logo

logo

logo

logo

logo

المركز الدولي ل-تسوية منازعات الاستثمار

مركز دولي لتسويه منازعات استثمار

international centre for settlement of investment disputes - centre international pour le règlement des différends relatifs aux investissements

 المركز الدولي لتسوية منازعات الا

المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار

ماهر ملندي

النشأة والعضوية

الشخصية القانونية

الأجهزة والصلاحيات

آليات التسوية

 

تعدُّ الاستثمارات الدولية من أهم النشاطات العابرة للحدود ضمن إطار العلاقات الدولية الاقتصادية، وتتمثّل خصوصاً بتنقل رؤوس الأموال بقصد توظيفها في مشروعات اقتصادية خارج الحدود الوطنية. وقد ازدادت أهمية هذه الاستثمارات بوصفها مصدراً للتمويل الدولي وتركزت بمعظمها في الدول النامية، كما حلَّت محل المساعدات الإنمائية والقروض الخارجية التي تُلقي على عاتق الدول المدينة أعباءً لا طائل لها لخدمة سدادها مع فوائدها المستحقة. وقد لجأت الكثير من الدول إلى تشجيع الاستثمارات الأجنبية وتوفير المناخ المناسب والضمانات القانونية والسياسية الملائمة لها، وخصوصاً عندما تتعرض هذه الاستثمارات كغيرها من المشروعات الاقتصادية لعدد من المخاطر التجارية الناجمة عن حالات الخسارة والإفلاس وسوء الإدارة والانكماش والكساد والركود الاقتصادي، وكذلك تعرضها لمخاطر غير تجارية كتلك الناجمة عن الكوارث الطبيعية والاضطرابات الداخلية وفرض قيود الحماية التجارية؛ أو استيلاء الدولة المضيفة على المشاريع الاستثمارية على نحو مؤقت أو دائم عن طريق نزع الملكية أو الاستملاك أو المصادرة أو اللجوء إلى التأميم. ولهذا يسعى المجتمع الدولي كله إلى إقرار بعض الضمانات القانونية الهادفة إلى حماية الاستثمارات الدولية من التعرض لمثل هذه المخاطر وتلافي آثارها الضارة. وتعدّ الاتفاقيات الدولية الوسيلة المثلى والأكثر فاعلية لحماية الاستثمارات الأجنبية؛ لكون الإخلال بها يرتب المسؤولية الدولية. وقد تُبرم هذه الاتفاقيات بين دولة جنسية المستثمر والدولة المضيفة للاستثمارات، وتتضمن في معظم الأحيان شروطاً تقيِّد حق الدولة المضيفة في اتخاذ إجراءات ضارة بالمستثمر الأجنبي ومشروعاته؛ كالنص على شرط الدولة الأولى بالرعاية والمساواة في المعاملة واحترام الحقوق المكتسبة وأداء تعويضات للمستثمرين المتضررين، ويتضمن الكثير من هذه الاتفاقيات أحكاماً تتعلق بتسوية النزاعات التي قد تنشب بين الدول المضيفة والمستثمرين الأجانب؛ بما في ذلك إنشاء هيئات دولية للنظر في مثل هذه النزاعات. وتكاد لا تخلو العقود الدولية من النص على شرط التحكيم نظراً للمزايا الكثيرة التي يوفرها هذا الأسلوب في سرعة الفصل بالقضايا المتعلقة بالاستثمارات؛ وتوافر متطلبات السرية والتخصص المهني لدى المحكمين؛ ودرءاً للخطر الكامن في انحياز القضاء الوطني لهذا الطرف أو ذاك. كما أن الدولة تتمَّتع بالحصانة القضائية التي تمنع الأجنبي من النظر في المنازعات التي تكون فيها طرفاً بصفتها السيادية. وقد تتفق الأطراف المتعاقدة على إحالة نزاعاتها الناجمة عن تفسير العقد الدولي وتنفيذه؛ إلى هيئة تحكيم مؤقتة يتم تحديدها وإجراءات تحكيمها في نصوص العقد أو يتم الاتفاق بشأنها بعد نشوب النزاع (مشارطة التحكيم). وقد يتم اللجوء إلى هيئة دولية مؤسسة مسبقاً للفصل في المنازعات الناجمة عن الاستثمارات الدولية؛ كتحكيم غرفة التجارة الدولية في باريس وغيرها من مراكز التحكيم وهيئاته المنتشرة لدى العديد من الدول، وهذا ما شجَّع المصرف الدولي لإعادة الإعمار والتنمية (البنك الدولي) إلى الإسراع بإنشاء المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار (I.C.S.I.D).

أولاً ـ النشأة والعضوية:

تم إدراج فكرة إنشاء هيئة دولية لتسوية منازعات الاستثمار بين الدولة المضيفة ومواطني الدول الأخرى من المستثمرين؛ في أثناء انعقاد اجتماع مجلس المحافظين لدى البنك الدولي بتاريخ 18 أيلول/سبتمبر عام 1962م حيث تقدَّم مدير البنك بمشروع اتفاقية بهذا الشأن، وتم إقرارها بتوصية من مجلس المديرين التنفيذيين بتاريخ الثامن من آذار/مارس لعام 1965م في واشنطن، وبدخول هذه الاتفاقية حيز النفاذ في 14 تشرين الأول/أكتوبر عام 1966م أصبح المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار أمراً واقعاً. وتقتصر مهمة المركز على اللجوء إلى أسلوب التوفيق أو التحكيم للفصل في المنازعات الاستثمارية بين الدول المتعاقدة ومواطني الدول الأخرى، كما يتولى المركز مهمة إعداد قوائم بأسماء الموفقين والمحكمين لتسوية المنازعات بما يؤدي إلى تدعيم الثقة المتبادلة بين الأطراف المعنية. ويستطيع المركز ممارسة مهامه سواء في المركز الرئيسي للبنك الدولي في واشنطن أم في أي مكان آخر بقرار يصدر عن المجلس الإداري بأغلبية ثلثي الأصوات (المادة الثانية من اتفاقية واشنطن لعام 1965م)، بينما تُعقد إجراءات التوفيق والتحكيم في مقر المركز، إلا إذا اتفقت الأطراف على عقدها في مقر محكمة التحكيم الدائمة أو في أي منظمة أخرى (سواء أكانت عامة أم خاصة) يعقد معها المركز اتفاقات بشأنها بموافقة لجنة التحكيم والأمين العام للمركز (المادتان 62 و63). وتقتصر العضوية في المركز على الدول التي صادقت على اتفاقية واشنطن لعام 1965م، كما يجوز لأي دولة عضو في البنك الانضمام إلى هذه الاتفاقية، ولكن لا يحق للدول غير الأعضاء في البنك الدولي اكتساب العضوية في المركز إلاَّ إذا كانت طرفاً في النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية ودعاها المجلس الإداري للتوقيع على الاتفاقية بأغلبية ثلثي الأصوات. هذا وقد بلغ عدد الدول الأعضاء في المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار 145 دولة بحلول عام 2010م بمن فيهم سورية التي وقعت اتفاقية واشنطن في عام 2006م وصادقت عليها في عام 2009م.

ثانياً ـ الشخصية القانونية:

يتمتع المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار بالشخصية القانونية الدولية المستقلة على الرغم من ارتباطه إدارياً بالبنك الدولي، وبناءً عليه يتمتع أيضاً الأمين العام للمركز وأعضاء المجلس الإداري والقائمون بأعمال التوفيق والتحكيم والموظفون بالحصانة اللازمة لتسهيل الأداء الفعال لمهامهم، وخاصة ما يتعلق منها بالحصانة القضائية وحرية الحركة والاتصالات وتسهيلات التنقل والسفر وتبديل العملة والإعفاءات الضريبية والجمركية باستثناء أولئك الذين يتمتعون بجنسية دولة المقر. ولا يجوز فرض ضرائب على الأتعاب أو مقابل المصروفات التي يحصل عليها المكلفون بمهام التوفيق أو التحكيم إذا كان السند الوحيد لفرض مثل هذه الضريبة هو مقر المركز أو المكان الذي تتم فيه هذه الإجراءات؛ أو المكان الذي تدفع فيه هذه الأتعاب أو مقابل النفقات. وللمركز الحق في التعاقد والحيازة والتصرف في ممتلكاته المنقولة وغير المنقولة (المواد 18 إلى 24 من اتفاقية واشنطن لعام 1965م).

ثالثاً ـ الأجهزة والصلاحيات:

يتكوّن المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار من جهازين رئيسيين؛ إضافة إلى عدد من الهيئات الفرعية التي تمارس اختصاصات محددة تتوافق مع الأعباء الملقاة على عاتق المركز، وهذان الجهازان هما:

1ـ المجلس الإداري: يتألف من ممثل واحد لكل دولة طرف ونائب له، ولكل عضو صوت واحد ما عدا رئيس المجلس الذي لا يحق له التصويت؛ لكون مدير البنك الدولي هو الذي يرأس المجلس الإداري بصفته هذه. وتصدر قرارات المجلس بالأغلبية المطلقة ما عدا بعض الحالات التي تتطلب أغلبية الثلثين، ويتولى المجلس انتخاب أمين عام المركز ونائب له، كما يجتمع المجلس سنوياً، ولا يتلقى أعضاؤه أي مقابل نقدي من المركز. وهو يختص بوضع القواعد الإدارية والمالية، فضلاً عن كثير من الصلاحيات والسلطات التي يمارسها وفقاً لنصوص اتفاقية واشنطن لعام 1965م (المواد 4 إلى 6).

2ـ الأمانة العامة: وهي تتكوَّن من مجموعة الموظفين برئاسة الأمين العام للمركز ونوابه الذين ينتخبهم المجلس الإداري بأغلبية ثلثي أعضائه ولمدة ست سنوات قابلة للتجديد. ولا يجوز للأمين العام أن يمارس أي وظائف أخرى طوال فترة ولايته إلاَّ بموافقة المجلس الإداري. ويعدَّ الأمين العام للمركز بمنزلة الممثل القانوني والمسجِّل والموظف الرئيسي للمركز ويتولى مهام إدارته وتمثيله لدى الغير، وهو الذي يتلقى طلبات اللجوء إلى التوفيق أو التحكيم وله حق تقرير مدى اختصاص المركز بالنظر في النزاع، كما يقوم بتعيين المحكمين عند عدم توافر الاتفاق بين الأطراف المعنية، ويتولى التصديق على الأحكام الصادرة عن هيئة التحكيم لدى المركز (المواد 10 و11 و12 و21 و23 و28 و36 من اتفاقية واشنطن لعام 1965م).

رابعاً ـ آليات التسوية:

يختص المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار بالنظر في جميع المنازعات الناجمة عن تفسير اتفاقات الاستثمار وعقوده وتطبيقها بين دولة طرف في اتفاقية واشنطن لعام 1965م ومواطني دولة عضو أخرى في المركز، كالمنازعات الناجمة عن عقود التجارة الدولية والتنمية الاقتصادية، وعقود الاستثمارات الأجنبية المباشرة وغير المباشرة؛ الخاصة والثنائية ومتعددة الأطراف، وعقود الضمانات والامتياز، وغيرها من المنازعات ذات الطابع القانوني.

1ـ اللجوء إلى المركز: للأطراف المتنازعة مطلق الحرية في اللجوء إلى المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار؛ إذ يتوجب قبول هذه الأطراف لاختصاص المركز، سواء بصورة سابقة على نشوب النزاع حينما يتضمن عقد الاستثمار المبرم بينها ما يفيد بقبول اختصاص المركز، أم بصورة لاحقة عندما تقبل الأطراف المتنازعة بعرض نزاعها على المركز في حال انتفاء النص على ذلك في العقد المبرم بينها. وقد أقرَّت اتفاقية واشنطن لعام 1965م بحق الأفراد في الاستفادة من اختصاص المركز والإسهام في التحكيم كأطراف مباشرة مع الحكومات؛ مع النص على عدم السماح للدول بأن تتبنى دعاوى مواطنيها، مما ينفي الطابع السياسي عن المنازعات التي ينظر بها المركز. ويجب أن تكون الموافقة على اللجوء إلى المركز كتابية ولا يجوز التراجع عنها فيما بعد أو سحبها بالإرادة المنفردة، كما تعني هذه الموافقة استبعاد أي طريقة أخرى للتسوية (المادتان 26 و27 من اتفاقية واشنطن لعام 1965م). وينصرف تعبير مواطني الدول الأخرى الأطراف في النزاع إلى الأشخاص الطبيعيين والاعتباريين، ولا يختص المركز بالنظر في المنازعات التي تنشأ بين الحكومات لوجود هيئات قضائية دولية مختصة بالنظر فيها كمحكمة العدل الدولية أو محكمة التحكيم الدولية الدائمة، في حين تنظر الأجهزة القضائية الوطنية وهيئات التحكيم الخاصة ـ كغرفة التجارة الدولية ومراكز التحكيم ـ في النزاعات التي تنشب بين أفراد القانون الخاص. بتعبير آخر يختص المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار بالمنازعات المختلطة التي تكون أطرافها دولاً ومواطني دولة أخرى متعاقدة، كما لا يستفيد من خدمات المركز المواطنون الذين يجمعون جنسيتي الدولة الطرف في النزاع والدولة التي يقيمون فيها (المادة 28).

2ـ طرق التسوية: تنحصر مهام المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار في اعتماد أسلوبي التوفيق والتحكيم وبما يسمى بقواعد التسهيلات الإضافية.

 أ ـ التوفيق: يعدُّ إحدى الوسائل الودية لتسوية المنازعات الاستثمارية؛ إذ يتوجه الطرف الذي يرغب في هذه الوسيلة بطلب إلى الأمين العام للمركز الذي يقوم بإبلاغ الطرف المتنازع الآخر بهذا الطلب، وهو يتضمن جميع البيانات المتعلقة بالموضوع المتنازع عليه وهوية الأطراف المتنازعة وموافقاتهم على اعتماد أسلوب التوفيق لتسوية نزاعهم طبقاً للائحة الإجراءات المتعلقة بهذا الشأن (المادة 28 من اتفاقية واشنطن لعام 1965م). وللأمين العام الحق برفض تسجيل الطلب إذا كان النزاع خارجاً عن اختصاص المركز، في حين تنظر لجنة التوفيق في الاختصاص إذا لم يستطع الأمين العام تحديد هذا الأمر قطعياً، ثم يبدأ الأمين العام باتخاذ الخطوات اللازمة من أجل تشكيل لجنة التوفيق وتحديد إجراءات عملها. ويتم تشكيل لجنة التوفيق طبقاً لاتفاق الأطراف المعنية على أن يكون العدد فردياً بحيث يختار كل طرف موفقاً، ويرأس اللجنة الموفق الثالث الذي يتم اختياره باتفاق الأطراف المتنازعة (المادة 29). ويقوم رئيس المجلس الإداري للمركز بتشكيل لجنة التوفيق إذا لم تتفق الأطراف على ذلك خلال فترة تسعين يوماً من تاريخ تسجيل طلب التوفيق (المادة 30)، ويتقيد في ذلك بالقوائم التي يحتفظ بها المركز والتي تتضمن أسماء الموفقين بناءً على ترشيحات الدول الأعضاء؛ إذ يحق لكل دولة عضو ترشيح أربعة أشخاص، في حين يعِّين رئيس المجلس الإداري عشرة أشخاص من جنسيات مختلفة؛ بشرط مراعاة تمثيل الأنظمة القانونية الرئيسية في العالم ومختلف الأنشطة الاقتصادية (المادة 13). ويعيَّن هؤلاء الأشخاص الواردة أسماؤهم في قائمة الموفقين مدة ست سنوات قابلة للتجديد من ذوي السمعة الحسنة والخبرة القانونية والقضائية في بلدانهم، ولا يجوز إجراء أي تعديل على لجنة التوفيق بعد تشكيلها سوى في حالات الوفاة أو العجز الصحي أو الاستقالة (المادة 56). وبعد أن تبت اللجنة باختصاصها كمسألة دولية سواء قبل الفصل في الموضوع أو خلال النظر في أصل النزاع (المادة 32)؛ تبدأ بتطبيق إجراءات التوفيق الواردة في اتفاقية واشنطن لعام 1965م ما لم تتفق الأطراف المعنية على تطبيق قواعد إجرائية معينة. وتختص مهمة لجنة التوفيق في تحديد المسائل المتنازع عليها؛ وتقريب وجهات النظر بين أطراف النزاع؛ وتحرير محضر بذلك يتضمن بنود التسوية التي يتم الاتفاق بشأنها؛ أو تحديد نقاط الاختلاف في حال عدم توصل الأطراف إلى الاتفاق على تسوية نزاعهم بأسلوب التوفيق، ومنها تخلف أحد الأطراف أو امتناعه عن الإسهام في تطبيق إجراءات التوفيق (المادة 34). ولا يستطيع أي من الأطراف المتنازعة التمسك أمام أي جهة قضائية أخرى ـ بما فيها هيئة التحكيم ـ بتقرير اللجنة وتوصياتها أو بما أبداه الأطراف أمامها من آراء أو أقوال أو عروض لتسوية النزاع، ما لم تتفق هذه الأطراف على خلاف ذلك (المادة 35). وهنا تجدر الإشارة إلى ضآلة عدد الطلبات الواردة إلى المركز لاعتماد أسلوب التوفيق من أجل تسوية النزاعات المتعلقة بالاستثمارات؛ إذ تتجنب عادة الأطراف المتنازعة هذا الأسلوب لانعدام التكافؤ بينها.

 ب ـ التحكيم: هي وسيلة شبه قضائية لتسوية المنازعات بواسطة محكمين يختارهم أطراف النزاع؛ إذ يتقدم هؤلاء بطلب خطي إلى الأمين العام للمركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار متضمناً هوية الأطراف وتاريخ الاتفاق على التحكيم وتحديد طبيعة النزاع، وبعد تسجيل الطلب والتأكد من توافر شروط البيانات الواردة فيه وصحتها؛ يبدأ الأمين العام باتخاذ الخطوات اللازمة لتشكيل هيئة التحكيم وتحديد إجراءات عملها. وقد تتم الموافقة على اختصاص المركز مسبقاً على النزاع عندما يتضمن عقد الاستثمار ما يسمى بشرط اللجوء إلى التحكيم، أو بالاتفاق اللاحق بعد نشوء النزاع (مشارطة التحكيم). وقد تقبل الدولة العضو اختصاص المركز بالنظر في المنازعات التي قد تنشب بينها وبين المستثمر الأجنبي من خلال قوانينها وأنظمتها الداخلية، وهنا لابد من الحصول على موافقة المستثمر الأجنبي على اختصاص المركز بتقديم طلب التحكيم. كما يمكن للدولة الطرف الموافقة على قبول اختصاص المركز من خلال الاتفاقيات التي تعقدها مع الدول الأخرى، ولا تستطيع الدولة الطرف أن تتهرب من التزامها هذا عن طريق تعديل الاتفاقية أو الانسحاب منها بإرادتها المنفردة. ويعدَّ قبول اختصاص المركز للنظر في النزاع اتفاقاً على التخلي عن أي طريق آخر للتسوية؛ ما لم تتفق الأطراف على شرط استنفاد طرق التسوية الداخلية قبل استجداء اختصاص المركز الذي تبقى إجراءات عمله محصَّنة من أي تدخل أو رقابة قضائية. وكما هو الحال بالنسبة إلى أسلوب التوفيق، تتشكل هيئة التحكيم طبقاً لاتفاق الأطراف شريطة أن يكون عددهم فردياً بحيث يختار كل طرف محكماً، ويتم اختيار المحكم الثالث بالاتفاق المشترك وهو الذي يتولى رئاسة هيئة التحكيم (المادة 48). ويقوم رئيس المجلس الإداري للمركز ـ بناءً على طلب أحد الأطراف ـ بتعيين بقية المحكمين الذين لم يتم اختيارهم في أثناء المدة التي اتفقت عليها الأطراف المتنازعة؛ أو بمرور تسعين يوماً على الإخطار الذي يرسله الأمين العام للأطراف لتبليغها بتسجيل طلب التحكيم. وهنا يُشترط أيضاً ألا يكون هؤلاء المحكمين من رعايا الدولة المتعاقدة الطرف في النزاع أو الدول التي يكون أحد رعاياها طرفاً في النزاع (المادة 38)، وألا تكون جنسياتهم من جنسية طرفي النزاع ما لم يتم الاتفاق على خلاف ذلك (المادة 39). ويلتزم رئيس المجلس الإداري بتعيين المحكمين من القوائم التي يحتفظ بها المركز، في حين تستطيع أطراف النزاع تعيين المحكمين من خارج هذه القوائم؛ بشرط أن تتوافر فيهم صفات الأخلاق والاستقلالية والحياد في مباشرة وظائفهم، إضافة إلى معيار الكفاءة في مجالات القانون والصناعة والتجارة والمال. ويتولى المركز إعداد قوائم للمحكمين منفصلة عن تلك المتعلقة بالتوفيق؛ اذ يحق للدول الأعضاء ترشيح أربعة أشخاص من جنسيات مختلفة، ويعِّين رئيس المجلس الإداري عشرة أشخاص من جنسيات مختلفة أيضاً وذلك لمدة ست سنوات قابلة للتجديد. ويراعى في اختيارهم تمثيل الأنظمة القانونية الرئيسية في العالم والأشكال المختلفة للنشاطات الاقتصادية، إضافة إلى صفات الاستقلالية والحياد والنزاهة والخبرة القانونية والقضائية. وتختص هيئة التحكيم بتحديد اختصاصها أو الفصل في الدفع بعدم اختصاصها وفي جميع الطلبات العارضة والإضافية التي ترتبط مباشرة بموضوع النزاع. كما يجوز تطبيق الإجراءات الواردة في اللائحة التحكيمية المعمول بها بتاريخ موافقة الأطراف على اللجوء إلى التحكيم ما لم تتفق على خلاف ذلك (المادة 44). أما إذا لم يحضر أحد الأطراف المتنازعة أي مرحلة من مراحل الإجراءات؛ فيجوز للطرف الآخر أن يطلب من الهيئة الفصل في المسائل المطروحة عليها؛ شريطة منح مهلة كافية للطرف المتخلف ما لم تقتنع الهيئة بأنه ليس في نية هذا الطرف المثول أمامها وعرض دفوعه (المادة 45). وللأطراف حرية تحديد القانون الواجب التطبيق من قبل هيئة التحكيم على النزاع المعروض أمامها، وقد تختار الأطراف قانون الدولة المضيفة للاستثمار أو قانون دولة المستثمر أو قانون دولة أخرى أو حتى القانون الدولي العام. أما في حال عدم اتفاق الأطراف على القانون الواجب التطبيق؛ فيجوز حينها لهيئة التحكيم أن تحدد ما تراه مناسباً من قواعد قانونية قابلة للتطبيق على النزاع المعروض أمامها سواء أكان قانون الدولة الطرف في النزاع أم القانون الدولي. ويرجع السبب في إيثار تطبيق قانون الدولة المضيفة لكونه القانون الأكثر صلة بموضوع النزاع، ويحكم مكان إبرام العقد الاستثماري. كما لا يجوز لهيئة التحكيم أن تصدر حكماً لا ينهي النزاع على أساس سكوت القانون أو غموضه، وعليها أن تفصل في جميع المستندات والأدلة وإجراء الخبرة وأن تحكم بما هو أصلح، بما في ذلك اللجوء إلى تطبيق مبادئ العدالة والإنصاف في حال اتفاق الأطراف على هذه المسألة. ويصدر حكم التحكيم بأغلبية الآراء، وللعضو المخالف أن يرفق رأيه بالحكم وذلك خلال فترة تسعين يوماً من انتهاء إجراءات التحكيم. كما يجب أن يصدر الحكم كتابة وأن يتضمن جميع الموضوعات التي أثير بشأنها النزاع والأسباب التي بُني عليها، ولا يجوز للمركز نشر الحكم إلاَّ بموافقة الأطراف المتنازعة. ويتعيَّن على الأمين العام للمركز أن يرسل نسخاً عن الحكم لأطراف النزاع من فور صدوره، ويجوز لكل طرف من أطراف النزاع أن يطلب من الأمين العام إصدار قرار تكميلي أو تصحيح حكم التحكيم خلال فترة خمسة وأربعين يوماً من تاريخ صدور الحكم، وبشرط أن يكون طلب تصحيح الحكم مستنداً إلى وجود خطأ مادي لا يتعلق بتقدير الوقائع أو تحديد القاعدة القانونية التي تحكم النزاع. فإذا ما توافرت هذه الشروط؛ تقوم هيئة التحكيم بإبلاغ الطرف الآخر بطلب التصحيح ثم تفصل في الطلب، ويعدُّ قرارها في هذا الشأن جزءاً من الحكم الأصلي ويتعيَّن إعلانه للأطراف المعنية (المادتان 48 و49). كما يجوز لأي من هذه الأطراف أن تتقدم بطلب تفسير الحكم إلى الأمين العام للمركز، والذي يحيله إلى هيئة التحكيم التي أصدرت الحكم، وإذا تعذَّر ذلك فإنه يجوز تشكيل محكمة جديدة لتفسير الحكم، ولها الحق في وقف تنفيذ الحكم إلى حين تفسيره أصولاً. ويجوز تقديم طلب التفسير في أي وقت بعد صدور الحكم من دون التقيد بمدة معينة بخلاف ما هو عليه الأمر بالنسبة إلى طلبات التصحيح أو إعادة النظر في الحكم أو إلغائه (المادة 50)، كما أن ظهور وقائع جديدة لم تكن معلومة عند صدور الحكم وكان من شأنها التأثير في الحكم تأثيراً جوهرياً، يبرر لأي من أطراف النزاع أن يتقدم بطلب لإعادة النظر في الحكم خلال مدة تسعين يوماً من تاريخ اكتشاف الواقعة وقبل مضي ثلاث سنوات من تاريخ صدور الحكم. وتقوم هيئة التحكيم التي أصدرت الحكم بالفصل في طلب إعادة النظر بعد أن يحيله إليها الأمين العام للمركز، أما إذا تعذَّر ذلك فإنه يشرع بتشكيل هيئة تحكيم جديدة للنظر في الطلب. ولهيئة التحكيم سلطة تقديرية في وقف تنفيذ الحكم ريثما تبت بالمسألة (المادة 51). ويجوز لأي من أطراف النزاع التقدم أيضاً بطلب إلى الأمين العام للمركز لإلغاء الحكم فيما إذا كانت هيئة التحكيم مشكلِّة تشكيلاً غير صحيح أو إذا تجاوزت صلاحياتها تجاوزاً ملحوظاً، أو إذا تم إفساد أحد أعضائها، أو إذا وقع تجاوز خطير لقاعدة أساسية من قواعد الإجراءات، أو في حال قصور الحكم عن بيان الأسباب التي استند إليها. ويجب تقديم طلب إلغاء الحكم خلال مدة (120) يوماً من تاريخ إصدار الحكم، باستثناء ما إذا كان الطلب مستنداً إلى ادعاء بحدوث واقعة رشوة لأحد أعضاء هيئة التحكيم؛ إذ يتوجب حينها تقديم طلب الإلغاء خلال مدة (120) يوماً من تاريخ اكتشاف الواقعة وقبل مرور ثلاث سنوات على صدور الحكم حداً أقصى. وبعد تلقي طلب الإلغاء يعمد رئيس المجلس الإداري للمركز إلى تشكيل لجنة تحكيم خاصة، تتألف من ثلاثة أعضاء واردة أسماؤهم في قائمة المحكمين ولم يكونوا أعضاء في هيئة التحكيم التي أصدرت الحكم المطلوب إلغاؤه؛ أو منتمين لجنسية أطراف النزاع؛ أو عِّينوا في قائمة المحكمين بواسطة هؤلاء الأطراف؛ أو اشتركوا في القضية بصفة مستشارين (المادة 52)، وذلك عملاً بقاعدة عدم جواز الجمع بين صفتي الخصم والحكم بآن معاً. ويجوز لهذه اللجنة وقف تنفيذ الحكم من تلقاء نفسها أو بناء على طلب الطرف الطاعن في الحكم بالإلغاء. فإذا ما قررت إلغاء الحكم أو جزء منه، جاز حينها عرض النزاع أمام هيئة تحكيم جديدة بناء على طلب أي من الأطراف (المادة 53). ويعدُّ حكم التحكيم نهائياً وواجب النفاذ وغير قابل للاستئناف سوى بالطرق المنصوص عليها في اتفاقية واشنطن لعام 1965م؛ أي تصحيح الحكم وتفسيره أو إعادة النظر به أو إلغاؤه. كما يتميَّز بأنه حكم ملزم للأطراف بقوة القانون ولا يتوقف تنفيذه على اتخاذ أي إجراء كإكسائه صيغة التنفيذ، فقد التزمت الدول الأعضاء في المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار بإلزامية الأحكام الصادرة عن هيئات تحكيم المركز بمجرد إبراز نسخة عن الحكم مصدقاً عليها من الأمين العام للمركز. ولكن يخضع تنفيذ الحكم ـ قاعدة عامة ـ للقوانين الداخلية ذات الصلة في الدولة المراد تنفيذ الحكم في إقليمها (المادة 54)؛ شريطة عدم الإخلال بمبدأ حصانة الدولة ضد التنفيذ بمواجهتها (المادة 55)، مما قد يؤدي إلى عجز المستثمر عن تنفيذ الحكم ضد الدولة الطرف الأخرى بذريعة التمسك بحصانتها المعترف بها دولياً. ولكن من النادر أن تثير دولة ما مسألة الحصانة ضد تنفيذ أحكام المركز خشية اتهامها بمخالفة التزاماتها الدولية كدولة طرف في اتفاقية واشنطن لعام 1965م وحيث التزمت باحترام الأحكام التحكيمية الصادرة عن المركز، كما يمكن للمستثمر المتضرر أن يطلب الحماية الدبلوماسية لدولته في حالة ما إذا رفضت الدولة المضيفة تنفيذ حكم التحكيم. أو قد يؤثر ذلك في مكانة الدولة لدى البنك الدولي لإعادة الإعمار والتنمية ويجردها كذلك من المصداقية اللازمة تجاه المستثمرين الأجانب. وأخيراً تلتزم كل دولة طرف بتحمل جميع التكاليف المالية التي يرتبها الحكم على إقليمها كما لو كان صادراً عن محاكمها الوطنية، مع الإشارة إلى أن لهيئة التحكيم الحق بتحديد أتعاب أعضائها ومصروفاتهم؛ إلاَّ إذا اتفقت أطراف النزاع على هذا الأمر (المواد 59 و60 و61) بخلاف ما هو حاصل بالنسبة إلى إجراءات التوفيق حيث تتقاسم الأطراف التكاليف المالية بالتساوي.

 ج ـ التسهيلات الإضافية: وهي مجموعة الإجراءات لتسوية منازعات الاستثمار التي أقرها المجلس الإداري للمركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار بتاريخ 27/9/1978م، وأجاز بمقتضاها للأمين العام اعتماد إجراءات محددة بشأن تسوية نزاع يقع خارج اختصاص المركز لعدم توافر شروط المادة (25) من اتفاقية واشنطن لعام 1965م؛ أي شرط موافقة أطراف النزاع كتابة على قبول اختصاص المركز؛ وبأن يكون موضوع النزاع ذا طبيعة قانونية؛ وبأن يكون أطراف النزاع دولة عضو في المركز ومواطن من دولة عضو أخرى. وتتميز إجراءات التسهيلات الإضافية بعدم خضوعها لأحكام اتفاقية واشنطن. فقد تتفق أطراف النزاع ممن لا يُشترط فيهم أن يكونوا أعضاء في المركز على إخضاع نزاعهم لاختصاصه، أو أن تتضمن اتفاقيات الاستثمار المعقودة بينهم مثل هذه الإحالة عند احتمال نشوب نزاع مستقبلي بينهم، وهذا ما يتطلب الحصول على موافقة الأمين العام سواء عند الاتفاق أم عند اللجوء إلى المركز، وشريطة قبول الأطراف المتنازعة بتطبيق إجراءات التوفيق والتحكيم وفقاً لنصوص اتفاقية واشنطن بدلاً من التسهيلات الإضافية، عندما تصبح الأطراف في أثناء النظر في النزاع ـ سواء الدولة المضيفة للاستثمار أم دولة المستثمر الأجنبي ـ أعضاء في المركز. أما ما عدا ذلك فتطبق نصوص اتفاقية واشنطن بشأن النظر في النزاع؛ باستثناء ما يتعلق بتنفيذ حكم التحكيم؛ إذ يتوجب إكساؤه صيغة التنفيذ وفق قوانين الدولة الطرف في النزاع فيما إذا لم تكن تتمتع بصفة العضوية في المركز ولم تصادق على الاتفاقية. كما منحت إجراءات التسهيلات الإضافية للمركز صلاحية تشكيل لجان لتقصي الحقائق وفقاً لموافقة الأطراف المعنية؛ إذ تقوم هذه اللجان بإجراء تحقيق موضوعي لوقائع النزاع وأسبابه وظروفه ووضع تقاريرها بتصرف الأطراف من دون أن يكون لهذه التقارير أي صفة إلزامية.

مما تقدَّم يتضح أن إنشاء المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار يعدُّ خطوة مهمة في سبيل توفير البيئة المناسبة لتنتقل رؤوس الأموال والاستثمارات عبر الحدود الوطنية. وقد واجه المركز في بداياته بعض العقبات الناجمة عن تشكيك دول العالم الثالث والبلدان الاشتراكية بحياديته نظراً لسوء استخدام التحكيم في الماضي ولقناعتها في ذلك الوقت بأن احترام سيادتها يقتضي إخضاع منازعاتها مع المستثمرين الأجانب لقضائها الوطني وفقاً لأنظمتها الداخلية، ولكن ما لبثت أن تبدلت وجهة النظر المعارضة هذه نتيجة للتطورات السياسية والاقتصادية التي شهدها العالم في فترة ما بعد انتهاء الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي؛ وتكريس ظواهر النظام الاقتصادي العالمي المعاصر كالعولمة والخصخصة واقتصاد السوق الحر وتنقل رؤوس الأموال وتحرير التجارة الدولية وازدياد نشاط الشركات متعددة الجنسيات. وقد أسهمت جميع هذه العوامل في إرساء القناعة لدى الدول والمستثمرين بأهمية اللجوء إلى جهاز كفؤ تحكمه الاعتبارات القانونية والاقتصادية لتسوية نزاعاتهم في هذا الشأن، وبذلك بدأ المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار يؤدي دوراً مهماً وفعالاً في تسوية المنازعات الاستثمارية وتحقيق متطلبات التنمية، وارتفع بالتالي عدد الدول الأعضاء في المركز، ومنها سورية التي انضمت إلى اتفاقية واشنطن بتاريخ 29/1/2006م وصادقت عليها، كما ازدادت عدد القضايا المعروضة لتبلغ أكثر من (300) قضية لغاية العام 2010م.

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ خالد سعد زغلول حلمي، مثلث قيادة الاقتصاد العالمي ـ دراسة قانونية واقتصادية (جامعة الكويت، مجلس النشر العلمي، 2002م).

ـ عبد المعز عبد الغفار نجم، الجوانب القانونية لنشاط البنك الدولي للإنشاء والتعمير (الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 1976م).

ـ علي حسين ملحم، دور المعاهدات الدولية في حماية الاستثمارات الأجنبية الخاصة في الدول النامية (جامعة القاهرة، 1998م).

ـ مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، تسوية المنازعات بين الدول والمستثمرين (منشورات الأونكتاد، 2003م).


التصنيف : القانون الدولي
النوع : القانون الدولي
المجلد: المجلد السابع: المحكمة الجنائية الدولية _ ولاية المظالم في الإسلام
رقم الصفحة ضمن المجلد : 78
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1108
الكل : 45657959
اليوم : 58642