logo

logo

logo

logo

logo

عقد المرتب مدى الحياة

عقد مرتب مدي حياه

salary contract for life - salaire à vie

 عقد المرتب مدى الحياة

عقد المرتب مدى الحياة

محمود جلال

تعريف المرتب مدى الحياة، ومصدره

نقاط الالتقاء ونقاط الافتراق بين الدخل الدائم والمرتب مدى الحياة

تكوين عقد المرتب مدى الحياة

آثار المرتب مدى الحياة

 

تعقد الدولة أحياناً قروضاً مع الشعب، فتصدر أسناداً بقيم معينة وبفوائد محددة، تدفع هذه الفوائد للمقرضين على شكل دخل دائم يكون من مجموع الفوائد المتفق عليها في عقد القرض، والتي لا تتعدى الحد الأقصى لسعر الفائدة. فالفائدة التي تعطى للمقرض تكون محسوبة بالنسبة إلى رأس المال. ولا يقتصر المرتب الدائم على القروض؛ إذ ليس هو الصورة الوحيدة له؛ بل يصح أن يكون من عقود المعاوضة، فقد يبيع شخص عقاراً بثمن يكون دخلاً دائماً له، يقوم المدين بدفع المرتب، وهو لا ينقضي بموت المدين، هذا هو ما يسمى بالدخل الدائم. وهناك نوع آخر من الدخل يسمى المرتب مدى الحياة، فما هو هذا المرتب؟ وما هو الفرق بينه وبين الدخل الدائم؟

أولاًـ تعريف المرتب مدى الحياة، ومصدره:

1ـ تعريف المرتب مدى الحياة: تقضي المادة (707) مدني سوري بأنه: " يجوز للشخص أن يلتزم بأن يؤدي إلى شخص آخر مرتباً دورياً مدى الحياة؛ بعوض أو بغير عوض. ويكون هذا الالتزام بعقد أو وصية".

يوحي النص السابق بتعريف المرتب مدى الحياة، فهو طبقاً للنص: "مبلغ يلتزم به شخص أن يدفعه إلى شخص آخر على شكل إيراد دوري مدى حياته هو، أو مدى حياة شخص آخر". فإذا باع شخص عقاراً، لكنه لم يقبض ثمنه؛ بل اتفق مع المشتري أن يدفع له ثمن هذا العقار مبلغاً مقسطاً مدى حياة البائع، يكون مقابل رأس مال من قدم له العقار، ويكون بهذا الشكل قد حوّل البائع أو المقرض رأس ماله إلى إيراد مرتب مدى الحياة، ويكون قد ضمن لنفسه ما يسد حاجته مدى حياته، لكنه في الوقت ذاته لم يُبقِ للورثة شيئاً، وهو إذا ضمن هذا المرتب؛ فإن هذا المرتب يكون عادة أعلا من الفائدة التي كان يمكن أن يجنيها من رأس ماله.

2ـ مصادر المرتب مدى الحياة: مصادر المرتب مدى الحياة إما التصرفات القانونية وهي الأصل، يكون أحد طرفيها الملتزم بدفع المرتب مدى الحياة، والطرف الآخر هو من يستحق هذا المرتب، كأن يتعهد شخص بدفع مرتب مدى الحياة لمن يستحق هذا المرتب من أب أو أم أو ولد أو غيرهم، فيكون المستحق طرفاً في العقد، وقد لا يكون المستحق للمرتب طرفاً في العقد؛ بل يكون طرفاً آخر ويتحقق ذلك في الاشتراط لمصلحة الغير؛ إذ يبيع شخص عقاراً لآخر؛ على أن يدفع المشتري ثمن العقار مرتباً مدى حياة شخص أجنبي عن العقد، فالمستحق للمرتب أجنبي عن العقد وليس طرفاً فيه؛ بل هو المنتفع من الاشتراط لمصلحة الغير. وقد يكون مصدر المرتب مدى الحياة عقداً من عقود المعاوضة، وأبرز صورتين لعقود المعاوضة صورتان هما: البيع والقرض، فإذا باع شخص لآخر عقاراً أو منقولاً على أن يتقاضى الثمن مرتباً مدى الحياة؛ فإنه يأخذ بالحسبان أن يكون الثمن المسمى أكبر من ريع العقار؛ لأن البائع لو اكتفى بأن يكون الثمن معادلاً لريع العقار لما حقق فائدة من بيع العقار بإيراد مرتب لا يزيد على ريع العقار، وكان الأولى له أن يستبقي العقار ويحصل على ريعه، فيكون في هذه الحال استفاد من الريع من دون أن يخسر العقار ذاته، لذلك يتوجب أن يكون المرتب الذي يحصل عليه البائع أكبر من ريع العين المبيعة؛ لأن جزءاً من المرتب يعادل الثمن، والجزء الآخر يعادل ما يُستهلك من العين شيئاً فشيئاً، وهو ما يسميه بعضهم "بالتصرف المستهلك للعين".

وقد يكون مصدر المرتب مدى الحياة هو القرض، فإذ أقرض شخص آخر قرضاً على أن يسدد القرض على شكل مرتب مدى الحياة؛ فإن الملتزم بالرد يرد القرض على أقساط متتابعة طوال حياة المقرض، ويكون المرتب أكبر من الفائدة التي يحصل عليها المقرض من رأس المال؛ لأن جزءاً من المرتب يعادل الفائدة، والجزء الآخر يعادل استهلاك القرض.

وقد يكون المرتب هبة أو تبرعاً فتسري عليه أحكام الهبة أو التبرع، وإن كان بيعاً فتسري عليه أحكام البيع؛ من الالتزام بنقل الملكية والالتزام بالتسليم والالتزام بضمان التعرض والاستحقاق وضمان العيوب الخفية. وإذا كان المرتب عقد قرض تسري عليه أحكام القرض من الأهلية وعيوب الإرادة وغيرها.

كما يجوز أن يكون مصدر المرتب هو الوصية، كأن يوصي شخص لشخص آخر كان قد أعانه في شيخوخته بمرتب مدى حياته، وتطبق أحكام الوصية في هذه الحالة.

وقد يكون مصدر المرتب مدى الحياة واقعة مادية، ففي حوادث العمل التي تقع بالعامل فتقعده عن كسب رزقه، يرتب له رب العمل مرتباً مدى حياته. وقد يدهس سائق سيارة ماراً في الطريق، فيوقع به ضرراً جسيماً، فيحكم له بتعويض في صورة مرتب مدى الحياة، ففي كل هذه الصور يكون مصدر المرتب واقعة مادية هي الفعل الضار، ومهما كانت الصور التي تنشئ المرتب مدى الحياة فإنها تختص بالخصائص التالية:

3ـ خصائص المرتب مدى الحياة: يختص المرتب مدى الحياة بخصيصتين مهمتين هما:

أ ـ المرتب مدى الحياة تصرف شكلي: فقد نصت المادة (709) مدني سوري على ما يلي:

"العقد الذي يقرر المرتب لا يكون صحيحاً إلا إذا كان مكتوباً، وهذا دون إخلال بما يتطلبه القانون من شكل خاص لعقود التبرع". فإذا كان العقد هبة؛ فإن الهبة تتطلب شكلاً يجب اعتباره، وإذا كان وصية يجب اتباع الشكل المطلوب بالوصية.

ب ـ إن المرتب مدى الحياة من العقود الاحتمالية، لذلك وضعها المشرع ضمن عقود الغرر في الباب الرابع بعنوان "عقود الغرر"، وعقد الغرر أو العقد الاحتمالي: هو: "العقد الذي لا يستطيع فيه أحد المتعاقدين أن يحدد عند التعاقد مقدار غنمه ومقدار غرمه بمقتضى هذا العقد، وإنما يتحدد ذلك في المستقبل تبعاً لأمر مجهول أو غير محقق الوقوع". وعقد المرتب مدى الحياة يدفع لمستحقه على شكل أقساط دورية ما بقي مستحقه على قيد الحياة، وينقطع بموته، وعلى هذا الأساس فإن مقدار المرتب لا يمكن معرفة مقداره إلا حين يحل الأجل.

ثانياًـ نقاط الالتقاء ونقاط الافتراق بين الدخل الدائم والمرتب مدى الحياة:

1ـ نقاط الالتقاء: يلتقي المرتب مدى الحياة مع المرتب الدائم في أن كلاً منهما يصح أن يكون مصدره عقداً من عقود المعاوضة كعقد القرض، أو من عقود التبرع، أو أن يكون وصية، فقد نصت العبارة الأخيرة من الفقرة الأولى من المادة (513) مدني سوري على ما يلي:

"… ويكون هذا التعهد بعقد من عقود المعاوضة أو التبرع أو بطريق الوصية". ويلتقيان أيضاً في أن كلاً منهما يُدفع على شكل أقساط دورية للمستحق.

2ـ نقاط الافتراق: ويفترق المرتب مدى الحياة عن المرتب الدائم في عدة نقاط:

أ ـ المرتب مدى الحياة يصح أن يكون مصدره واقعة مادية كالفعل الضار؛ والعمل غير المشروع؛ أو إصابات العمل، في حين لا يصح مصدر المرتب الدائم أن يكون واقعة مادية؛ بل يجب أن يكون عقداً من عقود المعاوضات، كأن يبيع شخص عيناً بثمن مرتب دائم، ويصح أن يترتب المرتب الدائم عن طريق الهبة أو التبرع أو الوصية.

ب ـ المرتب مدى الحياة غير قابل للاستبدال في حين يقبل الدخل الدائم الاستبدال، فقد جاء في الفقرة الأولى من المادة (514) مدني سوري ما يلي:

"يشترط في الدخل الدائم أن يكون قابلاً للاستبدال في أي وقت شاء المدين…" فلا يستطيع الملتزم بالمرتب مدى الحياة أن يتخلص منه برد رأس المال الذي أخذه مقابل المرتب مدى الحياة، وخاصة أن الاستبدال ليس من طبيعته، أما في الدخل الدائم فقد أباح القانون في النص السابق هذا الاستبدال ليتخلص المدين من الالتزام الواقع على عاتقه.

ج ـ في المرتب مدى الحياة يجوز أن يتفق الملتزم به مع المستحق له على رفع سعر الفائدة، في حين لا يستطيع الملتزم بالدخل الدائم أن يتجاوز بالاتفاق مع مستحقه سعر الفائدة القانوني؛ لأن الدخل الدائم ما هو إلا فائدة رأس المال، ويظل رأس المال كما هو لا يستهلك منه شيء، فإذا أراد صاحبه استبداله، استرده كله من دون نقص فيه.

د ـ المرتب مدى الحياة يعدّ من التصرفات الشكلية، فقد جاء في المادة (709) مدني سوري ما يلي: "العقد الذي يقرر المرتب لا يكون صحيحاً إلا إذا كان مكتوباً، …إلخ". أما الدخل الدائم فلم يشترط له القانون شكلاً معيناً.

هـ ـ لا يستحق المرتب مدى الحياة إلا إذا استمرت حياة المستحق، فإذا مات لم يعد لأحد الحق في هذا المرتب، أي إن المرتب مدى الحياة ينتهي بانتهاء حياة مستحقه، أما في الدخل الدائم؛ إذا مات مستحقه انتقل الدخل إلى خلفائه من بعده، وهو ما جاء في الفقرة الأولى من المادة (513) مدني سوري إذ قالت:

"يجوز أن يتعهد شخص أن يؤدي على الدوام إلى شخص آخر وإلى خلفائه من بعده، دخلاً دورياً… إلخ".

ثالثاًـ تكوين عقد المرتب مدى الحياة:

لعقد المرتب مدى الحياة أركان ثلاثة شأن كل العقود الأخرى: التراضي والمحل والسبب.

1ـ التراضي: يتكون التصرف القانوني في المرتب مدى الحياة من طرفين: أحدهما الملتزم، والثاني هو المستحق للمرتب. بيد أن الطرف الثاني قد يكون طرفاً في العقد، وقد لا يكون طرفاً فيه؛ أجنبياً عنه، وقد تكون العلاقة بين الطرفين تبرعاً وقد تكون معاوضة. فإذا كان الطرف الثاني أجنبياً عن العقد، فيتحقق ذلك في الاشتراط لمصلحة الغير، ويقدم المشترط في هذه الحالة للمنتفع مرتباً لكي يرد له قرضاً أو يدفع ثمن مبيع اشتراه. ويغلب أن يكون الملتزم والمستحق هما طرفا التصرف، ويكون التصرف عندئذٍ معاوضة أو تبرعاً. فقد جاء في المادة (707/1) مدني سوري سابقة الذكر أنه يجوز لشخص أن يلتزم بأن يؤدي إلى شخص آخر مرتباً دورياً مدى الحياة بعوض؛ كما لو اشترى شخص عقاراً جعل ثمنه مرتباً لمدى حياة البائع، أو بغير عوض؛ كما لو أنشأ شخص على أملاكه من دون عوض مرتباً مدى الحياة لشخص آخر، فالالتزام يكون بعقد أو بوصية، فالعقد والوصية هما المصدران الرئيسيان للالتزام بالمرتب مدى الحياة.

2ـ شكل التصرف: المرتب مدى الحياة عقد من العقود الشكلية التي لا تكون صحيحة إلا بالكتابة، فإذا كان التصرف الذي ينشئ المرتب مدى الحياة تبرعاً، كأن يكون هبة أو أن يكون وصية؛ فيجب اتباع الشكل الواجب في الهبة أو الوصية. "فإذا كان المرتب مدى الحياة هبة مستترة؛ فلا يشترط الرسمية في هذه الأحوال، ومن ثم لا يبقى إلا الرجوع إلى القواعد المقررة لشكل التصرف الذي ينشئ المرتب مدى الحياة، وهذه تقضي بوجوب الكتابة لانعقاد التصرف، أما إذا كان التصرف هبة مكشوفة؛ فإن الكتابة لا تكفي بل تجب الرسمية".

والكتابة مطلوبة لانعقاد التصرف لا من أجل إثباته، فإن لم تتحقق الكتابة كان التصرف باطلاً، ولعل من الضروري الإشارة إلى أن التصرف الذي ينشئ المرتب مدى الحياة من الجائز أن يدوم فترة طويلة من الزمن سنوات وسنوات، فقد تطول حياة المستفيد، لذلك أوجب المشرع الكتابة ليوفر حقوق كل من المتعاقدين، وقد جاء في المذكرة  الإيضاحية للقانون  المدني المصري ما يلي: لا يكون العقد الذي يقرر المرتب إلا في ورقة مكتوبة، والكتابة ركن للانعقاد لا طريقة للإثبات. وقد اشترط المشرع الكتابة؛ لأن العقد مقدر له البقاء مدى حياة إنسان ما، وقد يطول، فوجب أن يكون مكتوباً. وإذا كان هبة وجب أن يكون مكتوباً بورقة رسمية وفقاً لقواعد الهبة.

3ـ محل التصرف: وهو المرتب مدى الحياة، أي إن المرتب من حق المستفيد ما دام حياً، فإذا مات انقطع المرتب ولم يعد من حق أحد. والمرتب يدفع على أقساط إلى مستحقه ما لم يتم الاتفاق على غير ذلك بين الملتزم بالمرتب ومستحقه، فقد نصت المادة (708) مدني سوري على ما يلي: " يجوز أن يكون المرتب مقرراً مدى حياة الملتزم له، أو مدى حياة الملتزم، أو مدى حياة شخص آخر. ويعتبر المرتب مقرراً مدى حياة الملتزم له إذا لم يوجد اتفاق يقضي بغير ذلك".

وقد يقرر المرتب مدى حياة شخص أو عدة أشخاص، كما لو تقرر المرتب لمدى حياة الأب وابنه، فيتقاضى كل من الأب والابن أقساطاً هي المرتب؛ كل بمفرده، فإذا مات الأب وبقي الابن آلت أقساط الأب إلى الابن، أي إن نصيب الأب يؤول إلى ابنه وهذا ما يسمى بالأيلولة. وتستمر إلى أن يحين أجل الدين، لذلك قال القانون في المادة المذكورة: "… ويعتبر المرتب مقرراً مدى حياة الملتزم له، إذا لم يوجد اتفاق يقضي بغير ذلك".

فإذا اشترط عكس ذلك فتستبعد الأيلولة، أي إن نصيب الذي مات لا ينتقل إلى من بقي حياً، فإذا مات الأب اقتصر الحق بالمرتب على الابن، وقد علل الفقهاء ذلك بأن المرتب في الحقيقة مرتبان: أحدهما للأب والآخر للابن، فإذا مات الأب بقي حق الابن.

وقد يتقرر المرتب مدى الحياة، ليس لمدى حياة المستحق له؛ بل طوال حياة الملتزم، كأن يقرر مُحسن مرتباً مدى حياته لأحد الفقراء، فإذا مات المحسن انقطع المرتب عن ذلك المستحق، وليس لورثة المستحق أن يطالبوا بشيء. أما لو مات المستحق وبقي الملتزم بالمرتب حياً؛ انتقل المرتب إلى ورثة المستحق، ما دام الملتزم حياً.

وقد يتقرر المرتب لأقصر الحياتين، فإذا مات الملتزم أولاً انقضى المرتب، وإذا مات المستحق أولاً انقضى المرتب أيضاً، وقد يتقرر المرتب لأطول الأجلين، فإذا مات الملتزم أولاً وظل المستحق على قيد الحياة؛ تقاضى المستحق المرتب من ورثة الملتزم، وإذا مات المستحق للمرتب قبل الملتزم؛ استحق ورثة المستحق للمرتب.

وقد يتقرر المرتب مدى حياة شخص ثالث، فإذا قضى هذا الشخص انقضى معه المرتب، أي إن حياة الشخص الثالث هي التي يعوّل عليها، فتتخذ مقياساً لمدة بقاء المرتب. ويكون المرتب الذي يؤديه الملتزم لمدى حياة الملتزم له إذا لم يذكر في عقد الالتزام بالمرتب اتفاق يقضي بأن يكون المرتب لمدى حياة الملتزم له أو حياة الملتزم أو حياة الغير، يعد المرتب لمدى حياة الملتزم له (المستحق)، فقد نصت المادة (708/2) مدني سوري بما يلي:

" يعتبر المرتب مقرراً مدى حياة الملتزم له، إذا لم يوجد اتفاق يقضي بغير ذلك". فإذا وجد المستحق ميتاً حين تقرير المرتب؛ فإن تقرير المرتب يوأد حين تقريره، ويقال فيه: إنه ولد ميتاً. أما إذا قرر المرتب لمدة معينة لا لمدى الحياة لشخص المستفيد؛ فلا يكون مرتباً لمدى الحياة، لأنه يفقد العنصر الجوهري في عقد المرتب، هو المدة غير المحدودة، بل يمكن أن يكون هبة أو تبرعاً أو وصية. ثم إن المستحق لا يتقاضى مرتباً إلا عن الأيام التي عاشها الملتزم بالمرتب وهو ما قضت به المادة (711) مدني سوري التي تقول:

"لا يكون للمستحق حق في المرتب إلا عن الأيام التي عاشها من قرر المرتب مدى حياته".

وقد ضرب الدكتور السنهوري (في الوسيط) مثلاً يشبه عقد المرتب مدى الحياة في القانون المدني السوري، له أصول في القانون المدني الفرنسي، وهو الذي يطلق عليه (عقد الإيواء، أو الإطعام)، يقوم هذا العقد على أن يقدم شخص متقدم بالسن عيناً أو رأس مال لمؤسسة أو جمعية أو لمستشفى مقابل إيوائه والقيام بعلاجه مدى حياته، ويسري على عقد الإيواء في فرنسا ما يسري على عقد المرتب مدى الحياة؛ إلا ما يقتضيه عقد الإيواء من اختلاف الأحكام.

ولكن، ما هو مقدار القسط الذي يدفعه الملتزم في المرتب مدى الحياة إلى الملتزم له (المستحق)؟ ما يدفعه الملتزم له على شكل أقساط يقرره الاتفاق بين الاثنين، فقد يدفع مبلغ القسط شهراً بشهر، أو كل ثلاثة أشهر، أو كل سنة، ويكون غالباً من النقود وقد يكون إيراداً لعين يملكها الملتزم، يقدم إيرادها مرتباً مدى حياة المستحق، ويشمل القسط الدوري ـ علاوة على جزء من رأس المال ـ جزءاً إضافياً يمثل استهلاك رأس المال، أو استهلاك العين التي تكون أساس رأس المال، وتؤخذ بالحسبان الحالة الصحية للمستحق ومهنته وعمره وغير ذلك. فإذا كان مصدر القسط بيتاً، وكان الثمن وما ألحق به تافهاً، كان البيع باطلاً فإذا كان القصد مما اتفق عليه الطرفان تبرعاً لا بيعاً؛ فتصبح الهبة باعتبارها هبة مستورة.

أما إذا كان المرتب بلا مقابل، أي أن يكون وصية أو هبة، فالواهب أو الموصي هو الذي يحدد مقدار القسط، آخذاً بالحسبان حاجة المستحق اليومية، وحالته الصحية، وسنّه، فإذا ألغي العقد، فإن أحكام الهبة هي التي تطبق. (نقض مدني رقم 1343 أساس 715، تاريخ: 27/12/1977، نشر في مجلة المحامون، ص 8 القاعدة 24).

4ـ سبب التعاقد على المرتب مدى الحياة: عند البحث في نظرية السبب عرّف المشرع السبب؛ أنه الدافع الباعث على التعاقد؛ أو الدافع الرئيسي للتعاقد، ولا يكون له ـ غالباًـ إلا شرط واحد؛ هو أن يكون مشروعاً؛ لذلك قال رجال القانون: إن الاحتمال في المرتب مدى الحياة هو السبب، وإذا انعدم هذا السبب؛ انعدم العقد وأضحى باطلاً. وهذا ما اتفق عليه رجال القانون الفرنسيون وآزرهم القضاء الفرنسي، وخالفهم في ذلك الدكتور السنهوري؛ إذ قال: إن الاحتمال في المرتب مدى الحياة هو محل الالتزام بالمرتب، فهو قد التزم وجعل محل التزامه مرتباً ينطوي على عنصر الاحتمال. ويقول: وسواء كان الاحتمال محلاً أم كان سبباً للمرتب مدى الحياة؛ فإن انعدامه في المرتب يجعل التصرف باطلاً.

رابعاًـ آثار المرتب مدى الحياة:

تنص المادة (712) مدني سوري على ما يلي:

"إذا لم يقم المدين بالتزامه كان للمستحق أن يطلب تنفيذ العقد، فإن كان العقد بعوض جاز له أن يطلب فسخه مع التعويض إن كان له محل". وبناء على النص المتقدم يجب على الملتزم أن يقوم بتنفيذ ما التزم به، وهو الأثر الأول للمرتب مدى الحياة، فإن لم يقم بالتنفيذ جاز للمستحق أن يطلب الفسخ وهو الأثر الثاني.

1ـ التزام المدين بتنفيذ التزامه: يبدأ تنفيذ العقد بدفع الأقساط من اليوم الذي تم فيه انعقاد العقد، فإذا كان المرتب ناشئاً من وصية، فيبدأ تنفيذ الوصية من اليوم التالي الذي مات فيه الموصي، ومن الجائز أن يحدد الملتزم يوماً معيناً لبدء التنفيذ ويستمر دفع الأقساط حتى نهاية عمر المستحق، ويحل موعد دفع القسط في الوقت المتفق عليه في أول الشهر مثلاً؛ أو في بداية السنة؛ أو في منتصفها، ويغلب أن يدفع القسط مقدماً، فإذا اشترط في العقد أن يدفع القسط مقدماً كان للمستحق الحق في طلب القسط الذي حلّ، وهو ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة (711) مدني سوري، حيث قالت:

"2ـ على أنه إذا اشترط الدفع مقدماً؛ كان للمستحق حق في القسط الذي حل". وضرب رجال القانون مثلاً مؤداه؛ إذا كان الاتفاق على دفع القسط في أول كل سنة، فمات المستحق بعد ابتداء السنة الجديدة بأيام معدودة؛ استحق الورثة القسط الذي حلّ وتم قبضه. وليس للملتزم أن يسترد ما يقابل الأيام التي لم يعشها مستحق المرتب، فلا يرد الورثة مما قبض شيئاً، فإذا كان المرتب قد قرر لشخص ثالث وارتبط بحياته؛ وجب على المستحق إثبات استمرار حياة هذا الشخص الثالث وأنه ما زال على قيد الحياة.

وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الحجز على المرتب لضمان حقوق الدائنين جائز، سواء كان الحجز على الأقساط التي حل أجلها؛ أم على الأقساط التي ستحل، كما يجوز الحجز على أصل المرتب إذا كان المرتب تقرر معاوضة؛ ذلك لأن المستحق كما يقول رجال القانون "قد أخرج من ذمته مالاً كان ضماناً للدائنين في مقابل المرتب الذي حل محل هذا المال وجب أن يكون قابلاً للحجز حتى لو اشترط عدم قابليته للحجز، فالاشتراط في هذه الحالة يخالف النظام العام فيكون باطلاً".

واشتراط عدم جواز الحجز على المرتب جائز إذا كان التصرف تبرعاً مراعاة لمصلحة المستحق. (محكمة النقض السورية، الغرفة المدنية، القرار رقم 547 أساس 1360 تاريخ 9/6/1975. المحامون، 1975 ص593 القاعدة 715/ عن الاجتهاد المدني للمحامي عزة ضاحي) .

فإذا لم يشترط الملتزم بالمرتب عدم جواز الحجز على المرتب أو تحويله؛ كان المرتب قابلاً للحجز أو التحويل حتى لو كان الملتزم قد تبرع بالمرتب.

والمرتب مدى الحياة يتقادم القسط فيه بعد مرور خمس سنوات من استحقاقه، ودفع أي قسط يقطع التقادم ويسري تقادم جديد وهكذا. وإذا امتنع الملتزم بدفع القسط ولم تتم مطالبته ومضى على ذلك خمس عشرة سنة سقط المرتب ذاته بالتقادم.

2ـ تنفيذ المرتب جبراً على المدين أو فسخه: تنص المادة (712) مدني سوري على ما يلي:

"إذا لم يقم المدين بالتزامه كان للمستحق أن يطلب تنفيذ العقد، فإن كان العقد بعوض جاز له أيضاً أن يطلب فسخه مع التعويض إن كان له محل". تقضي القواعد العامة إذا لم يقم المدين بتنفيذ ما التزم به يجوز للدائن أن يطلب التنفيذ العيني الجبري للالتزام، أو أن يطلب فسخ العقد مع المطالبة بالتعويض إذا كان له مقتضى. فإذا لم يقم المدين بالتنفيذ وتبين للقاضي أن الملتزم بالمرتب مدى الحياة مصرّ على الامتناع عن الدفع؛ جاز للقاضي أن ينفذ على أموال المدين وأن يبيعها بحيث تسدد الأقساط جميعها.

وقد يجد المستحق ألاّ أمل من تنفيذ عقد المرتب مدى الحياة فيطلب فسخ العقد إذا كان العقد معاوضة، وبالفسخ يعود المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد، فيرد المستحق ما قبضه من أقساط مع فوائدها القانونية، ويرد الملتزم العين التي أخذها مع ريعها، وينتهي الأمر بإجراء المقاصة بين الفائدة التي حصل عليها المستحق وبين الريع الذي حصل عليها الملتزم. 

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ عبد الرزاق أحمد السنهوري، الوسيط ج5، و7، (عام 1964).

ـ محمد كامل مرسي، العقود المسماة، عقود الغرر (القاهرة 1949).

ـ عزة ضاحي، الاجتهادات القضائية خلال ربع قرن (المطبعة الجديدة، دمشق 1976).


التصنيف : القانون الخاص
النوع : القانون الخاص
المجلد: المجلد الخامس: طرق الطعن في الأحكام الإدارية ــ علم العقاب
رقم الصفحة ضمن المجلد : 483
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 556
الكل : 29661511
اليوم : 41521