logo

logo

logo

logo

logo

عقد العمل البحري

عقد عمل بحري

maritime labour contract - contrat de travail maritime

 عقد العمل البحري

عقد العمل البحري

محمد سامر عاشور

تعريف عقد العمل البحري  
خصائص عقد العمل البحري آثار عقد العمل البحري
تكوين عقد العمل البحري انقضاء عقد العمل البحري
إثبات عقد العمل البحري تسوية المنازعات الناشئة من عقد العمل
 

عقد العمل البحري يتناول تنظيم استخدام الأشخاص على متن السفينة، ويحدد حقوق طرفيه والتزاماتهما؛ المستخدم ورب العمل.

أولاًـ تعريف عقد العمل البحري:

عرَّفت المادة (141) من قانون التجارة البحرية السوري رقم /46/ لعام 2006 عقد العمل البحري بأنه: "العقد الذي يلتزم بمقتضاه شخص بالعمل في سفينة مقابل أجر تحت إشراف مجهز وربان".

ويستفاد من نص المادة السابقة ما يأتي:

يخضع لأحكام عقد العمل البحري كل شخص يعمل لقاء أجر على ظهر سفينة تجارية بحرية، ويكون تحت إشراف ربان السفينة أو مجهزها. وهذا الحكم يسري على الربان وضباط الملاحة، والمهندسين البحريين، وطبيب السفينة وأفراد الخدمة العامة.

لا عبرة لنوع العمل الذي يمارسه أفراد الطاقم البحري؛ بل العبرة بمكان العمل بما أنه يتم على ظهر السفينة، وبذلك لا تنطبق هذه الأحكام على الأشخاص العاملين على اليابسة.

هو عقد يقوم بين طرفين الملاح أو البحار والمجهز فتنشأ بينهما علاقة تعاقدية ترتب التزامات على كل منهما في سبيل تحقيق الغاية المنشودة من العقد.

ثانياًـ خصائص عقد العمل البحري:

عقد العمل البحري عقد رضائي يقوم على اتفاق إرادتي طرفيه البحار والمجهز بأن يقوم كل منهما بالتزامه مقابل الحصول على حقوقه.

عقد ملزم للجانبين إذ يترتب على البحار التزامات باتباع إرشادات المجهز أو الربان؛ وعدم استغلال السفينة لمصلحته ليقوم بعمله على أتم وجه، وذلك كله مقابل التزام المجهز بدفع الأجر المتفق عليه للبحار وعلاجه وضمان رجوعه إلى موطنه الأصلي وغير ذلك من التزامات.

عقد العمل البحري من عقود المعاوضة والعاقد فيه يأخذ مقابلاً لما يعطي، فالبحار يسعى للحصول على الأجر الذي سيتلقاه من المجهز أو رب العمل لقاء قيامه بعمله، وكذلك فإن رب العمل يسعى للاستفادة من عمل البحار.

يمكن عد عقد العمل البحري ضمن زمرة عقود الإذعان؛ إذ إن العامل يقبل بشروط يضعها رب العمل ولا يقبل في الغالب المناقشة فيها.

5 ـ عقد العمل البحري عقد تجاري؛ إذ تغلب عليه الصفة التجارية، فهو تجاري بالتبعية للمجهز الذي يقوم باستثمار السفينة وتزويدها بالوقود والمؤن والمعدات، ومن ثم يقوم باستخدام الربان والبحارة عن طريق عقود يبرمها كعقد العمل البحري، عقد النقل… إلخ. وقد يكون المجهز مالك السفينة فيسمى "المالك المجهز" حيث يقوم بتأجيرها، والأعمال السابقة التي يقوم بها هي أعمال مدنية بطبيعتها، ولكنه يقوم بها لحاجات عمله التجاري فتسبغ عليها الصفة التجارية ليس بسبب طبيعتها؛ وإنما بسبب مهنة القائم بها. أما البحار فهو مدني، وهكذا فإن العقد في شق منه تجاري والشق الآخر مدني، وبالتالي يمكن إدراجه تحت نطاق الأعمال المختلطة.

ثالثاً ـ تكوين عقد العمل البحري:

هذا العقد هو عقد من عقود العمل، وبالتالي يخضع للقواعد المنظمة لشؤون العمل ما لم يرد نص مخالف في قانون التجارة البحرية. وتتميز قواعد هذا العقد بأنها آمرة لا يجوز الاتفاق على ما يخالفها، فكان لا بد من قواعد تنظم تكوينه حتى ينشأ سليماً، وترتب آثاره على نحو قانوني، فهو يبرم بين المجهز والبحار؛ حتى في الحالات التي يقوم فيها الربان بإبرام العقد مع البحار فهو يقوم بذلك بوصفه وكيلاً عن المجهز.

ولضمان إنجاز المهمة التي يكلف بها البحار وغيره من أفراد الطاقم كان لا بد من مراعاة بعض الأمور التي لا بد من توافرها في كل عامل على ظهر السفينة؛ ومعرفة قدرته على تحمل أعباء العمل البحري من خلال ما يأتي:

1ـ بالنسبة إلى السن:

لا يجوز لمجهز السفينة أو ربانها أن يستخدم أولاداً صغاراً، والغاية من ذلك حماية البحار من مشقة العمل التي قد لا تتناسب مع عمره صحياً وجسدياً، هذا إضافة إلى سلامة الرحلة البحرية إذا ما توافر لها بحار على مستوى جيد من الكفاءة؛ والسلامة الصحية والنفسية والتي يكون فيها للعمر دور أساسي.

2ـ المقدرة الصحية والجسدية:

إمكانية استخدام البحار على ظهر السفينة مقرونة بالفحص الطبي الذي يخضع له والذي يقوم بإجرائه طبيب يعينه المرفأ التابع له هذا البحار، فلا يجوز استخدام بحارة مصابين بأمراض سارية أو معدية تؤثر في سلامة الرحلة البحرية.

3ـ جنسية البحار:

وضع المشرع السوري أحكاماً تنظم جنسية البحارة المستخدمين، فالشخص الذي يتمتع بالجنسية السورية ليس له القيام بأي عمل على متن السفينة التي تبحر خارج حدود المياه الإقليمية للقطر إلا بموجب جواز سفر بحري يصدر عن الإدارة البحرية المختصة، وتنظمه القوانين والأنظمة الخاصة به، وقد نصت على ذلك المادة (138) من قانون التجارة البحرية في فقرتها الأولى: "لا يجوز لمن يتمتعون بالجنسية السورية أن يقوموا بأي عمل في السفن التي تبحر خارج المياه الإقليمية؛ إلا بعد الحصول على جواز سفر بحري من الإدارة البحرية المختصة".

وقد فرق المشرع في أعمال الملاحة بين الملاحة الساحلية والنقل وذلك بالاعتماد على جنسية البحارة المستخدمين، فملاحة الصيد في نطاق المياه الإقليمية السورية لا يستخدم فيها إلا بحارة سوريون على اعتبار أن تلك الأعمال تتم في نطاق القطر، فالأولى أن يقوم بها بحارة سوريون، والمثال على ذلك: الملاحة الساحلية التي تتمثل بنقل البضائع والأشخاص من مرفأ سوري إلى مرفأ سوري آخر، كالنقل بين مرفأ اللاذقية ومرفأ طرطوس، هذا بالنسبة إلى الملاحة داخل القطر.

أما أعمال النقل التي تتجاوز حدود المياه الإقليمية السورية فأجاز المشرع لمجهزي السفن أن يستخدموا في حالات الضرورة عمالاً فنيين من خارج القطر؛ شرط إثبات حصولهم على إجازات أو شهادات تعادل على الأقل تلك التي تقبلها الجهات السورية المختصة من الربابنة والضباط والعمال الميكانيكيين السوريين.

وعلى الرغم من أن المشرع قد سمح باستخدام أيدٍ عاملة من خارج القطر؛ فإنه قيَّد تلك الإجازة بألا يزيد عدد المستخدمين الأجانب والأجور المخصصة لهم على حد معين، الأمر الذي يصدر بشأن تحديده قرار من الوزير المختص بذلك (المادة 140 من قانون التجارة البحرية).

رابعاً ـ إثبات عقد العمل البحري:

يجب أن يتم تحرير العقد القائم بين المستخدم ورب العمل بالكتابة وفق شروط معينة؛ على أن هذا الإجراء لا يشترط لصحة العقد وإنما لإثباته والتأكد من سلامة إرادة المتعاقدين، على أن العقد غير المدون يمكن إثباته بجميع الطرق الممكنة بالنسبة إلى البحار فقط وقد أوضحت ذلك المادة (143) بقولها: "لا يثبت عقد العمل البحري إلا بالكتابة، ومع ذلك يجوز للبحار وحده إثباته بجميع طرق الإثبات"، فكان لا بد من تحرير العقد بالكتابة إضافة إلى مجموعة من البيانات يستلزم ذكرها حيث يمكن من خلالها تحديد نوعية العقد وطبيعته، ومنها تحديد مدته؛ أو تحديد خدمة البحار ووظيفته على متن السفينة بذكر الغرض من الرحلة تجارة أو صيد أو رحلة علمية، فتتضح بذلك التزامات البحار وعمله مع مسؤوليته في حال المخالفة، ويجب أن يكون حاضراً متى بدأت الرحلة كما هي محددة في العقد، وذلك كله مقابل أجر يتفق عليه بداية مع تحديد كيفية الحصول عليه ونوعه، فقد يكون مبلغاً معيناً من النقود أو نسبة من الأرباح التي تنجم عن عمله مع ذكر تاريخ تحرير العقد والمكان الذي تم إبرامه فيه.

وفي جميع الحالات لا بد من توقيع الملاح أو بصمة إصبعه التي تمثل موافقته على العقد، وبفضل هذا التسجيل يمكن إخضاع العقد لرقابة الهيئة المختصة حيث يتوجب عليها معاينة قيود دفتر البحارة قبل بدء الرحلة، والتأكد من أن كل البحارة المستخدمين قد تم استخدامهم بموجب عقد عمل بحري، تتوافر فيه كل الشروط المطلوبة.

ونظراً لأهمية العقد أوجب المشرع أن يتم تحريره على ثلاث نسخ ويكون ذلك باللغة العربية مع تسليم كل نسخة لكل طرف معني بهذه العلاقة العقدية، ويحرر العقد على نسختين إذا كان مشتركاً. وقد أوضحت ذلك المادة (144) التي نصت على ما يأتي: "يحرر عقد العمل البحري باللغة العربية على ثلاث نسخ تسلم إحداها لرب العمل، وتودع الثانية لدى الإدارة البحرية المختصة، وتسلم الثالثة إلى البحار، إلا إذا كان العقد مشتركاً فيحرر العقد على نسختين، تسلم الأولى إلى رب العمل، وتودع الثانية لدى الإدارة المختصة، وللبحار أن يحصل على صورة طبق الأصل عنها، ويجب أن يبين في العقد تاريخ ومكان إبرامه ومدته وكيفية تمديده ورقم وتاريخ ومكان إصدار جواز السفر البحري والترخيص الملاحي، وإذا كان العقد بالرحلة وجب أن يبين فيه تاريخ السفر والميناء الذي تبدأ منه الرحلة والميناء الذي تنتهي فيه".

خامساًـ آثار عقد العمل البحري:

عقد العمل البحري هو عقد ملزم لجانبيه: البحار والمجهز، أي قيام مجموعة من الالتزامات على عاتق كل من طرفيه.

1ـ التزامات البحار:

على البحار أن يقوم بالعمل البحري المحدد له في عقده ضمن الحدود والصلاحيات الممنوحة له تحت طائلة المسؤولية، وتبعاً لطبيعة العقد الخاصة فإنه يتطلب من البحار بذل عناية وجهد كبيرين وطاعة أوامر رب عمله؛ إضافة إلى تخصصه في هذا العمل.

وللتعرف على البحار لا بد من التعرف على الطاقم البحري في السفينة والذي يتألف من جميع العاملين فيها، ويقسم إلى قسمين: الربان من جهة؛ والبحارة من جهة أخرى. وقد تم التمييز بينهما تبعاً لاختلاف طبيعة عمل كل منهم، على أن الربان لكونه مستخدماً في السفينة فهو يمثل المجهز ويخضع لجميع القواعد التي يخضع لها البحارة؛ ما لم ينص القانون صراحة على غير ذلك.

فالبحار هو كل شخص يتم استخدامه على متن السفينة لأغراض بحرية. على أن لفظ "الملاح" يشمل جميع العاملين بدءاً من الربان حتى أصغر عامل، ومعيار التفريق بينهم يتم على أساس المكان الذي يمارسون فيه عملهم؛ وهو متن السفينة، ومن هذا: الربان، المهندسون، الضباط والبحارة العاديون الذين يساعدون في العمل كالعاملين على تسيير آليات السفينة، عمال التنظيف… إلخ

على أنه حتى يتم إبرام عقد استخدام للملاح لا بد من أن يعمل على ظهر السفينة؛ لأنه لو استخدم للعمل على اليابسة فلا يعدّ عقده عقد استخدام بحري، وذلك من دون اعتبار لطبيعة العمل فقد يكون طاهياً أو طبيباً فكلهم ملاحون ما داموا يقومون بأعمالهم على متن السفينة وفي أثناء رحلتها البحرية، وذلك كله مقابل أجر، فالشخص الذي يعمل من دون مقابل لا يمكن عدّه ملاحاً أياً كانت غاية السفينة ومهمتها؛ سواء كانت نقلاً بحرياً أم صيداً أم نزهة.

ويمكن في ضوء أحكام عقد العمل البحري تحديد التزامات الملاح بثلاثة التزامات تتمثل: بالقيام بالعمل المتفق عليه في العقد، والعمل على إنقاذ السفينة في حالة وجدوها بخطر بقدر استطاعته، والتزامه بعدم استغلال السفينة التي يعمل فيها لحسابه الخاص.

أ ـ القيام بالعمل المتفق عليه وطاعة الأوامر:

ينطوي هذا الالتزام على نقطتين مهمتين هما: قيام البحار بالعمل المحدد له، وإطاعة أوامر رؤسائه فيما يتعلق بخدمة السفينة وعدم مغادرتها من دون إذن.

(1) ـ ماهية عمل البحار:

لا بد من تحديد ماهية العمل الذي يتوجب على البحار القيام به مع بيانه في دفتر البحارة، وعلى البحار أن يقوم به بنفسه ويبذل في تأديته عناية الرجل المعتاد.

ويمكن إثبات خطأ البحار عند عدم بذله تلك العناية وقيام مسؤوليته، على أنه في حالة الضرورة قد يطرأ ظرف ما كالخطر الداهم أو الوفاة أو المرض فيكلف البحار بغير العمل المتفق عليه في العقد، فالضرورة تقدر بقدرها ويبقى الحال كذلك حتى زوال الحالة الطارئة.

أما في الأحوال العادية فيمارس مهامه المعتادة، ويجب عليه خارج ساعات عمله القيام بأعمال التنظيف في المكان الذي يؤدي فيه مهمته؛ وتنظيف ملحقاته من أدوات أو معدات يستخدمها ومن دون أجر (المادة 145/2 من قانون التجارة البحرية السوري).

(2) ـ واجب طاعة الأوامر:

من مظاهر تبعية البحار للمجهز وجوب قيامه بعمله تحت إشراف الربان ورؤسائه، فيتقيد بتعليماتهم ضمن حدود لا تتعارض مع أحكام عقده، أو ألا تكون تلك الأوامر مخالفة للنظام العام والآداب؛ أو حتى تعريض نفسه للخطر مع قيام المسؤولية في هذه الحالات. والتزامه هذا لا يقتصر على كونه التزاماً تعاقدياً ينبثق من العقد الذي أبرمه؛ بل يتجاوز ذلك إلى كونه التزاماً قانونياً يفرضه القانون؛ ويرتب عليه بعض الجزاءات لكونه يتصل بحفظ الأمن والنظام.

ب ـ العمل على إنقاذ السفينة:

نصت المادة (145) من قانون التجارة البحرية في فقرتها الخامسة على الالتزام الثاني الذي يجب على البحار القيام به في حالة الخطر: "يلتزم البحار في حالة الخطر بالعمل على إنقاذ السفينة؛ والأشخاص الذين يوجدون عليها والشحنة، وفي هذه الحالة يمنح مكافأة عن العمل الإضافي يجب ألا تقل عن الأجر المقابل للساعات التي استغرقها هذا العمل" فيجب على البحار العمل على إنقاذ ما يمكن إنقاذه حتى لا تغرق السفينة، أو تقع خسائر بشرية أو مادية كبيرة. ويستحق مكافأة على عمله في إنقاذ السفينة، وفي ذلك تشجيع من القانون على الإقدام على إنقاذ السفينة والأرواح فيها؛ إضافة إلى إنقاذ البضائع في حالة التعرض للخطر.

ج ـ عدم مشروعية استغلال السفينة لأغراض شخصية:

يترتب على البحار عدم استغلال السفينة لحسابه الخاص؛ وقيامه بشحن بضائع على ظهرها لا تخص مجهزها بل تخصه، وذلك من دون إذن مسبق.

على أن المشرع يجيز شحن البضائع لحساب البحار إذا أذن له بذلك رب العمل أي المجهز وليس الربان؛ على اعتبار أن المجهز هو المالك للسفينة وله حرية التصرف فيها، فليس من صلاحيات الربان السماح بشحن أي شيء على متن السفينة سواء لحسابه أم لحساب أحد البحارة الآخرين (المادة 146 من قانون التجارة البحرية السوري).

وقد رتب القانون جزاء على مخالفة هذا الالتزام في حالة قيام البحار أو الربان بالشحن من دون السماح لهم بذلك من قبل المجهز، وذلك بأن يدفع لرب العمل أجرة نقل البضائع المشحونة مضافاً إليها ما يعادلها؛ وذلك بهدف ردعه عن القيام بمثل تلك الأفعال أو تكرارها. وقد نصت المادة (146) من قانون التجارة البحرية السوري على ذلك: "يترتب على مخالفة هذا الحظر إلزام المخالف بأن يدفع لرب العمل أجرة نقل البضائع التي شحنت مضافاً إليها مبلغ ما يعادلها…"، فضلاً عن التعويض الذي قد يطلبه المجهز في حالة الضرر الناتج من المخالفة. فمن الممكن أن تكون البضاعة من النوع المحظور التعامل به أو من شأنها أن تؤدي إلى إلزامه بدفع غرامات أو نفقات؛ فضلاً عن تهديدها لسلامة السفينة؛ ولكونها تشكل عبئاً زائداً، وهنا للربان الأمر بإلقائها.

2ـ التزامات المجهز:

المجهز هو الشخص الذي يقوم باستثمار السفينة فيزودها بالوقود والمؤونة، ويستخدم الربان والبحارة، ويجري عقد النقل البحري وعقود التأمين على السفينة. وقد يكون مجهز السفينة مالكها أو شخصاً آخر غير المالك، كأن يؤجر المالك سفينة فيسمى عندئذ المجهز المستأجر.

والمجهز يقع على عاتقه أربعة التزامات رئيسة: أولها يتمثل بدفع الأجرة المحددة في العقد، وبالنظر لما يقتضيه عمل البحار بمغادرة وطنه حيث لا سكن ولا مأوى يلتزم بإيوانه وغذائه، وكذا الاهتمام بصحته وعلاجه وأخيراً إعادته إلى وطنه.

أ ـ دفع الأجر المتفق عليه:

على المجهز أن يدفع للبحار الأجر المتفق عليه بينهما والمذكور في العقد أو بحسب العرف المحلي، ولا عبرة لطريقة أداء الأجر، المهم ألا يقل عن الحد الذي يفرضه قانون العمل.

(1) ـ طريقة دفع الأجر:

الأصل أنه يتم الاتفاق بين المجهز والبحار على الأجر في العقد، ولكون البحار هو الطرف الضعيف فقد تدخلت الدولة لتحديد الحد الأدنى للأجور والبدلات والترقيات وكيفية أدائها بقرار من الوزير المختص بذلك، والنص واضح في المادة (147) في الفقرة الرابعة التي نصت على أنه: "يكون تعيين الحد الأدنى للأجور وتعويضات البحارة بالسفن السورية، كما يكون تعيين علاواتهم وبدلاتهم ومكافآتهم وكيفية أدائها وترقياتهم وإجازاتهم؛ بقرار يصدر عن الوزير المختص".

وقد قرر المشرع للبحار سلفة لا تتجاوز ربع أجره الأصلي يتقاضاها في حالة تقرر سفره تعويضاً له عن اغترابه وابتعاده عن وطنه وأسرته؛ مع توضيح ذلك في دفتر البحارة أو دفتر اليومية مع توقيعه، ويحق له هنا تفويض زوجته أو أولاده أو أحد أصوله أو فروعه تسلّم تلك السلفة، ولا يحق لرب العمل استردادها أياً كان السبب حتى لو فسخ العقد؛ حتى لا تصبح هذه السلفة وسيلة للضغط على الملاح تلزمه بالعقد، ولإعالة أسرته في أثناء غيابه.

 وقد تحددت أجرة البحار بمبلغ مقطوع على أساس اليوم أو الأسبوع أو الشهر وقد تحددت بالرحلة أو بنسبة معينة من الأرباح، فإذا حددت بمبلغ مقطوع فيتقاضاه على أساس تنفيذ التزامه بالكامل وعلى أتم وجه، ولكن الأمر يختلف فيما إذا حددت على أساس نسبة من أرباح السفينة فالعبرة هنا للأرباح الصافية.

ولا يعدّ أجر البحار سبباً مانعاً من مكافأته في حالة إنقاذ سفن أخرى فيما لو منحت تلك السفينة التي يعمل عليها مكافأة لقاء ذلك، فتوزع عندئذ بين المجهز والربان والبحارة الآخرين كل بنسبة عمله. وتجدر الإشارة إلى أن البحار يستحق أجره بالكامل عند إتمام الرحلة البحرية ولو تمت بمدة أقصر من المقرر لها؛ على اعتبار أن أجرته حددت بالاعتماد على تلك الرحلة وإتمامها بسلام.

وقد يطرأ أمر ما يكون له التأثير السلبي في الرحلة بأكملها سواء من حيث مدتها أم قيامها، الأمر الذي ينعكس على عمل البحار وأجرته.

(2) ـ العوامل المؤثرة في الأجرة:

هناك مجموعة من العوامل قد تؤثر في الرحلة البحرية فتحدث أثرها سواء بالتأخير أم الإطالة وذلك إما في بدايتها وإما في أثناء قيامها، الأمر الذي يؤثر في عمل البحارة وفي مصلحة الأشخاص الموجودين على متنها من حيث إطالة فترة إقامتهم وامتداد عمل البحارة لفترة أطول من الوقت المتفق عليه، على أن تلك العوامل تختلف باختلاف المسبب لها فقد تكون بسبب المجهز أو الربان، وقد تعود إلى أسباب أخرى أجنبية خارجة عن الإرادة، ولهذا كله تأثيراته المختلفة في الأجرة وطريقة أدائها، ومن تلك العوامل:

> أثر التعديل في الرحلة بسبب يعود للربان أو المجهز:

قد يقوم الربان أو المجهز بفعل ما ينتج منه تأخير الرحلة أو إطالة مدتها، الأمر الذي يؤثر في أجر البحار، ويختلف هذا الأثر بحسب طريقة تحديد الأجرة واستيفائها. فإذا كان البحارة يتقاضون أجرتهم على أساس مبلغ مقطوع ومددت الرحلة أو اختصرت؛ فإنهم يستحقون أجرة عن مدة خدمتهم الفعلية فقط. أما إذا كانت الأجرة محددة بالرحلة فيكون الأجر كاملاً؛ سواء في حال تقصير مدة السفر بفعل المجهز أو الربان أم في حالة إطالة المدة؛ مع مراعاة زيادة الأجرة بمقدار الإطالة، على أن يكون الأمر ناتجاً من فعل مقصود من جانبهما. وقد يحدث تعديل في السفر سواء بالإطالة أم التقصير ولكن بسبب الغير، فالبحارة الذين تحددت أجرتهم على أساس حصة من الأرباح أو أجرة السفينة يستحقون التعويض عن ذلك، ويتم احتسابه من التعويضات التي تمنح للسفينة بما يتناسب مع حصتهم المحددة؛ ولو كان المسبِّب بالضرر الناتج هنا المجهز أو الربان، فهم يستحقون النسبة فضلا ًعن حصتهم في الربح، وبالتالي فرب العمل لا يستحق التعويض الناتج من فعل الغير بسبب خطئه.

> أثر القوة القاهرة:

أي القوة التي يعجز أمامها المجهز أو الربان ولا دخل لإرادتهما في حدوثها، فربما تلغى الرحلة قبل قيامها، أو يظهر أن ثمة خلافاً بين الدول المعنية في هذه الرحلة؛ وغير ذلك من الحوادث التي تعترض تنفيذ الرحلة وينعكس أثرها في أجرة العاملين فيها. فالبحار الذي يستحق أجرته شهرياً يتقاضى مبلغاً من المال عن خدمته الفعلية فقط على متن السفينة، على أن يستحق الأجر كاملاً كما هو محدد في العقد ومن دون الحق بأي تعويض عن التأخير أو التمديد إذا كان محدداً على أساس نسبة من الربح أو الأجرة، في حين أن القوة القاهرة هنا تتناول مدة الرحلة على وجه الخصوص، فمن البديهي تخفيض أجر البحار بنسبة اختصارها إذا كان محدداً على أساسها وباعتبار المسألة خارجة عن إرادة رب العمل.

> أثر غرق السفينة أو عدم صلاحيتها للملاحة:

السفينة قد تبدأ الرحلة ولكن لسبب طارئ يتعذر عليها المواصلة كأن تغرق، أو يتبين عدم صلاحيتها للملاحة، وبالتالي تتوقف الرحلة والعاملون عليها تتعطل أعمالهم، وهنا الأمر يختلف بحسب طريقة استيفاء الأجر، فهم يستحقون أجراً عن الأيام التي باشروا العمل فيها حتى الانقطاع لحظة وقوع الظرف الطارئ، هذا بالنسبة إلى من يتقاضى أجره على أساس مبلغ مقطوع أو بالاستناد إلى الرحلة.

أما في الأحوال الأخرى فيستحقون الأجر تماماً كما هو محدد بالعقد من جراء القيام ببعض الأعمال؛ باعتبار أنه لا دخل لإرادة المجهز أو الربان في حدوث ذلك. فالحال يختلف فيما إذا كان الغرق يرجع إلى تقصير أو إهمال منهم، فالبحارة أياً كانت طريقة دفع الأجر فلا بد من استحقاقهم تلك المبالغ كاملة مضافاً إليها تعويض عن الضرر الذي لحق بهم من جراء الإهمال أو التقصير. على أن الإهمال أو التقصير لا يقتصر على رب العمل فقد يعود السبب في ذلك إلى إهمال البحارة أنفسهم؛ وذلك بعدم بذلهم الجهد الكافي في سبيل إتمام الرحلة وعدم تعطيلها، وقد عالج المشرع هذه الفرضية من خلال مادته (162) الفقرة الأولى فقال: في حال غرق السفينة أو مصادرتها أو أنها أصبحت غير صالحة للملاحة؛ فيجوز للمحكمة هنا أن تأمر بإعفاء رب العمل من دفع أجور الملاحين كلها أو بعضها في حال إثبات أن الضرر يعود إلى تقصيرهم أو خطأ منهم. وهكذا يتضح أن المشرع أعفى رب العمل من تأدية الأجور سواء كلها أم بعضها؛ وذلك باعتبار الخسارة التي لحقت به كانت من جراء إهمال الملاحين أو تقصيرهم لتلافي مثل هذه الحوادث، وهذا ينطوي على عقوبة تتمثل بحرمان الملاح المقصر من أجره، فالخطأ هنا كان بسببه ولا بد من تحمله المسؤولية، وهذا يؤدي بالتالي إلى دفعه إلى بذل عناية وجهد أكبر من أجل سلامة الرحلة البحرية. وهكذا يتبين أن المشرع قد أقام نوعاً من التوازن بين العقوبات التي تترتب على رب العمل أو عامليه إذا نتج الضرر من إهمال أحدهم أو تقصيره؛ مع مراعاة مركز كل منهم وجعل العقوبة تتناسب مع ذلك.

> وفاة البحار:

تناولت المادتان (150 و156) من قانون التجارة البحرية السوري ذلك، فذكرت أن البحار قد يكون مستخدماً من أجل رحلة بحرية وعمله فيها مقتصر على فترة مغادرة السفينة لمينائها، فحدث أن توفي بعد الشروع بالرحلة ـ مثلاًـ فهنا يلتزم رب العمل بأداء كامل أجره لورثته، ولا فرق في ذلك أن يكون مبلغاً مقطوعاً أو حصة من الربح أو أياً كانت طريقة وفائه هنا وقد يكون الملاح ملتزماً العمل على متن السفينة ولكن فترة عمله تشمل الذهاب والإياب معاً فحدثت الوفاة، وهنا يميز القانون بين حالتين: إذا توفي الملاح في فترة الذهاب أو عند بلوغ السفينة مرفأ الوصول استحق ورثته نصف أجره؛ في حين يكون لهم كامل الأجر إذا توفي في أثناء عودة السفينة.

وبما أن المشرع قد عني منذ البداية بحماية الملاح وتأمينه، فلم يقصر الأمر على استحقاق الورثة للأجر بل شمل ذلك الآثار التي تترتب على الوفاة، فجعل نفقات الدفن وما إلى ذلك على نفقة رب العمل مع إيداعه الأجر المتفق عليه والمبالغ المستحقة له لدى خزانة الإدارة المختصة بذلك خلال مدة خمسة عشر يوماً من تاريخ الوفاة، وذلك كله لقاء خدمته ومراعاة لعائلته التي قد يكون هو المعيل الوحيد لها.

وفي إطار الحديث عن حالات وفاة الملاح وما يستتبع ذلك من إجراءات لا بد من التطرق إلى حالة عالجها المشرع في المادة (159) من قانون التجارة البحرية، وهي حالة وفاة البحار أو فقدانه في أثناء قيامه بواجب إنقاذ السفينة أو البضائع من الغرق، فكان لا بد من تعويض ورثته عن ذلك بمبلغ يساوي أجر ثلاثة أشهر أو ما يعادل أجر تلك الرحلة؛ فضلاً عن التعويضات والمكافآت الأخرى التي يقررها القانون والتأمينات الاجتماعية.

> مرض البحار:

من العوامل المؤثرة في أجر البحار جرحه أو إصابته بمرض ما في أثناء خدمته الفعلية فيستحق أجرته كاملة في هذه الحالة ما دام موجوداً على متن السفينة، على أن التعويض الذي يدفع للبحار هنا نتيجة إصابته هو حق خاص به من دون غيره، فلا ينتقل لورثته من بعده على عكس استحقاقات الوفاة، لذلك فإنه ينقضي بالوفاة أو الشفاء. وإذا ثبت أن المرض من المستحيل علاجه أو شفاؤه فلا يستحق عنه أي أجر أو تعويض. والمرض أو الجرح إذا لم يكن قد حصل بسبب يتصل بمهنة البحار بل لسبب آخر؛ فلا يستحق أي أجر أو تعويض عنه، وإن التزم المجهز بالعناية به وعلاجه لأسباب إنسانية مع حقه بالرجوع عليه فيما دفعه من الأجر الذي يتقاضاه بعد التماثل للشفاء.

وقد قام المشرع بإحاطة البحار بالحماية اللازمة وضمان حصوله على أجره كاملاً من خلال النص على مجموعة من الامتيازات التي يتمتع بها أجره بجعله من الامتيازات البحرية التي لها أولوية الاستيفاء؛ فضلاً عن عدم قابليته للحجز، وغير ذلك من الأحكام التي قررها حتى في حالة استلاف البحار على أجره.

> الامتيازات المقررة للأجر:

البحار كأي عامل يعتمد على أجرته التي يحصل عليها لتأمين معيشته، ولكونه لا يستطيع الارتباط بأي عمل آخر فلا بد من ضمانات تحمي أجره؛ وذلك عن طريق مجموعة من الامتيازات فرضها المشرع في سبيل تحقيق ذلك، فذهب إلى اعتبار ما يتعلق بأجره من النظام العام، فلا يجوز الاتفاق على ما يخالفه سواء مما يخص الأجرة أم جميع المبالغ التي يستحقها بمقابل عمله من مكافآت تعويضات وملحقاتها، الأمر الذي قد يقود إلى منازعات ربما تثار بشأن ذلك.

وعالج المشرع الأمر هنا بعرض مجموعة إجراءات لا بد من سلوكها، وتتمثل بعرض المسألة على الإدارة البحرية المختصة لتسوية المسألة سلمياً بين الأطراف المتنازعة، فإذا أخفقت الإدارة في مهمتها فلا بد من تنظيم محضر بالنزاع وذكر كل ملابسات القضية فيه؛ ثم تحويله بناء على طلب منها إلى القاضي المختص بذلك للفصل بالمسألة. وكل قضية تعرض على القضاء مباشرة بدل محاولة تسويتها أمام الإدارة المختصة يحكم عليها بالسقوط حتماً، ذلك أنه لا بد من التسوية أولاً ثم اللجوء إلى القضاء.

أ ـ اقتراض البحار:

يجوز للبحار الاستلاف على أجرته، وتدون كل سلفة يتقاضاها قبل السفر في دفتر البحارة، أما تلك التي يأخذها خلال الرحلة فتدون في دفتر اليومية مع إضافة توقيعه أو بصمة إصبعه للتأكد من قبضة تلك السلفة. وفي حال فسخ العقد بفعل البحار فإنه يلتزم بإعادة جميع السلف والعلاوات والدفعات للمجهز باستثناء تلك التي سلمت للزوجة والأولاد بموجب التفويض، فهي لا ترد لأنها قد خصصت لإعالتهم؛ وباعتبارها المصدر الوحيد لهم، ويعدّ هذا الحق من النظام العام ولا تجوز مخالفته حتى لو تم الاتفاق على ذلك، فالحال هنا يقتصر على المبالغ التي يأخذها الملاح لنفسه.

ب ـ صحة البحار وعلاجه:

قبل إبرام العقد لا بد من معاينة البحار عن طريق طبيب تنتدبه إدارة المرفأ بغية التحقق من خلوه من الأمراض الخطيرة؛ وقدرته الجسدية، ومن ثم منحه الإجازة الطبية التي تخوله العمل؛ وتدوين ذلك في دفتره الخاص.

على أنه في أثناء العمل قد يصاب بمرض أو جرح يتصل بمهنته فيلتزم المجهز هنا بمسألة علاجه باعتبار البحار عاجزاً عن القيام بذلك، فهو بعيد عن موطنه وذويه للاعتناء به. وقد ميز المشرع بين حالات الإصابة: فإذا كانت ناتجة من عمله فيتكفل رب العمل بعلاجه ويستحق أجره كاملاً في أثناء الرحلة مع التعويض إذا ترتب على ذلك عاهة مستديمة.

والأمر يختلف فيما إذا كان المرض أو الإصابة ناتجاً من فعل البحار نفسه بارتكابه عملاً من أعمال الشغب أو العصيان، أو كان المرض وراثياً. فالأصل ألا يتحمل المجهز نفقات علاجه، ولكن الظروف المحيطة تفرض عليه ذلك مع حقه بالرجوع عليه بتلك النفقات بخصمها من أجره.

والعناية الطبية بالبحار تشمل جميع النفقات التي تستدعيها حالته من أجور الأطباء والأدوية والإقامة في المستشفى، ولكنها تصبح غير واجبة إذا تبين أن المرض من النوع المستعصي علاجه، وتعد نفقات العلاج من الديون الممتازة بما أنها ناشئة من عقد استخدام الملاح حيث تحتل المرتبة الثانية كما ذكر سابقاً.

ج ـ تأمين الغذاء والمسكن المناسب:

نصت المادة (153) من قانون التجارة البحرية السوري بأنه: "يلتزم رب العمل أثناء السفر بغذاء البحار وإقامته في السفينة دون مقابل، وذلك وفقاً للقوانين والأنظمة الخاصة بذلك" فيتوجب عليه تقديم وجبات غذائية منتظمة وصالحة للاستهلاك البشري وضمن الحد المعقول، وذلك لإعالة البحار، ومن ناحية الإقامة فلا بد من تهيئة مكان يقيم فيه البحار خلال رحلته؛ على أن تتوافر فيه عناصر السكن المناسب من تهوية ونظافة، وذلك من دون بدل نقدي. والتزام المجهز هنا لا يقتصر على فترة قيام الرحلة بل يمتد ليشمل فترة إعادة الملاح إلى وطنه؛ إذ يقع على عاتق رب العمل توفير الغذاء والمسكن له حتى بلوغه موطنه، فضلاً عن تكاليف نقله، وذلك لعدم مقدرة الملاح على تحمل نفقات ذلك.

د ـ رد البحار إلى الوطن:

على المجهز إعادة البحار إلى موطنه بحسب الاتفاق المبين في العقد ومرد ذلك إلى عدة اعتبارات، فمن جهة لو أنه لم يلزم بذلك لكان تعسفاً بحق البحار؛ إذ إنه يتم تركه في بلد أجنبي يصعب التأقلم فيه؛ فضلاً عن عدم توافر المال اللازم لديه بعد انتهاء مهمته، فلا عمل لديه، وبالتالي يتعذر عليه العودة إلى الوطن.

ومن جهة أخرى يتبين أن المشرع حين ضمّن العقد شروطاً تفرض استخدام ملاحين من الجنسية السورية مع جواز الاستعانة بأجانب في حالات معينة وضمن حدود؛ إنما يهدف من وراء ذلك تشجيع الملاحة الوطنية مع الاستعانة بالخبراء من دول أخرى، فكان لا بد من ضمانات تعزز ذلك الهدف، وتضمن عودة الملاح إلى وطنه، فقرن المسألة هنا بالنظام العام فلا يجوز للملاح التنازل عن حقه هذا.

والمقصود برد البحار إلى وطنه؛ أي إعادته إلى المرفأ الذي تم استخدامه فيه، وليس موطنه الأصلي أو محل إقامته. ومثال ذلك: لو تعاقدت سفينة سورية في مرفأ طرطوس مع ملاح أجنبي؛ فالالتزام ينحصر برده إلى ذلك المرفأ وليس إلى موطنه الأصلي ما لم يتفق على غير ذلك؛ مع الالتزام بجميع النفقات التي تستلزم ذلك ـ سواء من حيث أجرة النقل أم مصروفات السكن والغذاء ـ حتى رده إلى وطنه.

والأصل أن المجهز يلتزم بإعادة البحار السوري إلى الجمهورية العربية السورية؛ وذلك إذا ما طرأ أمر ما خلال الرحلة فاضطر إلى إنزاله، كما لو أنه أصيب أو مرض في أثناء الخدمة وذلك بفعل عمله البحري، وبالمقابل قد يتم الاتفاق بين البحار السوري والمجهز في أحد الموانئ السورية أو الأجنبية، فللبحار الخيار هنا بإعادته إلى الميناء السوري أو الميناء الآخر الذي تم الاتفاق عليه.

أما البحار الأجنبي فقد يتم التعاقد بينه وبين المجهز بأن يعين الميناء الذي يجب إعادته إليه، أو قد ينص في العقد على وجوب إعادته إلى أحد الموانئ السورية، فالعبرة هنا للاتفاق.

ولكن يرد على هذه المبادئ مجموعة من الاستثناءات تناولتها المادة (157) من قانون التجارة البحرية السوري في فقرتها الأولى بأنه: "يلتزم رب العمل بإعادة البحار السوري إلى الجمهورية العربية السورية إذا حدث أثناء السفر ما يوجب إنزاله من السفينة، إلا إذا كان ذلك بناء على أمر من السلطات الأجنبية؛ أو بناء على اتفاق بين رب العمل والبحار".

فقد يجد المجهز إنزال البحار عن متن السفينة تنفيذاً لأوامر السلطات الأجنبية، والهدف من الإنزال التحقيق معه في جريمة ما يشتبه فيها بأنه مرتكبها، أو له علاقة بها، وربما يصاب البحار بجرح أو مرض لسبب خارج عن عمله، وكان من الصعب علاجه فلا بد من معالجته في مشفى مختص؛ فضلاً عن الاتفاق الذي قد يحصل بين رب العمل والبحار؛ فقد يعفيه من إعادته إلى موطنه ويحدد له مكاناً آخر.

وفي حال فسخ العقد بالتراضي ليس للمجهز إجبار البحار على العودة إلى موطنه، فالعلاقة العقدية بينهما قد انتهت بالفسخ، وبالتالي تحلل كل من الطرفين من التزاماتهما تجاه بعضهما.

سادساًـ انقضاء عقد العمل البحري:

ينقضي عقد العمل البحري بعدد من الأسباب منها:

1ـ انقضاء العقد بانتهاء مدته أو بإتمام الرحلة:

يبرم عقد العمل البحري مدة زمنية محددة، أو يحدد بانتهاء الرحلة، وينتهي العقد بحدوث ذلك، ولكن قد يحدث أن تنتهي المدة المحددة للعقد في أثناء الرحلة. لذلك نصت المادة (158) من قانون التجارة البحرية على أنه في هذه الحالة يمتد العقد بحكم القانون حتى وصول السفينة إلى أول ميناء سوري، وتراعى حينها أحكام المادة (149) سابقة الذكر فيما يتعلق بالأجور، ويفهم من ذلك أنه لا يجوز إجبار البحار على ترك السفينة فيما لو مرت أمام ميناء أجنبي؛ بل يشترط حدوث الإنزال في ميناء سوري.

ويلحظ أن المادة (158) لم تشترط إعادة البحار إلى الميناء المتفق عليه بالرغم من أن ذلك يندرج تحت نطاق التزامات المجهز، فالمسألة هنا أن العقد قد انتهى وبالتالي تنتهي معه جملة الالتزامات الملقاة على عاتق طرفيه؛ ومنها رد البحار إلى وطنه. وقد يحدث ومن باب المصادفة مرور السفينة قبل دخولها أحد الموانئ السورية بالميناء الذي اتفق عليه في العقد بأنه موطن البحار الذي يجب إعادته إليه، فهنا لا يمتد عقده إلا إلى وقت رسو السفينة في هذا الميناء.

2ـ طرد البحار:

يحق لرب العمل طرد البحار من عمله، ولم يحدد قانون التجارة البحرية الحالات التي تستوجب مثل هذا الطرد لذا ينبغي الرجوع إلى قانون العمل والذي يقضي بجواز فصل العامل في حالة ارتكابه خطأً جسيما. وجسامة الخطأ أمر يعود تقديره إلى القضاء حيث تقرر المحكمة التي تنظر في النزاع فيما إذا كان فعل البحار يعد خطأً جسيماً، وبالتالي يستوجب الطرد لكونه ينال من سلامة السفينة وأمنها، أو حتى سبب ضرراً فادحاً للغير.

ومن الملاحظ أن قانون التجارة البحرية قد تناول حالة من حالات الفصل من دون ذكر أسبابها؛ بل تطرق إلى الإجراءات الواجب اتباعها حينها، وذلك من خلال ما ورد في المادة (160) حيث إنه إذا فصل البحار فلا يحق للربان هنا إلزامه بترك السفينة إذا وقع ذلك في ميناء أجنبي، فحينها يجب الحصول على إذن خطي من القنصل السوري أو السلطة البحرية المختصة للميناء ذاته في حال عدم وجود القنصل، ولا بد من تثبيت قرار الفصل هذا وذكر يوم حدوثه؛ مع تعليل أسبابه في دفتر اليومية وإلا كان غير مشروع، على أنه في حال تم الفصل مع تعليل الأسباب وتبين فيما بعد أنها غير مشروعة كان للبحار تقاضي تعويض لقاء ذلك، على أنه لا بد من هذه التدابير خوفاً من إساءة استعمال الربان أو المجهز لسلطتهم وتعسفهم بحق البحار. ومن الطبيعي أن تبقى سلطات الربان قائمة على البحار على الرغم من فصله، فهي تشمل جميع الموجودين على السفينة، مع اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لحفظ الأمن والسلامة. والسبب في ذلك أنه قد لا يحصل المجهز أو الربان على إذن كتابي بإنزال البحار على الرغم من فصله، الأمر الذي يستتبع بقاء الأمور كما هي من حيث التزام المجهز بتغذيته وإيوائه.

3ـ وفاة البحار:

ينفسخ عقد العمل بوفاة البحار لأنه الركيزة الأساسية في العمل، حيث لا يجوز لأحد القيام بالعمل نيابة عنه فكان لابد من انقضاء العقد بوفاته.

وقد حدد قانون التجارة البحرية في مادته (156) كما ذكر سابقاً التعويضات والأجور التي يستحقها ورثته حسب طبيعة أجرته، فضلاً عن التزام رب العمل بنفقات دفنه وإيداع أجره في خزانة الإدارة المختصة خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ الوفاة.

4ـ تعذر السفر بفعل القوة القاهرة:

قد يعترض الرحلة البحرية سبب أجنبي يحول دون استمرارها وهو يعزى إلى قوة خارجية قاهرة فيترتب عليها عدم السفر أو مواصلته، وقد عالجت المادة (161) من قانون التجارة البحرية تلك الحالة وقررت استحقاق البحار أجره عن الأيام التي أدى فيها فعلاً خدماته، على أنه إذا تعذر بدء السفر فلم يقم البحار بأي عمل فإن العقد ينفسخ تلقائياً في حال انعقاده، ولا يستحق هذا الأخير أي أجر في هذه الحالة باعتبار أن السبب في ذلك خارج عن إرادة رب العمل وإلا تحمل كل منهما تبعة فعله.

5 ـ هلاك السفينة:

إذا هلكت السفينة التي يقوم البحار بالخدمة على متنها سواء بفعل المجهز أم العامل أم القوة القاهرة فلا يتحمل البحار تبعة الهلاك إلا إذا كان هو السبب في ذلك، وبالتالي ينقضي العقد. على أن المشرع قد رتب على هلاك السفينة إعفاء رب العمل من دفع أجور العمال ولكن بعد اللجوء إلى القضاء حيث يتعين عليه إثبات خطئهم أو تقصيرهم بالتزامهم، الأمر الذي نشأ منه الضرر. فقال: "إذا غرقت السفينة أو تمت مصادرتها أو فقدت أو أصبحت غير صالحة للملاحة؛ جاز للمحكمة أن تأمر بإعفاء رب العمل من دفع أجور البحارة كلها أو بعضها، إذا أثبت أن ما لحق السفينة من ضرر نشأ من فعلهم أو تقصيرهم في إنقاذ السفينة أو الحطام أو المسافرين أو الشحنة" المادة (162/ أ) من قانون التجارة البحرية.

على أنه ليس من الضروري بمكان أن يؤدي هلاك السفينة بفعل الملاحين أو الغير إلى انقضاء عقد العمل البحري، فيجوز لرب العمل إنهاء العقد من دون إنذار مسبق على السواء في أي حالة من حالات الهلاك المذكورة مع استحقاق الملاح أجره إذا لم يكن مسؤولاً عنها.

6ـ فسخ العقد:

ممكن أن يبرم عقد العمل البحري مدة محددة أو على أساس رحلة واحدة، وهنا لا بد من الالتزام به حتى انتهاء الرحلة أو انقضاء المدة المحددة للعقد. وقد يكون العقد مبرماً مدة غير محددة، ففي هذه الحالة أجاز المشرع للطرفين فسخ العقد وفق القواعد القانونية العامة المقررة له. وفي حال رغب رب العمل في فسخ العقد فيلتزم بإخطار الملاح بذلك خلال مدة لا تقل عن خمسة عشر يوماً، وقد نصت على ذلك المادة (160/2) من قانون التجارة البحرية: "إذا كان العقد قد أبرم لمدة غير محددة، وفي حال رغب رب العمل فسخ العقد يلتزم بإخطار البحار بذلك خلال مدة لا تقل عن خمسة عشر يوماً". ومن ثم معرفة حقوقه والتزاماته التي ستترتب على ضوء ذلك، وحماية لأي طرف من التعسف في استعمال هذا الحق والفسخ من دون سابق إنذار، مع استحقاق الطرف الآخر التعويض عن الضرر الذي قد يلحقه من جراء ذلك.

ويرد على هذا الأصل استثناء يجوز فيه لرب العمل إنهاء العقد دون سابق إنذار، وقد تناولت هذه الحالة المادة (162/2) من قانون التجارة البحرية كما أشير إليها سابقاً، فأجازت له مسبقاً فسخ العقد من دون إنذار إذا ما طرأت أي حالة من حالات الهلاك المنصوص عليها من دون أن يكون لإرادته أو للبحار أي دخل في أي منها مع تقاضي البحار أجره عن الأيام التي خدم فيها فعلاً. مع الإشارة أنه لا يحق للبحار المطالبة بأي تعويض هنا أو مكافأة وإن فسخ رب العمل العقد على نحو مفاجئ، على أن المشرع سكت في حالات الفسخ عن التزام هذه الأخير بإعادة البحار إلى الميناء المتفق عليه، فمن البديهي أن يبقى الالتزام على عاتقه فليس من المعقول فسخ العقد وتركه في وسط البحر أو في بلد أجنبي.

سابعاً ـ تسوية المنازعات الناشئة من عقد العمل:

قد تقوم بعض المنازعات بعد انتهاء العقد باعتباره من العقود الملزمة للجانبين:

1ـ فض المنازعات بين المجهز والطاقم:

في حال نشوب نزاع ما بين طاقم السفينة أو ربما بين المجهز وأحد ممن على متن السفينة؛ فقد أوجب المشرع السوري تسوية النزاع بين الطرفين أولاً، وذلك بعرضه على السلطة البحرية المختصة بشؤون الملاحة في مربط السفينة أو ميناء التفريغ، فإذا لم تتمكن تلك السلطة من حل الخلاف؛ فلها أن تنظم محضراً بذلك تذكر فيه أسباب الخلاف ومسوغاته وتطلب تحويله إلى المحكمة المختصة للفصل فيه. وقد كان المشرع حازماً بتلك الإجراءات فلا تقبل أي دعوى أمام القضاء إذا لم تتم محاولة تسويتها بالصلح أولاً بين الطرفين.

2ـ تقادم الدعاوى الناشئة من العقد:

تنص المادة (163) من قانون التجارة البحرية على أنه: "تنقضي جميع الدعاوى الناشئة عن عقد العمل البحري بمضي سنة من تاريخ انتهاء العقد".

فجعل المشرع مدة التقادم قصيرة تسري عليها أحكام الوقف والانقطاع طبقاً للقواعد العامة، وتسري على جميع الدعاوى الناشئة من عقد العمل البحري سواء التي يرفعها البحار على رب العمل أم العكس.

وكان لا بد من هذا التقادم الخاص لوجوب مراعاة المصلحة العامة وتصفية المراكز القانونية لكل من رب العمل والعامل، على السواء الأمر الذي يتطلب السرعة.

ومدة السريان هنا هي سنة مع مراعاة فيما إذا امتد العقد إلى فترة ما، سواء في أثناء انتهاء مدته والرحلة لم تنته بعد أم لم تحقق الغاية منها.

فحق البحار بالأجر ينقضي بانتهاء سنة من تاريخ العقد مع اختلاف وقت سريان هذه المدة بحسب طبيعة الأجر وكيفية استيفائه، فإذا هلكت السفينة فإن مدة التقادم هنا تسري بإنهاء العقد، لذلك يتم الرجوع إلى مرفأ تسجيل السفينة لمعرفة ذلك، وإذا كان العقد محدداً على أساس الرحلة فتبدأ مهلة السنة بانتهائها. وباعتبار أن الأصل هو حق البحار بأجرته فتقدم قرينة هنا بأنه في حال سريان هذه المدة وانقضائها من دون مطالبة هذا الأخير بحقه، فذلك دليل على عدم وجود الحق أصلاً وخاصة أنه بحاجة إليه، فكان لا بد من تحديد مدة معينة للمطالبة على وجه السرعة بعد انتهاء العقد.

   

 

 


التصنيف : القانون التجاري
النوع : القانون التجاري
المجلد: المجلد الخامس: طرق الطعن في الأحكام الإدارية ــ علم العقاب
رقم الصفحة ضمن المجلد : 278
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 580
الكل : 31296062
اليوم : 44250