logo

logo

logo

logo

logo

المعالجة الإشعاعية للأورام

معالجه اشعاعيه اورام

radiation therapy for tumors - radiothérapie des tumeurs



المعالجة الإشعاعية للأورام

 

فواز ديروان

طرق المعالجة الإشعاعية
الجرعة وقياسها في المعالجة الإشعاعية
أجهزة المعالجة الإشعاعية الخارجية
التأثيرات الجانبية ومضاعفات العلاج الإشعاعي
 

 

المعالجة الإشعاعية radiotherapy هي علم استخدام الأشعة المؤينة في علاج الأمراض وعلى نحو خاص علاج الأورام الخبيثة.

بدأ استخدامها وتطورها مباشرة بعد اكتشاف العالم الفيزيائي رونتجن الأشعة السينية في 8 تشرين الثاني/نوڤمبر 1895م، واكتشاف بيكريل للفعالية الإشعاعية عام 1896م، وكذلك اكتشاف الزوجين بيير وماري كوري للراديوم 226 عام 1898م. ونشرت أول مقالة فرنسية حول استخدام الأشعة في العلاج في مجلة «ليون الطبية» في شهر تموز/يوليو عام 1896م وتتحدث هذه المقالة عن مريض زاد معدل بقائه على قيد الحياة بفضل معالجته بالأشعة.

وبدأ التطور الفعلي للمعالجة الإشعاعية الحديثة منذ عام 1950م مع دخول أجهزة المعالجة بالكوبالت، ثم أجهزة المسرعات الخطية في الستينيات، وكذلك استخدام العناصر المشعة الصنعية كالايريديوم 192 والسيزيوم 137 مكان الراديوم 226.

واستمر التطور مع إدخال أجهزة التصوير الطبي الحديثة كالتصوير المقطعي المحوسب والتصوير بالرنين المغنطيسي والتصوير المقطعي بالإرسال البوزيتروني PET في تخطيط المعالجة الإشعاعية، وكذلك الاعتماد على تطور علم المعلوماتية في حساب توزع الجرعة الإشعاعية المعطاة، مما فتح الباب على إجراء المعالجة الإشعاعية ثلاثية الأبعاد وتقنيات أخرى.

قد تستخدم المعالجة الإشعاعية مفردة، ولكنها في الغالب تستخدم بالاشتراك مع الجراحة أو المعالجة الكيميائية أو كليهما. وهي تدخل في علاج نحو 50% من الحالات التي يحدث فيها الشفاء الكامل من السرطان. وإن نحو 70% من مرضى السرطان يخضعون للمعالجة الإشعاعية في إحدى فترات حياتهم إما للمرض الأولي نفسه وإما حين حدوث النكس وإما لتشعيع النقائل ولاسيما العظمية والدماغية منها.

طرق المعالجة الإشعاعية:

1- المعالجة الإشعاعية الخارجية  :external beam radiotherapyيكون المصدر الشعاعي فيها خارج جسم المريض على بعد معين (أجهزة الأشعة السينية، والكوبالت، والمسرعات) وهي الطريقة الأكثر استعمالاً في هذه الأيام. ولها عدة تقنيات (تقليدية أو ثنائية البعد، أو تكوينية conformal أو ثلاثية البعد s3D أو معالجة إشعاعية معدّلة الشدة IMRT).

2- المعالجة الإشعاعية الداخلية أو عن قرب :brachytherapy وتعرف كذلك باسمها الفرنسي curiethérapie تقوم على استخدام النظائر المشعة الصلبة (الايريديوم، السيزيوم) التي توضع خلال تداخل طبي في الأنسجة الورمية أو في جوف طبيعي يحوي الورم أو قريب منه (المهبل، والرحم، والشرج، والمريء).

3- المعالجة الإشعاعية الاستقلابية:metabolic radiotherapy  تقوم على النظائر المشعة غير الصلبة والقابلة للحقن، تذهب هذه العناصر بعد حقنها إلى الأنسجة الهدف بفضل خواصها الاستقلابية مثال ذلك اليود المشع 131 الذي يتثبت على النسيج الدرقي.

الإشعاعات المستخدمة في معالجة الأورام:

1- الفوتونات:

هي أشعة كهرومغنطيسية، ليس لها كتلة، تتناقص جرعتها عند اختراقها للمادة على نحو أسي كاذب بدءاً من المنبع، وتعد مؤينة على نحو غير مباشر لأنه ليس لها شحنة وهي نوعان:

أ- الأشعة السينية (أشعة X): تنجم عن حادثة إيقاف (فرملة) حزمة الإلكترونات، ويميز من حيث طاقتها نوعان: أشعة الكيلو فولت تراوح طاقتها بين 50 و300 كيلو فولت وتنتج في أنابيب مولدات الأشعة السينية وتستخدم في علاج الأورام الجلدية. وأشعة الميغا فولت تتراوح طاقتها بين 4 و25 ميغا فولت، تنتج في المسرعات الخطية وتستخدم في علاج الأورام العميقة.

ب- أشعة غاما: تنجم عن تحطم نوى بعض النظائر المشعة (كوبالت أو سيزيوم أو ايريديوم).

2- الإلكترونات:

هي جزيئات صغيرة تنتج من قبل المسرعات الخطية، تراوح طاقتها بين 4 و25 ميغا إلكترون فولت. تتميز بضعف اختراقها للمادة ولذلك تستخدم في علاج الأورام السطحية.

3- البروتونات:

هي جزيئات مشحونة إيجابياً، ثقيلة نسبياً، إذ إن كتلتها أكبر (2000 مرّة) تقريباً من كتلة الإلكترون. وللحصول على هذه الجزيئات وتسريعها وتحويلها إلى طاقات مفيدة. تتطلّب البروتونات بسبب كتلتها معدات أكثر تعقيداً تسمى أجهزة السيكلوترون؛ ولهذا يتحدد استخدامها في عدد قليل جداً من المراكز العالمية. لها نمط مميز من المسار داخل النسج الحية إذ تتخلى عن جزء قليل من جرعتها على طول المسار ثم تصل إلى نقطة تفرغ فيها معظم جرعتها وتهبط بعد ذلك بشدة (نمط قمة براغ). يستفاد منها في علاج بعض الأورام التي يتطلب تحديدها دقة عالية من أجل حماية الأعضاء الحساسة المجاورة لها كما في أورام قاعدة القحف وأورام العمود الفقري وأورام الحجاج.

4- النيترونات:

وهي جزيئات ذات كتلة مساوية لكتلة البروتون، لكنها لا تحمل شحنة، وتنتج كذلك من أجهزة السيكلوترون. تتميز بأثرها الحيوي (البيولوجي) العالي مقارنة بغيرها من الإشعاعات إذا ما أعطيت الجرعة نفسها. تستخدم في علاج بعض أورام الغدد اللعابية وساركومات النسج الرخوة.

5- الشوارد (الهليوم، الكربون، الأرغون):

كذلك لا يزال استخدامها محصوراً في عدد قليل من المراكز العالمية، وهناك أبحاث عديدة تجرى لاستخدامها في العلاج الإشعاعي. تتميز بأن لها مساراً محدداً ومميزاً إضافة إلى تأثيرها البيولوجي العالي.

التأثير البيولوجي للأشعة المؤينة في الأنسجة الحية (البيولوجيا الإشعاعية):

يمر هذا التأثير بثلاثة أطوار:

1- الطور الفيزيائي:

تحدث الأذيات الأولية على نحو سريع جداً خلال (10-16 - 10-12 ثانية) وتكون إمّا على شكل تهيّـج excitation (انتقال إلكترون من مستوى طاقة منخفض إلى مستوى طاقة أعلى)، وإما على شكل تأيّن ionization (طرد إلكترون خارج الذرة).

 2- الطور الكيميائي:

يمكن أن يحدث التأيّن أو التهيّج مباشرة ضمن الهدف الحيوي biological target وعندها يطلق على التأثير اسم التأثير المباشر. وقد يوجد أيضاً  تأثير غير مباشر وهو طور متوسّط كيميائي تتشكل في أثنائه الجذور الحرّة free radicals نتيجة لتفكك جزيئات الماء. من هذه الجذور ثلاثة مهمة: أ- الإلكترون المميه hydrated electron (إلكترون له غلاف من جزيئات الماء اكتسبها بعد انطلاقه)، ب- الهيدروجين، ج- الهيدروكسيل OH. لهذه الجذور الحرة أهـمية خاصّة لأنها تنتج على مقربة شديدة جداً من الجزيء الهدف target molecule وبسبب ذلك فإنه من المرجّح أن يكون الأذى الناجم عن تفاعلها معه معقداً ومن الصعب إصلاحه.

3- الطور الحيوي:

تحدث الأذيات الحيوية ببطء أشدّ إذ تحتاج لأكثر من ثانية واحدة. الفترة الزمنية بين حدوث كسر الروابط الكيميائية وبين ظهور التأثير الحيوي قد تبلغ ساعات أو أياماً أو أشهراً أو سنوات، ويتوقف هذا على العواقب الحاصلة. فحين تكون العاقبة موتاً خلوياً قد يظهر التأثير الحيوي في غضون ساعات إلى أيام عند محاولة الخلية المتأذية الانقسام، وحين يكون الأذى الشعاعي مكوّناً للورم oncogenic فإنّ ظهور سرطان صريح يحتاج لسنوات عديدة، أما حين تكون هناك طفرة وخاصة طفرة متنحية recessive mutation فيمكن ألا يعبّر عنها حتى أجيال متعدّدة.

من بين التنوّع الواسع من الأذيات الكيميائية الحيوية الخلوية يتطور تحطم سلسلتي جزيئات الـ DNA معاً نحو حادثة مميتة هي الموت الخلوي الانقسامي mitotic cell death.

أما تحطم إحدى السلسلتين فإما أن يتم إصلاحه مع حدوث شفاء تام للأذى الحيوي أو يصبح الأذى ثابتاً وإما أن يتم إصلاحه ولكن على نحو سيئ. وثبات الأذى والإصلاح السيئ للأذى قد يتحوّلان مع الوقت إلى أذى مميت.

إن الموت الخلوي المحدث بالأشعة في معظم الأورام الصلبة هو من النوع الانقسامي، ويعد نسبياً موتاً متأخراً، مقارنة بنوع آخر يسمى الموت الخلوي المبرمج أو الاستماتة apoptosis الذي يعد موتاً سريعاً، ويحدث في الأورام الدموية.

يعتمد وقت حدوث الموت الخلوي الانقسامي على نشاط النسيج التكاثري قبل التشعيع. ومن هذه الناحية، يتم تقسيم الأنسجة إلى قسمين: أ- أنسجة ذات ارتكاس باكر early reacting tissues وهي الأنسجة المتميّزة بمعدّل تكاثر نشط كالجلد ومخاطية الأمعاء والجهاز المكوّن للدم. ب- أنسجة ذات ارتكاس متأخر late reacting tissues وهي الأنسجة التي تبدي تكاثراً قليلاً جداً كالرئة والكلية والكبد والنسيج الدبقي والنسيج الضام والبطانة الوعائية.

اختلاف حساسية الأنسجة للأشعة:

تختلف الحساسية للأشعة من نسيج إلى آخر، وعلى نحو عام تعد الخلايا غير البالغة، والخلايا سريعة النمو، والخلايا سريعة الانقسام هي الأكثر حساسية للأشعة. أما أكثر الخلايا مقاومة للأشعة فهي الخلايا البالغة، والخلايا بطيئة النمو.

التحمل النسيجي :tissue tolerance

هـو مدى قدرة نسيج طبيعي معيّن على مقاومة تأثيرات الأشعة، ويرتبط بعدّة عوامل:

- الجرعة الكليّة.

- جرعة الجزء (جرعة الجلسة).

- حجم النسيج المتعرّض للأشعة.

وقد تمّ توثيق التحمل الشعاعي لمجموعة متنوّعة من الأنسجة الطبيعية عن طريق المتابعة السريرية الدقيقة الممتدّة سنينَ عديدة لمجموعات ضخمة من الأشخاص المعالجين.

تأثيرات الأشعة الباكرة (الحادّة) والمتأخرة في الأنسجة الطبيعية:

1- التأثيرات الحادة (الباكرة): تبدأ في أثناء فترة العلاج في الأسبوع الثاني أو الثالث وتخمد خلال 6 أسابيع من إتمام العلاج. تكون موضعية تتعلق بالمنطقة المتعرضة للأشعة وتعتمد في آلية حدوثها على أذية الخلايا المتكاثرة بسرعة. يبين الجدول (1) بعض التأثيرات الحادة للأذى الإشعاعي.

 

النسيج المشعّع

التأثير الحاد

الأعراض والعلامات

الجلد

التهاب الجلد

سخونة موضعية، حكة، ألم، احمرار، توسف جاف ورطب، سقوط الشعـر

المخاطية الفموية البلعومية

التهاب المخاطية

عسر البلع، البلع المؤلم إفرازات سميكة، نفس كريه مع خمج ثانوي

المريء

التهاب المريء

عسر البلع

الرئة

التهاب الرئة

سعال، عسر التنفس، ألم صدري جنبي

الأمعاء

التهاب المعدة والأمعاء

غثيان، قياء، ألم بطني، إسهال

المثانة

التهاب المثانة

عسر التبوّل، تعدّد بيلات

المستقيم والشرج

التهاب المستقيم والشرج

الزحير

نقي العظم

قلة الخلايا

تعب، نزف، حمى نقص الكريات البيض المعتدلة

الجدول (1) تأثيرات الأشعة الباكرة (الحادّة) في الأنسجة الطبيعية

 

2- التأثيرات المتأخرة: التأثيرات المتأخرة هي في الواقع العامل المحدّد للجرعة في العلاج الشعاعي لأنها مضاعفات مترقية وليست ذاتية الانتهاء كما في التأثيرات الباكرة. وتحدث عموماً بعد مرور 6 أشهر على نهاية العلاج الشعاعي، ولا يرتبط حدوثها بظهور الارتكاسات الحادّة أو شدّتها. تكون الأشعة مسؤولة عن التأثيرات المتأخرة لعلاج سرطان ما عندما تحدث هذه التأثيرات ضمن المنطقة التي تعرّضت سابقاً للأشعة.

من المعتقد أنّ سبب حدوث المضاعفات المتأخرة إما تمزّق البطانة الوعائية وإما نضوب الخلايا الجذعية في النسيج الطبيعي. ويبدو أنّ هذه التأثيرات المتأخرة ترتبط بمقدار الجزء أي جرعة الجلسة وكذلك بالجرعة الكلية للأشعة.

تشمل هذه التأثيرات المتأخرة: التنخر وتشكل الناسور والتقرح غير الملتئم وتضيق الأعضاء المعالجة والتليف ونقص نمو العظم عندما يعالج طفل في طور النمو والاعتلال النقوي والإصابة التأمورية والقلبية والقصور الكلوي والساد العيني وضعف الذاكرة.

الجرعة وقياسها في المعالجة الإشعاعية:

تهدف المعالجة الإشعاعية إلى إعطاء جرعة إشعاعية كافية ضمن حجم ورمي مستهدف مع حماية الأعضاء السليمة المجاورة.

تقاس الجرعة بالغراي gray، وهي الجرعة الموافقة لامتصاص طاقة مقدارها 1 جول من قبل مادة كتلتها 1كغ   .(s1Gy=1J/Kg) لكن الجرعة الكلية لا تكفي للتعبير عن معالجة إشعاعية إذ يجب تحديد الجرعة المعطاة في كل جلسة أو جزء من المعالجة fraction وعدد الأجزاء في كل أسبوع ومدة المعالجة.

وبحسب التجزئة يمكن تعريف ما يلي:

التجزئة التقليدية  :conventional fractionation جرعة الجزء هي 1.8-2 غراي (جزء كل يوم)، 5 أيام كل أسبوع، يتبع ذلك يوما استراحة، ثم تعاد الكرة. وهي الطريقة القياسية والأكثر استعمالاً.

تم اختيار هذه الطريقة في التجزئة اعتماداً على أبحاث العالم الفرنسي كلوديو ريغو التي توصل من خلالها إلى الحصول على أفضل تناسب بين فعالية العلاج وتحمله.

نقص التجزئة hypofractionation: تعتمد على إعطاء جرعات أعلى من 2 غراي في كل جزء من المعالجة وبالتالي عدد أجزاء أقل مما يسمح بإنقاص الجرعة الكلية إذ يحصل هنا على فعالية مكافئة بجرعة أقل لكن التأثيرات الجانبية أشد (30 غراي معطاة في 10 أجزاء تعادل 39.6 غراي معطاة في 22 جزءاً كل منها 1.8 غراي). تستخدم هذه الطريقة في المعالجة التلطيفية خاصة حيث يُحصل على أثر فعال خلال جلسات محدودة ولا تهم التأثيرات الجانبية كثيراً لأن العمر المتوقع للبقاء ليس طويلاً ويمكن حتى إعطاء العلاج دفعة واحدة flash، مثال ذلك إعطاء 8 غراي لتسكين الألم الناجم عن النقائل العظمية في جلسة واحدة وهو يعادل جرعة 45 غراي بالتجزئة التقليدية.

فرط التجزئة :hyperfractionation  تعتمد على إعطاء الجرعة اليومية بجزأين أو ثلاثة أجزاء كل منها أقل من 1.8 غراي (مثال ذلك إعطاء 87.5 غراي في 70 جزءاً كل منها 1.25 غراي، جزأين كل يوم، 5 أيام كل أسبوع وهي تعادل جرعة 70 غراي معطاة في 35 جزءاً كل منها 2 غراي، جزء كل يوم، 5 أيام كل أسبوع). تفيد هذه الطريقة في إعطاء جرعة أعلى ضمن الورم من دون إحداث مضاعفات في النسج السليمة، لأن المدة بين كل جزأين هي 6-8 ساعات مما يسمح للنسيج السليم بترميم الإصابة المحدثة شعاعياً ولكن هذا الوقت غير كافٍ للنسيج الورمي.

التجزئة المسرعة :accelerated fractionation تقوم على إعطاء العلاج في العطل من دون إنقاص جرعة الجزء، وبهذه الطريقة يقلل الزمن العلاجي الإجمالي، في حين يحافظ عـلى عدد الأجزاء، وجرعة الجزء، والجرعة الكلية. وهنا تصبح التأثيرات الجانبية الحادة أشد، لكنها تتمكن من تقليل إعادة تشكل الخلايا السرطانية في الأورام المتكاثرة بسرعة.

فوائد التجزئة: تسمح التجزئة بإصلاح ما يسمى الأذية تحت المميتة التي تصبح مميتة في حال تراكمها، وهذا الإصلاح أكثر أهمية للخلايا السليمة منه للخلايا الورمية، وهو ما يسمى بالتأثير التمايزي للأشعة.

دور المعالجة الإشعاعية ضمن الخطة العلاجية للسرطان:

يمكن تمييز نوعين من المعالجة الإشعاعية، شافية وملطفة، وذلك تبعاً لمرحلة الورم.

1- المعالجة الإشعاعية الشافية:

تهدف المعالجة الإشعاعية الشافية إلى تأكيد السيطرة على العمليات الورمية وكذلك إلى الشفاء الموضعي أو الموضعي الناحي، كما تهدف إلى المحافظة على العضو المعني كلما كان ذلك ممكناً، ويتحقق ذلك إما باستخدامها وحدها وإما بالمشاركة مع الجراحة والمعالجة الكيميائية.

أ- تستخدم وحدها في الحالات التالية:

- الأورام الصغيرة: مثل سرطانات الفم واللسان والحبل الصوتي، والجلد، وقناة الشرج، وعنق الرحم، والموثة (البروستات). وتكون الجرعة من 60-70 غراي.

- الأورام الحساسة شعاعياً: مثال ذلك بعض حالات داء هودجكن ولمفومة لا هودجكن، تشعيع سلسلة العقد حول الأبهر والحرقفية في حالات الورم المنوي. وتكون الجرعة 25-40 غراي.

- الأورام غير القابلة للجراحة:

* بسبب الموقع: كأورام البلعوم الأنفي.

* بسبب الامتداد الموضعي أو الناحي: كأورام عنق الرحم، والمجرى الهوائي العلوي.

* بسبب رفض المريض للجراحة: في المستقيم السفلي وقناة الشرج.

ب- المشاركة بين المعالجة الإشعاعية والجراحة:

- المعالجة الإشعاعية قبل الجراحة :preoperative RT تهدف إلى إنقاص حجم الورم وتسهيل استئصاله استئصالاً كاملاً. والجرعة الشعاعية لا تتجاوز 45 غراي في هذه الحالة، وتجرى الجراحة بعد 4-6 أسابيع من انتهاء التشعيع.

تستطب هذه الطريقة في بعض حالات سرطان الثدي، وعنق الرحم، والمستقيم، والمجرى الهوائي العلوي.

- المعالجة الإشعاعية بعد الجراحة :postoperative RT

* إذا كان استئصال الورم غير تام أو غير كافٍ، أو أن الخواص النسيجية للقطعة المستأصلة ترجح إمكان حدوث نكس موضعي ناحي كما في حالات أدينوكارسينوما جسم الرحم (قليلة التمايز أو غير متمايزة، إصابة أكثر من نصف الطبقة العضلية) أو حالات ساركومة النسج الرخوة غير المتمايزة أو قليلة التمايز.

* إذا كانت العقد اللمفاوية مصابة (كما في سرطان الثدي، وعنق الرحم، والقصبات).

* بعد استئصال الورم مع الحفاظ على العضو (كما في سرطان الثدي، والحنجرة، والمثانة).

- المعالجة الإشعاعية في أثناء الجراحة  :peroperative RT تهدف إلى القضاء على الخلايا الورمية التي قد تُترك أو تنتشر في منطقة العمل الجراحي (سرطانات المعدة والمعثكلة)، وميزتها الأساسية أنها تقدم حماية أفضل للبنى المجاورة، تعطى جرعة وحيدة 15-25 غراي، وتحتاج إلى أجهزة خاصة (سرطانات المعدة والمعثكلة).

ج- المشاركة بين المعالجتين الإشعاعية والكيميائية: كثيراً ما يتمّ الجمع بين الأشعة والأدوية الكيميائية السّامة للخلايا في علاج الأورام. يهدف العلاج الشعاعي إلى الضبط الموضعي للورم الأولي في حين يعمل العلاج الكيميائي في معظم الحالات على اجتثاث الانتقال المجهري البعيد، إضافة إلى فعله في تعزيز تأثير الأشعة في الورم إذا أعطيا معاً.

إنّ الجراحة الجذرية المستعملة في علاج سرطانات القناة الشرجية، والمريء، والثدي، والرأس والعنق، والمثانة استبدل بها أحياناً الجمع بين الأشعة والعلاج الكيميائي من أجل المحافظة على العضو. وقد أعطت هذه الطريقة معدّلات شفاء مماثلة لمعدلات الاستئصال الجراحي.

يمكن إعطاء العلاج الكيميائي قبل الأشعة أو بعدها أو معها وذلك بحسب الورم وكذلك بحسب الهدف المراد. ولكن يجب الانتباه للتأثيرات السمية التي قد تزداد بسبب هذه المشاركة.

2- المعالجة الإشعاعية الملطفة:

تهدف إلى تحسين نوعية حياة المريض، وذلك بالسيطرة على الأعراض المزعجة كالألم الناجم عن الانتقالات العظمية، أو الأعراض الناجمة عن الانتقالات الدماغية، وكذلك الوقاية من المضاعفات المرتبطة بالورم كالنزف والانسداد.

كما تجرى على نحو إسعافي في بعض الحالات مثل انضغاط الحبل الشوكي، أو انسداد المجرى الهوائي، أو انسداد الوريد الأجوف العلوي.

أهم استطبابات الأشعة العلاجية بحسب الموقع التشريحي:

1- الأورام العصبية: تستخدم المعالجة الإشعاعية بعد الجراحة بهدف تحسين إنذار هذه الأورام السيئ، كما قد تجرى وحدها في بعض الحالات غير القابلة للجراحة.

2- أورام الفم والبلعوم والحنجرة: قد تستخدم المعالجة الإشعاعية وحدها (أو مشاركة مع الأدوية الكيميائية) إما بهدف المحافظة على العضو كما في بعض أورام الحنجرة، وإما لعدم إمكانية إجراء الجراحة كما في أورام البلعوم الأنفي.

وقد تستخدم بعد الجراحة من أجل تشعيع منطقة الورم الأولي ومنطقة العقد اللمفاوية الناحية.

3- الأورام الرئوية:

- الأورام الرئوية صغيرة الخلايا: المعالجة المفضلة هي المشاركة الإشعاعية الكيميائية.

- الأورام الرئوية غير صغيرة الخلايا: تعد الجراحة أساس المعالجة، وقد تتبع بالمعالجة الإشعاعية أو الكيميائية أو بكليهما معاً بحسب مرحلة الورم.

4- أورام الثدي: تستطب المعالجة الإشعاعية دائماً حين تكون الجراحة المنجزة من النوع المحافظ (استئصال الكتلة الورمية مع الحفاظ على الثدي)، أما حين إجراء جراحة جذرية (استئصال الثدي كاملاً) فإن استطباب التشعيع يتوقف على مرحلة الورم.

في الحالات التي لا يمكن إجراء الجراحة فيها يمكن إجراء المعالجة الإشعاعية إما وحدها وإما غالباً بعد إعطاء العلاج الكيميائي.

5- أورام المريء: يمكن استخدام المشاركة الإشعاعية الكيميائية بديلاً للجراحة في بعض الحالات.

6- أورام المعثكلة: قد تستطب المعالجة الإشعاعية أحياناً، ولكن من الصعب الوصول إلى جرعة كافية للقضاء التام على الورم وذلك بسبب الموقع التشريحي للمعثكلة المحاطة بأعضاء مهمة كثيرة.

7- أورام المستقيم: ثبت أن إجراء معالجة إشعاعية قبل الجراحة (مع مشاركة كيميائية أو من دون ذلك) يعطي نتائج أفضل من إجراء الجراحة أولاً، كما يعطي فرصة للحفاظ على الشرج في كثير من الحالات.

8- أورام عنق الرحم: هناك خيارات علاجية متعددة ومختلفة تبعاً لمرحلة الورم، فقد تجرى الجراحة وحدها أو تسبق المعالجة الإشعاعية أو تتبعها، وقد تجرى المعالجة الإشعاعية وحدها، وقد تستطب المشاركة الإشعاعية الكيميائية.

9- أورام جسم الرحم: تستطب المعالجة الإشعاعية (بعد الجراحة) دائماً حين وجود غزو ورمي لأكثر من نصف الطبقة العضلية، أو حين تكون الدرجة النسيجية قليلة التمايز أو غير متمايزة.

10- أورام الموثة (البروستات): تقدم المعالجة الإشعاعية نتائج مماثلة للجراحة في الأورام الصغيرة، كما أنها المعالجة الوحيدة الممكنة (مشاركة مع العلاج الهرموني) في الأورام المتقدمة موضعياً.

11- أورام المثانة: تشكل الجراحة المعالجة الأساسية لمعظم الحالات، ولكن الأشعة أو المشاركة الإشعاعية الكيميائية فعالة في بعض الحالات وتمكّن من المحافظة على المثانة إذا أنجزت بعد تجريف الورم تجريفاً جيداً.

12- أورام الخصية: يستطب تشعيع منطقة العقد اللمفاوية الحرقفية وحول الأبهر وقائياً أو علاجياً، حين يكون الصنف النسيجي للورم من النوع المنوي الصرف، أما إذا كان غير ذلك فتستطب المعالجة الكيميائية.

13- ساركومة النسج الرخوة: تستخدم المعالجة الإشعاعية بعد الجراحة غالباً من أجل تعقيم منطقة الإصابة من الخلايا الورمية.

14- اللمفومة: قد تستخدم المعالجة الإشعاعية في علاج لمفومة هودجكن ولمفومة لاهودجكن، بالمشاركة مع المعالجة الكيميائية وفقاً لبرامج علاجية متنوعة.

15- الأورام الجلدية: مع أن الجراحة تستخدم على نحو واسع لعلاج هذه الأورام، فإن المعالجة الإشعاعية تقدم نتائج جيدة ومقبولة من الناحيتين الورمية والجمالية في حالات كثيرة.

المعالجة الإشعاعية أو عن قرب brachytherapy أو curiethérapie:

الهدف من إجراء هذه الطريقة من المعالجة هو إعطاء جرعة عالية جداً في المنطقة التي يوضع فيها المصدر المشع، بمعنى آخر الهدف هو تحرير جرعة عالية موضعياً ضمن حجم يتناسب مع الورم.

تستخدم العناصر الفعالة إشعاعياً كالايريديوم 192 والسيزيوم 137، وتكون داخل محافظ (كبسولات) أو أنابيب على هيئة حبيبات كروية الشكل، توضع مباشرة داخل أنسجة الورم أو في موضع الورم بعد استئصاله وتدعى هذه التقنية الإشعاع الخلالي interstitial، وقد توضع في تجويف ما داخل الجسم، مثل تجويف الرحم فتدعى إشعاعاً تجويفياً intracavitary radiation أو توضع في لمعة عضو داخل الجسم مثل القصبات الهوائية أو المريء فتدعى إشعاعاً داخل اللمعة intraluminal.

هناك عدة نماذج بحسب معدل الجرعة: نموذج جرعة ذات معدل منخفض (LDR) تعطي من 0.4-2 غراي في الساعة، ويمكن إبقاؤها في مواضعها عدة أيام، ونموذج جرعة ذات معدل مرتفع (HDR) تعطي أكثر من 12 غراي في الساعة وتزال بعد بضع دقائق، ونموذج جرعة ذات معدل نابض (PDR).

تطورت منذ عدة سنوات المعالجة الإشعاعية الداخلية لأورام الموثة، بوضع حبات اليود المشع 125 ضمن الموثة على نحو دائم على النقيض من بقية المعالجات، ويعود ذلك إلى أن نصف عمر هذا العنصر المشع قصير نسبياً (شهرين) وبالتالي يمكن الحصول على جرعة عالية ضمن الورم خلال عدة أسابيع.

أجهزة المعالجة الإشعاعية الخارجية:

1- قبل عام 1950م كان العلاج الإشعاعي الخارجي يعطى بوساطة الأشعة السينية المتولّدة في أنابيب الأشعة السينية المفرغة. ومع أنّ معظم هذه الأجهزة قـد استبدل بها العلاج بوساطة أجهزة الكوبالت 60 والمسرعات الخطية لايزال لمولدات الأشعة السينية ذات الطاقة المنخفضة شأن محدود في علاج المرض السطحي.

2- جهاز الكوبالت - 60 :telecobalt radiotherapy

بدأ عصر الميغا فولت في الواقع مع دخول جهاز العلاج عن بعد بالكوبالت - 60 في عام 1951م. للكوبالت - 60 نصـف عمر معقول يعادل (5.3 سنة) فلا تدعو الحاجة إلى استبدال المصدر ووضع مصدر جديد إلا كل 3-4 سنوات.

3- المسرّع الخطي:linear accelerator  

ظهر المسرّع الخطي في ستينيات القرن الماضي، وقد أحدث ظهوره ثورة في مجال العلاج الإشعاعي للأورام. يمكن استخدام الحزمة الإلكترونية عالية الطاقة الناتجة لعلاج الأورام السطحية أو يمكن جعلها تصطدم بهدف من التنغستين بغية توليد الأشعة السينية لعلاج الأورام العميقة.

يزوّد المسرع الخطي بالعديد من الأدوات المساعدة من أهمها:

- أدوات قياس أبعاد الحقل العلاجي: يتوافر في الجهاز نظام مؤشر رقمي يشير إلى طول الحقل العلاجي وعرضه، كما يتوافر نظام ضوئي يبيـّن أبعاد الحقل على جلد المريض مباشرة.

- أدوات قياس المسافة العلاجية: هنالك نظام ضوئي لتعيين المسافة العلاجية (المسافة بين المصدر الشعاعي والجلد) وتظهر القيمة العددية لهذه المسافة على جلد المريض عند مركز الحقل العلاجي.

- طاولة التحكم  [control table (console)]: توجد طاولة التحكم خارج غرفة الجهاز. ويتم من خلالها بدء العلاج أو وقفه والتحكم في كمية الجرعة.

- جهاز مراقبة المريض :patient monitors  يراقب المريض من خلال دارة تلفازية، ويمكّن جهاز المراقبة من التأكد من سير العلاج والتدخل في الوقت المناسب بإيقاف العلاج عند الضرورة.

تخطيط العلاج الإشعاعي الخارجي وتقنيات العلاج:

تخطيط العلاج هو العملية التي توفر إيصال جرعة إشعاعية متجانسة إيصالاً متكرراً إلى منطقة هدف محدّدة، بغية تحقيق الضبط الورمي مع إعطاء أقل جرعة ممكنة للأنسجة السليمة المحيطة على ألا تزيد الجرعة في هذه الأنسجة السليمة على حدود احتمالها. وبمعنى آخر تخطيط العلاج يرسم عملية توصيل العلاج الإشعاعي المقررة الخاصة بكل مريض. وفي أثناء تخطيط العلاج يعمل الطبيب الاختصاصي مع الفيزيائيين والفنيين لإتمام المراحل الضرورية كي يتمكن المريض من تلقّي الجلسات العلاجية.

1- تحديد الحجم المعالج:

تتطلب الخطوة الأولى في تخطيـط العلاج الإشعاعي تحديد حجم النسيج الذي يتوجّب علاجه. ويتم هذا التحديد من قبل طبيب المعالجة بالأشعة بناءً على امتداد الورم وسلوكه الحيوي. ويتمّ الحصول على هذه المعلومات بوساطة فحص فيزيائي دقيق إضافة إلى المعلومات المأخوذة من الفحوص الشعاعية المناسبة. كما يعد تقرير التشريح المرضي أساسياً لتحديد  الصنف النسيجي المرضي للورم وتأكيده وتحديد ما إذا كان القطع كاملاً أو لا إن كان قد أجري للمريض عمل جراحي. كما تعد المعلومات المقدّمة من قبل الجرّاح أساسية لتأكيد طبيعة الجراحة المنجزة وامتدادها أو وصف مفصّل للموقع الورمي أو للأمرين معاً.

لقد ثبت بوضوح أنّ التحمل النسيجي للأشعة ينخفض مع زيادة الحجم العلاجـي لذلك يجب أن يكون الهدف العلاجي هو علاج أصغر حجم ممكن وكافٍ تماماً لعلاج كلّ خلية ورمية.

يمكن القول من الناحية الخلوية: إنّ الورم يشمل عدّة أقسام: عياني macroscopic، وامتدادات مجهرية micro extensions إلى الأنسجة المجاورة، ومرض تحت سريري subclinical disease من المفترض وجوده ولكنه غير مكتشف حتى تحت المجهر. يجب أن تغطي الحقول الإشعاعية كل الأقسام الثلاثة إضافة إلى هامش مناسب ليعوّض عن عدم الدّقة الهندسية خلال التعرّض للتشعيع.

يقوم الطبيب بتعيين ثلاثة أحجام منفصلة ومتعاقبة كما هو محدّد من قبل اللجنة الدولية للوحدات والقياسات الإشعاعية (International Commission on Radiation Units and Measurements).

أ- الحجم الورمي العياني :[gross tumor volume (GTV)] وهو حجم الورم المثبت سريرياً بما في ذلك العقـد اللمفاوية الناحية غير الطبيعية بعد إجراء كلّ الاستقصاءات التشخيصية.

ب- الحجم الورمي السريري [clinical tumor volume (CTV)]: ويضمّ حجم الورم العياني (GTV) والمناطق التي لها خطر إيواء مرض تحت سريري مجهري.

ج- تحديد الحجم المستهدف [planning target volume (PTV)]: ويضم حجم الورم السريري (CTV) مع هامش محيطي، ويرجع ذلك إلى: (1) مراعاة تحرك المريض في أثناء العلاج، (2) مراعاة احتمالات تحرّك العضو الذي يضم الحجم السريري (CTV) مثل حركات التنفس، (3) مراعاة احتمالات تغير حجم العضو وشكله الذي يضم الحجم السريري (CTV) أو الأعضاء المجاورة، مثل الاختلاف في درجة امتلاء المثانة.

2- التثبيت والمحاكاة:immobilization and simulation

إنّ هدف العلاج الإشعاعي هو إيصال جرعة محدّدة من الأشعة إلى الحجم المستهدف، أي النسيج الورمي مع هامش، مع تخفيض الجرعة في الأنسجة السليمة المحيطة إلى حدّها الأدنى. وتعتمد الجرعة الإشعاعية الموصوفة على موقع الورم، ومرحلة الورم، وعلى الحالة النسيجية للورم. ولأسباب شعاعية حيوية (راديوبيولوجية) فإنّ الجرعة الإشعاعية تعطى بأجزاء إفرادية أو متعدّدة يومية خلال فترة زمنية من عدّة أسابيع. ومن المهم خلال العلاج الإشعاعي التأكد من أنّ الطريقة التي يعالج فيها المريض يمكن تكرارها في كل جلسة وأنّ الحجم ذاته يتمّ تعريضه للأشعة خلال كلّ جلسة.

المحاكاة simulation هي عملية التخطيط التي تجرى قبل الجلسة العلاجية الأولى، وخلالها يتمّ تحديد المنطقة التشريحية الواجب علاجها تحديداً دقيقاً. ويتمّ خلال المحاكاة بناء استراتيجية علاج المريض بطريقة قابلة للتكرار يومياً. ويتضمّن هذا وضعية المريض والتثبيت في أثناء العلاج وعدد الحقول وزوايا المسدّد collimator، وأحجام الحقول، وأشكال الحقول. يتم رسم حواف كل حقل ومركزه على جلد المريض أو على وسائل التثبيت المستخدمة، كما يتم وشم نقاط مناسبة تساعد على وضع المريض بالوضعية العلاجية في كلّ جلسة. وتؤخذ أفلام لكل حزمة إشعاعية تسمح للطبيب بتحديد المناطق التي يجب حمايتها في أثناء العلاج. كما تساعد على مراقبة صحة تكرار تقنية العلاج بوصفها صوراً مرجعية للحقل الشعاعي تقارن بها الصور التي تؤخذ على جهاز المعالجة مرة كل أسبوع في فترة العلاج.

لتحديد المنطقة المستهدفة يعتمد الطبيب على الفحص الفيزيائي، والصور الشعاعية، واستقصاءات تشخيصية أخرى، مثل التصوير المقطعي المحوسب، والتصوير بالرنين المغنطيسي (MRI)، والتصوير بالأمواج فوق الصوتية.

يساعد استخدام علامات معدنية أو أسلاك توضع على المريض في تحديد موقع الورم أو تحديد موقع البنيات الحرجة critical structures، أو تحديد الأمرين معاً. وعلى نحوٍ مشابه فإنّ استخدام مادة ظليلة للأشعة عند المحاكاة يمكنه أن يحدّد موقع الأحشاء كالأمعاء أو المثانة.

يتمّ تنفيذ المحاكاة على جهاز المحاكاة simulator، وللمساعدة في تخطيط علاج المريض فإنّ غرفة المعالجة تحوي أيضاً مصادر ضوئية ليزرية مثبّتة على الجدران.

إنّ الهدف من جهاز محاكاة العلاج الشعاعي هو تقليد وحدة المعالجة الشعاعية، ولكن بدلاً من توليد حزمة أشعة علاجية عالية الطاقة، فإنّه يولّد أشعة سينية منخفضة الطاقة من أجل الصور الشعاعية. يحوي رأس جهاز المحاكاة على أنبوب أشعة سينية تشخيصي.

يمكن إدخال التصوير المقطعي المحوسب في تخطيط العلاج للمناطق العميقة أو المعقـّدة في عملية تدعى التخطيط بالـ (CT) وقياس الجرعة بطريقة ثلاثية الأبعاد.

وأُدخلت في السنوات الأخيرة تقنيات جديدة اعتماداً على طريقة التشعيع ثلاثية الأبعاد، مثل تقنية المعالجة الإشعاعية معدّلة الشدة IMRT، مما سمح بإعطاء جرع شعاعية عالية جداً مركزة في منطقة الورم وأمكن بذلك الوصول إلى تعقيم الخلايا الورمية تعقيماً تاماً، من دون أن يؤذي الأنسجة السليمة المجاورة.

3- مراقبة العلاج:

تتضمن المراقبة الدورية للشروط التقنية لتطبيق العلاج، والمراقبة السريرية لتأثيرات الأشعة.

أ- المراقبة التقنية: التحقق من دقة عمل الأجهزة من قبل الفيزيائيين والمهندسين، وضبط زمن التعرض والجرعة في كل جلسة.

التحقق من صحة وضعية المريض والحزم الإشعاعية.

ب- المراقبة السريرية: تجرى عادة أسبوعياً فيتأكد الطبيب من التحمل العام للعلاج (الحالة العامة للمريض، والوزن، والحالة النفسية)، والتحمل الموضعي (التأثيرات الجانبية للعلاج، وصف الأدوية اللازمة)، والتحمل الدموي أحياناً.

التأثيرات الجانبية ومضاعفات العلاج الإشعاعي:

تنشأ التأثيرات الجانبية والمضاعفات بسبب الأذى الناجم عن تعرّض الأنسجة السليمة الواقعة ضمن منطقة العلاج، ولهذا يسعى الطبيب جاهداً إلى استخدام التقنيات العلاجية المناسبة التي تحدّ من تعريض الأنسجة السليمة في أثناء العلاج. ومن المفيد أن يحاط المريض علماً بالتأثيرات الجانبية والمضاعفات المحتملة في أثناء العلاج وبعده وطرق مواجهتها والتعامل معها؛ فذلك من شأنه إزالة الرهبة من العلاج الإشعاعي ومشاركة المريض الإيجابية في التغلب على مصاعب العلاج.

1- الإحساس بالتعب والإرهاق:

قد يحدّ هذا الشعور من نشاط المريض وقدرته على بذل الجهود ولاسيما اضطرار المريض للسفر اليومي لتلقي الجلسات الإشعاعية. ويجب ألا ينتاب المريض القلق بسبب هذا الإحساس وعليه أن يستجيب لرغبات جسمه وحاجته إلى مزيد من الراحة، كما عليه أن يعلم أنّ هذا الإحساس قد يستمر بضعة أشهر بعد انتهاء العلاج.

2- التأثيرات الجلدية:

تتوقف حدّة التأثيرات الإشعاعية على الجلد على الطاقة الإشعاعية المستخدمة، فكلما ازدادت هذه الطاقة ازدادت قدرة الأشعة على النفاذ وقلّت الطاقة الممتصّة في الجلد وقلّ معها أذى الجلد. وهذه إحدى مزايا استخدام أشعة ذات طاقة عالية في علاج الأورام العميقة. يتشكل الجلد من نسيج ذي ارتكاس باكر (البشرة وملحقات الجلد) ونسيج ذي ارتكاس متأخر (الأدمة).

ولتأثيرات الأشعة على الجلد درجات مختلفة من حيث الشدّة تبدأ بالاحمرار الذي قد يظهر في الأسبوع الثاني من بدء العلاج وقد يلي ذلك تقشّّر الجلد تقشراً جافاً وسقوط الشعر (يحدث سقوط الشعر في الأسبوع الثالث). غالباً ما يتوقف التأثير عند هذا الحدّ (يهمد الاحمرار بعد 4 أسابيع) إلا أنّ تأثر الجلد قد يكون في بعض الحالات أكثر حدّة إذ يلي الاحمرارَ تكوّنُ فقاعات بداخلها سائل مصلي. يحدث التوسف الرطب في الأسبوع الرابع ويكون مسبوقاً باحمرار شديد. وغالباً ما تهدأ هذه الالتهابات وتختفي خلال 2-4 أسابيع بعد انتهاء العلاج.

يمثل النخر الجلدي مع فقدان خلوي بشروي كامل الأذى الحادّ الأكثر شدّة؛ إذ يتطور الاحمرار بعد جرعة كبيرة إلى تشكيل فقاعات عميقة ممتدّة إلى ما بعد الأدمة، وحين تتمزّق الفقاعات تنكشف عن سطح متسلخ، وهكذا تتشكل قرحة نخرية تستمرّ مدّة طويلة. يتأخر شفاء القرحة النخرية بسبب الأذى الوعائي المرافق في الأدمة.

باستثناء حالة التنخر تحدث استجابة ظهارية مجدّدة في الأسبوع الثاني أو الثالث، وتتقدم هذه الاستجابة لتجدّد البشرة. وقد يكون التجدد تاماً لكن البشرة الجديدة قـد تكون رقيقة، عديمة الشعر، وجافة بسبب عدم شفاء الغدد الدهنية والعرقية. وقد يكون الجلد الجديد أيضاً عديم التصبغ أو مفرط التصبّغ أو يحوي الحالتين معاً.

يجب العناية بالجلد بتجنّب التعرّض للحرارة ومصادر التخريش الأخرى كالاحتكاك أو استعمال الأشرطة اللاصقة أو مزيلات التعرق الحاوية على الكحول، كما يجب تهوية الجلد جيداً.

إضافة إلى التأثيرات الحادّة الباكرة التي تظهر في أثناء العلاج قد تحدث بعض التغيرات في الجلد بعد فترة طويلة من الزمن. فالارتكاسات الأدمية المتأخرة تحدث بعد أشهر أو سنين وتتطوّر ببطء شديد وتظهر بشكل تليّف أدمي، أو توسع الشعيرات الدموية، أو التنخر الأدمي. وتتميّز هذه التغيّرات المتأخرة بأنّها تنمو ببطء وقد تحتاج 2-5 سنوات حتى تبلغ ذروة شدّتها. وتهدف تقنيّة المعالجة الشعاعية الحديثة إلى تجنّب حدوث هذه التأثيرات المتأخرة أو تخفيف حدتها.

3- التغيّرات الدمويّة:

قد تحدث تغيرات في خلايا الدم نتيجة العلاج الإشعاعي ولاسيما إذا كان من الضروري تعريض أجزاء كبيرة نسبياً من الجسم للأشعة وخاصة إذا كانت هذه الأجزاء تحتوي على نقي عظمي نشط مكوّن لخلايا الدم. وفي هذه الحالة يكرر فحص الدم لكشف ما قد يحدث فيه من انخفاضات العناصر الدموية الخطرة.

يؤدّي التشعيع إلى قتل الخلايا الجذعية والخلايا الطليعية الباكرة في نقي العظم مما يؤدي إلى نقص تجدد العناصر الدموية المحيطية. تعد الخلايا اللمفاوية (التي تقوم بوظائف المناعة) أكثر الخلايا الدموية حساسيّة للأشعة، وقد يلاحظ انخفاض عددها خلال ساعات من التعرّض. ويلي ذلك خلال يومين انخفاض عدد الكريات البيض متعدّدة النوى (المنوط بها مهمّة التهام الأجسام الغريبة والجراثيم). أما الصفيحات الدموية والكريات الحمر فلا يظهر انخفاض عددها إلا بعد 7-10 أيام.

تمثل هذه التغيّرات، في معظم الأحيان ظواهر مؤقتة وتعود الأمور إلى الوضع الطبيعي خلال 2-3 أسابيع. إلا أن لكل نوع من خلايا الدم مستوى حرجاً يجب ألا يقلّ عددها عنه، وقـد يقتضي الأمر عند الوصول إلى هـذا المستوى الحرج وقف العلاج مؤقتاً أو اللجوء إلى نقل الخلايا الحمر أو الصفيحات أو استخدام بعض العقاقير المنشطة لتكوين الكريات البيض متعدّدة النوى.

والنقي العظمي شديد الحساسية للأشعة، إذ إن جرعة إشعاعية مفردة لكامل الجسم مقدارها (4 غراي) تؤدّي إلى موت نحو نصف المرضى، وتحدث أكثر هذه الوفيات بسبب تثبيط النقي الباكر. وقد سمح زرع النقي العظمي بإعطاء جرعة أعلى لدى تشعيع كامل الجسم بوصفه جزءاً من علاج ابيضاض الدم الحاد وأمراض أخرى بما فيها اللمفومة والورم النقوي.

يمكن أيضاً تعريض مناطق كبيرة من الجسم للأشعة لعلاج انتقالات عظمية واسعة الانتشار ومؤلمة من دون اللجوء إلى تقنيّات زرع النقي لأنّ النقي غير المشعّع قادر على المعاوضة بوساطة الإنتاج الزائد. وهذا هو أساس ما يدعى تشعيع نصف الجسم وهي طريقة مستعملة على نحوٍ زائد لتلطيف ألم المرضى المصابين بمرض انتقالي واسع الانتشار، ويمكن إعادة تشعيع النصف المقابل من الجسم شريطة ترك فاصل مناسب يعادل 6-8 أسابيع بين جزأيّ العلاج.

4- التأثيرات الجانبية للعلاج الإشعاعي في منطقة الرأس والعنق:

الغدّة النكفية سريعة وشديدة التأثر بالأشعة. ولما كانت هـذه الغدّة المصدر الرئيس للعاب فإنّ تأثرها بالأشعة يؤدّي إلى نقص إفرازه وإلى الإحساس بجفاف الفم xerostomia والحلق، ويمثل هذا أحد الأعراض المبكرة لتعرّض هذه الغدّة للأشعة. يقوم اللعاب بتسهيل عملية المضغ كما أنه يمنع تراكم فضلات الطعام في الفم وبين الأسنان ما يساعد على التخلص من الجراثيم والفطريات فضلاً عن احتوائه على مواد مضادّة لنموّها. ولذلك فإن جفاف الفم يساعد على نمو الجراثيم ويزيد من خطر النخرات السنية. كما يؤدي جفاف الفم إلى إضعاف حاسة التذوق. وقد يتسبّب التعرّض الإشعاعي في ضمور الحليمات الذوقية نفسها مما يزيد من ضعـف حاسة التذوق. ويعبّر المريض عن حدوث هـذه التأثيرات بأنه فقد القـدرة على التمييز بين مذاق الأطعمة المختلفة وأنها قد أصبحت ذات مذاق واحد كثيراً ما يوصف بأنه مذاق معدني. ويمتدّ الإحساس بجفاف الريق إلى أكثر من عام قـد يليه تحسّن جزئي. وليس من المتوقع الاستعادة الكاملة، ويجب أن يحاط المريض علماً بذلك. ويجب إجراء تقـييم دقيق لحالة الأسنان من قبل طبيب الأسنان الذي يقوم بقلع جميع الأسنان غير السليمة، أو المتنخرة، أو المكسورة، كما قد يقوم طبيب الأسنان طوال فترة العلاج الشعاعي بطلاء الأسنان بمركبات خاصة تحتوي على عنصر الفلور. ومن المهم أن يتّبع المريض نظاماً صارماً لضمان نظافة الفم وذلك باستعمال غسولات فموية مطهرة عدّة مرات يومياً ولاسيما بعد وجبات الطعام. ويجب على المريض تنظيف الأسنان في الصباح والمساء وبعد كل وجبة باستعمال فرشاة أسنان ناعمة ومعجون أسنان يحتوي على الفلور. أما فيما يخص جفاف الفم فهناك مستحضرات لعاب صنعية لزجة يكسو بها المريض لسانه وفمه قبل كل وجبة من وجبات الطعام. كما أنّ مختص التغذية قد يضع للمريض نظاماً غذائياً خاصاً مكوّناً من أطعمة سهلة المضغ والبلع وذات قوام يناسب جفاف الفم مع إشباع جميع الحاجات الغذائية.

قد يسبّب التعرّض الإشعاعي تغيرات التهابية في أغشية الفم والبلعوم والحنجرة، تظهر بعد أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع من بدء العلاج. تزيد هذه الارتكاسات من شدّة الأعراض الناجمة عن جفاف الفم والحلق جاعلة البلع صعباً ومؤلماً مع فقد الشهية مما قد يؤدّي إلى نقص الوزن. وقد يحدث أيضاً بحّة في الصوت. وقد يحتاج الأمر إلى إعطاء مسكنات الألم وتناول أطعمة طرية سهلة البلع. ويدعم هذا بتناول بعض مستحضرات الغذاء السائل ذي القيمة الغذائية والسعرية العالية. ينصح كذلك بغسولات الفم مع مخدّر موضعي قبل وجبات الطعام، وعدم تناول الغذاء الحارّ أو المحتوي على التوابل أو الخل. ويجب على المريض طوال فترة العلاج الإشعاعي وبعدها الامتناع الكامل عن التدخين والكحول، والبحث بنفسه وفي ضوء خبرته الخاصة عن أفضل الأطعمة التي تناسب حالته.

سقوط الشعر هو أحد الأعراض الجانبية للعلاج الإشعاعي، ويقتصر هذا السقوط على المنطقة المعالجة دون غيرها، ولهذا الأمر أهمية نفسية خاصة في سقوط شعر الرأس عند النساء. يبدأ الشعر في السقوط خلال الأسبوع الثالث من العلاج وتتوقف احتمالات عودة نمو الشعر على كمية التعرّض الإشعاعي. وقد يبدأ الشعر في النمو من جديد بعد شهرين أو ثلاثة أشهر من نهاية العلاج الإشعاعي. وكثيراً ما يختلف الشعر الجديد عن الشعر الأصلي في غزارته ولونه ونعومته.

الساد العيني cataract من المضاعفات التي تحدث بعد فترة حضانة يتناسب طولها تناسباً عكسياً مع الجرعة (بين 6 أشهر و35 سنة)، ويراوح في المتوسّط بين عامين وثلاثة أعوام. ولذلك تراعى حماية العين بوضع واقٍ من الرصاص  شريطة عدم حجبه منطقة الورم الواجب علاجها.

والتهاب القناة السمعية الخارجية والأذن الوسطى والداخلية من المضاعفات الواجب تجنبها بوضع واقٍ من الرصاص شريطة عدم حجبه منطقة الورم الواجب علاجها، لما يسبّبه هذا الالتهاب من أعراض مزعجة كالألم والإفرازات وضعف حاسة السمع والطنين والدوار.

5- التأثيرات الجانبية للعلاج الإشعاعي في منطقة الصدر:

تعد صعوبة البلع أحد الأعراض الجانبية للعلاج الإشعاعي نتيجة لتعرّض المريء الصدري للأشعة. يبدأ ذلك خلال الأسبوع الثاني أو الثالث من العلاج وقـد يؤدّي إلى فقد الشهية ونقص الوزن. وتُتبع مع هذه الأعراض الأساليب العلاجية السابق ذكرها في الأعراض المماثلة في الرأس والعنق. قد يعاني المريض الغثيانَ وفي بعض الأحيان القياءَ ولاسيما إذا شملت المنطقة المعرّضة للأشعة المعدة.

الرئة هي أحد الأعضاء التي تتأثر بالتعرّض الإشعاعي، كما يحدث حين علاج سرطان الثدي أو الرئة أو المريء أو بعد تشعيع كامل الجسم total-body irradiation. يمكن تقسيم الأذى الرئوي المحدث بالأشعة إلى:

أ- التهاب رئوي باكر يظهر خلال 2-6 أشهر. وتفيد الستيروئيدات في علاجه.

ب- تليّف رئوي متأخر يحدث بعد 6 أشهر.

وليس من الواضح ما إذا كانا طورين للعلة نفسها أو هما نمطان متميّـزان من الإصابة. قد تكون الإصابة الرئوية صامتة سريرياً ولكنها تكون عادة عرضية وتشمل الأعراض السعال وصعوبة التنفس والألم الصدري. وتظهر علامات الإصابة الرئوية على صورة الصدر الشعاعية البسيطة على شكل كثافات رئوية يمكن كشفها أحياناً مصادفة في أثناء الفحص الشعاعي المنوالي (الروتيني) للصدر قبل ظهور الأعراض الصدرية.

الوقاية من حدوث الأذيات الرئوية أكثر جدوى من علاجها بعد حدوثها. وتشمل أساليب الوقاية:

أ- الحدّ من الجرعة الواصلة إلى الرئة.

ب- إنقاص مساحة التعرّض الرئوي.

ج- استخدام جرعات صغيرة في كل جزء وفقاً لمخطط تجزئة معين ويزيد هذا من  تحمل الرئة للتعرّض الإشعاعي.

قد تتأثر عضلة القلب بالتعرض الإشعاعي نتيجة ما يلحق الأوعية والشعيرات الدموية من أذى قد ينجم عنه قصور في تغذية هذه العضلة. وربما لا تظهر نتائج تعرض عضلة القلب للأشعة إلا بعد عدّة أعوام. وقد يؤدي تعرض غشاء التأمور المحيط بالقلب إلى التهاب هذا الغشاء وتجمّع السائل بداخله مما يحد من كفاءة انقباض العضلة القلبية. ويختلف تأثر التأمور بالأشعة عن تأثر عضلة القلب في أنه يحدث في وقتٍ مبكر نسبياً (عدّة شهور).

ويمكن تجنب هذه المضاعفات خلال تخطيط العلاج الإشعاعي عن طريق تخفيض الجزء القلبي الواقع داخل المنطقة العلاجية المستهدفة.

6- التأثيرات الجانبية للعلاج الإشعاعي في منطقة البطن والحوض:

تحدث معظم الأعراض نتيجة تعرّض الجهاز الهضمي للأشعة. ومن هذه الأعراض ما يحدث بعد فترة وجيزة من انتهاء الجلسة الإشعاعية كالغثيان والقياء نتيجة التشنج المعدي وتأخر تفريغ محتوياتها إلى العفج. كما أنّ أذى الغشاء المخاطي للأمعاء يمكن أن يسبّب الانتفاخ والمغص أو الإسهال ويبدأ ذلك بعد عدة أيام من التعرض للأشعة. ويعالج بتناول الكثير من السوائل وتجنب الأطعمة الغنية بالألياف مثل الخضار والفواكه والخبز الأسمر، والإكثار من الأطعمة قليلة الألياف مثل الأرز والمعكرونة والخبز الأبيض والدجاج واللحم، وإعطاء الأدوية المضادة للإسهال. وقد يحتاج الأمر (في الحالات الشديدة) إلى التسريب الوريدي لكميات من المحاليل بغية تعويض ما فقد عن طريق القياء والإسهال من سوائل وشوارد.

تتعرّض المثانة والمستقيم للأشعة في أثناء علاج أورام الحوض. وقد يسبّب التهاب المثانة المحدث بالأشعة ألماً في أثناء التبوّل وكثرة مرّات التبوّل. ويعالج ذلك بكثرة شرب السوائل والامتناع عن شرب القهوة والشاي والخمور وبالأدوية المهدّئة للتشنّج المثاني. ويتسبب التهاب المستقيم في حدوث الزحير (رغبة كاذبة بالتغوّط) يصاحبه المخاط وأحياناً الدم. ويعالج بتجنب الأطعمة الغنية بالألياف وبتناول الملينات كزيت البارافين وحقن المستقيم بمحلول النشاء لما له من تأثير ملطف.

7- تأثير العلاج الشعاعي في النخاع الشوكي:

يمتد النخاع الشوكي من الفقرة الرقبية الأولى إلى الحدّ الفاصل بين الفقرة القطنية الأولى والثانية. تمثل إصابة النخاع الشوكي أحد المضاعفات الخطرة للعلاج الإشعاعي نظراً لما تسببه من شلل دائم. يتحكم في التحمل الإشعاعي للنخاع الشوكي عدّة أمور مهمة مثل:

أ- طول النخاع الشوكي المتعرّض للأشعة.

ب- التجزئة المستخدمة.

ج- الجرعة الكلية المعطاة.

وعموماً يجب مراعاة عدم تعريض النخاع الشوكي لجرعة تزيد على (s45 Gy).

8- تأثير العلاج الشعاعي في النشاط الجنسي والخصوبة لدى الذكور:

تتكوّن الخصية من نوعين من الأنسجة: يقوم النسيج الأول بوظيفة تكوين النطاف، وهو نسيج شديد الحساسية للأشعة، وينجم عن أذيته نقص تكوين نطاف جديدة  أو توقفه مما يؤدّي إلى ضعف الخصوبة أو العقم. من جهة أخرى قد تحدث الجرعات الشعاعية الصغيرة تغيّرات وراثية في النطاف المتكوّنة حديثاً مما قد يؤدّي إلى عيوب خلقية في الجنين في حالة تلقيح البويضة بنطفة مصابة. ويختصّ النسيج الثاني بإفراز هرمون الذكورة testosterone المسؤول عن مظاهر الذكورة الجسدية والجنسية، وحساسية هذا النسيج للأشعة أقل بكثير من حساسية النسيج الأوّل.

قد تتعرّض الخصيتان للأشعة في أثناء العلاج الإشعاعي لأورام الحوض سواء كان ذلك نتيجة للتعرّض المباشر أم التعرّض للأشعة المبعثرة من الأجزاء المجاورة، ولذلك يبذل اهتمام خاصّ في أثناء التخطيط العلاجي لمنع وصول الأشعة للخصيتين. وقد يتطلّب هذا إضافة درع واقية ثخينة مصنوعة من الرصاص تحيط بالخصيتين في أثناء جلسات الأشعة وبذلك تقل كمية التعرّض إلى حدٍ كبير. وتزداد أهمية هذه الاحتياطات في المرضى صغار السن نسبياً المصابين بأورام قابلة للشفاء وذلك بغية الحفاظ على خصوبتهم وقدراتهم الجنسية. ويجب أن يناقش الطبيب هذه الاحتمالات مع مرضاه لإزالة مخاوفهم وزيادة ثقتهم بجدوى العلاج وتأكيد أنّ العلاج الإشعاعي الذي يتعرّضون له يراعي الحفاظ على القدرات الجنسية، إلا أنه من الواجب اتخاذ احتياط خاص للإنجاب؛ إذ إنّ الجرعات الصغيرة من الأشعة قد تسبب تغيرات وراثية ضارّة في النطاف ومن الواجب الامتناع عن الإنجاب مدة عامين على الأقل لإتاحة الوقت للتخلص من الخلايا الأرومية المصابة.

وقد يشكو بعض المرضى من ضعف قواهم الجنسية في أثناء العلاج الإشعاعي أو بعده على الرغم من الحماية الكافية للخصية، ويرجع ذلك عادة للقلق والضغوط النفسية التي يتعرّض لها المريض بسبب المرض والعلاج. إلا أنّ ذلك قد يعود لأسباب طبية أخرى وعلى المريض مناقشة كل هذه الأمور مع طبيبه.

9- تأثير العلاج الشعاعي في النشاط الجنسي والخصوبة لدى الإناث:

يتكون المبيض من بويضات يحيط بها عدد كبير من الخلايا التي تقوم بتغذيتها في أثناء  نضجها فضلاً عن إفرازها لهرمونات المبيض (الأستروجين والبروجيسترون) المسؤولة عن صفات الأنوثة ونمو الجهاز التناسلي. البويضة خلية غير قادرة على الانقسام إلا بعد تلقيحها بالنطفة وبدء عملية تكوين الجنين. وتختلف البويضة عن النطاف بعدم وجود خلايا أرومة أم مكونة لها إذ إن هذه الخلايا الأم تختفي قبل الولادة ويبقى داخل كل مبيض عدد محدود من البويضات، وعند حلول سن البلوغ وبدء دورات الطمث الشهرية تنضج بويضة كل دورة، قد يتم تلقيحها بنطفة أو تموت في حالة عدم التلقيح. وتتكرر هذه العملية كل شهر حتى نفاد البويضات وعندئذٍ يحلّ ما يسمى بسن الإياس. ويصاحب هذا ضمور الخلايا المحيطة بالبويضة وتوقف تكوين هرمونات الأنوثة في المبيض إلا أنّ تكوين هذه الهرمونات قد يستمر وإن كان بكميات أقل في الغدة الكظرية. وتستمرّ هذه الهرمونات في المحافظة على قدر من صفات الأنوثة ويتوقف هذا على مدى استجابة الغدة الكظرية لتوقف وظائف المبيض.

البويضة شديدة الحساسية للأشعة على الرغم من عدم قدرتها على الانقسام، وموتها نتيجة للتعرّض الإشعاعي يصاحبه ضمور في الخلايا المكونة للهرمونات ويختلف ذلك عن التأثير الشعاعي في الخصية إذ إنّ ضمور الخلايا المكوّنة للنطف لا يتبعه ضمور الخلايا المكوّنة لهرمون الذكورة لأنّها أكثر مقاومة للأشعة. وذلك يعني أنّ عقم الذكور لا يتبعه بالضرورة تأثر القدرات الجنسية.

يتعرّض المبيضان لجرعات كبيرة من الأشعة في أثناء العلاج الإشعاعي لأورام الجهاز التناسلي أو أورام المثانة أو المستقيم وهو أمر لا يمكن تجنبه في مثل هذه الحالات، ولهذا فإنّ العلاج الإشعاعي قبل توقف دورة الطمث غالباً ما يؤدّي إلى ضمور المبيضين وتوقف الإباضة والدورة الطمثية (سن إياس صنعي). ويصاحب ذلك أعراض مماثلة لتلك الـتي قـد تحدث مع سن الإياس الطبيعي من توتر عصبي والإحساس المفاجئ بالحرارة وجفاف المهبل. إلا أنّ هذه الأعراض قد تكون أشدّ حدّة وخاصة في صغيرات السن نظراً للتوقف السريع نسبياً لوظائف المبيضين. ومن الممكن تخفيف هذه الأعراض باستخدام بعض الأدوية المهدّئة أو جرعات صغيرة من هرمون الأستروجين لتعويض النقص السريع في مستوى الهرمون الطبيعي إلى أن تخف حدّة الأعراض أو تزول تلقائياً نتيجة لتنشيط الغدة الكظرية. على أن يتم ذلك تحت الإشراف الطبي الدقيق.

ومن الممكن تجنب تعريض المبيضين للأشعة في أثناء علاج بعض أورام الحوض خارج الجهاز التناسلي مثل أورام العقد اللمفاوية باستخدام دروع رصاص واقية، وقد يلجأ إلى إجراء جراحة بسيطة لإزاحة المبيضين وتثبيتهما في موضع جديد خارج المنطقة المعرّضة للأشعة. وكثيراً ما تستعمل هذه الطريقة قبل العلاج الإشعاعي للفتيات.

 وضمور المهبل أحد الآثار الجانبية للعلاج الإشعاعي لهذه المنطقة، وينجم عنه ضيق المهبل وجفافه مما يجعل الجماع صعباً. من الممكن تجنب هذا الضيق باستخدام موسّعات المهبل والكريمات المليّنة للتغلب على جفاف المهبل. كما أنه من المفيد أن تدرك المريضة أنّ عملية الجماع المنتظمة في ذاتها قد تحدّ من انكماش المهبل.

 

 

 


التصنيف : الأورام
النوع : الأورام
المجلد: المجلدالثامن
رقم الصفحة ضمن المجلد : 325
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1078
الكل : 45636530
اليوم : 37213