logo

logo

logo

logo

logo

الداء البطني

داء بطني

celiac disease - maladie coeliaque



الداء البطني

 أيمن علي

التظاهرات الهضمية

التظاهرات خارج الهضمية

الأمراض المترافقة مع الداء البطني

 

الوبائيات

الداء البطني celiac disease هو مرض مناعي ذاتي يصيب أساساً الأنبوب الهضمي وينجم عن عدم تحمل بروتين الغلوتين gluten الموجود في القمح والشعير والشيلم، يتميز تشريحياً مرضياً بوجود التهاب مزمن في الطبقة المخاطية للأمعاء الدقيقة وسريرياً بوجود تظاهرات جهازية مختلفة.

يمكن للداء البطني أن يبدأ بأي عمر، سواء خلال الطفولة أم المراهقة، كما أنه شائع نسبياً عند البالغين ويشخص حالياً بتزايد حتى عند المسنين (أكثر من 20% من المرضى أعمارهم تتجاوز 60 سنة عند التشخيص).

العامل المسبب معروف جيداً هو مجموعة من البروتينات الموجودة حصراً في بعض الحبوب (بصفة أساسية في القمح، الشعير، الشيلم ولكن ليس في الذرة). يصيب المرض الأشخاص المؤهبين وراثياً فقط، الذين يحملون مستضد الكريات البيض البشري من النمط الثاني human leukocytes antigens HLA-II، وبصفة أساسية HLA-DQ2 في 90% من الحالات وبصفة أقل HLA-DQ8 في 5-10% من الحالات. وتعدّ هذه الواسمات الوراثية شرطاً ضرورياً ولكن غير كافٍ لحدوث المرض.

الداء البطني أكثر انتشاراً عند مجموعات معينة من البشر، كأقرباء الدرجة الأولى للمرضى بنسبة 4%-12% وأقرباء الدرجة الثانية أيضاً؛ مرضى الداء السكري من النمط الأول (IDDM) بنسبة انتشار تراوح بين 2-8%؛ في متلازمة داون 5-12%. يبدي معظم المصابين تحسناً سريرياً عند اتباعهم حمية صارمة خالية من الغلوتين، ويجب البقاء على هذه الحمية مدى الحياة بسبب الخلفية الوراثية للمرض.

كان الداء البطني حتى العقد الأخير يعدّ من الأمراض النادرة لكنه يعدّ حالياً مرضاً عالمي الانتشار يصيب الأعراق كافة، وواحداً من أكثر الأمراض الوراثية المعروفة بمعدل انتشار يراوح بين 1-2% من مجموع السكان.

الآلية المرضية Pathogenesis

يؤدي بروتين حبوب الفصيلة القمحية دوراً حاسماً في الآلية الإمراضية للداء البطني. فقد ثبت أن الجزء المنحل في الكحول من بروتينات حبوب هذه الفصيلة هو المسؤول عن تحريض الأعراض، وتم تحديد هذا الجزء بدقة فكان: الغليادين gliadin في القمح، الهوردئين hordein في الشعير، والسيكالين secalin في الشيلم.

يتأثر الرد المناعي للمريض المصاب بالداء البطني تجاه الغليادين بعوامل عديدة بيئية ومورِّثية.

1- المناعة الخلطية: تزداد نسبة الخلايا المنتجة للغلوبلينات المناعية ضمن الصفيحة الخاصة لتبلغ ستة أضعاف الطبيعي، وترتفع قيم الـ IgA أيضاً في مصل المريض.وتكشف أضداد الغليادين من نوعي IgA و IgG في مصل غالبية المرضى. 

2- المناعة الخلوية: يزداد عدد اللمفيات التائية ضمن الصفيحة الخاصة وفي الظهارة الامتصاصية. ويزداد تحرر السيتوكينات كالإنترفيرون a الذي يزيد بدوره إظهار  class A HLA على سطح الخلايا الظهارية.

3- العوامل الجينية: لا يشك بدور العوامل الجينية في ظهور الداء البطني، فنسبة مصادفة الإصابة اللاعرضية عند أقارب المصابين أعلى من مجموعة المقارنة بحيث تصل إلى 10% في بعض الدراسات، وقد دلت الدراسات أيضاً على وجود الهلا وبصفة أساسية HLA-DQ2 في 90% من الحالات وعلى نحو أقل HLA-DQ8 في 5-10% من الحالات.

المظاهر السريرية

تختلف أعراض الإصابة عند الرضّع والأطفال عن أعراض الإصابة نفسها عند البالغين، وإن كانت الغالبية العظمى للإصابات تشخص في مرحلة الطفولة، بيد أن نسبة لايستهان بها من الإصابات تكشف عند بالغين لم يعانوا خلال طفولتهم أي عرض موجه للإصابة بالداء البطني.

وتختلف المظاهر السريرية للداء البطني كثيراً من مريض إلى آخر، فقد تكون الإصابة شاملة تتناول العفج والصائم والدقاق، فتسوء الحالة العامة إلى درجة تهدد حياة المريض، وقد تبقى الإصابة محصورة في العفج والصائم الداني، فتكون لاعرضية أو ذات أعراض مبهمة، تتظاهر بفقر دم بعوز الحديد أو عوز الفولات أو نقص تكلس العظام. وإن شدة الإصابة ودرجة امتدادها تحددان حدة المظاهر السريرية وشكلها.

- عند الأطفال: الأعراض النموذجية في هذه المرحلة هي الإسهال الدهني مع أو من دون قياء وأحياناً مع ألم بطني ماغص وذلك في أي وقت بعد الفطام؛ أي بعد إدخال الحبوب في الطعام وخصوصاً في السنة الأولى والثانية من العمر.

قد يفشل الطفل في النمو ويصبح نزقاً رخواً، وتتراجع الكتلة العضلية، ويصبح البطن منتفخاً، كما يمكن أن نشاهد أحياناً إسهالاً مائياً أو إمساكاً. يكون التشخيص أكثر صعوبةً عندما تكون المظاهر الهضمية أقل وضوحاً، لذلك يجب التفكير بالداء البطني عند كل الأطفال الذين يعانون قصر القامة أو نقص النمو حتى عند غياب الأعراض الهضمية.

قد يتظاهر الأطفال الأكبر سناً بأعواز غذائية وخصوصاً فقر الدم والخرع. يحدث عند العديد من الأطفال المصابين بالداء البطني خلال مرحلة المراهقة تراجع عفوي ومؤقت للأعراض، ومن النادر أن يتظاهر الداء البطني خلال هذه المرحلة.

- عند البالغين: كان الداء البطني في الماضي يعد مرضاً من أمراض الطفولة، ولكنه يشخص حالياً بازدياد عند البالغين، إذ يبلغ متوسط العمر عند بدء التشخيص حالياً 45 سنة. وقد تغيرت التظاهرات السريرية خلال الخمسين السنة الماضية؛ فأصبح الإسهال أقل تواتراً كما أن الكثير من المصابين حالياً زائدو الوزن أو حتى مصابون بالسمنة.

بعض المرضى  قصيرو القامة أو لديهم قصة توافق داء بطنياً غير مكتشف في الطفولة، بيد أن الكثير منهم ليس لديه ما يشير إلى أي مرض سابق، ومن الممكن أن يحدث الداء البطني لأول مرة في مرحلة الكهولة؛ ويشخص الداء البطني حالياً بازدياد في مراحل متقدمة من العمر.

أولاً- التظاهرات الهضمية:

تختلف المظاهر السريرية للداء البطني اختلافاً كبيراً من مريض إلى آخر، ولأن معظم الأعراض ناجمة عن سوء الامتصاص المعوي فإنها غير نوعية للداء البطني وتشبه تلك الناجمة عن أسواء الامتصاص الأخرى. ويبدي العديد من المرضى البالغين أعراضاً هضمية مشابهة لما هو عليه الحال عند المرضى الأطفال، وتتضمن الإسهال والبراز الدهني والانتفاخ ونقص الوزن.

1- الإسهال: غالباً ما يكون الإسهال نوبياً أكثر من كونه مستمراً، ومن الشائع حدوث الإسهال الليلي أو في الصباح الباكر. قد يبلغ عدد مرات التبرز أكثر من عشر مرات يومياً عند وجود إصابة معوية واسعة. وبسبب ارتفاع محتوى البراز من الدهن يكون لونه فاتحاً أو رمادياً ذا مظهر لماع ومن الصعب تنظيفه من المرحاض. غالباً ما يكون البراز الدهني غائباً عندما تكون الإصابة مقتصرة على الأمعاء الدقيقة الدانية.

 2- نقص الوزن: تعتمد درجة نقص الوزن على شدة الإصابة المعوية وامتدادها وقدرة المريض على التكيف مع سوء الامتصاص بزيادة الوارد الغذائي. فبعض مرضى الداء البطني المصابين بسوء امتصاص مهم لديهم شهية زائدة وليس لديهم نقص وزن؛ ونادراً ما يحدث في الحالات الشديدة نقص شهية مع نقص وزن مرافق سريع وشديد. يمكن لنقص الوزن أن يختفي وراء الوذمات الناجمة عن نقص الألبومين.

3- الإنهاك: يبدو بتعب صباحي يزداد حتى بالجهد الخفيف ويشتد خلال النهار. ومع مرور الزمن قد يعتاد بعض المرضى هذه الحالة المستديمة من التعب فلا يبرز الإنهاك شكوى مهمة في قصتهم المرضية.

4- الألم البطني: الانزعاج البطني المبهم وخصوصاً الانتفاخ البطني شائع جداً في الداء البطني، وقد يقود هذا إلى تشخيص خاطئ للحالة على أنها متلازمة الأمعاء الهيوجة. بسبب صعوبة التمييز بين أعراض الداء البطني مع تظاهرات هضمية خفيفة وأعراض متلازمة الأمعاء الهيوجة؛ فإنه يجب إجراء الاختبارات المصلية للداء البطني عند المرضى الذين يشتكون من أعراض متلازمة الأمعاء الهيوجة مع سيطرة الإسهال. الألم البطني غير شائع في الداء البطني غير المتضاعف، ووجوده يوجه نحو اللمفوما المعوية.

الشكل (1)
القرحات القلاعية المتكررة قد تكون أحد مظاهر الداء البطني

5- تطبل البطن: عرض شائع، يبلغ ذروته في المساء، وقد يظهر بعد تناول الطعام. وكثيراً ما يشكو المرضى من طرد كميات كبيرة من غازات كريهة الرائحة.

6- الغثيان والقياء: غير شائعين في الداء البطني غير المتضاعف.

7- التظاهرات الفموية:

أ- التقرحات القلاعية المتكررة: وتصادف في 20% من الحالات، وقد تظهر على نحو مستقل عن التهاب الفم، وتتراجع بعد تطبيق الحمية الخالية من الغلوتين.

ب- التهاب الفم واللسان: تنجم هذه الإصابة عن سوء التغذية، وتختلف شدتها من مريض إلى آخر. يكون الالتهاب شديداً في ثلث الحالات، إذ يصبح اللسان وجوف الفم شديدي الحمرة، وتزول الحليمات الذوقية من حواف اللسان وذروته، وقد تظهر تقرحات عديدة على حواف اللسان ومخاطية الفم، ويشعر المريض بصعوبة بالغة في البلع إذا ما امتد الاحتقان إلى البلعوم. بيد أن هذه التظاهرات تتراجع مع تحسن الحالة العامة بعد تطبيق الحمية الخالية من الغلوتين.

ثانياً- التظاهرات خارج الهضمية:

هي أكثر شيوعاً عند البالغين تنجم غالباً عن سوء امتصاص المواد الغذائية وقد تصيب عملياً كل الأجهزة (جدول1).

العضو المصاب

التظاهرات

الأسباب

الدم

- فقر الدم.

- النزف.

- زيادة الصفيحات، أجسام هول جولي.

 

- عوز الحديد والفولات والفيتامين B12vit B12 و B6 .

- عوز الڤيتامين K، نادراً نقص الصفيحات الناجم عن عوز الفولات.

- ضمور الطحال.

الهيكل العظمي

- قلة العظم.

- الكسور المرضية.

- الاعتلال العظمي المفصلي.

- سوء امتصاص الكلسيوم وفيتامين D.

- نقص التعظم.

- غير معروف.

العضلات

- الضمور.

- التكزز.

- الضعف.

- سوء التغذية بسبب سوء الامتصاص.

- سوء امتصاص الكلسيوم والفيتامين D ، و/أو المغنيزيوم.

- نقص البوتاسيوم، الضمور العضلي المعمم.

الكبد

ارتفاع خمائر الكبد

غير معروف

الجهاز العصبي

- اعتلال الأعصاب المحيطي

- الرنح

- آفات الجهاز العصبي المركزي المزيلة للنخاعين

- الاختلاجات

- عوز الفيتامينات كالتيامين والفيتامين  B12

- أذية المخيخ والحبل الخلفي

- غير معروف

- غير معروف

الغدد الصماء

- فرط نشاط جارات الدرق الثانوي

- انقطاع الطمث، العقم، العنانة

- نقص الكلسيوم الناجم عن سوء امتصاص الكلسيوم والفيتامين D

- سوء التغذية، سوء وظيفة المحور المهادي النخامي

الجلد

- فرط التقرن الجريبي والتهاب الجلد

- الفرفريات والكدمات

- الوذمات

- التهاب الجلد العقبولي

- سوء امتصاص الفيتامين A والفيتامين B المركب

- عوز الفيتامين K ونادراً نقص الصفيحات

- نقص البروتينات

غير معروف

الجدول (1) يبين التظاهرات خار الهضمية في الداء البطني وأسبابها

 

وتتضمن فقر الدم، قلة العظم osteopenia، الأعراض العصبية، الاضطرابات الطمثية، وقد تكون هذه التظاهرات أكثر إزعاجاً من الأعراض الهضمية.

1- فقر الدم: هو من التظاهرات الشائعة سواء عند الأطفال أم عند البالغين، وينجم عادة عن سوء امتصاص الحديد أو الفولات من الأمعاء الدانية؛ وفي الحالات الشديدة عند إصابة اللفائفي يحدث سوء امتصاص الڤيتامين B12.

يحدث ضمور الطحال في 50% من حالات الداء البطني عند البالغين ونادراً عند الأطفال لأسباب مجهولة مع زيادة الصفيحات الدموية وتشوه بعض الكريات الحمراء (أجسام هول جولي)، ويزول عادةً باتباع الحمية الخالية من الغلوتين.

2- قلة العظم: هو أكثر مضاعفات الداء البطني شيوعاً، ويزداد حدوثه بزيادة العمرعند بدء التشخيص. أكثر من 70% من مرضى الداء البطني غير المعالجين لديهم نقص تعظم، وأكثر من ربع المرضى يعانون ترقق العظام.

تحدث قلة العظم نتيجة لسوء امتصاص الكلسيوم وعوز الڤيتامين D التالي لسوء امتصاص هذا الڤيتامين المنحل في الدسم. يشتكي المرضى من آلام في أسفل الظهر وفي القفص الصدري والحوض .

3- الأعراض العصبية:

أ- الرنح ataxia: هو أكثر الأعراض العصبية شيوعاً ويمكن لرنح المشية والأطراف أن يكون التظاهرة الوحيدة للداء البطني. ويعتقد أن سبب هذا الاضطراب هو أذية مناعية للمخيخ والحبل الخلفي للنخاع الشوكي والأعصاب المحيطية.

ب- الضعف العضلي وشواش الحس في حالات نادرة.

ج- اعتلال الأعصاب المحيطية، زوال النخاعين الرقعي للنخاع الشوكي، الضمور المخي وصف في حالات نادرة.

د- العمى الليلي الناجم عن عوز الڤيتامين A.

هـ- الصرع epilepsy والتكلسات الدماغية الجدارية القفوية ثنائية الجانب مميزة للداء البطني

و- الاكتئاب ويصادف في 10% من المصابين.

4- اضطرابات الغدد الصماوية: يؤدي نقص التغذية الشديد التالي لسوء الامتصاص إلى تأخر بلوغ اليافعين، وقد ينقطع الطمث عند البالغات، ويظهر العقم والعنانة عند الرجال.

الفحص الفيزيائي:

تختلف العلامات الفيزيائية اختلافاً كبيراً بين مريض وآخر كاختلاف الأعراض؛ ففي الحالات الخفيفة يكون الفحص الفيزيائي طبيعياً تماماً، أما في الحالات الأكثر شدةً فإنّ العلامات الفيزيائية تنجم غالباً عن سوء الامتصاص، لذلك تكون غير نوعية للداء البطني: تأخر النمو، النحول الشديد، تعجر الأصابع، الأظافر الملعقية، وذمات انطباعية.

التشخيص

تختلف الموجودات المخبرية في الداء البطني وكذلك الأعراض والعلامات باختلاف شدة الإصابة وامتدادها. وتبقى الأضداد المصلية وخزعات الأمعاء الدقيقة أكثر الفحوص التشخيصية دقة. قد يكون فحص البراز، والاختبارات الكيمياوية والدموية، والدراسات الشعاعية مضطربة لكنها غير نوعية؛ لأن الاضطرابات نفسها تشاهد غالباً في الأمراض الأخرى المسببة لسوء الامتصاص.

1- فحص البراز: إذا كان سوء الامتصاص كافياً لحدوث إسهال دهني فإن البراز يكون مائياً أو كتلياً، فاتح اللون أو مائلاً إلى الرمادي، لماعاً، ذا رائحة كريهة. التقييم المجهري لمحتوى البراز من الدسم بعد التلوين بالسودان sudan III و IV قد يساعد على التشخيص.

2- الاختبارات الدموية والكيميائية الحيوية: يمكن أن نجد العديد من الاضطرابات الدموية والكيميائية الحيوية في المصابين بالداء البطني غير المعالج، متضمنة نقص الحديد وحمض الفوليك وڤيتامين D. هذه الاضطرابات تعكس حالة العوز الغذائي التالي لسوء الامتصاص الناجم عن اعتلال الأمعاء. فقر الدم بعوز الحديد شائع عند المصابين الأطفال والبالغين، ويتشارك على نحو مميز مع عوز الفولات وخاصة عند الأطفال. وباستثناء حالة الحمل فإن فقر الدم الشديد غير شائع، وعادة ما يحدث في الحالات الممتدة، ويجب أن يثير الشك بالمضاعفات كاللمفوما.

فيلم الدم المحيطي يمكن أن يظهر الخلايا الهدفية وأجسام هينز، وكريات الدم الحمراء المحززة، كما يمكن أن نجد أحياناً أجسام هول جولي الناجمة عن الضمور الطحالي.

على الرغم من أن هذه الاختبارات مهمة في تقييم المرضى  وتدبيرهم فإنها تفتقر إلى الحساسية والنوعية الكافية لاستخدامها وسيلة تشخيصية.

بالرغم من أن اختبار امتصاص الزيلوز -D D-xylose الفموي قد يكون مضطرباً في الداء البطني غير المعالج فإنه أيضاً لا يعطي تشخيصاً نوعياً ولم يعد له مكان في الاختبارات الروتينية للداء البطني. إضافة إلى ذلك فإن امتصاص D-xylose وإطراحه يمكن أن يكون طبيعياً في 20% من المصابين غير المعالجين.

ارتفاع ناقلات الأمين المزمن (1.5 ضعف الحد الأعلى الطبيعي) يشاهد في 9-40% من مرضى الداء البطني غير المعالج، وفي معظم الأحيان يتراجع باتباع الحمية الخالية من الغلوتين.

3- الفحوص المصلية: هناك العديد من الاختبارات المصلية المتوافرة حالياً في الممارسة السريرية للمساعدة على تشخيص الداء البطني، لكن أكثرها أهمية هي الأضداد المضادة لغمد الليف العضلي  (EMA) anti-endomysial antibodies IgAوالأضداد الموجهة نحو ناقلة الغلوتامين النسيجية (anti-tTG) anti-tissue transglutaminase IgA.

تبلغ حساسية EMA IgA في الداء البطني غير المعالج أكثر من 90%، وتقترب نوعيتها من 100%. تنخفض الأضداد باتباع الحمية الخالية من الغلوتين، وتصبح سلبية غالباً في المرضى المعالجين.

أما بالنسبة إلى anti-tTG  فهي تعاير بطريقة الادمصاص المناعي المرتبط بالإنزيم ELISA (وهي أسهل إجراءً و أقل كلفة من طريقة التألق المناعي التي تجرى بها EMA) وهي ذات حساسية ونوعية عالية لتشخيص الداء البطني. قد تحدث إيجابية كاذبة في عدة حالات وخاصة عند الأشخاص المصابين بأمراض المناعة الذاتية، أو أمراض الكبد، ومرضى آفات الأمعاء الالتهابية.

4- الدراسة الشعاعية: تظهر صور العظام عند الأطفال تأخراً في العمر العظمي، وعند الكهول نقص تكلس معمماً وأحياناً مضاعفات عظمية كالكسور الانهدامية في الفقرات والكسور العفوية في عنق الفخذ.

الصور الظليلة للأمعاء الدقيقة في المرضى المشكوك بإصابتهم بالداء البطني غير ضرورية لدى معظم المرضى، وقد تطلب أحياناً لنفي المضاعفات كاللمفوما.

5- الخزعة المعوية: تبقى خزعة الأمعاء الدقيقة حجر الزاوية في تأكيد تشخيص الداء البطني.

ويمكن الحصول على الخزعات عن طريق التنظير. يجب أخذ عدة خزعات من العفج القاصي (الجزء الثاني أو الثالث) لتجنب تشوه البناء الهندسي للمخاطية الناجم عن وجود غدد برونر، ولتجنب التغيرات المسببة بالتهاب العفج القرحي.

للداء الزلاقي طيف واسع من التغيرات النسيجية تراوح من الزغابات الطبيعية حتى الضمور الزغابي الكامل. تحدث أذية الأمعاء الدقيقة في الداء الزلاقي وفقاً لثلاث مراحل:

الشكل (2) التبدلات النسيجية في خزعة الأمعاء عند مصاب بالداء البطني: ضمور زغابي، فرط تصنع الخبيئات، رشاحة لمفاوية في الصفيحة الخاصة

أ- مرحلة الارتشاح وتتميز بزيادة تعداد اللمفاويات ضمن الظهارة.

ب- مرحلة فرط التصنع وتتميز بفرط تصنع الخبيئات.

ج- مرحلة التهدم وتتميز بضمور زغابي  تدريجي مما يؤدي إلى تسطح المخاطية.

يعتمد التشخيص التشريحي المرضي للداء الزلاقي حالياً على تصنيف مارش المعدل Marsh لتصنيف آفات الأمعاء الدقيقة:

- النمط صفر: وتكون المخاطية طبيعية تماماً.

- النمط 1: أو النمط الارتشاحي ويتميز بزيادة اللمفاويات ضمن الظهارة لأكثر من 30% من الخلايا الظهارية، الزغابات المعوية طبيعية، الخبيئات بعمق اعتيادي.

- النمط 2: أو نمط فرط التصنع، ويتميز بفرط تصنع الخبيئات إضافة إلى زيادة اللمفاويات ضمن الظهارة لأكثر من 30%، أما البناء الهندسي للزغابات فيكون طبيعياً.

- النمط 3: أو نمط التهدم، وهنا تكون الصورة النسيجية مكتملة حيث يوجد أذيات زغابية بمراحلها المختلفة مع فرط تصنع الخبيئات وزيادة اللمفاويات ضمن الظهارة لأكثر من 30%، كما توجد تغيرات تنكسية بشروية ورشاحة التهابية باللحمة الضامة.

- النمط 4: أو نمط نقص التنسج، وهنا يوجد ضمور تام بالمخاطية والزغابات ولا يوجد فرط تصنع بالخبيئات ولا زيادة باللمفاويات ضمن الظهارة ولا رشاحة التهابية في اللحمة الضامة. وهذه المرحلة هي مرحلة نهائية ومن النادر مصادفتها حالياً، ومن المرجح أنها ناجمة عن نقص تغذية شديد الدرجة لدى مرضى لم يتم تشخيص الداء الزلاقي عندهم لسبب أو لآخر.

تتظاهر الاستجابة للحمية الخالية من الغلوتين في الداء الزلاقي بتحسن الأعراض السريرية والأذية المخاطية. قد تحدث الاستجابة السريرية خلال أيام، وقد يتأخر تحسن الأذية المخاطية أحياناً حتى السنتين.

يكون شفاء الآفات المخاطية أسرع في القسم البعيد من الأمعاء الدقيقة، ويتظاهر بزيادة حجم الزغابات وتراجع فرط تصنع الخبيئات ونقص تعداد اللمفاويات ضمن الظهارة.

وبجمع التظاهرات السريرية والفحوص المصلية ونتائج الفحص النسيجي للخزعات المعوية يمكن تمييز عدة أشكال للمرض:

- الشكل الكلاسيكي أو التقليدي: يتميز بالأعراض الهضمية كالإسهال وانتفاخ البطن وسوء الامتصاص، ويشخص عادة بعد إدخال طعام الفطام في الحمية. تشاهد التبدلات التشريحية المرضية على نحو رئيسي في مخاطية العفج والقسم العلوي للصائم ولكن في بعض الأحيان تصاب كامل الأمعاء الدقيقة.

- الشكل اللانموذجي atypical: يتميز بأعراض خارج معوية كالتهاب الجلد العقبولي، فقر الدم بعوز الحديد، قصر القامة، نقص تصنع ميناء الأسنان، التهاب المفاصل وآلامها، التهاب الكبد المزمن وارتفاع ناقلات الأمين، ترقق العظام، الرنح المخيخي المجهول السبب، تأخر البلوغ، الإجهاضات المتكررة ونقص الخصوبة.

- الشكل اللاعرضي أو الصامت: ويتميز بوجود تغيرات بالمخاطية قد تكون محصورة في القسم الداني للأمعاء الدقيقة، وقد يكشف التقصي السريري الدقيق وجود أعراض خفية.

- الشكل الكامن أو الخفي: يبدي فقط إيجابية مصلية في البدء ثم أذية معوية نموذجية فيما بعد مع التقدم بالعمر.

يعتمد تشخيص الداء الزلاقي على ما يلي:

- القصة والموجودات السريرية.

- الأضداد المصلية النوعية للداء البطني (EMA, tTGA).

- الموجودات النسيجية.

- الاستجابة الواضحة السريرية والمصلية للحمية الخالية من الغلوتين.

- العمر فوق السنتين.

- استبعاد الحالات الأخرى المشابهة للداء الزلاقي.

الشكل (3)
الآفات الجلدية المميزة لالتهاب الجلد الحلئي الشكل

6- اختبار التحدي أو التحريض بالغلوتين: في الماضي كان اختبار التحدي بالغلوتين (أي وقف الحمية الخالية من الغلوتين المتبوع بإعادة خزعات الأمعاء الدقيقة) يعد خطوة مهمة لتأكيد تشخيص الداء البطني. أما حالياً في الممارسة السريرية؛ فإن هذا الاختبار يجرى لعدد قليل من المرضى الذين مازال التشخيص عندهم مشكوكاً فيه بعد فترة من المعالجة بالحمية الخالية من الغلوتين.

الأمراض المترافقة مع الداء البطني

هناك عدد كبير من الأمراض تحدث بكثرة في المرضى المصابين بالداء البطني وأهمها مبين في الجدول رقم2، وللعديد من هذه الأمراض الزمرة النسيجية هلا HLA ذاتها.

التهاب الجلد الحلئي الشكل dermatitis herpetiformis: هو مرض جلدي يتميز باندفاعات جلدية حطاطية حويصلية بشكل متناظر على السطوح الانبساطية للأطراف والأرداف والجذع والرقبة والفروة.

الاندفاع الجلدي حاك بشدة، وخدش الحويصلات يخفف الحكة، لذلك نادراً ما نجد الحويصلات. ثلثا المصابين بالتهاب الجلد العقبولي لديهم اعتلال معوي رقعي لا يمكن تمييزه من الداء البطني؛ ويميل إلى أن يكون أقل شدة منه، ويشكو أقل من 10% من المرضى من أعراض معوية. إن الحمية الخالية من الغلوتين مدة 6-12 شهراً كفيلة ليس فقط بإزالة الإصابة الجلدية بل الإصابة المعوية أيضاً.

ترافق مؤكد

1- السكري المعتمد على الأنسولين.

2- التهاب الجلد العقبولي.

3- قصور نشاط الدرق أو فرطه.

4- عوز IgA.

5- متلازمة جوكرين.

6- أمراض الأمعاء الالتهابية.

7- التهاب الكولون المجهري.

8- التشمع الصفراوي البدئي.

9- التهاب المفاصل الرثياني.

الجدول (2) يوضح الأمراض المرافقة للداء البطني

 

المعالجة

1- الحمية الخالية من الغلوتين: حذف الغلوتين من الطعام مدى الحياة هو أساس المعالجة في الداء البطني.

ويورد الجدول رقم 3 المبادئ التي يجب أن يلتزمها مرضى الداء البطني في أغذيتهم، وعلى الحمية أن تكون متوازنة تضم كميات كافية من الدسم والسكريات والڤيتامينات والمعادن.

الجدول (3) مبادئ العلاج بالحمية لمرضى الداء البطني

- تجنب جميع الأطعمة الحاوية: القمح، الشعير، الشيلم.

- تجنب الشوفان في البداية.

- استخدم فقط الرز، الذرة، الذرة الصفراء، البطاطا، فول الصويا، دقيق التبيوكة.

- يمكن استخدام دقيق القمح المنزوع الغلوتين بعد أن يتم التأكد من التشخيص.

- اقرأ جميع الملصقات الموجودة على أغلفة الأغذية المصنعة للتأكد من خلوها من الغلوتين.

- كن حذراً من الغلوتين الموجود في الأدوية، المنكهات، الإضافات الغذائية، المثبتات.

- تجنب أو حدد تناول الحليب أو منتجاته في البداية.

- تجنب جميع أنواع البيرة.

 

قد يصاب مرضى الداء البطني غير المعالج بعوز اللاكتاز التالي لأذية الخلايا الظهارية. لذلك يجب تجنب الحليب ومنتجاته عند بدء الحمية الخالية من الغلوتين، ثم بإمكان المرضى العودة إلى تناوله بعد تحسن البنية النسيجية لأمعائهم.

بعد البدء بالحمية الخالية من الغلوتين يتحسن معظم المرضى خلال أسابيع قليلة من تطبيق الحمية، وفي حال الفشل لابد من إعادة التدقيق في تفاصيل الحمية والتي قد لا تكون خالية تماماً من الغلوتين (مريض غير متعاون أو غير مطّلع). وفي حال فشل الاستجابة مع الالتزام بالحمية لا مفر من إعادة النظر في التشخيص الأولي. أما في حال التحسن تتراجع التبدلات النسيجية بدءاً من القسم القاصي إلى القسم الداني، بيد أن التراجع التام يتأخر عدة أشهر عن التحسن السريري.

2- المعالجة المعيضة: في معظم الإصابات المتقدمة يحتاج المرضى إلى جانب الحمية إلى معالجة معيضة لحالتهم العوزية فيضاف الحديد والفولات والڤيتامين B12 عند وجود فقر دم، ويزرق الڤيتامين K عند وجود اضطرابات نزفية، وقد يُضطر إلى تعويض السوائل والشوارد عند المصابين بالتجفاف وضياع الشوارد، كما أن ڤيتامين  Dوالكلس ضروريان في الحالات المترافقة بنقص تكلس العظام.

المضاعفات

إن الخباثات والتهاب الصائم والدقاق التقرحي والذَّرَب الكولاجيني collagenous sprue هي أهم المضاعفات التي يتعرض لها المصاب بالداء البطني. وهناك دلائل على أن تواتر حدوث أمراض المناعة الذاتية المرافقة للداء البطني يزداد كلما تأخر التشخيص وتطبيق الحمية الخالية من الغلوتين.

1-  اللمفوما المعوية: غالباً ما تكون لمفوما الأمعاء الدقيقة التالية للداء البطني منتشرة ومتعددة البؤر، وتؤلف نصف الخباثات المضاعفة للداء البطني إلى ثلثيها، وعادة ما تظهر بعد 20-40 سنة من تشخيص الداء. هذه اللمفوما تنشأ على حساب الخلايا التائية وهي مميزة جداً إن لم تكن نوعية للداء البطني. إن تشخيص لمفوما الخلايا التائية المرافقة لاعتلال الأمعاء قد يكون صعباً جداً حتى عند اللجوء إلى الاختبارات التشخيصية الغازية. عادة ما تكون هذه اللمفوما قاتلة، فمعدل البقيا بعد  سنة إلى خمس سنوات هو 31% و11% على التوالي.

2- السرطانات الهضمية: تؤلف السرطانات وخاصةً سرطان البلعوم الفموي، المريء والأمعاء الدقيقة الثلث المتبقي من الخباثات المضاعفة للداء البطني. معدل عمر المرضى المصابين هو أكثر من 50 سنة. يتراجع خطر الخباثات بعد 10 سنوات من الحمية الخالية من الغلوتين.

3- التهاب الصائم والدقاق التقرحي: وهو مضاعفة نادرة ولكنها خطيرة في الداء البطني، ويتميز بتقرحات وتضيقات في الأمعاء الدقيقة. يجب التفكير بهذه المضاعفة عند وجود ألم بطني ونقص وزن وإسهال وعدم استجابة للحمية الخالية من الغلوتين. معدل البقيا لخمس سنوات حتى في غياب الخباثات لايتجاوز 50%. 

4- الذَّرَب الكولاجيني: يتميز بتوضع حزمة من الكولاجين أسمك من 10مم تحت ظهارة الأمعاء الدقيقة. ويجب تفريقه عن التهاب القولون الكولاجيني الذي يرافق الداء البطني في حالات نادرة، كما يجب التفكير به في التشخيص التفريقي للداء البطني المعند. الإنذار سيئ جداً.

 

 

علينا أن نتذكر

> يصيب الداء البطني جميع الأعمار وتشخص خمس الحالات بعد عمر الستين.

> البروتينات الموجودة في القمح والشعير والشيلم تؤدي الدور الأساسي في الآلية المرضية للداء البطني.

> كثير من مرضى الداء البطني زائدو الوزن أو حتى مصابون بالسمنة.

> لم يعد لاختبار امتصاص الزيلوز D أي مكان في تشخيص الداء البطني أو تدبيره.

> تعد خزعة الأمعاء الدقيقة المعيار الذهبي لتشخيص الداء البطني.

> عند الشك بالداء البطني يجب تحري إيجابية الأضداد المصلية النوعية وتأكيد التشخيص بخزعة الأمعاء.

> أساس معالجة الداء البطني هو الحمية الصارمة الخالية من الغلوتين مدى الحياة.

> تنقص الحمية الصارمة الخالية من الغلوتين المضاعفات بعيدة الأمد للداء الزلاقي.

 

 

 


التصنيف : أمراض المعي الدقيق والقولونات
النوع : أمراض المعي الدقيق والقولونات
المجلد: المجلد الأول
رقم الصفحة ضمن المجلد : 199
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 496
الكل : 31256049
اليوم : 4237