logo

logo

logo

logo

logo

التدخين وأمراض الصدر

تدخين وامراض صدر

smoking and lung diseases - tabagisme et les maladies de la poitrine



التدخين وأمراض الصدر

 

محمود باكير

تاريخ التبغ

مكونات التبغ الضارة

تأثير التدخين في الجهاز التنفسي

الإدمان وطرق الإقلاع عن عادة التدخين

 

 

 

يعدّ التدخين أول أسباب الوفيات في العالم اليوم لما له من نتائج سلبية على صحة الجسم وأعضائه كافة. فهو المسؤول الأول عن نسبة كبيرة من أمراض الجهاز التنفسي كالسرطانات الرئوية والآفات الرئوية السادة المزمنة والأمراض التحسسية والالتهابية، وهو أحد أهم العوامل المؤهبة للأمراض القلبية الإكليلية التي تؤدي إلى النوبة القلبية واحتشاء عضلة القلب، والتوقف القلبي المفاجئ. وتشير الدراسات إلى أن التدخين سيبقى بوصفه وباء صحياً أحد أهم أسباب المرض والوفاة لعقود قادمة، فهو يقتل واحداً من كل ثلاثة مدخنين. ولذا فإنه يعدّ السبب الرئيس المسؤول عن وفيات أكثر من خمسة  ملايين شخص في العالم سنوياً وعن 400 ألف وفاة في أمريكا وحدها. إن أكثر ثلاثة أمراض قاتلة تنجم عن التدخين هي: سرطانات الرئة، وأمراض الرئة السادة المزمنة chronic obstructive pulmonary disease (COPD)، وأمراض القلب الإكليلية بسبب تصلب الشرايين. ويسبب التدخين عادة شلل حركة الأهداب المبطنة لغشاء الطرق التنفسية المخاطي مما يؤدي إلى إضعاف مناعة الجسم ومقاومته للجراثيم؛ وبالتالي يزداد احتمال الإصابة بالأمراض الخمجية الرئوية بجراثيم مختلفة  بما فيها التدرن القاتل ولاسيما في ضعاف المناعة.

وتظهر المشاهدات السريرية أن إيقاف التدخين يقلل من خطورة الموت بالأمراض المتعلقة به كأمراض القلب الإكليلية حتى بعد تطور تصلب الشرايين، ويتحسن نفوذ الطرق الهوائية إذ يشاهد تحسن قيم الزفير الأقصى في الثانية الأولى بعد سنة من  إيقاف التدخين كما يشير المرضى إلى تحسن ملحوظ في التخلص من القشع في الأشهر الأولى بعد الإقلاع عنه. 

تاريخ التبغ

يعتقد أن القارة الأمريكية هي المهد الأول لزراعة التبغ ونشوء عادة التدخين. والتبغ كلمة محرفة عن الكلمة الأجنبية (توباكو)، وهو الاسم الذي كانت تطلقه قبائل في جزر هاييتي على هذا النبات. وقد نقل كريستوفر كولومبس مكتشف القارة الأمريكية ورجاله  هذه النبتة معهم إلى أوربا.

تحتوي أوراق التبغ مجموعة من المواد العضوية وغير العضوية. وتعدّ مادة النيكوتين المادة الأساسية التي تؤدي إلى الاعتياد على التدخين إلى حد الإدمان، وتتداخل عوامل متعددة في تحديد نسب المركّبات العضوية وغير العضوية التي تحتويها أوراق التبغ، لذلك لا يمكن تحديد أرقام ثابتة لكمية العناصر التي تدخل في تركيبه الكيميائي.

يستخدم التبغ في معظم الحالات عن طريق الفم باستنشاق الدخان من لفافات السجائر، وهناك أشكال أخرى من التدخين كتدخين السيجار والغليون والنرجيلة (الأركيلة). وقد كانت هناك طرق أخرى لاستخدام التبغ قل استخدامها في الوقت الحاضر كالسعوط الذي يستنشق فيه ورق التبغ المطحون، ويسبب العطاس، ويمتص الغشاء المخاطي للأنف المواد الفعالة فيه، وقد يسبب سرطان الأنف.

التدخين هو عملية  تقطير جاف؛ أي تحويل المادة الصلبة إلى غاز، وهو الدخان المتصاعد من السيجارة.

مكونات التبغ الضارة

يتضمن التركيب المعقد للدخان الناجم عن التحلل الحراري والتقطيري للتبغ أكثر من 300 مادة ضارة تختلف باختلاف نوع التبغ وطريقة تدخينه، وتقسم لقسمين: 90% مواد غازية و10% على هيئة دقائق. وأهم المواد الغازية: غاز أول أكسيد الفحم CO، وغاز سيانيد، والهدروجين، والأمونيا، والأكرولين، وأكاسيد النتروجين، وغاز الإيتان والميتان والبروبان المسرطنة. ومن الدقائق الناجمة عن احتراق التبغ النيكوتين والفينول والفورمالدهيد والأكرولئين ونتروزامين والقطران والبولونيوم وغيرها.

ويعدّ النيكوتين أسوأ مادة فعالة موجودة في التبغ فهو المسبب للاعتياد والإدمان لدى المدخنين، وهو مادة كيميائية تصنف من القلوانيات الطيارة السامة لا لون لها، يتحول إلى لون بني قاتم حين تعرضه للهواء، رائحته واخزة وكريهة، وطعمه مر المذاق. وهو مخرش شديد للجلد والأغشية المخاطية، وشديد السمية وقاتل بجرعات عالية، ويسبب الإدمان والاعتياد بجرعات خفيفة؛ مما يجعل المدخن دائم الارتباط بالسيجارة. يمتص النيكوتين المتحرر من لفائف التبغ المشتعلة عبر مخاطية الفم، وأغشية الجهاز التنفسي، وجهاز الهضم حتى عبر الجلد السليم. ويصل إلى الدوران الشرياني الرئوي خلال 10 ثوانٍ؛ أي بسرعة أكثر من انتشاره لو حقن عن طريق الوريد مباشرة. يستقلب 80- 90% من النيكوتين الممتص في الكبد، ويستقلب المتبقي في الكليتين والرئتين، وتطرح المواد الناجمة عن استقلابه عن طريق الكليتين، ويفرز جزء منه مع حليب الأم المرضع. والجهاز العصبي أكثر الأجهزة حساسية وتأثراً بالنيكوتين.

ومن الغازات الضارة المنطلقة من السجائر المحترقة أكاسيد الفحمCO2  وCO التي يزداد تركيزها في أثناء التدخين في الأماكن المغلقة؛ مما يزيد الأضرار الناجمة عندما تطول فترة  المكوث فيها، ومن هنا فإن الضرر جسيم على صحة الأشخاص  المرتادين للأماكن  المحصورة التي تسمح بالتدخين وكذلك العاملين فيها كالمكاتب والمطاعم والنوادي الليلية. يصل غاز أول أكسيد الفحم إلى الدم عن طريق الأغشية المخاطية للجهاز التنفسي، فيسبب بالاستنشاق المديد التسمم المزمن الذي يتظاهر بأعراض إصابة عصبية أو أمراض قلبية وعائية.

ويعدّ القطران أكثر المواد المسرطنة شيوعاً في دخان التبغ، وهو مادة سائلة لزجة القوام، لونها بني قاتم شبيه بالقهوة، وهي المادة الصلبة من الدخان التي تتجمع وتترسب حين مرورها في المرشِّحات filter وفي قنوات الغليون مشكلة رواسب بنية كريهة الرائحة. وتختلف نسبة وجود القطران بحسب نوع التبغ فهي تراوح في السجائر بين 11 و17% من وزن التبغ المدخن. ويترسب في الطرق الهوائية والرئتين نصف كمية القطران المتحرر حين التدخين العادي، في حين تزداد هذه الكمية إلى 95% حينما يحبس المدخن أنفاسه حين التدخين. ويعدّ البنزوبيرين Benzopyrene أهم مركّبات المادة القطرانية المسببة لسرطان الرئتين والمثانة كما يحتوي القطران مواد أخرى مسرطنة كالنتروزامين وديمثيل نتروزامين ودي إيثيل نتروزامين وبنزانثراسين. ويتسرب القطران من الفم عن طريق البلع إلى الجهاز الهضمي مسبباً التسرطن على طول الطريق الهضمي بدءاً من الشفتين واللسان حتى المعدة. أما الأمونيا وأكسيد النتروجين فهي مواد سامة ومخرشة، ويؤدي غاز الأمونيا إلى التهاب الأغشية المخاطية في الأنف والعين والحنجرة، ويثير السعال وإفراز القشع في المدخنين.

يؤهب العديد من المواد غير الغازية الناجمة عن احتراق التبغ للسرطان، ومنها البيردين والبيرين والنفتالين والزرنيخ والكادميوم وكربونات النيكل وكلها مواد سامة ومسرطنة.

تأثير التدخين في الجهاز التنفسي

جهاز التنفس هو أول جهاز يدخل بتماس مباشر مع الدخان المتصاعد من التبغ المحترق؛ مما يؤهب لإصابته بآفات مختلفة؛ أهمها:

1- سرطان الرئة، وهو أكثر السرطانات المسببة للوفيات بين الرجال والنساء، ويقصّر سنوات البقيا نحو 8 سنوات في المدخنين عمَّن سواهم.

2- الأمراض الخمجية الحادة والمزمنة في الطرق التنفسية العلوية والسفلية.

3- الحوادث التحسسية في الأنف والجيوب الأنفية، وكذلك الربو التحسسي المهني الذي يشاهد في عمال مصانع التبغ بسبب استنشاق أبخرته وغباره وكذلك في المدخنين.

1- سرطان الرئة:

يعدّ استنشاق دخان التبغ أحد أهم أسباب الأورام الخبيثة التي تصيب الجهاز التنفسي ولاسيما سرطانات الرئة؛ التي تقدر بـ30% من مجموع السرطانات التي تصيب البشر. ويعدّ أكثر أسباب الوفيات الناجمة عن السرطانات عامة إذ يشكل 25% من وفيات الإناث و33% من وفيات الذكور بحسب الإحصائيات الحديثة لانتشار عادة التدخين بين الإناث.

ومما يؤكد النظريات التي تتهم التدخين بوصفه مسبباً لسرطان الرئتين الدراسات الحديثة التي تشير إلى أن أكثر من90% من سرطانات الرئتين تشاهد في المدخنين، كما أن استخدام المواد القطرانية في التجارب على الحيوانات سببت السرطانات فيها.

الشكل (1) أربعة نماذج للكارسنوما المتكهفة

وقد كانت نسبة المصابين بسرطان الرئة بين الذكور تفوق النسبة في الإناث، ثم أخذت النسبتان بالتقارب حينما أصبح التدخين منتشراً بين النساء؛ مما يزيد من تأكيد دور التدخين بوصفه سبباً في سرطان الرئتين. كما أن البدء المبكر بالتدخين يزيد من احتمالات الإصابة بالسرطان؛ إذ لوحظ أن سرطان الرئة يشاهد بنسبة أعلى لدى الذين بدؤوا التدخين قبل سن الخامسة عشرة مما هي عند الذين شرعوا في التدخين بعد سن الخامسة والعشرين. كما تشير الدراسات إلى أن الإنسان الذي دخن 15 سيجارة يومياً لمدة عشر سنوات ترتفع نسبة إصابته بسرطان الرئة أكثر بعشر مرات من غير المدخن.

وللجنس والعمر والحالة الهرمونية والاستعداد الوراثي شأن في الآليات المعقدة للسرطان في المدخنين. كما يعاني المدخنون غالباً أمراضاً تنفسية أخرى ذات علاقة بالتدخين. وتشير الإحصائيات  إلى أن أكثر من 60% من حالات سرطان الرئة تكون حين كشفها قد انتشرت، وأصبحت غير قابلة للعلاج الجراحي وفاقدة الأمل في الشفاء، وغالباً ما تنتهي بالموت في غضون الأشهر الستة التالية بعد كشف أعراضها، حتى في الحالات  القابلة للتداخلات الجراحية فإن نسبة البقيا لأكثر من 5 سنوات بعد استئصال الورم غير المنتشر لاتتجاوز 15% من الحالات.

تصنف سرطانات الرئة الأكثر شيوعاً والمرتبطة بالتدخين إلى:

أ- السرطانات صغيرة الخلايا غير المميزة: وتقدّر بنحو 15-20% من عموم الحالات، وهي أنواع لا شفاء منها.

ب- السرطانات غير صغيرة الخلايا: يمكن في الحالات المبكرة استئصالها جراحياً مما يطيل البقيا. وأهم الأشكال النسيجية للسرطانات الرئوية غير صغيرة الخلايا:

- السرطان حرشفي الخلايا (30-35%) وهو ذو علاقة وثيقة بالتدخين؛ إذ تندر مشاهدته جداً في غير المدخنين، يتوضع غالباً في القصبات الرئيسية، ويتميز بغزو النسج المجاورة للورم في الرئتين أكثر من إحداثه للنقائل الورمية.

- السرطان الغدي (30-40%) وهو من أكثر الأنواع مشاهدة في المدخنين.

- سرطان الرئة كبير الخلايا (5-10%).

وهناك مجموعة من الأعراض المرضية التي قد يشكو منها المصاب بسرطان الرئة، بيد أن معظم الأعراض في بداية الإصابة تكون غير نوعية كالسعال والتقشع التي يمكن أن تشاهد في أمراض أخرى، ولذا فإن معظم المرضى لا يعيرون هذه الأعراض اهتماماً، ويعزونها للتدخين، ولا يراجعون إلا عند استفحال الأعراض وانتشار المرض أو ظهور نفث الدم المتكرر والألم في الصدر عند غزو الورم للأوعية والأعصاب، أو عند انتشار الورم  لأعضاء أخرى حين تظهر أعراض الإصابة خارج الصدرية.

وقد يتظاهر الورم الصدري بأعراض غير صدرية تدعى نظير الورمية، وتشير على نحو غير مباشر إلى الإصابة الورمية. وتساعد الصور الشعاعية والتصوير المقطعي المحوسب على التوجه نحو الإصابة بالأورام الرئوية. ويفيد التنظير القصبي وأخذ الخزعات للتشريح المرضي في وضع التشخيص النسيجي للورم.

الشكل (2)

أ- اتساع الرئتين: هبوط الحجاب الحاجز الواضح من مكان ارتكازه على الأضلاع، ضيق ظهور الأوعية الشعرية المحيطة، ظل القلب صغير بالنسبة إلى الرئتين

ب - منظر جانبي للمريض نفسه في (أ): الحجاب الحاجز ليس هابطاً فقط بل مقعر للأسفل والمسافة خلف الفص شديدة الاتساع.

2- الداء الرئوي الساد المزمن :(COPD)

يشل الدخان الأهداب المبطنة لغشاء الطرق التنفسية العليا التي تساعد على التخلص من المواد الضارة المستنشقة والعالقة عليها كما يسبب التدخين تناقصاً بعدد الخلايا المهدبة؛ لذلك يحدث خلل في كنس القصبات والطرق التنفسية مما يؤدي إلى تراكم المفرزات والأخماج المزمنة.     

ويلاحظ المدخنون أنهم عندما يتوقفون عن التدخين يبدؤون بالسعال والتقشع؛ وهذا صحيح لأن الدخان يشل حركة الأهداب، ويوقف منعكس السعال. وإن وقف الدخان ينشط المنعكس الدفاعي من أجل طرح المفرزات ومنع تراكمها. إن حوادث الإصابة بالتهاب الأنف والجيوب الأنفية وكذلك الربو التحسسي والتهاب القصبات المزمن ربوي الشكل معروفة في عمال مصانع التبغ بسبب استنشاق أبخرته وغباره وكذلك في المدخنين.

واعتماداً على دراسات لاختبارات الوظائف الرئوية أجريت على مجموعتين: الأولى  من المدخنين والثانية من غير المدخنين تبين وجود نقص واضح في قيم نتائج اختبارات الوظائف الرئوية في المدخنين والتي تشير إلى آفة سادة على مستوى الطرق الهوائية؛ مما يفسر ضيق التنفس في المدخنين في أثناء الجهد. ويعزو الباحثون هذه التغيرات إلى التخريب الوظيفي الذي يحدثه النيكوتين والقطران في النسج المبطنة للأسناخ الرئوية. وتدعى الأمراض التي يحدثها التدخين بالآفات الرئوية السادة المزمنة، والتي تضم مرضين مهمين هما: التهاب القصبات المزمن الساد (ربوي الشكل) chronic obstructive bronchitis، والنفاخ الرئوي lung emphysema. وتشير الإحصائيات إلى أن هذين المرضين مسؤولان عن 10% من وفيات المدخنين في بريطانيا بسبب القصور التنفسي المزمن. ومن الثابت علمياً أن 90% من المصابين بأحد المرضين السابقين هم من المدخنين حالياً أو سابقاً.

يتميز التهاب القصبات المزمن الساد بالسعال المزمن المنتج للقشع المخاطي الذي يستمر مدة ثلاثة أشهر من السنة على الأقل متتالية أو متفرقة في إنسان مدخن خلال سنتين متتاليتين. بيد أن القشع يصبح قيحياً إذا ما أصيب الشخص بهجمة من الخمج الجرثومي بسبب ضعف وسائط الدفاع الطبيعية الناجم عن شلل الأهداب المبطنة لأغشية الطرق الهوائية، ومعلوم أن الأهداب المهتزة بحركة معاكسة لتيار هواء الشهيق تقوم بكنس المواد الضارة الغريبة والمخاط والجراثيم والغبار العالقة عليها، وتمنع تراكمها. وتختلف شدة تأثير سمية الدخان في الأهداب المهتزة بحسب تباعد الفترات بين سيجارة وأخرى أو تقاربها وتركيز استنشاق الدخان وعمقه وفترة حبسه في تماس مع الطرق الهوائية. ويضاف إلى التأثيرات السمية للتدخين في العضوية الاستعداد الشخصي الوراثي  للمدخن والتربة التحسسية التي تجعل الضرر الناجم عن التدخين أعظم والتهاب القصبات أشد مما هو عليه عند آخرين. وتشير الدراسات إلى أن التدخين يسبب تضخماً في الغدد المفرزة للمخاط الموجودة في الطرق الهوائية، مما يزيد من إنتاجه بغزارة.

تتطور الأعراض المرضية في الجهاز التنفسي في المدخن تدريجياً حتى تصبح جزءاً من حياته اليومية الطبيعية يتعايش معها، ولا يعيرها أدنى اهتمام. وخلال عدة سنوات يترقى ضيق النفس التدريجي في المدخن ليظهر في البداية على الجهد، ثم يصبح في أثناء الراحة، ويسمع الأزيز والخرخرة في الصدر في أثناء التنفس بسبب التشنج القصبي في مستوى الرغامى والقصبات الرئيسية. وتنتشر الأذية إلى القصيبات الانتهائية والأسناخ في المراحل المتقدمة حيث تسبب انتفاخ الرئتين لدى المدخنين.

الشكل (3)

أ- فقاعة قمية ضخمة في الجانبين

ب - لا يوجد فرط تهوية وأنما فرط وضوح الأوعية والقصبات، ولاسيما في القاعدتين. الحجاب مقبب.

وتظهر الوذمات على الأطراف السفلية في المدخن بسبب استرخاء القلب الأيمن أو ما يدعى بالقلب الرئوي مع تقدم الآفة، وتظهر الزرقة بسبب نقص الأكسجة الدموية المزمنة، لتنتهي الحالة بالموت بسبب القصور القلبي التنفسي.

وفي مرضى انتفاخ الرئتين يحدث تخرب تشريحي في جدر الأسناخ الرئوية التي تكون مسؤولة عن التبادل الغازي مع الوسط المحيط؛ مما يعني نقص عدد الأسناخ الرئوية التي تشارك في عملية التنفس، وتبدل حجمها مما يقود لنقص المرونة الرئوية وتدني وظيفتها التنفسية، ويرافق ذلك زيادة احتباس الهواء ضمن الطرق الهوائية الناجم عن التشنج القصبي؛ مما يسبب القصور التنفسي في المدخنين.                   

ويعتقد معظم الباحثين أن سبب تخرب بنية جدر الأسناخ الرئوية يعود إلى خلل في التوازن بين إنزيم البروتياز ومضاداته. وتشير بعض النظريات إلى أن التدخين يقوم بتثبيط عمل إنزيم ألفا 1- أنتي تريبسين، وهو الإنزيم الرئيسي المعاكس لإنزيم البروتياز المخرب لجدر الأسناخ الرئوية. كما أن التدخين يحرض مجموعة من البالعات السنخية التي تطلق كمية كبيرة من البروتياز الذي يسبب تلف الأسناخ الهوائية والطرق الهوائية عدا شأن التدخين في إثارة التشنج القصبي وانسداد الطرق الهوائية؛ مما يسبب صعوبة في عملية الزفير، وبالتالي بقاء جزء من الهواء محتبساً في الطرق الهوائية مما يؤدي إلى زيادة حجم الهواء الباقي، ويقلل من المرونة الرئوية، ويقود لنقص الأكسجة والقصور التنفسي. إن العلاقة السببية بين التدخين والانتفاخ الرئوي صريحة، ويؤكد ارتباط المرض بالتدخين ندرة مشاهدته  في غير المدخنين. وقد أثبتت نتائج تشريح الجثث ارتباط شدة الأذية بكمية السجائر المستهلكة في أثناء الحياة.

يتظاهر الانتفاخ الرئوي بضيق النفس المترقي إلى درجة القصور التنفسي حين يصبح المريض بحاجة إلى الأكسجة الدائمة من أجهزة خاصة، وينحل نحولاً شديداً بسبب الجهد الكبير الذي تبذله عضلاته التنفسية في أثناء الشهيق للحصول على الأكسجين. وتتسرع لديه مرات التنفس ليزيد 10 مرات في الدقيقة عن الحد الطبيعي في الشخص السليم، ومع تقدم القصور التنفسي يحدث القصور القلبي، وتنتهي الحالة بالوفاة.

3- آفات الطرق التنفسية التحسسية والإلتهابية:

يزداد حدوث الآفات الالتهابية والتحسسية في الأنف والجيوب الأنفية في المدخنين ولاسيما الذين اعتادوا أن يُخرجوا الدخان المستنشق من أنوفهم. وبسبب التماس المباشر مع الأغشية المخاطية يحدث احتقان تحسسي بالأغشية المخاطية للأنف والجيوب الأنفية، ويختلط بالالتهاب الجرثومي مع انسداد الأنف وانغلاق الجيوب الأنفية؛ مما يسبب تراكم المفرزات فيها وصعوبة تهويتها، فيصاب المدخن بالسعال بسبب المفرزات الأنفية الدائمة التي تسيل نحو البلعوم، ويعاني الصداع والحس بثقل الرأس، ومع ترقي الإصابة يظهر فرط المفرزات المخاطية القيحية والرائحة الكريهة.

وتمتد الأذية إلى  البلعوم الأنفي الذي يحتوي على فتحتي نفير أوستاش - وهو المجرى الواصل بين الأذن الوسطى والبلعوم الأنفي- مما يؤدي إلى انتقال الخمج إلى الأذن الوسطى مسبباً فيها الخمج والأذية وما يتبعه من الشعور بالطنين ونقص السمع اللاحق.

كما تتأذى الحنجرة عضو التصويت الأساسي الحاوية الحبال الصوتية بالتدخين؛ مما يسبب ضيق النفس وبحة الصوت.

التدخين السلبي 

التدخين السلبي passive smoking هو عملية استنشاق لا إرادي لخليط معقد من المواد الغازية المنبعثة من احتراق التبغ في سيجارة المدخن. وجليس المدخن هو المدخن السلبي كالزوجة والأبناء في المنزل أو الزميل في العمل أو المرافقين في المواصلات والأماكن العامة. وقد عدّ التدخين السلبي أحد أسباب السرطان الرئوي لأول مرّة في عام 1981؛ حين أشارت دراستان إلى أن زوجات المدخنين لديهم خطورة أعلى للإصابة بسرطان الرئة مقارنة مع زوجات غير المدخنين.

وأشارت دراسة وبائية أخرى عام 1986 إلى أن خطر حدوث سرطان الرئة في زوجات المدخنين أعلى بنسبة 30% مما هو في زوجات غير المدخنين. ولذا صنف تلوث البيئة بدخان السجائر من قبل الوكالة الأمريكية لحفظ  البيئة بين المسرطنات البيئية الشديدة  للبشر human class A carcinogen ، ويموت سنوياً في الولايات المتحدة 3000 شخص من المدخنين السلبيين بسبب السرطان الرئوي؛ مما يؤكد خطورة التعرض السلبي لدخان التبغ في إحداث السرطان والذي أكدته الدراسات الحالية. كما يزيد التدخين السلبي الإصابة بالأمراض التنفسية كالتهاب القصبات المزمن السادّ والنفاخ الرئوي والربو القصبي، ويضعف عوامل الدفاع الفيزيولوجية بشل الأهداب في الطرق التنفسية؛ مما يزيد من احتمال الإصابة بالتهاب الطرق التنفسية.

ويؤدي تدخين الأبوين إلى العديد من المشاكل الصحية لأطفالهم  الذين يشاركونهم السكن والناجمة عن التدخين اللاإرادي أو السلبي، ومنها: ظهور الأزمات الربوية وازدياد نوبات الرشح والتهاب الأذن الوسطى وحالات موت الرضيع الفجائية. ويقدر أن نسبة كبيرة من الأطفال المصابين بذات الرئة سببها تدخين أحد الأبوين أو كليهما.

كما أظهرت نتائج تحليل عينات من بول الأطفال المعرضين للتدخين وجود مادة (كوتينين) أحد نواتج تحلل النيكوتين في الجسم.

تقدّر منظّمة الصحّة العالميّة أن نحو نصف أطفال العالم يتعَرَّضون لدخان التبغ قسراً من قبل المدخنين؛ أي إنهم مدخنون سلبيون. ففي بريطانيا مثلاً يعيش 42% من الأطفال في أسر فيها شخص مدخّن، والأطفال من الأسر ذات الدخل المحدود يتعرضون لدخان التبغ في البيت بنسبة تزيد 54% على أطفال الأسر الغنية (18%). ويبدأ ضرر التدخين في الطفل حتى في المرحلة الجنينية بسبب التأثير التراكميّ للمواد الضارة على الجنين في أثناء الحمل. يسبب التدخين السلبي - كالتدخين العادي - في أثناء الحمل ولادة أطفال ناقصي النمو، ويزيد نسبة الوفيات بين الأطفال حديثي الولادة.

وتنجم زيادة خطر أذية الأطفال بالتدخين السلبيّ عن صغر قصباتهم ونقص نموها وعن ضعف أجهزة مناعتهم وصغر حناجرهم، وسرعة تنفّس الأطفال أكثر من سرعة تنفس البالغين، فهم يستنشقون موادّ كيميائيّة ضارة أكثر من البالغين نسبة إلى أوزانهم؛ مما يزيد الضرر والسمية.

الإدمان وطرق الإقلاع عن عادة التدخين

يبدأ التعلق بالتدخين بوصفه عادة تتحول بمرور الوقت - وبسبب الأثر الكيميائي للنيكوتين- إلى إدمان، وهكذا يقع المدخّن ضحيّة الاعتياد والإدمان، أما غير المدخن فهو أيضاً «ضحية» نتيجة لما يتعرض له من أذى خارج عن إرادته بالتدخين السلبي.

إن الحملات الإعلانية والدعاية ضد التبغ تسعى إلى الحدِّ من آثاره، ولكن مازال خارج سيطرة بعض الحكومات، كما أن بعض الحكومات الأخرى لا تعنى كثيراً بالتوعية الصحية للجماهير، وتغضّ الطرف عن ذلك مقابل الإيرادات التي تجنيها من العوائد الضريبية لتجارة التبغ والتي تتحكم فيها مجموعة الشركات العالمية المتعددة الجنسيات؛ ولذا يجب أن تتضافر جهود كل من الجمعيات الأهلية والمنظمات الصحية الدولية وكذلك حكومات الدول في كل أنحاء العالم من أجل درء أخطار التدخين لحماية البشرية من الفناء.

يجب أن يكون الإقلاع عن التدخين هدفاً رئيسياً في جميع مراحل برنامج مكافحة التدخين، وهو التدخل العلاجي الوحيد الذي ينقص ترقّي المرض، ويبطئ التدهور في وظائف الرئتين.

طرائق المساعدة على إيقاف التدخين

إن إدمان النيكوتين مشكلة رئيسية تربط المدخن بسيجارته، ويجب علاجها. وتتعدد المقترحات للمساعدة على الإقلاع عن التدخين، وتقسم إلى نفسية ودوائية:

- تبدي الدراسات أن شوطاً قصيراً من العلاج المضاد للاكتئاب فعّال في المساعدة على إيقاف التدخين في عدد من مرضى الآفات الرئوية السادة المزمنة.

- اللصاقات الحاوية النيكوتين (نيكوتينل) بجرعات مختلفة تخفف تدريجياً لمعالجة أعراض الإقلاع عن التدخين بسبب نقص النيكوتين.

- التأثير في المستقبلات العصبية النيكوتينية للأستيل كولين بدواء حديث ذي ألفة انتقائية هو Varenicline tartrate  (واسمه التجاري ڤاريكلين Variclin) يعمل بمنزلة النيكوتين، فيمارس تأثيراً داخلياً مشابهاً له في المستقبلات، ويقلل من الرغبة بالتدخين.

ويبقى التثقيف والوعي والقناعة الشخصية والإرادة الذاتية خير الوسائل التي تساعد على وقف التدخين.

 

 

التصنيف : جهاز التنفس
النوع : جهاز التنفس
المجلد: المجلد الرابع
رقم الصفحة ضمن المجلد : 242
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1277
الكل : 31715934
اليوم : 70516