logo

logo

logo

logo

logo

أمراض الغدد الصم والاستقلاب

امراض غدد صم واستقلاب

diseases of endocrine glands and metabolism - maladies des glandes endocrines et du métabolisme



 

 

أمراض الغدد الصم والاسـتقلاب

منيف مرعي

 

أعراض اضطرابات الغدد الصم

سببيات المرض الغدي الصماوي

تأثير الهرمونات

الدراسة المخبرية للغدد الصم:

 

 

 

تعود بدايات تميز علم الغدد الصم إلى النصف الثاني من القرن العشرين وإن كانت بعض أطرافه قد ظهرت قبل ذلك، حين لاحظ بعض الباحثين شأن الأخلاط في تنظيم وظائف الجسم. وكان لكلود برنار C. Bernard الفرنسي مؤسس الفيزيولوجيا الطبية الفضل في إدخال مفهوم الإفراز الداخلي internal secretion.

يعمل جهاز الغدد الصم بالتنسيق مع الجهاز العصبي على التحكم في وظائف أجهزة الجسم لتحقيق الاستتباب homeostasis والتكيف adaptation والتوالد reproduction لحفظ النوع.

وتعرّف الغدة الصماءendocrine gland  بأنها غدة متخصصة بإفراز مواد كيميائية حيوية - تدعى الهرمونات - في الدم مباشرة، أي في الوسط الداخلي؛ للتأثير في الخلايا الأخرى وذلك لتمييزها من الغدد الأخرى خارجية الإفراز كالغدد اللعابية والعرقية وغدة الثدي.

ومع نهايات القرن العشرين - وبفضل التقدم الهائل في التقنية الطبية والكيميائية والاستقصائية - تم اقتحام مجال جديد في علم الغدد الصم هو علم الغدد الصم العصبي neuroendocrinology الذي يدرس العلاقات والتآثر بين جهازي التحكم في العضوية، وهما الجهاز العصبي بسيالاته العصبية وجهاز الغدد الصم بمفرزاته الخلطية؛ إذ يلتقي هذان الجهازان على مستوى الوطاء hypothalamus الذي يتلقى الإشارات من الجهاز العصبي وينقلها إلى الغدد الصم المحيطية عبر النخامى مشكلاً ما يعرف بالمحور الوطائي العصبي النخامي.

والاكتشافات الأولى في هذا الحقل تبشر بالكثير مما يمكن معرفته عن عمل الدماغ وعن الأمراض والعلل النفسية؛ إضافة إلى كشف آليات الكثير من الأمراض الغدية الصماوية.

ولعلم الغدد الصم قربى لا يمكن تجاهلها باعتلالات المناعة الذاتية autoimmunity؛ إذ يسمح تطور هذا العلم بالكشف عن الآليات المرضية لكثير من الأمراض الغدية الصماوية.

وجاء تطور علم الوراثة والهندسة الوراثية ليضيف دفعاً جديداً لتقدم هذا العلم وتطبيقاته السريرية، ويؤمل أن ينعكس ذلك خيراً على صحة البشر.

مدخل:

قد تصاب الغدد الصم كلها بالمرض وأكثر اضطرابات الغدد الصم شيوعاً- إذا استثني الداء السكري- هي:

1- اضطرابات الغدة الدرقية؛ إذ إن كل طبيب ممارس يمكن أن يكشف 4 إلى 8 حالات مرضية درقية جديدة كل سنة، (وأكثرها شيوعاً قصور الدرق والانسمام الدرقي والدراق goitre).

2- اضطرابات الطمث والشعرانية لدى الإناث الشابات، وأهمها المبيض عديد الكيسات.

3- تخلخل العظام ولا سيما بعد سن الإياس.

4- فرط نشاط الدريقات الأولي ويصيب نحو واحد بالألف من السكان.

5- ضعف الخصوبة ويصيب نحو 5-10% من الأزواج.

6- اضطرابات النمو والبلوغ.

ومع أن هناك اضطرابات أخرى غير شائعة فإنها غالباً تصيب الشباب من الجنسين، وهي قابلة للشفاء أو التدبير بالعلاج المناسب إذا تم كشفها.

الشكل (1) الغدد الصم المهمة واضطراباتها

أعراض اضطرابات الغدد الصم:

للهرمونات تأثيرات واسعة في مختلف أنسجة العضوية، ولذا فإن الأعراض الناجمة عن نقص مفرط أو زيادة مفرطة في مستوى هرمون ما؛ ستكون شاملة لأكثر من عضو من أعضاء البدن، ومن هذه الأعراض يُستدَل على الغدة الصماء المعتلّة أكثر من الأعراض الموضعية الناجمة عن إصابة هذه الغدة.

أغلب أعراض المرض الغدي الصماوي غير نوعية وغامضة، وساحة تشخيصها التفريقي واسعة، وثمة أمثلة عليها هي: التعب والوهن ونقص الشهية والعطش.

وهناك أعراض نموذجية للإصابة الغدية الصماوية مثل تغير شكل الجسم وتصبغات الجلد وفرط التعرق وزيادة أشعار الجسم التي يجب أن تستدعي التفكير بخلل هرموني.

القصة السريرية والفحص السريري:

  •  يجب استقصاء قصة عائلية دقيقة: هل وجدت أمراض مناعية ذاتية في العائلة أو أورام أو الداء السكري أو أمراض قلبية وعائية، وكيفية سير البلوغ والنمو وطول القامة لدى أقرباء الدرجة الأولى.

  •  يجب السؤال عن سوابق العمليات الجراحية أو العلاجات الإشعاعية أو الأدوية.

  •   الفحص الفيزيائي يجب أن يشمل كل أجهزة الجسم وتصنف العلامات المكتشفة تبعاً لكل عضو.

سببيات المرض الغدي الصماوي:

قد تؤدي كل من الآليات السببية التالية إلى اعتلال عدة غدد صماء:

1- الآلية المناعية الذاتية: قد يصيب المرض المناعي الذاتي أياً من الغدد الصم الرئيسية، ويتميز بظهور الأضداد النوعية الموجهة ضد المكونات الخلوية للغدة الصماء المعنية على نحو يمكن كشفها في المصل وذلك قبل سنوات من ظهور الأعراض السريرية.

تشاهد هذه الأمراض المناعية الذاتية للغدد الصم لدى الإناث أكثر من الذكور، ويتدخل فيها العامل الوراثي الذي يرتبط ببعض زمر (HLA) النسيجية ويظهر لدى التوائم الحقيقية بنسبة تطابق تصل إلى 50%.

2- الآلية الورمية: تحدث الأورام المفرزة للهرمونات في كل الغدد الصم ولاسيما في النخامى والدرق والدريقات، ومعظم هذه الأورام سليمة لكنها تكتسب صفة الإفراز الذاتي غير الخاضع لآليات الضبط الفيزيولوجي. أما الأورام غير المفرزة التي تحدث في الغدد الصم فأكثر شيوعاً، وقد تكشف اتفاقاً في أثناء التصوير الشعاعي لسبب مرضي آخر.

3- الأسباب الإنزيمية: يتم تركيب الهرمونات وإفرازها عبر عدة مراحل تتدخل فيها عدة إنزيمات. يؤدي عوز إنزيم ما أو خلل في بنيته إلى نقص إنتاج الهرمون، فإذا كان العوز شديداً فإن نتائجه السريرية تظهر في مرحلة مبكرة من العمر (لدى الرضع والأطفال)، أما إذا كان العوز أو الخلل جزئياً فقد يتأخر تكامل الصورة السريرية إلى مرحلة البلوغ أو الكهولة.

المثال على العوز الإنزيمي هو: «فرط تنسج قشر الكظر الخلقي» الناجم عن عوز بعض الإنزيمات الذي ثبت أن سببه طفرات أو خبن deletion في الجينات التي تشفر لهذه الإنزيمات.

4- المستقبلات الشاذة: تقوم الهرمونات بعملها عبر تفعيل مستقبلات نوعية على مستوى خلايا النسيج الهدف، فإذا وجد خلل في هذه المستقبلات أدى إلى خلل في عمل الهرمون. والأمثلة على الأمراض الغدية الصماوية الناجمة عن خلل المستقبلات كثيرة؛ كالخصية المؤنثة (حيث تغيب مستقبلات الإندروجينات) والداء السكري من النمط الثاني والبوال التفه كلوي المنشأ.

5- الأدوية الهرمونية: تستخدم الهرمونات أيضا كأدوية لعلاج كثير من الأمراض غير الأمراض الغدية منها:

أ- مانعات الحمل الفموية (20-30%) من النساء يستعملنها في الأعمار بين (18-35).

ب- الكورتيزونات الصنعية: في علاج الربو وأمراض الجلد والمفاصل والتحسس.

تأثير الهرمونات:

الهرمونات رسائل كيميائية تنتجها خلايا مفرزة متخصصة مختلفة وتنتقل في الدم إلى خلايا بعيدة لتؤثر فيها (الأثر الغدي الصماوي)، ويتم التأثير في بعض الحالات محلياً في الخلايا المجاورة للخلايا المفرزة (الإفراز نظير الصماوي paracrine).

والهرمونات المدرسية المعروفة تفرز من الغدد الصم الرئيسية: النخامى والدرق والكظر والأقناد (مبيض وخصية) والدريقات والمعثكلة وتذهب في الدوران لتؤثر في أماكن أخرى من العضوية. وإضافة إلى هذه الغدد هناك الكثير من الخلايا التي تفرز هرمونات مثل الوطاء (الهيبوتالاموس)، وبعض النويات الدماغية وخلايا الأنبوب الهضمي. وتعمل هذه الخلايا بصفة خلايا غدية صماء (هرمونية) أو بصفة خلايا إفراز جنينية أو تعمل بصفة نواقل عصبية أو معدلات عصبية neuromodulators.

على المستوى الجزيئي داخل الخلايا يبدو أنه ليست هناك فروق كبيرة في الطريقة التي تتم بها عملية تنظيم النشاط الخلوي بين الهرمونات والنواقل العصبية، والسيتوكينات، وعوامل النمو، فقد كشف التقدم في علم بيولوجيا الخلية، التشابه الكيميائي في الرسائل الخلوية والمستقبلات وما بعد المستقبلات التي تفسر آليات عمل مختلف الوسائط المذكورة.

إنشاء الهرمونات وخزنها وإفرازها:

تصنف الهرمونات من الناحية الكيميائية إلى:

1- هرمونات ببتيدية: وقد تكون:

  •  عديدة ببتيد: مثل الإنسولين والغلوكاكون والبرولاكتين.

  • بروتينية سكرية: مثل حاثات الأقناد النخامية وحاثة الدرق والهرمون المشيمي.

2- الهرمونات الأمينية: وتتركب من عدد قليل من الحموض الأمينية مثل: التيروكسين (الهرمون الدرقي) والأدرينالين والهرمونات العصبية الوطائية.

3- الهرمونات الستروئيدية: وكلها تشتق من الكولسترول، وهي الهرمونات الكظرية القشرية مثل الكورتيزول والألدوسيترون) والهرمونات الجنسية مثل الإستراديول والتستوستيرون.

وفيما يلي الخطوط العريضة لكيفية إنشاء الهرمونات:

1- إنشاء الهرمونات الببتيدية والبروتينية السكرية: يتم إنشاء هذه الهرمونات من قبل الخلية المختصة بالطريقة التي تركب فيها أي بروتين  بالمراحل المعروفة كنسخ ( RNAmالرنا المرسال) وترجمته على مستوى الشبكة الهيولية الباطنة ثم على جهاز غولجي حيث تتشكل حبيبات الإفراز التي تلتصق بالغلاف الخلوي ثم تلقي بمحتواها في الدوران.

وتكون معظم الهرمونات الببتيدية حين طرحها على شكل (سليفة هرمون) prohormon ثم تخضع لتأثير إنزيمات  نوعية لتصير بشكلها الفعال، مثال طليعة الإنسولين وانشطاره إلى إنسولين فعال وببتيد وصل يسمى ببتيد C.

2- أنشاء الهرمونات الأمينية: تتكون بعض الهرمونات من عدد محدد من الحموض الأمينية (مثل الكاتيكولامينات وهرمونات الدرق وبعض الهرمونات العصبية الوطائية) ويتم تركيبها بوساطة إنزيمات نوعية تؤمن الاتحاد بين هذه الحموض الأمينية ثم تختزن بشكل حبيبات  خاصة في الخلايا المختصة أو ترتبط ببروتين كبير (مثل الغراء الدرقي).

3- إنشاء الهرمونات الستروئيدية: يتم اشتقاق الهرمونات الستروئيدية (وهي القشرانيات الكظرية السكرية ويمثلها الكورتيزول، والقشرانيات الكظرية المعدنية ويمثلها الألدوسيترون والهرمونات الجنسية الكظرية والقندية) من الكولسترول وذلك بفعل إنزيمات نوعية موجودة في الخلايا المتخصصة. والستروئيدات لا تختزن بل تطرح مباشرة في الدم.

نقل الهرمونات:

تطلق الغدد الصم هرموناتها في الدم مباشرة، وترتبط أغلب هذه الهرمونات ببروتينات ناقلة بشكل ارتباط عكوس؛ بحيث يتحرر جزء من الهرمون هو (الجزء الحر) الفعال الذي يفعّل المستقبلات في الخلايا الهدفية، ويفيد هذا الارتباط في الوقاية من التبدلات الحادة في مستوى الهرمون في الدم.

كانت المقايسات المخبرية للهرمونات تقيس غالباً القسم المرتبط، لكنّ تطور التقنيات المخبرية مكّن الآن من مقايسة الجزء الحر من الهرمون، وهذه المقايسة هي التي تُعتمد اليوم من قبل الأطباء السريريين؛ وذلك لأن البروتينات الناقلة عرضة لمؤثرات كثيرة فيزيولوجية ومرضية ودوائية.

البروتينات الناقلة للهرمونات منها ما هو لا نوعي وسعة ارتباطه واسعة كالألبومين، ومنها ما هو نوعي، وتتميز بميل شديد إلى الارتباط بهرمون معين، وسعتها أضيق،لكنها هي التي تتحكم بنسبة الهرمون الحر، ومن أمثلتها: الغلوبيولين الرابط للثيروكسينT.B.G  والغلوبيولين الرابط للكورتيزولC.B.G .

تأثير الهرمونات والمستقبلات:

الشكل (2) المحور الوطائي النخامي الدرقي

يتم إفراز TSHفي النخامى استجابة لإفراز TRH الوطائي. تقوم TSH بتحريض إفراز T3, T4 في الدرق

يمارس الهرمون تأثيره عبر الارتباط بمستقبل نوعي في الخلية الهدف، وينقسم المستقبل عادة إلى وحدتين وظيفيتين الأولى تختص بتعرف الهرمون والارتباط به؛ والثانية تختص بتفعيل آثار هذا الارتباط في مكونات الخلية.

وعلى نحو عام يمكن تصنيف المستقبلات كالتالي:

1- المستقبلات السطحية أو الغلافية: وهي تتوضع ضمن غلاف الخلية وتركيبها الكيميائي نفور من الماء، وتقوم من موضعها بتفعيل الرسائل داخل الخلوية.

2- المستقبلات النووية (داخل الخلوية): وهي ترتبط بالهرمون داخل الخلية وتنتقل معه إلى النواة لتترجمه عبر "DNA" إلى سلاسل من الحموض الأمينية.

آليات عمل المستقبلات:

1- المستقبلات المرتبطة بالبروتين G: ترتبط هذه المستقبلات الغلافية بالهرمون على مستوى سطحها الخارجي، وتفعّل المعقد البروتيني (G) عبر سطحها الداخلي. ويؤدي المعقّد G المفعل إلى:

أ- تنشيط تركيب الأدينوزين أحادي فوسفات الحلقي (cAMP) بوساطة إنزيم أدينيلات الحلقي adenylate cyclase المسؤول عن الفسفرة (الفسفتة) phosphorylation.

ب- إنزيم تنشيط فوسفوليباز- سي phospholipase C الذي يؤدي إلى توليد الأدينوزين ثلاثي الفوسفات المسؤول عن إطلاق الكلسيوم داخل الخلوي وتحريض كيناز الكالموديولين والفسفرة.

ج- تفعيل كيناز- سي C- Kinase بالغليسرول ثنائي الأسيل diacylglycerol والفسفرة التالية للبروتينات.

وتعمل معظم الهرمونات البيبتيدية عبر هذه الآلية.

2- تفعيل المستقبلات المثنوية dimeric عبر الغلافية: وهي مستقبلات غلافية لها جزء خارجي يرتبط بالهرمون ومن ثم يفعل الجزء الداخلي الذي يفسفر مباشرة رُسُلاً داخل خلوية تؤدي إلى سلسلة من التفاعلات الخلوية.

الهرمونات التي تعمل عبر هذا النموذج هي: هرمون النمو، والبرولاكتين، وعوامل النمو الشبيهة بالإنسولين.

3- الارتباط بالمستقبلات داخل الخلوية: الهرمونات المنحلة في الدسم (كالهرمونات الدرقية) والهرمونات الستيروئيدية تجتاز الغلاف الخلوي وترتبط بمستقبلها النووي في سيتوبلازما الخلية لينتقل هذا المعقد المؤلف من الهرمون والمستقبل المفعّل إلى النواة - حيث يرتبط بالـ DNA النووي - غالباً مع معقد آخر مؤلف من عدد من المحرضات والمثبطات والناسخات للجين المطلوب إنتاجه.

إن تفعيل كل هذه الأنماط من المستقبلات لما يسمى الرسول الثاني (كالكيناز، والمركبات المفسفرة، والكلسيوم) وتفعيل استنساخ الـ(DNA) يؤدي إلى بعض النتائج التالية أو كلها:

أ- إطلاق الهرمونات المختزنة من حبيبات الخزن.

ب- تفعيل إنشاء هرمونات ومركبات خلوية أخرى.

ج- فتح قنوات شوارد الماء أو غلقها.

د- تفعيل البروتينات المسؤولة عن استنساخ الـ DNA أو تثبيطها.

وإن ارتباط الهرمون بمستقبله النوعي في كل الحالات هو المرحلة الأولى في شلال من الحوادث الخلوية التي ستؤدي إلى إنتاج العمل الخلوي المطلوب.

إن حساسية المستقبلات أو عددها أو كليهما معاً غالباً ما تتناقص بعد التعرض المديد لتركيز عالٍ من الهرمون، وبالعكس فإن نقص المتوافر من الهرمون أو غيابه يؤدي إلى رفع حساسية المستقبلات وزيادة عددها.

وخلل المستقبلات هو من الأسباب المعروفة الآن لبعض الأمراض الغدية الصماوية، ويزداد اكتشاف هذا الخلل مع تقدم علم الغدد الصم الجزيئي.

التحكم والتلقيم الراجع :control and feed - back

معظم الجمل الهرمونية يتم التحكم بها بآلية التلقيم الراجع. والمثال النموذجي لهذه الآلية هو: المحور الدرقي - النخامي - الوطائي:

1- العامل المطلق (المحرر) للـ TSH ويدعى T.R.H يفرز من خلايا الوطاء ليذهب في الدوران البابي - النخامي لتحريض إطلاق الـ TSH.

2- المنبهة (الحاثة) الدرقية TSH تذهب في الدوران العام لتحرض قبض اليود من الدرق وتركيب هرموني الدرق T4            وT3 وإطلاقهما.

3- عندما يصل مستوى الهرمونين الدرقيين إلى العتبة الفيزيولوجية العليا تتحسس مستقبلات نوعية في النخامى وربما في الوطاء للـ T3 (المفرز أو المتحول من T4) فيحدث تثبيط لإفراز TSH أو TRH، وبالتالي تعود مستويات الهرمونين الدرقيين إلى الحدود الطبيعية.

4- تسمى هذه الظاهرة التلقيم الراجع السلبي، لكن يوجد أيضاً - وإن كان أقل حدوثاً بكثير- التلقيم الراجع الإيجابي. ومثاله تحريض ارتفاع الإستراديول في المرحلة الجريبية لإفراز LH النخامي.

أنماط  الإفراز الهرموني:

الشكل (3) كورتزول المصل خلال ساعات اليوم

يرى أعلى معدل للكورتزول صباحاً وينخفض إلى أدنى مستوى له بعد منتصف الليل

  •  تفرز بعض الهرمونات على نحو متواصل ويفرز بعضها الآخر على نحو متقطع.

مثال الهرمونات ذات الإفراز المتواصل: الهرمونات الدرقية، والفروق في مستواها المصلي ضئيلة جداً على مدار اليوم والشهر والسنة. في حين يتم إفراز الهرمونات الحاثة للأقناد LH) و(FSH على نحو نابض pulsatile، وتتغير سعة النبضات وارتفاع مستواها كل ساعة أو ساعتين بحسب مرحلة الطمث، لذا فإن التسريب المستمر للـ LH (الهرمون الملوتن) الذي يحافظ على سوية ثابتة منه لا يؤدي إلى تحريض الإباضة، لا بل قد يكون له فعل عكسي مثبط للمبيض. ويستفاد من هذه الظاهرة في التطبيقات السريرية؛ إذ إن مضاهيات الهرمون المطلق لمنبهات (حاثات) الأقناد GnRH المديدة مثل goserelin يمكن أن تستخدم من خلال تسريبها المتواصل لنزع حساسية مستقبلات الخلايا الوطائية المفرزة للـ GnRH، وبالتالي تثبيط الإباضة أو تثبيط إفراز الإندروجينات لدى الرجال المصابين بسرطان البروستات.

  •  يفرز هرمون النمو أيضاً بشكل نابض حيث تصعب معايرة كميته إذا أخذت العينة بين نبضتين، لذا ينصح دائماً بأخذ عدة عينات بفارق ساعة وتكوين جميعة pool من أجل معايرة معبّرة عن مستوى GH القاعدي.

النَّظم الحيوي :biological rhythm

يتغير مستوى كثير من الهرمونات وفق نظم يومي (أي تتغير بين الليل والنهار) مثل الكورتيزول الذي يصل أعلى مستوى له صباحاً (نحو 8-9) وينخفض إلى أدنى مستوى له في منتصف الليل؛ بعكس الميلاتونين (المفرز من الغدة الصنوبرية) الذي يفرز ليلاً وينخفض بشدة نهاراً.

أما النظم الشهري فتحققه هرمونات المبيضين وموجهات المناسل خلال تنظيم الدورة الشهرية.

عوامل تنظيم أخرى:

  •  الكرب stress: تؤدي حالة الكرب الفيزيولوجية أو المرافقة لمرض حاد إلى ارتفاع سريع وشديد في المنبهة الكظرية ACTH والكورتيزول وهرمون النمو والبرولاكتين والأدرينالين والنورأدرينالين.

  •  النوم: يزداد إفراز هرمون النمو والبرولاكتين خلال النوم ولاسيما في مرحلة حركة العين السريعة (R.E.M).

  •  حالة الصيام والإطعام feeding and fasting: تسهم عدة هرمونات في تنظيم استقلاب الطاقة فهي تتأثر في حالتي الصيام وتناول الطعام.

فمثلاً يتحرض إفراز الإنسولين بعد تناول الوجبة ويتثبط إفراز هرمون النمو، كما يتراجع مستوى الإنسولين بشدة في حالة الصيام ويزداد إفراز الغلوكاكون وهرمون النمو والكاتيكولامينات.

تفيد هذه المعطيات من الناحية السريرية لدى إجراء مقايسة لمستوى هرمون ما؛ إذ يجب أن تؤخذ بالحسبان، ولا يُغفل أيضاً تأثير المرض الشديد أو المزمن في مستويات بعض الهرمونات.

الشكل (4) اختبار التحريض والتثبيط في الإنسان الطبيعي وفي داء أديسون (أ) وفي متلازمة كوشينغ (ب).

الدراسة المخبرية للغدد الصم:

تقوّم وظائف الغدد الصم بمقايسة مستويات الهرمونات في الدم (وعلى نحو أدق في المصل) وفي بعض سوائل العضوية الأخرى كالبول واللعاب. وغالباً ما يحتاج التقويم الصحيح إلى إجراء اختبارات تحريض وتثبيط، ولا يكتفى بالقيم القاعدية.

1- المستويات القاعدية للهرمونات :basal blood levels  يمكن الآن مقايسة مستويات الهرمونات النخامية وهرمونات الغدد الصم المحيطية، أما الهرمونات الوطائية فلا تجرى مقايستها في الممارسة السريرية وذلك بسبب كمياتها الزهيدة ومدة نصف حياتها القصيرة جداً وتأثيرها الموضعي.

  •  مقايسة المستوى القاعدي للهرمون تفيد سريرياً إذا كان نصف حياة الهرمون طويلاً وإذا أخذت بالحسبان شروط أخذ العينة (وفق النظم اليومي أو الشهري أو العوامل الأخرى المؤثرة المذكورة في الفقرة السابقة).

  •  وهكذا فإن معايرة TSH أو T3 أو T4 يمكن أن تتم في أي وقت من اليوم، في حين يجب أن يقاس الكورتيزول صباحاً.

  •  أما موجهات (حاثات) الأقناد النخامية FSH وLH أو الإستراديول والبروجيسترون فيجب أن يُحدد اليوم من الدورة الطمثية الذي أخذت فيه العينة.

هرمونات الكرب stress-related hormones: كالكاتيكولامينات والبرولاكتين، وهرمون النمو وموجهة الكظر ACTH، والكورتيزول.

لدى مقايسة هذه الهرمونات يجب استخدام إبرة غير مؤلمة أو أخذ العينة بعد تراجع الألم.

ويجب أن يكون المريض في حالة راحة منذ أكثر من نصف ساعة.

جمع البول: لمقايسة كمية هرمون أو أحد مستقبلاته في بول 24 ساعة ميزة تقويم كمية الهرمون المفرزة يومياً، لكن عملياً لا يتم الجمع بشكل كامل أو بالتوقيت المناسب. كما أن كمية البول تختلف بحسب الجنس وحجم الجسم والعمر. ويجب شرح طريقة جمع البول على نحو مفصل للمريض.

اللعاب :saliva يستفاد من مقايسة الهرمونات الستيروئيدية في اللعاب ولاسيما لدى الأطفال؛لأن الوخز بالإبرة لأخذ العينة يمثل حالة كرب لدى الأطفال، كما يصعب أخذ العينة الدموية ليلاً، علماً أن الكثير من الممارسين صاروا يعتمدون مستوى الكورتيزول في اللعاب في منتصف الليل (الساعة 00,42) لتشخيص متلازمة كوشينغ.

2- اختبارات الكبت والتنبيه : stimulation and suppression يُلجأ عادة إلى اختبارات الكبت أو التنبيه عندما تكون القيم القاعدية (الأساسية) للهرمونات غير كافية للتشخيص بسبب التباس القيمة المرضية والقيمة الطبيعية.

وعموماً تستخدم اختبارات التنبيه لتشخيص حالة عوز مشتبهة، في حين تستخدم اختبارات الكبت في حالة الاشتباه بفرط إفراز.

تفيد هذه الاختبارات في كثير من الحالات: فمثلاً عندما يتخرب جزء كبير من غدة صماء بسبب آفة ما؛ فإن اختبار التنبيه بالهرمون الحاث في حده الأقصى يعطي جواباً ضعيفاً. (مثال عملي: اختبار التحريض بمضاهي الـ :ACTH تتراكوزاكتيد لدى مصاب بداء أديسون، حيث تفشل الغدة الكظرية في زيادة إفراز الكورتيزول).

بالمقابل فإن إصابة غدة صماء بورم مفرز سيخرجها من الخضوع لآلية التلقيم الراجع؛ إذ يصبح إفرازها ذاتياً لذا فإن اختبار الكبت لا يؤدي إلى تثبيط إفرازها، مثال: اختبار الكبت بالديكساميتازون في متلازمة كوشينغ.

قياس تركيز الهرمون في الدم: إن كمية معظم الهرمونات في الدم زهيدة جداً (10-12 -10-3 مول/ليتر) ولا يمكن مقايستها بالطرق الكيميائية البسيطة، لذا تتم مقايستها في الدم بطريقة المقايسة المناعية immunoassay التي تعتمد على الأضداد النوعية (عديدة أو غالباً وحيدة النسيلة) التي ترتبط انتقائياً بالهرمون حيث يقاس المركب (هرمون - ضد) باستخدام الوسم الشعاعي. هذه الطريقة حساسة بيد أن لها حدودها ولاسيما أن الفعالية المناعية للهرمون قد لا تتطابق مع الفعالية البيولوجية، لكن تبقى هذه الطريقة هي الشائعة في الممارسة السريرية وهنالك الآن طرائق أخرى إنزيمية أو لونية.

 

 

التصنيف : أمراض الغدد الصم والاستقلاب
النوع : أمراض الغدد الصم والاستقلاب
المجلد: المجلد السادس
رقم الصفحة ضمن المجلد : 7
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 532
الكل : 31196143
اليوم : 21300