logo

logo

logo

logo

logo

اضطرابات الشم

اضطرابات شم

disorders of olfaction - troubles de l'olfaction

اضطرابات الشم

محمود تسابحجي، نور قباني

البصلة الشمية والقشرة الشمية
فيزيولوجيا الشم
اضطرابات الشم
أمراض الأنف والجيوب
اختبارات الوظيفة الشمية
   

تصادف اضطرابات الشـم في نسبة غير قليلة من السكان، ويقدر أن 1.4% من الذين تقل أعمارهم عن الستين عاماً لديهم اضطراب شم، وتتزايد هذه النسبة طرداً مع التقدم بالعمر لتبلغ أكثر من 50% فوق سن الثمانين.

تعد حاسة الشم إحدى أهم الحواس التي لها شأن كبير في الحياة اليومية وفي تحديد ما يتناوله الناس من أطعمة وأشربة، ومنبهاً للمخاطر الموجودة في البيئة والوسط المحيط كالحرائق والأبخرة السامة والغازات المتسربة.

لمحة جنينية وتشريحية:

تشتق الظهارة العصبية الشمية من اللوحاء الشمية olfactory placode التي تشاهد في نهاية الشهر الأول من الحمل، ويملك الجنين البشري ظهارة عصبية شمية مهدبة جيدة التطور في الأسبوع التاسع من الحمل، في حين تلاحظ الخلايا المستقبلة كاملة التمايز في الأسبوع الحادي عشر.

وبحلول الأسبوع الثاني والثلاثين من الحمل يمكن كشف البروتين الواسم الشمي olfactory marker protein في الطبقة المحيطية من البصلة الشمية (طبقة العصب الشمي)؛ الذي يعد وجوده واسماً لخلايا مستقبلة فعالة وظيفياً.

الظهارة العصبية الشمية olfactory neuroepithelium: الشكل (1) الظهارة العصبية الشمية هي ظهارة أسطوانية مطبقة كاذبة، تتوضع على السطح السفلي للصفيحة المصفوية cribriform plate   وأجزاء من المحارة العليا  superior turbinate والوتيرة، يبلغ ثخنها 60-70 ميكرومتراً؛ أي ما يقارب ضعف ثخن الظهارة التنفسية المبطنة للتجويف الأنفي، وتبلغ مساحتها نحو 2 سم2 في كل جهة من التجويف الأنفي. بنيتها غير متجانسة في البالغين؛ إذ إن جزراً استحالية تشبه الظهارة التنفسية تبدأ بالتجمع داخل محيط الظهارة الشمية في مراحل باكرة من الحياة، ويفترض الباحثون أن ذلك يحدث نتيجة الأذية بالڤيروسات والعوامل الجرثومية والسموم. واعتماداً على قواعد الكيمياء الهيستولوجية المناعية والمعايير التشريحية تميز في الظهارة العصبية الشمية ستة أنواع على الأقل من الخلايا وهي:

الشكل (1) يوضح بنية الظهارة العصبية الشمية

1- الخلايا المستقبلة الحسية ثنائية القطب bipolar sensory receptor cells.

2- الخلايا المعلاقية (الداعمة) sustentacular cells (supporting cells).

3- الخلايا الزغيبية  .microvillar cells 

4- خلايا غدد بومان وأقنيتها Bowman’s glands and duct cells.

5- الخلايا القاعدية كروية الشكل .globular basal cells

6- الخلايا القاعدية الأفقية  .horizontal basal cells  

يبلغ تعداد الخلايا المستقبلة نحو ستة ملايين خلية، وتمثل عصبونات المرتبة الأولى؛ إذ تمتد مباشرة من التجويف الأنفي إلى البصلة الشمية في مقدم الدماغ من دون تدخل أي مشبك synapse، ولذلك فهي طريق معروفة من قبل الڤيروسات والعوامل الأخرى لغزو الجهاز العصبي المركزي.

تنتفخ النهايات المحيطية للخلايا ثنائية القطب عند سطح الظهارة مشكلة الأكناب الشمية olfactory knobs؛ التي ينتأ من كل واحدٍ منها 10-30 هدباً، وتؤوي هذه الأهداب المستقبلات الشمية عبر الغشائية ذات السبع حلزّات، ويبلغ طول الهدب الواحد نحو 30 ميكرومتراً، وتبلغ مساحة السطح الكلي لتلك الأهداب نحو 9 إنشات مربعة (نحو 60 سم2)، ويعتقد أن هذه الأهداب عديمة الحركة.

تستدق النهايات المتجهة نحو الدماغ إلى محاوير axons طويلة ورفيعة عديمة الميالين، تلتئم هذه المحاوير في حزم تتألف الواحدة من نحو 200 محوار وتحاط بغمد من خلايا شوان، وتتحد هذه الحزم مع حزم أخرى مشكلة الخيوط الشمية التي تجتاز الصفيحة المصفوية من خلال ما يقارب خمسين ثقباً لتشكل الطبقة الخارجية من البصلة الشمية.

الخلايا المعلاقية تعزل الخلايا المستقبلة بعضها عن بعض ويبرز من سطحها ضمن المخاط زغيبات بدلاً من الأهداب.

للظهارة العصبية الشمية مقدرة على التجدد بدءاً من الخلايا القاعدية، وهي خاصيّة تتفرد بها، ويمكن أن تفسر العودة المتأخرة للمقدرة الشمية بعد فقدها تلو عدوى ڤيروسية.

البصلة الشمية والقشرة الشمية :olfactory bulb & olfactory cortex  

للبصلة الشمية التي تتوضع على السطح الظهراني للصفيحة المصفوية فعل محطة المعالجة الأولى في الجهاز الشمي.

تترتب مكوناتها العصبية في ست طبقات متحدة المركز، وهي من الخارج إلى الداخل:

- طبقة العصب الشمي  .olfactory nerve layer

- الطبقة الكبيبية .glomerular layer

- الطبقة الضفيرية الشكل الخارجية external plexiform layer.

- طبقة الخلايا المترالية (التاجية) .mitral cell layer

- الطبقة الضفيرية الشكل الداخلية internal plexiform layer.

- طبقة الخلايا الحبيبية .granule cell layer

تدخل محاوير الخلايا المستقبلة المشكلة لطبقة العصب الشمي الكبيبات الكروية الشكل الموجودة في الطبقة الثانية من البصلة الشمية حيث تتشابك مع تغصنات عصبونات المرتبة الثانية (الخلايا المترالية والخلايا اللمية tufted cells).

وترسل عصبونات المرتبة الثانية تفرعات جانبية تتشابك داخل الطبقة الضفيرية الشكل الخارجية؛ منتجة دارات ارتدادية reverberating circuits يحدث داخلها ارتجاع feedback سلبي وإيجابي.

تحتوي البصلة الشمية في الأشخاص اليافعين نحو خمسين ألف كبيبة مرتبة في طبقة أو طبقتين ضمن الطبقة الكبيبية، ويتناقص عدد هذه الكبيبات تدريجياً مع تقدم السن حتى تقترب هذه البنية من الغياب بعد الثمانين من العمر.

تسقط محاوير الخلايا المترالية والخلايا اللمية عن طريق السبيل الشمي olfactory tract إلى القـشرة الـشمـيـة الأولـيـة primary olfactory cortex في الجانب نفسه؛ وهي التي تتألف من: النواة الشمية الأمامية anterior olfactory nucleus، والقشرة الكمثرية pyriform cortex، والحديبة الشمية olfactory tubercle ، والباحة الشمية الداخلية entorhinal area ، والقشرة حول اللوزة periamygdaloid cortex، والجزء القشري الإنسي للوزة corticomedial amygdala.

ولهذه الأجزاء ارتباطات داخلية مع عدة مناطق من الدماغ تتضمن: المهاد thalamus، والحصين hippocampus، والوطاء، والجهاز الحوفي limbic system.

وتعلل العلاقة التشريحية الجوهرية بين هذه البنى الدماغية والجهاز الشمي - ولو جزئياً- الفكرة القائلة: إن الروائح يمكنها أن تثير الانفعالات وتستدعي الذكريات.

العضو المِيكعي الأنفي (عضو جاكوبسون) vomeronasal organ:

هو بنية غشائية ثنائية الجانب تتوضع في قاعدة الجزء الأمامي من الحاجز الأنفي في العمق من الظهارة التنفسية الأنفية بينها وبين سمحاق غضروف الوتيرة، و تشاهد فتحتها في دهليز الأنف في 91-97% من البالغين.

يعتقد أن العضو الميكعي الأنفي يكشف إشارات كيميائية خارجية تدعى الفيرومونات pheromones، هذه الإشارات لا تكشف بصفة روائح يمكن إدراكها من قبل الجهاز الشمي؛ بل يعتقد أنها قد تتوسط الاستجابات النفسية والصماوية endocrinic في الإنسان.

فيزيولوجيا الشم:

الشعور بالرائحة هو نتيجة مُدخَلات من الأعصاب القحفية: الأول (الشمي) والخامس (ثلاثي التوائم)، والتاسع (اللساني البلعومي)، والعاشر (المبهم)؛ لكن تنبيه العصب الشمي هو الأساس لتعرّف هوية الرائحة المنبهة، في حين أن النهايات العصبية الحرة للأعصاب القحفية الخامس والتاسع والعاشر تنقل أحاسيس: التهيُّج والدغدغة والدفء والبرودة واللذع والحرقة. وتدعى هذه الأحاسيس اصطلاحاً الحس الكيميائي المشترك common chemical sense الذي يظل سليماً في الأشخاص فاقدي الشم.

يمكن لجزيئات الرائحة أن تصل إلى الناحية الشمية بالانتشار، لكن الشم يتطلب نوعاً من الجريان الهوائي عبر الأنف، وقد تكون تلك الكمية القليلة من الجريان المتولِّد خلف الأنف retronasal بحركة الفم والبلعوم. وتشير الدراسات إلى أن 10-15% من مجمل جريان الهواء الأنفي الفيزيولوجية يمر عبر الناحية الشمية.

بعد أن تصل جزيئات الروائح إلى الناحية الشمية يجب أن تنتقل من الطور الهوائي إلى الطور المائي للمخاط الشمي، كي تتمكن من الوصول إلى المستقبلات الشمية olfactory receptors وإحداث التنبيه الشمي. ووصول جزيئات الروائح إلى المستقبلات الشمية إما أن يتم بالانتشار؛ وإما أن تنقل إليها على نحو فاعل بوساطة البروتينات الرابطة للروائح odorant binding proteins التي تؤلف 1% من مجمل بروتينات المخاط الشمي، ولهذه البروتينات فعل في تعزيز وصول الروائح إلى المستقبلات الشمية، إضافة إلى أنها قد تقوم بإزالة جزيئات الرائحة من ناحية المستقبلات بعد حدوث التنبيغ transduction الشمي.

إن المبادئ الأساسية التي تمكّن الجهاز الشمي للإنسان من تعرف ما يزيد على عشرة آلاف رائحة لم تكن مفهومة حتى وقت قريب، إلى أن تمكن الباحثان Richard Axel & Linda Buck من حل هذه المشكلة، وأوضحا بعدد من الدراسات الرائدة كيف يعمل جهاز الشم، فاكتشفا عائلة كبيرة من الجينات تتألف من نحو ألف جين مختلف (ما يعادل 3% من مجموع جينات الإنسان) يعبّر عنها في الخلايا المستقبلة الشمية بعدد مكافئ من أنماط المستقبلات الشمية، إضافة إلى أن كل خلية مستقبلة شمية تمتلك نمطاً واحداً فقط من المستقبلات الشمية (التي هي سلسلة حموض أمينية مقترنة ببروتين الغوانين Golf تستقر في غشاء الخلية المستقبلة وتجتازه جيئة وذهاباً سبع مرات)، وتستطيع كل مستقبلة كشف عدد محدود من الروائح.

وبيَّن الباحثان Axel & Buck أن الخلايا المستقبلة التي تحمل نمط المستقبلة نفسه تتناثر ضمن شرائط محددة من الظهارة الشمية، وترسل استطالاتها العصبية (محاويرها) إلى البصلة الشمية حيث تنتهي ضمن الكبيبة ذاتها؛ وبالتالي يمكن أن تعد الكبيبات وحدات وظيفية، وأنَّ نمط الكبيبات أو المستقبلات المنشَّطة يفيد كراموز code لنوعية الرائحة المستقبَلة.

اضطرابات الشم:

تصنيف الاضطرابات الشمية:

يمكن تقسيم خلل الوظيفة الشمية على النحو التالي:

- فقد الشم (الخُشام) anosmia: هو فقد المقدرة على كشف الروائح على نحو تام؛ أي فقد حاسة الشم التام.

- فقد الشم الجزئي :partial anosmia هو فقد المقدرة على كشف بعض الروائح، وليس كلها.

- نقص الشم  :hyposmia وهو تناقص المقدرة على كشف الروائح.

- فرط حس الشم  :hyperosmia هو يشير إلى وظيفة شمية حادة على نحو غير اعتيادي.

- خلل الشم  :dysosmia وهو يشير إلى أي انحراف في إدراك الروائح؛ ويشمل:

* خطل الشم  :parosmia هو انحراف في إدراك المنبهات الشمية.

* الشم الاستيهامي  :phantosmia هو إحساس شمي مختل يدرك في ظل غياب المنبه الشمي (أي أهلاس شمية).

وغالباً ما تكون الرائحة المدركة في الاضطرابين السابقين رائحة كريهة.

- العمه الشمي  :olfactory agnosia هو عدم المقدرة على تعرف الرائحة المحسوسة مع أن معالجة المعلومات الشمية، اللغة، والوظائف الذهنية العامة تكون جميعها سليمة.

وقد يكون خلل الوظيفة الشمية أحادي الجانب أو ثنائي الجانب، ولكن الغالبية العظمى من الحالات تكون ثنائية الجانب.

سببيات اضطرابات الشم:

تنجم الاضطرابات الشمية إما عن حالات تحول دون وصول الروائح المنبهة إلى الظهارة العصبية الشمية وتدعى عندها اضطرابات الشم التوصيلية أو النقلية؛ وإما عن تأذي الظهارة العصبية الشمية، العصب الشمي، أو السبل العصبية المركزية وتدعى عندها اضطرابات الشم الحسية العصبية

لاضطرابات الشم أسباب عديدة؛ ولكن تُعزى معظم الحالات إلى الأسباب الثلاثة التالية: عدوى (أخماج) الطرق التنفسية العلوية، ورضح trauma الرأس، وأمراض الأنف والجيوب.

وتتضمن الأسباب الأخرى: أورام داخل الأنف (مثل: الورم الحليمي والورم المنقلب والورم الأرومي العصبي الحسي) وأورام داخل القحف (مثل: الأورام السحائية في التَّلَم الشمي، والأورام الدبقية في الفص الجبهي، وأورام النخامى) والأمراض العصبية (مثل: داء ألزهايمر، وداء باركنسون، والتصلب المتعدد، والفصام) والتعرض للسموم المنقولة بالهواء (مثل: دخان السجائر). وعلاجي المنشأ (مثل: رأب الأنف، ورأب الوتيرة، واستئصال القرينات، والمعالجة الإِشْعَاعِيَّة، والأدوية) والصَرْع، والاضطرابات النفسية، وفقد الشم الولادي، والعديد من الاضطرابات الصمَّاوية والاستقلابية.

أمراض الأنف والجيوب  :nasal and sinus diseases

هي المسبب الوحيد لاضطرابات الشم التوصيلية، وتعد السبب الأكثر شيوعاً لاضطرابات الشم؛ إذ تبلغ نسبتها 15-27% من المرضى المراجعين بشكوى شمية.

أخماج الطرق التنفسية العلوية

وهي مسؤولة عن 17-25% من الحالات، ويحدث الاضطراب الشمي بسبب الأذية الڤيروسية للظهارة العصبية الشمية أو السبل الشمية المركزية (حسي عصبي)؛ أو كليهما معاً.

يراوح عمر المرضى عادة بين 40-70 سنة، ومعظمهم من النساء (70-80%)، ويستعيد ثلث المرضى مقدرتهم الشمية سواء عولجوا أم لم يعالجوا، ويتحسن الشم تحسناً جزئياً في ثلث المرضى.

رضح الرأس  :head trauma

وهو مسؤول عن 11-19% من الاضطرابات الشمية، ويغلب أن يكون المرضى من الذكور بعمر 20-50 سنة.

وتشير الإحصاءات إلى أن 1-5% من المصابين برضوح الرأس يعانون اضطرابات شمية ناتجة عن انقطاع الخيوط الشمية بمستوى الصفيحة المصفوية، أو من تكدم البصلة الشمية، أو من أذية الفص الجبهي. ويستعيد 8-39% من المرضى مقدرتهم الشمية عفوياً في غضون ستة أشهر.

التقدم بالعمر (التشيخ):

تتضاءل المقدرة الشمية في العقدين السادس والسابع من الحياة كما يحدث في السمع والبصر؛ إذ يبدي نحو نصف الأشخاص الذين تراوح أعمارهم بين 65-80 سنة انحداراً مهماً في المقدرة الشمية، وترتفع هذه النسبة بعد الخامسة والثمانين من العمر لتصبح 75%.

وقد بيَّنت الدراسات حدوث انحدار خطي في عدد الخلايا المترالية - التي يبلغ عددها في الإنسان بعمر 25 عاماً نحو خمسين ألفاً- بمعدل 1% سنوياً يوازيه تناقص عدد الكبيبات، إضافة إلى أن جزر الظِهارة التنفسية التي تبدأ بالظهور ضمن الظِهارة العصبية الشمية يزداد عددها مع التقدم بالسن؛ مما يؤدي إلى حدوث تناقص مقابل في عدد الخلايا المستقبلة الشمية.

الأمراض العصبية التنكسية neurodegenerative diseases والأمراض العصبية الأخرى: 

يرافق اضطراب الشم عدداً من الأمراض العصبية تتضمن: داء ألزهايمر، داء باركنسون، داء هنتغتون، متلازمة كورساكوف، داء بيك، التصلب الجانبي الضموري، الفصام، التصلب المتعدد، وقد يكون خلل الوظيفة الشمية العلامة السريرية الأولى لكل من داء باركنسون وداء ألزهايمر.

ما يزال السبب الأساسي لنقص الشم في داء ألزهايمر غير واضح حتى الآن؛ مع أنّ داء ألزهايمر يترافق وفقدان العصبونات في كلٍّ من: النواة الشمية الأمامية، والبصلة الشمية، والطبقة الثانية من القشرة الشمية الداخلية، إضافة إلى أنه تُصادف أعداد متفاوتة من الحبائك tangles واللويحات اللُيَيْفيَّة العصبية في النواحي الحوفية من الدماغ التي تتلقى ارتساماً من البصلة الشمية.

ينقص الشم في داء باركنسون في الجانبين في مرحلة باكرة من سير المرض، وتواتر حدوثه أعلى من بعض العلامات الرئيسية لهذا الداء (مثل: الرعاش)، وهولا يرتبط باستخدام الأدوية مضادة الباركنسونية أو مدة المرض أو شدة الأعراض والعلامات. ولما كان اضطراب الشم غائباً أو نادراً في عدد من الأمراض العصبية الأخرى التي تشبه أعراضها الحركية ما يشاهد في داء باركنسون (مثل: الرعاش مجهول السبب، الشَّـلل فوق النّوى المترقِّي؛، فإن اختبارات الشم تساعد على  التشخيص التفريقي.

تقييم المريض بشكوى شمية:

هناك أربعة عناصر رئيسة يشملها تقييم المريض بشكوى شمية، وهي:

القصة المرضية، والفحص السريري، والتصوير الشعاعي الطبي، واختبارات الوظيفة الشمية.

القصة المرضية:

تعد القصة المرضية المفصّلة الخطوة الأولى في تقييم المريض؛ إذ يجب السؤال عن قصة سابقة لعدوى (الخمج) طرق تنفسية علوية، أو شكوى مرضية في الأنف والجيوب، أو رضح رأس، أو عمل جراحي على الأنف أو الجيوب، أو تعرض لأبخرة أو مواد سامة، أو علاج إشعاعي، أو تناول أدوية محددة، أو مُشكلات طبية أخرى. كما يجب السؤال عن الوظيفة الشمية وهل هي مفقودة على نحو كامل أو محدود؟ وهل هي لجميع الروائح أو لعدد محدود منها فقط؟ وكذلك السؤال عن حدوث الشكوى الشمية على نحو مفاجئ أو متدرج، وهل هي مستمرة أو متموجة؟ إذ غالباً ما يشير التدرج في حدوث الشكوى الشمية وتموجها إلى سبب توصيلي كأمراض الأنف والجيوب؛ في حين تشير الشكوى المفاجئة والمستمرة إلى أذية عصبية.

الفحص السريري: الفحص الشامل للأذن والأنف والحنجرة أمر أساسي، ويجب التركيز على تنظير الأنف الأمامي وتنظير داخل الأنف من أجل تكوين فكرة عن حالة الغشاء المخاطي للأنف من: توذم وشحوب والتهاب وحؤول أو ضمور في المخاطية، ويجب كذلك تقصي وجود سليلات أو كتل أو التصاقات بين المحارات الأنفية turbinates والوتيرة أو وجود انحراف شديد في الوتيرة، فإن كان فحص الأنف سليماً ولا توجد قصة سابقة لعدوى ڤيروسية أو رضح رأس، أو تعرض لأبخرة سامة وجب إجراء فحص عصبي كامل؛ إذ إن الاضطراب الشمي قد يكون العلامة الباكرة لعدد من الاضطرابات العصبية مثل داء ألزهايمر وداء باركنسون، في حين أن الموجودات الدالة على إصابة عصبية بؤرية قد تنبه لوجود ورم عصبي مركزي.

التصوير التشخيصي الطبي:

قد يكون التصوير التشخيصي الطبي عنصراً أساسياً في فهم سبب العديد من حالات اضطراب الشم، ويعد التصوير المقطعي المحوسب CT scan التقنية الأكثر نفعاً والأقل كلفة من أجل تقييم الأمراض الالتهابية في الأنف والجيوب، في حين أن التصوير بالرنين المغنطيسي MRI هو الطريقة المثلى لتقييم النسج الرخوة (مثل: البصلتين الشميتين، والسبل الشمية المركزية، وأنسجة الدماغ).

اختبارات الوظيفة الشمية:

قد لا يكون العديد من المرضى دقيقين في وصف شكواهم الشمية، فيبالغ بعضهم في وصف المشكلة الموجودة لديه؛ في حين لا يدرك آخرون النقص الموجود لديهم، على سبيل المثال إن نحو 90% من المصابين بداء باركنسون مصابون بنقص يمكن إثباته في الوظيفة الشمية، ومع ذلك فإن أقل من 15% منهم يشعرون بمشكلتهم الشمية؛ في حين لا يدرك الباقون ذلك إلا حين خضوعهم للاختبارات الشمية، لذلك كان من الضروري إجراء اختبارات الوظيفة الشمية في العيادات التخصصية من أجل:

1- التحقق من صدق شكوى المريض.

2- التوصيف الدقيق لطبيعة المشكلة ودرجتها.

3- رصد التغيرات في الوظيفة الشمية على مَرِّ الزمن على نحو دقيق (بما في ذلك التغيرات الناجمة عن التداخلات العلاجية الجراحية منها والدوائية).

4- كشف المتمارضين.

5- تقدير التعويض المناسب للعجز الحاصل في الوظيفة الشمية للمريض.

6- الاستفادة من دورها المساعد في وضع التشخيص التفريقي لبعض الأمراض العصبية.

وقد استخدمت طريقة سريرية شائعة من أجل تقييم الوظيفة الشمية، وهي سؤال المريض أن يتنشق من قارورة صغيرة تحوي مواد خام ذات رائحة (مثل: القرفة أو النعناع أو التبغ) ثم يخبر ما إذا أدرك وجود رائحة أم لا، ولكن لسوء الحظ إن هذه الطريقة غير عملية؛ إذ إنها تماثل فحص السمع بنفخ بوق في أذن المريض وسؤاله ما إذا سمع صوتاً أم لا، كما أن سؤال المريض تحديد هوية الرائحة المقدمة لا يصحح تلك الحالة؛ لأنه حتى الأشخاص الطبيعيون يواجهون صعوبة في تعرف الروائح من دون تلميح أو إعطاء خيارات. وقد بذلت جهود كبيرة خلال العقدين السابقين من أجل تطوير اختبارات للوظيفة الشمية، مما أدى إلى ابتكار عدد ضخم من الاختبارات - والعديد منها غير موثوق أو يستدعي إجراؤه وقتاً طويلاً ويحتاج إلى أجهزة ومعدات معقدة بدرجة لا يمكن معها استخدامه في الممارسة السريرية العملية - وهي تتضمن:

1- القياسات الفيزيولوجية النفسية: تجرى في أثناء تنشق الرائحة أو بعدها مثل: قياس ضغط الدم، ومعدل ضربات القلب.

2- القياسات الفيزيائية النفسية: هي الأوسع استخداماً والأكثر قابلية للتطبيق السريري، وأهمها: اختبارات العتبة واختبارات فوق العتبة.

3- القياسات الفيزيولوجية الكهربائية: مثل تخطيط الشم الكهربائي وتسجيل الكمونات المثارة بالأحداث الشمية، وهي ما تزال في معظمها تجريبية وتتطلب تقنيات معقدة ومعدات كبيرة؛ مما أبقاها مقتصرة على المراكز البحثية المتقدمة.

اختبارات العتبة  :threshold tests

يعتمد الاختبار الأكثر شيوعاً على تحديد أقل تركيز من الرائحة المنبهة يتمكن عنده الشخص المختبر من كشف وجوده، ويدعى عتبة الكشف detection threshold.

وهناك اختبار آخر لكنه لم يرج سريرياً يعتمد على تحديد أقل تركيز من الرائحة المنبهة، يتمكن عنده الشخص المختبر من تعرف الرائحة المنبهة، ويدعى عتبة التعرف recognition threshold.

وحين يُذكر مصطلح العتبة الشمية olfactory threshold فإن ذلك يعني عتبة الكشف.

هنالك نموذجان من إجراءات قياس العتبة يستخدمان سريرياً على نحو واسع، وهما:

أ- إجراء الطريقة الصاعدة للحدود ascending method of limits procedure:

تقدم الرائحة على نحو تتابعي من التراكيز المنخفضة إلى المرتفعة، وتحدد نقطة التحول بين عدم كشف وجود الرائحة وكشف وجودها.

ب- إجراء الدرج المفرد  :single staircase procedure

يزاد تركيز الرائحة المنبهة بمقدار لوغاريتم واحد بعد كل محاولة يفشل فيها الشخص المختبر في كشف وجود الرائحة، وينقص بمقدار نصف لوغاريتم بعد كل محاولة يتم فيها كشف وجود الرائحة، ويكون المتوسط الهندسي للنقاط العكسية الأربع أو السبع الأخيرة هو مقدار العتبة.

تقدم الرائحة المنبهة في كلا الإجراءين بدءاً من التركيز الأقل باتجاه التركيز الأعلى بهدف تجنب التلاؤم الذي يحدث إذا تمَّ استخدام التراكيز الأعلى في البدايةً.

اختبارات فوق العتبة  :suprathreshold tests

تمتاز اختبارات فوق العتبة من اختبارات العتبة بأنها غالباً ما تكون موجزة وسهلة التطبيق؛ عدا أنها أقل عرضة لتلوث المنبه الذي قد يحدث عند التراكيز المنخفضة للرائحة.

   من بين اختبارات فوق العتبة يعد اختبار تعرف الروائح odor identification test الإجراء الأكثر شعبية واستخداماً في تقييم الوظيفة الشمية، ويتطلب هذا الاختبار من الشخص المختبر أن يتعرف هوية الروائح المقدمة، ويرتكز على الافتراض بأن الشخص الذي يدرك الروائح المقدمة بمستوى فوق العتبة على أنها ضعيفة سيجد صعوبة في تعرف تلك الروائح وبالنتيجة سيتعرف عدداً أقل من الروائح.

هنالك نمطان رئيسان لهذا الاختبار الأكثر استعمالاً، هما:

1- اختبار تسمية الروائح odor naming test: يتطلب من الشخص المختبر أن يذكر اسم الرائحة المقدمة، وهذا الاختبار محدود الفائدة؛ إذ يواجه الأفراد الأسوياء من الناحية الشمية صعوبة في تسمية الروائح من دون تلميح أو إعطاء خيارات حتى لو كانت تلك الروائح مألوفة، وتدعى تلك الظاهرة ظاهرة ذروة الأنف tip of the nose phenomenon؛ إذ يتعرف الشخص الرائحة على أنها مألوفة وتعود إلى تصنيف عام لكنه غير قادر على تذكر اسمها بالذات، وقد يفشل في تسمية50% من الروائح المقدمة.

2- اختبار التعرف بنعم أو لا yes / no identification test: ويطلب من الشخص المختبر أن يخبر فيما إذا كانت الرائحة المقدمة تشبه رائحة يسميها الفاحص أم لا، وتجرى عادة محاولتان لكل رائحة من روائح الاختبار يعطى الاسم الصحيح للرائحة في إحدى المحاولتين واسم خاطئ في المحاولة الأخرى (مثال: تقدم رائحة الورد ويسأل الشخص المختبر في إحدى المحاولتين هل تشبه هذه الرائحة رائحة الورد، وفي محاولة أخرى تقدم الرائحة نفسها ويسأل هل تشبه هذه الرائحة رائحة النعناع، والمطلوب منه فقط أن يجيب بنعم أو لا). هذا الاختبار أقل مصداقية من الاختبار ذي الأربعة خيارات.

 

   

 


التصنيف : أذن أنف حنجرة
النوع : أذن أنف حنجرة
المجلد: المجلد الحادي عشر
رقم الصفحة ضمن المجلد : 461
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 459
الكل : 31650472
اليوم : 5054