logo

logo

logo

logo

logo

عقد القرض

عقد قرض

loan contract - contrat d'emprunt

 عقد القرض

عقد القرض

محمد سامر قطان

مفهوم عقد القرض

أركان عقد القرض

آثار عقد القرض

 

أولاًـ مفهوم عقد القرض:

1ـ تعريف القرض:

أ ـ لغةً: القَرْضُ هو "القَطْعُ. قََرَضَه يَقْرِضُه، بالكسر، قَرْضاً وقرّضَه: قطَعه"، فالمقرض يقطع شيئاً من ماله يعطيه للمقترض.

ب ـ اصطلاحاً: يُعرّف الفقه القرض بأنه "عقد يدفع شخص بموجبه لآخر عيناً مثلية قابلة للاستهلاك على أن يرد له مثلها خلال مدة معينة". ويُعرّفه المشرع السوري، في المادة (506) من القانون المدني، بقوله: "القرض عقد يلتزم به المقرض أن ينقل إلى المقترض ملكية مبلغ من النقود أو أي شيء مثلي آخر. على أن يرد إليه المقترض عند نهاية القرض شيئاً مثله في مقداره ونوعه وصفته". وهو تعريف مستمد في أصله من المادة (538) من القانون المدني المصري.

2ـ خصائص عقد القرض:

يستخلص من تعريف المشرع للقرض، الوارد أعلاه، أنه يختص بالخصائص الآتية:

أ ـ القرض عقد رضائي: كان القرض قديماً، يُعد من العقود العينية، فلم يكن يتم إلا بتسليم المال المقترَض إلى المقترِض. وكان المشرع الفرنسي قد استمد هذه القاعدة من القانون الروماني، ثم تأثر بها الكثير من القوانين التي أخذت، العديد من أحكامها عن القانون المدني الفرنسي. وفيما بعد، أصبح القرض، في أغلب القوانين، عقداً رضائياً يكفي لانعقاده توافق إيجاب الطرف المقرض وقبول الطرف المقترِض، ولو لم يقترن ذلك بنقل ملكية المال المقترَض وتسليمه فعلاً إلى المقترِض. لأن نقل الملكية والتسليم ما هما إلا التزامان من الالتزامات التي ينشئها عقد القرض في ذمة المقرض، فليسا من أركان عقد القرض ذاته، والى هذا أشارت، بكل وضوح، المذكرة الإيضاحية للقانون المدني المصري الذي هو أصل مباشر لأكثر مواد وأحكام القانون المدني السوري.

ب ـ القرض عقد ملزم للجانبين: فهو ينشىء التزامات متقابلة على عاتق كل من طرفيه، كالتزام المقرض بنقل ملكية الشيء المقترَض وبتسليمه إلى المقترِض… والتزام المقترِض برد مثل الشيء الذي اقترضه، عند انتهاء مدة القرض، إضافة إلى الفوائد إذا كانت مشروطة في العقد.

ج ـ القرض عقد تبرع في الأصل: فالمقترِض لا يؤدي في نهاية مدة القرض إلا مثل ما اقترضه، في المقدار والنوع والصفة من دون أي مقابل أو فوائد، ما لم يتفق الطرفان على غير ذلك. لكن إذا ما اشترط دفع فوائد معينة في مقابل القرض، يُصبح عقد القرض عندئذٍ من عقود المعاوضة لا من عقود التبرع، وفي هذا الصدد، تقول المادة (510) من القانون المدني أن "على المقترض أن يدفع الفوائد المتفق عليها عند حلول مواعيد استحقاقها، فإذا لم يكن هناك اتفاق على فوائد اعتبر القرض بغير أجر". فكل قرض لم يتفق فيه على فوائد هو، من حيث المبدأ، قرض بلا مقابل. 

3ـ تمييز عقد القرض مما يشبهه به من العقود:

أ ـ عقد القرض وعقد الهبة: يتميز القرض من الهبة، بأن المقرض ينقل إلى المقترِض ملكية الشيء المقترَض، على أن يسترد مثله عند انتهاء مدة القرض. في حين أن الواهب ينقل ملكية الشيء الموهوب إلى الموهوب له، من دون أن يسترده أو يسترد مثله. مع ذلك، يتشابه القرض بلا فائدة والهبة في أن كلاً منهما يُعد عقداً من عقود التبرع. 

ب ـ عقد القرض وعقد الإيجار: يتميز القرض من الإيجار، بأن المقرض يلتزم بنقل ملكية الشيء المقترَض إلى المقترِض، أما المؤجر فيلتزم بتمكين المستأجر من الانتفاع بالمأجور فقط من دون أن ينقل له ملكيته. مع ذلك، قد يتشابه القرض بفائدة والإيجار من الناحية الاقتصادية، فصاحب المال في العقدين (المقرض أو المؤجر) يقدم ماله لينتفع به الغير (المقترِض أو المستأجر)  بمقابل، ولهذا يسمى المقرض أحياناً "مؤجر النقود".

ج ـ عقد القرض عقد البيع: يتميز القرض من البيع، بأن المقرض ينقل ملكية الشيء المقترَض بفائدة أو بلا فائدة على أن يسترد في نهاية مدة العقد مثله، أما في البيع فالبائع ينقل ملكية الشيء المبيع مقابل ثمن نقدي من دون أن يكون له حق استرداده، وإذا ما حصل خلاف في طبيعة عقد من العقود، ما إذا كان قرضاً أو بيعاً فإن محكمة الموضوع، وفق ما قررته محكمة النقض المصرية، هي التي تستخلص نية العاقدين لمعرفة ما إذا انصرفت إلى القرض أو إلى البيع من خلال القرائن والتحقيقات.

د ـ عقد القرض وعقد الشركة: يتميز القرض من الشركة، بأن المقرض يسترد مثل الشيء المقترَض في نهاية مدة العقد، من دون أن يكون له شأن فيما إذا كان المقترِض قد ربح أو خسر من خلال استغلاله للقرض، أما في الشركة، فالشريك يساهم في الربح وفي الخسارة.

هـ ـ عقد القرض وعقد الوديعة: يتميز القرض من الوديعة، بأن المقرض ينقل ملكية الشيء المقترَض إلى المقترِض الذي يتوجب عليه رد مثله عند نهاية مدة القرض، أما في الوديعة فلا تنقل ملكية الشيء المودع إلى المودَع لديه، بل يبقى هذا الشيء جارياً بملكية المودِع الذي يسترده بالذات. فضلاً عن أن المودَع لديه لا ينتفع بالشيء المودع، بل يُلزم بحفظه حتى يرده إلى صاحبه، على خلاف المقترِض الذي له أن ينتفع بالقرض طوال مدة العقد. مع ذلك، إذا كانت الوديعة مبلغاً من النقود، أو أي شيء آخر مما يهلك بالاستعمال، وكان المودع قد أذن للوديع في استعماله، وهو ما يطلق عليه الفقه "الوديعة الناقصة"، فقد عدّ المشرع مثل هذا العقد قرضاً (المادة 692 من القانون المدني).

و ـ عقد القرض وعقد العارية: يتميز القرض من العارية، بأن المقرض ينقل ملكية شيء مثلي للمقترِض على أن يسترد مثله عند نهاية مدة العقد، ومن ثم كان القرض من العقود التي تقع على حق الملكية. أما في العارية، فالمعير لا ينقل ملكية الشيء المعار إلى المستعير، بل يسلمه إياه لينتفع به على أن يرده بعينه عند نهاية مدة العقد، ومن ثم كانت العارية من العقود التي تقع على حق الانتفاع. ومحل القرض يكون دوماً شيئاً من المثليات، والمقترِض يلتزم برد مثله في مقداره ونوعه وصفته. في حين أن محل العارية يكون دوماً شيئاً من القيميات، والمستعير يلتزم برده بعينه لا بمثله.

ثانياًـ أركان عقد القرض:

للقرض، ككل عقد، أركان ثلاثة هي: الرضا والمحل والسبب.

ا ـ الرضا في عقد القرض:

يُميّز الفقه بين شروط انعقاد التراضي على العقد وبين شروط صحة هذا التراضي، وعليه لا يكون الرضا في القرض صحيحاً إلا إذا توافرت فيه شروط الانعقاد وشروط الصحة التي يتطلبها القانون في سائر العقود. 

أ ـ شروط الانعقاد: وتتجلى في:

(1) توافق الإيجاب والقبول: يُعد القرض، كما تقدم، من العقود الرضائية، فهو ينعقد بمجرد توافق الإيجاب والقبول من المقرض والمقترض. فتراضي الطرفين كافٍ لانعقاد القرض. وتسري على وجود الرضا والتعبير عنه وسلامته وخلوه من العيوب التي قد تفسده، (كالغلط والتدليس والإكراه والغبن الاستغلالي) الأحكامُ العامةُ المقررة في هذا الصدد في نظرية العقد (المواد من 92 إلى 131 من القانون المدني).

(2) صور خاصة للقرض: إضافة إلى القروض العادية والمألوفة في المجتمع، كالقروض التجارية أو العقارية أو الزراعية التي تمنحها عادةً البنوك أو المصارف أو غيرها، هناك صور خاصة أخرى تتخذها بعض القروض، كإصدار سندات من الشركات أو المؤسسات أو المصارف… أو من أي من الأشخاص الاعتبارية العامة. والذين يكتتبون على مثل هذه القروض، يُعدّون مقرضين للشخص الاعتباري بقيمة ما اكتتبوا به، أما الشخص الاعتباري فيُعد هو المقترض. وكذلك، يُعد قرضاً مجرد إيداع مبلغ من النقود لدى أي من البنوك أو المصارف، والمودع يكون هو المقرض، والبنك أو المصرف يكون هو المقترض. وكذلك، يُعد قرضاً الاعتماد الذي يمنحه المصرف أو البنك إلى أي عميل من عملائه، فالمصرف أو البنك يكون هو المقرض، والعميل يكون هو المقترض.

(3) الإثبات في القرض: يخضع إثبات القرض للقواعد العامة في الإثبات، المنصوص عليها في قانون البيّنات رقم /359/ تاريخ 10/6/1947. وبموجبها، لا يجوز إثبات القرض (أو البراءة منه)، إذا زادت قيمته على خمسمئة ليرة سورية، إلا بالكتابة (المادة 54 من قانون البينات) أو بما يقوم مقامها، كالإقرار واليمين الحاسمة. ومع ذلك، يجوز إثبات القرض، أو البراءة منه، بشهادة الشهود ولو زادت قيمته على خمسمئة ليرة سورية إذا وجد مبدأ ثبوت بالكتابة (المادة 56 من قانون البينات)، أو وجد مانع مادي أو أدبي حال دون الحصول على دليل كتابي (المادة 57 من قانون البينات)، أو كان القرض تجارياً. وقد اعتبرت محكمة النقض المصرية القروض، التي تعقدها المصارف والبنوك في نطاق نشاطها، عملاً تجارياً مهما كانت صفة المقترض وأياً كان الغرض الذي خصص له القرض.

ب ـ شروط الصحة (الأهلية في عقد القرض): لم ينص المشرع على أحكام خاصة بالأهلية في عقد القرض، مما يقتضي الرجوع إلى القواعد العامة المطبقة في هذا الصدد، والمنصوص عليها في القانون المدني وقانون الأحوال الشخصية. وعليه، يجب التمييز بين أهلية المقرض وأهلية المقترِض؛ فالمقرض ينقل ملكية الشيء المقترَض إلى المقترِض، فيجب أن تتوافر فيه أهلية التصرف إذا كان القرض بفائدة، أما إذا كان القرض بلا فائدة فهو تبرع، ومن ثم يجب أن تتوافر في المقرض أهلية التبرع، فإذا ما أقرض ناقص الأهلية الغير بلا فائدة، كان قرضه باطلاً، لأن تصرفه هذا ضار به ضرراً محضاً، أما إذا أقرض الغير بفائدة فإن قرضه يكون، في هذه الحالة، قابلاً للإبطال لمصلحته، لأن تصرفه هذا يكون دائراً بين النفع والضرر (المادة 57 من القانون المدني). وتجدر الملاحظة أنه لا يحق للنائب عن الشخص ناقص الأهلية، ولياً كان أو وصياً أو قيماً، إقراض مال القاصر إلا بإذن من المحكمة المختصة. أما المقترِض، فيجب أن تتوافر فيه أيضاً أهلية التصرف، سواء أكان القرض بفائدة أم بلا فائدة، لأن عقد القرض يرتب على عاتقه التزاماً برد مثل المال المقترض، مع الفوائد أو من دونها حسب الحال.

2ـ المحل في عقد القرض:

يقصد بمحل عقد القرض الشيء المقترَض إذا كان القرض بلا فائدة، والشيء المقترَض مع الفوائد إذا كان القرض بفائدة.

أ ـ الشيء المقترض: اشترط المشرع صراحةً أن يكون الشيء المقترَض من المثليات حصراً، فقد قضت المادة (506) من القانون المدني، المتقدم ذكرها، بأن "القرض عقد يلتزم به المقرض أن ينقل إلى المقترض ملكية مبلغ من النقود أو أي شيء مثلي آخر…". والجدير بالذكر أن الأشياء المثلية، كما عرّفتها المادة (88) من القانون المدني "هي التي يقوم بعضها مقام بعض عند الوفاء، والتي تقدر عادة في التعامل بين الناس بالعدد، أو المقاس، أو الكيل، أو الوزن"، كالنقود والغلال والحبوب والمزروعات… ومن ثم لا قرض بالأشياء القيمية، أي بتلك التي لا يقوم بعضها مقام بعض عند الوفاء. وهذا أمر طبيعي في عقد القرض، لأن المقترِض يتملك الشيء محل القرض على أن يرد مثله في نهاية مدة القرض، ولا يمكن رد المثل إلا في المثليات. وتقضي المبادئ العامة، أن يكون الشيء محل عقد القرض موجوداً، معيناً أو قابلاً للتعيين، وغير مخالفٍ للنظام العام أو الآداب العامة. وهذه شروط من السهل توافرها إذا كان محل القرض مبلغاً من النقود وحُدد مقداره، أما إذا كان محل القرض شيئاً مثلياً آخر من غير النقود، ككمية من القمح مثلاً، فيجب عندئذٍ أن تكون هذه الكمية موجودة ومقدارها معلوماً حتى يتمكن المقترِض من رد مثلها عند انتهاء مدة القرض. ويجب ألا يكون الشيء محل القرض ممنوعاً بالقانون، كالمخدرات مثلاً، وإلا كان القرض باطلاً لأن محله، في هذه الحالة، يكون مخالفاً للنظام العام. 

ب ـ فوائد القرض: الأصل، كما تقدم، أن يكون القرض بغير أجر، إلا إذا اتفق طرفاه على غير ذلك (المادة 510 من القانون المدني). وعليه، لا تجب إذاً الفوائد في القرض ما لم يتفق المقرض مع المقترض على أن يكون القرض بفوائد. ويخضع إثبات مثل هذا الاتفاق إلى القواعد العامة في الإثبات.

3ـ السبب في عقد القرض:

السبب في القرض، وفق النظرية الحديثة في السبب، هو الباعث الدافع إلى التعاقد، ولما كان القرض من العقود الملزمة للجانبين، فيُعد سبب التزام كل طرف هو التزام الطرف الآخر، فالتزام المقترِض برد مثل الشيء المقترَض هو سبب التزام المقرض بنقل ملكية هذا الشيء إليه، والعكس صحيح. وتسري على السبب في عقد القرض، أيضاً، الأحكام العامة المنصوص عليها في نظرية الالتزام (المواد 137و138و139 من القانون المدني). وعليه، يكون القرض باطلاً إذا كان الباعث إلى التعاقد عليه مخالفاً للنظام العام أو الآداب العامة، كما لو كان، هذا الباعث مثلاً، تمكين المقترض من المقامرة.

ثالثاً ـ آثار عقد القرض:

يُنشئ عقد القرض، باعتباره عقداً رضائياً ملزماً للجانبين، كما تقدم، التزاماتٍ في جانب المقرض والتزامات في جانب المقترِض.

 1ـ التزامات المقرض:

المقرض في عقد القرض، كالبائع في عقد البيع، يلتزم، من حيث المبدأ، بنقل ملكية الشيء محل القرض إلى المقترِض وبتسليمه إياه، وبضمان الاستحقاق، وبضمان العيوب، وهي التزامات تتولد عادة من سائر العقود الناقلة للملكية، كالبيع والهبة والمقايضة.

أ ـ الالتزام بنقل ملكية الشيء المقترَض: قضى المشرع صراحة بأن "القرض عقد يلتزم به المقرض أن ينقل إلى المقترض ملكية مبلغ من النقود أو أي شيء مثلي آخر" (المادة 506 من القانون المدني). وعلى ذلك، فمحل عقد القرض إما أن يكون مبلغاً من النقود أو أي شيء آخر من المثليات. فإذا كان محل العقد مبلغاً من النقود، وهو الأعم الغالب، فيكون الالتزام هنا هو التزام بنقل ملكية وارد على هذا المبلغ من النقود، ومن ثم يصبح المقترِض، بمجرد إبرام العقد، دائناً للمقرض بهذا المبلغ، فإذا ما امتنع المقرض عن نقل ملكيته للمقترِض، جاز لهذا الأخير أن يطالبه بتنفيذ التزامه قضاءً، شأنه في ذلك شأن أي دائن آخر. أما إذا كان محل العقد شيئاً من المثليات من غير النقود، وهو أمر نادر الوقوع عملياً، كأن يكون كمية معينة من القمح أو من الزيت مثلاً… فيكون التزام المقرض هنا هو التزام بنقل ملكية هذه الكمية إلى المقترض، وتسري حينئذٍ الأحكام العامة على تنفيذ هذا الالتزام، فإذا كان الشيء محل عقد القرض لم يعين إلا بنوعه، فلا تنتقل ملكيته إلا بإفرازه (المادة 206/1 من القانون المدني)، وإذا لم يقم المدين بتنفيذ التزامه، جاز للدائن أن يحصل على شيء من النوع ذاته على نفقة المدين المقرض، وذلك بعد استئذان القاضي، أو حتى من دون استئذانه في حالة الاستعجال، كما يجوز له أن يطالب المقرض بقيمة هذا الشيء (المادة 206/2 من القانون المدني).

ب ـ الالتزام بتسليم الشيء المقترَض: أوجب المشرع على المقرض أن يسلم الشيء موضوع عقد القرض إلى المقترِض، ومنع عليه أن يطالبه برد مثله قبل انتهاء مدة القرض (المادة 507/1 من القانون المدني). وتسري على تسليم الشيء محل القرض، بوجه عام، الأحكام العامة الناظمة لآثار الالتزام (المادة 200 وما بعد من القانون المدني)، فإذا ما أخل المقرض بالتزامه بالتسليم مثلاً، جاز للمقترض أن يطالبه قضاءً بالتنفيذ عيناً. كما تطبق، في هذا الصدد، الأحكام التي تتعلق بالتزام البائع بتسليم الشيء المبيع (المادة 403 وما بعد من القانون المدني )، فالتسليم، يتم عادةً بوضع الشيء محل القرض تحت تصرف المقترض، بحيث يتمكن من حيازته والانتفاع به من دون عوائق، ولو لم يستول عليه استيلاءً مادياً. ويتم ذلك عادةً في الزمان والمكان المعينين باتفاق الطرفين، وإلا طبقت بشأن ذلك الأحكام العامة. وإذا ما أعسر المقترِض بعد انعقاد القرض وقبل تَسلمه الشيء محل العقد، فلا يلزم المقرض حينئذٍ بتسليمه إياه، وإذا أعسر بعد تَسلمه لهذا الشيء وجب عليه رده في الحال، ذلك لأن أجل القرض يسقط بإعسار المقترض. وكذلك الأمر، في حال التزم المقترِض بتقديم كفالة أو رهن لضمان القرض ولم يفعل، فلا يلزم المقرض حينئذٍ بتسليمه الشيء المقترَض.

ج ـ الالتزام بعدم المطالبة برد المثل قبل انتهاء مدة القرض: وهذا التزام سلبي فرضه المشرع على المقرض، وبموجبه لا يحق للمقرض مطالبة المقترِض برد مثل الشيء محل عقد القرض إلا عند انتهاء مدته (المادة 507/1 من القانون المدني). لكن إذا كان القرض بفائدة وامتنع المقترِض عن دفع ما استحق منها، ففي مثل هذه الحال يجوز للمقرض مطالبته برد مثل الشيء المقترَض قبل انتهاء مدة القرض، وذلك لأن إخلال المقترِض بالتزامه بدفع الفوائد المتفق عليها في مواعيد استحقاقها، يجيز للمقرض طلب فسخ عقد القرض، والتحلل من التزامه بعدم المطالبة برد مثل الشيء محل عقد القرض قبل انتهاء مدته، ومن ثم يستطيع المقرض استرداد قرضه بمجرد الفسخ، وفقاً لما تقضي به الأحكام العامة الناظمة لمسألة انحلال العقد.

د ـ تبعة هلاك الشيء المقترَض: جعل المشرع تبعة الهلاك على عاتق المتعاقد المقرض في حال هلك الشيء محل القرض قبل تسليمه للمقترِض (المادة 507/2 من القانون المدني)، أما إذا هلك الشيء بعد التسليم، فبمفهوم المخالفة، تكون تبعته على عاتق المقترِض.

هـ ـ ضمان الاستحقاق: يميّز المشرع ـ فيما يتعلق بضمان الاستحقاقـ القرضَ بأجر، كما لو كان بفوائد، من القرض بغير أجر، فإذا استحق الشيء وكان القرض بأجر سرت عليه أحكام البيع، أما إذا كان القرض بغير أجر فتسري عليه أحكام العارية (المادة 508 من القانون المدني). وعلى ذلك، يلتزم المقرض بضمان استحقاق الشيء محل القرض في حال كان القرض بأجر (المادة 407 وما بعد من القانون المدني)، أما إذا كان القرض بغير أجر، فلا ضمان على المقرض في استحقاق الشيء المقترَض، إلا إذا كان هناك اتفاق على الضمان أو كان المقرض قد تعمد إخفاء سبب الاستحقاق (المادة 604/1 من القانون المدني). وتجدر الملاحظة أن أحكام ضمان الاستحقاق لا تسري إذا كان محل القرض مبلغاً من النقود، لأن النقود لا تستحق.

و ـ ضمان العيوب الخفية: كذلك، يميّز المشرع، فيما يتعلق بضمان العيوب الخفية، القرضَ بغير أجر من القرض بأجر. فإذا كان القرض بغير أجر، وظهر في الشيء عيب خفي واختار المقتـرِض استبقاء الشيء، فلا يلزمه أن يرد، في هذه الحال، إلا قيمة الشيء المقترَض معيباً (المادة 509/1 من القانون المدني).

أما إذا كان المقرض قد تعمّد إخفاء العيب، سواء أكان القرض بأجر أم بغير أجر، فيجوز للمقترِض، في هذه الحال، مطالبة المقرض إما بإصلاح الضرر وفقاً لما نص عليه القانون، وإما باستبدال شيء مثله سليم بالشيء المعيب (المادة 509/2 من القانون المدني).

2ـ التزامات المقترِض:

كذلك، يرتب عقد القرض على عاتق المقترِض مجموعة من الالتزامات تتلخص في تحمل مصروفات القرض، ودفع الفوائد المتفق عليها، ورد مثل الشيء المقترَض عند نهاية مدة العقد.

أ ـ الالتزام بتحمل نفقات القرض: قياساً على نفقات البيع، يلتزم المقترِض بتحمل نفقات القرض كافة، كأتعاب تحرير العقد، ورسم الطابع المالي، ونفقات الرهن الذي يضمن وفاءه (إن وجد)، ونفقات تسليم ورد الشيء موضوع العقد، وغير ذلك من النفقات التي قد تترتب على إنجاز القرض، وذلك كله ما لم يتفق الطرفان على خلافه (المادة 430 من القانون المدني).

ب ـ الالتزام بدفع الفوائد: الأصل في القرض أن يكون بدون فائدة، كما تقدم، ما لم يتفق الطرفان، المقرض والمقترض، على خلاف ذلك. فإذا ما اتفق الطرفان على دفع فوائد في مقابل القرض وتم تحديد معدلها، سرى هذا الاتفاق بشرط ألا يتجاوز المعدل المتفق عليه الحد المسموح به قانوناً، وهو تسعة بالمئة، فإذا اتفقا على فوائد تزيد على هذا المعدل، وجب عندئذ تخفيضها إلى تسعة بالمئة، ويتعين رد ما يكون قد دفعه المقترِض زيادةً على هذا المقدار (المادة 228/1 من القانون المدني).

أما إذا لم يتفق الطرفان على معدل للفائدة، فعلى المقترِض أن يدفعها حينئذٍ بالمعدل القانوني، أي أربعة بالمئة في القروض المدنية وخمسة بالمئة في القروض التجارية (المادة 227 من القانون المدني). والأصل أن تستحق الفوائد على القرض، في حال اشتراطها، من اليوم الذي يتَسلم فيه المقترِض مبلغ القرض، وينتهي سريانها في اليوم الذي ينتهي فيه القرض. ويجب أن تدفع الفوائد في المواعيد والأمكنة التي يتفق عليها الطرفان، وإلا طبقت بشأنها القواعد العامة. أما إذا تأخر المقترِض في رد مبلغ القرض، فلا يوجد ما يمنع من فرض فوائد على التأخير في رد القرض، حتى لو لم يلحق الدائن أي ضرر من هذا التأخير (المادة 229 من القانون المدني)، ويكون ذلك بالمعدل القانوني، أي أربعة بالمئة إذا كان القرض مدنياً وخمسة بالمئة إذا كان تجارياً، وتسري هذه الفوائد من تاريخ المطالبة القضائية بها، ما لم يحدد الاتفاق، أو العرف التجاري (في القروض التجارية)، تاريخاً آخر لسريانها، ووفق الشروط المبينة في القانون. وإذا لم يدفع المقترِض فوائد القرض في مواعيد استحقاقها، جاز للمقرض، كما تقدم بيانه، إجباره على دفعها بالوسائل المقررة قانوناً، وله أيضاً أن يطلب فسخ العقد وفقاً للقواعد العامة.

ج ـ الالتزام برد مثل القرض: أوجب المشرع على المقترِض أن يرد إلى المقرض، عند نهاية مدة القرض، مثل الشيء الذي اقترضه في المقدار والنوع والصفة (المادة 506 من القانون المدني). فإذا كان محل القرض مبلغاً محدداً من النقود، التزم المقترِض برد مقدار من النقود يعادل بالعدد تماماً ما اقترضه، من دون أن يكون لارتفاع قيمة النقد أو انخفاضها أي أثر. وإذا كان الشيء المقترض من الأشياء المثلية من غير النقود، ككمية محددة من القمح أو الزيت… وجب على المقترض أن يرد كمية مماثلة لها في مقدارها ونوعها وصفتها، ولا عبرة أيضاً لتقلبات الأسعار، بمعنى أن المقترض يبقى ملتزماً برد مثل ما اقترض ولو غلا أو رخص سعره. ويتم رد الشيء المقترض في الزمان والمكان المتفق عليهما بين الطرفين، وفي حال عدم وجود مثل هذا الاتفاق، تطبق بهذا الشأن القواعد العامة. وينتهي القرض، من حيث المبدأ بانتهاء الميعاد المتفق عليه بين الطرفين (المادة 511 من القانون المدني). ولكن إذا كان القرض بفائدة، أجاز المشرع للمقترِض، في حال انقضت ستة أشهر على القرض، أن يعلن رغبته في إلغاء العقد ورد ما اقترضه إلى المقرض، على أن يتم الرد في أجل لا يجاوز ستة أشهر من تاريخ إعلانه عن رغبته. وفي هذه الحالة يلتزم المقترض بأداء جميع الفوائد المستحقة عن الأشهر الستة التالية للإعلان. ولا يجوز بأي حال من الأحوال إلزام المقترِض بأن يؤدي أي فوائد، أو مقابلاً من أي نوع كان، بسبب تعجيله وفاء القرض. كما لا يجوز الاتفاق على إسقاط حق المقترِض في الرد ولا الحد منه (المادة 512 من القانون المدني). وتجدر الإشارة أخيراً إلى أنه في الحالة التي لم يحدد فيها الطرفان الوقت الذي ينتهي فيه القرض، يصار إلى تطبيق القواعد العامة بشأنه.

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ عبد الرزاق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني (6)، المجلد الثاني (دار إحياء التراث العربي، بيروت 1986).

ـ موسوعة القضاء المدني، محمد أديب الحسيني، الجزء الأول (دار اليقظة العربية، الطبعة الأولى، 2002).

ـ شفيق طعمة، التقنين المدني السوري، الجزء 7  (استانبولي، الطبعة الأولى، 1986).


التصنيف : القانون الخاص
النوع : القانون الخاص
المجلد: المجلد الخامس: طرق الطعن في الأحكام الإدارية ــ علم العقاب
رقم الصفحة ضمن المجلد : 471
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 612
الكل : 31229711
اليوم : 54868