logo

logo

logo

logo

logo

الآفات الرئوية السادة المزمنة

افات ريويه ساده مزمنه

chronic obstructive pulmonary diseases (COPD) - maladies pulmonaires obstructives chroniques (MPOC)



الآفات الرئوية السـادة المزمنة

أهمية الداء

مقدمة تشريحية وفيزيولوجية

أشكال الانسداد القصبي

المعالجة

 

 

 

نعيم شحرور

 

الآفات الرئوية الانسدادية المزمنة  chronic obstructive pulmonary diseases (COPD) هي مجموعة من الآفات الرئوية تتميز بتضيق قطر القصبات الذي يؤدي إلى تدني سرعة جريان الهواء عبرها في الزفير. وتتضمن بصفة رئيسة مرضين مهمين وشائعين هما: انتفاخ الرئة emphysema؛ والتهاب القصبات المزمن chronic bronchitis،  إلا أن هذا التعريف يمكن أن يشمل بعض الأمراض الأخرى الشائعة مثل الربو asthma وأخرى أقل شيوعاً كالتوسع القصبي bronchiectasis والتليف الكيسي cystic fibrosis. تتظاهر هذه الأمراض بأعراض متنوعة أهمها ضيق النفس والسعال وأحياناً فرط الإفراز المخاطي، وقد يكون الانسداد قابلاً للتراجع كما في الربو أو ثابتاً كما في انتفاخ الرئة وغيره من الأدواء.

أهمية الداء

تعد الآفات الرئوية الانسدادية المزمنة من الأمراض الشائعة في العالم إذ تصيب واحداً من كل مئة شخص. ففي بلد مثل سورية قد يصل عدد المصابين إلى مئتي ألف مريض، وستحتل قريباً المرتبة الثالثة في العالم بين الأمراض المميتة لدى الإنسان بعد أمراض القلب والآفات الوعائية الدماغية cerebrovascular diseases متجاوزةً بذلك أكثر السرطانات شيوعاً وحوادث المرور وضحايا الحروب (الشكل1).

يزداد حدوث المرض بزيادة العمر والتدخين. وعلى الرغم من أن نسبة الموت بالمرض تزيد ثلاثة أضعاف في الذكور عنها في الإناث، إلا أن ذلك قد يتغير مع الزمن لأن عدد المصابات بدأ يتجاوز عدد المصابين في كثير من البلدان منذ عام  2000 (الشكل2). ولأهمية المرض عالمياً فقد تشكلت لدراسته هيئة عالمية خاصة من كبار الخبراء تسمى المبادرة العالمية للآفات الرئوية الانسدادية المزمنة يبدو شعارها في (الشكل3).

الشكل (1) تغير نسب الموت للأمراض المزمنة

الشكل (2)

الشكل (3) المبادرة العالمية للداء الرئوي الانسدادي لمزمن

 

مقدمة تشريحية وفيزيولوجية

لفهم الانسداد القصبي يجب فهم بعض الأسس التشريحية والفيزيولوجية للرئتين:

إن أهم وظيفة للرئتين هي القيام بتوفير الأكسجين اللازم للأنسجة بغية توفير القدرة اللازمة لمختلف عمليات البدن الحيوية، والتخلص من غاز ثاني أكسيد الفحم الناجم عن عمليات الاستقلاب. وتختلف حاجة البدن من الأكسجين حسب الأحوال، فهي قد تكون متدنية جداً في الراحة تراوح بين 3 و4مل من الأكسجين في الدقيقة وتزداد في حالة الجهود العنيفة حتى تصل إلى 60 مل. وتتطلب هذه الزيادة الشديدة في الحاجة زيادة مماثلة وسريعة في سرعة جريان الدم وزيادة كمية الهواء الداخلة وزيادة مساحة التماس بين الدم والهواء بشكل واسع لتوفير التبادل الغازي الملائم.

1- البنية :Structure يسلك الهواء طرقاً معقدة متشعبة حتى يصل إلى الحويصلات. يفيد الأنف والبلعوم في تسخين الهواء الداخل وتنقيته وترطيبه. ويثير مرور الهواء عبر الحنجرة عمل مجموعة من العضلات الرقبية والغضاريف بحيث تبقى معها الحنجرة مفتوحة طوال الشهيق.

تتلو الرغامى الحنجرة وتتفرع عند المهماز carina القصبي الرغامي إلى قصبتين رئيستين ثم يستمر الانقسام القصبي حتى القصبات الصغيرة حيث تصبح الغضاريف أقل اكتمالاً. ثم تغيب الغضاريف غياباً تاماً حينما يصل قطر القصبات إلى 1-2مم.

تنتهي القصبات التسع عشرة الأولى بالقصيبات الانتهائية terminal bronchioles التي تنتهي بالقنوات السنخية alveolar ducts ثم بالأكياس السنخية alveolar sacs. وفي هذه النقطة تصل مساحة السرير الحويصلي الشعري إلى نحو 50 -100 متر مربع. تتألف بطانة هذا الغشاء الحويصلي الشعري من خلايا رئوية من النموذجين I أو II تُدعى الخلايا الرئوية pneumonocytes، وينتج النموذج الثـاني II عامل التوتر السطحي المسمى سورفاكتانت surfactant المسؤول عن إبقاء الأسناخ مفتوحة.

2- التهوية :ventilation تقوم العضلات التنفسية بتوسيع حجم الصدر وخفض ضغط الطرق الهوائية إلى ما تحت مستوى الضغط الجوي داعياً إلى دخول الهواء إلى الرئتين. أما الزفير فهو عمل منفعل passive لأن المرونة الداخلية الرئوية ومرونة القفص الصدري تعيدهما إلى وضعهما الأصلي على حالة الراحة. وتقوم العضلات الزفيرية بالمساعدة على إفراغ الرئتين حين تزايد متطلبات التهوية.

تتألف العضلات التنفسية من الحجاب الحاجز والعضلات الوربية والعضلات المساعدة وعضلات جدار البطن. والحجاب الحاجز هو عضلة الشهيق الأساسية.

وتؤثر في التهوية قوتان: الأولى: تشمل المرونة  elastance، وعكسها المطاوعة compliance وهي تغير الحجم بتغير الضغط. وتكون المطاوعة جيدة حين يمدد الهواء الداخل الرئة من دون أن يحدث ازدياداً مهماً في الضغط الرئوي. أما القوة الثانية فهي مقاومة الطرق الهوائية وهي تتعلق إلى حد كبير بمجموع مقاطع هذه الطرق. وهناك عوامل عديدة تؤثر في مقاومة الطرق الهوائية؛ كانغلاقها بسبب تشنج العضلات القصبية كما في الربو؛ أو انسدادها بالمفرزات كما في التهاب القصبات المزمن، أوانخماصها كما في الانتفاخ الرئوي.

يقسم حجم الهواء الداخل إلى الرئتين إلى قسمين: قسم يصل إلى الحويصلات ويشارك في التهوية فعلاً وهو الذي يدعى الحجم الحويصلي، وقسم يملأ الطرق التنفسية ولا يشارك في عملية التنفس وهو ما يدعى بالحيز الميت dead space.

3- الأوعية الدموية :vessels يرد الدم إلى الرئتين من مصدرين وعائيين: الدوران الرئوي والدوران القصبي. مهمة الدوران القصبي تغذية جهاز التنفس في حين يقوم الشريان الرئوي وفروعه بمهمة التبادل الغازي.

الشكل (4)

الفزيولوجيا المرضية لانسداد الطرق الهوائية

يظهر الانسداد القصبي بصفة رئيسة في الزفير وآلياته متنوعة.

يزداد جريان الهواء عبر القصبات طرداً مع قوة اندفاع الهواء وعكساً مع مقاومة الطرق الهوائية. وتعود قوة الاندفاع خلال الزفير إلى الارتداد المرن elastic recoil للنسيج الرئوي، فتنقص بنقص المرونة أو بزيادة المطاوعة. وتزداد المقاومة بنقص قطر لمعة القصبات لأسباب مختلفة.

ففي النفاخ الرئوي يؤدي نقص المرونة وزيادة المقاومة إلى تدني الجريان الزفيري.

أما في الزفير فسبب زيادة مقاومة الطرق الهوائية هو التشنج القصبي الناجم عن تقبض العضلات الملس ضمن جدار القصبات.

وأما الالتهاب المزمن الناتج من التخريش بالملوثات الخارجية أو الدخان أو الخمج المتكرر الذي يحدث في التهاب القصبات المزمن وتوسع القصبات؛ فيؤدي إلى ثخن الطرق الهوائية وتضيقها وفرط إفراز المخاط اللزج الذي يسهم في انسداد لمعة القصبات.

يؤدي الانسداد القصبي الموصوف إلى تغيرات الحجوم الرئوية، إذ يدخل الهواء ولايخرج كله، الأمر الذي يؤدي إلى انحباس جزء من الهواء فيزداد الحجم الباقي residual volume والسعة الرئوية الكلية  total lung capacity (T.L.C).

ويؤدي الانسداد القصبي وتهتك الحجب السنخية إلى سوء تناسب التهوية/التروية مما يقلل من فعالية انتقال كل من غازي الأكسجين وثاني أكسيد الفحم (الشكل4).

ويرافق ازدياد الانسداد القصبي السريع - الذي يسمى السورة الحادة للإصابة المزمنة - ازدياد التشنج القصبي أو الخمج ويقود إلى تردي نسبة التهوية/ التروية والتبادل الغازي. 

وحين يزداد جريان الدم في الشخص السليم كما في التمارين الرياضية تتناقص المقاومة الوعائية بسبب انفتاح الأوعية المغلقة؛ مما يؤدي إلى ازدياد الجريان الدموي ازدياداً واسعاً من دون ازدياد الضغط. أما في الأمراض الرئوية المزمنة فإن ارتفاع الحجم الرئوي يؤدي إلى ارتفاع التوتر الرئوي  بسبب انضغاط الأوعية بين السنخية، كما أن عوز الأكسجين hypoxia والحماض يؤدي إلى تشنج الأوعية وهي آلية واقية بهدف الحفاظ على نسبة التهوية/ التروية ثابتة. 

وهكذا يضطرب التبادل الغازي في الآفات الرئوية المزمنة بالآليات التالية:

1- نقص التهوية hypoventilation: ويؤدي إلى نقص أكسجين الدم الشرياني وارتفاع غاز ثاني أكسيد الفحم.

2- اضطراب الانتشار abnormal diffusion: تنقص سعة انتشار الغازات عبر النسيج الرئوي إلى الدم بسبب تدني عدد الشعريات المفتوحة وتهتك الحجب بين الأسناخ.

3- اضطراب نسبة التهوية/التروية mismatch ventilation/perfusion: بسبب دخول الهواء إلى أماكن ليس فيها تروية كافية.

أشكال الانسداد القصبي

الشكل (5) وظائف الرئة

1- الداء الرئوي الانسدادي المزمن:

يصيب هذا الداء غالباً  الأشخاص المدخنين في الكهولة والشيخوخة كما قد يصيب الأشخاص المعرضين للمواد الكيميائية أو الأغبرة المختلفة: ويتميز بانسداد قصبي بطيء ومتزايد تتخلله سورات (هجمات حادة) من الزلة والقشع والسعال يرافقه أحياناً قصور تنفسي حاد قد يستلزم دعماً تنفسياً ومراقبة في العناية المشددة. وأهم سبب لحدوث السورات هو غالباً الخمج لكنها قد تحدث بسبب قصور القلب أو عدم التزام المرضى المعالجة الموصوفة. ويبدو أن الإنذار على المدى البعيد ليس جيداً مع هجمات القصور التنفسي، كما يبدو أن المعالجة الحديثة لم تستطع أن تغير كثيراً من هذا الإنذار.

يراجع المرضى لزلة وعدم تحمل الجهد، ويكون السعال والقشع عرضين شائعين. يُظهر الفحص السريري فرط انتفاخ رئوي وخفوت الأصوات التنفسية وأزيزاً زفيرياً. ويكثر لدى هؤلاء المرضى النحول والوذمات والزرقة.

يعتمد التشخيص على الأعرض السابقة في شخص مدخن. ويؤكد بتحري وظائف الرئة التي تظهر الانسداد القصبي اللاعكوس وهذا ما يميزه من الربو (الشكل5). ومن الميزات الهامة زيادة حجم الهواء الباقي والسعة الرئوية الكلية.

أما غازات الدم فتبدي في الحالات المتقدمة نقص أكسجين الدم وارتفاع غاز ثاني أكسيد الفحم، مما يؤدي إلى تشنج وعائي شديد في شعب الشريان الرئوي يتلوه فرط توتر رئوي مع تأثر القلب الأيمن (القلب الرئوي) وقد يعقب ذلك كثرة الكريات الحمر polycythemia.

يتضمن الداء الرئوي الانسدادي المزمن مرضين رئيسين: النفاخ الرئوي والتهاب القصبات المزمن.

أ- النفاخ الرئوي :emphysema يتميز نفاخ الرئة بخاصتين:

- تشريحياً بزيادة كمية الهواء في القصيبات الانتهائية والحويصلات مع تخرب جدر الحويصلات واندماجها مشكلة فقاعات هوائية كبيرة ومن هنا أتى تعبير الانتفاخ (الشكل7).

- فيزيولوجياً بتدني الارتداد المرن وزيادة المطاوعة الرئوية وانغلاق القصيبات الصغيرة وهذا هو سبب الانسداد المشاهد.

آلية حدوث النفاخ هي تعرض الرئة للمخرشات كالتدخين الذي يعد العامل الرئيس المسبب، مما يخل التوازن بين إنزيمات البروتياز (التي تحل البروتينات الرئوية) ومضاداتها في الرئتين وينتهي بتخريب البنية الرئوية والجدر السنخية خاصة. ويبدو ذلك بأسوأ صوره في نقص إنزيم ألفا -1- أنتي تريبسين وهو الإنزيم الرئيسي الناهي للبروتياز.

يعتمد تشخيص النفاخ الرئوي على المعطيات السريرية والشعاعية والمخبرية، إذ تبدي الصورة الشعاعية فرط انتفاخ في الرئة (الشكل 8)، وتزايد أبعاد الصدر ولاسيما القطر الأمامي الخلفي، واتساع مساحة الهواء خلف القص. ويلاحظ في الحالات المتقدمة تناقص ظلال التوعية الرئوية مع فقاعات انتفاخية. وتبدو التبدلات أوضح في التصوير المقطعي المحوسب. وتشير وظائف الرئة إضافة إلى ما سبق إلى تدني سرعة انتشار الغازات بسبب تدني مساحة التماس الوعائي الشعري - السنخي.

ب- التهاب القصبات المزمن :chronic bronchitis يُعرّف التهاب القصبات المزمن بأنه سعال منتج لقشع لفترة تزيد على ثلاثة شهور متتابعة سنوياً ولمدة سنتين متتاليتين. والعامل الرئيس المسبب كما في النفاخ الرئوي هو التدخين (الشكل10)، وقد يكون التعرض للملوثات الجوية كالغبار والغازات المخرشة شأن مساعد. ويعود الانسداد في هذه الحالة إلى ثخن جدار القصبات وزيادة القشع اللزج داخلها.

الشكل (6) الداء الرئوي الانسدادي المزمن

الشكل (7) تأثير النفاخ على المطاوعة وسعة الانتشار

الشكل (8) النفاخ الرئوي. تظهر صورة الصدر الشعاعية الجانبية اليمنى زيادة واضحة في القطر الأمامي الخلفي للصدر كما تؤكد هبوط الحجاب الحاجز

2- الربو :asthma

الربو هو فرط استثارة القصبات لمنبهات مختلفة كالغبار أو غبار الطلع أوالمواد الكيميائية مما يؤدي إلى تضيق الطرق الهوائية تضيقاً شاملاً ومنتشراً، وهو تضيق عكوس تلقائياً أو بالمعالجة. وينجم انسداد الطرق الهوائية عن التشنج القصبي إضافة إلى ثخن الغشاء المخاطي وفرط إفراز المخاط.

يشتبه بتشخيص الربو حين وجود نوب من ضيق النفس مرافقة الأزيز والسعال. وتظهر الأعراض في الحالات النموذجية ليلاً أو بعد الجهد أو التعرض للبرد أو الغازات المخرشة.

ويتأكد التشخيص باختبارات وظائف الرئة التي تُظهر الانسداد القصبي العكوس بالموسعات القصبية، كما يمكن تأكيد التشخيص بإحداث تشنجٍ قصبي بإنشاق محاليل مشنجة للقصبات كالهيستامين أو الميتاكولين وتحسنه بإعطاء الموسعات القصبية.

الشكل (9) النفاخ الرئوي

الشكل (10)

3- آفات أخرى تؤدي إلى الانسداد القصبي:

أ- التوسع القصبي :bronchiectasis التوسع القصبي هو توسع الجدر القصبية توسعاً مرضياً ودائماً ناجماً عن تخرب عناصر الدعم القصبي (العضلات الملس وَالْغَضَارِيف والألياف المرنة) في جدر القصبات المصابة.

قد يكون التوسع موضعاً أومعمماً. وهو ناجم في الغالب عن إصابة الرئة إصابة خمجية مخربة، وقد يكون في طفولة المريض إصابة بالحصبة أو السعال الديكي، وقد خفت نسبة حدوثهما بعد انتشار التلقيح. ويشاهد التوسع القصبي الآن عقابيل لأخماج الرئة ببعض الجراثيم ولاسيما في الأطفال. ويهيئ لحدوث هذا المرض الاضطراب المناعي الناجم عن نقص البروتينات المناعية المسماة الغاماغلوبولين، مما يؤدي إلى حدوث أخماج متكررة في القصبات. ومن العوامل الأخرى المساعدة التعرض للغازات المخرشة والمخربة للقصبات، ونقص التصفية القصبية للبلغم بسبب عطالة الأهداب القصبية immotile cilia syndrome، وهي آفة ولادية خلقية ناجمة عن عيب بنيوي في الأهداب. وتترافق هذه الآفة وآفات ولادية أخرى كالتهاب الجيوب، والانقلاب الحشوي، والقلب الأيمن dextrocardia.

يستند التشخيص إلى وجود سعال مزمن منتج لقشع غزير الكمية مخاطي أو قيحي، ومدمى أحياناً. ويتميز الفحص السريري بوجود انتفاخ نهايات الأصابع (تعجر الأصابع)، وخراخر قصبية غزيرة ناجمة عن تحرك البلغم بدخول الهواء إلى القصبات.

يتطور المرض بسبب الانسداد المزمن ونقص الأكسجة المديد إلى قلب رئوي، وقد يحدث نفث دموي غزير مميت.

ويتم التشخيص الأكيد برؤية التوسع القصبي بالتصوير المقطعي المحوسب عالي الميز .high resolution CT

ب- التليف الكيسي:cystic fibrosis  يتصف التليف الكيسي باضطراب الغدد ذات الإفراز الخارجي في عدد من الأعضاء مما يعوق إفراغ مفرزاتها. وهو ناجم عن طفرة متنحيةٍ recessive mutation في أحد الصبغيات الجسمية، ويصيب واحداً من كل مائة ألف مولود من العرق الأبيض.

ومع أن العيب الصبغي أصبح الآن معلوم التوضع (وهو في قسم صغير من الصبغي السابع)، ولكن سبب حدوثه غير معروف. وتشير الدراسات الحديثة إلى أن آليته هي وجود اضطراب في عبور الشوارد في خلايا النسيج الظهاري وحصار في قناة الكلور.

تشبه الفيزيولوجيا المرضية للإصابة الرئوية مثيلتها في الأسباب الأخرى للتوسع القصبي مع مخاط لزج واضطراب وظيفة الأهداب المهتزة، وخمج متكرر والتهاب مزمن وتخرب الجدر القصبية.

يتظاهر المرض في الأطفال في البدء بإسهالات دهنية وانسداد معوي، ولكن الإصابة الرئوية تكون هي المسيطرة وتشكل المعضلة الرئيسية، وهي معندة على المعالجة. والجراثيم المسؤولة عن الأخماج التنفسية المتكررة هي العنقوديات المذهبة والزوائف الزنجارية Pseudomonas aeruginosa.

يعتمد التشخيص النهائي على ارتفاع تركيز الصوديوم والكلور في العَرَق والذي يصل إلى 60 مليمول/لتر في الأطفال و80 مليمول في الكهول. وقد سمح التقدم الحادث في الصادات والعناية التمريضية وإتقان التغذية بتحسين الإنذار في هؤلاء المرضى؛ إذ يصل معدل البقيا إلى 40 سنة في أيامنا هذه بعد أن كان لا يتعدى السنتين منذ نصف قرن.

المعالجة

سمح تقدم المعارف حول الأسباب والآليات الإمراضية لهذه الآفات بمعالجة أسبابها وفيزيولوجيتها، مثال ذلك استعمال ألفا -1- أنتي تريبسين لانتفاخ الرئة بسبب عوز هذا الإنزيم.

أما المعالجات العامة فتتضمن مجموعة من الإجراءات توجز بما يلي:

1- الموسعات القصبية :bronchodilators

تصنف الموسعات القصبية في ثلاث زمر:

أ- مقلدات الودي: وتنبه مستقبلات الأعصاب الودية المسؤولة عن توسيع القصبات، وهي نوعان: قصيرة الأمد وطويلة الأمد. وهذه الزمرة هي أقوى الموسعات القصبية وتعد نوعية لمستقبلات B2 المسؤولة عن توسيع القصبات، وتعطى عن طريق الإرذاذ مما يقلل من أعراضها الجانبية ويسرع من تأثيرها.

ب- المتيل كزانتين: كالثيوفيللين، وهو موسع قصبي ويقوي عضلة القلب والعضلات التنفسية، ويتعلق تأثيره العلاجي وتأثيراته الجانبية بتركيزه الدموي الذي يجب أن يبقى ضمن حدود ضيقة. وللدواء مشكلة أخرى وهي وجود عوامل كثيرة تتدخل في إطراحه من الجسم واستقلابه ضمن الكبد، فالتدخين يزيد من استقلابه وينقص من مستواه الدموي، في حين يزيد تركيزه باستعمال العديد من الأدوية مثل إريثروميسين وأشباهه، ومانعات الحمل الفموية، وفينيتوئين، ولقاح النزلة الوافدة، إضافة إلى قصور القلب، وتشمع الكبد.

ج- حالاّت المبهم أو المضادات الكولينرجية: وهي تحصر عمل الأعصاب نظيرة الودية التي تشنج القصبات كالعصب المبهم. كانت هذه الأدوية أول الموسعات القصبية استعمالاً ثم تضاءل استعمالها بسبب أعراضها الجانبية، ولكن عاد لها شأنها حين عرف دور العصب المبهم في إحداث التشنج القصبي. وهي فعالة وخاصة في مرضى الأدواء الانسدادية المزمنة وبعض مرضى الربو. 

2- الستيروئيدات القشرية :corticosteroids

وهي أدوية مضادة للالتهاب والوذمة القصبية فتسهم في التخفيف من شدة الانسداد القصبي في الحالات الحادة والمزمنة، ولها شأن رئيسي في هجمات الربو الحادة والسورات الحادة للآفات الرئوية الانسدادية المزمنة، كما أنها تسمح بتقصير مدة الاستشفاء وتقلل من تردد الهجمات. ويمكن استخدامها جهازياً (فموياً أو حقناً) أوإرذاذاً، إلا أن المضاعفات الناجمة عن استعمالها الجهازي المديد يحتم استخدامها بالإنشاق ما أمكن.

3- كرومولين الصوديوم  :cromolyn sodium

يعطى إنشاقاً للوقاية من التشنج القصبي في بعض المرضى الربويين، ولكنه لا يفيد في علاج الهجمات الحادة أو في الآفات الأخرى السادة. وآلية عمله منع الخلايا البدينة mast cells من إفراز الوسيطات mediators الكيميائية المشنجة للقصبات. وقد بطل استعمال هذا الدواء عملياً.

4- الأكسجين:

يؤدي عوز الأكسجين المشاهد في أمراض الرئة الانسدادية إلى حدثين ضارين:

أ- تناقص الأكسجين الواصل إلى النسج مع ما يصاحبه من اعتلال في وظائف العضوية.

ب- تشنج وعائي في السرير الوعائي الرئوي مما يؤدي إلى داء القلب الرئوي .

والمعالجة بالأكسجين جزء مهم متمم لمعالجة المرضى المصابين بآفات رئوية انسدادية، ويجب اللجوء إليها حينما يهبط إشباع الأكسجين في الدم الشرياني أقل من 88% أو يهبط الضغط الجزئي للأكسجين تحت 55 ملم زئبقي.

ومن الملاحظ أن معالجة الآفات الانسدادية الرئوية المزمنة معالجة طويلة بالأكسجين حسّن البقيا بوضوح، وأن الفائدة القصوى لهذه المعالجة تكون حين تطبيقها باستمرار.

5- الصادات واللقاحات:

تنجم معظم السورات الحادة للآفات الانسدادية المزمنة عن الخمج الثانوي؛ إذ تستعمر الطرق التنفسية في هؤلاء المرضى مجموعة من الجراثيم الممرضة التي تتكاثر على فترات. على أن اللجوء إلى الصادات أمر غير مرغوب إذا لم تكن هناك علامات واضحة سريرية للخمج، أو تغير في صفات القشع كماً أو لوناً.

 وأما الوقاية فتتم بإعطاء لقاح الإنفلونزا سنوياً؛ إذ أثبت فعاليته في الإقلال من الهجمات والوفيات في حالات الجائحات. ويبدو أن اللقاح المضـاد للمكورات الرئوية فعّال في الوقاية من الإنتان الدموي والتهاب السحايا بالمكورات الرئوية.

6- المعالجة بضغط الهواء الإيجابي المستمر :continuous positive airway pressure

أثبتت هذه الطريقة نجاحها في الآفات السادة مع بداية القصور التنفسي وارتفاع غاز ثاني أكسيد الفحم، وغالباً ما تستخدم مع الأكسجين ليلاً لإراحة العضلات التنفسية.

7- الامتناع عن التدخين:

هو التدبير الذي لا غنى عنه في مرضى الآفات الانسدادية الرئوية المزمنة لإيقاف التدهور المتسارع في الوظائف الرئوية. وحين الامتناع عن التدخين يتحسن معدل الوظائف الرئوية جزئياً ويصبح معدل تراجع وظائف الرئة موازياً لمعدله في غير المدخنين.

8- المعالجة الفيزيائية وإعادة التأهيل :physiotherapy and rehabilitation

المعالجة الفيزيائية للصدر بالقرع والوضعيات المفرغة للمفرزات postural drainage ضرورية لأن لانحباس القشع نتائج سيئة. وتقوم التمارين التنفسية والتدريب التأهيلي الآن على قواعد علمية صحيحة. ومن المثبت أن المصابين بآفات رئوية شديدة تصعب فيها متابعة حياتهم اليومية؛ يفيدون فائدة ملموسة في تحسين نوعية حياتهم حينما ينضمون إلى برامج إعادة التأهيل.

 

 

 


التصنيف : جهاز التنفس
النوع : جهاز التنفس
المجلد: المجلد الرابع
رقم الصفحة ضمن المجلد : 164
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 491
الكل : 29635665
اليوم : 15675