logo

logo

logo

logo

logo

تشمعات الكبد

تشمعات كبد

hepatocirrhosis / hepatic cirrhosis - hépatocirrhose / cirrhose hépatique



تشمعات الكبد

رائد أبو حرب

أسباب التشمع
أعراض التشمع وتظاهراته
أعراض قصور الخلية الكبدية وعلاماتها 
 

إن كلمة cirrhosis، أي التشمع ذات أصل يوناني، وهي مشتقة من كلمة kirros، التي تعني اللون الأحمر الصدئي أو الأصفر الآجري، وقد وضع هذا التعبيرَ العالمُ لاينك Laënnec عندما لاحظ أن لون الكبد عند المرضى المصابين بهذه الآفة يشبه لون الآجر الأحمر المصفر.

التشمع هو حدثية مرضية تصيب الكبد بصورة شاملة، وهو النتيجة النهائية لأي آفة كبدية مزمنة تؤذي الخلايا الكبدية مهما كان سببها، حيث يحل محلَّ الخلايا الكبدية المتأذية والمتنخرة بفعل العامل المؤذي كميةٌ كبيرة من النسيج الندبي الليفي، أي يحدث التليف fibrosis الذي يأخذ شكل حلقات. ولتعويض تخرب الخلايا الكبدية المتأذية والمتنخرة ونقصها، فإن الخلايا الكبدية التي لازالت سليمة نسبياً تقوم بالتكاثر والتجدد regeneration، ولكن بسبب التليف الذي حصل بفعل التنخر فإن تجدد الخلايا الكبدية لا يشكل بنية كبدية فصيصية سليمة، وإنما يحدث تجمعات لخلايا كبدية تأخذ شكل عقيدات فقدت اتصالاتها التشريحية الوعائية والصفراوية الطبيعية المعروفة، ويطلق على هذه العقيدات من الخلايا الكبدية اسم العقيدات التجددية regeneration’s nodules، وبذلك تفسر الحدثيتان الأساسيتان اللتان تشكلان ركيزة تشخيص التشمع وهما: التَليف، وعُقيدات التجدد.

الوبائيات

التشمع هو مرض كبدي شائع وخطر، يختلف معدل انتشاره من بلد لآخر ومن منطقة جغرافية لأخرى. فمثلاً في فرنسا يقدر معدل انتشار التشمع بـ 2000-3300 حالة لكل مليون نسمة. وتختلف أسباب التشمع أيضاً من بلد إلى آخر فمثلاً في أوربا يقدر الإفراط في شرب الكحول بـ 75% من أسباب التشمع، ويقدر معدل انتشار التشمع الكحولي بـ 1500-2500 حالة لكل مليون نسمة في فرنسا.

تشريحياً: يأخذ مظهر الكبد الخارجي المصاب بالتشمع مظهراً معقداً حيث يزول المظهر الأملس المستوي لسطح الكبد الطبيعي. ويختلف حجم الكبد من حالة إلى أخرى، فقد يكون طبيعي الحجم، وأحياناً ضامر الحجم وأحياناً أخرى مفرط التصنع ومتضخماً، أما في بعض الحالات فيمكن أن يشاهد في الكبد المصابة بالتشمع ساحات من الضمور تتناوب مع ساحات من فرط التصنع فيسمى عندها التشمع الضموري الضخامي atropho-hypertrophic cirrhosis.  

أ - تشمع كبد صغير العقيدات                             ب - تسمع كبد كبير العقيدات

نسيجياً: التشمع آفة مرضية تنتشر في الكبد كلها، حيث تفقد الكبد البنية الفصيصية الطبيعية، ليحل محلها عقيدات من خلايا كبدية بحالة تجدد، يفصل بينها حجب ليفية تأخذ في غالبها شكلاً حلقياً يحيط بعقيدات الخلايا الكبدية المتجددة، كما يمكن أن يشاهد في العديد من الحالات ارتشاح النسيج الليفي التندبي بخلايا التهابية وقنيات صفراوية حديثة التشكل.

يختلف قطر العقيدات التجددية، فقد تكون أكبر من 3ملم ويطلق عندها على التشمع اسم التشمع كبير العقيدات، أو أصغر من 3ملم فيطلق على التشمع حينها اسم التشمع صغير العقيدات. وهناك حالات من التشمع يشاهد فيها بآن واحد عقيدات تجددية ذات أقطار أكبر وأصغر من 3ملم، وبنسبة متعادلة، فيطلق عندها على هذه الحالة اسم التشمع مختلط العقيدات. تجدر الإشارة إلى أن قياس عقيدات التجدد المذكور آنفاً ليس له أي دلالة عن سبب حدوث التشمع أو عن وظيفة الخلايا الكبدية المتبقية أو عن إنذار المرض.

يمكن أن يشاهد على المقاطع النسيجية في بعض الأحيان- إضافة إلى المظهرين البارزين الأساسيين للتشمع وهما التليف الحلقي والعقيدات التجددية - تبدلات مرضية نسيجية أخرى يمكن أن توجه نحو سبب حدوث التشمع. ولذلك فإن خزعة الكبد عند المرضى الذين يشتبه بإصابتهم بالتشمع تفيد في وضع التشخيص إضافة إلى إمكانية توجيهها نحو سبب حدوثه في بعض الأحيان.

كان تصنيف التشمعات سابقاً يعتمد على حجم عقيدات التجدد، إلا أن التصنيف الحديث المعتمد حالياً للتشمع أصبح يستند إلى تحديد سبب حدوث التشمع، فقد تبين أن البنية الكيمياوية الحيوية للنسيج الندبي التليفي في التشمع واحدة مهما كان سبب التشمع، فهي تتألف من:

- جزيئات المواد خارج الخلوية المكونة للمطرق extracellular matrix.

- ألياف المغراء (الكولاجين) من النمط I و III.

- سلفات (البروتيوغليكان).

- بروتينات سكرية.

تتراكم هذه المكونات بسبب إنتاجها المفرط، وليس بسبب فقد البنية الطبيعية الفصيصية للكبد كما كان يعتقد سابقاً.

فإذا كان مظهر التليف الحلقي حول العقيدات التجددية للخلايا الكبدية هو المظهر الواضح والبارز لهذا التندب الكبدي على المقاطع النسيجية فإن حقيقة ما يحدث في سياق أذيات الكبد المزمنة - مهما كان العامل المسبب- هو تراكم المواد خارج الخلوية في المستوى الخلوي والنسجي الذي يبدأ في مسافات (ديس) Disse spaces أي المسافات التي تفصل الخلايا البطانية لأشباه الجيوب الكبدية عن الخلايا الكبدية، مما يحول جدر أشباه الجيوب هذه إلى أوعية تشبه الأوعية الشعرية الدموية، أي يصبح لها ما يشبه الغشاء القاعدي، بعد أن كانت بالحالة الطبيعية في الكبد السليمة خالية من هذا الغشاء، إضافة إلى فقدان الخلايا البطانية المبطنة لأشباه الجيوب الكبدية للفجوات والمسافات التي كانت تفصل بينها في حالة الكبد السليمة. هذه الصفات التشريحية لمسافات ديس الطبيعية كانت تسمح بحرية وصول محتويات البلازما الجائلة في أشباه الجيوب الكبدية إلى تماس سهل مع الخلايا الكبدية؛ مما يسمح للخلايا الكبدية بالقيام بوظائفها الحيوية من تنقية البلازما من بعض السموم والقيام بوظائفها الاستقلابية.

إن فقدان الصفات الفيزيولوجية لأشباه الجيوب الكبدية بسبب التبدلات المذكورة في مسافات ديس منذ المراحل الباكرة لبدء حدثية التشمع هو الحدثية الأكثر ترابطاً مع مقدار التدني في الوظيفة الكبدية.

وقد تبين مؤخراً أن مصدر إنتاج المواد خارج الخلوية المتراكمة في مسافات ديس في سياق التشمع، والتبدلات الأخرى المشاهدة على مستوى أشباه الجيوب - مهما كان سبب العامل المؤذي المزمن المحدث للتشمع - هي الخلايا النجمية التي توجد بحالة الكبد السليمة بأعداد قليلة، وبحالة هاجعة في مسافة ديس، وهي خلايا من النوع اللحمي المتوسطي mesenchymal cell وتعرف أيضاً باسم الخلية الشحمية adipocyte أو الخلية ما حول أشباه الجيوب بسبب توضعها في مسافة ديس حول أشباه الجيوب الكبدية. فعند تعرض هذه الخلية للعامل المؤذي للكبد يحدث فيها تحريض وتفعيل وتتحول إلى خلية مفرزة ومولدة لليف حيث تنشط وتتكاثر فيزداد عددها في مسافة ديس ويقل محتواها من حبيبات الڤيتامين A.

إن تحريض هذه الخلايا النجميةوتفعيلها- الذي يزيد عددَها ويحولها إلى خلية مفرزة لألياف المغراء- هو القاسم المشترك بين جميع أذيات الكبد وآفاتها المدروسة حالياً التي ستحدث تشمعاً، بما فيها الركودة الصفراوية المزمنة.

القصة الطبيعية لحدوث التشمع وتطوره

تتجلى التظاهرات المرضية السريرية للتشمع بطيف واسع من الأعراض، فقد يوجد تشمع لدى مريض من دون أن تكون لديه أعراض سريرية وصولاً لحالات مرضية أخرى من التشمع تبدو فيها أعراض القصور الكبدي واضحة وشديدة. وعلى الرغم من أن تطور مرض التشمع يحدد عند كل مريض حسب طبيعة العامل الممرض المحدث للتشمع وشدته، تبين الإحصاءات أن ما يقارب 40% من المرضى المصابين بالتشمع المثبت نسيجياً لديهم مرض معاوض، أو ما يسمى  غير المتضاعف. وقد تمتد هذه الفترة لديهم بين سنة وعشر سنوات، وأن معدل انكسار المعاوضة السنوي (أي ظهور أعراض ذات علاقة بالتشمع) وهي: حبن و/أو يرقان و/أو نزف هضمي و/أو اعتلال دماغي كبدي تعادل سنوياً 4% لدى هذه الزمرة من المرضى. أما معدل الحدوث السنوي لسرطان الخلية الكبدية الأولي عند زمرة المرضى المصابين بالتشمع  بحالة معاوضة فهو يعادل 3%.

بعد حدوث الهجمة الأولى لانكسار المعاوضة يرتفع المعدل السنوي لاحتمال وفاة المريض  بشدة ليصل إلى 10%، إذا لم يتم التداخل بإجراء غرس الكبد لدى هذه الزمرة من المرضى.

يعتمد في تحديد شدة التشمع، أي شدة القصور الكبدي على علامات سريرية ومخبرية لتقييم درجة القصور الكبدي، هي مشعر Child-Pugh ومشعر MELD وسيأتي شرحها لاحقاً.

أسباب التشمع

التشمع هو المرحلة النهائية لتطور جميع أمراض الكبد المؤدية إلى إحداث التهاب كبدي مزمن بسبب عامل ممرض فيروسي أو مادة سامة للكبد كالكحول أو دواء سام للكبد، أو بسبب مستضد antigen (كمستضد ذاتي autoantigen في التهابات الكبد المناعية، أو ببعض أمراض الكبد الركودية الصفراوية)، أو بسبب تراكم مواد ضمن الكبد (كالنحاس، والحديد، والشحوم الثلاثية وغيرها) مما يؤدي إلى سمية كبدية مزمنة تؤول إلى إحداث التشمع.

تصنف أسباب التشمع إلى:

1- التسمم الكحولي: إن خطورة نشوء التشمع التالي للإفراط في تناول الكحول تختلف حسب الجنس، فتزداد خطورة حدوث التشمع عند الإناث عندما يتجاوز الاستهلاك الكحولي 30 غراماً يومياً، أما عند الذكور فالجرعة اليومية التي يزداد إثرها خطر احتمال تطور التشمع هي 50 غراماً من الكحول يومياً، كما أنه يجب الإشارة إلى أن المدة التي يزداد بعدها خطر تطور التشمع تختلف باختلاف الجنس أيضاً، وهي تقدر لجرعة الاستهلاك المذكورة آنفاً بعشر سنوات عند الإناث، وخمس عشرة سنة عند الذكور.

وقد تبين مؤخراً بالدليل العلمي أن فرط استهلاك الدسم مع الإسراف في شرب الكحول في الوقت نفسه يعد عامل خطر إضافياً في تسهيل حدوث التشمع الكحولي، وأيضاً تعد البدانة عامل خطورة مستقلاً في تسهيل حصول التشمع الكحولي.

2- التهاب الكبد الفيروسي المزمن: ب (B)، سي (C)، ب- د (D-B).

3- التهاب الكبد المناعي الذاتي.

4- الركودة الصفراوية المزمنة: فجميع الأمراض التي تحدث تعويقاً في الجريان الصفراوي بصورة مزمنة ومديدة أو انسداداً صفراوياً مزمناً- سواء بالطرق الصفراوية داخل الكبد أم خارجه - تؤدي بالنتيجة إلى حدوث التشمع، كما يحدث في التشمع الصفراوي الأولي، وفي التهاب الطرق  الصفراوية المصلب الأولي.

5- احتقانات الكبد الوعائية وآفات الأوعية الدموية الكبدية: كما يحدث في قصور القلب الأيمن المزمن والمهمل المعالجة، والتهاب التأمور العاصر المزمن، وخثار الأوردة الكبدية (متلازمة باد- كياري Budd- Chiari)، والداء مسد الوريد ومتلازمة توسع الشعيرات  الوراثي النزفي (Rendu-Osler).

6- أمراض كبدية استقلابية أو وراثية: وتتضمن:

أ- التهاب الكبد التشحمي اللاكحولي .

ب- داء ويلسون.

ج- داء الصباغ الدموي.

د- عوز متماثل الزيجوت homozygote بخميرة مضاد التربسين ألفا-1.

هـ- البرفيرية.

و- اضطراب استقلاب السكريات.

ز- اضطراب استقلاب الدسم: مرض انعدام بيتا ليبوبروتين المصل، داء غوشر.

ح- اضطراب استقلاب الحموض الأمينية: فرط (تيروزين) الدم.

ط- اضطراب استقلاب البولة الدموية.

ي- اضطراب استقلاب الحموض الصفراوية كداء بايلر Bayler.

ك- لزاجاً مخاطياً (اضطراب استقلاب المخاط) mucoviscidosis.

ل- آفات كبدية نادرة: الآفات الحبيبومية الكبدية المزمنة، الداء الكبدي متعدد الكيسات.

م- التشمع خفي المنشأ.

أعراض التشمع وتظاهراته:

يقسم تطور التشمع إلى مرحلتين:

1- مرحلة التشمع المعاوض أو غير المتضاعف: يمكن لهذه المرحلة من التشمع أن تدوم عدة أشهر أو عدة سنوات منذ بدء التشمع. خلال هذه المرحلة يمكن اكتشاف حالة التشمع لدى هؤلاء المرضى مصادفة بمناسبة فحص سريري منوالي أو استشارة طبية بسبب مرض مختلف حيث يكتشف الطبيب بالفحص السريري علامات توجه نحو التشمع؛ وقد يكتشف المرض بمناسبة طلب اختبارات مخبرية منوالية لوظائف الكبد، أو في أثناء تحري واسمات الفيروس B أو C أثناء التقصيات المألوفة.

2- مرحلة انكسار المعاوضة: يكتشف التشمع في هذه المرحلة بسبب أعراضه أو أحد مضاعفاته.

تنجم أعراض التشمع ومضاعفاته عن إحدى آليتين هما:

أ- تبدلات دينمية دموية في الجملة البابية.

ب- القصور الوظيفي للخلايا الكبدية الناجم عن نقص كتلتها الفعالة وظيفياً.

 تؤدي التبدلات التي تحدث في البنية التشريحية للكبد في سياق التشمع (التليف والعقيدات التجددية) إلى حدوث فرط ضغط في جملة وريد الباب، حيث يحدث تعويق جريان الدم الوارد للكبد ضمن أشباه الجيوب الكبدية منذ المراحل الباكرة لبدء حدثية التليف في مسافات ديس. ومع تقدم الحدثية المرضية تظهر عقيدات التجدد ويحدث التليف المنتشر الذي يأخذ شكلاً حلقياً، فيحدث فرط الضغط البابي، الذي يبدأ من المسافات البابية مروراً بأشباه الجيوب الكبدية حتى أوردة مركز الفصيص الكبدي والأوردة الكبدية. وسيعالج موضوع فرط الضغط البابي عند بحث مضاعفات التشمع الكبدي.

أعراض قصور الخلية الكبدية وعلاماتها 

يقصد بتعبير قصور الخلية الكبدية مجموعة التظاهرات المتعلقة بنقص وظائف الخلايا الكبدية. يعد التشمع أحد أسباب هذا القصور، ولكن هناك أسباب أخرى تؤدي إلى قصور في الخلية الكبدية منها: التهابات الكبد الحادة (الدوائية، الفيروسية، السمية)، التهابات الكبد المزمنة، التهاب الكبد الكحولي، التشحم الكبدي الحاد الحملي، متلازمة باد- كياري، النخرة الكبدية الحادة بنقص التروية الدموية الكبدية.

يدخل قصور الخلية الكبدية عند المصاب بالتشمع في إطار القصور الكبدي المزمن الذي يأخذ تطوره أشهراً أو سنوات. تنجم أعراض  القصور الكبدي وعلاماته عن تناقص وظائف الخلايا الكبدية في الإنشاء synthesis والتنقية، وفي وظيفتها الصفراوية.

يتجلى نقص وظيفة الإنشاء بصورة أساسية بنقص مستوى (ألبومين) المصل، ونقص مستوى عوامل التخثر المصنعة في الكبد.

يؤدي نقص وظيفة التنقية إلى نقص في تقويض catabolism العديد من المواد المنتجة داخل الجسم بفعل الاستقلاب الخلوي مما يؤدي إلى تراكمها عند مرضى التشمع، وكذلك نقص في استقلاب بعض الأدوية المتناولة وطرحها من قبل مريض التشمع، التي يقوم الكبد السوي عادة باستقلابها وطرحها خارج العضوية مما يؤدي إلى تراكمها في حال تناولها من قبل مريض مصاب بالتشمع ما لم ينتبه الطبيب لتعديل جرعتها حسب درجة قصور الكبد عند المريض.

أما نقص الوظيفة الصفراوية للخلايا الكبدية فينجم عنه متلازمة ركودة صفراوية cholestasis، مما يتجلى عند المريض بظهور لون يرقاني، يكون على حساب تراكم (البيلروبين) المقترن أو المباشر. ولا تحدث هذه الركودة الصفراوية في غالب الأحيان مع ارتفاع القيم المصلية لإنزيم الفوسفاتاز القلوي لأن تصنيعه يكون منخفضاً في التشمع بسبب قصور الخلية الكبدية.

التظاهرات السريرية لقصور الخلية الكبدية

1- الاضطرابات المخبرية: يمكن أن يكون قصور الخلية الكبدية لاعرضياً تماماً في مرحلة المعاوضة، ويعتمد تشخيصه خلال هذه الفترة على اكتشاف اضطرابات مخبرية في وظائف الكبد، كنقص (ألبومين) المصل أو نقص مستوى بروتينات التخثر.

2- الوهن والتعب والقهم: قد يكون الوهن لدى بعض مرضى التشمع شديداً جداً، مما يؤدي بالمريض لعدم إمكانيته مغادرة السرير، وهو عرض غير نوعي لقصور الخلية الكبدية، لكنه يحدث بدرجات مختلفة الشدة لدى غالبية مرضى التشمع. كما قد يظهر القهم بدرجات مختلفة لدى كثير من مرضى التشمع.

3- اليرقان: يحدث اليرقان بسبب ارتفاع مقدار (البيلروبين) المباشر، مع وجود البيلروبين في البول. يمكن في بعض حالات التشمع أن يصبح لون براز المريض باهتاً لدرجة تقارب اللون الأبيض الحواري، من دون وجود عائق ساد على مسار الطرق الصفراوية.

4- الاعتلال الدماغي الكبدي: وهو من أهم مضاعفات التشمع ويشير إلى قصور شديد وخطر في وظائف الخلية الكبدية، وسيعالج هذا الموضوع لاحقاً.

5- النتن الكبدي hepatic fetor: هو رائحة مميزة نتنة لنفس المريض المصاب بالتشمع، سببها مواد عطرية  ذات مصدر معوي، تستقلبها وتخربها عادة الكبد السليمة فلا تصل للدوران العام. أماعند مريض التشمع بسبب قصور وظائف الخلايا الكبدية أو بسبب المفاغرات البابية الجهازية الناجمة عن فرط الضغط البابي فإن هذه المواد تصل وبتركيز مرتفع للدوران العام، ولأنها مواد عطرية طيارة فإنها تطرح عن طريق الرئتين أو الكليتين، فتعطي رائحة مميزة نتنة لنفس المريض ورائحة بوله.

6- التظاهرات الجلدية لقصور الخلية الكبدية:

 
الشكل (3) عنكبوت وعائي عند مريض مصاب بتشمع الكبد. يتألف العنكوب الوعائي من شرين مركزي يزود مجموعة من الأوعية الصغيرة
 
الشكل (4) الحمامي الراحية عند مصاب بتشمع الكبد. تشاهد هذه العلامة في حالات مرضية أخرى أو من دون سبب معين
 
الشكل (5) التثدي عند مريض ذكر مصاب بتشمع الكبد

أ- الورم الوعائي العنكبوتي spider angioma: يتشكل من شرين متوسع تحت الجلد، يتظاهر كنقطة حمراء يتشعب عنها أوعية دقيقة، وإن تطبيق ضغط على الوعاء المركزي يزيل العنكبوت الوعائي. تتوضع العنكبوتات الوعائية عادة في الوجه والعنق وأعلى الصدر والظهر والطرفين العلويين.

هناك بعض الحالات لدى الأصحاء أو بعض المرضى التي يمكن أن يشاهد فيها عنكبوت وعائي من دون وجود قصور في الخلية الكبدية كما هي الحال عند بعض النساء خلال الحمل الطبيعي، وبعض المرضى المعالجين (بالإستروجينات)، أو المرضى المصابين بفرط نشاط الغدة الدرقية.

ب- الحمامى الراحية palmar erythema: هي احمرار يصيب راحة اليد في منطقتي الرانفة thenar والضرَّة hypothenar وقاعدة الأصابع سببها توسع الشعريات الدموية الجلدية، وهذه العلامة لها ذات الدلالة التشخيصية للعنكبوت الوعائي.

ج- تعجر الأصابع clubbing: يشاهد عند بعض المرضى المصابين بالتشمع وهو يعد جزءاً من متلازمة الاعتلال العظمي المفصلي لديهم.

د- الأظفار البيضاء: تتلون أظفار المريض المصاب بالتشمع باللون الأبيض الحليبي، ويزول اللون الأحمر لسرير الأظفار، كما يزول مظهر هلال الظفر ليصبح مندمجاً مع باقي اللون المبيض للأظفار.

7- قصور الغدد التناسلية: ويتجلى عند الإناث بانقطاع الطمث والعقم، أما عند الرجال فيأخذ شكل العنانة وضمور الخصيتين والعقم، كما تظهر عند المريض علامات الاستئناث feminization مثل ضخامة الثديين وتوزع الأشعار الأنثوي وزوال الأشعار الذكرية.

يحدث قصور الغدد التناسلية نتيجة عاملين أولهما نقص المستوى المصلي لهرمون (التستوستيرون) بسبب قلة إنتاجه، وثانيهما ارتفاع المستوى المصلي للبروتين الرابط للتستوستيرون، مما ينقص مستوى الهرمون الحر الفعال وظيفياً.

ويحدث الاستئناث نتيجة عاملين آخرين أيضاً، أولهما ارتفاع مستوى (الإستروجين) بسبب انقلاب (الأندروجينات) إلى إستروجينات في النسج المحيطية بتأثير إنزيمِ (الأروماتاز) الذي يزداد نشاطه في التشمع نتيجة نقص تقويضه، وثانيهما نقص استقلاب وتقويض الإستروجينات الكبدي الناجم عن قصور الخلية الكبدية.

8- المتلازمة النزفية: تحدث نتيجة نقص في مستوى عوامل التخثر التي يتم اصطناعها في الكبد (الفيبرينوجين أو العامل II، والعامل V، والعامل VII بصفة خاصة، والعامل X) ينقص اصطناع العامل  VII على نحو مبكر جداً عند مرضى التشمع قبل نقص باقي عناصر التخثر. كما تنقص الصفيحات الدموية بسبب فرط الطحالية و بسبب نقص توليدها في نقي العظام أيضاً.

ونتيجة لما سبق يمكن أن تظهر الأعراض والعلامات التالية عند مرضى التشمع وهي:

- كدمات جلدية عفوية أو أنها تحدث بسبب رضٍ بسيط.

- نزوف من اللِّثَة.

- رعاف.

- فرفريات (نادرة الحدوث).

9- فقر الدم: ينجم فقر الدم عن:

- نقص إنتاج الدم بسبب المواد الجوالة السامة للنقي التي لا تصفيها الكبد.

- قصر عمر الكريات الحمر بسب فرط انحلالها، نتيجة السموم التي تؤثر في غشاء الكريات الحمر في مجرى الدم؛ مما يعطيها شكلاً مشوكاً، وتصبح شديدة الهشاشة مما يؤدي إلى انحلالها المبكر.

- فرط الطحالية.

- النزوف الهضمية الخفية بسبب اعتلال الغشاء المخاطي المعدي الناجم عن فرط الضغط البابي، أو بسبب قرحات هضمية.

10- حالة فرط حركية دورانية: تحدث هذه الحالة عند مرضى التشمع نتيجة لنقص المقاومة الوعائية المحيطية بسبب انفتاح المصرات ما قبل الشعرية وارتخائها في الشعريات الدموية  بتأثير المواد السامة المتراكمة في جسم المريض؛ مما يؤدي إلى حدوث حالة فرط حركية دورانية تتجلى بتسرع النبض، وزيادة نتاج القلب، وهبوط الضغط الشرياني الانبساطي.

إن نقص المقاومة الوعائية المحيطية لدى مرضى التشمع يفسر قلة مشاهدة حالات فرط الضغط الشرياني لديهم، كما يفسر أيضاً تحسن أرقام الضغط الشرياني وسهولة ضبطه عند المصابين به مع تقدم التشمع لديهم.

11- حالة نقص أكسجة دموية شريانية (المتلازمة الكبدية الرئوية): يمكن أن يحدث نتيجة القصور في وظائف الخلايا الكبدية نقص في أكسجة الدم الشرياني، وأحياناً قد يكون هذا النقص شديداً لدرجة تظهر معها زرقة واضحة على المريض، ويفسر ذلك بآليتين هما:

أ- إن التوسع في الأوعية الشعرية الرئوية الناجم عن تأثير المواد السامة المتراكمة في عضوية المريض المصاب بالتشمع لا يسمح بتوفير أكسجة كافية لهذا الجريان الدموي الكثيف عبر الشعريات الدموية المتوسعة.

ب- يحدث عند مرضى التشمع انفتاح تحويلات وعائية ضمن الرئتين بين الدوران الشرياني والوريدي الرئوي مما يؤدي إلى عبور الدم مباشرة من الشرايين الرئوية إلى الأوردة من دون المرور عبر الأسناخ الرئوية، وهذا ما يسمى بالتحويلة الشريانية الوريدية (تكون مغلقة وظيفياً في الحالة الفيزيولوجية عند الأصحاء)، مما يسهم في نقص أكسجة الدم لديهم.

12- التأهب لحدوث أخماج جرثومية: يزداد التأهب لحدوث أخماج جرثومية لدى مرضى التشمع كلما كان القصور في وظائف الخلايا الكبدية مترقياً وشديداً، وتحدث هذه الأخماج عادة بتأثير جراثيم معوية تعبر الدوران العام وتحدث تجرثماً دموياً يمكن أن يؤدي إلى حدوث توضعات خمجية جرثومية في أماكن مختلفة من العضوية، كأن تتوضع في سائل الحبن محدثة التهاب الصفاق العفوي، أو تحدث أخماجاً جرثومية بولية أو رئوية أو جلدية.

يزداد معدل حدوث الإصابات الدرنية أيضاً لدى مرضى التشمع.

يفسر ازدياد معدل حدوث تجرثم الدم والتوضعات الخمجية الجرثومية عند مرضى التشمع بنقص قدرة الكريات البيضاء والخلايا البالعة لديهم على البلعمة ، بسبب تأثر هذه الخلايا بالوسط المسموم، وأيضاً بسبب نقص عدد الكريات البيضاء في الدم المحيطي الناجم عن فرط الطحالية أو نقص إنتاج النقي للكريات البيض.

14- ازدياد تأثر مرضى التشمع  ببعض الأدوية: يؤدي القصور في وظيفة الخلايا الكبدية في استقلاب عدة مجموعات دوائية وتقويضها - يتم استقلابها عادة في الكبد- إلى ازدياد تراكيزها وتطاول نصف عمرها المصلي مما يؤدي إلى تراكمها، وظهور أعراض سمية لدى مرضى التشمع، حتى في حال استخدامها بالجرعات النظامية الموصى بها؛ مما يستوجب تنبه الطبيب المعالج لتعديل جرعة بعض الأدوية ذات الاستقلاب الكبدي وإنقاصها عند وجود استطباب لاستخدامها عند مرضى التشمع، تجنباً لتراكمها وإحداثها أعراضاً سمية.

15- الاحتباس المائي الملحي: يحدث لدى مرضى قصور الخلية الكبدية احتباس مائي ملحي، كثيراً ما يترافق بارتفاع الضغط البابي وينتهي ذلك بتجمع السوائل في جوف الصفاق وحدوث الحبن. 

الفحوص المخبرية التي توجه نحو قصور في وظيفة الخلية الكبدية

1- نقص مستوى (بروثرومبين البلازما): ويفضل عليه عيار عامل التخثر الخامس (V)؛ لأن اصطناعه في الكبد لا يتطلب وجود الفيتامين K، في حين أن اصطناع باقي عوامل التخثر الأخرى - التي تدخل في تحديد مستوى البروثرومبين- يتطلب توافر الفيتامين K بمقادير كافية في الخلايا الكبدية حتى تتمكن من اصطناعها. وبالتالي فإن عيار عامل التخثر الخامس يظهر بدقة وظيفة الاصطناع في الخلايا الكبدية، ويجنب الالتباس الذي يمكن حدوثه لدى وجود تطاول في زمن البروثرومبين  بين وجود قصور في وظائف الخلية الكبدية وبين حالات سوء امتصاص أو عوز الوارد الغذائي من الفيتامين K اللتين تطيلان زمن البروثرومبين  أيضاً.

2- نقص مستوى (ألبومين) المصل: الذي يدل على تدني قدرة الخلايا الكبدية على اصطناعه بسبب قصورها الوظيفي.

3- ارتفاع مقدار (بيلروبين) المصل: إذ تتناسب شدة ارتفاعه طرداً مع نقص الوظيفة الصفراوية للخلايا الكبدية.

4- رحلان بروتينات الدم: يظهر مخطط رحلان بروتينات الدم لدى مرضى التشمع وجود زيادة متعددة النسائل polyclonal في (الغلوبولينات المناعية غاما) - بسبب زيادة هذه الغلوبولينات نتيجة دخول مستضدات إلى الجسم- امتُصت من الأمعاء وعبرت الدوران الجهازي من دون أن تصفى بالكبد عبر الدورانات الرادفة التي انفتحت بسبب فرط الضغط البابي؛ مما يحرض الجهاز المناعي على تشكيل أضداد مناعية لها ترحل مع الغاما غلوبولينات فتزيد مقدارها.

     النقاط

المتغير

نقطة

نقطتان

ثلاث نقاط

الحبن

غير موجود

معتدل

شديد

الاعتلال الدماغي

غير موجود

موجود مرحلة Iأو II

موجود مرحلة III

زمن البروترومبين

  أكثر من 50%

 40 – 50%

  أقل من 40%

ألبومين المصل

أعلى من 35 غ/ل

28-35 غ/ل

أقل من 28 غ/ل

بيلروبين المصل

أقل من 1.9 ملغ/100مل

2-3 ملغ/100مل

أعلى من 3 ملغ/100مل

تحديد إنذار التشمع: يُعتمد في تصنيف شدة القصور في وظيفة الخلية الكبدية على مشعر سريري - مخبري هو: مشعر Child Score أو Child-Pugh وهو التالي:

يعطى كل متغير من المتغيرات السريرية أو المخبرية السابقة نقطة واحدة أو نقطتين أو ثلاث نقاط حسب مقدار القياس كما هو مبين بالجدول المرافق.

يحدد مشعر Child-Pugh ثلاث درجات من خطورة القصور الكبدي في التشمعات:

:Child-Pugh A  عندما يساوي المشعر السابق 5 أو 6 نقاط.

:Child-Pugh B عندما يساوي المشعر السابق 7-9 نقاط.

:Child-Pugh C  عندما يساوي المشعر السابق 10-15 نقطة.

مضاعفات التشمع الرئيسية هي التالية:

1- فرط الضغط البابي والنزوف الهضمية التي تنجم عنه.

2- الحبن ومضاعفاته مثل التهاب الصفاق  العفوي، والمتلازمة الكبدية الكلوية.

3- الاعتلال الدماغي الكبدي.

4- سرطان الخلية الكبدية الأولي.

معالجة التشمع

لا يوجد علاج لتحسين وظيفة الخلية الكبدية القاصرة سوى معالجة السبب المحدث.

تعالج مضاعفات التشمع كل بحسبه.

ويعد قصور الخلية الكبدية الشديد غير القابل للتحسن من استطبابات غرس الكبد.

 

 

علينا أن نتذكر

> التشمع مرض شامل للكبد، وهو نهاية المطاف لجميع أذيات الكبد المزمنة، يختلف إنذاره من حالة لأخرى، فهو حسن الإنذار في الحالات المعاوضة الخفيفة، ويصل لدرجة خطرة مهددة لحياة المريض على مدى قصير في حال تراكم المضاعفات.

> الأسباب الرئيسية الأكثر إحداثاً  للتشمع هي التهابات الكبد الفيروسية المزمنة B و C و D-B، الكحولية المزمنة، والتهاب الكبد التشحمي اللاكحولي، ثم التشمع التالي لالتهاب الكبد المناعي الذاتي، ويمكن أن يتشارك أكثر من عامل مسبب لدى مريض واحد.

الأسباب الأقل تواتراً في إحداث التشمع هي الأسباب الاستقلابية كداء ويلسون، وداء الصباغ الدموي والأسباب الدوائية والأسباب الصفراوية المزمنة.

> توجه الأعراض والعلامات آنفة الذكر الطبيب نحو تشخيص التشمع ويدعم ذلك الفحوص المخبرية والتصويرية التي ذكرت، إلا أن التشخيص المؤكد والموثق يعتمد على خزعة الكبد التي تظهر الحدثيتين الرئيسيتين للتشمع وهما: العقيدات التجددية والتليف الحلقي، إضافة إلى أنها يمكن في بعض الحالات أن توجه نحو سبب التشمع.

> تتطلب المتابعة الطبية لمريض التشمع أولاً معالجة السبب المؤدي للتشمع إن أمكن، وثانياً معالجة نوعية لمضاعفات التشمع.

> كشف وجود دوالي مريئية معدية والوقاية من نزفها الأولي باستخدام حاصرات المستقبلات بيتا اللاانتقائية، أو الثانوي بالوسائط التنظيرية المتوافرة.

> معالجة الحبن باستخدام المدرات المناسبة، وفي حال الحبن الشديد المعند يجب اللجوء إلى البزل الإفراغي.

> كشف خمج سائل الحبن العفوي والبدء الإسعافي بعلاجه بالصادات الوريدية المناسبة. يعد خمج سائل الحبن عند مريض التشمع نقطة تحول شديدة الأهمية في سير المرض الكبدي بسبب إنذاره السيئ على حياة المريض، ويجب بعد شفائه بالصادات التفكير جدياً في إمكانية وضع المريض على لائحة مرضى غرس الكبد.

> تحري احتمال إصابة المريض بتنشؤ خلية كبدية أولي وكشفه بصورة دورية، بوساطة عيار (ألفا فيتوبروتين) المصل، وبتخطيط صدى الكبد بصورة دورية بغية الكشف الباكر عن هذه الحالة وتطبيق المعالجة المناسبة لها.

> إن كشف خثار وريد الباب عند مريض التشمع يوجه بالدرجة الأولى لتحري وجود تنشؤ كبدي بدئي، وفي حال التأكد من غيابه يوجه لتحري عامل مؤهب للخثار.

 

 

 


التصنيف : أمراض الكبد
النوع : أمراض الكبد
المجلد: المجلد الأول
رقم الصفحة ضمن المجلد : 428
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 646
الكل : 31697206
اليوم : 51788