا، كانت تفرض عقوباتٍ جنائية على البنك الذي يخل بالتزامه بسرية صفقات وحسابات عملائه.

ولكن بالمقابل فإن هذه السرية والبيئة الاقتصادية المتحررة، اللتين تتمتع بهما الملاذات الضريبية، تشكلان مناخاً مناسباً لتكاثر بعض الأنشطة المالية غير المشروعة، مثل غسيل الأموال والتهرب الضريبي اللذين يتكاثران في الملاذات الضريبية، مما يقود إلى الاقتناع السياسي والقانوني الكامل بوجود ارتباطٍ وثيقٍ بين هذه الأنشطة غير المشروعة وبين الملاذات الضريبية.

لذلك يلاحظ أن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) ـ بمساعي الدول المتقدمة، باعتبارها أكثر المتضررين من وجود الملاذات الضريبية ـ قد دأبت باستمرار على وضع معايير خاصة بالشفافية الضريبية والمصرفية، وذلك بهدف مكافحة غسيل الأموال والتهرب الضريبي الذي يسبب خسارة مليارات الدولارات لخزائن الدول المتقدمة الكبرى في العالم. وباستمرار كانت هناك قائمة سوداء تصدرها المنظمة وتقوم بتحديثها دورياً تتضمن الملاذات الضريبية التي لا تلتزم بمعايير المنظمة، وأهم تلك الدول هي إمارة موناكو وليختنشتاين وأندورا وليبيريا.

وقد شهدت العاصمة الفرنسية باريس في أكتوبر من العام 2008 اجتماعاً شاركت فيه 17 دولة متقدمة، بهدف مكافحة الملاذات الضريبية، وتحديث القائمة السوداء الموضوعة من قبل منظمة OECD. علماً أن المنظمة شطبت مؤخراً في العام 2009 سويسرا من قائمة الملاذات الضريبية بعد توقيع الأخيرة على اتفاقية مكافحة الازدواج الضريبي الثانية عشرة والتزامها بمعايير المنظمة الخاصة بالشفافية الضريبية.

4ـ الموقع الجغرافي المتميز ووجود وسائل اتصالات ومواصلات متطورة: فالموقع الجغرافي المميز للملاذات الضريبية يؤدي دوراً مهماً في مدى قدرتها على جذب الشركات والمشروعات الأجنبية، وبإمعان النظر في التوزيع الجغرافي لأهم الملاذات الضريبية، يمكن ملاحظة أنها غالباً ما تكون دولاً مجاورةً للدول المتقدمة، ويبدو ذلك بوضوح في القارتين الأمريكية والأوربية. لأن هذه الملاذات تسـتخدم (قنوات الانتشار Vases d’expansion) في جني الدخول التي تحاول الشركات الدولية إبعادها عن السلطات الضريبية في دولها الأم.

إضافة إلى أهمية الموقع الجغرافي للملاذ الضريبي، فإن مثل هذه الدول والأقاليم تحوزعادةً شبكةً متطورةً وواسعة من المواصلات والاتصالات السلكية واللاسلكية، كخطوط الطيران ووسائل النقل البحرية، إذ تعد جزر الكايمان مثالاً واضحاً لذلك. فكل ما سبق من شأنه أن يوفر سهولة الاتصال والتواصل بين الملاذ الضريبي وبين الدول الأخرى، وخاصة الدول الأم للشركات متعددة الجنسيات التي لها فروع في هذا الملاذ أو ذاك.

وتجدر الإشارة في هذا الإطار إلى أن الملاذات الضريبية تعمل باستمرار على تطوير بنيتها الإدارية والقانونية، على نحوٍ يسهل عمليات تأسيس الشركات بأنواعها داخل أقاليمها، وهذا ما يفسر التزايد الملحوظ في عدد الفروع والشركات الوليدة للشركات متعددة الجنسيات المنشأة في تلك الأقاليم، خصوصاً في السنوات الأخيرة.

5ـ استقرار العملة الوطنية وضعف الرقابة على سوق الصرف: الأمر اللافت للانتباه في العقدين الأخيرين هو أن معظم الملاذات الضريبية حاولت أن تتطور وتقدم نفسها بصفتها مراكز مالية حرة Offshore. إذ تُزَاول فيها الأنشطة المالية والمصرفية وأنشطة الشركات القابضة على نحو واسع. وهي في سبيل ذلك، تعتمد على الإقراض والاقتراض الدوليين بالعملة غير الوطنية، سواءٌ كانت تلك الأنشطة المالية تتعلق بأموالٍ شخصية لمستثمرين أفراد أو شركات. وترتبط تلك المناطق المالية الحرة على نحو وثيق بأكبر وأبرز المراكز الاقتصادية الرئيسة في العالم، مثل نيويورك ولندن وطوكيو وزيوريخ.

ولعل أهم ما يميز الملاذات الضريبية استقرار عملتها الوطنية، إضافة إلى قوة هذه العملة تجاه العملات الأخرى. وتعد قابلية العملة للتحويل إلى العملات الرئيسة في العالم من أهم عناصر هذه الخاصية، والسبب في ذلك أن الملاذات الضريبية تعتمد بصورة رئيسة على الاستثمار الأجنبي، مما يتطلب أن تتوافر لديها إمكانية انتقال الأموال منها وإليها، من قبل أولئك المستثمرين الأجانب، وهذا يستلزم حتماً أن تكون عملة دولة الملاذ الضريبي المعنية قابلة للتحويل إلى أهم وأقوى وأشهر العملات على الصعيد العالمي وهي (الدولار الأمريكي والجنيـه الإسترليني والين الياباني واليوان الصيني، وقد أضيف إليها منذ أواخر القرن الماضي، اليورو، عملة الاتحاد الأوربي).

بل إن بعض الملاذات الضريبية تعتمد أساساً على الدولار الأمريكي في تعاملاتها النقدية، ولا تعتمد على عملتها الوطنية، ومثال ذلك بنما التي يشكل الدولار الأمريكي العملة الورقية الأساسية المتداولة فيها، ولا يكون هناك اعتماد على عملتها الوطنية (البالبو).

ويُشار هنا إلى عدم وجود رقابة حكومية صارمة على سوق الصرف الأجنبي في الملاذات الضريبية، كتلك الرقابة الموجودة في الدول الأخرى، وهذا طبعاً في مصلحة المستثمرين الأجانب، لأنه يسهل لهم تحويل أموالهم من وإلى تلك الملاذات، بغية تخفيض أعبائهم الضريبية، ومن ثم تعظيم أرباحهم النهائية.

ثالثاً ـ أنواع الملاذات الضريبية:

يمكن تقسيم الملاذات الضريبية إلى أكثر من نوع وفق أكثر من معيار، ووفقاً لمعيار الشمول هناك بوجه عام نوعان رئيسان للملاذات الضريبية:

1ـ الملاذات الضريبية العامة: وهي النوع الأكثر شيوعاً وانتشاراً في العالم، إذ تمتاز تلك الأقاليم بأن تشريعاتها الضريبية والاستثمارية تتضمن نظاماً ضريبياً خاصاً يطبق على الجميع، ويقدم حوافز ضريبيةً ومالية للاستثمارات الأجنبية بوجهٍ عام، ومثال تلك الملاذات (موناكوـ سويسرا).

2ـ الملاذات الضريبية الخاصة: وهي دول أو أقاليم تنشئ أنظمةً ضريبيةً خاصة لأنواعٍ معينةٍ من الشركات فقط، وخير مثال على هذا النوع لوكسمبورغ، التي تقدم نظاماً ضريبياً خاصاً للشركات القابضة وفقاً لتشريعها الصادر عام 1929، فالشركات القابضة هناك لها معاملة خاصة فيما يتعلق بمعدل الضريبة مختلفة عما هو مطبق على المشروعات الوطنية أو الأجنبية الأخرى.

ووفقاً لمعيار فرض الضرائب من عدمها يمكن التفريق بين عدة أنواع للملاذات الضريبية:

ملاذات ضريبية لا تفرض أي ضرائب على الدخول أو الأرباح، مثل (الباهاما ـ البحرين ـ برمودا ـ جزر الكايمان). والجدير بالذكر أن مثل هذه الدول لا تقوم بإبرام أي معاهدات أو اتفاقيات ضريبية سواءً كانت ثنائية أو متعددة الأطراف، لأن عدم فرضها لأي ضريبة ينفي احتمال نشوء أي ازدواج ضريبي أو تهرب ضريبي لديها في علاقاتها بالدول الأخرى.

ملاذات تفرض ضرائب على الدخـل أو الأرباح تأسيساً على مبدأ الإقليمية، إذ تعفى الأرباح المحققة من صفقات أو معاملات تتم خـارج إقليم الدولة، ومثال تلك الدول (هونغ كونغ ـ ليبيريا ـ ماليزيا ـ بنما).

ملاذات تفرض الضرائب بمعدل مرتفع أو ثابت قليلاً، إلا أنها قد تخفض ضرائبها بموجب معاهداتٍ ضريبية تبرمها مع دول أخرى، ومن هـذه الـدول (سويسرا ـ جزر الأنتيل الهولندية).

ملاذات تقدم مميزاتٍ ضريبية خاصة بالشركات القابضة أو شركات المناطق الحرة offshore، ومثال تلك الملاذات (دول الكاريبي ـ هولندا ـ سنغافورة).

ملاذات تقدم إعفاءاتٍ ضريبية للصناعات التي من شـأنها أن تزيد من حجـم الصادرات، ومثال تلك الملاذات (إيرلندا).

ملاذات ضريبية تقدم ميزات خاصة أخرى لبعض أنواع الشركات، لتحقيق غايات معينة، ومثال هذه الملاذات (بربادوس ـ جامايكا).

رابعاً ـ الملاذات الضريبية آليةً للتهرب الضريبي:

إذا كان مفهوم الملاذات الضريبية قد ظهر على صعيد الاقتصاد الدولي بشكله الحالي في عقدي العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي، إلا أن فكرة ووظيفة الملاذات الضريبيـة هي فكرة قديمة تعود في أصولها إلى مرحلة ما قبل القرون الوسطى.

وقد قدُِر مؤخراً إجمالي قيمة الأصول المحولة إلى المراكز المالية الحرة والملاذات الضريبية بنحو (11) تريليون دولار أمريكي، أي ما يتجاوز ثلث الناتج المحلي الإجمالي العالمي. في حين لم يكن يتجاوز نصف هذا الرقم (5.1) تريليون دولار في عام 1997، وهذا دليل واضح على اتساع نطاق عمل هذه الملاذات على الرغم من المؤتمرات والاتفاقيات والاجتماعات الدولية التي تعقد باستمرار لمكافحتها. وآخرها كان اجتماع قادة الدول العشرين الذي انعقد في مدينة لندن البريطانية في بدايات العام 2009 والذي بين فيه رؤساء الدول الكبرى في العالم، كالولايات المتحدة وإنكلترا وفرنسا والصين، رغبتهم في محاربة الملاذات الضريبية، بغية القضاء على ظاهرة انتقال الأموال من دولهم إلى تلك الملاذات في ظل الأزمة المالية العالمية، إضافة إلى استهداف مكافحة التهرب الضريبي وغسيل الأموال.

وجميع الدراسات والإحصاءات تؤكد قدرة هذه الملاذات على جذب الأموال إليها من الخارج، وخصوصاً من الدول المتقدمة. وقد برعت الاستثمارات سواء كانت فردية أو شركات في استغلال الملاذات الضريبية أحسن استغلال، وذلك بهدف التهرب من تسديد الضرائب المستحقة عليها. فعلى مستوى الأفراد، تعود هؤلاء أن يقوموا بتحويل أرباحهم ودخولهم الناتجة من مشروعاتهم التي يقيمونها في دولهم، إلى الملاذات الضريبية المختلفة حول العالم تحت أسماء مختلفة، أو حتى تهريبها بطرق غير مشروعة، كون هذه الملاذات لن تفرض أي ضرائب على تلك الأرباح أو الدخول، أو أنها ستفرض ضرائب بمعدلات منخفضة، مما ينمي ثرواتهم وأصولهم في نهاية الأمر نتيجة تخفيض العبء الضريبي على أرباحهم.

إلا أن الإبداع الحقيقي في مجال التجنب أو التهرب الضريبي كان ومازال يحدث من قبل الشركات متعددة الجنسيات، التي تستغل خبرات كبار رجال القانون والاقتصاد والمال في كيفية تخلصها الجزئي أو الكلي من الضرائب عن طريق الملاذات الضريبية، حيث يمكن لتلك الشركات استغلال الملاذات الضريبية في تحقيق التهرب الضريبي من خلال اتباع أحد أسلوبين:

> إما أن تلجأ الشركة متعددة الجنسيات إلى نقل مقرها الرئيسي ـ اسمياً فقط ـ إلى ملاذٍ ضريبيٍ، مع الإبقاء على إدارتها الفعلية وأنشطتها الرئيسة في الدولة الأم، كما فعلت شركة سيمنز الألمانية لإنتاج الأجهزة الإلكترونية، عندما استطاعت من خلال نقل مقرها الرئيسي اسمياً إلى خارج ألمانيا أن تخفض ضرائبها المدفوعة إلى الخزانة العامة الألمانية إلى أقل من 100 مليون مارك ألماني، وذلك عن السنة المالية 1994/1995، على الرغم من أن أرباحها المحققة في السنة ذاتها قد بلغت 2.1 مليار مارك، بل استطاعت في عام 1996 أن تتخلص تماماً من تسديد أي ضرائب للحكومة الألمانية.

> أو أن تقوم الشركة الأم بإنشاء شركاتٍ وليدةٍ تابعةٍ لها في ملاذٍ ضريبـي بهدف الاستفادة من أكبر قدرٍ من المزايا والإعفاءات الضريبية، فعلى سبيل المثال تقوم الشركات الكبرى وعلى نحو ملحوظ بجعل نفقاتها الإنتاجية تبلغ أعلى مستوياتها في دولها الأم ذات المعدلات الضريبية المرتفعة، في حين يحصل العكس لشركاتها الوليدة وفروعها المؤسَسةِ في الملاذات الضريبية، حيث تكون نفقات الإنتاج هنا في أدنى مستوياتها، ومن ثم فإن الأرباح التي تتحقق في هذه الملاذات تكون ضخمةً أكثر من الواقع.

فشركة BMW الألمانية لصناعة السيارات، ادعت أنها حققت في فرعها البلجيكي (على اعتبار أن بلجيكا تشكل ملاذاً ضريبياً بالنسبة إلى ألمانيا) نحو ثلث المجموع الكلي لأرباحها كشركة متعددة جنسيات، علماً أنها لم تقم بإنتاج ولا حتى سيارةً واحدةً في ذلك الفرع البلجيكي. ولعل المبرر الرئيس لنجاح هذه الشركة في التهرب من أداء ضرائب بملايين الدولارات للحكومة الألمانية، هو ذاك النظام الضريبي التشجيعي الذي طبقته بلجيكا عام 1990 والذي يسمح للمشروعات التي تزاول نشاطها في أربع دولٍ على الأقل، أن تؤسس مراكز تنسيق Coordination centers داخل بلجيكا، هذه المراكز تمكن تلك المشروعات من تركيز أنشطتها الترويجية والتسويقية ومكاتبها القانونية وجميع خدماتها وعملياتها المالية والمحاسبية في هذه المراكز، من دون أن تدفع أي ضريبة إلى الحكومة البلجيكية عما تحققه من أرباح، وإنما يكتفى منها بأن تتحمل فقط دفع ضريبة بمعدل منخفض جداً عن جزءٍ ضئيلٍ من نفقاتها المحلية. 

وإن لجوء الشركات متعددة الجنسيات إلى تأسيس ما يسمى بالشركة الوسيطة أو الساترة في الملاذات الضريبية هو الأسلوب التقليدي المتبع من قبل تلك الشركات بقصد التهرب الضريبي على الصعيد الدولي، إذ ينهض كيان الشركة الساترة على مجموعة عناصر هي:

أنها شركة يتم تأسيسها في دولةٍ ذات معدل ضريبة منخفض أو معدومة الضرائب تماماً.

يتم تأسيس هذه الشركة والسيطرة عليها من قبل أشخاص طبيعيين أو اعتباريين مقيمين في دولةٍ ذات معدل ضريبة مرتفع.

استخدام مناورة التهرب الضريبي الدولي من خلال هذه الشركة يقوم على أساس إدارة وتحويل الإيرادات من الشركة الأم إلى الشركة الساترة، لأجل تمكين الشركة الأم من التهرب من الضرائب ذات السعر المرتفع المفروضة في دولة الأصل.

ويمكن من خلال مثالٍ مفترض توضيح كيفية استخدام الشركات الساترة في الملاذات الضريبية، بهدف تمكين الشركات متعددة الجنسيات من التهرب الضريبي الدولي. وذلك بافتراض وجود مختبراتٍ للأبحاث لشركةٍ مؤسَسَة في فرنسا، اكتشفت طريقةً صناعيةً جديدة لتصنيعٍ قابلٍ لأن يكون مُستَثمراً من قبل تلك الشركة أو للبيع لشركة أجنبية. فالشركة الفرنسية عندئذٍ لن تقوم بتسجيل هذه الطريقة الصناعية الجديدة باسمها، بل قد تلجأ في هذه الحالة إلى تأسيس شركةٍ ساترة في ليختنشتاين، تسـجل هذه البراءة أو الشهادة باسـمها ثم تقوم الأخيرة بمنح هذه الطريقة إلى الشركة الفرنسية الأم، أو ربما إلـى شـركاتٍ أجنبية، وذلك مقابل أتاوةٍ متفق عليها. فالتهرب الضريبي الحاصل هنا، يبرز من خلال تكوين شركة ساترة في ليختنشتاين، والذي ترتب عنه إفلات الشركة الفرنسية من الضريبة الفرنسية التي كان يجب أن تخضع لها الأتاوى مقابل منح شهادة الطريقة التصنيعية الجديدة، لو أنها سجلتها باسمها.

كما أن آلية التهرب الضريبي للشركات متعددة الجنسيات بواسطة الملاذات الضريبية قد تستند إلى مبدأ التقسيم الدولي للعمل؛ إذ تلجأ الشركة الأم التـي تتواجد غالبـاً في دولـةٍ ذات معدلات ضريبية مرتفعة ونظامٍ ضريبيٍ صارم، كما في الولايات المتحدة الأمريكية، إلى التخصص فقط في الأعمال والأنشطة غير المولدة للربح المباشر، أو إلى تلك الأنشطة التي قد تدر أرباحاً ضئيلة، كأنشطة البحث العلمي وأنشطة الدعاية والإعلان مثلاً، وبذلك فهي تضمن عدم تحملها لأعباءٍ ضريبية كبيرة، لكون مثل هذه الأنشطة معفاةً من الضرائب في معظم دول العالم، ونادراً ما تفرض عليها الضرائب، أو تفرض بمعدل منخفض جداً. وبالمقابل تتخصص الشركات الوليدة، وهي غالباً ما تكون متمركزة في دولٍ ذات معدلاتٍ ضريبة منخفضة أو معدومة، في مزاولة الأعمال والأنشطة الرئيسة وذات الأهمية، كالأنشطة الإنتاجية والتسويقية والتوزيعية، وهي أعمال تفرض عليها الضرائب بمعدلات مرتفعة عادةً في معظم دول العالم، في حين لا تكون كذلك في الملاذات الضريبية، لأن السلطات المعنية في تلك الدول تعفي أنشطة تلك الاستثمارات والشركات الأجنبية من الضرائب، أو تفرض عليها ضرائب بمعدلات منخفضة، وفي المحصلة تكون الشركة متعددة الجنسيات بوصفها كياناً اقتصادياً ومتكاملاً قد تهربت ـ بالمفهوم الاقتصادي الواسع ـ من الضرائب المفروضة عليها.

وتعد الشركات الأمريكية رائدةً في مجال تأسيس شركاتٍ وليدةٍ لها في الملاذات الضريبية، وذلك في محاولةٍ منها لتفادي المعدلات الضريبية المرتفعة للغاية التي يفرضها المشرع الأمريكي والتي قد تصل إلى معدل 46% على أرباح الشركات.

وقد أكدت الإحصاءات عام 1999 أن 59% من الشركات الأمريكية، التي تمارس أنشطةً خارج الولايات المتحدة الأمريكية، تمتلك شركاتٍ وليدةٍ لها في ملاذاتٍ ضريبية.

وقد ساعد انتشار التجارة الإلكترونية Electronic commerce في السنوات الأخيرة على زيادة عمليات التهرب الضريبي عالمياً، ولاسيما في الملاذات الضريبية، إذ تعرف التجارة الإلكترونية بأنها: (استخدام وسائط النقل الإلكترونية "الاتصالات " للعمل في تبادل ـ بيع وشراء ـ المنتجات والخدمات التي يتم نقلها مادياً أو رقمياً).  

فأهم ما يميز التجارة الإلكترونية من التجارة التقليدية، أنها تتجاوز حدود الزمان والمكان، ولا تتطلب أن يتواجد البائع والمشتري في حيزٍ مادي معين، كما أنه قد يتم الحصول على السلع والخدمات المتبادلة من خلال الإنترنت، إما بالطرق المادية (التقليدية) وإما بالطريقة الرقمية Digital form. وهذه الخصائص كلها من شأنها أن تجعل تطبيق الأحكام التقليدية لفرض الضريبة على دخل وربح التجارة الإلكترونية أمراً صعباً جداً، خصوصاً ما يتعلق بتحديد السيادة الضريبية للدولة في فرض الضريبة، ومدى تطبيق أحكام المنشأة الثابتة، الواردة في النماذج الاتفاقية والاتفاقيات الضريبية الثنائية المتعلقة بتجنب الازدواج الضريبي ومكافحة التهرب الضريبي.

خامساً ـ الملاذات الضريبية والمنافسة الضريبية:

تسيطر أجواء المنافسة الضريبية بين الدول المختلفة، وخصوصاً الدول النامية الساعية ـ ضمن خطتها في تحقيق التنمية الاقتصادية ـ إلى جذب الاستثمارات الأجنبية. إلى حدٍ قد تصل معه إلى حالة من الفوضى الضريبية التي تؤثر في المحصلة سلباً في الوضع المالي والاقتصادي للدول المنافسة.

فعلى سبيل المثال، باتت تلك الملاذات تتسابق إلى منح الإعفاءات والتسهيلات الضريبية والمالية للاستثمارات الأجنبية، إلى درجة انعدام الضرائب على نشاطات تلك المشروعات الأجنبية، على الرغم من أن الضرائب تعد مورداً رئيساً من موارد الخزانة العامة لغالبية دول العالم.

فالدول النامية على وجه الخصوص، تنبهت في عقدي السبعينات والثمانينات من القرن الماضي إلى ضرورة جذب الاستثمار الأجنبي المباشر Foreign direct investment بحسبانه البديل الأسلم والأفضل للاقتراض الدولي لأجل تحقيق مسيرتها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية. مما جعلها متلهفةً إلى جذب الشركات متعددة الجنسيات إلى أراضيها بجميع الطرق، كون الأخيرة تعد الناقل الأهم لهذه الاستثمارات إلى تلك الدول. فقامت تلك الدول بمنح مزايا ضريبية هائلة تكاد في معظمها تصل إلى حد انعدام الضرائب على المشروعات الأجنبية. بل الأخطر من ذلك أن تلك الشركات باتت تفرض شروطها المالية والاقتصادية والتكنولوجية على حكومات تلك الدول. ولم تسلم الملاذات الضريبية من ذلك باعتبار أن معظمها من الدول النامية (ليبيرياـ البحرين ـ أنغولا ـ باهاما ـ كوستاريكا… إلخ).

وعلى الرغم من المبررات التي يسوقها مؤيدو هذا التوجه نحو فتح باب الاستثمار بلا ضوابط، ومنح جميع التسهيلات والمزايا الضريبية للمشروعات الأجنبية، من حيث إن هذا الاتجاه يسهم في انفتاح الدول المضيفة للاستثمار على العالم المتقدم، وفي تشغيل الأيدي العاملة الوطنية في المشروعات الأجنبية، وينقل التكنولوجيا المتقدمة إلى تلك الدول، ويسهل دخول العملة الصعبة إليها،… وغيرها من الحجج.

فإنه يمكن دحض هذه الحجج كما يلي: فمن حيث توفير العملة الصعبة، يشترط المستثمرون عادةً على حكومات الدول المضيفة تمتعهم بحرية تحويل أرباحهم ودخولهم إلى دولهم الأم أو إلى دول أخرى من دون أي قيود. أما من حيث الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة المنقولة مع تلك المشروعات إلى الدول المضيفة النامية، فتلك الاستثمارات لا تنقل التكنولوجيا إلى الدول المضيفة بل تنقل إليها طرق استخدامها فقط، لأنها تستخدم خبراء وفنيين ومهندسين أجانب في تشغيل هذه التكنولوجيا، ولا تعتمد على تدريب كوادر وطنية وتمكينها من ذلك. ومن حيث تشغيل الأيدي العاملة الوطنية، فهو أمر صحيح ولكن ليس بذاك القدر ولا بتلك الميزات التي تحاول المشروعات الأجنبية أن توهم بها حكومات الدول المضيفة.

لذلك يمكن القول إن حالة التنافس الضريبي المتزايدة بين الدول باتت تنشئ خطرين مهمين: أولهما: أنها حتماً تضَّيع على خزانة كل دولة منافسة مورداً مالياً ضخماً. والثاني: أنها تضع تلك الدول في موقع الطرف الضعيف في اتفاقاتها وتعاقداتها مع الشركات متعددة الجنسيات بوجه خاص ومع الاستثمارات الأجنبية عموماً.

سادساً ـ سورية والملاذات الضريبية:

إن منظمة OECD لم تدرج سورية في أي سنة من السنوات على لائحة الملاذات أو الجنات الضريبية في العالم، على الرغم من كثرة الإعفاءات الضريبية التي منحتها في الفترات القليلة الماضية وخاصة بعد صدور القانون رقم /10/ لعام 1991 وتعديلاته.     

ففي ضوء الخصائص الخمس الرئيسة التي تتمتع بها الملاذات الضريبية بوجه عام، ومقارنتها بالواقع السوري، يتبين أنه لا يمكن أن تُعد سورية ملاذاً ضريبياً.

ـ أما المعدلات الضريبية: فهي مرتفعة جداً إذا ما قورنت بتلك المطبّقة في الملاذات الضريبية، إذ تفرض الضرائب على أرباح الشركات بمعدلات كانت تصل إلى 35% وهذا طبقاً للقانون رقم /24/ لعام 2003، ثم خفض هذا المعدل بالمرسوم التشريعي رقم /51/ لعام 2006 إلى 28%. حتى الشركات المساهمة المدرجة في سوق الأوراق المالية والتي تطرح أسهمها للاكتتاب، وعلى الرغم من المزايا الضريبية الممنوحة لها، فإن معدل الضريبة على دخولها البالغ 14% وفق المرسوم التشريعي السابق ذكره يعد معدلاً مرتفعاً إذا ما قورن بمعدلات الضرائب في الملاذات الضريبية.

إضافة إلى ذلك فإن الإعفاءات والمزايا الضريبية التي منحها قانون الاستثمار رقم /10/ لعام 1991 لم تكن كافية لتشجيع الاستثمار الأجنبي وتواجد الشركات متعددة الجنسيات في سورية، بل لم تتجاوز استهداف تنشيط بعض المجالات الإنتاجية والسياحية، كالنقل وتربية الدواجن والأسماك وغيرها…إلخ. وهذا ما دفع المشرع السوري إلى إصدار القانون رقم /8/ لعام 2007 الذي حاول تلافي الثغرات السابقة وجذب الاستثمارات الأجنبية.  

ـ أما الاستقرار السياسي والقانوني، فلا تُخفى على أحد الظروف السياسية والعسكرية التي مرت بها سورية كونها دولة صمود في مواجهة العدو الصهيوني، وما زالت تعاني منها حتى الآن، مما يجعل سورية في نظر المستثمرين دولة لا تتمتع بالاستقرار السياسي التام. كما كثرة قوانين التأميم التي صدرت سابقاً في سورية ما زالت توحي للمستثمرين بمخاوف وقلق مستمر بشأن إمكانية مصادرة أو تأميم المشروعات الأجنبية لسببٍ ما من قبل الحكومة السورية. على الرغم من الضمانات القانونية الواضحة وتأكيد المشرع السوري وخصوصاً في قانون الاستثمار رقم /8/ لعام 2007 استبعاد حدوث مثل هذه الأمور ثانية.

ـ وأما السرية المصرفية، فمنذ فترة ليست ببعيدة كانت المصارف الحكومية هي الوحيدة العاملة في القطاع المصرفي السوري، وهذا ما كان يطبع العمل المصرفي في سورية بالطابع الأمني، بحيث كان من حق الحكومة بهيئاتها وجهاتها المختلفة أن تكشف عن حساب أي عميل سواءً كان مواطناً أو أجنبياً، مما يوحي بعدم الثقة بالقطاع المصرفي من حيث السرية. ناهيك طبعاً عن صعوبة التعامل بالعملة الأجنبية ضمن سورية إلا من خلال الدولة، وضمن قيود صارمة جداً. فمن كل ما سبق، وعلى الرغم من التطورات الحاصلة، كالسماح بإنشاء المصارف الخاصة وشركات الصرافة، يتبين أن سورية ما زالت لا تولي السرية المصرفية الأهمية المطلوبة لتشكيل ملاذٍ ضريبي.

ـ وأما الموقع الجغرافي ووسائل الاتصالات والمواصلات الحديثة، فإن ما يميز سورية هو موقعها الاستراتيجي، ولكن للأسف هذا الموقع لم يكن يدعم ـ وخصوصاً قبل السنوات العشر الأخيرة ـ بوسائل مواصلات متقدمة ولا حتى بوسائل اتصالات متطورة. فلا تزال إمكانات الأسطول الجوي والبحري السوري ضعيفة، وعقد المواصلات البرية مهترئة. حتى وسائل الاتصال المتطورة، كالإنترنت والهواتف النقالة ما زالت تعاني بعض الاحتكار الذي يجعلها خدمات ذات تكاليف باهظة.

في المحصلة يمكن ملاحظة أن سورية، على الرغم من التطورات المستمرة التي بدأت منذ عدة سنوات، لا تصلح أن تكون ملاذاً ضريبياً، وإن جعلها كذلك ليس هدفاً للنظام الضريبي السوري، وجل ما يستهدفه هذا النظام جعل سورية دولة جاذبة للاستثمار، مما يخدم الواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والعلمي فيها.

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ يونس أحمد البطريق، النظم الضريبية (الدار الجامعية، الإسكندرية 2001).

ـ حسام عيسى، الشركات متعددة القوميات (المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، بلا تاريخ).

ـ عبد السلام أبو قحف، اقتصاديات الاستثمار الدولي (المكتب العربي الحديث، الطبعة الثانية، الإسكندرية 1991).

ـ سوزي عدلي ناشد، ظاهرة التهريب الضريبي الدولي وآثارها على اقتصاديات الدول النامية (دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية 1999).

ـ محمود الطنطاوي الباز، «تفسير السلوك الاقتصادي للمشروع دولي النشاط»، مجلة مصر المعاصرة، عدد 411/412، السنة 79، 1988.

ـ منصور فرج السعيد، «النظام القانوني للاستثمار الأجنبي في ظل قانون الاستثمار الجديد، دراسة قانونية مقارنة»، مجلة الحقوق، الكويت، العدد 3، السنة 27، 2003.

ـ هانث بيتر مارتين وهارولد شومان، «فخ العولمة، الاعتداء على الديموقراطية والرفاهية»، ترجمة: عباس عدنان علي، مراجعة وتقديم: رمزي زكي، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، العدد 238، 1998.

ـ تقرير الاستثمار العالمي لعام 2003، الصادر عن منظمة UNCTAD (مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية) تحت عنوان "سياسات الاستثمار الأجنبي المباشر من أجل التنمية من المنظورين الوطني والدولي".

- JAMES R. HINES.R, Do Tax Havens Flourish? (NBER, Working Papers 10936, (November 2004).

- AMES R.HINES & C. FRITZ FOLEY & MIHIR A.DESAI: The Economic Effects of Regional Rax Havens, (NBER, Cambridge, 2004).

- PIERRE LEVINE, La lutte contre L’evasion fiscale de caractère international en L’absence et en présence de conventions internationales , (thèse, Paris, 1986).

- DENIS A.KLEINFELD, Langer on Practical International Tax Planning, (Practicing Law Institute , 2004).

- Richard A.GORDON, Tax Havens and Their Use by United States Taxpayers, an overview, (the Minerva Group, Inc, 2002).

- Fuad A. ABDULLAH, Financial Management for the Multinational Firm, (by Prentice- Hall, Inc, USA, 1987).

- Andrew LYMER, The International Taxation System, (Springer, 2002).

- Charlie CRAY & Lee DRUTMAN, How Corporations are Using Tax Offshore Havens to Avoid Playing Taxes, A Citizen works briefing paper, (2003).


التصنيف : القانون المالي
النوع : القانون المالي
المجلد: المجلد الرابع: الرضاع ــ الضمان المصرفي
رقم الصفحة ضمن المجلد : 482
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 503
الكل : 31272409
اليوم : 20597