logo

logo

logo

logo

logo

التدابير الاحترازية

تدابير احترازيه

precautionary measures - mesures de sûreté

 التدابير الإحترازية

التدابير الاحترازية

عبد الجبار الحنيص

 المفهوم العام للتدابير الاحترازية

أنواع التدابير الاحترازية

 

تبنت معظم التشريعات الجزائية التدابير الاحترازية Les mesures de sûreté بديلاً من العقوبة أو تطبيقها إلى جانب العقوبة للمجرمين الكبار، وذلك ابهدف تحقيق ثلاثة أغراض، وهي: حماية المجتمع، وعلاج المجرم، والقضاء على ظاهرة التكرار أو العود.

وقد أخذ المشرع السوري بالتدابير الاحترازية والعقوبة، فتطبق هذه التدابير في بعض الحالات بديلاً من العقوبة، في حين تستوجب حالات أخرى تطبيقها إلى جانب العقوبة، بحيث ينفذ التدبير الاحترازي بعد العقوبة بوصفه قاعدة عامة. والحكم بالتدبير الاحترازي يمكن أن يكون جوازياً عائداً تقديره للقاضي، ويمكن أن يكون وجوبياً يُلزَم القاضي بفرضه.

أولاً: المفهوم العام للتدابير الاحترازية

يخضع التدبير الاحترازي كالعقوبة لمبدأ الشرعية، ويفرض من القضاء الجزائي على من يثبت اقترافه جريمة. ولكنه يختلف عن العقوبة في أمور كثيرة؛ وذلك لأن له طبيعة وغرضاً خاصين به يميزانه منها. فالغرض من التدبير الاحترازي هو حماية المجتمع عن طريق علاج المجرم وإعادة تأهيله اجتماعياً وأخلاقياً ومهنياً، وليس إيلامه أو تحقيق الردع العام كما هو الحال للعقوبة.

1- تطبيق التدابير الاحترازية: ولئن اتفقت التدابير الاحترازية والعقوبة في نواحٍ، فإنها تتميز بقواعد وأحكام خاصة بها تتفق مع طبيعتها والغرض منها.

أ- خضوع التدبير الاحترازي لمبدأ الشرعية: تخضع التدابير الاحترازية لمبدأ الشرعية أسوة بالعقوبة، فقد نصت المادة الأولى (الفقرة الأولى) من قانون العقوبات السوري العام 1949 وتعديلاته على أن: «لا تفرض عقوبة ولا تدبير احترازي أو إصلاحي عن جرم لم يكن القانون قد نص عليه حين اقترافه». وجاء أيضاً في المادة الثانية عشرة من القانون ذاته أنه: «لا يُقضى بأي تدبير احترازي أو إصلاحي إلا في الشروط والأحوال التي نص عليها القانون».

ويسوّغ خضوع التدبير الاحترازي لمبدأ الشرعية بحرص المشرع على حماية الحريات الفردية. فالتدبير الاحترازي كالعقوبة يمس حقاً للشخص الذي يفرض عليه، وأحياناً يكون هذا المساس قاسياً عندما يكون التدبير مانعاً للحرية؛ مما يقتضي إخضاعه لمبدأ الشرعية من أجل ضمان عدم اللجوء إليه إلا حيث تستوجب المصلحة العامة ذلك.

وتتجلى مظاهر مبدأ الشرعية هنا في تولي المشرع تحديد قائمة التدابير الاحترازية التي يجوز فرضها، وتنحصر سلطة القاضي في اختيار التدبير المناسب من بينها، ولا يسوغ له فرض تدبير لم يرد في القائمة التشريعية ابتداءً. وكذلك يتوجب على المشرع وضع الشروط والأحوال الموجبة لفرض كل تدبير من التدابير الاحترازية.

وإضافة إلى ذلك فقد بين شروط الاستناد إلى الأحكام الجزائية الأجنبية فيما يتعلق بالتدابير الاحترازية (المادة 29 من قانون العقوبات). إن الأحكام الصادرة عن قضاء أجنبي بشأن أفعال توصف في القانون السوري بأنها جنايات أو جنح يستند إليها لأجل تنفيذ ما ينجم عنها من تدابير احترازية ما دامت متفقة والقانون السوري؛ ويجوز الاستناد إليها أيضاً لأجل الحكم بما ينص عليه القانون السوري من تدابير احتراز.

ب- استبعاد تطبيق الأسباب المخففة التقديرية على التدابير الاحترازية: من استعراض نصوص المواد 243-246 من قانون العقوبات الخاصة بالأسباب المخففة يتضح أنه لا شأن لهذه الأسباب بالتدابير الاحترازية، فلم يرد في تلك المواد ما يشير إلى التدابير الاحترازية. وهذا ما أكدته محكمة النقض السورية في قرار لها، حيث رأت أن الأسباب المخففة لا تطبق على التدابير الاحترازية (نقض سوري، جنحة قرار 2153 تاريخ 3/8/ 1964). وتعليل ذلك أن الاعتبارات التي تسوّغ تطبيق الأسباب المخففة التقديرية على العقوبات لا تتوافر للتدابير الاحترازية. إذ إن القاضي حينما يختار تدبيراً احترازياً معيّناً لمواجهة الخطورة الجرمية التي تكمن في شخصية المدعى عليه، فمعنى ذلك أن مصلحة المجتمع تقتضيه، واستبداله بتدبير أخف يكون إهداراً لهذه المصلحة. فإذا تحقق القاضي من وجود الخطورة الجرمية، وثبت له أنه لا يمكن مواجهتها إلا بتدبير احترازي معيّن؛ فعليه أن يقضي به من غير التذرع بنظام الأسباب المخففة التقديرية لفرض تدبير أخف.

ج- استبعاد تطبيق أحكام وقف التنفيذ على التدابير الاحترازية: لا تشمل النصوص المتعلقة بوقف التنفيذ المنصوص عليها في المواد 168-171 من قانون العقوبات التدابير الاحترازية. إذ إن الغاية من نظام وقف التنفيذ هي تفادي العقوبات المانعة للحرية ذات المدة القصيرة. وهذا يقتضي استبعاد التدابير الاحترازية من نظام وقف التنفيذ؛ لأن مدتها تكون طويلة نسبياً على نحو يمكن معه مواجهة الخطورة الجرمية الكامنة في نفس المدعى عليه والقضاء عليها. فالغرض من فرض التدبير الاحترازي لا يتحقق إلا بتنفيذه فعلاً، أما التهديد به فلا أثر له إزاء هذه الخطورة.

د- استبعاد تطبيق أحكام التكرار على التدابير الاحترازية: التكرار أو العود هو عودة المحكوم عليه بعقوبة جزائية إلى اقتراف جريمة أو أكثر في مدة زمنية معيّنة. وهذا التكرار يؤدي إلى تشديد عقوبة الجريمة الأخيرة تأسيساً على أن عودة الجاني إلى الإجرام دليل على أن العقوبة الأولى لم تكن كافية لردعه. ومن استعراض نصوص المواد 248-251 من قانون العقوبات يتضح أن المشرع استبعد من نطاق أحكام التكرار التدابير الاحترازية، وذلك لأنها لا تنطوي على إيلام مقصود حتى يقال: إن المحكوم عليه لم يرتدع ويتوجب الزيادة في هذا الإيلام.

هـ- لا مفعول لصفح المجنى عليه على التدابير الاحترازية (المادة 156 من قانون العقوبات): إن صفح المجني عليه في الأحوال التي يعلق فيها القانون إقامة الدعوى العامة على تقديم شكوى أو ادعاء شخصي يسقط دعوى الحق العام، ويوقف تنفيذ العقوبات، ولا مفعول لهذا الصفح على التدابير الاحترازية.

و- تخضع التدابير الاحترازية لتقادم خاص: للتدابير الاحترازية أحكام خاصة بالتقادم نظمتها المادة 165 من قانون العقوبات، وهي تختلف عن تلك المتعلقة بالعقوبات. إن مدة التقادم على التدابير الاحترازية ثلاث سنوات. ولا يبدأ هذا التقادم إلا منذ اليوم الذي أصبح فيه التدبير الاحترازي نافذاً عملاً بالمادتين 115 و116 من قانون العقوبات، أو بعد تقادم العقوبة التي تلازم التدبير. ويشرط ألا يصدر عن القاضي قبل انقضاء سبع سنوات قرار يثبت أن المحكوم عليه لايزال خطراً على السلامة العامة، ففي هذه الحالة يأمر بتنفيذ التدبير الاحترازي. ولم يستثنِ المشرع من التقادم سوى التدابير الاحترازية المانعة من الحقوق ومنع الإقامة والمصادرة (المادة 161/2 من قانون العقوبات).

ز- القاعدة العامة لا تسقط التدابير الاحترازية بالعفو: قرر المشرع في نص المادتين 150/3 و 152/3 من قانون العقوبات عدم شمول كل من العفو العام والعفو الخاص للتدابير الاحترازية إلا إذا نص قانون أو مرسوم العفو صراحة على ذلك.

2- تنفيذ التدابير الاحترازية: وضع المشرع القواعد والأحكام التي تحدد كيفية تنفيذ التدابير الاحترازية، وحسم مدة التوقيف الاحتياطي منها.

أ- كيفية تنفيذ التدابير الاحترازية (المواد 115 و116 و203 من قانون العقوبات): تتلخص القواعد التي تحكم كيفية تنفيذ التدابير الاحترازية كما يلي:

(1) تنفذ في الحال مفاعيل الحكم القاضي بالحجز في مأوى احترازي دون ما التفات إلى أي عقوبة أخرى أو تدبير احترازي آخر يمنعان الحرية أو يقيدانها.

(2) إن التدابير الاحترازية المانعة أو المقيدة للحرية ما عدا الحجز في مأوى احترازي تنفذ بعد العقوبات المانعة للحرية.

(3) تنفذ التدابير الاحترازية المانعة للحرية قبل العقوبات المقيدة للحرية.

(4) إذا اجتمعت تدابير احترازية مانعة للحرية وتدابير احترازية مقيدة للحرية بدئ بتنفيذ الأولى حتى إذا تمت نفذت الثانية.

(5) إذا حكم بعدة تدابير مانعة للحرية فإنها تجمع حتى لو تم دغم العقوبات الأصلية، ونفذت على الترتيب التالي: الحجز في مأوى احترازي، العزلة، الحجز في دار للتشغيل؛ ويمكن للقاضي أن يحكم بخلاف ذلك، أي بدغم تدابير بأخرى للتخفيف على المحكوم عليه.

(6) يبعد الأجنبي المحكوم عليه بالإخراج من البلاد دون التفات إلى أي تدبير احترازي آخر أو إلى العقوبات المانعة من الحقوق.

(7) إن تدابير المنع من مزاولة عمل والمنع من حمل السلاح والكفالة الاحتياطية تنفذ بعد انقضاء مدة العقوبات والتدابير الاحترازية المانعة للحرية، حيث إنه لا معنى لتنفيذها في أثناء تنفيذ هذه العقوبات والتدابير الاحترازية باعتبار أن المحكوم عليه يكون تحت رقابة الحكومة.

(8) أما التدابير الاحترازية العينية الأخرى والمانعة من الحقوق فتنفذ مفاعيلها منذ اليوم الذي أصبح فيه الحكم مبرماً.

ب- حسم مدة التوقيف الاحتياطي من مدة التدبير الاحترازي: الأصل أنه من غير الممكن حسم مدة التوقيف الاحتياطي من مدة التدبير الاحترازي المفروض على المحكوم عليه؛ وذلك لأن التدبير الاحترازي لا يقوم على فكرة الإيلام المقصود حتى يقال بالتعادل بين هذا الإيلام وإيلام التوقيف الاحتياطي. لكن المشرع خرج على هذا الأصل حينما رخص للمحكمة أن تقرر حسم التوقيف الاحتياطي من مدة التدبير الاحترازي المانع للحرية، حيث قدّر أن الإيلام - وإن كان غير مقصود - متوفر في التدبير المانع للحرية؛ فيمكن حسم مدة التوقيف الاحتياطي من مدة التدبير الاحترازي المانع للحرية، إذا قضت المحكمة بذلك صراحة في الحكم (المادة 117/2 من قانون العقوبات).

ثانياً: أنواع التدابير الاحترازية

صنف المشرع التدابير الاحترازية في أربع زمر هي:

1- التدابير الاحترازية المانعة للحرية: هذه التدابير تهدف إلى إبعاد المحكوم عليه عن حياة المجتمع إلى أن يتأكد القاضي من أنه أصبح أهلاً للعيش حراً في هذا المجتمع، وهي ثلاثة حسب نص المادة 70 من قانون العقوبات:

أ- الحجز في مأوى احترازي (المواد 74 و76 و231 و232 من قانون العقوبات): ينص قانون العقوبات على أن المحكوم عليه بالحجز في مأوى احترازي يوقف في مستشفى، ويعنى به العناية التي تدعو إليها حالته. فالمأوى الاحترازي هو المستشفى أو المصح المخصص لعلاج المصابين بأمراض عقلية أو نفسية، كالجنون والعته والإدمان على المخدرات، حيث يوضع فيه المحجور عليهم لتلقي العناية التي تتطلبها حالتهم، وذلك بناء على حكم قضائي صادر عن محكمة مختصة. ويبقى المحجوز عليه في مأوى احترازي تحت إشراف هذه المحكمة، وعلى طبيب المأوى أن ينظم تقريراً بحالته كل ستة أشهر، وينبغي أيضاً أن يعوده مرّة في السنة على الأقل طبيب تعيّنه المحكمة التي قضت بالحجز. وأهم الحالات التي تستوجب فرض تدبير الحجز في مأوى احترازي هي:

(1) المجرم المجنون: يفرض تدبير الحجز في مأوى احترازي على من ثبت اقترافه جناية أو جنحة، وقضي بعدم مسؤوليته بسبب فقدانه العقل، ويستمر هذا الحجز إلى أن يتم شفاء المجنون بقرار تصدره المحكمة التي قضت بالحجز، ويمكن أن تفرض الحرية المراقبة على المحجوز عند تسريحه.

كما يمكن للمحكمة أن تفرض هذا التدبير على المحكوم عليه بعقوبة مانعة أو مقيدة للحرية أو بالعزلة أو بالحرية المراقبة أو بمنع الإقامة أو بالكفالة الاحتياطية، إذا ثبت لها أنه في أثناء تنفيذ الحكم أصيب بالجنون؛ ويستمر الحجز في مأوى احترازي حتى انقضاء مدة العقوبة أو التدبير الاحترازي الذي علق تنفيذه إلا إذا رأى القاضي أن المحكوم عليه يعدّ خطراً على السلامة العامة.

(2) المجرم المعتوه أو الممسوس أو المدمن على المسكرات أو المخدرات: إن من حكم عليه بعقوبة جنائية أو جنحية، مانعة أو مقيدة للحرية، واستفاد من إبدال العقوبة أو تخفيضها بسبب العته، ومن حكم عليه بعقوبة من هذه العقوبات وثبت أنه ممسوس أو مدمن المخدرات أو الكحول، وكان خطراً على السلامة العامة؛ يقضى في الحكم بحجزه في مكان من المأوى الاحترازي ليعالج فيه في أثناء مدة عقوبته.

وإذا ظل المحكوم عليه بعد انتهاء مدة عقوبته خطراً على السلامة العامة؛ يضبط في المأوى الاحترازي بموجب قرار المحكمة نفسها لمدة لا تتجاوز خمس سنوات إذا حكم عليه بجناية، أو السنتين إذا حكم عليه بجنحة. ويسرح المحجوز عليه قبل انقضاء الأجل المحدد إذا صدر قرار لاحق يثبت أنه لم يعد خطراً. ويمكن أن تفرض الحرية المراقبة على المحجوز عليه بعد تسريحه.

ب- العزلة (المواد 77 و78 و57 و252 من قانون العقوبات): يفرض تدبير العزلة على المجرم الذي ثبت اعتياده للإجرام، وكان خطراً على السلامة العامة. والمجرم المعتاد هو الذي ينم عمله الإجرامي عن استعداد نفسي دائم -فطرياً كان أو مكتسباً- لارتكاب الجنايات أو الجنح.

ويقصد بهذا التدبير الاحترازي وضع المجرم المعتاد في مؤسسة للتشغيل أو في مستعمرة زراعية بعيداً عن المجتمع، وفقاً لمؤهلات المحكوم عليه ونشأته المدنية أو القروية؛ وذلك من أجل العمل في هذه المؤسسة أو المستعمرة، ويتقاضى أجراً على عمله، يوزع بينه وبين أسرته والمدعي الشخصي والدولة.

وتراوح مدة العزلة بين ثلاث سنوات وخمس عشرة سنة. وإذا غادر المحكوم عليه لأي مدة كانت المؤسسة التي حجز فيها تعرض للحبس مع التشغيل من سنة إلى ثلاث سنوات.

ج- الحجز في دار للتشغيل (المادتان 79 و57 من قانون العقوبات): يهدف هذا التدبير إلى تعويد المحكوم عليه على العمل، بوضعه في دار تؤسس لتحقيق هذا الهدف خصّيص؛ وذلك بتعليمه مهنة يكسب منها عيشه بعد عودته إلى الحياة الاجتماعية الطبيعية. ويتقاضى المحكوم عليه بالحجز في دار للتشغيل في أثناء تنفيذه أجراً يوزع بينه وبين أسرته والمدعي الشخصي والدولة. وتراوح مدة الحجز في دار للتشغيل بين ثلاثة أشهر وثلاث سنوات، وإذا غادر المحكوم عليه دار التشغيل لأي مدة كانت عوقب بالحبس مع التشغيل من ثلاثة أشهر إلى سنة.

2- التدابير الاحترازية المقيدة للحرية: حددت هذه التدابير المادة 71 من قانون العقوبات، فحصرتها في خمسة وهي:

أ- منع ارتياد الخمارات (المادة 80 من قانون العقوبات): يفرض هذا التدبير على الأشخاص الذين يقترفون جناية أو جنحة بتأثير المسكرات. فللقاضي أن يمنع المحكوم عليه من ارتياد الحانات التي تباع فيها المشروبات الكحولية مدة تراوح بين سنة وثلاث سنوات تحت طائلة الحبس من عشرة أيام إلى ثلاثة أشهر؛ وذلك إذا ثبت له أن المحكوم عليه قد اقترف جريمة تحت تأثير المسكرات. وينزل العقاب نفسه ببائع الخمور ومستخدميه الذين يقدمون للمحكوم عليه المشروبات الروحية؛ وهم يعلمون بأنه ممنوع من ارتياد الخمارات.

ب- منع الإقامة (المواد 81 و83 من قانون العقوبات): هو الحظر على المحكوم عليه أن يوجد بعد الإفراج عنه في الأمكنة التي عيّنها الحكم القضائي. وهذه الأماكن نوعان: أماكن تمنع الإقامة فيها بقوة القانون، وهي المنطقة التي اقترفت فيها الجريمة، والمنطقة التي يسكن فيها المجني عليه أو أنسباؤه حتى الدرجة الرابعة؛ إلا إذا قرر القاضي خلاف ذلك. أما النوع الثاني من الأماكن فيعيّنها القاضي في حكمه، ويحددها تبعاً للظروف الخاصة بالمحكوم عليه أو جريمته، وذلك بحظر إقامته في أماكن معيّنة لصرفه عن ارتكاب المزيد من الجرائم.

ويخضع حكماً لمنع الإقامة من حكم عليه بعقوبة جنائية مانعة أو مقيدة للحرية، ومن حكم عليه بالإعدام أو بالأشغال الشاقة المؤبدة أو بالاعتقال المؤبد، وأعفي من عقوبته بعفو عام أو سقطت عنه العقوبة بالتقادم أو خفضت أو أبدلت منها عقوبة مؤقتة. أما المحكوم بعقوبة جنحية فلا يخضع لمنع الإقامة إلا إذا تضمن القانون نصاً صريحاً يفرض هذا المنع أو يجيزه.

وتراوح مدة منع الإقامة بين سنة وخمس عشرة سنة، وذلك ما لم يقرر القاضي زيادة مدة المنع أو تخفيضها أو إعفاء المحكوم عليه منها. وللقاضي أن يبدل الحرية المراقبة من منع الإقامة مدة لا تنقص عما بقي من منع الإقامة.

ويترتب على مخالفة المحكوم عليه لمنع الإقامة معاقبته بالحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات.

ج- الحرية المراقبة (المواد 84 و86 من قانون العقوبات): الغاية من الحرية المراقبة التثبت من صلاح المحكوم عليه وتسهيل ائتلافه مع المجتمع. ويخضع المراقب للمنع من ارتياد الخمارات، ومنع الإقامة، والإمساك عن ارتياد المحلات التي تنهى عنها القوانين والأنظمة، وأن يتقيد بالأحكام التي فرضها عليه القاضي خشية المعاودة، ويمكن تعديل هذه الأحكام في أثناء تنفيذ التدبير. وتراوح مدة الحرية المراقبة بين سنة وخمس سنوات ما لم يرد نص خاص مخالف. وتسند مهمة المراقبة إلى هيئات متخصصة تنشأ لهذا الغرض، وإذا تعذر وجود هذه الهيئات تتولى الشرطة أمر المراقبة. ويتوجب على الجهة الموكول إليها أمر المراقبة تقديم تقرير عن سيرة المحكوم عليه مرّة كل ثلاثة أشهر على الأقل. ومن قضي عليه بالمراقبة، وخالف أحكام القانون أو القاضي، أو اعتاد التملص من المراقبة؛ حُكم عليه بالحبس مع التشغيل من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات إلا أن ينص القانون على عقاب آخر.

د- الرعاية (المادة 87 من قانون العقوبات): الغاية من الرعاية مساعدة المحكوم عليه بعد الإفراج عنه على توفير عمل له، ومراقبة طريقة معيشته، وإسداء النصح والمعونة له. ويعهد بالرعاية إلى مؤسسات خاصة اعترفت بها الدولة كجمعية رعاية السجناء. ويتوجب على المؤسسة الموكل إليها الرعاية أن تقدم إلى الهيئة القضائية التي قضت بالتدبير تقريراً عن حالة المحكوم عليه وسلوكه مرّة كل ثلاثة أشهر على الأقل.

هـ- الإخراج من البلاد (المادتان 88 و89 من قانون العقوبات): يفرض هذا التدبير على الأجنبي الذي يرتكب جريمة في سورية، وثبتت إدانته بعقوبة جنائية أو جنحية؛ لأنه بفعله هذا يكون قد خرج على آداب الضيافة فيها، ودلل على سوء سلوكه وخطورته على الأمن والنظام. لذا يمكن للقاضي أن يأمر بطرد كل أجنبي حكم عليه بعقوبة جنائية من الأراضي السورية بموجب فقرة خاصة في الحكم. أما إذا كانت العقوبة المحكوم عليه بها جنحية فلا يمكن طرده إلا في الحالات التي ينص عليها القانون.

ويقضى بتدبير الإخراج من البلاد مؤبداً أو مدة تراوح بين ثلاث سنوات وخمس عشرة سنة.

وعلى الأجنبي الذي قضي بإخراجه من البلاد أن يغادر الأرضي السورية بوسائله الخاصة في مهلة خمسة عشر يوماً. ويعاقب على كل مخالفة لتدبير الإخراج القضائي بالحبس من شهر إلى ستة أشهر.

3- التدابير الاحترازية المانعة للحقوق: تحرم هذه التدابير المحكوم عليه من بعض الحقوق لأنه لم يعد جديراً بممارستها، وذلك حماية للمجتمع ووقاية للآخرين. وهذه التدابير هي:

أ- الإسقاط من الولاية أو الوصاية (المواد 90 - 93 من قانون العقوبات): يقصد بهذا التدبير حرمان المحكوم عليه (الأب أو الأم أو الوصي) من حقوقه على الولد أو اليتيم الذي يتولى شؤونه أو يدير أملاكه وفقاً لأحكام قانون الأحوال الشخصية. ويكون الإسقاط كاملاً أو جزئياً، ويكون عاماً أو محصوراً بولد أو يتيم معيّن، أو بعدة أولاد أو أيتام، وذلك بحسب تقدير القاضي. وتنتقل الولاية أو الوصاية إلى وصي يُنصب وفقاً لأحكام قانون الأحوال الشخصية.

ويكون إسقاط الولاية أو الوصاية لمدى الحياة أو لأجل يراوح بين ثلاث سنوات وخمس عشرة سنة. ولا يجوز في أي حال من الأحوال أن يقضى به لمدة أقل من مدة العقوبة أو التدبير الاحترازي المانعين للحرية المحكوم بهما على الأب أو الأم أو الوصي.

ويمكن أن يكون الإسقاط من الولاية أو الوصاية اختيارياً أو إجبارياً:

(1) الإسقاط الاختياري: إذا ارتكب الولي أو الوصي جريمة لا علاقة للقاصر بها، وحكم عليه بعقوبة جنائية؛ فيجوز للمحكمة أن تحكم بإسقاط الولاية أو الوصاية إذا تبين لها أنه غير جدير بممارسة سلطته على الولد أو اليتيم.

(2) الإسقاط الإجباري: يكون الإسقاط من الولاية أو الوصاية إجبارياً في ثلاث حالات:

الحالة الأولى: إذا اقترف الولي أو الوصي جناية أو جنحة بحق الولد أو اليتيم، كأن يكون قد سيب الولد، أو تركه في حالة احتياج، أو ارتكب بحقه جريمة السفاح…

الحالة الثانية: إذا اقترف القاصر جناية أو جنحة مهما كان موضوعها بسبب تهاون الولي أو الوصي في تهذيبه، أو اعتيادهما إهمال مراقبته.

الحالة الثالثة: إذا اقترف الولي أو الوصي جناية أو جنحة بالاشتراك مع القاصر، كأن يشتركان معاً في سرقة أو قتل أو إيذاء.

ب- المنع من مزاولة أحد الأعمال (المادتان 94 و95 من قانون العقوبات): الغاية من فرض هذا التدبير هي حماية المجتمع من بعض أشخاص أثبتوا من خلال اقترافهم الجريمة عدم أهليتهم الأخلاقية لممارسة عمل من الأعمال أو مهنة من المهن. فيمكن للمحكمة أن تمنع أي شخص من مزاولة فن أو مهنة أو حرفة أو أي عمل معلق على قبول السلطة، أو على نيل شهادة؛ إذا حكم عليه بعقوبة جنائية أو جنحية، من جريمة اقترفت خرقاً لواجبات المهنة أو الفروض الملازمة لذلك العمل.

أما إذا كانت مزاولة العمل ممكنة بمعزل عن أي شرط أو ترخيص فلا يجوز الحكم بالمنع من مزاولته إلا في الحالات التي نص عليها القانون. ويستثنى من ذلك الناشر في قضايا المطبوعات حيث يتعرض للمنع، وإن لم تكن مزاولته العمل منوطة بترخيص. والمنع الذي ينزل به أو بالمالك يؤدي إلى وقف الصحيفة مدة المنع.

وتراوح مدة المنع بين شهر وسنتين. ويمكن الحكم بالمنع مدى الحياة إذا كان المجرم قد حكم عليه بالمنع المؤقت بحكم مبرم لم تمر عليه خمس سنوات، أو إذا نص القانون صراحة على ذلك. وإذا عاد الممنوع من مزاولة أحد الأعمال إلى ممارسته بوسيط أو لحساب الغير فإنه يعاقب بالحبس حتى ثلاثة أشهر وبالغرامة حتى مئة ليرة.

ج- الحرمان من حق حمل السلاح (المادتان 96 و97 من قانون العقوبات): كل من حكم عيه بعقوبة جنائية أو جنحية من جريمة اقترفت بوساطة السلاح أو العنف، يوجب الحرمان من حق حمل السلاح. ولا يمكن للمحكوم عليه بهذا التدبير أن يحصل على ترخيص لاقتناء السلاح أو حمله، ويلغى الترخيص الذي كان في حيازته، ولا يرد إليه ما أداه من رسم. والحرمان من حق حمل السلاح قد يكون مؤبداً يستمر مدى الحياة، وقد يكون مؤقتا تراوح مدته بين ثلاث سنوات وخمس عشرة سنة.

4- التدابير الاحترازية العينية: تتعلق هذه التدابير بالأشياء، ولا تصيب الأشخاص أنفسهم، وهي:

أ- المصادرة العينية (المادة 98 من قانون العقوبات): هذا التدبير يقع على الأشياء التي تحظر القوانين صنعها أو اقتناءها أو بيعها أو استعمالها، حتى لو لم تكن ملكاً للمدعى عليه أو المحكوم عليه، وسواء أفضت الملاحقة إلى حكم أم لم تفضِ، ومثال ذلك: المخدرات، والأسلحة الممنوعة أو غير المرخصة، والمتفجرات، والأطعمة الفاسدة، والعملة المزيفة، والمقاييس والمكاييل الناقصة…

وإذا لم يكن ما تجب مصادرته قد ضبط يمنح المحكوم عليه أو المدعى عليه مهلة لتقديمه تحت طائلة أداء ضعفي قيمته بحسب ما يحدده القاضي.

ويمكن للمحكمة عند الاقتضاء الاستعانة بخبير لتقدير القيمة الواجب أداؤها، وتحصل القيمة المقدرة بالطريقة المتبعة في تحصيل الغرامة.

ب- الكفالة الاحتياطية (المواد 99-102 من قانون العقوبات): وهي إيداع مبلغ من المال أو سندات عمومية، أو تقديم كفيل مليء أو عقد تأمين؛ ضماناً لحسن سلوك المحكوم عليه أو تلافياً لجريمة أخرى.

وتراوح مدة الكفالة بين سنة على الأقل وخمس سنوات على الأكثر، وذلك ما لم يتضمن القانون نصاً خاصاً. وينبغي على القاضي أن يعيّن في الحكم مقدار المبلغ الواجب إيداعه، أو مقدار المبلغ الذي يجب أن يضمنه عقد التأمين أو الكفيل، ولا يجوز أن ينقص عن خمس وعشرين ليرة أو يزيد على ألفي ليرة. وإذا لم تؤدَّ الكفالة الاحتياطية قبل التاريخ الذي حدده القاضي - وعلى الأكثر في عشرة أيام - تستبدل حكماً بالحرية المراقبة. أما إذا كان المحكوم عليه شخصاً اعتبارياً أمكن استيفاؤها بالحجز، وإذا كان ما وجد من أموال عند هذا الشخص لا يفي بالقيمة المحددة إلا بوقف عمله القانوني أمكن الحكم بحله.

وإذا لم يقترف المحكوم عليه في مدة التجربة الفعل الذي أريد تلافيه ترد الكفالة، ويشطب التأمين، ويبرأ الكفيل. وفي حالة العكس يصادر مبلغ الكفالة إذا كان مودعاً، ويُحصّل من الكفيل في حال عدم إيداعه. ويخصص هذا المبلغ للوفاء على التوالي بالتعويضات المحكوم بها للمدعي الشخصي، والرسوم القضائية، والغرامات، ويصادر ما يفيض لمصلحة الدولة.

ويمكن فرض الكفالة الاحتياطية في الحالات التالية:

(1) الحكم من أجل تهديد أو تهويل.

(2) الحكم من أجل تحريض على جناية لم تفضِ إلى نتيجة.

(3) إذا كان ثمة مجال للخوف من أن يعود المحكوم عليه إلى إيذاء المجني عليه أو أحد أفراد أسرته أو الإضرار بأملاكهم.

(4) وقف التنفيذ أو الحكم النافذ.

(5) الحكم على شخص اعتباري من أجل جريمة توجب فرض الحرية المراقبة.

ج- إقفال المحل (المواد 103 - 107من قانون العقوبات): هو تدبير احترازي قضائي، ويمكن إيجاز أحكامه بما يلي:

(1) إذا اقترف صاحب المحل جريمة في محله، أو اقترفها غيره برضاه؛ أمكن للمحكمة أن تحكم بإقفال المحل شهراً على الأقل وسنتين على الأكثر، إذا أجاز القانون ذلك بنص صريح.

ويوجب الإقفال حكماً - أياً كان سببه - منع المحكوم عليه من مزاولة العمل نفسه على الوجه الذي تم بيانه عند شرح تدبير المنع من مزاولة أحد الأعمال.

(2) إن إقفال المحل الذي قُضي به من أجل أفعال جرمية أو مخلة بالآداب يوجب منع المحكوم عليه، أو أحد أفراد أسرته، أو أي شخص تملك المحل أو استأجره على علم بأمره من أن يزاول فيه العمل نفسه. ولا يتناول هذا المنع مالك العقار، وجميع من لهم على المحل حق امتياز أو حق رهن أو دين؛ إذا ظلّوا بمعزل عن الجريمة.

(3) وإذا قضي بإقفال المحل لأن المستثمر قد باشر استثماره في محل إقامته دون ترخيص؛ أُلزم بإخلاء المحل، وذلك مع الاحتفاظ بحق المؤجر حسن النية في فسخ عقد الإجارة وفي كل عطل وضرر.

(4) وأما إذا قضي بإقفال المحل بسبب عدم أهلية المستثمر لممارسة العمل الذي قام به؛ اقتصرت مفاعيل الإقفال عليه وحده، دون أن يتعدى ذلك إلى الأشخاص الآخرين الذين يمكنهم الاستفادة من المحل.

(5) وفي حال خالف المحكوم عليه أو أي شخص آخر الأحكام السابقة المتعلقة بإقفال المحل، فإنه يعاقب بالحبس حتى ثلاثة أشهر والغرامة حتى مئة ليرة سورية.

د- وقف هيئة اعتبارية عن العمل أو حلها (المواد 108 - 111 و209 من قانون العقوبات): أقر المشرع السوري المسؤولية الجزائية للهيئات الاعتبارية. ويقصد بالهيئات الاعتبارية النقابات والشركات والجمعيات، وكل مؤسسة اقتصادية أو اجتماعية. وهذه الهيئات الاعتبارية ما خلا الإدارات العامة يمكن وقفها عن العمل، إذا اقترف مديروها أو أعضاء إدارتها أو ممثلوها أو عمالها - باسمها أو بإحدى وسائلها - جناية أو جنحة مقصودة يعاقب عليها بالحبس لمدة سنتين على الأقل.

ويُقضى بالوقف شهراً على الأقل وسنتين على الأكثر، وهو يوجب وقف أعمال الهيئة الاعتبارية كافة، وإن تبدل الاسم واختلف المديرون أو أعضاء الإدارة، ويحول دون التنازل عن المحل بشرط الاحتفاظ بحقوق الغير ذي النية الحسنة.

ويمكن للمحكمة حل الهيئة الاعتبارية في الحالات التالية:

(1) إذا لم تتقيد بموجبات التأسيس القانونية.

(2) إذا كانت الغاية من تأسيسها مخالفة للقوانين، أو كانت تستهدف في الواقع مثل هذه الغايات.

(3) إذا خالفت الأحكام القانونية المنصوص عليها تحت طائلة الحل.

(4) إذا كانت قد أوقفت بموجب قرار مبرم لم تمر عليه خمس سنوات.

ويوجب الحل تصفية أموال الهيئة الاعتبارية. ويفقد المديرون -أو أعضاء الإدارة وكل مسؤول شخصياً عن الجريمة- الأهلية لتأسيس هيئة مماثلة أو إدارتها.

ويعاقب كل من يخالف الحكم القاضي بوقف الهيئة الاعتبارية أو حلها بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وبغرامة تراوح بين مئة وألف ليرة سورية.

مراجع للاستزادة:

 

- عبد الوهاب حومد، المفصل في شرح قانون العقوبات - القسم العام (المطبعة الجديدة، دمشق 1990).

- عبود السراج، شرح قانون العقوبات - القسم العام (منشورات جامعة دمشق، 2006-2007).

- محمد الفاضل، المبادئ العامة في قانون العقوبات (مطبعة جامعة دمشق، الطبعة الرابعة، 1965).

- محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات اللبناني - القسم العام (دار النهضة العربية، بيروت 1984).


التصنيف : القانون الجزائي
النوع : القانون الجزائي
المجلد: المجلد الثاني: بطاقة الائتمان ــ الجرائم الواقعة على السلطة العامة
رقم الصفحة ضمن المجلد : 135
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 520
الكل : 28918805
اليوم : 15201