logo

logo

logo

logo

logo

التراث المشترك للإنسانية

تراث مشترك انسانيه

common heritage of mankind - patrimoine commun de l'humanité

 التراث المشترك للإنسانية

التراث المشترك للإنسانية

سوسن بكة

التراث المشترك للإنسانية في قانون البحار 

التراث المشترك للإنسانية في الفضاء الخارجي

التراث المشترك للإنسانية من منظور منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)

منطقة القطب الجنوبي

 

تعد فكرة التراث المشترك للإنسانية The common heritage of mankind فكرة جديدة نسبياً، فقد كانت أول وثيقة دولية جاءت على ذكرها هي اتفاقية عام 1967 الخاصة بالفضاء الخارجي.

ولفكرة التراث المشترك للإنسانية تطبيقات عدة على صعيد القانون الدولي ستتم دراستها وتحليل النظام القانوني الخاص بها، والجهات المسؤولة عن حماية ذلك الجزء الهام من التراث المشترك للإنسانية.

ويمكن إجمال هذه التطبيقات بالتراث المشترك للإنسانية في كلٍ من قانون البحار وقانون الفضاء، وأعمال منظمة اليونسكو. وأخيراً هناك دراسة حالة مهمة هي حالة القطب الجنوبي التي يمكن أن تدخل في إطار فكرة التراث المشترك للإنسانية وإن لم تكن الاتفاقيات الخاصة بها قد أطلقت عليها هذه التسمية.

أولاً: التراث المشترك للإنسانية في قانون البحار

كان استخدام مفهوم التراث المشترك للإنسانية في إطار قانون البحار للمرة الأولى في نصوص اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار (اتفاقية جامايكا) لعام 1982، التي دخلت حيز النفاذ في عام 1994.

فقد جاءت المادة الأولى من الاتفاقية بتعاريف تتناول تحديد مدلولات عدد من المصطلحات ومنها ما أطلق عليها بمصطلح المنطقة The area التي عرفها نص المادة بأنها:

(قاع البحار والمحيطات وباطن أرضها خارج حدود الولاية الوطنية).

ومن ثم خصت الاتفاقية الجزء الحادي عشر منها (المواد 133-191) للحديث عن الأحكام الخاصة بهذه المنطقة، فعدتها ومواردها تراثاً مشتركاً للإنسانية يحكم استغلاله عددٌ من المبادئ والقواعد.

كما عدت موارد هذه المنطقة حقاً ثابتاً للبشرية جمعاء.

وتعود أهمية منطقة التراث المشترك لما تحويه من معادن كالمنغنيز والنحاس والنيكل، وتبلغ نسبها أضعافاً مضاعفة عن احتياطي هذه المعادن على اليابسة. إضافة لما يمكن استغلال المنطقة فيه في زراعةٍ لعشب البحر Kelp أو زراعة للمحار أو إنتاجٍ للؤلؤ وغيرها من نشاطات.

1- حدود منطقة التراث المشترك للإنسانية في قانون البحار:

عرفت الاتفاقية المنطقة إلا أنها لم تحدد بدقة المقصود بحدود الولاية الوطنية التي تقع المنطقة خارجها، فكان لابد للوقوف على المفهوم الحقيقي للمنطقة التي عدت تراثاً مشتركاً للإنسانية من تحديد مدلول عدد من أقسام البحار التي جاءت الاتفاقية على ذكرها؛ وذلك لتبين ما يدخل منها في إطار الولاية الوطنية لاستبعاده حيث يقع كل ما وراء هذه الولاية تراثاً مشتركاً للإنسانية جمعاء.

وإن من أهم هذه الأقسام: البحر الإقليمي والمنطقة المتاخمة والمنطقة الاقتصادية الخالصة والجرف القاري.

ويمكن تعريفها على التوالي بما يلي:

البحر الإقليمي: هو الحزام البحري الملاصق لإقليم الدولة الساحلية البري ومياهها الداخلية، وتمتد سيادة الدولة الساحلية عليه إضافةً إلى الإقليم البري وما يعلوهما من حيز جوي. وحدد في الاتفاقية بمسافة 12 ميلاً بحرياً.

المنطقة المتاخمة: هي المنطقة الملاصقة للبحر الإقليمي لدولة من الدول، وتمارس عليها الدولة السيطرة من أجل تتبع أي خرقٍ لقوانينها وأنظمتها الجمركية أو الضريبية أو تلك المتعلقة بالهجرة أو الصحة داخل إقليمها البري أو البحري. ولا يمكن للمنطقة المتاخمة أن تمتد إلى أبعد من 24 ميلاً بحرياً.

المنطقة الاقتصادية الخالصة: هي المنطقة ما وراء البحر الإقليمي لدولة ما وملاصقة له، تمارس الدول عليها حقوق السيادة لغرض استكشاف واستغلال الموارد الطبيعية الحية وغير الحية للمياه التي تعلو قاع البحر ولا تمتد إلى أبعد من 200 ميل بحري.

الجرف القاري: هو جزء من قاع أرض المساحات المغمورة وباطنها التي تخضع للولاية الوطنية، ويمتد وفق اتفاقية عام 1982 إلى حدود الحافة القارية إلى مسافة لا تتعدى 200 ميل بحري بدءاً من خطوط الأساس.

وكما هو واضح مما سبق تتعلق الأقسام الثلاثة الأولى التي جاءت الاتفاقية على ذكرها بمياه البحر وما فيها من ثروات، في حين يتعلق الجرف القاري بقاع البحار وأعماقها التي تخضع للولاية الوطنية للدولة الساحلية فتمارس عليه منفردةً حقوق السيادة لأغراض استكشاف موارده واستغلالها.

مما يعني أن منطقة التراث المشترك للإنسانية ترتبط في تحديدها بالجرف القاري لأنها وهذا الجرف جزء من أعماق البحار، هذا إضافة إلى أن الجرف القاري هو الجزء الوحيد الذي يمكن فيه أن تمتد سيادة الدولة الساحلية إلى أبعد من 200 ميل بحري.

تحديد الجرف القاري: وضعت المادة (76) من الاتفاقية عدداً من الطرق التي يمكن من خلالها تحديد الجرف القاري تحديداً سليماً، ويمكن إجمالها فيما يلي:

أ- يشمل الجرف القاري لأي دولة ساحلية قاع أرض المساحات المغمورة وباطنها التي تمتد إلى ما وراء بحرها الإقليمي في جميع أنحاء الامتداد الطبيعي للإقليم البري لتلك الدولة حتى الطرف الخارجي للحافة القارية، على ألا يتجاوز جرفها القاري في هذه الحالة مسافة 350  ميلاً بحرياً.

ب- تمنح الدولة الساحلية جرفاً قارياً يمتد إلى مسافة 200 ميل بحري من خطوط الأساس إذا لم يكن الطرف الخارجي للحافة القارية يمتد هذه المسافة.

جـ- لا يتجاوز الجرف القاري مسافة 100 ميل بحري عندما يكون عمق البحر 2500 متر.

وعلى كل حال مهما كانت المسافة التي يمتد إليها الجرف القاري الخاضع لولاية الدولة الساحلية تعد كل أعماق البحار من وراء هذا الجرف - على اختلاف طرق تحديده - تراثاً مشتركاً للإنسانية.

2- النظام القانوني لمنطقة التراث المشترك للإنسانية في قانون البحار:

تعد منطقة التراث المشترك للإنسانية ومواردها تراثاً مشتركاً للبشرية جمعاء، ويترتب على ذلك  عدد من النتائج:

q ليس لأي دولة ادعاء السيادة على المنطقة أو مواردها، كما أنه ليس لأي شخص طبيعياً كان أم اعتبارياً ادعاء تملك المنطقة أو أي جزء منها. ويعد ذلك تدويلاً إيجابياً لأعماق البحار في هذه المنطقة، يقوم على إيجاد أنظمة تسمح بإدارة التراث المشترك فيها إدارة دولية جماعية تهدف لإثراء المجتمع الدولي بمجمله.

q يتم استغلال جميع مواد هذه المنطقة صلبة كانت أم سائلة أم غازية لمصلحة البشرية جمعاء وبصرف النظر عن الموقع الجغرافي للدول ساحلية كانت أم غير ساحلية، مع مراعاة مصالح الدول النامية والشعوب التي لم تنل كامل استقلالها.

وتقوم السلطة - التي سيتم التحدث عنها لاحقاً - بتنظيم مسؤولية هذا الاستغلال نيابة عن هذه البشرية، فلا يجوز إذاً التنازل عن موارد المنطقة إلا طبقاً لقواعد السلطة وأنظمتها.

وقد حالت فكرة الحصول على تصريح السلطة، إضافة إلى عدد من القيود الأخرى دون انضمام عدد من الدول الصناعية الكبرى للاتفاقية؛ مما أخر نفاذها للعام 1994 عندما أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة الاتفاق التنفيذي للجزء الحادي عشر من الاتفاقية بما انطوى عليه من تعديلات جوهرية إرضاءً للدول الكبرى، وتم التوصل لعدد من التسويات التي سمحت بمشاركة هذه الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية في أعمال السلطة ضماناً لمصالحها.

q يتم إجراء البحث العلمي البحري لمصلحة البشرية بما يترتب عليه من وجوب نشر نتائج هذا البحث الذي يمكن أن تقوم بإجرائه السلطة أو أي من الدول الأطراف في الاتفاقية.

q يتم التصرف بالأشياء الأثرية والتاريخية التي يعثر عليها في المنطقة لمصلحة الإنسانية جمعاء مع إيلاء اعتبار خاص للحقوق التقديرية لدولة المنشأ الثقافي أو التاريخي أو الأثري.

ومن المعلوم أن القانون الدولي لم يهتم حتى وقت قريب بمسألة حماية التراث الثقافي الكائن في أعماق البحار وبالتالي يعود لاتفاقية 1982 الفضل في وضع الأسس الأولى لقواعد قانونية في هذا الصدد.

3- عدم جواز استخدام المنطقة لغير الأغراض السلمية:

وذلك لأن التسليم بحق الدول في وضع الأسلحة التقليدية مثلاً في قاع المنطقة يتعارض بكل تأكيد مع مبدأ وجوب استغلال المنطقة لمصلحة البشرية جمعاء.

4- حماية البيئة البحرية:

أشارت المادة (146) من الاتفاقية إلى وجوب أن تراعي الدول أو السلطة مبدأ حماية البيئة البحرية أثناء قيامها بالأنشطة المتعلقة بالمنطقة الخاضعة لمبدأ التراث المشترك للإنسانية.

5- المسؤولية عن حماية التراث المشترك للإنسانية في قانون البحار:

رتبت الاتفاقية في المادة (136) منها المسؤولية أولاً على الدول لتحقيق حماية المنطقة ووضعتها رهناً للمساءلة فيما لو ترتب الضرر بالمنطقة عن إخلال الدولة بالتزاماتها المذكورة تفصيلياً في الجزء (11) من الاتفاقية. وتعفى الدولة من المسؤولية في حالة ما إذا كانت قد اتخذت جميع التدابير اللازمة والمناسبة التي من شأنها ضمان الحماية.

وقد نصت المادة (156) على إنشاء السلطة الدولية لقاع البحار التي تتكون من جميع الدول الأطراف في الاتفاقية، ومُكنت هذه السلطة من إنشاء جمعية ومجلس وأمانة عامة بوصفها الهيئات الرئيسية للسلطة، ومن مهامها ضمان حسن تطبيق الجزء الحادي عشر من الاتفاقية الخاصة بمنطقة التراث المشترك للإنسانية.

ثانياً: التراث المشترك للإنسانية في الفضاء الخارجي

أدى التقدم العلمي والفني للبشرية دوراً مهماً في تطوير النظام القانوني للفضاء الخارجي على الصعيد الدولي، فبعد إطلاق الأقمار الصناعية الأولى من قبل كلٍ من الاتحاد السو&https://www.arab-ency.com.sy/law/details/26119/2#1700;ييتي والولايات المتحدة الأمريكية منذ عام 1957 بدأ الاهتمام الدولي بهذه المنطقة وبوضع قواعد قانونية ثابتة تحكم كل ما يمكن أن يقام فيها من نشاطات.

وقد أنشأت الجمعية العامة لهذا الغرض عام 1958 جهازاً يقوم على صياغة هذه القواعد هو لجنة الاستخدامات السلمية للفضاء الخارجي.

ويعرف بعضهم الفضاء الخارجي بأنه ذلك الجزء من الهواء الذي يعلو الجو المستخدم من قبل الطائرات.

ويعد هذا تعريفاً مقبولاً وإن كان لا يفيد في تحديد الفضاء الخارجي بدقة نظراً لصعوبة تحديد الخط الفاصل بين منطقتي الفضاء الجوي والفضاء الخارجي؛ مما يبقي الأمر موضع خلاف تحت تأثير اعتبارات جغرافية وفلكية وسياسية واستراتيجية واقتصادية.

وقد ظهرت على صعيد تحديد النظام القانوني للفضاء الخارجي نظريتان، تقول أولاهما بضرورة إعمال مبدأ سيادة الدولة المطلقة التي تمتد إلى طبقات الهواء التي تعلو إقليم الدولة إلى ما لا نهاية من الارتفاع. وتقول الثانية بمبدأ حرية الفضاء الخارجي.

ويرى أصحاب هذه النظرية وجوب اعتبار الفضاء الخارجي حراً لجميع الدول، خاصة أن من غير الممكن إعمال مبدأ السيادة لأن الدول لن تتمكن من الناحية العملية من الإشراف فعلياً على ما يعلو إقليمها من فضاء.

وقد قيض القبول على صعيد المجتمع الدولي للنظرية الثانية وخاصة بعد صدور قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة لعام 1961 الذي نص على أن: «يكون لجميع الدول حرية استكشاف الفضاء الخارجي والأجرام السماوية واستخدامها وفقاً للقانون الدولي، ويحظر تملكها القومي».

1- الفضاء الخارجي في الاتفاقيات الدولية: تقرر مبدأ حرية استخدام الفضاء الخارجي لمصلحة البشرية جمعاء نتيجة لتطور قواعد القانون الدولي خاصة عن طريق إبرام عدد من الاتفاقيات المهمة التي أصبحت تعد في نظر الكثيرين جزءاً من القانون العرفي الدولي لا يسمح بادعاء السيادة على الفضاء الخارجي بالاحتلال أو غيره.

ويتألف قانون الفضاء الخارجي اليوم على نحو أساسي من خمس اتفاقيات دولية وعدد من المبادئ والإعلانات المهمة.

أما عن الاتفاقيات الخمس التي عقدت تحت رعاية الأمم المتحدة فهي:

أ- معاهدة المبادئ المنظمة لأنشطة الدول في ميدان استكشاف الفضاء الخارجي واستخدامه بما في ذلك القمر والأجرام السماوية الأخرى. اعتمدت عام 1966 ودخلت حيز النفاذ عام 1967.

ب- اتفاقية إنقاذ الملاحين الفضائيين وإعادة الملاحين الفضائيين ورد الأجسام المطلقة إلى الفضاء الخارجي. اعتمدت عام 1967 ودخلت حيز النفاذ عام 1968.

جـ- اتفاقية المسؤولية الدولية عن الأضرار التي تحدثها الأجسام الفضائية. اعتمدت عام 1971 ودخلت حيز النفاذ عام 1972.

د- اتفاقية تسجيل الأجسام المطلقة إلى الفضاء الخارجي. اعتمدت عام 1974 ودخلت حيز النفاذ عام 1976.

هـ- الاتفاقية المنظمة لأنشطة الدول على سطح القمر والأجرام السماوية الأخرى. اعتمدت عام 1979 ودخلت حيز النفاذ عام 1984.

والمهم في مجال تحديد التراث المشترك للإنسانية في الفضاء الخارجي كل من الاتفاقية الأولى والأخيرة.

أما عن الاتفاقية الأولى فقد تضمنت الإطار الأساسي لقانون الفضاء حيث أرست موادها عدداً من المبادئ الهامة، ومن أهمها ما نصت عليه المادة الأولى من أن «يباشر استكشاف استخدام الفضاء الخارجي بما في ذلك القمر والأجرام السماوية الأخرى لتحقيق فائدة ومصالح جميع البلدان أياً كانت درجة نمائها الاقتصادي والعلمي ويكونان ميداناً للبشرية قاطبة».

كما نصت المادة الثانية على عدم جواز التملك القومي للفضاء الخارجي بما في ذلك القمر والأجرام السماوية الأخرى بدعوى السيادة أو بطريق الاستخدام أو الاحتلال أو غيره.

وعلى هذا حق الدول في استخدام هذه الأجرام السماوية ليس حق ملكية أو سيادة وإنما هو حق مبني على وضع هذه الأجرام تحت تصرف المجتمع الدولي ولمصلحة البشرية.

وباستعراض مواد الاتفاقية بدقة يمكن للمرء أن يرى أن الاتفاقية لم تنص حرفياً على اعتبار الفضاء الخارجي تراثاً مشتركاً للإنسانية مما دفع بعضهم إلى القول إن فكرة استكشاف الفضاء الخارجي واستخدامه لمصلحة البشرية يجب ألا تدعو المرء إلى الاعتقاد بأنه يخضع للنظام القانوني للتراث المشترك للإنسانية استناداً إلى هذه الاتفاقية.

فمن وجهة نظر أصحاب هذا الرأي أنه على الرغم من منح الدول حرية استكشاف الفضاء واستخدامه فإن الدول تقوم بذلك غير ملزمة قانوناً بأن تكون هذه النشاطات لمصلحة البشرية جمعاء على غرار ما هو معمول به في قانون البحار، ولا أدل على ذلك في رأيهم من أن القوى العظمى التي تستخدم الفضاء إنما تقوم بذلك لمصلحتها الخاصة ، ذلك طبعاً باستثناء بعض الالتزامات التي تلقي على عاتق الدول العظمى واجب التعاون وفق معاهدات خاصة.

وعلى كل حال - وعلى النقيض من  سابقتها - فقد نصت الاتفاقية الخامسة (الاتفاقية المنظمة لأنشطة الدول على سطح القمر والأجرام السماوية) على اعتبار كل ما يدور في القمر وغيره من أجرام سماوية بكل ما فيهما من مصادر طبيعية تراثاً مشتركاً للإنسانية، لا يجوز إخضاعه للتملك الوطني بدعوى السيادة أو عن طريق الاستخدام أو الاحتلال أو غيره، سواء كان ادعاء التملك هذا من قبل دولة أم منظمة دولية حكومية أم غير حكومية أم منظمة وطنية أم شخص طبيعي. كما أكدت أن وضع العاملين أو المركبات على سطح القمر لا ينشئ حق ملكية على القمر أو ما تحت سطحه.

وقد تلقت هذه الاتفاقية معارضة شديدة من عدد من الدول الكبرى بسبب هذه المادة متسائلة عن آلية مشاركة البشرية جمعاء بما تم استكشافه أو استغلاله من فضاء خارجي، الأمر الذي بقي بعيداً عن الحل.

ونتيجة لإقرار مبدأ التراث المشترك للإنسانية صراحة في هذه الاتفاقية لم تتجاوز الدول المصدقة عليها حتى نهاية عام 2008 (13) دولة وهي أستراليا والنمسا وبلجيكا والصين ولبنان والمغرب وهولندا وكازاخستان  والمكسيك وباكستان والبيرو والفلبين، والأورغواي.

وكما هو واضح - باستثناء الصين - لم تصدق أي من الدول العظمى التي ترتاد الفضاء على الاتفاقية تهرباً من الالتزام بنصوصها.

وعلى كل حال يمكن للمنظمات الدولية الحكومية التي تمارس نشاطات فضائية أن تصبح طرفاً في هذه الاتفاقية إذا قبلت الحقوق والالتزامات المفروضة بموجب الاتفاقية، وكانت الدول الأعضاء فيها أطرافُ في الاتفاقية.

ونظراً لاستيفاء هذه الشروط أصبحت وكالة الفضاء الأوربية طرفاً في هذه الاتفاقية.

وعلى الرغم مما عانته الاتفاقيات المتعلقة بالفضاء من صعوبات في التنفيذ نتيجة ما شاب نصوصها من عيوب، فقد أرست عدداً من المبادئ الهامة التي تشكل نظاماً قانونياً للفضاء الخارجي باعتباره مجالاً غير قابل للتملك، وأنه ليس بكليته تراثاً مشتركاً للإنسانية في رأي بعض فقهاء القانون الدولي.

2- النظام القانوني للفضاء الخارجي: رتبت الاتفاقيات الخاصة للفضاء الخارجي على اعتباره غير قابل للتملك وتراثاً مشتركاً للإنسانية - في جزء منه على الأقل - عدداً من النتائج:

أ- حرية استكشاف الفضاء الخارجي واستخدامه بما في ذلك القمر والأجرام السماوية الأخرى لتحقيق فائدة جميع البلدان ومصالحها أياً كانت درجة نمائها.

ب- استكشاف الفضاء واستخدامه لجميع الدول من دون تمييز وعلى قدم المساواة.

جـ- حرية الفضاء الخارجي في إجراء الأبحاث العلمية، وتراعي فيه الدول تيسير التعاون في مثل هذه الأبحاث وتشجيعها.

د- يكون استخدام الفضاء الخارجي للأغراض السلمية فقط، حيث لا يجوز وضع أي أجسام تحمل أي أسلحة نووية أو أسلحة تدمير شامل في أي مدار حول الأرض أو على القمر أو على الأجرام السماوية الأخرى.

هـ- مسؤولية الدول عن الأضرار التي تحدثها الأجسام الفضائية وهو ما أرسته الاتفاقيات الخاصة بالفضاء جميعها وإن كانت الاتفاقية الثالثة للأمم المتحدة التي سبق ذكرها قد تناولت أحكام هذه المسؤولية بشيء من التفصيل.

ذلك أن لجنة الاستخدامات السلمية للفضاء الخارجي عكفت على صياغة هذه الاتفاقية بعدما تركت الاتفاقية الأولى لعام1967 مفهوم تعريف الضرر Domage مفهوم غير محدد.

ثالثاً: التراث المشترك للإنسانية من منظور منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)

تم تبني ميثاق منظمة اليونسكو عام 1945، وتعد المنظمة واحدة من أهم الوكالات المتخصصة التي ترتبط بالأمم المتحدة ويقع مقرها في باريس.

وقد كان من أهم الأهداف التي سعت المنظمة إلى تحقيقها منذ نشأتها الأولى تحقيق السلام الدولي والهناء العام للبشرية، وعلى هذا الأساس عملت المنظمة عبر تاريخها الطويل على حماية التراث العالمي في صوره المختلفة.

وقد قامت في سبيل ذلك بتطوير نظام قانوني يسعى إلى ضمان هذه الحماية عبر مساهمات في صياغة عددٍ لا يستهان به في الاتفاقيات والوثائق الدولية.

ولم تكتفِ المنظمة بحماية التراث العالمي الثقافي فقط بل قامت بحماية التراث العالمي الطبيعي بما يضمه من تشكيلات طبيعية بيولوجية ذات قيمة عالمية بالغة.

فقد تم تحت رعايتها تبني اتفاقية حماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي عام 1972 التي دخلت حيز النفاذ عام 1975 عندما رأى واضعو الاتفاقية أن التراث الثقافي والتراث الطبيعي مهددان على نحو متزايد ليس فقط نتيجة لأسباب تقليدية كالحروب والكوارث بل كذلك نتيجة ظروف اجتماعية واقتصادية.

وسيتم تناول هاتين الصورتين للتراث الإنساني على نحو أكثر تفصيلاً.

1- التراث العالمي الثقافي في أعمال اليونسكو: تعد الممتلكات الثقافية وعلى رأسها الآثار عنصراً من العناصر الأساسية للحضارة الإنسانية، فضلاً عن الحضارة الوطنية لشعب من الشعوب، فقد شهدت المعمورة ميلاد حضارات كبيرة أدت دوراً متميزاً في تقدم الإنسانية وتطورها. ومنها الحضارة السومرية والبابلية والآشورية والمصرية وغيرها.

وقد أثرت هذه الحضارات تراث الإنسانية عبر آلاف السنين بكثير من العمائر والآثار والقطع الفنية التي جعلت منها محط أنظار المجتمع الدولي بأسره.

وقد دفع هذا للاهتمام بحمايتها بقواعد قانونية راسخة متينة فكانت جهود اليونسكو.

وقبل الحديث عن اتفاقية عام 1972 للتراث العالمي الثقافي والطبيعي كان لابد من الحديث عن عددٍ من الاتفاقيات الدولية الهامة التي سبقتها والتي أسهمت اليونسكو في صياغتها حمايةً للتراث الثقافي والبشرية.

ولعل من أهم هذه الاتفاقيات اتفاقية لاهاي لعام 1954 لحماية الممتلكات الثقافية في حالة النزاع المسلح، ووجد واضعوها أن غياب المعايير القانونية أدى إلى تدمير العديد من هذه الممتلكات ونهبها إبان النزاعات المسلحة مما يستدعي تحركاً دولياً.

وقد عرفت هذه الاتفاقية الممتلكات الثقافية بأنها كل الإنتاجات المتأتية عن التعابير الذاتية الإبداعية للإنسان سواء كان ذلك في الماضي أم الحاضر في المجالات الفنية أم العلمية أم الثقافية التي لها أهمية في تأكيد استمرارية المسيرة الثقافية وفي تأكيد معنى التواصل الثقافي ما بين الماضي والحاضر والمستقبل. وعدت الاتفاقية أن ما يصيب هذه الممتلكات من أضرار يصيب البشرية جمعاء.

وبعد ذلك تم في المؤتمر العام لمنظمة اليونسكو تبني اتفاقية حماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي لعام 1972 التي عرفت التراث الثقافي بأنه:

أ- الآثار: الأعمال المعمارية، وأعمال النحت، والعناصر أو التكاوين ذات الصفة الأثرية، والنقوش، والكهوف، ومجموعات المعالم التي لها جميعاً قيمة عالمية استثنائية من وجهة نظر التاريخ، أو الفن، أو العلم.

ب- المجمعات: مجموعات المباني المنعزلة أو المتصلة، التي لها بسبب عمارتها، أو تناسقها، أو اندماجها في منظر طبيعي قيمة عالمية استثنائية من وجهة نظر التاريخ، أو الفن، أو العلم.

جـ- المواقع: أعمال الإنسان، أو الأعمال المشتركة بين الإنسان والطبيعة، وكذلك المناطق بما فيها المواقع الأثرية، التي لها قيمة عالمية استثنائية من وجهة النظر التاريخية، أو الجمالية، أو الأثنولوجية، أو الأنثروبولوجية.

2- التراث العالمي الطبيعي في أعمال اليونسكو: عرفت المادة (2) من اتفاقية عام  1972 التراث الطبيعي بأنه: المعالم الطبيعية المتألقة من التشكلات الفيزيائية أو البيولوجية من مجموعات هذه التشكيلات، التي لها قيمة عالمية استثنائية من وجهة النظر الجمالية، أو العلمية، والتشكلات الجيولوجية أو الفيزيوغرافية، والمناطق المحددة بدقة مؤلفة من موطن الأجناس الحيوانية أو النباتية المهددة التي لها قيمة عالمية استثنائية من وجهة نظر العلم، أو المحافظة على الثروات.

والمواقع الطبيعية أو المناطق الطبيعية المحددة بدقة التي لها قيمة عالمية استثنائية من وجهة نظر العلم، أو المحافظة على الثروات أو الجمال الطبيعي.

¯ آليات الحماية في اتفاقية اليونسكو لعام 1972: يضطلع بمهمة حماية التراث العالمي وفق هذه الاتفاقية لجنة التراث العالمي التي نصت المادة الثامنة من الاتفاقية على إنشائها والتي تتألف من (21) عضواً وهي المكلفة بتنفيذ الاتفاقية.

وتجتمع الدول الأطراف في الاتفاقية كل عامين في مقر اليونسكو بباريس حيث يصار لانتخاب الأعضاء الجدد في اللجنة.

أما عن اللجنة ذاتها فقد أوجبت المادة الحادية عشرة من الاتفاقية عليها إنشاء قائمة للتراث العالمي قابلة للتحديث على الأقل كل سنتين.

هذا إضافة إلى قائمة أخرى تدعى «التراث العالمي في خطر».

أما عن القائمة الأولى فيكون على اللجنة فيها:

أ- إدراج مواقع جديدة على قائمة التراث العالمي.

ب- تحديد ما يتوجب اتخاذه من إجراءات بغية حفظ الممتلكات المدرجة مسبقاً على القائمة.

أما عن الدول التي تقع معالم التراث على أرضها فعليها أن تدرك أن الإرث الموجود على أرضها إرث عالمي من واجب المجتمع الدولي بأسره التعاون لحمايته بتقديم مساعدات مالية وفنية وعلمية.

وتوجب المادة الخامسة على الدول الأطراف في المعاهدة إنشاء هيئات خاصة لحماية الإرث الموجود على أرضها، واتخاذ إجراءات قانونية وعلمية وفنية وإدارية ومالية لحمايته، وإنشاء مراكز تدريب للحماية يتم تمويلها من قبل صندوق التراث العالمي.

وقد بلغ عدد مواقع التراث على قائمة التراث العالمي حتى نهاية عام 2008 /878/ موقعاً، منها /679/ موقعاً ثقافياً، /471/موقعاً طبيعياً و/25/ موقعاً يضم الصنفين في /145/ دولة عضواً. وتمثل إيطاليا الرقم الأكبر في عدد المواقع الذي يبلغ /43/ موقعاً. أما عن الدول العربية فيبلغ عدد المواقع فيها /65/ موقعاً، /60/ منها ثقافي و(4) طبيعي و(1) مختلط.

ويعد من أهم المواقع المحمية المدن العربية القديمة كمدينة دمشق ومدائن صالح في السعودية التي دخلت مؤخراً في قائمة التراث العالمي.

وإن من أهم المواقع الثقافية المشمولة للحماية على الصعيد العالمي تاج محل في الهند والحاجز المرجاني الكبير في أستراليا بوصفه إرثاً طبيعياً.

رابعاً: منطقة القطب الجنوبي

إضافة إلى كونها موقعاً هاماً لحفظ المواد البحرية الحية على الكرة الأرضية تعد المناطق القطبية مرصداً فضائياً ممتازاً، فقد دفع الاهتمام بالفضاء المجتمع الدولي لمحاولة صياغة قواعد دائمة تحكم التعاون الدولي الخاص بهذه المناطق، وقد صيغت نتيجة لهذه المحاولات معاهدة القطب الجنوبي التي وقع عليها عام 1959 ودخلت حيز التنفيذ عام 1961. صدق عليها في حينه 12 بلداً من بينها عدد من الدول الكبرى.

وتهدف المعاهدة أساساً إلى حماية القارة الجنوبية، فقد نصت المعاهدة في بنودها على اعتبار منطقة القطب الجنوبي أرض سلام وعلم مجردة من السلاح، ومُنع فيها إجراء أي تجارب على الأسلحة على اختلاف أنواعها أو إنشاء قواعد عسكرية.

وعلى النقيض مما نصت عليه المعاهدة من منع للنشاطات العسكرية لا تمنع المعاهدة الأنشطة السلمية التي تسعى إلى التوصل إلى ما يفيد البشرية جمعاء.

وتشارك حالياً عدد من الدول في أبحاث القطب الجنوبي.

ومن أهم هذه الأبحاث ما تقوم به محطة الأبحاث الروسية من حفر تحت سطح الجليد بحثاً عن بحيرة تتميز بأهمية فريدة لاحتفاظها بحالتها البدائية منذ ملايين السنين والتي تأكد وجودها عام 1996.

وتواجه القارة القطبية الجنوبية اليوم تحدياً كبيراً نتيجة لظاهرة الاحتباس الحراري التي تمثل خطراً عاماً على الأرض والبشرية جمعاء إذ يمكن أن تسبب انهيار مجموعات من الطبقة الثلجية الضخمة متبعثرة في البحر على شكل آلاف الجبال الجليدية. 

وعلى هذا يمكن اعتبار منطقة القطب الجنوبي منطقة خاصة بالتراث المشترك الإنساني وإن كانت نصوص المعاهدة لم تسمها بهذا الاسم.

مراجع للاستزادة:

 

- عبد المنعم محمد داود، القانون الدولي للبحار والمشكلات البحرية العربية (منشأة المعارف، الاسكندرية 1999).

- صلاح الدين عامر، القانون الدولي للبحار (دار النهضة العربية 2000).

- علي خليل إسماعيل الحديثي، حماية الممتلكات الثقافية في القانون الدولي (مكتبة دار الثقافة للتوزيع والنشر، الأردن 1999).

- إبراهيم العناني، القانون الدولي العام (المطبعة التجارية الحديثة 1990).

- شارل شومون، قانون الفضاء، ترجمة سموحي فوق العادة (منشورات عويدات، بيروت 1972).

 


التصنيف : القانون الدولي
النوع : القانون الدولي
المجلد: المجلد الثاني: بطاقة الائتمان ــ الجرائم الواقعة على السلطة العامة
رقم الصفحة ضمن المجلد : 153
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 556
الكل : 31202100
اليوم : 27257