logo

logo

logo

logo

logo

البدانة

بدانه

obesity - obésité



البدانة

نهاد خليفة

المتلازمة الاستقلابية

 

البدانة obesity مشكلة صحية ثابتة في الدول المتطورة. وتعرّف منظمة الصحة العالميـة البدانة بزيادة مشعر كتلة الجسم (BMI >30Kg/m2)، وتعدها مشكلة واسعة الانتشار على مستوى العالم، وتنتشر في دول العالم النامي حديثاً على نحو واسع.

تعد البدانة مشكلة صحية سهلة التشخيص بتأمل المريض فحسب، ويعاني كثير من المرضى بدانةً بسيطة، ولكنها في بعض الحالات مظهر لمشكلة صحية أخرى (الجدول 1)، ولكن حتى في البدانة المرافقة لحالات مرضية يكون الوارد من الحريرات متجاوزاً المصروف منها عادة في مدة زمنية طويلة. ويسهم عدم التوازن الهرموني عند النساء (كما في مرحلة ما بعد سن الإياس، وحين استخدام موانع الحمل الهرمونية) في زيادة الوزن في معظم الحالات، وتعزى غالباً إلى حبس السوائل. وتجدر الإشارة إلى أن طعام البدين ليس من الضروري أن يكون أكثر كمية من طعام غيره ولكنه بالضرورة أكثر من حاجته.

المتلازمات الوراثية المترافقة بقصور الغدد التناسلية:

- متلازمة Prader-Willi

- متلازمة Laurence-Moon-Biedl

قصور الغدة الدرقية.

متلازمة كوشينغ.

متلازمة Stein-Leventhal.

الأدوية المحدثة للبدانة (مثل الـ corticosteroids).

أذيات الوطاء (مثل الرضوض والأورام).

الجدول (1) الحالات التي تشكل البدانة أحد مظاهرها

 

الآليات المقترحة:

أولاً- العوامل البيئية والوراثية:

يصعب الفصل بين العوامل البيئية والوراثية حين دراسة البدانة، وتشير الدراسات الجارية على توائم متماثلي الزيجوت ومتغايري الزيجوت (عاشوا سوية أو منفصلين) إلى أنَّ دورَ العامل الوراثي في اختلاف مشعر كتلة الجسم يصل إلى 70% وذلك مع التقدم بالعمر، في حين يبقى دور العامل البيئي في سن الطفولة محدوداً. ولكنَّ الدراسات الغذائية نفسها تشير إلى أنَّ البدانة لا تحدث عند كل التوائم، وهذا ما يفترض دوراً ما للعوامل البيئية المختلفة.

وقد كشف البحث عن العوامل الوراثية جين البدانة المشهور (ob)، وكان ذلك بدايةً عند الفئران البدينة (ob ob)، ثم وجد عند الإنسان البدين. حُدِّد الجين ob على نحو واضح في النسيج الشحمي الأبيض والأسمر brown and white adipose tissue على الصبغي 7، وهو مسؤول عن إنتاج بروتين يعادل وزنه الجزيئي (16 kDa)، سمي بالليبتين leptin. وقد أوضحت الدراسات أنَّ طفرة وراثية عند فئران (ob ob)، تصيب الجين ob تقود إلى إنتاج ليبتين غير فعال وظيفياً، وأن إعطاء الليبتين الطبيعي لهذه الفئران السمينة يُنقِصُ من معدل تناولها للطعام ويصحح ظاهرة البدانة. وقد كُشِفت في الإنسان حالات بدانة وراثية نادرة ومشابهة لما سبق، يكون فيها الليبتين غير فعال، ولكن الأمر يختلف في الإنسان في معظم حالات البدانة. وقد أشارت الدراسات في البدينين إلى وجود مستوى عالٍ جداً من الـ leptin mRNA في النسيج الشحمي قياساً بالشاهد، كما أنَّ مستوى الليبتين المصلي عالٍ جداً، وإلى علاقةٍ طرديةٍ مع مشعر كتلة الجسم، وأنَّ إنقاص الوزن التالي لتحديد الوارد الغذائي يُنقِصُ بشدة مستوى الليبتين المصلي. وخلافاً لما في فئران التجربة (ob ob) تكون بنية الليبتين طبيعية، وشذوذات الليبتين ليست السبب الأساسي للبدانة عند الإنسان.

يُفرَز الليبتين من الخلايا الشحمية، ويُعتقد أنَّه يعمل بآلية التلقيم الراجع بين النسيج الشحمي والدماغ، ضابطاً لتخزين الشحوم lipostat، وذلك بتنظيم آلية الجوع والشبع التي تتحكم بها عوامل أخرى كثيرة. وتجدر الإشارة في هذا المجال إلى أن حدوث البدانة ينحصر إلى حد كبير في الإنسان والحيوانات المنزلية، أو تلك التي تعيش أسيرة في حدائق الحيوان.

ثانياً- الوارد الغذائي:

ترتبط عوامل كثيرة بالبيئة المنزلية كالحالة المادية، وكثرة تناول الحلويات والوجبات السريعة، وكل ذلك يؤثر في الوارد الغذائي. وبعض الناس يأكلون كمية أكبر من الطعام في بعض الظروف كما في فترات العمل المجهد والحمل، ولكنهم لا يستطيعون بعد ذلك العودة إلى نمط طعامهم المعتاد. وتعزى زيادة البدانة في الوسط الاجتماعي الفقير إلى نوعية الأغذية المستهلكة (أغذية غنية بالسكريات والمواد الدسمة). وتؤدي العوامل النفسية وطرق تقديم الطعام دوراً مهماً في تطور البدانة. يأكل البدين عادة أكثر من المعتاد، ومع مرور الزمن قد يقود وارد غذائي زائد (مهما كان ضئيلاً) قياساً بالمصروف الحروري اليومي إلى تجمع الشحوم على نحو مهم. ومثال ذلك أن زيادة 10 كيلو كالوري في الوارد الغذائي يومياً قد تؤدي إلى زيادة الوزن زيادة قد تصل إلى 10كغ في فترة 20 سنة.

ثالثاً- ضبط الشهية:

تُعرَّف الشهية على أنها الرغبة في الطعام، ونقطة البدء في تناوله، وبعد ذلك يحدث الشبع الذي تتداخل في حدوثه عوامل عديدة:

1- تمدد المعدة والعفج.

2- تحرر كثير من المواد المحيطية والمركزية في سياق الطعام مثل cholecystokinin)، bombesin، glucagon-like peptide (GLP-1)، enterostatin، (somatostatin، وكلها تتحرر من الأمعاء الدقيقة، وتفرز المعثكلة بدورها الغلوكاكون والإنسولين.

الشكل (1)
المؤثرات المحيطية والطرق المركزية المتداخلة في ضبط حدثية الأكل
- المؤثرات المحيطية (المحرضِّة والمثبِّطة)  والطرق المركزية وتتضمن
NPY/AgRP (Neuropeptide Y/Agouti-related protein) وهي تتدخل في طريق تحريض الشهية. والـ POMC/CART (Pro-Opiomelanocortin/Cocaine and Amfetamine-regulate ranscript) وهي مسؤولة عن طريق تثبيط الشهية. إن الـ POMC يتحول إلى Melanocortins متضمناً الـ stimulating-α-MSH (α-melanocyte hormone) وذلك بتواسط خميرة  (PC1 convertase prohormone)
- البقع الحمراء في اشكل هي مستقبلات للعديد من الهرمونات:
(GhR= Ghrelin receptor; LeR=Leptin receptor; InsR=Insulin receptor; Mc3R=Melanocortin 3 receptor;
Mc4R=Melanocortin 4 receptor; Y1R=Y1 subtype of neuroptide Y (NPY) receptor).
- النجوم (*) تشير إلى طفرات وراثية أدت إلى حدوث البدانة عند البشر. CCK=choleecystokinin; CRH=corticotrophin-releasing hormone; GLP-1=glucagon-like peptide; PVN=paraventicular nucleus; PYY=peptide YY; TRH=thyrotrophin-releasing hormone

أما مركزياً فتوجد في منطقة الوطاء مراكز عديدة تتشارك في تكامل كل الإشارات المتداخلة في الشهية والشبع وتنظيم وزن الجسم، إذ يوجد في النواة المُقَوَّسَةِ طريقان مركزيان؛ الأول لتحريض الشهية central appetite-stimulating pathway، والثاني لنهيها central appetite- suppressing pathway. (كما هو موضح في الشكل 1).

تتفاعل هذه الطرق بعضها مع بعض في منطقة الوطاء الوحشي الذي يتصل بالأجزاء الأخرى من الدماغ، ويؤثر في الجملة العصبية الذاتية، وفي السلوك الهضمي Ingestive behaviour. وتتأثر هذه الطرق المركزية على نحو راجع بمختلف الإشارات المحيطية التي يمكن أن تُصنَّف على أنها محرضات ومثبطات للشهية.

النهي المحيطي للشهية peripheral appetite-suppressing: ويبرز هنا شأن الإنسولين والليبتين، ويعملان مركزياً على تفعيل طريق نهي الشهية ونهي طريق تفعيل الشهية. وتعد هذه الهرمونات محرضات ذات تأثير مديد long-term signals. أما الببتيد PYY - الذي تنتجه خلايا L في الأمعاء الغليظة والقسم الأخير من الأمعاء الدقيقة جواباً على تناول الطعام- فإنَّه يتحرر باكراً بعد فترة قصيرة من تناول الطعام، ويُعتَقد بأن له شأناً في إنقاص الشهية على نحو جزئي، وذلك عبر نهي طريق تحريض الشهية.

التحريض المحيطي للشهية peripheral appetite-stimulating: ويبرز هنا شأن الـ ghrelin، وهو ببتيد تنتجه الخلايا المُفرِزة للحمض في المعدة، وهو أول ببتيد هضمي محرض للشهية عُرِف، ويكون مستواه المصلي عالياً قبل بدء الطعام، ويتناقص سريعاً بعد ذلك مع ارتفاع مستوى الغلوكوز المصلي، وذلك على عكس الببتيد PYY الذي يزداد سريعاً بعد تناول الطعام. كما أن الـ ghrelin قد يعمل منبهاً طويل الأمد؛ إذ يكون تركيزه المصلي عند الأشخاص ثابتي الوزن على علاقة عكسية مع مشعر كتلة الجسم، وذلك على عكس الإنسولين والليبتين فعلاقتهما طردية مع مشعر كتلة الجسم. من جهة أخرى يزداد إفراز الـ ghrelin أيضاً في حالات عديدة يكون فيها التوازن الحروري سلبياً كالجهد الفيزيائي على المدى الطويل، والحميات الشديدة والمديدة، والقهم العصبي، والأورام الخبيثة، والقهم القلبي المنشأ، وعلى العكس ينقص إفرازه بعد عملية مجازة المعدة (vertical banded gastric bypass surgery).

إنَّ الطفرات الوراثية التي تصيب هذا الطريق عند الإنسان هي طفرات متنحية recessive mutation ونادرة، باستثناء الطفرة الوراثية التي تصيب الـ Mc4R والتي تبدو سائدة dominant وشائعة إذ تعد مسؤولة عن 2-6% من أسباب البدانة عند الإنسان.

وهناك جملةٌ أخرى تدعى الـ endocannabinoid system: تتدخل في آلية التنظيم المركزي والمحيطي لفعل تناول الطعام، وضبط التوازن الحروري energy balance.

تعزى جائحة البدانة أساساً إلى تبدلات السلوك ونمط الحياة, أما العوامل الوراثية فشأنها يختلف من شخص إلى آخر وقد أدى كل ذلك إلى مضاعفة مستوى البدانة ثلاث مرات في بريطانيا خلال الخمس والعشرين سنة الأخيرة، وإلى ازديادها السريع في الدول النامية.

رابعاً- صرف الطاقة:

ويتم بطريقين أساسيين:

1- معدل الاستقلاب الأساسي basal metabolic rate (BMR): وهو عالٍ عند البدينين أكثر من النحيفين، وليس هذا مفاجئاً، إذ إنَّ البدانة تترافق وزيادة كتلة الجسم الغث (أي غير العظمي) lean body mass.

2- الفعالية الفيزيائية physical activity: يميل البدينون إلى صرف حروري أعلى من النحيفين في سياق الجهد الفيزيائي، ذلك أنَّ الكتلة المتحركة عندهم أكبر. من جهة أخرى فإن معظم البدينين قليلو الحركة عادة. وللفعالية الفيزيائية شأن محدود في ضياع الوزن، ومع ذلك وبسبب تجمع الشحوم الخفي عبر السنين، فإنَّ أي تبدل في الميزان الحروري قد يكون مساعداً.

خامساً- توليد الحرارة:

يُصرف نحو 10% من الوارد الحروري الغذائي على تنظيم حرارة الجسم، ولا علاقة لهذا المصروف بالفعالية الفيزيائية، وتشير بعض الدراسات إلى أنَّ الصرف الحروري في سياق عملية الهضم أخفض عند البدينين.

وتشير الدراسات في الحيوان إلى أن النسيج الشحمي الأسمر عندما يُحرَّض بالبرد أو بالطعام يزيد من تبديده للطاقة الموجودة في الأطعمة على شكل حرارة، ويعد هذا الأمر المركب الأهم في عملية التوازن الحروري في الثدييات الصغيرة. ولكن يبدو أن شأنه في توليد الحرارة عند الإنسان محدود وأهميته السريرية مشكوك فيها.

مراضة البدانة ومعدل الوفيات الناجمة عنها:

يبقى خطر الموت الباكر أعلى عند البدينين، ويعزى ذلك إلى كثرة الإصابة بالداء السكري والأمراض القلبية الوعائية والحوادث الوعائية الدماغية، وكلما كانت البدانة أشد كان خطر المرض والموت أكبر، ومثال ذلك: إن الرجال الذين يزيد وزنهم 10% على الوزن المثالي يزيد خطر الموت فيهم 13%، ويرتفع هذا الخطر إلى 20% مع زيادة الوزن أكثر من 25%، وتبدو هذه الزيادة في خطر الوفاة أقل عند النساء وعند المسنين فوق عمر الـ 65 سنة، مما يوحي بأن البدانة ليست عامل خطر مستقل، ومع ذلك فإن إنقاص الوزن يُنقص نسبة الوفيات، والمزايا تكون أكثر وضوحاً في الأشخاص البدينين (الجدول 2).

الوفيات

نقص الوفيات (بكل الأسباب) بنسبة 20-25%

نقص الوفيات الناجمة عن الداء السكري بنسبة30- 40%

نقص الوفيات الناجمة عن الأورام بنسبة 40-50%

الضغط الشرياني

نقص في مستوى الضغط الشرياني الانقباضي والانبساطي بمعدل 10ملمز

الداء السكري

نقص خطر تطور الداء السكري بنسبة 50%

نقص مستوى سكر الدم الصباحي 30-50%

نقص مستوى الـHbA1c 15%

شحوم المصل

نقص مستوى الكولسترول الكلي 10%

نقص مستوى الـLDL 15%

نقص مستوى الشحوم الثلاثية 30%

زيادة مستوى الـ HDL 8%

الجدول (2) مزايا إنقاص الوزن10 كغ عند مريض وزنه 100كغ

 

التظاهرات السريرية:

يعرف كثيرٌ من المرضى البدينين مشاكلهم الصحية جيداً، وهم في الوقت نفسه غافلون عن معرفة الأطعمة الأساسية المحدِثة للبدانة، وتُعزى كثير من الأعراض إلى مشاكل نفسية وضغوط اجتماعية، مثال ذلك المرأة البدينة التي لا تستطيع أن تجد ثياباً جميلة وعصرية ترتديها.

ُتقيم شدة البدانة من جداول الوزن المثالي، كجداول مشعر كتلة الجسم BMI وفقاً لتصنيف منظمة الصحة العالمية WHO (الجدول3).

تصنيف WHO

(kg/m2) BMI

أخطار البدانة.

زيادة وزن

25-30

أخطار خفيفة.

بدانة

<30

 

درجة I

30-35

أخطار معتدلة الشدة.

درجة II

35-40

أخطار شديدة.

درجة III

< 40

خطر شديد جداً.

جدول (٣) تصنيف البدانة، والأخطار الناجمة عنها، باعتماد مشعر كتلة الجسم (BMI).

 

ويمكن تقييم شدة البدانة اعتماداً على ثخانة ثنية الجلد، كقياسها فوق العضلة مثلثة الرؤوس، وقيمتها الطبيعية 20 ملم في الرجل و30 ملم في المرأة. أما البدانة المركزية فيمكن تقييمها بحساب نسبة محيط الخصر/ محيط الورك، وتكون أكثر من1 في الذكور وأكثر من 0.9 في الإناث، وهي تترافق عادة وخطورة استقلابية وقلبية وعائية عالية، وارتفاع نسبة الوفيات ارتفاعاً شديداً مقارنة بالبدانة المحيطية عندما يكون محيط الخصر/ محيط الورك أقل من 0.85 في الذكر وأقل من 0.75 في الأنثى. وتعزى هذه الخطورة العالية في البدانة المركزية (ولاسيما حين تتوضع الشحوم داخل البطن) إلى حساسية هذه التوضعات الشحمية الحشوية لتأثير حالات الشحوم، مما يؤدي إلى ارتفاع وشذوذات مهمة في شحوم المصل تكون أشد خطورة. ويلخص الجدول (4) أهم المضاعفات المرافقة للبدانة.

المضاعفات المرافقة للبدانة

- مضاعفات نفسية

- أذيات المفاصل (فصال عظمي osteoarthritis)

- دوالي الأوردة

- الفتوق الحجابية

- حصيات المرارة

- مضاعفات ما بعد الجراحة

-إجهاد العمود الفقري

- كثرة الحوادث

- اضطرابات التنفس في أثناء النوم - فرط الضغط الشرياني

- عسر التنفس

- نقص التروية القلبية

- السكتة الدماغية

- الداء السكري نمط2

- فرط شحوم الدم

- اضطرابات الدورة الشهرية

- زيادة نسب المراضة والوفيات

- زيادة نسبة الإصابة بالأورام

- قصور القلب

الجدول (4)

 

يبدو أنَّ العلاقة بين أمراض القلب الوعائية وفرط شحوم الدم والتدخين وتدني درجة الفعالية الفيزيائية والبدانة علاقة معقدة، ويبرز هذا التعقيد جلياً حين تفسير سبب الوفيات، وربما يعود ذلك إلى كثرة العوامل المرضية المتداخلة في البدينين. فكثير من الدراسات لم تستطعْ أنْ تُميِّزَ بين أنماط الجهد الفيزيائي المفيد، يُضاف إلى ذلك الأخطاء في قياس الضغط الشرياني (كالخطأ مثلاً حين عدم استخدام مقياس ضغط ذي كم كبير لذراع كبيرة). ومع كل ذلك يبقى دور البدانة كبيراً في كل هذه الأمراض، والاستثناء الوحيد هو في زيادة الوزن التالية لوقف التدخين، إذ تكون الفائدة هنا أهم من علاج أيٍ من عوامل الخطر الأخرى، كما أن الرياضة يمكن أن تساعد كثيراً على مكافحة البدانة ومشاكلها، فالبدين الرياضي قد يكون مماثلاً في الخطر القلبي الوعائي، وربما أقل، مقارنة بالنحيف غير الرياضي.

المتلازمة الاستقلابية metabolic syndrome:

كَثُرَ الحديث عنها واختلف تصنيفها، فهي واسعة الانتشار في العالم، وتقف وراء ازدياد حدوث المرض القلبي الوعائي. وتشخيصها سهل بالاعتماد على المعايير المخبرية والعلامات الحيوية المعتادة، إضافة إلى قياس محيط الخصر. وفي الجدول (5) تتبين المعايير التشخيصية للمتلازمة الاستقلابية بحسب البرنامج الوطني للتثقيف ضد الكولسترول ATP III NCEP والاتحاد الدولي للسكري IDF.

عامل الخطر

 

ATP III NCEP ثلاثة من خمسة مظاهر

IDF

محيط خصر كبير+ مظهرين آخرين.

محيط الخصر

- رجال

- نساء

< 102سم

< 88سم

< 94سم

< 80سم

شحوم ثلاثية

 

< 150 ملغ/دل

< 150 ملغ/دل

HDL كولسترول

- رجال

- نساء

> 40ملغ/دل

> 50 ملغ/دل

40 ملغ/دل

> 50 ملغ/دل

الضغط الشرياني

 

130/ 85 ملمز

130/ 85 ملمز

سكر الدم الصيامي

 

110ملغ/دل

100ملغ/دل

الجدول (5) المعايير التشخيصية للمتلازمة الاستقلابية

 

مع ملاحظة ما يلي:

1- تعتمد الـ IDF زيادة محيط الخصر علامة أساسية لتشخيص المتلازمة الاستقلابية، وتبقى هذه العلامة أقل تشدداً في تصنيف الـ ATP III NCEP.

2- تعتمد الـIDF أرقاماً منخفضة لمحيط الخصر توافق BMI = 25kg/m2، وأرقاماً منخفضة لمستوى سكر الدم الطبيعي، وعليه فإن نسبة انتشار المتلازمة الاستقلابية وفق معايير الـ IDF تكون أعلى مقارنة بمعايير الـ ATP III NCEP، هذه المعايير المشددة تحدد على نحو أكثر دقة الأشخاص ذوي الخطورة العالية في مراحل باكرة، وتمكن من اتخاذ الإجراءات الوقائية والعلاجية المناسبة.

3- إن زيادة الوزن والبدانة والمقاومة على الأنسولين والاضطرابات الاستقلابية الناجمة عنها تجعل بعضهم يعتمد الـ BMI معياراً أساسياً بدلاً من محيط الخصر في تقييم المتلازمة الاستقلابية.

4- إن المتلازمة الاستقلابية خليط من عوامل الخطر، وتتجلى أهمية شأنها السريري في التنبؤ بالخطر القلبي الوعائي. هذا الخطر الذي جعل من تدبير المتلازمة الاستقلابية وعلاجها هدفاً لدراسات كثيرة، اتفقت جميعها على أهمية الحمية الغذائية والرياضة وإنقاص الوزن، وربما العلاج الدوائي الهادف إلى ضبط الضغط الشرياني والشذوذات الاستقلابية على مستوى سكر الدم والبروفيل الشحمي واضطرابات التخثر.

المعالجة:

1- الحمية الغذائية:

إنقاص الوارد الحروري هو أساس الحمية الغذائية، ومعظم أنواع الحميات تسمح يومياً بوارد حروري يقارب 1000 كيلو كالوري، وقد يسمح بزيادتها إلى 1500 كيلو كالوري عند الذين يمارسون جهداً فيزيائياً كبيراً. ويقترح بعضهم حميات شديدة خلال فترة زمنية قصيرة، ولكن من المؤكد أن الحمية التي لا يرافقها تغيُّر جدي في نمط الحياة ستكون نتيجتها الإخفاق لاحقاً وسريعاً. ويشدد الكثيرون على أهمية إطالة أمد الحمية الغذائية مدة زمنية كافية؛ لأنَّ ذلك يساعد على فقدان كميات كبيرة من الشحوم. وفي كل الأحوال يبدو أنه ليس من الصعب على معظم البدينين فقدان عدة كيلو غرامات من الوزن خلال المراحل الأولى للحمية، ولكنَّ نسبةَ النجاحِ على المدى الطويل تبقى أمراً شاقاً لا تتجاوز الـ 10%.

تهدف معظم الحميات الغذائية إلى إنقاص الوزن بمعدل 1كغ تقريباً في الأسبوع، ويكون نقص الوزن في البدء سريعاً نسبياً على حساب فقدان الماء والغليكوجين والبروتين، ولكن فقد الوزن يصبح شاقاً وبطيئاً جداً بعد 3-4 أسابيع من البدء؛ لأنَّ ضياع الماء يقل، وضياع الشحوم يحتاج إلى وقت وصبر طويلين.

ومِنَ المهم أنْ يفهمَ المرضى معنى الوارد والمصروف من الحريرات، ويمكن الحصول على أفضل النتائج بتثقيف المرضى المهتمين، وبوجود فريق تثقيفي متخصص، إذ إنَّ ذلك يُحَسِّنُ من مطاوعة المريض، ومن الوصول إلى الأهداف العلاجية. والجدير بالذكر أنَّ نقص 10% من الوزن الأساسي يعد من قبل بعضهم نجاحاً أولياً مهماً، يُخَفِّضُ كثيراً من مخاطر البدانة (الجدول 5).

وزيادة الجهد الفيزيائي تزيد من الصرف الحروري، ويجب تشجيع ذلك ما لم يكن هناك مضادُ استطبابٍ. إن نجاح ضبط الوزن يحتاج إلى اجتماع كلِّ العوامل ولاسيما الحمية الغذائية والجهد الفيزيائي الكافي والمنظم، ومع أن نتائج الجهد الفيزيائي وحده تبقى متواضعةً على المدى الطويل فإنَّ للجهد المنظَّمِ (30 دقيقة/يومياً) شأناً مهماً في تحسين الصحة العامة.

يجب أن تكون الحمية الغذائية غنية بالبروتين والڤيتامينات والعناصر النادرة، ومثال ذلك: إنَّ حميةً تعادِلُ 1000 كيلو كالوري في اليوم يجبُ ألا يقل الواردُ البروتيني فيها عن 50غرام ونحو 100غرام من الكاربوهيدرات و40غرام من الدسم، مع تأكيد أنَّ الكاربوهيدرات يجب أنْ تكون معقدة، وضرورة الابتعاد عن الكاربوهيدرات البسيطة سريعة الامتصاص. أما الكحول ويحتوي على 7 كيلو كالوري/غرام فيجب النصح بعدم استعماله أبداً، وأما الڤيتامينات والمعادن فيجب الانتباه لتعويضها على نحو كافٍ في سياق الحميات الغذائية، مع العلم أنَّ مثل هذا التعويض ربما لا يكون ضرورياً دوماً. وباختصار فإنَّ الحمية المتوازنة أفضل قيمة وأكثر سلامة من الحميات المنحِّفة المنتشرة انتشاراً واسعاً في المحلات التجارية.

إنَّ كثيراً من الأشخاص يتأرجحون في وزنهم في سياق الحميات المتكررة، يقل وزنهم ثم يزيد، وغالباً ما تكون زيادة الوزن أكبر، والخطر في هذا التأرجح كما تشير دراسات كثيرة يكمن في تطور أمراض القلب الإكليلية.

لقد أصبح عالم الحميات الغذائية بلا حدود، فمنها ما هو ناقص الشحوم، ومنها ما هو ناقص الكربوهيدرات… وبعضها يناسب بعض الناس أكثر من غيرهم، والتلخيص التالي يوضح بعض النقاط المتعلقة بهذه الحميات:

أ- تؤدي كل أنواع الحميات الغذائية ناقصة الحريرات إلى نقص الوزن والنسيج الشحمي، ولكن كثيراً منها لا يحترم تركيبه توازن الغذاء.

ب- يكون نقص الوزن على المدى القصير سريعاً في الحميات ناقصة الكربوهيدرات، نتيجة ضياع سوائل الجسم الكبير، ولكن هذا الضياع يُستعاد سريعاً بعد إيقاف الحمية التي هي بطبيعتها غير متوازنة، ولا يمكن أن تستمر طويلاً.

جـ- الحميات ناقصة الدسم هي ناقصة الڤيتامين E والڤيتامين B12 والـ zinc. أما الحميات ناقصة الكربوهيدرات بشدة فهي غذائياً غير كافية، ويمكن أن تؤدي إلى حالات عوزية.

د- في الحميات ناقصة الدسم ينقص مستوى الـ LDL والشحوم الثلاثية ويزداد الـ HDL، أما الحميات ناقصة الكربوهيدرات فتحدث نقصاً مهماً في الشحوم الثلاثية والـ HDL ولا يتبدل الـ LDL.

هـ- قد تسبب الحميات ناقصة الكربوهيدرات وعالية الدسم والبروتين على المدى الطويل زيادة في حدوث تخلخل العظام والحصيات الكلوية والعصيدة الشريانية وذلك نتيجة للمستوى العالي من الدسم المشبعة والكولسترول، ونقص الفواكه والخضار والحبوب الكاملة.

و- الحميات الخفيفة ناقصة الحريرات low energy density diets: هي حميات غنية بالألياف والكربوهيدرات المعقدة، وقد تؤدي إلى نتائج جيدة، ولكنها غير مُستساغة قياساً بالحميات المتوازنة، ولهذا تأثيره في مطاوعة المريض على المدى الطويل.

ز- أما السوائل كالمشروبات ناقصة الحريرات soft drinks فتبدو أقل إحداثاً للشبع من الطعام الصلب، ولكن الجوع في سياق الحمية سبب مهم لإخفاقها.

2- المعالجة السلوكية:

الهدف من تعديل السلوك هو تشجيع المريض على تغيير نمط حياته، وتغيير عاداته الغذائية، وزيادة الفعالية الفيزيائية، إضافة إلى أن تثقيف العائلة قد يكون مفيداً ولا سيما حين تكون البدانة مشكلةً تعني طفلاً أو أطفالاً ضمن العائلة. وتحتاج مثل هذه المعالجة السلوكية النفسية إلى وقت طويل وكلفة عالية.

3- المعالجة الدوائية:

يمكن الاعتماد على المعالجة الدوائية لوقت قصير (حتى ثلاثة أشهر)، إضافة إلى النظام الغذائي، ولكنها لا يُمكن أن تكون بديلاً عنه.

أ- الأدوية ذات التأثير المركزي centrally acting drugs:

> الأدوية التي تؤثر في الطريق السيروتونيني والنورادرينالينيserotoninergic and noradrenergic pathways: مثل الـ tesofensine والـ sibutramine الذي سُحب مؤخراً من الأسواق.

> حاصرات مستقبلات الـcannabinoid-1: وهي تعمل على مستوى جملة endocannabinoid. وقد سحبت حالياً من السوق الدوائية بسبب ازدياد خطر الهمود والانتحار.

>- الأدوية ذات التأثير النورادريناليني noradrenergic pathways: ولها فعلٌ ناهٍ للشهية، ولكنها جميعها سحبت في بريطانيا بسبب تأثيراتها القلبية الوعائية السيئة.

ب- الأدوية ذات التأثير المحيطي peripherally acting drugs:

> الأورليستات Orlistat: دواء يساعد على إنقاص الوزن بإنقاص الامتصاص المعوي للدسم، وذلك بتعطيل خميرة الليباز المعثكلية والمعدية، ولكن زيادة الوزن تعود سريعاً بعد إيقاف العلاج. استعملت هذه الأدوية (في دراسات عديدة) وعلى نحو مستمر مدة طويلة وصلت حتى السنتين، وقد يعاني المريض من الإسهال في أثناء استعمالها، ولتجنب هذا التأثير المزعج يُنصح بتناول الأغذية قليلة الدسم، وهذا بنفسه يسهم في إنقاص الوزن.

> الأنكريتين  incretins: وهي هرمونات هضمية يذكر منها الـ  glucagon-like peptide-1 (GLP-1) والـ (GIP) glucose-dependent  insulinotropic polypeptide . استعملت هذه الهرمونات في علاج الداء السكري نمط2، ولها تأثير ناهٍ للشهية شجع على استعمالها في علاج البدانة.

الشكل (2)

وأهم الأدوية لعلاج البدانة والتي وافقت عليها الإدارة الأمريكية للأدوية FDA هي Sibutramine Hcl وOrlistat. إلا أن السبيوترامين سحب مؤخراً من الأسواق.

وقد تبين في دراسة على الأورليستات والسيبوترامين على مدى سنة أنَّ التأثير الخافض للوزن كان ضعيفاً (2.7كغ، 4.3كغ على التتالي). وأشارت دراسات أخرى بوضوح إلى أن المشاركة بين تعديل نمط الحياة والمعالجة الدوائية كان لها أفضل النتائج على إنقاص الوزن قياساً بالمعالجة الدوائية منفردة (الشكل 2).

4- المعالجة الجراحية:

تُستعمل الجراحة في بعض حالات البدانة الشديدة  (BMI > 40 Kg/m2)، والبدانة الأقل شدة (BMI > 35 Kg/m2)، التي ترافقا مضاعفات، وذلك بعد إخفاق المعالجة الطبية التقليدية. والمعالجات الجراحية على الطريق الهضمي متعددة، ويمكن تصنيفها في مجموعتين:

> إجراءات جراحية حاصرة restrictive procedures: وهي تحد من المقدرة على الأكل.

> إجراءات جراحية تحد من الامتصاص malabsorptive procedures: وهي تحد من مقدرة الأمعاء على امتصاص المواد الغذائية.

والدراسات على جراحات البدانة مقارنة بالمعالجات غير الجراحية تشير إلى نتائج جيدة لهذه الجراحة تصل إلى نقص وزن يصل إلى 23-37 كغ، ويستمر مدة تزيد على 8 سنوات، ويرافقه تحسن واضح في نوعية الحياة، وندرة المشاكل المرضية المرافقة عادة للبدانة. ومن هذه الجراحات:

أ- المجازة المعدية Roux-en-Y gastric bypass: ويحقق هذا الإجراء الجراحي هدفين: تحديد حجم المعدة، وإنقاص امتصاص العناصر الغذائية، وذلك عبر مفاغرة معدية صائمية. وهو كغيره من الإجراءات المحددة للامتصاص يمكن أن تؤدي إلى عوز في بعض العناصر الغذائية، مما يستوجب متابعة المريض متابعة جيدة على المدى الطويل.

ب- التحويل الصفراوي المعثكلي biliopancreatic diversion: وهو إجراء جراحي يهدف إلى إحداث نقص في الامتصاص، ويحتاج إلى تقييم على المدى الطويل.

جـ- ربط المعدة بالتنظير laparoscopic adjustable gastric banding: وهو إجراء جراحي مُحدد لحجم المعدة. يتم بوضع رباط حول القسم العلوي من المعدة، لإحداث جيب معدي صغير دانٍ، وقسم معدي كبير قاصٍ. نسبة الوفيات ما حول الجراحة أقل من 0.5%، وتساعد هذه الجراحة على نقص أكثر من 60% من الوزن الزائد خلال 3 سنوات، وتبقى الدراسات ضرورية على المدى البعيد لتحديد الأهمية السريرية لهذه الجراحة. وقد أشير إلى أن هذا الإجراء يُحدث أكبر نسبة من نقص الوزن ونسبة أقل من التأثيرات الجانبية كالقياء، وذلك مقارنة بالـ vertical banded gastroplasty.

د- مص الشحوم liposuction: إن سحب كميات كبيرة من الشحوم بوساطة المص لا يمكن عدها صفقة رابحة في علاج البدانة، وذلك مع بقاء المشكلة الكامنة وراءها، وعودة زيادة الوزن المؤكدة، يضاف إلى ذلك عدم تراجع الخطر القلبي الوعائي.

الوقاية:

يجب أن تكون الوقاية من البدانة هدفاً أساسياً عند مقاربة هذه المشكلة الصحية الكبرى، فالبدينون عادة يجدون صعوبة في الحفاظ على أي نقص وزن يصلون إليه هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى يقع عبئ كبير على عاتق الفريق الصحي الاختصاصي؛ فخطر البدانة كبير بما يخفيه وراءه من مشاكل أخطرها استقلابية وقلبية وعائية، وبإصابته لكل شرائح العمر، فالأطفال واليافعون في ذلك كالكبار. وحديثاً نال الفقير حصته من هذا الوباء، وربما أكثر من الغني.

إن زيادة الوزن زيادة بسيطة كل عام على مدى فترة طويلة قد تقود إلى بدانة مهمة تصعب معالجتها؛ ولذلك يتوجب على الهيئات الصحية إنشاء مراكز عامة لتشجيع الرياضة، وزيادة الفعالية الفيزيائية، والتثقيف حول أهمية إنقاص الوزن، والأهم من ذلك عدم الوصول إلى زيادة الوزن أصلاً وذلك عبر التغذية الجيدة، وتعديل العادات الغذائية السيئة، والفعالية الفيزيائية الكافية. فجائحة البدانة الحالية نجمت عن التبدل الحاصل في نمط الحياة، وتصحيح هذا الخلل يبدو ضرورياً، ليس فقط  بوصفه خطاً علاجياً أول في تدبير زيادة الوزن، ولكن في الوقاية من البدانة أيضاً. وتعديل نمط الحياة يمكن أن يتضمن تحديد عدد ساعات مشاهدة التلفاز واستعمال الحاسوب، وإحداث التغيير الغذائي المطلوب والفعاليات الثقافية الموجهة للبدين وللأهل والأطفال. إن كل المعالجات النوعية المذكورة أعلاه بما فيها المعالجة الدوائية يمكن أن تكون جزءاً من مجموع أساسه تغيير نظام حياة البدين.

 

 


التصنيف : أمراض الغدد الصم والاستقلاب
النوع : أمراض الغدد الصم والاستقلاب
المجلد: المجلد السادس
رقم الصفحة ضمن المجلد : 208
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 592
الكل : 31214218
اليوم : 39375