logo

logo

logo

logo

logo

الاضطرابات المعرفية

اضطرابات معرفيه

cognitive disorders - troubles cognitifs



الاضطرابات المعرفية

 

نهلة الحاج حسن

الخَرَف
الهذيان
اضطرابات النساوة
الطب النفسي لرضوح الرأس
طب نفس الشيخوخة
   

تُعدّ الاضطرابات المعرفية صلة الوصل بين الطب النفسي وطب الجهاز العصبي وتأثيرات الأدوية، ويتطلب تشخيصها وعلاجها إجراء فحص طبي نفسي دقيق يشمل أخذ قصة مرضية مفصلة وفحص الحالة العقلية. تتظاهر الاضطرابات المعرفية بأعراض سلوكية وبخلل في واحدة أو أكثر من الوظائف المعرفية التي تتضمن كلاً من الذاكرة واللغة والتوجه والمحاكمة والعلاقات الاجتماعية وتنفيذ الأفعال وحل المشكلات.

صنفت هذه الاضطرابات قبل نحو قرن من الزمن تحت عنوان الاضطرابات النفسية العضوية أو الاضطرابات الدماغية العضوية؛ لأنها تنجم عن حالات مرضية يمكن كشفها مثل أورام الدماغ أو التسمم أو غيرها، في حين أطلق على الاضطرابات الدماغية التي لم يتوافر لها تفسير عضوي في الماضي كالاكتئاب اسم الاضطرابات الوظيفية، وقد عُدل عن هذه التصنيفات القديمة بعدما بينت الدراسات أن لكل اضطراب نفسي مركّباً عضوياً، وأن استخدام مصطلح (وظيفي) بمعنى (غير عضوي) قد يكون مضللاً، وأنه لا بد دائماً من تأكيد أثر خلل الوظائف الدماغية، والبنى الجسدية التي تشكل مراكز العواطف والعمليات العقلية، في حدوث الاضطرابات النفسية.

التصنيف:

لكل من الاضطرابات المعرفية الأساسية الثلاثة (الخرف والهذيان والنساوة) تصنيفات فرعية تعتمد على السببيات المرضية، وسيُناقش كل منها حين الحديث عن الاضطراب بعينه.

التقييم السريري:

يسعى الطبيب حين الاستماع إلى القصة المرضية إلى الحصول على صورة واضحة عن تطور المرض؛ إذ يجب تقصي الاضطرابات المعرفية الخفية وتقلب الأعراض وسير المرض، وينبغي على الطبيب استخراج تصور كامل لتبدلات البرنامج اليومي للمريض كاهتمامه بنظافته وبعمله وبهواياته ومقدرته على القيام بالمهام اليومية كالتسوق وتحضير الطعام وغيرها، ومن المهم أيضاً أن يركز الطبيب على الشكوى الرئيسة وفق ما يراه المريض أو المريضة لربطها بالوضع الطبي الذي أدى إلى ظهورها.

فحص الحالة العقلية:

بعد أخذ قصة مرضية كاملة؛ تُقيّم الحالة العقلية بهدف فحص أداء المريض وقدراته وتحديد مواطن الضعف والقوة عنده، وكذلك تأسيس قاعدة للمقارنات المستقبلية الأساسية لتوثيق فعالية المعالجة وللسماح بمقارنة مرضى مختلفين. ويجب على الطبيب حين اختبار الأداء المعرفي أن يُقيِّم الذاكرة والقدرات البصرية الفراغية وقدرات القراءة والكتابة والرياضيات والمقدرة على التجريد.

تخطيط الدماغ الكهربائي:

تخطيط الدماغ الكهربائي اختبار سهل وغير غازٍ لتقييم فعالية الدماغ وله حساسية عالية لكثير من الاضطرابات؛ لكن نوعيته منخفضة نسبياً. وإضافةً إلى استخدامه الفعال في الصرع؛ فإن له أهمية كبيرة في كشف تغيرات النظم الكهربائي المرافقة للهذيان الخفيف والآفات الدماغية الشاغلة لحيز، والنوب الجزئية المعقدة المستمرة، كما أنه حساس للحالات السمية والاستقلابية.

التصوير بالرنين المغنطيسي والتصوير المقطعي المحوسب:

أثبت كل من التصوير المقطعي المحوسب والتصوير بالرنين المغنطيسي أنهما يشكلان أدوات استقصاء مفيدة في الأمراض النفسية العصبية؛ إذ تسمح أجهزة الرنين الحديثة بإجراء قياسات مباشرة للبنى الدماغية كالحصين واللوزة وغيرها، وقد حل الرنين محل التصوير المقطعي المحوسب على نحو كبير عند الاستقصاء العصبي النفسي بوصفه طريقة أكثر فائدة وأفضل مردوداً.

أولاً- الخَرَف:

يُعَرَّفُ الخرف بأنه اختلال مُتَقَدِّم في الأداءِ المعرفيّ لا يرافقه اضطراب الوعي؛ إذ يبقى المريض واعياً، ولكن يظهر عليه عدد من الأعراض التي تشير إلى خلل في الأداء مزمن ومنتشر. ويُعدّ الخللُ العامُّ في الذكاء الملمحَ الأساسي، ويتظاهر بصعوبات في الذاكرة والانتباه والتفكير والإدراك، وغالباً ما يتأثر أيضاً المزاج والشخصية والمحاكمة والسلوك الاجتماعي. ومع وجود معايير تشخيصية نوعية لأنماط خرف متعددة، كداء ألزهايمر والخرف وعائي المنشأ؛ فإنَّ كلَّ أنماط الخرف تشترك بعوامل شائعة محددة تؤدي إلى تراجع مميزٍ في الأداءِ الاجتماعي أو الوظيفي إضافةً إلى تراجع ملحوظ عن مستوى سابق للأداء، وتشكل هذه العوامل المشتركة متلازمةً يُعدُّ تَعرُّفها سريرياً أمراً حاسماً في تشخيص الخرف، وقد تكون هذه المتلازمة مترقية أو ثابتة، دائمة أو عكوسة. ومع أن تحديد سبب محدد قد يكون مستحيلاً؛ فإنه يجب دائماً عدم الاكتفاء بتشخيص الخرف بصفته متلازمة، بل افتراض وجود سببٍ كامنٍ للمرض وتقصيه؛ إذ يعاني قُرابة 15% من المصابين بالخرف حالات عكوسة إذا طُبِّقت المعالجة قبل حدوث أضرار دائمة، وتعود عكوسية بعض حالات الخرف إلى السببيات المرضية الكامنة وإلى توافر العلاج الفعال وتطبيقه في الوقت المناسب.

الوبائيات:

يتزايد معدلُ انتشار الخرف مع التقدم بالعمر؛ إذ يبلغ معدل انتشاره نحو 5% تقريباً في الأعمار التي تزيد على 65 سنة و20-40% في الأعمار فوق 85 سنة، ويبلغ انتشار الخرف نحو 15-20% في العيادات الخارجية العامة للمسنين و50% في دور رعاية المسنين. والخرف من نمط ألزهايمر هو النمط الأكثر شيوعاً؛ إذ يشكل 50-60% من مجمل الحالات، ويزداد انتشاره مع تقدم العمر، فيبلغ 6% من الرجال بعمر 65 و8% من النساء بالعمر نفسه، ويصل معدل انتشار الخرف من نمط ألزهايمر إلى 21% في عمر 90 سنة، منها 40-60% حالات خفيفة، ويشغل مرضى ألزهايمر أكثر من 50% من أسرة دور الرعاية.

أما النمط التالي في الشيوع فهو الخرف وعائي المنشأ الذي يرتبط سببياً بالأمراض الدماغية الوعائية، ويبلغ 15-30% من كل حالات الخرف. ويكثر حدوث هذا النوع في الأشخاص بأعمار 60-70 سنة، وهو يصيب الرجال أكثر من النساء، ويعاني قرابة 10-15% من المرضى ترافق الخرف الوعائي والخرف من نمط ألزهايمر في الوقت نفسه.

وتتضمن الأسباب الشائعة الأخرى للخرف - والتي يشكل كل منها 1-5% من الحالات - رض الرأس، والخرف المرتبط بتعاطي الكحول، وأنماط خرف متنوعة مرتبطة باضطرابات الحركة كداء هنتنغتون وداء باركنسون.

السببيات المرضية:

تتضمن الأسباب الأكثر شيوعاً للإصابة بالخرف عند الأفراد بعمر أكبر من 65 سنة:

1-داء ألزهايمر.

2-الخرف الوعائي.

3-ترافق خرف ألزهايمر والخرف الوعائي.

أما الأمراض الأخرى التي تؤلف نحو 10% من الأسباب؛ فتتضمن خرف أجسام ليوي Lewy body dementia  وداء بيك Pick’s disease وخرف الفص الجبهي ومَوَه الرأس طبيعي الضغط normal pressure hydrocephalus والخرف الكحولي والخرف المرافق لداء باركنسون والخرف في سياق الأمراض المعدية مثل الزهري وعوز المناعة البشري. وينجم العديد من أنماط الخرف المشخص سريرياً عن أسباب عكوسة مثل الاضطرابات الاستقلابية (مثل قصور الدرقية)، والعوز الغذائي (مثل عوز ڤيتامين ب 12 أو عوز الفولات)، ومتلازمة الخرف الكاذب الناجمة عن الاكتئاب.

 

1- الخرف التنكسي

- داء الزهايمر.

- الخرف الصدغي الجبهي(داء بيك).

- داء باركنسون.

- خرف جسم ليوي.

2- منوعات

- داء هنتنغتون.

- داء ويلسون.

- حثل الكريات البيض متعدد الصباغ.

3- أسباب نفسية

- الخرف الكاذب في الاكتئاب.

- التراجع المعرفي في الفصام.

4- أسباب دماغية

- استسقاء الدماغ طبيعي الضغط.

- أورام الدماغ الأولية والانتقالية.

5- أسباب استقلابية

- عوز الفيتامين ب12.

- أمراض الغدد الصم.

- الاضطرابات الاستقلابية المزمنة.

6- الرضوح

- الخرف بعد الرض.

- الورم الدموي تحت الجافية.

7- أمراض معدية

- أمراض البريون prion، مثل داء كروتزفيلد جاكوب.

- متلازمة عوز المناعة المكتسب.

- الزهري.

8- أسباب قلبية وعائية

- احتشاء الدماغ.

- داء بينسفانغر (اعتلال الدماغ بالتصلب الشرياني تحت القشر).

- قصور الديناميكيات الدموية (فرط التهوية أو نقص الأكسجة).

9- أمراض نزع الميلانين demyelination

التصلب المتعدد.

10- الأدوية والسموم

- الكحول.

- المعادن الثقيلة.

- الإشعاع.

- الخرف الكاذب الناتج عن الأدوية (مثل مضادات الكولين).

- أول أكسيد الكربون.

الجدول (1) الأسباب المرضية المحتملة للخرف

 

وفيما يلي تفصيل أكثر هذه الأشكال أهمية:

1-الخرف من نمط ألزهايمر :dementia of the Alzheimer’s type وصف لويس ألزهايمر عام 1907 حالة مرضية أخذت اسمه لاحقاً؛ وهي حالة امرأة عمرها 51 سنة مصابة بخرف مترقٍّ منذ أربع سنوات ونصف، يتطلب تأكيد تشخيص داء ألزهايمر فحصاً تشريحياً مرضياً للدماغ، ولكن من المعتاد تشخيص الخرف من نمط ألزهايمر اعتماداً على الموجودات السريرية بعد استبعاد الأسباب الأخرى للخرف.

العوامل الجينية: مع أن سبب خرف ألزهايمر لا يزال مجهولاً؛ فقد حدث تطور في فهم الأساس الجزيئي لحدوث الترسبات النشوانية التي تشكل معلماً رئيساً في السببيات المرضية العصبية للاضطراب. كما يفترض أن العوامل الوراثية تؤثر في تطور الاضطراب في بعض الحالات على الأقل؛ إذ توجد قصة عائلية لخرف ألزهايمر في 40% من المرضى بحسب بعض الدراسات، ويدعم التأثير الجيني أيضاً أن توافق معدلات الإصابة لدى التوائم وحيدة البيضة أعلى منها عند التوائم ثنائية البيضة (43% مقابل 8%). وتبين دراسات جيدة النوعية إمكان انتقال المرض في بعض العائلات بوساطة جين جسدي سائد مع أن هذا الانتقال نادر عادة، ويبدو أن للخرف من نمط ألزهايمر صلة بالصبغيات 1 و4 و21.

الإمراضية العصبية: ظهر في الدراسات بعد الموت أن دماغ المصابين بداء ألزهايمر أخف مما في غير المصابين، ويبين الفحص المجهري الآفات الأكثر بروزاً التي وصفها ألزهايمر، وهي اللُّوَيْحات plaques خارج الخلوية والتَّشابُكات اللُّيَيْفِيّة العَصَبِيّة neurofibrillary tangles داخل الخلوية. ولم يتحدد حتى الآن أي من هذه الآفات هو المسؤول عن الخلل المعرفي.

تتضمن اللويحات مركزاً نشوانياً محاطاً بحثل dystrophy مملوء ببروتينات تاو Tau proteins مُخَرَّبَة بفرط الفَسْفَرَة  .hyperphosphorylation أما التَّشابُكات اللُّيَيفِيّة العَصَبِيّة فتتركب من خيوط حلزونية مزدوجة وخيوط مستقيمة وبنى مماثلة للبنى الموجودة في المادة الحثلية حول اللويحات.

الفرضية الكولينية: تم تحديد توضع التغيرات المرضية في داء ألزهايمر على كلا المستويين البنيوي والوظيفي. تحدث اللويحات والتَّشابُكات أولاً في الحصين hippocampus  قبل أن تنتشر إلى المناطق الأخرى. وتكون بعض أجزاء الدماغ مصونة نسبياً؛ إذ لا يصاب الفص القذالي حتى مراحل متأخرة من المرض. ويبدو أن المخيخ لا يصاب بالآفات العصبية. وأظهرت الدراسات براهين قوية على فقد نوعي للعصبونات الكولينية في النواة القاعدية لمينرت  basal nucleus of Meynert؛ مما قاد إلى الفرضية الكولينية القائلة بأن الخلل المعرفي في داء ألزهايمر يرجع إلى تأثر العصبونات الكولينية. وكانت هذه الفرضية هي التي قادت إلى تطوير الطرق الدوائية لتصحيح الفقد الكوليني؛ مما أدى بالتالي إلى تقديم المركّبات الأولى المصممة لداء ألزهايمر خصوصاً.

طليعة البروتين النشواني :amyloid precursor protein يتوضع جين طليعة البروتين النشواني على الذراع الطويلة للصبغي 21، ويؤدي تحطم طليعة البروتين النشواني إلى تشكل البروتين A4 وهو المكون الأساسي للويحات الشيخية. وما زالت البحوث لدراسة استقلاب هذا البروتين في الأصحاء وفي المصابين بداء ألزهايمر مستمرةً للإجابة عن هذا السؤال.

الجيناتE4   المتعددة: يصاب الناس الذين يمتلكون نسخة واحدة من الجين E4 بداء ألزهايمر أكثر بثلاث مرات ممن لا يوجد لديهم هذا الجين، ويصاب من توجد عنده نسختان من هذا الجين أكثر بثماني مرات. ولا ينصح مع ذلك حالياً تحري هذا الجين؛ لأنه قد يوجد عند أشخاص غير مصابين بالخرف كما لا يوجد عند كل الأشخاص المصابين.

النواقل العصبية: يُعدّ كل من الأستيل كولين والنورأدرينالين الناقلين العصبيين الأكثر تداخلاً في سببيات داء ألزهايمر؛ إذ يفترض انخفاض فعاليتهما في المصابين، وبدت في دراسات عديدة نتائج تتفق مع نظرية حدوث تنكس نوعي في العصبونات الكولينية في النواة القاعدية لمينرت في الأشخاص المصابين بداء ألزهايمر، وهناك دراسات أخرى تظهر نقصاً في تركيز الأستيل كولين والكولين أستيل ترانسفيراز في الدماغ؛ مما يدعم النقص الكوليني في داء ألزهايمر. فالكولين أستيل ترانسفيراز هو الإنزيم الأساسي في تصنيع الأستيل كولين، ويوحي نقصُ هذا الإنزيم نقصَ عدد العصبونات الكولينية الموجودة في الدماغ. أما خلل النورأدرينالين فقد استُنتج من ملاحظة تناقص العصبونات المحتوية على النورأدرينالين في بعض الدراسات على أدمغة الأشخاص المصابين بداء ألزهايمر. ومن النواقل الأخرى التي قد تسهم في حدوث هذا المرض الكورتيكوتروبين والسوماتوستاتين؛ إذ لوحظ نقص هذين الناقلين العصبيين في أشخاص مصابين بداء ألزهايمر.

أسباب أخرى: من النظريات الأخرى التي وضعت لتفسير مرض ألزهايمر نظرية خلل تنظيم عملية التمثيل الغذائي للفوسفولبيد الموجود في أغشية العصبونات؛ مما يؤدي إلى أغشية أكثر صلابة من الحالة الطبيعية. كما قيل بسمية الألمنيوم عاملاً مسبباً للمرض، فقد وجدت مستويات عالية من الألمنيوم في أدمغة بعض المرضى الذين يعانون مرض ألزهايمر، ولكن هذا لا يُعدّ عاملاً مسبباً نوعياً.

1- تدهور معرفي يتظاهر بكل من:

أ- خلل الذاكرة (خلل القدرة على تعلم معلومات جديدة أو تذكر ما تم تعلمه سابقاً).

ب- واحد أو أكثر من الاضطرابات المعرفية التالية:

·                    حبسة كلامية aphasia

·                    لا أدائية (أو تعذر الأداء) apraxia

·                    عسر البلع

·                    اضطراب الأداء التنفيذي

2- يسبب هذا التدهور خللاً نوعياً في الأداء المهني أو الاجتماعي وتراجعاً نوعياً عن مستوى أداء سابق.

3- يتميز السير ببدء تدريجي وبتدهور معرفي مستمر.

4- لا يمكن عزو هذا التدهور إلى أي مما يلي:

أ- حالات عصبية مركزية أخرى تسبب تراجعاً مترقياً في الذاكرة  والمعرفة، مثل أمراض الأوعية الدماغية أو داء باركنسون أو داء هنتنغتون أو استسقاء الدماغ طبيعي الضغط أو أورام الدماغ أو الورم الدموي تحت الأم الجافية.

ب- حالات جهازية معروف أنها تسبب الخرف، مثل قصور الدرقية، أو عوز فيتامين ب 12 أو حمض الفوليك أو النياسين، أو فرط الكالسيوم أو الزهري العصبي أو عدوى فيروس عوز المناعة البشري.

ج- الحالات الناجمة عن تعاطي المواد الفعالة نفسياً.

5-  لا يحدث الخلل حصريا خلال سير الهذيان.

6- لا يمكن تفسير الاضطراب بشكل أفضل باضطراب آخر، مثل الاكتئاب أو الفصام.

(جدول رقم 2) المعايير التشخيصية للخرف من نمط الزهايمر حسب DSM-IV-TR

 

2-الخرف الوعائي  :vascular dementiaيُعدّ اعتلال الأوعية السبب الثاني للخرف من حيث الانتشار. ولما كانت المسببات الوعائية للاختلالات المعرفية شائعة وقابلة للوقاية والاستجابة للعلاج؛ فإن للتشخيص الباكر أهمية في هذا المرض. والخرف الوعائي ليس مرضاً، بل هو متلازمة، ويعتقد أن السبب الأساسي فيها اعتلال الأوعية في مناطق متعددة من الدماغ وإصابتها باحتشاءات. وغالباً ما يشيع حدوث الخرف الوعائي في الرجال؛ ولاسيما الذين يعانون وجود عوامل خطورة قلبية وعائية أخرى، ويؤثر الاضطراب أولاً في الأوعية المخية الصغيرة والمتوسطة مسبباً احتشاءات بؤرية متنية (برانشيمية) عديدة تنتشر في مناطق واسعة من الدماغ، وقد تنجم هذه الاحتشاءات عن سد الأوعية بوساطة لويحات تصلبية أو صمات من مناطق بعيدة مثل الدسامات القلبية.

أما الملامح السريرية للخرف الوعائي فتشمل المتلازمة المعرفية والموجودات العصبية؛ تتميز المتلازمة المعرفية بقصور الذاكرة ومتلازمة عسر التنفيذ وبطء معالجة المعلومات وتغيرات في المزاج والشخصية. يكون قصور الذاكرة هنا أخف منه في داء ألزهايمر، أما متلازمة عسر التنفيذ فتنطوي على خلل في رسم الهدف والمبادرة والتخطيط والتنظيم والتتالي والتنفيذ إضافة إلى التجريد. في حين تبقى الشخصية والبصيرة محفوظتين في الحالات الخفيفة والمتوسطة من الخرف الوعائي.

أما الموجودات العصبية فهي آفات بؤرية في الدماغ تظهر باكراً خلال سير المرض، وتتضمن قصوراً حسياً أو حركياً وانخفاضاً في القدرة على التنسيق وعلامة بابنسكي وتضيق الساحة البصرية وعلامات بصلية وعلامات خارج هرمية مع مشية غير ثابتة وسقوط غير محرض.

ومدرسياً يتميز الخرف الوعائي بالبدء المفاجئ نسبياً (خلال أيام أو أسابيع) والتدهور التدريجي (تحسن بسيط بعد التراجع) والسير المتبدل (مختلف بتغير الأيام).

3-مرض بينزفانغر :Binswanger’s disease يعرف أيضاً باعتلال الدماغ تحت القشري بتصلب الشرايين  subcortical arteriosclerotic encephalopathy، ويتميز باحتشاءات صغيرة متعددة في المادة البيضاء تؤدي إلى تبدلات في المناطق القشرية، كان هذا الداء يُعدّ سابقاً حالة نادرة، ولكن تطور تقنيات تصوير الدماغ أظهرت أنه أكثر شيوعاً مما كان يعتقد سابقاً.

4-داء بيك :Pick’s disease يتميز داء بيك برجحان انتشار الضمور في المناطق الصدغية الجبهية، حيث تفقد من هذه المناطق العصبونات وخلايا الدبق العصبي، وتتشكل فيها كتل من هياكل الخلايا تدعى أجسام بيك العصبونية التي تشاهد في بعض العينات بعد الوفاة؛ ولكنها غير ضرورية للتشخيص. لا يعرف سبب داء بيك حتى الآن، وهو يشكل قرابة 5% من جميع أشكال الخرف غير العكوس، وهو أكثر شيوعاً في الرجال؛ ولاسيما في أقرباء المصابين به قرابة من الدرجة الأولى. وقد يصعب التمييز بين داء بيك والخرف من نمط ألزهايمر، ولكن المراحل الأولى لداء بيك تتميز بتغيرات في الشخصية والسلوك، مع احتفاظ نسبي بالوظائف المعرفية الأخرى، كما أنه يبدأ قبل بلوغ الخامسة والسبعين من العمر. أما الحالات العائلية فقد تحدث بعمر أقل، وأظهرت بعض الدراسات أن نحو نصف حالات داء بيك هي من النمط العائلي. وتشيع في داء بيك ملامح متلازمة كلوفر بوسي Klüver-Bucy syndrome (فرط النشاط الجنسي، وفرط فموية hyperorality، ولامبالاة) أكثر من شيوعها في داء ألزهايمر.

5-داء أجسام ليوي :Lewy Body disease يمتاز هذا المرض بوجود أجسام ليوي الاشتمالية في قشرة المخ، وهو خرف مشابه سريرياً لخرف ألزهايمر، وغالباً ما يتميز منه بوجود الهلوسة (تلاحظ الهلاوس البصرية المتكررة في نحو ثلثي المرضى) والعلامات خارج الهرمية التي تشاهد في أقل من نصف المرضى حين حضورهم للفحص، وقد لا توجد أبداً في ربع المرضى. كما تشيع أعراض الاكتئاب الذي يعانيه نحو 40% من المرضى، ومن الملاحظ أن المصابين بداء أجسام ليوي يبدون تأثيرات جانبية ملحوظة حين معالجتهم بالأدوية المضادة للذهان.

ومن المهم الإشارة إلى أن سير داء أجسام ليوي سريع نسبياً مقارنة بداء ألزهايمر؛ إذ يتطلب 1-5 سنوات لدخوله في المراحل النهائية للمرض التي يصبح فيها الخرف عميقاً، وترافقه باركنسونية شديدة.

6-داء هنتنغتون :Huntington’s disease يرافق داء هنتنغتون نموذجياً تطور الخرف، ويكون الخرف المشاهد في هذا المرض من نمط الخرف تحت القشري الذي يتميز من النمط القشري للخرف بزيادة حدوث الاضطرابات الحركية وبقلة حدوث الاضطرابات اللغوية، فيبدي المصاب بالخرف في داء هنتنغتون في المراحل المبكرة والمتوسطة من المرض أعراضاً من البطء الحركي النفسي وصعوبة في تنفيذ المهمات المعقدة، مع بقاء الذاكرة واللغة والبصيرة بقاءً نسبياً، ولكن يصبح الخرف كاملاً بتقدم الحالة مع المحافظة على الملامح التي تفرقه عن داء ألزهايمر؛ وهي ارتفاع حدوث الاكتئاب والذهان، إضافة إلى اضطراب الحركة الكنعي الرقصي choreoathetoid التقليدي.

7-داء باركنسون :Parkinson disease الباركنسونية هي مرض يصيب النوى القاعدية في الدماغ، مثلها في ذلك مثل داء هنتنغتون، ويشيع ترافقها والخرف والاكتئاب؛ إذ يعاني نحو 20-30% من المصابين بداء باركنسون الخرفَ، إضافة إلى أنه يمكن كشف خلل معرفي تحت سريري في 30-40% منهم. ويرافق البطءَ الحركي في داء باركنسون بطءُ التفكير عند بعض المرضى المصابين؛ وهو ما قد يشير إليه الأطباء بمصطلح تبلد الذهن .bradyphrenia

8-الخرف المرتبط بڤيروس عوز المناعة البشري :HIV-related dementia يرافق العدوى بڤيروس عوز المناعة خرف يسمى "مُرَكَّب الخرف المرتبط بالإيدز" أو "خرف ڤيروس عوز المناعة البشري"، ويحدث الخرف في المصابين بعوز المناعة بمعدل سنوي يقارب 14%، ويتوازى تطور الخرف في هؤلاء المرضى مع ظهور شذوذات بالتصوير بالرنين المغنطيسي. ويتم التشخيص بتأكيد الإصابة بڤيروس عوز المناعة مع استبعاد أي أسباب مرضية أخرى قد تفسر الخلل المعرفي، وتتطلب المعايير التشخيصية لهذا المُرَكَّب برهاناً مخبرياً على الإصابة الجهازية بالڤيروس، واختلالين على الأقل في المعرفة، ووجود شذوذات حركية أو تغيرات في الشخصية.

تتضمن الأعراض المعرفية الباكرة النسيان وفقدان التركيز والبطء العقلي والانخفاض في أداء المهمات المتسلسلة المعقدة. أما الأعراض السلوكية الأولية فتتضمن الفتور ونقص المبادرة والاستجابة العاطفية والانسحاب من المجتمع؛ إضافة إلى الأعراض الحركية الباكرة، وهي فقدان التوازن والتوافق وصعوبة المشي ونقص دقة حركات اليد.

غالباً ما تتطور الحالة سريعاً وصولاً إلى التدهور الشديد والموت؛ ولاسيما في المرضى المصابين باضطرابات جسدية عميقة.

9-الخرف المرتبط برضح الرأس :head trauma-related dementia قد يكون الخرف أحد عواقب رض الرأس؛ ولاسيما المتكرر؛ إذ تحدث متلازمة خرف اللكام punch-drunk syndrome (أو خَرَف ارْتِجاجِ الدِّماغ  dementia ( pugilistica في الملاكمين المعرضين لتكرر رض الرأس لسنوات عديدة، وتتميز هذه المتلازمة بالتقلقل العاطفي والرنح   ataxia والسلوك الاندفاعي.

التشخيص والمعالم السريرية:

يعتمد تشخيص الخرف على الفحص السريري بما يتضمنه من فحص الحالة العقلية والنفسية، ومعلومات من أهل المريض وأصدقائه وزملائه. ويجب وضع تشخيص الخرف بالحسبان في كل شخص يبدو عليه تغير في الشخصية بعد عمر الأربعين عاماً؛ إذ ينبغي على الأطباء الانتباه لما قد يبديه المرضى من خلل فكري ونسيان، إضافةً إلى البراهين على محاولة المرضى إخفاء العجز المعرفي من خلال الإنكار أو المراوغة أو التسويغ. وقد تشاهد علامات مميزة في مظهر المريض وسلوكه مثل الانسحاب الاجتماعي أو فرط الترتيب والتنظيم المفرط أو الميل إلى الدقة الشديدة في ربط الأحداث؛ إضافة إلى نوب مفاجئة من الغضب أو السخرية أحياناً، أو تغير المزاج، أو الكلام غير المناسب اجتماعياً، أو النكات السخيفة أو تعبيرات اللامبالاة أو البلادة؛ مما يوحي وجود الخرف؛ ولاسيما إذا ترافقت مع اضطراب الذاكرة.

يُعدّ خلل الذاكرة معلماً باكراً ومستمراً في الخرف؛ ولاسيما في أنماط الخرف القشرية كداء ألزهايمر، ويكون خلل الذاكرة خفيفاً ومركزاً على الحوادث الجديدة في المراحل المبكرة، فينسى الأشخاص الذين قابلهم خلال اليوم وأحداث اليوم نفسه، ويصبح خلل الذاكرة شديداً مع تقدم سير المرض، فلا تبقى إلا المعلومات الراسخة التي تعلمها الشخص أولاً مثل مكان ولادته. ولما كانت الذاكرة مهمة في التوجه للأشخاص والزمان والمكان؛ فإن التوجه قد يتأثر لاحقاً خلال سير الخرف، فينسى المرضى مثلاً كيفية العودة إلى غرفهم بعد الذهاب إلى الحمام؛ ولكن دون اضطراب مستوى الوعي. وقد تؤثر الإصابات القشرية في الخرف في القدرات اللغوية للمرضى، فيصاب المريض بالحبسة اللفظية مثلاً.

التغيرات العصبية والنفسية:

1-الاختلال المعرفي: يُعدّ الخرف تراجعاً معرفياً مكتسباً ومترقياً في وظائف متعددة، ويتظاهر التراجع المعرفي بالنساوة والحبسة والعمه وتعذر الأداء.

 - النساوة :amnesia  تحدث النساوة في داء ألزهايمر باكراً، وهي غير عكوسة، وتفقد الذكريات الحديثة قبل الذكريات البعيدة، ويوحي التناقض في فقد الذكريات الحديثة والبعيدة أن المشكلة الأولية تكمن في اكتساب الذكريات أو استرجاعها أكثر منها في تخرب الذاكرة، وهذا ثابت في المراحل المبكرة من داء ألزهايمر، ولكن مع تقدم المرض تختل كل عمليات الذاكرة.

-  الحبسة: تُكشف المشكلاتُ اللغويةُ عند الكثير من مرضى داء ألزهايمر منذ الفحص الأول، وقد يتطلب كشفها أحياناً فحصاً تفصيلياً ودقيقاً، وتتكون الظواهر المبكرة للمشكلات اللغوية من صعوبة إيجاد الكلمات والإطناب ومظاهر أخرى كالتكرار واستخدام كلمات بديلة.

-  العمه :agnosia قد يعاني المصابون بداء ألزهايمر صعوبات في تمييز الأشياء وتسميتها، ومن أنواع العمه النوعية لداء ألزهايمر فقدان القدرة على تمييز الشخص لوجهه بالمرآة، فيعتقد أنه يرى شخصاً آخر، ويأخذ بمحادثته.

- تعذر الأداء (اللاأدائية) :apraxia تصبح صعوبة تنفيذ المهمات المعقدة دون خلل حركي واضحةً في المراحل المتوسطة من المرض، فتلاحظ أولاً صعوبات في ارتداء الملابس وفي العمل في المطبخ، يتبعها اختفاء القدرة على القيام بالعديد من المهمات الأكثر صعوبة؛ ويضع المرضى عادة خططاً لتجنب القيام بتلك المهمات، ويظهر تعذر الأداء فقط حين تختفي تماماًً القدرة على استخدام هذه الخطط.

 -اختلالات معرفية أخرى: لا تتم في داء ألزهايمر المحافظة على سلامة أي من الوظائف المعرفية، فيشيع حدوث صعوبة إدراك أبعاد البيئة المحيطة في المراحل المتوسطة من الاضطراب؛ مما قد يؤدي إلى توهان طبغرافي وتجول وضياع، كما تبرز الصعوبات في كل من العمليات الحسابية والانتباه والتخطيط.

2-الاختلال الوظيفي: مع أن التراجع المعرفي في داء ألزهايمر يُعدّ العرض المهم للمرض؛ فإن التدهور الوظيفي هو الذي له التأثير الأكبر في حياة المصابين أنفسهم، ويستدعي الجزء الأكبر من الرعاية التي يحتاج إليها المريض. وعلى نحو عام فإن القدرات الوظيفية تتراجع بالترافق مع القدرات المعرفية.

تقسم نشاطات الحياة اليومية إلى نشاطات تتعلق بالاهتمام بالذات ونشاطات تتعلق باستخدام الأدوات، والأخيرة هي التي تتأثر أولاً في داء ألزهايمر.

الأعراض النفسية العصبية:

1-المزاج: العلاقة بين داء ألزهايمر والاكتئاب علاقة معقدة؛ إذ يُعدّ الاكتئاب عامل خطورة لداء ألزهايمر، ويمكن الخلط بين الاكتئاب والخرف (الخرف الكاذب)؛ إذ يحدث الاكتئاب كجزء من الخرف إضافة إلى وجود الخلل المعرفي في اضطرابات الاكتئاب. ويُوجَّه الاهتمام في هذا القسم إلى حدوث الاكتئاب كعرض من أعراض الخرف. يصعب تقييم المزاج عند شخص مصاب بالخرف؛ إلا أنه يمكن تمييز الاكتئاب بوجود البطء النفسي الحركي والفتور والبكاء وضعف الشهية واضطراب النوم والتعبير عن عدم السعادة، ويعتقد عموماً أن حدوث الاكتئاب أكثر شيوعاً في المراحل الباكرة من داء ألزهايمر منه في المراحل المتأخرة. ولا يعرف السبب الكامن خلف اضطرابات المزاج في المصابين بداء ألزهايمر، بيد أن النقص الكوليني في داء ألزهايمر يرافقه عادة تناقص في السيروتونين والنورأدرينالين.

2-الذهان: قد تحدث في سياق الخرف أعراض ذهانية، أكثرها شيوعاً الضُّلالات الزورانية، وتحدث الهلوسة على نحو أقل؛ وخاصة منها الهلوسة البصرية. وكما في الاكتئاب تؤدي صعوبة كشف  الذهان في المراحل المتوسطة والشديدة من المرض إلى اختلاف واسع في معدلات الحدوث من دراسة إلى أخرى.

3-الشخصية: التغيرات في الشخصية مكون ثابت تقريباً في داء ألزهايمر، ويصف أفراد العائلة هذا التغير بأن الشخص الذي عرفوه سابقاً قد ذهب. ويتميز التغير في الشخصية بتغير في الإدراك وفي الاستجابة للعوامل البيئية؛ إذ قد يصبح الأشخاص أكثر قلقاً أو خوفاً؛ مع تسطح في الوجدان وعدم التفاعل في المواقف التي تتطلب التحدي، وقد تحدث الاستجابة الكارثية، وهي تفاعل عاطفي عنيف وقصير الأمد يحدث حين يواجه المريض بموقف صعب لا يستطيع تجنبه.

4-تظاهرات سلوكية أخرى: تحولت المضاعفات السلوكية لداء ألزهايمر إلى هدف علاجي، وتتضمن هذه المضاعفات مجالاً واسعاً من السلوكيات يشتمل على التجول، وتغير عادات الأكل، وتبدلات نظام النوم، وعدم استمساك المصرات، وترتبط هذه السلوكيات كثيراً بشدة المرض، وتحدث في معظم المصابين بداء ألزهايمر.

5-التفاعل الكارثي  :catastrophic reaction يبدو في المصابين بالخرف تناقص القدرة على تطبيق ما سماه "كرت غولدشتاين" بالموقف المجرد abstract attitude؛ فيعاني المرضى صعوبات في التعميم بعد حادث مفرد، وفي تشكيل المفاهيم وفي إدراك أوجه التشابه والاختلاف بين المفاهيم. علاوة على ذلك؛ تختل لديهم القدرة على حل المشكلات المنطقية وإصدار الأحكام السليمة. ويحدث التفاعل الكارثي عقب إدراك المريض الخلل الفكري الشخصي تحت ظروف ضاغطة، ويحاول التعويض عن الخلل باستخدام آليات لتجنب ظهور الفشل في الأداء الفكري؛ فقد يقوم بتغيير الموضوع أو بإطلاق النكات أو تغيير اتجاه المقابلة، ويظهر عليه الغضب والهياج، كما يشيع حدوث ضعف السيطرة على الدافع والحكم الناقص؛ ولاسيما في الخرف الذي يصيب الفص الجبهي. ومن الأمثلة على هذه الاضطرابات خشونة اللغة والنكات غير المناسبة وإهمال المظهر الشخصي والنظافة وتجاهل قواعد السلوك الاجتماعي.

6-متلازمة غروب الشمس :sundown syndrome تتميز هذه المتلازمة بالنعاس والتخليط والرنح والسقوط المفاجئ، وتحدث في المرضى المسنين الخاضعين لتركين شديد وفي المصابين بالخرف الذين يبدون رد فعل معاكس عند إعطائهم جرعات قليلة من الأدوية المنشطة نفسياً، كما تحدث في المصابين بالخرف مع زوال منبه خارجي كالضوء الذي يعمل كدليل للتوجه.

التشخيص:

تقسم حالات الخرف عموماً إلى خرف قشري وخرف تحت قشري. تتركز الإصابة في الخرف القشري cortical dementia في قشرة الدماغ كما في داء ألزهايمر وداء بيك ومرض بينزفانغر وداء كروتزفيلد جاكوب. أما في الخرف تحت القشري subcortical dementia فتتركز الإصابة في بنى تقع تحت قشرة الدماغ كما في داء باركنسون وداء هنتنغتون ومُرَكَّب الخرف المرتبط بالإيدز. تتأثر الذاكرة ووظائف اللغة باكراً في الخرف القشري، ويتأخر تأثرها في الخرف تحت القشري حيث تطغى أولاً مظاهر بطء التفكير وتغير الشخصية كما هو مبين في الجدول (3).

 

الخرف تحت القشري

الخرف القشري

اللغة

لا يوجد حبسة (فقد التسمية في المرض الشديد)

حبسة مبكرة

الذاكرة

خلل التذكر (الاسترجاع) أشد من خلل الحفظ (الترميز)

خلل مبكر في التذكر والحفظ

الانتباه والتذكر الفوري

مضطرب

مضطرب

المهارات البصرية الفراغية

مضطربة

مضطربة

العمليات الحسابية

سليمة حتى وقت متأخر

تختل باكراً

الوظائف الجبهية (الأداء التنفيذي)

تتأثر بشكل غير متكافئ

تتوافق درجة الخلل مع درجة الاصابة

سرعة العمليات المعرفية

تتباطأ مبكراً

طبيعية حتى مراحل متأخرة

الشخصية

لامبالاة وخمول

غير مهتم

المزاج

مكتئب

سوي

الكلام

رته

واضح حتى مراحل متأخرة

الحركات العارضة

رقص، عرات رعشية، خلل التوتر

غائبة

التجريد

مضطرب

مضطرب

(الجدول رقم3)

 

يشخص داء ألزهايمر حين وجود اعتلال ذاكرة يرافقه واحد على الأقل من أعراض التراجع المعرفي (وهي الحبسة واللاأدائية والعمه وسوء تنفيذ الأعمال)، ويتطلب التشخيص أيضاً وجود تناقص الأداء تناقصاً مستمراً ومترقياً، وخلل في الأداء الوظيفي أو الاجتماعي، مع استبعاد الأسباب الأخرى للخرف. والعمر حين بدء الخرف قد يكون مبكراً (يبدأ بعمر 65 سنة أو أقل) أو متأخراً (يبدأ بعد عمر 65 سنة). يُعدّ داء ألزهايمر الشكل الأكثر انتشاراً من أشكال الخرف، ويشكل 60-70% من مجمل الحالات.

يشخص الخرف الوعائي حين تحقق المعايير التشخيصية للخرف من نمط ألزهايمر نفسها إضافةً إلى توافر براهين مخبرية أو سريرية على السبب الوعائي للمرض. ويشخص الخرف بسبب حالات طبية عامة أخرى حين وجود براهين تشخيصية لواحد من ستة مسببات محددة للخرف؛ هي مرض عوز المناعة البشري ورض الرأس وداء باركنسون وداء هنتنغتون وداء بيك وداء كروتزفيلد جاكوب. أما الخرف الدائم الناجم عن تعاطي المواد الفعالة نفسياً؛ فيشخص بوجود قصة تعاطي الكحول أو المواد المستنشقة أو المهدئات والمنومات. يجب أن توجد المعايير التشخيصية للخرف من أجل تشخيص الخرف الدائم الناجم عن الكحول، وذلك مهم للتفريق عن النساوة التي تحدث في سياق متلازمة كورساكوف نتيجة عوز التيامين؛ وعن اضطرابات معرفية أخرى، مثل خلل الانتباه والتركيز، قد تحدث أيضاً في متلازمة فيرنكه- كورساكوف. يضاف إلى هذا أن سوء استخدام الكحول ترافقه عادةً  تغيرات مزاجية ونقص شديد في التركيز وأعراض معرفية أخرى غالباً ما تلاحظ في سياق الاكتئاب؛ مما يوجب استبعادها. وتختلف معدلات انتشار الخرف الناجم عن الكحول اختلافاً كبيراً وفقاً لدراسات السكان والمعايير التشخيصية المعتمدة، ولكن يقدر أنه يشكل نحو 4% من مجمل حالات الخرف.

الاستقصاءات المخبرية والشعاعية:

يجب إجراء مسح تشخيصي شامل عند تقييم مريض مصاب بالخرف بهدف الكشف عن مسببات قابلة للعكس وتزويد المريض وعائلته بتشخيص محدد. ويتطلب اتساع مجال مسببات المرض العمل على انتقاء الفحوص المخبرية اعتماداً على موجودات القصة المرضية والفحص الفيزيائي والعقلي للمريض. وقد أتاح التقدم الملحوظ في طرق تصوير الدماغ إمكانية التفريق بين الخرف من نمط ألزهايمر والخرف الوعائي أحياناً، ويؤمل أن تساعد دراسة الاستقلاب الدماغي في أشكال متنوعة من الخرف بالتصوير المقطعي لإصدار فوتون وحيد (SPECT) على التشخيص التفريقي لأسباب الخرف.

لا بد من الفحص الجسدي العام حين تشخيص الخرف فقد يميط اللثام عن مرض جهازي يؤثر في الجملة العصبية المركزية، فاكتشاف ساركوما كابوزي مثلاً يجب أن ينبه الطبيب على احتمال وجود متلازمة عوز المناعة المكتسب. ويجب أن ترجح العلامات العصبية البؤرية - كفرط المنعكسات أو ضعفها على نحو غير متناظر - الشك بمرض وعائي على الشك بمرض تنكسي، ويشير وجود علامات الفص الجبهي والمنعكسات الأولية إلى بلوغ المرض مرحلة متقدمة.

إن تشخيص مرض ألزهايمر هو تشخيص إيجابي يعتمد أساساً على أخذ قصة مرضية جيدة وشاملة مع الانتباه إلى نموذج الأعراض ووقت البدء والتطور.

التشخيص التفريقي:

يكثر ترافق الخرف الوعائي علامات عصبية بؤرية تفيد في تفريقه عن الخرف من نمط ألزهايمر. ويفرق الخرف الوعائي عن النوب الإقفارية العابرة بأنها نوب قصيرة من الخلل العصبي تستمر أقل من 24 ساعة (5-15 دقيقة) تنجم عن انصمامات مجهرية، أو آفات شريانية داخل القحف، تؤدي إلى إقفار دماغي عابر، وتنتهي النوبة من دون تغيرات نوعية في النسيج الدماغي، ويعاني قرابة ثلث المصابين بالنوب الإقفارية العابرة غير المعالجين احتشاء دماغياً لاحقاً؛ ولهذا فإن تمييز هذه الحالات يُعدّ خطة لمنع احتشاء الدماغ.

قد يكون تفريق الهذيان عن الخرف أصعب مما يعتقد، ويعتمد في هذا التفريق على أن الهذيان يتميز بالبدء السريع وبقصر المدة وبتقلب الخلل المعرفي في أثناء النهار وبتفاقم الأعراض ليلاً وبخلل واضح في دورة النوم واليقظة وباضطرابات بارزة في الانتباه والإدراك.

يعاني بعض المرضى المصابين بالاكتئاب خللاً معرفياً يصعب تمييزه من أعراض الخرف، لذلك يطلق عليه أحياناً اسم الخرف الكاذب، ويتم تمييزه اعتماداً على انتقائية سوء الأداء المعرفي ووجود أعراض اكتئابية واضحة وبصيرة أفضل مما يشاهد في المصابين بالخرف، وغالباً بوجود سوابق مرضية للإصابة بالاكتئاب.

قد يقوم الأشخاص في الاضطراب المفتعل بتقليد فقدان الذاكرة بطريقة مشوشة وغير متناسقة مع ما هو معروف في الخرف الحقيقي؛ إذ تفقد في الخرف الذاكرة للوقت والمكان قبل الذاكرة للأشخاص، وتفقد كذلك الذاكرة الحديثة قبل الذاكرة القديمة.

ومع أن الفصام قد ترافقه بعض الاضطرابات المعرفية المكتسبة؛ فإن أعراضه تكون أقل شدة بكثير من الأعراض الذهانية واضطراب التفكير الموجود في الخرف.

ليس من الضروري أن ترافق الشيخوخة الطبيعية تراجعاً نوعياً في المعرفة، ولكن قد تحدث مشكلات صغيرة في الذاكرة، ويشار إلى هذا عادة بالنسيان الشيخوخي الحميد أو خلل الذاكرة المرتبط بالعمر، ويتميز من الخرف بأنه ضعيف الشدة، ولا يؤثر نوعياً في السلوك الوظيفي أو الاجتماعي للشخص.

السير والإنذار:

للخرف نموذج سير تقليدي يتلخص بالبدء في الخمسينيات أو الستينيات من عمر المريض، وبالترقي التدريجي على مدى 5-10 سنوات؛ مما يقود في النهاية إلى الموت. يختلف عمر البدء وسرعة التدهور بين الأنماط المختلفة من الخرف وضمن فئات التشخيص الفردية. أما متوسط البقيا لمرضى الخرف فيقدر بنحو 8 سنوات، ضمن مجال 1-20 سنة، ويرجح أن يكون سير الحالة سريعاً في المصابين بألزهايمر وبدأ المرض فيهم باكراً مع قصة عائلية. منذ وضع تشخيص الخرف؛ يجب أن يخضع المريض لفحوص عصبية وطبية كاملة، وذلك لأن نسبة 10-15% من جميع المصابين بالخرف لديهم حالات عكوسة؛ إذا بدئ بالمعالجة قبل حدوث الأذى الدماغي الدائم.

يبدأ السير الأكثر شيوعاً للخرف بعدد من العلامات الخفية التي قد تهمل في البداية من قبل المريض والأشخاص المقربين منه. وكثيراً ما يتشابه البدء التدريجي للأعراض في الخرف من نمط ألزهايمر والخرف الوعائي والخرف الناجم عن الأمراض داخل القحف أو الأورام الدماغية أو الاضطرابات الاستقلابية. وبالمقابل يبدأ الخرف الناجم عن رض الرأس أو عن السكتة stroke أو عن نقص أكسجة الدماغ أو التهاب الدماغ على نحو مفاجئ. ومع أن الأعراض تكون خفية في المرحلة الأولى من الخرف؛ فإنها سرعان ما تصبح واضحة مع تقدم المرض مما يدفع العائلة بعد ذلك للإتيان بالمريض إلى الطبيب. قد يكون المصابون بالخرف حساسين للبنزوديازبينات أو الكحول، التي قد تثير عندهم سلوكاً عدوانياً أو هياجاً أو ذهاناً. أما في المراحل النهائية من الخرف؛ فإن المرضى يصبحون كالصدفة الخالية من محتواها السابق، فيبدون توهاناً عميقاً وعدم تناسق ونساوة وعدم استمساك البول والبراز.

الخرف الكاذب

الخرف

السير السريري والتاريخ

- تكون العائلة دوما منتبهة لسوء الأداء وشدته

- يمكن وصف تاريخ البدء ببعض الدقة

- يطلب العون الطبي بعد وقت قصير من بدء الأعراض

- تترقى الأعراض بسرعة

- توجد عادةً سوابق مرضية نفسية

- تكون العائلة غالباً غير مدركة لسوء الأداء وشدته

- يمكن تحديد تاريخ البدء على نحو مبهم

- يطلب العون الطبي بعد وقت طويل من بدء الأعراض

 

- تترقى الأعراض ببطء

- لا توجد عادةً سوابق مرضية نفسية

الشكايات والسلوك السريري

- كثيراً ما يشكو المرضى من خلل معرفي

- تكون شكايات المرضى من الخلل المعرفي مفصلة

- يؤكد المرضى على العجز

- يؤكد المرضى على الفشل

- يبدي المرضى جهدا قليلا لأداء حتى المهمات البسيطة

- قليلاً ما يشكو المرضى من خلل معرفي

- تكون شكايات المرضى من الخلل المعرفي غامضة

- يخفي المرضى العجز

- يبتهج المرضى بالإنجازات مع أنها بديهية

- يعتمد المرضى على الملاحظات والمفكرات وغيرها

- يعطي المرضى شعوراً قوياً بالإحباط

- غالباً ما يكون تغير الوجداًن شاملا

- غالباً ما يكون نقص المهارات الاجتماعية مبكراً ودائماً

- لا يتوافق السلوك عادة مع شدة الخلل المعرفي

- تفاقم المرض ليلاً غير شائع

- غالباً ما يبدو المرضى غير مهتمين

- الوجداًن ضحل وغير مستقر

- تبقى المهارات الاجتماعية

 

- يتوافق السلوك عادة مع شدة الخلل المعرفي

- تفاقم المرض ليلاً شائع

المظاهر السريرية المرتبطة بالذاكرة والمعرفة وسوء الأداء الفكري

- سلامة الانتباه والتركيز غالباً

- أجوبة من نمط لا أعرف

- في اختبارات التوجه غالباً ما يجيب المرضى لا أعرف

- يكون الخلل في الذاكرة الحديثة والبعيدة شديداً

- تشيع الفجوات في الذاكرة للأحداث لفترات محددة

- تنوع ملحوظ في الأداء لمهام صعوبتها متماثلة

- خلل في الانتباه والتركيز

- أجوبة تقريبية متكررة

- في اختبارات التوجه غالباً ما يخطئ المرضى

 

- يكون الخلل في الذاكرة الحديثة أكثر منه للبعيدة

- لا تشيع الفجوات في الذاكرة للأحداث لفترات محددة

- أداء فقير متوافق في الأداء لمهام صعوبتها متماثلة

(الجدول رقم 4) المظاهر السريرية الكبيرة التي تميز الخرف من الخرف الكاذب

 

 

المحددات النفسية الاجتماعية:

قد يتأثر سير الخرف وشدته بالعوامل النفسية الاجتماعية، فكلما كان الشخص أكثر ذكاء وتعلماً قبل المرض؛ زادت قدرته على التعويض عن الاعتلال الفكري، ويستخدم الأشخاص الذين يبدأ المرض عندهم فجأة دفاعات أقل من الذين يكون البدء لديهم مخاتلاً، وقد يرفع القلق والاكتئاب من حدة الأعراض. يحدث الخرف الكاذب في الأشخاص المصابين بالاكتئاب الذين يشتكون خلل الذاكرة؛ لكنهم - في الواقع - يعانون الاضطراب الاكتئابي، ويزول الخلل المعرفي عند علاج الاكتئاب.

معالجة الخرف:

الخطوة الأولى في علاج الخرف هي التحقق من التشخيص، والتشخيص الدقيق ضروري؛ إذ من الممكن وقف المرض أو حتى تحسين الحالة إذا قدم العلاج المناسب لبعض الحالات، كما تكون التدابير الوقائية ضرورية في الخرف الوعائي خاصة، ويتضمن هذا تغيير الغذاء والرياضة وضبط السكري وارتفاع ضغط الدم، كما يتضمن عوامل دوائية مثل خافضات ضغط الدم ومضادات التخثر ومضادات تجمع الصفيحات، ويجب عند علاج ارتفاع ضغط الدم استهداف النهاية العليا للمجال الطبيعي؛ إذ ثبت أن ذلك يحسن الوظيفة الإدراكية في المصابين بالخرف الوعائي. كما ثبت من ناحية أخرى أن ضغط الدم الذي يكون تحت المعدل الطبيعي يؤدي إلى المزيد من الضرر في الوظيفة الإدراكية في المصابين بالخرف. ويكون اختيار مضادات ارتفاع الضغط نوعياً؛ إذ إن مناهضات المستقبلات الأدرينالية ترافقها زيادة الخلل المعرفي، أما مثبطات الإنزيم المحول للأنجيوتنسين والمدرات؛ فلم ترتبط بزيادة الخلل المعرفي، وهي تخفض ضغط الدم دون التأثير في تدفق الدم الدماغي الذي يفترض ارتباطه بالوظيفة المعرفية. قد يمنع استئصال اللويحات السباتيه الأحداث الوعائية اللاحقة في المرضى الذين يتم اختيارهم بعناية. وخلاصة القول أن المقاربة العلاجية العامة للمصابين بالخرف هي تزويدهم بالرعاية الطبية الداعمة، والدعم العاطفي للمرضى وأسرهم، والعلاج الدوائي للأعراض المحددة؛ بما في ذلك السلوك المضطرب.

المعالجات النفسية الاجتماعية:

لتدهور القدرات العقلية والنفسية تأثير كبير في المصابين بالخرف؛ إذ تزول الذاكرة الحديثة قبل الذاكرة البعيدة في معظم الحالات، ويشعر العديد من المرضى بالإحباط وهم يتذكرون بوضوح كيف كان أداؤهم في حين يراقبون التدهور الواضح لديهم. فالذات (الهوية) هي ناتج للعمل الدماغي، وتبدأ هويات المرضى بالتلاشي مع تقدم المرض، وتقل قدرتهم على تذكر الماضي، وينجم عن إدراك المرضى بتلاشي إحساسهم بذواتهم ردود فعل عاطفية تراوح من الاكتئاب إلى القلق الشديد إلى الرعب الكارثي.

يستفيد المرضى من المعالجة النفسية التثقيفية التي يطلعون من خلالها على طبيعة مرضهم وسيره بوضوح. كما يمكن مساعدتهم على تقبل مدى عجزهم وتضخيم إظهارهم للآراء السليمة عن طريق تحديد الفعاليات التي يحتمل نجاحهم فيها. يساعد الأطباء المرضى على تجاوز مشاكل التوجه من خلال إرشادهم إلى استخدام المفكرات، ووضع جدول للمساعدة على تنظيم النشاطات، وتدوين ملاحظاتهم حول مشكلات الذاكرة.

تؤلف التداخلات النفسية الديناميكية مع أفراد أسرة المرضى عوناً كبيراً لهم؛ إذ يمر الأشخاص الذين يقومون على رعاية المصابين بالخرف بصراع مع مشاعر الذنب والحزن والغضب والإرهاق وهم يراقبون التدهور التدريجي لفرد من العائلة. يضاف إلى ذلك ما تنطوي عليه إحدى المشكلات الشائعة عند أسر المرضى من التضحية بالذات في سبيل رعاية المريض، لذا كان على الأطباء مساعدة مقدمي الرعاية بأن يشرحوا لهم مركّب المشاعر التي تخالج الإنسان حين رؤية التراجع لدى شخص محبوب، كما أن عليهم من الجهة الأخرى منحهم الفرصة للتعبير عن هذه المشاعر.

المعالجة الدوائية: يوصف البنزوديازبينات للأرق والقلق، ومضادات الاكتئاب للاكتئاب، ومضادات الذهان للأهلاسات والضُّلالات delusions، ولكن يجب الانتباه إلى التأثيرات التحسسية الذاتية المحتملة لهذه الأدوية في المرضى المسنين (كالهياج التناقضي paradoxical agitation، والتخليط، والتركين الزائد). وعلى العموم يجب تجنب الأدوية مرتفعة الـتأثير المضاد للكولين.

تستخدم مثبطات كولينأاستيراز مثل دونبيزيل donepezil وريفاستيغمين rivastigmine  وغالانتامين galantamine وتاكرين tacrine لعلاج الخلل الضعيف والمتوسط في داء ألزهايمر، وهي تخفض من تعطيل عمل الأستيل كولين، ولهذا فإنها تنشط النقل العصبي الكوليني محدثةً بذلك تحسناً معتدلاً في الذاكرة والتفكير المتوجه للهدف. ويحمي الميمانتين memantine العصبونات من فرط كمية الغلوتامات التي يحتمل أن تكون سامة عصبياً، فيوصف أحياناً مع دونبيزيل بهدف تحسين أعراض الخرف.

مقاربات علاجية أخرى: اختبرت أدوية أخرى لتحسين الفعالية المعرفية تضمنت محسنات الاستقلاب الدماغي، ومثبطات قنوات الكلسيوم والعوامل السروتونينية، وأظهرت بعض الدراسات أن السيلجيلين selegiline قد يبطئ تقدم  الخرف، وأبدت بعض التقارير أن مستخدمي مضادات الالتهاب غير الستيروئيدية أقل عرضة لتطور داء ألزهايمر، في حين لم تظهر للڤيتامين E أي قيمة في الوقاية من المرض.

ثانياً- الهذيان:

لمصطلح الهذيان تاريخ طويل جداً، وقد استخدم بمعانٍ مختلفة عامية وطبية؛ فهو يعني في الطب النفسي الحديث متلازمة سريرية تتضمن تراجعاً في مستوى الوعي واختلالاً معرفياً وشذوذاً في الإدراك يتضمن كلاً من الأهلاسات والضُّلالات، إضافة إلى اضطراب في السلوك بشكل هياج نمطي. يظهر الهذيان خلال فترة زمنية صغيرة تراوح بين ساعات وأيام، وتتبدل شدة المرض على نحو وصفي، فتكون أسوأ خلال الليل حين تؤدي الظلمة إلى ارتفاع احتمال حدوث أسواء التفسير البصرية؛ مما يؤدي إلى زيادة شدة الاضطرابات السلوكية.

الهذيان في التاريخ:

استخدم مصطلح الهذيان حتى القرن التاسع عشر للإشارة إلى اضطراب في التفكير، وظهر لاحقاً أنه كان يستخدم بأكثر من معنى، وقد تغير مفهوم الهذيان في الدليل الإحصائي والتصنيفي بنسخته الثالثة DSM III حيث استخدم الهذيان للإشارة إلى جميع أنماط اضطراب الوعي الحاد المصحوب باختلال عام في المعرفة، سواء أكان المريض مفرط الفعالية ومضطرباً أم لا، وهذا وفق الوضع السريري؛ إذ قد يكون المريض مضطرباً ومصاباً بالهلوسة في لحظة فيصبح مثبطاً ومصاباً بالنعاس خلال اللحظة التالية مباشرة. وقد وجد هذا التغيير قبولاً عاماً، فمصطلح الهذيان يستخدم الآن بهذا المجال الواسع في كل من الدليل الإحصائي والتشخيصي بنسخته الرابعة والتصنيف الدولي للأمراض بنسخته العاشرة.

الوبائيات:

الهذيان اضطراب شائع نسبياً يصيب 0.4% من الأشخاص بعمر 18 سنة أو أكبر، و1.1% من الأشخاص بعمر 55 سنة أو أكبر، ويصاب به قرابة 10-30% من المرضى المقبولين في المستشفيات و30% من المقبولين في وحدات العناية المركزة، و40-50% من المرضى الذين يتعافون من جراحة كسور الحوض، بيد أن النسبة العليا تشاهد في المرضى بعد جراحة القلب؛ إذ تقول بعض الدراسات: إنها تزيد على 90%، ويقدر أن 20% من المرضى المصابين بحروق و30-40% من المصابين بعوز المناعة المكتسب يصابون بنوب من الهذيان عند قبولهم في المستشفيات.

أما المسنون الذين تزيد أعمارهم على 65 سنة والمقبولون في المستشفيات؛ فإن قرابة 30-40% منهم يصابون بنوبة من الهذيان، ويبدي 10-15% من المرضى الأكبر سناً هذياناً عند إدخالهم المستشفى، ويصاب بنوب متكررة من الهذيان 60% من المقيمين في دور الرعاية الذين تزيد أعمارهم على 75 سنة. ومن العوامل المهيئة للإصابة بالهذيان وجود أذيات دماغية (خرف، ورم، مرض دماغي وعائي) وكثرة الأدوية الموصوفة، وسوابق إصابة بالهذيان، والاعتماد على الكحول، والسكري، والأورام، والعمى، وسوء التغذية، إضافة إلى أن الجنس المذكر يُعدّ عامل خطورة مستقلاً للإصابة بالهذيان.

ويسيء الهذيان إلى إنذار المرض؛ إذ تراوح نسبة الوفيات للمصابين بنوبة هذيان واحدة بين 23-33% خلال ثلاثة أشهر من الإصابة، أما خلال سنة فقد تصل النسبة إلى 50%.

الهذيان في الأطفال: يتعرض الأطفال للهذيان أكثر من البالغين، فقد يحدث الهذيان لديهم مع أي مرض حاد شديد، ومع الحمى الناجمة عن أي مرض معدٍ حاد، وقد يكون المرض المسبب عدوى بسيطة في الجهاز التنفسي العلوي أو اضطراباً خطراً كالالتهاب الرئوي.

الهذيان في المسنين: يتعرض المسنون للإصابة بالهذيان أكثر من غيرهم بكثير، فقد يظهر الهذيان لديهم بعد إصابة خفيفة كالإمساك أو التهاب المجاري البولية، ومن العوامل التي تسهم في حدوث الهذيان لديهم تعدد الأدوية الموصوفة والتجفاف والحالات الطبية المزمنة. كما يكون المسنون المصابون بالخرف على نحو خاص أكثر قابلية لحدوث الهذيان، ويغلب أن تكون نوبة الهذيان السبب الأول الذي يستدعي حضور المريض المصاب بالخرف للفحص الطبي.

الهذيان في المستشفى العمومي: قد يرى الهذيان في أي قسم من أقسام المستشفى؛ إذ يحدث بنسبة 15% من كل المرضى المقبولين لمرض عام أو للجراحة، وترتفع هذه النسبة عند المسنين، كما يشيع حدوث الهذيان في المصابين بأمراض شديدة وبعد الجراحة وفي العناية المشددة. لذلك ينبغي أن يكون الهذيان جزءاً من التشخيص التفريقي لأي تغير حاد في السلوك أو انخفاض في الوعي.

الهذيان في المرضى النفسيين: من المهم ألا يُغفل عن التظاهرات غير الشائعة للهذيان في المرضى النفسيين؛ ولاسيما المسنين منهم؛ إذ يرتفع معدل انتشار الهذيان في المرضى النفسيين الداخليين كبار السن.

والهذيان الارتعاشي هو أكثر أشكال الهذيان مشاهدة في الطب النفسي عند البالغين، وتتضمن المتلازمة الكاملة للهذيان الارتعاشي أهلاسات وانخداعات وضُلالات واختلالاً واضحاً في الوعي، ورعاشاً وهياجاً وفرط فعالية عصبية مستقلة. كما قد يحدث القلق حتى الرعب، ويكون التشخيص واضحاً من العلامات السريرية ومن وجود سوابق معروفة لمعاقرة الكحول.

والمتلازمة الخبيثة للأدوية المضادة للذهان سبب مهم؛ ولكنه غير شائع للهذيان. كما يلاحظ الهذيان الناجم عن أمراض معدية كڤيروس عوز المناعة البشري والسل والزهري.

السببيات:

الأسباب الأساسية للهذيان هي أمراض الجهاز العصبي المركزي (مثل الصرع)، والأمراض الجهازية (مثل فشل القلب)، وكل من التسمم أو الامتناع عن الأدوية، وعلى الطبيب عند تقييم المرضى المصابين بالهذيان افتراض احتمال تدخل أي دواء تناوله المريض في السببيات المرضية.

ومن العوامل المهيئة للإصابة كذلك: ضعف النظر وارتفاع ضغط الدم واستخدام القثطرة المثانية والداء الرئوي الانسدادي المزمن COPD والتدخين وزيادة العمر على 70 سنة واستخدام البنزوديازبينات وارتفاع نسبة اليورية الدموية.

المجموعة

معدل الانتشار ٪

معدل الوقوع ٪

مرضى المستشفيات على نحوعام

10-30

3-16

مرضى المستشفيات المصابون بمرض سريري

5-15

10-55

مرضى المستشفيات الجراحيون على نحو عام

غير معروف

9-15 بعد الجراحة

مرضى الجراحة العظمية

33

18-50

مرضى قسم الإسعاف

7-10

غير معروف

مرضى السرطان بمراحله النهائية

23-28

83

المسنون في دور الرعاية

44

33

(الجدول رقم 5) انتشار ووقوع الهذيان في ظروف متعددة

 

الملامح السريرية والتشخيص:

1-تغيم الوعي :clouding of consciousness هو المعلم الأساسي الذي يميز الهذيان من معظم الاضطرابات النفسية الأخرى، وهناك استمرارية بين تغيم الوعي الخفيف وفقد الوعي على نحو تام تقريباً؛ إذ يلاحظ تموج في شدة تغيم الوعي مع ميل لسوء الأعراض ليلاً. قد يبدو المريض ناعساً؛ فلا تلاحظ أعراض الهذيان الخفيفة إلا إذا كان الشخص الذي يقوم بتقييم الحالة على دراية بحالة المريض الطبيعية من الأداء الفكري.

2-المظهر والسلوك: لا يبدو المريض أنه بصحة جيدة، وقد يمتاز سلوكه بالهياج على نحو واضح، أو يكون ناقص الفعالية مع تبدلات بين هاتين الحالتين، أو مع خليط منهما معاً.

3-المزاج: يكون مقلقلاً مع ارتباك وفترات متقطعة من القلق أو الاكتئاب، ومع المرور بفترات عابرة يكون فيها المزاج طبيعياً.

4-الكلام: قد يتمتم المريض، ويكون كلامه غير مترابط.

5-المعرفة: هناك شذوذات في كل مناطق الأداء المعرفي؛ فقد يتأثر كل من تسجيل الذاكرة والاسترجاع والتذكر، وقد تتظاهر الحالات الخفيفة ببطء الأداء في المهمات، أو بتشتت الانتباه بعيداً عن المهمة التي يقوم المريض بأدائها.

6-الإدراك: أكثر الحواس تأثراً الإدراك البصري؛ إذ يشيع حدوث الانخداع وسوء التفسير؛ قد يصبح المريض مثلاً هائجاً أو خائفاً معتقداً أن الظل في غرفة مظلمة هو شخص يهاجمه، وتشاهد أيضاً الهلوسة البصرية إضافة إلى الهلوسة السمعية والحسية.

7-التوجه: يتأثر كل من التوجه للأشخاص والزمان والمكان في الحالات الواضحة، أما الحالات الخفيفة فيجب تفسير اضطراب التوجه فيها ضمن الصورة السريرية الكاملة لحالة كل مريض.

8-التركيز: يكون مضطرباً.

9-الذاكرة: قد ترى اضطرابات الذاكرة مع اختلال التسجيل والتذكر قصير الأمد والتذكر طويل الأمد، ويفقد المريض الذاكرة لفترة الهذيان وبعد الشفاء منه في معظم الحالات؛ ولكن ليس فيها كلها.

10-البصيرة: تضطرب عادة، فلا يفهم المريض سبب طلب التقييم النفسي.

تتضمن المميزات الأساسية للهذيان تغيم الوعي، وتشتت الانتباه الذي قد يتضمن زوال القدرة على التركيز، وخللاً في مناطق أخرى من الفعالية المعرفية التي قد تتظاهر بالتوهان (ولاسيما للوقت والمكان)، وانخفاض القدرة على التذكر. كما يتميز الهذيان بسرعة ظهور المرض (خلال ساعات أو أيام) وبقصر مدة الإصابة به (أيام لأسابيع) وبتبدلات ملحوظة وغير متوقعة في الشدة والتظاهرات السريرية الأخرى خلال النهار؛ إذ يشتد مع غروب الشمس، وتراوح هذه التبدلات بين فترات من الوضاحة وفترات من التوهان والخلل المعرفي الشديد. وغالباً ما توجد مظاهر سريرية مشتركة تتضمن عدم انتظام عمليات التفكير، واضطرابات الإدراك، وخلل دورة النوم واليقظة، وتبدل المزاج، وتظاهرات أخرى لتبدلات الفعالية العصبية. ويُظهر التخطيط الكهربائي للدماغ بطئاً منتشراً في النشاط؛ إلا في المرضى المصابين بالهذيان الناجم عن الامتناع عن الكحول أو المنومات، فيظهر تخطيط الدماغ فيهم نشاطاً سريعاً منخفض الفولتاج.

يعتقد أن الناقل العصبي الأساسي في الهذيان هو الأستيل كولين، والمنطقة العصبية التشريحية الأساسية هي التشكل الشبكي reticular formation الموجود في جذع الدماغ والمسؤول عن تنظيم الانتباه واليقظة. فقد سجلت دراسات مختلفة أن العديد من العوامل المؤدية إلى الهذيان تتسبب في خفض فعالية الأستيل كولين في الدماغ، وأن أحد العوامل الأكثر شيوعاً هو التسمم بالأدوية الموصوفة ذات الفعالية المضادة للأستيل كولين؛ بما فيها العديد من الأدوية المستخدمة في الطب النفسي مثل الأتروبين، وأميتريبتيلين، ودوكسيبين، ونورتريبتيلين.

 

اضطراب الجهاز العصبي المركزي

النوب الصرعية والشقيقة وإصابات الرأس والورم الدماغي والنزف تحت الجافية والورم الدموي فوق الجافية والخراجات والنزف داخل نصفي الكرة المخية والسكتة والإقفار العابر.

اضطراب استقلابي

اضطرابات الشوارد والسكري ونقص السكر ومقاومة الأنسولين.

مرض جهازي

العدوى(بالفيروسات والطاعون ومرض ليم والزهري والخراجات)

والرض والتجفاف وسوء التغذية والحروق والألم غير المسيطر عليه، وضربة الشمس والمرتفعات العالية جداً (أكثر من 5000 متر).

الأدوية

مسكنات الألم ومضادات الالتهاب ومضادات الفيروسات ومضادات الفطور والستيرويدات والأدوية القلبية وخافضات ضغط الدم والعوامل المضادة للكولين ومتلازمة الحالات العصبية الخبيثة ومتلازمة السيروتونين [ر. المعالجات في الطب النفسي].

المستحضرات غير الموصوفة

الأعشاب والشاي، والمواد المغذية.

النباتات

الدفلى وكف الثعلب والشوكران وغيرها.

سبب قلبي

قصور القلب واضطراب النظم واحتشاء العضلة القلبية وجراحة القلب.

سبب رئوي

الداء الرئوي المسد المزمن COPD، ونقص الأكسجة ومتلازمة الإفراز غير الملائم للهرمون المضاد للإدرار.

سبب غدي

أزمة أدرينالية، أو عوز الأدرينالين، وأمراض الدرقية والدريقات.

سبب دموي

فقر الدم وسرطان الدم واعتلال الدم وزرع الخلية الجذعية.

سبب كلوي

القصور الكلوي ومتلازمة الإفراز غير الملائم للهرمون المضاد للإدرار.

سبب كبدي

التهاب الكبد والتشمع وقصور الكبد.

الأورام

أورام أولية في الدماغ وانتقالات.

تعاطي العقاقير

التسمم أو الامتناع.

السموم

المعادن الثقيلة والألمنيوم.

(الجدول رقم 6) الأسباب الشائعة للهذيان

 

 

الفحص السريري والمخبري:

يشخص الهذيان عادة عند سرير المريض، ويتميز ببدء الأعراض المفاجئ، ويمكن استخدام اختبارات الحالة العقلية للمريض مثل فحص الحالة العقلية الوجيز  MMSE [ر. الفحص والتشخيص في الطب النفسي] لتوثيق الخلل المعرفي ولتوفير خط أساس يقاس عليه السير السريري للمرض، وغالباً ما يشير الفحص الجسدي إلى مؤشرات حول سبب الهذيان، ومما يزيد احتمال التشخيص وجود مرض عضوي معروف أو سوابق رض رأس أو قصة اعتماد على الكحول أو غيره من المواد.

ويتضمن الفحص المخبري للمصاب بالهذيان اختبارات معيارية ودراسات أخرى يفرضها الوضع السريري. ويظهر تخطيط الدماغ الكهربائي في الهذيان بطئاً عاماً مميزاً في الفعالية، وقد يكون مفيداً في تفريق الهذيان عن الاكتئاب أو الذهان، ويظهر هذا التخطيط أحياناً بؤراً من فرط الفعالية، ولكن قد يكون من الصعب في حالات نادرة تفريق الهذيان المرتبط بالصرع عن الهذيان المرتبط بأسباب أخرى.

وتشمل الاستقصاءات المنوالية في حالات الهذيان:

 - كيميائيات الدم (الشوارد، ووظائف الكبد والكلية، وسكر الدم).

 - تعداداً دموياً كاملاً.

 - اختبارات وظائف الدرقية.

-  الاختبارات المصلية للزهري.

-  اختبار مضاد ڤيروس عوز المناعة البشري.

 - تحليل البول.

 - تخطيط القلب الكهربائي.

-  تخطيط الدماغ الكهربائي.

-  تصوير الصدر الشعاعي.

 - مسحاً للأدوية في الدم والبول.

وتجرى حين الحاجة اختبارات أخرى مثل:

 - زرع البول أو الدم.

 - معايرة ڤيتامين ب 12 وحمض الفوليك.

 - تصوير الدماغ المقطعي المحوسب.

 - البزل القطني وفحص السائل الدماغي الشوكي وزرعه.

التشخيص التفريقي:

يفرق الهذيان عن الخرف بعدد من المظاهر السريرية التي تدور أساساً حول سرعة تطور المرض وتبدلات مستوى الوعي في الهذيان مقارنة بالمحافظة على الوعي في الخرف. كما يجب تفريق الهذيان عن الفصام واضطراب الاكتئاب؛ إذ إن بعض المصابين بالاضطرابات الذهانية - ولاسيما الفصام أو النوب الهوسية - قد يصابون بحالات مؤقتة من السلوك غير المنتظم بشدة يصعب تمييزه من الهذيان، ولكن الضُّلالات والهلوسة في الفصام تكون أكثر تماسكاً وتنظيماً منها في الهذيان. وعلى نحو عام فإن المصابين بالفصام لا يعانون تغير مستوى الوعي أو اضطراب التوجه. ولكن المصابين بالهذيان منخفض الفعالية قد يشابهون المرضى المصابين باكتئاب شديد؛ مع القدرة على تمييزهم بتخطيط الدماغ الكهربائي.

من التشخيصات النفسية الأخرى التي يجب الانتباه إليها: الاضطراب الذهاني الوجيز، والاضطراب فصامي الشكل، والاضطرابات الانشقاقية dissociative disorders  ]ر. الطب النفسي الجسدي]. كما قد يحاول مفتعلو الاضطراب تقليد أعراض الهذيان، لكن طبيعة الاضطراب المفتعل تظهر بعدم ثبات فحص الحالة العقلية لديهم، ويمكن لتخطيط الدماغ الكهربائي تفريق التشخيصين بسهولة.

سير الاضطراب:

مع الظهور المفاجئ للهذيان؛ فإن الأعراض البادرية (كالتململ والخوف) قد تحدث في الأيام السابقة لظهور الأعراض، وتستمر أعراض الهذيان عادة باستمرار العوامل المسببة ذات الصلة. بعد تحديد العوامل المسببة وإزالتها، تنحسر أعراض الهذيان في 3-7 أيام، وقد يستغرق زوال بعض الأعراض زوالاً تاماً فترة تصل إلى أسبوعين.

وكلما كبر المريض سناً وكانت مدة هذيانه أطول؛ كان الوقت اللازم لزوال الأعراض أطول، كذلك يكون تذكر ما حدث خلال نوبة الهذيان بعد زوالها متقطعاً؛ إذ قد يشير إليها المريض على أنها حلم سيئ أو كابوس غامض. وكما ورد آنفاً فإن حدوث الهذيان يرتبط به ارتفاع معدل الوفيات في السنة التالية، وذلك في المقام الأول بسبب خطورة الظروف الطبية المؤدية أساساً إلى الهذيان. أما تطور الهذيان إلى الخرف؛ فلا تؤكده الدراسات ولو أن العديد من الأطباء يعتقدون احتمال حدوث هذا التطور. والملاحظة السريرية التي اتفقت مع بعض الدراسات هي أن فترات الهذيان قد تعقبها فترات من الاكتئاب أو اضطراب الكرب التالي للرضح.

معالجة الهذيان:

الهدف الأساسي في علاج الهذيان هو معالجة السبب الكامن للمرض، وحين يكون السبب التسمم بمضادات الكولين؛ قد يوصى باستخدام الفيزوستيغمين ساليسيلات  physostigmine salicylate، بجرعة 1-2 ملغ وريدياً أو عضلياً تكرر بفاصل 15-30 دقيقة.

والهدف المهم الآخر للعلاج هو توفير دعم جسدي وحسي وبيئي؛ وتأتي أهمية الدعم الجسدي من الحرص على ألاّ يمر المصابون بالهذيان بظروف قد تؤدي إلى تعرضهم لحوادث، وينبغي ألاّ يعرَّض المصابون بالهذيان للحرمان من المنبهات الحسية (مثل العزل التام) أو لفرط التنبيه الحسي (مثل كثرة الزوار)؛ إذ تتطلب رعايتهم وجود صديق أو قريب أو جليس في غرفة المريض، ومن العوامل المريحة للمصاب بالهذيان وجود صور وأثاث مألوف وتكرار إعلامه عن الوقت والأشخاص والأماكن.

المعالجة الدوائية:

عرضا الهذيان الأساسيان اللذان يتطلبان المعالجة الدوائية هما الذهان والأرق، والهالوبيريدول دواء شائع الاستخدام لعلاج الذهان، ويعطى بحسب العمر والوزن والحالة الصحية العامة، وتراوح الجرعة الابتدائية بين 2 و 6 ملغ عضلياً تكرر خلال ساعة؛ إذا بقي المريض هائجاً، وحين يهدأ المريض يجب البدء بالدواء الفموي بشكل محلول أو حبوب، وتكفي عادةً جرعتان يومياً مع إعطاء ثلثي الجرعة وقت النوم. وما زالت الدراسات السريرية محدودة باستخدام الأدوية المضادة للذهان من الجيل الثاني. ينصح استعمال الكلوزابين clozapine أو الكويتيابين quetiapine للمصابين بالهذيان وداء باركنسون؛ لأنهما أقل احتمالاً في إثارة أعراض باركنسون.

أما الأرق؛ فإن البنزوديازبينات ذات نصف العمر القصير أو المتوسط (مثل لورازيبام) هي العلاج الأفضل وقت النوم.

ثالثاً- اضطرابات النساوة  :amnestic disorders

تحدث النساوة في فئة واسعة من الأمراض والحالات المتنوعة، وتتظاهر على نحو أولي بخلل في القدرة على خلق ذكريات جديدة. وتقسم اضطرابات النساوة بحسب السببيات المرضية إلى ثلاث فئات هي النساوة الدائمة الناجمة عن حالة طبية عامة (مثل إصابة الرأس)، والنساوة الدائمة الناجمة عن بعض المواد (مثل التسمم بأول أكسيد الكربون)، والنساوة غير المصنفة في مكان آخر. وتوصف النساوة بالعابرة إذا استمرت أقل من شهر، وبالمزمنة إذا استمرت مدة تتجاوز الشهر.

يمكن تصنيف اضطرابات النساوة على بعدين متعامدين؛ قد تحدث النساوة على طول البعد الأول بشكل نوبات عابرة أو منفصلة أو تأخذ شكل خلل ثابت في الذاكرة. وتنجم النساوة على طول البعد الثاني عن ضرر عصبي أو سبب نفسي رغم احتمال اختلاط الأسباب العصبية والنفسية معاً. ومع تطور الأدوية التي تستهدف التأثير في الذاكرة فقد ازداد الاهتمام بالعلاج الدوائي النفسي لاضطرابات الذاكرة.

الوبائيات:

لا تتوافر دراسات كافية حول وقوع اضطرابات النساوة أو انتشارها، ولكن يبدو أن النساوة الناجمة عن الكحول تتناقص في حين يتزايد تواتر النساوة الناجمة عن إصابات الرأس في الممارسة العامة وفي المستشفيات.

السببيات:

التشكيلات التشريحية العصبية الأكثر تداخلاً في الذاكرة وفي حدوث النساوة هي بنى محددة في الدماغ البيني diencephalon  كنوى الخط المتوسط والنوى المهادية الظهرية الإنسية إضافة إلى بنى الفص الصدغي المتوسط. ومع أن النساوة تحدث نتيجة تأذي هذه البنى في الجانبين؛ فإن بعض الحالات من الأذى أحادي الجانب قد تؤدي كذلك إلى النساوة، وهناك ما يدل على أن نصف الكرة المخية الأيسر قد يكون أكثر تداخلاً في إحداث اضطرابات الذاكرة. كما افترضت دراسات عديدة عن الذاكرة والنساوة في الحيوانات تداخل مناطق أخرى من الدماغ في الأعراض التي ترافق النساوة. أما تداخل الفص الجبهي؛ فقد يكون في اللامبالاة والمواربة التي قد ترى عند المرضى.

وهناك أسباب عديدة للنساوة؛ إذ قد يؤدي كل من نقص التيامين (ڤيتامين (B1 وفرط السكر ونقص الأكسجة والتهاب الدماغ بالحلأ البسيط إلى الإضرار بالفصوص الصدغية - ولاسيما الحصين - مما قد يسبب نساوة. وقد تؤدي الأورام، وأمراض الدماغ الوعائية، والتصلب المتعدد إلى ظهور أعراض النساوة حين تصيب المناطق الصدغية، كما قد تؤدي أذيات الدماغ على نحو عام كالرض والتخليج الكهربائي والنوب الصرعية إلى خلل في الذاكرة. وقد رافقت النساوة استعمال أدوية كثيرة؛ مما يوجب على الأطباء معرفة كلّ الأدوية التي يأخذها المريض، والبنزوديازبينات من أكثر الأدوية التي ترافق النساوة؛ ولاسيما مدمني الكحول.

التشخيص:

يتطلب تشخيص النساوة وجود خلل في المقدرة على تعلم معلومات جديدة أو في المقدرة على تذكر معلومات تعلمها المريض سابقاً، كما يجب أن يؤدي اضطراب الذاكرة إلى خلل واضح في الأداء الوظيفي أو الاجتماعي.

المظاهر السريرية:

العرض الرئيس للنساوة هو حدوث خلل الذاكرة الذي يتميز باضطراب القدرة على تعلم الجديد (نساوة تقدمية)  anterograde  وعدم القدرة على تذكر القديم (نساوة رجوعية) retrograde، وتبدأ من فور التعرض لحالة مرضية ما مثل الرض، أو بعد فترة من التعرض، وقد تنحصر فترة النساوة بزمن التعرض للإصابة. تضطرب عادةً الذاكرة قصيرة الأمد والذاكرة الحديثة، فلا يتمكن المرضى من تذكر وجبة الفطور أو الغداء، أو اسم المستشفى أو الطبيب، وتكون النساوة شديدةً جداً في بعض المرضى، فيضطرب التوجه للمكان والزمان؛ ولكن نادراً ما يضطرب التوجه للأشخاص. كما يمكن تذكر المعلومات التي تعلمها المريض في الماضي البعيد؛ في أثناء الطفولة مثلاً، في حين يضطرب تذكر المعلومات الأقرب التي تم تعلمها خلال العقد الماضي مثلاً، ولا تتأثر الذاكرة الفورية كأن يطلب من المريض أن يكرر ستة أرقام.

يمكن أن يكون بدء الأعراض مفاجئا كما في الرض والحوادث الوعائية الدماغية وأذى المواد الكيميائية السامة عصبياً، وقد يكون تدريجياً كما في سوء التغذية وأورام الدماغ. وقد ترافق النساوة أعراض متنوعة أخرى مثل تغيرات الشخصية الواضحة أو الخفية، فيصبح المرضى بليدي الوجدان، وضعيفي المبادرة، ويبدون نوباً غير محرضة من الهياج أو يظهرون وداً وموافقة مفرطة، ولا يملك المصابون بصيرةً جيدة للوضع النفسي العصبي الذي يمرون به. وحين يعاني المصابون بالنساوة اضطرابات معرفية أخرى؛ فإن تشخيص الخرف أو الهذيان أكثر مناسبةً لحالهم من تشخيص النساوة.

يرافق الأمراض الوعائية الدماغية التي تصيب المهاد – ولاسيما أجزاءه الأمامية – حدوث النساوة غالباً، كما تحدث النساوة في سياق التصلب المتعدد حين تتشكل اللويحات في الفص الصدغي ومناطق الدماغ البيني، ويشكل خلل الذاكرة أكثر شكوى شيوعاً في المصابين بالتصلب المتعدد؛ إذ يُشاهد في 40-60% منهم اختلال القدرة على التذكر المباشر أو المتأخر.

ومن أهم متلازمات النساوة المزمنة:

متلازمة كورساكوف التي تحدث نتيجة عوز التيامين، وهو ما تغلب رؤيته في الأشخاص ضعيفي التغذية ممن يدمنون معاقرة الكحول. ويرافق متلازمة كورساكوف عادةً اعتلال الدماغ لفيرنيكه Wernicke الذي يتظاهر بمتلازمة الهذيان والرنح والشلول العينية؛ يزول منها الهذيان خلال شهر تقريباً في حين ترافق النساوة أو تتبع الاعتلال غير المعالج في ما يقرب من 85% من كل الحالات.

ومن الملاحظ أن المصابين بمتلازمة كورساكوف يبدو فيهم تغير في الشخصية كتناقص العفوية spontaneity والمبادرة وفقر الاهتمام، وتماثل هذه التغيرات ما يحدث في إصابات الفص الجبهي؛ التي يعاني المصابون بها مشكلات حقيقية في الأداء التنفيذي، وفي التخطيط، وفي المنطق الاستنتاجي بما يتوافق مع نمط آفات الفص الجبهي، لذا فإن متلازمة كورساكوف ليست اضطراباً صرفاً في الذاكرة؛ على الرغم من أنها بلا شك مثال جيد عن أكثر التظاهرات المرضية لمتلازمة النساوة شيوعاً.

أما النساوات العابرة فتشمل:

-  النساوة الشاملة العابرة: غالباً ما يحدث فقد الذاكرة العابر الشامل في متوسط العمر أو في المسنين، ونسبة إصابة الرجال به أعلى من نسبة إصابة النساء، يستمر عادةً عدة ساعات، ويتميز بتكرار الأسئلة، كما قد يحدث بعض التخليط، لكن المريض لا يبدي فقد سمات الشخصية. قد تُسبق نوبة النساوة العابرة أحياناً بالصداع أو الغثيان، أو حدث صادم، أو تداخل طبي، أو رياضة منهكة، وقد وجدت إحدى الدراسات أن متوسط مدة النساوة أربع ساعات؛ وأطولها 12 ساعة. وفي الحالات التي أُجري الفحص العصبي النفسي في أثناء النوبة الحادة من النساوة العابرة أظهر المرضى فقد ذاكرة تقدمياً anterograde عميقاً. أما الشفاء الكامل أو شبه الكامل للنساوة؛ فيتم خلال عدة أسابيع أو عدة أشهر بعد النوبة الحادة.

-  النساوة الصرعية العابرة: يشير هذا المصطلح إلى عدد قليل من المصابين بالنساوة الشاملة العابرة التي يبدو أنها ناجمة عن الصرع، وقد يبقى لدى المصابين بهذا النوع من النساوة قصور بين النوب.

-  رضوح الرأس: من المهم في رضوح الرأس التمييز بين النساوة الرجوعية التي قد تستمر عدة ثوانٍ أو دقائق، وبين فترات أطول من النساوة التالية للرضح، وبين جزر من الذاكرة المحفوظة ضمن فجوة الذاكرة المفقودة. قد تحدث النساوة التالية للرضح دون فقد ذاكرة رجوعي، ويفترض على نحو عام أن النساوة التالية للرضح تعكس درجة انتشار الأذية داخل الدماغ، كما تُعدّ مدة النساوة التالية للرضح مؤشراً للناتج المعرفي النهائي. يجب تفريق النساوة التالية للرضح عن النساوة التقدمية المستمرة لفترة طويلة بعد الرضح والتي يتم تحديدها بالتقييم السريري أو المعرفي. وكذلك قد يكون النسيان شكوى شائعة ضمن نطاق متلازمة ما بعد الرضح التي قد تشتمل أيضاً على القلق والتململ restlessness وضعف التركيز وتعدد الشكاوى الجسدية الأخرى.

-  الغشيات الكحولية :alcoholic blackouts الغشيات الكحولية نوبات منعزلة من النساوة لأحداث بعينها، ولا يجب الخلط بينها وبين نوب الامتناع أو أي ظواهر أخرى متعلقة بالنشبات .strokes ترافق الغشيات الكحولية التسمم الشديد بالكحول الذي يحدث في سياق تاريخ مطول من معاقرة الكحول لا يستطيع المصاب فيها تذكر شيء من نوبة التسمم.

 - النساوة بعد المعالجة بالتخليج الكهربائي: ترافق المعالجة بالتخليج الكهربائي نساوة راجعة عدة دقائق قبل التخليج ونساوة تقدمية لما بعد المعالجة، وتزول هذه النساوة في خمس ساعات، وقد تبقى تأثيرات خفيفة في الذاكرة شهراً أو شهرين بعد إنهاء دورة المعالجة بالتخليج، وتزداد شدتها بفعل البنزوديازبينات والعوامل المضادة للكولين.

-  اضطراب الكرب التالي للرضح   :post-traumatic stress disorder (PTSD)قد تتظاهر في هذا الاضطراب حالات من النساوة قصيرة الأمد وتشوهات الذاكرة حتى تخريفات صريحة. ومن المثير للاهتمام أن أعراض الكرب التالي للرض قد تتظاهر حتى عندما يكون المريض فاقداً تماماً للذاكرة المتعلقة بالحادث.

يتصف اضطراب الكرب التالي للرضح بتداخل الأفكار والذكريات المتعلقة بالحادث، ويصاب المريض في بعض الحالات بفقد الذاكرة قصير الأمد، وقد يبدي خللاً في الذاكرة التقدمية للمهمات الرسمية لسنوات بعد الحادث. ومما يثير الاهتمام أن المريض قد ينسى فترة الحادث نسياناً تاماً؛ لكنه يستمر في إظهار كامل أعراض اضطراب الكرب التالي للرضح.

 - الشرود نفسي المنشأ :psychogenic fugue هو حالة من فقد كل الذكريات الذاتية بما فيها الهوية فقداً مفاجئاً يستمر بضع ساعات أو أياماً، وترافقه فترات من التجوال، تنقلب إلى فجوات في الذاكرة بعد الشفاء. وتتميز حالات الشرود نفسي المنشأ من النساوة الشاملة العابرة أو النساوة الصرعية بأن الشخص في الأولى لا يعرف من هو، ولا يكون تكرار الأسئلة ملمحاً مميزاً للحالة.

 - تشاهد نساوة الاعتداء amnesia of offences في 25-45% من المعتدين في جرائم القتل الذين يزعمون عدم تذكرهم لما حدث، ويجب في هذه الحالات نفي الأسباب العضوية الكامنة كالصرع ورض الرأس ونقص السكر والمشي في أثناء النوم.

التشخيص التفريقي:

تفرق النساوة عن الهذيان بأنها تحدث من دون اضطراب الوعي، وتتميز بالحفاظ على بقية الوظائف المعرفية، أما بالنسبة إلى الخرف من نمط ألزهايمر؛ فإن الجدول (7) يبين الفرق بينه وبين النساوة:

 

الخرف من نمط الزهايمر

النساوة

البدء

مخاتل

مفاجئ

السير

تدهور تقدمي

ثابت أو متحسن

الذاكرة التقدمية anterograde

تختل

تختل

الذاكرة الرجوعية retrograde

تختل

يطغى خلل تسمية الأشخاص والأشياء

الذاكرة لمعاني الكلمات

تختل

سليمة

اللغة

تختل

سليمة

الأداء

يختل

سليم

(الجدول رقم 7)

 

السير والإنذار:

يعتمد سير اضطراب النساوة على السببيات والعلاج؛ ولاسيما العلاج المبكر. على نحو عام: إن النساوة هي اضطراب ساكن لا يتطور للأسوأ، وقد يلاحظ تحسن طفيف مع الوقت، والاستثناءات لهذه القاعدة هي حالات النساوة الحادة، كالنساوة الشاملة العابرة، التي تنحل على نحو كامل خلال ساعات أو أيام، والنساوة الناجمة عن رضح الرأس التي تتحسن على نحو ثابت خلال الأشهر التالية  للإصابة.

المعالجة:

المقاربة الأولية لعلاج النساوة هي علاج السبب. ومع أن المريض في حالة من النساوة؛ فإن تزويده بمعلومات داعمة عن الوقت والتاريخ والمكان والأشخاص قد يكون مفيداً وقد يساعد على التقليل من قلق المريض.

رابعاً- الطب النفسي لرضوح الرأس:

الباثولوجيا العصبية:

قد تسبب رضوح الرأس إصابات مفتوحة تنطوي على اقتحام الجمجمة وتخريب نسج الدماغ، أو تسبب إصابات مغلقة تنجم عن قوى تسارع الدماغ وتباطئه؛ إذ يتحرك الدماغ اللين مصطدماً بمحيطه العظمي القاسي، فيصاب بأذيات تتدرج من النزف الوعائي الخفيف إلى ضرر الدماغ شبه الكامل. يحدث النزف داخل الدماغ عادة في السطوح الفاصلة بين المادتين البيضاء والرمادية، كما قد يحدث خارج الجافية وتحتها، فيعمل كآفة شاغلة لحيز تسهم في رفع الضغط داخل القحف. قد تؤدي رضوح الرأس أيضاً إلى إصابة محوارية منتشرة تحدث في مسارات المادة البيضاء الموجودة ضمن نصفي الكرة المخية، كما قد تؤدي إلى حدوث الوذمات وإقفار المخ.

لرضوح الرأس تأثيرات فورية وتأثيرات متأخرة، فقد يؤدي النزف الذي يرافقه ارتفاع ضغط شديد داخل القحف إلى حدوث السبات والموت السريع، في حين يميل النزف تحت الجافية إلى السير سيراً تحت حاد، وقد يتظاهر بأعراض تتطلب عناية الأطباء النفسيين. أما الـتأثيرات المتأخرة فتشمل ضمور الدماغ الذي قد يحدث على مدى الأسابيع أو الأشهر التالية للإصابة، ويظهر بشكل استسقاء الدماغ وتوسع البطينات المنتشر، ويرافقه عادة ضمور الجسم الثفني corpus callosum، ومن المهم جداً تفريق استسقاء الدماغ عن التأثيرات المتبقية للدماء النازفة تحت العنكبوت. يضاف إلى ذلك ما قد تسببه الكسور في أرضية الجمجمة من وصول العدوى إلى الحيز تحت العنكبوت مؤدية إلى التهاب السحايا. أما الخراجات الدماغية فقد تتطلب أشهراً؛ كي تصبح واضحة سريرياً.

وآلية فقد الوعي التالي لإصابات الرأس الخفيفة ما زالت مجهولة؛ ويرى بعض الباحثين بالاعتماد على دراسات على الحيوانات أنها تنجم عن تفعيل النوى الكولينية ضمن الجسر  pons، ويحتمل أن ينجم فقد الوعي الذي يستمر أكثر من عدة دقائق عن تأذي المناطق القشرية الأساسية للوعي أو تأذي نظام اليقظة تحت القشري، بيد أن تصوير الدماغ قد يكون طبيعياً عند بعض المرضى المصابين بغيبوبة طويلة الأمد.

العقابيل النفسية لإصابات الدماغ:

من المهم لفهم الأعراض النفسية التالية للإصابة أن يُعرف الشخص المصاب نفسه:

1-الاختلال المعرفي: يرتبط الاختلال المعرفي بشدة الإصابة الدماغية أكثر من أي من الأعراض النفسية الأخرى. وتلاحظ اختلالات الكلام إضافة إلى تأثر التواصل الاجتماعي والصعوبة في إيجاد الكلمات.

2-التركيز والانتباه: تتضمن الاختلالات المعرفية غير النوعية بطء التركيز وانخفاضه.

3-خلل الذاكرة: قد يكون خلل الذاكرة الشكل الأكثر شيوعاً من أشكال اختلال المعرفة؛ إذ يصاب المرضى بنساوة تقدمية، وهو ما يجب تفريقه عن النساوة التراجعية والنساوة التالية للرضح.

4-تغير الشخصية: يُعدّ تغير الشخصية سبب المعاناة الأكبر. وقد يكون لموضع الضرر الدماغي شأن في تغير الشخصية. فقد تسبب الآفات الجبهية الحجاجية مثلاً تغيرات في الشخصية أكثر إزعاجاً مع اختلالات في السلوك الاجتماعي، كما يحتمل أن يتعلم بعض المرضى نماذج مشوهة من السلوك.

5-تتضمن تغيرات الشخصية اللامبالاة واضطراب الدافع والطموح. يوصف المرضى غالباً بالطفوليين بما يندرج تحت هذا التعبير من الاندفاعية والتحمل المنخفض للحرمان والتحول إلى شخص متطلب، وعلى نحو عام يفتقر هؤلاء الأشخاص إلى القدرة على القيام بدور البالغ في عملية اتخاذ القرارات المهمة.

الشفاء: يشفى بعض الوظائف المعرفية على نحو كبير في السنة الأولى. وينجم التحسن بعد سنتين من تحسن طرائق التأقلم. أما متابعة التحسن والعودة للمساهمة في الحياة الاجتماعية فيتم في السنوات 5-10 بعد الإصابة.

المتلازمة التالية للارتجاج  :post-concussion syndrome

هناك غموض في تعريف هذه المتلازمة، وقد يكون من المضل الاحتفاظ بهذا المصطلح لوصف معقد الأعراض التي قد تنتهي على نحو مفاجئ بإعاقة شديدة بعد إصابة الرأس إصابة خفيفة. ولا توجد علاقة توافق بين انتشار الأعراض التالية للارتجاج وشدة الإصابة. تميل الأعراض الباكرة إلى أن تكون ذات طابع عصبي كالصداع والغثيان وازدواج الرؤية أحياناً. وتؤدي الإصابات المتوسطة إلى خلل في عمليات معالجة المعلومات. كما يشكو المرضى التعب في المراحل المبكرة، وتشيع لديهم أعراض القلق والاكتئاب والهيوجية، وقد يكون ذلك بعد فترة كمون.

إصابات الرأس عند الأطفال:

من المحتمل أن تخفف اللدونة plasticity العصبية عند الأطفال من عواقب رضوح الرأس، وهو ما تم إثباته في سياق الإصابات المتوسطة والخفيفة، بيد أن الإصابات الشديدة غالباً ما تسبب للأطفال قصوراً معرفياً دائماً إضافة إلى المشكلات السلوكية، ولعناية الأهل تأثير قوي في النتائج هنا. وتشمل أكثر الاضطرابات السلوكية التالية لإصابة الرأس عند الأطفال شيوعاً: تغيرات الشخصية، واضْطِراب نَقْصِ الانْتِباهِ مَعَ فَرْطِ النَّشَاط، واضطراب الوسواس القهري. وعلى المدى الطويل يكون الأطفال الذين تعرضوا لإصابة في الرأس أكثر عرضة للإصابة بالفصام؛ إضافة إلى ارتفاع احتمال إصابتهم بالصرع التالي للرضح على نحو أكبر مما يشاهد عند البالغين.

الملاكمة: يصاب قرابة 10-20% من الملاكمين المحترفين بأذيات دماغية تالية للرضح المتكرر تشمل تأذي الجملة خارج الهرمية إضافة إلى السبل الهرمية والمخيخية، وترافق هذه الأذيات عادة اختلالات معرفية ولاسيما الذاكرة، إضافة إلى حدوث الخرف بنسبة 50% من هذه الحالات.

خامساً- طب نفس الشيخوخة  :geriatric psychiatry

التقدم بالسن ليس مرضاً، بل هو مرحلة من مراحل حياة الإنسان تتميز بمسائلها التطورية الخاصة، التي يتصف كثير منها بفقدان الحيوية الجسدية والدقة العقلية والأصدقاء والقوة والمنزلة، ولكن في الوقت نفسه يرافق الشيخوخة تراكم الحكمة والقدرة على نقلها إلى الأجيال القادمة، وهذا ما دعا إريك إريكسون أن يعدّ الشيخوخة الطبيعية وقت بلوغ الطمأنينة؛ وليس اليأس. ولكن - وعلى عكس هذه المجموعة من الشيوخ السليمين - هناك مجموعة المسنين المرضى الذين يعانون أمراضاً جسدية أو عقلية أو المرضين معاً تعطل قدرتهم على الأداء أو حتى على النجاة، وتشكل هذه المجموعة الأخيرة بؤرة اهتمام طب نفس الشيخوخة الذي يتعامل مع تشخيص الاضطرابات النفسية عند المسنين وعلاجها والوقاية منها.

شهد العالم في العقود القليلة الماضية - ويتوقع أن يشهد خلال العقود القادمة - ارتفاعاً في معدلات أعمار سكان العالم، وقد أصبح ارتفاع نسبة المسنين واضحاً بين سكان الدول المتقدمة، ويتوقع أن ترتفع هذه النسبة في الدول النامية أيضاً. إن تعمير سكان العالم يعني بالضرورة زيادة أهمية الأمراض التي يرتبط انتشارها بتقدم العمر، ولمعرفة كيفية اختلاف انتشار الأمراض النفسية مع العمر يُحتاج إلى مسوحات كبيرة للسكان، وهذا ما قامت به إحدى الدراسات في الولايات المتحدة الأمريكية خلال ثمانينيات القرن الماضي، فوجدت أن الاضطرابات المعرفية الشديدة - ولاسيما الناتجة عن الخرف - تتزايد مع التقدم بالعمر، في حين ينخفض كل من القلق والاكتئاب وتعاطي المواد الفعالة نفسياً.

لقد ساهم تقدم التقنيات الطبية كثيراً فيما يطلق عليه اسم الثورة العمرية، التي تمثل على نحو أساسي نمواً سريعاً لشريحة السكان العمرية العليا؛ إذ يشكل الأشخاص في عمر الـ 85 سنة أسرع شريحة عمرية نمواً في الولايات المتحدة الأمريكية، وهم أكثر شريحة عمرية تعرضاً للمراضة وللتشارك المرضي النفسي- الجسدي.

يتعرض المسنون لكروب عديدة أشدها الأمراض الطبية المزمنة والحادة، واستخدام الأدوية العلاجية، والتداخلات المعقدة بين الأدوية و الأمراض، لذا كان على الأطباء النفسيين تمييز كل من المرض الجسدي والمرض النفسي عند مرضاهم؛ إضافة إلى امتلاك المهارات اللازمة في العلوم الاجتماعية، والمعرفة بنظام تقديم الرعاية الصحية وبطرق تمويل الدعم الاجتماعي؛ ولاسيما بيوت العجزة. كما أن توقف المريض عن العمل سواء بالتقاعد الطوعي أم غير الطوعي يؤدي إلى خفض المدخول المادي والمنزلة الاجتماعية، ويضيق شبكة الشخص الاجتماعية، إضافة إلى فقد الأقرباء والأصدقاء لموتهم أو لمرضهم؛ مما يصل بالمسن إلى حالة من الحرمان النفسي والفراغ الذي قد يصعب إعادة ملئه؛ إذ يصعب على المسنين خلق صلات اجتماعية جديدة كالزواج مثلاً. ويقود الضعف الجسدي وفقد الأصدقاء إلى تحديد حركة المسن مما يؤدي بدوره إلى اشتداد العزلة وتزايد صعوبة متابعة النشاطات الحياتية اليومية، كتحصيل الطعام والثياب والحفاظ على المسكن. وبانتقال المسنين إلى دور الرعاية؛ فإنهم لا يفقدون فقط معظم ممتلكاتهم ومعارفهم، بل إن الأمر يتعدى ذلك إلى فقدهم خصوصيتهم وإحساسهم بقيمة الذات. وتزداد الأمراض النفسية والجسدية عند المسنين بسبب الفقر.

الفحص النفسي للمرضى المسنين:

يماثل فحص المرضى المسنين النفسي الفحص المتبع للمرضى البالغين، ولكن- بسبب ارتفاع معدل انتشار الاضطرابات المعرفية عند المسنين- يجب التأكد أولاً ما إذا كان الشخص يفهم طبيعة الفحص وهدفه. ويتم أخذ قصة مستقلة من العائلة أو مقدمي الرعاية حين يكون الشخص مصاباً باضطراب معرفي، ولكن يبقى الطبيب ملزماً بمقابلة المريض على انفراد للحفاظ على خصوصية العلاقة بين الطبيب والمريض ولنفي أي أفكار انتحارية أو زورانية قد لا يكون المريض راغباً في الإفصاح عنها بوجود قريب أو ممرضة في غرفة الفحص.

القصة المرضية النفسية:

تتضمن التعريف بالشخص، ثم تسجيل الشكاية الرئيسة وتاريخ المرض الحالي والسوابق المرضية والتاريخ الشخصي والتاريخ العائلي، مع الإحاطة بالأدوية (الموصوفة أو من دون وصفة) التي يأخذها المريض أو التي تناولها في الماضي القريب.

فحص الحالة العقلية: ويتضمن:

-  المظهر العام (المظهر، الفعالية الحركية، الموقف من الفاحص، فعالية الكلام).

-  تقييم الأداء (الوظائف اليومية العادية التي يجب التأكد من أن الأشخاص فوق عمر الـ 65 سنة قادرون على القيام بها).

-  المزاج والوجدان (يكون الانتحار سبباً مهماً للموت عند المسنين، ويعدّ تحمل مشاعر الوحدة والعجز وقلة القيمة للذات خطورة كبرى للتفكير بالانتحار، وقد تتدخل حالة المزاج في الأداء المعرفي).

 - اضطرابات الإدراك (الأهلاسات «الانخداعات» التي تشكل عرضاً عابراً عند المسنين بسبب انخفاض حدة الإحساس).

-  الناتج اللغوي (الحبسات).

 - الأداء البصري الفراغي (نسخ الأشكال، الرسم).

-  التفكير (السَّلَطة الكلامية، اللغة الجديدة، الضُّلالات).

-  الحس والمعرفة (الحواس، الذكاء).

-  الوعي، والتوجه، والذاكرة (المباشرة والحديثة والبعيدة).

 - الذكاء والمهمات الفكرية (العد والحساب، القراءة والكتابة).

-  المحاكمة (ما هو تصرّف المريض إذا شم رائحة دخان).

التقييم النفسي العصبي:

من أكثر الاختبارات المستخدمة هنا اختبار الحالة العقلية المصغر  MMSEالذي يقيِّم التوجه والانتباه والحساب والتذكر المباشر وقصير الأمد، والقدرة على تنفيذ تعليمات بسيطة [ر. الفحص والتشخيص في الطب النفسي]. يستخدم هذا الاختبار لاكتشاف الاضطرابات ولمتابعة سير المرض ومراقبة استجابة المريض للعلاج؛ لكنه لا يستخدم للحصول على تشخيص رسمي. ويتم تقييم قدرات الذكاء عند المرضى باختبار ويشلر للذكاء عند البالغين Wechsler Adult Intelligence Scale  الذي يعطي علامات للفظ وللأداء وللذكاء.

الكشف المبكر والوقاية:

يتطور العديد من الأمراض المرتبطة بالعمر على نحو مخاتل وتدريجي على مدى السنين، ويمثل داء ألزهايمر السبب الأكثر شيوعاً للخلل المعرفي في السن المتأخرة؛ إذ يلاحظ ترقي التراجع المعرفي الذي يبدأ بفقد خفيف للذاكرة، وينتهي بتدهور سلوكي ومعرفي شديد. ولأن منع حدوث الضرر العصبي أسهل من إصلاحه بعد حدوثه؛ فإن الباحثين يعملون على تطوير آليات للكشف المبكر والوقاية من الأمراض المرتبطة بالعمر، كداء ألزهايمر. وقد أحرز الباحثون تقدماً ملحوظاً في تطوير الجزء الاستكشافي من هذه الآلية؛ باستخدام طرق تصوير الدماغ، كالتصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني PET والتصوير بالرنين المغنطيسي الوظيفي  fMRI وتدابير الخطورة الوراثية. وتمكن هذه المقاربات من كشف التغيرات الصغيرة في الدماغ و متابعة تطورها مع الوقت، كما تسمح بمراقبة تقدم المرض وباختبار العلاجات الجديدة المصممة لإبطاء الشيخوخة. وقد أثبتت المقاربات الحديثة - في قياس البراهين المادية لداء ألزهايمر من اللُّوَيْحات plaques والتَّشابُكات tangles في قشر المخ- نجاحها في الدراسات الأولية، ويرجح أنها ستسهل اختبار علاجات مبتكرة لتخليص الدماغ من هذه الآفات. قد لا يكون العلماء قادرين على شفاء داء ألزهايمر حين حدوثه إلا أنهم قد يتمكنون من تأخير بدئه؛ مما يساعد المرضى على العيش فترة أطول من دون المظاهر المنهكة للمرض بما في ذلك التدهور المعرفي.

الاضطرابات النفسية عند المسنين:

وجد المعهد الوطني للصحة العقلية أن أكثر الاضطرابات النفسية شيوعاً مع تقدم العمر هي الاضطرابات الاكتئابية والاضطرابات المعرفية والرهابات وتعاطي الكحول، ويعاني كبار السن أيضاً خطورة عالية للانتحار وتعاطي المواد الفعالة نفسياً. هذا ومن الممكن الوقاية من الكثير من الأمراض النفسية في العمر المتقدم، إضافة إلى تحسنها أو حتى عكسها، وللأسباب العكوسة للخرف والهذيان أهمية خاصة؛ إذ إنها إن لم تشخص بدقة وتعالج في الوقت المناسب قد تتطور إلى حالات غير عكوسة.

هناك العديد من عوامل الخطورة النفسية الاجتماعية التي قد تهيئ للإصابة بالأمراض النفسية عند المسنين، مثل فقدان الدور الاجتماعي، وفقدان الاستقلالية، وموت الأصدقاء والأقارب، وتدهور الصحة، وزيادة العزلة، والقيود المالية، وانخفاض الأداء المعرفي. كما قد يسبب العديد من الأدوية أعراضاً نفسية عند كبار السن، وقد تكون هذه الأعراض نتيجة تغيرات في امتصاص الدواء، أو وصف جرعات عالية من الأدوية، أو عدم اتباع التعليمات في تناول الجرعة، أو الحساسية للدواء، أو تضارب الأدوية الموصوفة من قبل أطباء مختلفين.

1-الخرف: يُعدّ الخرف ثاني سبب للعجز - بعد داء الروماتويد- عند من يبلغ عمرهم 65 سنة أو أكثر. ويعاني قرابة 5% من المسنين فوق 65 من العمر في الولايات المتحدة الأمريكية الخرف الشديد، في حين يبدي 15% منهم أعراض خرف خفيف، ويرتفع انتشار الإصابة بالخرف الشديد إلى 20% عند الذين تتجاوز أعمارهم سن الثمانين سنة، وتتضمن عوامل الخطورة المعروفة للخرف: العمر والسوابق العائلية والجنس المؤنث.

على عكس التخلف العقلي؛ فإن الخلل الفكري في الخرف يتطور مع الوقت، ويتمثل بفقدان تدريجي للوظائف العقلية التي تم تحقيقها سابقاً في حياة الفرد. تحتوي التغيرات المميزة في الخرف على تدهور المعرفة والذاكرة واللغة والمهارات البصرية الفراغية  visuospatial skills، ولكن يشيع أيضاً حدوث اضطرابات سلوكية تتضمن الهياج والتململ والتجول والغضب والاندفاعية والعنف والصراخ وفقدان التثبيط الاجتماعي والجنسي واضطراب النوم، كما تشاهد الضُّلالات والأهلاسات خلال سير الخرف عند قرابة 75% من المرضى.

إن العامل المسبب للخرف قابل للشفاء في 10-15% من كل المرضى الذين يبدون أعراض الخرف، وتتضمن الحالات القابلة للشفاء الأمراض الجهازية كأمراض القلب، وأمراض الكلية، وقصور القلب الاحتقاني، والاضطرابات الغدية كقصور الدرقية، وعوز الڤيتامينات، وسوء استخدام الأدوية، والاضطرابات النفسية الأولية؛ ولاسيما الاضطراب الاكتئابي.

2-الاضطرابات الاكتئابية: تشاهد أعراض اكتئابية في قرابة 15% من المسنين، ولا يُعدّ التقدم بالعمر وحده عامل خطورة للإصابة بالاكتئاب، لكن ترمل المسن وإصابته بمرض مزمن يزيدان من احتمال إصابته باضطراب اكتئابي، ويتميز الاكتئاب ذو البدء المتأخر بمعدلات تكرر عالية.

تتضمن العلامات الشائعة للاضطراب الاكتئابي انخفاض الطاقة والتركيز، ومشكلات في النوم (تقطع النوم والاستيقاظ الصباحي المبكر خاصة)، وانخفاض الشهية، وفقد الوزن، وشكايات جسدية؛ وقد تختلف الأعراض في المسنين المكتئبين عنها في البالغين الأصغر عمراً بسبب ازدياد التشديد على الأعراض الجسدية عند المسنين، ويتميز المسنون المكتئبون بتعرضهم للإصابة بالسوداوية melancholia وبالمراق hypochondriasis وبانخفاض تقدير الذات والشعور بعدم الأهمية، والميل للوم الذات (خاصة فيما يتعلق بالجنس والخطيئة) مع أفكار انتحارية وزورانية، وقد يبلغ الخلل المعرفي في الاكتئاب عند المسنين درجة الخرف الكاذب الذي يتميز من الخرف الحقيقي بأن المصابين بالخرف الكاذب أقل عرضة للإصابة باضطراب اللغة وبأنهم يميلون إلى أن يقولوا: "لا أعرف" عندما لا يكونون متأكدين من الإجابة، ويحدث الخرف الكاذب عند نحو 15% من كبار السن المكتئبين، في حين يصاب 25-50% من المصابين بالخرف بالاكتئاب.

3-الفصام: يبدأ الفصام عادةً في مرحلة المراهقة المتأخرة أو بداية البلوغ، ولكن هناك حالات قليلة تبدأ بعد سن الخامسة والأربعين وحالات أقل تبدأ بعد سن الخامسة والستين، ويرجح أن إصابة النساء تفوق إصابة الرجال في العمر المتأخر. ومن الفروق الأخرى بين الفصام متأخر البدء ومبكر البدء زيادة انتشار الفصام الزوراني في نمط البدء المتأخر.

يستجيب الفصام عند المسنين على نحو جيد للأدوية المضادة للذهان، ولكن قد يقل تحملهم لتأثيراتها الجانبية، وقد تتداخل مع أدوية أخرى يتناولونها لعلاج مشاكل صحية أخرى؛ لذلك يجب وصف الأدوية المضادة للذهان بحذر، وكثيراً ما تكون فعالة بجرعات أقل من الجرعات الموصوفة للمرضى الأصغر سناً.

4-الاضطراب الضُّلالي (أو التوهمي) :delusional disorder يراوح عمر بدء الاضطراب الضُّلالي عادة بين 40-55 سنة، لكنه قد يحدث في أي وقت من فترة الشيخوخة، وللضُلالات عدة أشكال؛ والشكل الأكثر شيوعاً هو الضُلال الاضطهادي حيث يضلل المريض بأنه عرضة للتجسس أو للملاحقة أو للتسميم أو للتحرش بطريقة ما؛ ما قد يجعله عنيفاً تجاه الأشخاص الذين يضلل أنهم يضطهدونه، أو يدفعه إلى أن يحبس نفسه في غرفته؛ ليعيش حياة منعزلة. وقد تحدث عند المسنين ضُلالات جسدية يعتقد المريض فيها أنه مصاب بمرض قاتل.

قد يظهر الاضطراب الضُّلالي عند الأشخاص المهيئين عقب التعرض لكرب جسدي أو نفسي مثل وفاة الزوج أو فقدان الوظيفة أو العزلة الاجتماعية أو تدهور الظروف المادية أو ضعف النظر أو السمع أو الإصابة بمرض جسدي، ولما كانت الضُّلالات قد تحدث في سياق العديد من الاضطرابات النفسية؛ فإن تشخيص الاضطراب الضِّلالي يستوجب استبعاد تشخيص داء ألزهايمر، واضطرابات استخدام الكحول، والاضطرابات الاكتئابية، والاضطراب ثنائي القطب؛ مع التنبه أيضاً إلى أن الاضطراب الضُّلالي قد ينجم عن الأدوية كما قد يُعدّ علامة باكرة لأورام الدماغ.

5-القلق: يتضمن القلق الهلع والرهابات والوسواس القهري والقلق المعمم والكرب الحاد والكرب التالي للرضح. تبدأ الاضطرابات القلقية عادةً في بداية الكهولة أو وسطها ، لكن بعض الحالات تبدأ بعد عمر الستين، وسجلت إحدى الدراسات أن معدل انتشار القلق خلال مدة شهر بعد عمر الـ 65 أو أكثر تعادل 5.5%، ويبدو أن الأكثر شيوعاً هو الرهابات (4-8%) في حين يشكل الهلع 1%. وتقل شدة علامات الرهاب وأعراضه عند كبار السن عنها عند البالغين الأصغر سناً، لكن تبقى لها الـتأثيرات نفسها؛ مما يعدّ عاملاً موهناً للمسنين.

قد يوجد مثير نوعي للشعور المزمن بالقلق عند المصاب؛ مما يمكن من عزو القلق عند المسنين إلى هشاشة النظام العصبي الذاتي لديهم بعد التعرض لكروب شديدة؛ فبوجود العجز الجسدي المرافق يتفاعل المسنون مع الكرب التالي للرضح - مثلاً- تفاعلاً أشد مما يشاهد عند الأشخاص الأصغر سناً. أما عند عدم وجود مثير نوعي للشعور المزمن بالقلق، فقد تساعد النظريات الوجودية على تفسير القلق عند المسنين؛ إذ يتوجب على كبار السن الالتفات لفكرة الموت، وقد يتعامل الشخص معها بأحاسيس من اليأس والقلق بدل التعامل برصانة وطمأنينة.

وقد تظهر الوساوس والسلوكيات القهرية عند المسنين للمرة الأولى، مع وجود ما يدل عندهم على ظهور الاضطراب في سن مبكرة (مثلاً: فرط التنظيم والكمال والدقة)، وعند ظهور الأعراض تتعاظم رغبة المريض بالترتيب والتماثل واتباع الطقوس، وربما أصبح صلباً وغير مرن على نحو عام مع سلوكيات قهرية تدفعه لتفقد الأشياء مراراً وتكراراً.

6-الاضطرابات جسدية الشكل: تتميز هذه الاضطرابات بأعراض جسدية تماثل الأمراض الطبية الجسدية، وهي ترتبط بطب نفس الشيخوخة؛ لأن الشكايات الجسدية شائعة أكثر بين المسنين، إذ يعاني أكثر من 80% ممن تتجاوز أعمارهم الـ 65 مرضاً مزمناً واحداً على الأقل عادة ما يكون الداء الروماتويد أو المشكلات القلبية الوعائية، في حين يعاني 20% ممن هم فوق الـ 75 من العمر الداء السكري إضافة إلى ما يقارب أربعة أمراض مزمنة قابلة للتشخيص، وتتطلب الرعاية الطبية.

يشيع حدوث داء المُراق hypochondriasis في الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 60 سنة؛ مع أن ذروة حدوثه تكون عند من كانت أعمارهم بين 40-50 سنة، ويكون هذا الاضطراب عادة مزمناً، وإنذاره محتفظ به. يساعد الفحص الجسدي المتكرر على تطمين المرضى بعدم إصابتهم بمرض قاتل، لكن يجب تجنب الإجراءات التشخيصية الغازية ومرتفعة الخطورة إلا في حال الضرورة الطبية. ومن الضروري تجنب إخبار المريض بأن أعراضه خيالية؛ لأن ذلك غالباً ما يولد الاستياء لدى المريض منتجاً تأثيراً عكسياً، بل يجب على الأطباء إعلام المرضى بأن شكايتهم حقيقية؛ لأن الألم موجود فعلاً، ويشعر به المريض، وبأن المقاربات العلاجية الدوائية والنفسية هي المنصوح بها.

7-اضطرابات تعاطي الكحول والمواد الأخرى: يشكل اضطراب تعاطي الكحول والمواد الأخرى نحو 10% من مجموع الاضطرابات النفسية عند المسنين، ويكون لدى المسنين الذين يستهلكون كميات كبيرة من الكحول عادةً تاريخ طويل من استهلاك الكحول بكميات هائلة خلال مراحل عمرهم السابقة، وقد تكون لديهم مشاكل اجتماعية مثل العزوبة أو الطلاق أو الترمل أو التشرد ودخول السجون، كما قد يعاني الكثير منهم أمراضاً كبدية.

يحدث الاعتماد dependence على بعض المواد كالمنومات وحالات القلق عند هذه الفئة العمرية بمعدلات أعلى من بقية الفئات العمرية، وذلك بسبب زيادة استخدام المسنين لهذه المواد بهدف تخفيف القلق المزمن أو تحسين النوم. كما أن وصف المسكنات للمصابين المزمنين بالسرطان قد يؤدي إلى الاعتماد عليها، ولكن الحاجة إلى تخفيف الألم تأخذ الأسبقية على إمكانية حدوث الاعتماد على المسكنات عند هؤلاء المرضى.

تتضمن المظاهر السريرية للاعتماد عند المسنين الهذيان وعدم الاهتمام بالنظافة الشخصية والاكتئاب وسوء التغذية وتكرر السقوط، وقد يلاحظ هذيان مفاجئ بعد القبول في المستشفى بسبب الامتناع عن الكحول، كما يجب التفكير بسوء استخدام الكحول عند المسنين المصابين بمشكلات هضمية مزمنة.

هذا وقد يسيء المسنون استخدام المواد غير الموصوفة طبياً كالنيكوتين والكافيين، ويستخدم 35% منهم المسكنات غير الموصوفة، في حين يقوم 30% باستخدام المسهلات، وينبغي أن ينتبه الطبيب لاحتمال استخدام الأدوية من دون وصفة عند تكرر الشكايات غير القابلة للتفسير من الناحية الهضمية أو النفسية أو الاستقلابية.

8-اضطرابات النوم: يُعدّ التقدم بالعمر العامل الأكثر أهمية الذي ترافقه زيادة انتشار اضطرابات النوم. فإضافة إلى التغيرات النفسية وتغير النشاطات اليومية؛ تشتمل أسباب اضطرابات النوم عند المسنين على اضطرابات النوم الأولية والاضطرابات النفسية الأخرى وعوامل اجتماعية وبيئية.

يُعدّ اخْتِلاَلُ النَّوم dyssomnia الاضطراب الأكثر تواتراً بين اضطرابات النوم الأولية، وأهم أشكاله الأرق الأولي، والرمع العضلي الليلي  nocturnal myoclonus، ومتلازمة الساق غير المرتاحة، وانقطاع النفس في أثناء النوم. أما بالنسبة إلى أشكال الخَطَل النَوميّ  parasomnia؛ فإن اضطراب السلوك خلال نوم حركات العين السريعة REM sleep behavior disorder  يحدث حصرياً عند المسنين؛ ولاسيما الرجال، ويتميز بالصراخ وبالشتائم التي قد تكون لها صلة بالأحلام؛ وبفعالية حركية بسيطة أو معقدة قد تسبب الأذى لشريك الفراش. ومن الحالات الأخرى التي تسبب عادةً اضطراب النوم عند المسنين: الألم وضيق التنفس وحُرْقَةُ الفُؤاد، تضاف إلى ذلك مساهمة الفقر والمسؤوليات الاجتماعية والمهنية. وكنتيجة لقصر مدة دورة النوم - اليقظة لدى المسنين؛ فإن الأشخاص الذين لا يملكون برنامج نشاطات يومياً - ولاسيما أولئك المقيمون في دور الرعاية - قد يعانون مرحلة نوم متقدم، فينامون باكراً، ويستيقظون ليلاً. كما أن تناول الكحول بكميات صغيرة قد يؤثر في نوعية النوم، فيؤدي إلى تقطع النوم وإلى الاستيقاظ الصباحي المبكر، كما يحتمل أن يفاقم الكحول من توقف التنفس في أثناء النوم. ومن أكثر أسباب تدهور نوعية النوم عند المسنين شيوعاً تغيير وقته وتوحيد وقت النوم في دور الرعاية.

وتشمل تغيرات بنية النوم عند الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على الخامسة والستين تغيرات في كل من نَوم الريم (نوم الحَرَكات العَينِيَّة السَّريعَة) والنَّوْم اللاريمي؛ حيث يتضمن اضطراب نَوم الريم إعادة توزيعه خلال الليل، فيزداد تواتر نوباته، وتقصر فترة كل نوبة، وتقل مدته إجمالاً، أما بالنسبة إلى النَّوْم اللاريمي؛ فتنقص فيه سعة موجات دلتا، وينخفض فولتاج المرحلة الثالثة والرابعة من النوم، وتزداد نسبة المرحلتين الأولى والثانية فيه.

9-خطر الانتحار: يعاني المسنون ارتفاع خطر الانتحار مقارنة بأي مجموعة عمرية أخرى؛ إذ يزيد معدل انتحار الرجال البيض فوق عمر الـ 65 خمس مرات عنه لدى عامة الناس، ويقول ثلث المسنين: إن السبب الأساسي وراء تفكيرهم بالانتحار هو الوحدة، كما يشير نحو 10% من المسنين الذين فكروا بالانتحار إلى المشكلات المادية أو ضعف الصحة أو الاكتئاب كأسباب للأفكار الانتحارية. ويختلف عدد ضحايا الانتحار عمن يحاولون الانتحار؛ إذ يشكل الرجال نحو 60% ممن ينتحرون فعلاً؛ في حين تشكل النساء 75% من الذين يحاولون الانتحار. وكقاعدة: يقوم ضحايا الانتحار باستخدام المسدسات أو بشنق أنفسهم، بينما يتناول 70% من محاولي الانتحار الأدوية، ويجرح 20% منهم أنفسهم. وتظهر دراسات تشريح الجثة النفسي psychological autopsy أن معظم المسنين المنتحرين قد عانوا فعلاً اضطراباً نفسيا؛ الاكتئاب خاصة. ويكون أغلب المسنين المنتحرين ممن فقدوا أزواجهم، وأقل منهم العازبون والمطلقون والمنفصلون. وتشيع عند المسنين الطرق العنيفة للانتحار. وتُعدّ الأمراض الجسدية وخسارة الأحبة السبب الأكثر شيوعاً للانتحار عند المسنين، ويُخبر معظم المسنين الذين ينتحرون عائلاتهم أو أصدقاءهم عن أفكارهم الانتحارية قبل تنفيذها.

لذلك ينبغي تقييم الاكتئاب والأفكار أو الخطط الانتحارية عند المسنين الذين تعرضوا لخسارة حديثة أو المصابين بأمراض مزمنة، ويستفاد في هذا التقييم عند الأشخاص الذين لا يستطيعون إيصال أفكارهم  مباشرة من استطلاع نظرتهم للحياة بعد الموت.

حالات أخرى تتعلق بالشيخوخة:

1-الدوار :vertigo يشكل الشعور بالدوار أو الدوخة شكوى شائعة عند المسنين، وتخفض من فعاليتهم عادةً بسبب خوفهم من السقوط. وتتنوع أسباب الدوار، وتتضمن فقر الدم وانخفاض الضغط وعدم انتظام القلب وأمراض الأوعية الدماغية وقصور الشريان القاعدي وأمراض الأذن الوسطى وورم العصب السمعي وداء مينير، وتنطوي أغلب حالات الدوار على مكون نفسي قوي، ويجب على الطبيب التأكد من وجود أي مكسب ثانوي من العَرَض.

2-الغَشْي :syncope ينتج الفقدان المفاجئ للوعي الذي يميز الغَشْي من انخفاض تدفق الدم الدماغي ونقص أكسجة الدماغ؛ مما يوجب إجراء استقصاءات شاملة لنفي الأسباب المحتملة التالية:

أ- الاضطرابات القلبية:

(1)-تشريحية/ دسامية:

 - تضيق الأبهر.

 - تدلي التاجي وقلسه.

-  اعتلال عضلة القلب الضخامي.

 - الورم المخاطي.

(2)-كهربائية:

-  اضطراب النظم التسرعي.

 - اضطراب النظم البطيء.

 - حصار القلب.

 - متلازمة العقدة المريضة.

(3)-وظيفية: نقص التروية والاحتشاء.

(4)-انخفاض الضغط الظرفي:

 - التجفاف.

 - انخفاض الضغط الانتصابي.

-  انخفاض الضغط بعد الأكل.

(5)-المنعكسات القلبية غير الطبيعية:

 - متلازمة الجيب السباتي.

 - الغشي المبهمي.

(6)-الأدوية:

-  الموسعات الوعائية.

 - حاصرات قنوات الكلسيوم.

-  المدرات.

 - حاصرات بيتا.

ب- شذوذات الجهاز العصبي المركزي:

-  قصور الأوعية الدماغية.

 - النوب الصرعية.

ج- الشذوذات الاستقلابية:

 - نقص الأكسجة.

 - نقص سكر الدم أو فرطه.

 - فقر الدم.

د- الاضطرابات الرئوية:

 - الداء الرئوي الانسدادي المزمن.

-  التهاب الرئة.

 - الصمات الرئوية.

3-نقص السمع: يعاني قرابة 3% ممن تتجاوز أعمارهم الـ 65 سنة نقص سمع نوعياً (صمم شيخوخي)، ويرتفع هذا الرقم بعد عمر الـ 75 إلى 50%، ويجب على الأطباء الانتباه لنقص السمع عند المرضى الذين يطلبون تكرار السؤال.

4-إساءة معاملة المسنين :elder abuse يتعرض ما يقرب من 10% من الأشخاص فوق عمر 65 سنة لسوء المعاملة، وقد عرفت الرابطة الأمريكية الطبية إساءة معاملة المسنين على أنه أي فعل أو تقصير يسبب أو يهدد بحدوث أذى لصحة المسن أو لرفاهته. ولإساءة المعاملة أربعة أنواع، هي الإهمال وسوء المعاملة الجسدي والنفسي والجنسي. أما أفعال التقصير فتتضمن حجب الطعام أو الدواء أو اللباس أو غيرها من الضروريات. هذا وتكمن النزاعات العائلية وغيرها من المشكلات وراء الإساءة للمسنين، ويميل الضحايا إلى أن يكونوا مسنين جداً ومدنفين، كما يميل كل من الضحية والمعتدي إلى إنكار حدوث الإساءة أو التقليل من أهميتها. ويتطلب التعامل مع هذه الحالات تداخلات وخدمات قانونية ونفسية واجتماعية.

4-وفاة الزوج: تبين البيانات الديموغرافية أن نسبة 51% من النساء و 14% من الرجال فوق عمر 65 سنة يترملون مرّة واحدة على الأقل، ويشكل فقدان الزوج إحدى أكثر التجارب إثارة للكرب على الإطلاق، ويبلغ الاكتئاب ذروته في الأشهر القليلة الأولى التالية للوفاة؛ لكنه يتراجع على نحو واضح خلال سنة.

المداواة النفسية لاضطرابات الشيخوخة:

ينبغي اتباع الإرشادات العلاجية المسندة بالبراهين عند وصف أي دواء للمرضى المسنين، ومن الأساسي إجراء تقييم طبي كامل قبل البدء بالمعالجة؛ بما فيه تخطيط الدماغ الكهربائي. ومن المفيد على نحو خاص الحصول من قبل المريض أو أفراد العائلة على كل الأدوية التي يتناولها المريض في وقت التقييم، لأن تعدد الأدوية قد يسهم في حدوث الأعراض. ويجب تجزئة الأدوية النفسية إلى ثلاث جرعات متساوية أو أربع خلال 24 ساعة؛ فقد لا يتحمل المرضى المسنون الزيادة المفاجئة في تركيز الدواء في المصل؛ إذا أعطي بجرعة وحيدة، إضافة إلى ضرورة رصد أي تغيرات في النبض أو ضغط الدم أو أي تأثيرات جانبية أخرى. يستثنى من ذلك المرضى المصابون بالأرق الذين قد يعطون الجزء الأكبر من جرعة مضاد الاكتئاب أو مضاد الذهان وقت النوم؛ لما لهذه الأدوية من تأثير مركن ومنوم. وتنفع المستحضرات السائلة من الدواء المسنين الذين لا يستطيعون أو لا يرغبون ببلع الأقراص. ويتوجب على الأطباء إجراء تقييم دوري للمرضى للتأكد من الحاجة إلى جرعات صيانة من الدواء، ولتغيير الجرعات ولرصد التأثيرات الجانبية.

يستخدم المرضى من الفئة العمرية فوق 65 سنة العدد الأعظم من الأدوية مقارنة بأي فئة عمرية أخرى؛ إذ تكتب 25% من الوصفات الطبية لهم، وتصنف الأدوية النفسية مع أكثر الأدوية وصفاً جنباً إلى جنب مع الأدوية القلبية والمدرات؛ إذ يذهب 40% من كل المنومات الموصوفة في الولايات المتحدة الأمريكية إلى مواطنين تتجاوز أعمارهم الـ 75 سنة. يضاف إلى ذلك أن 7% من الأشخاص الأكبر سناً يتناولون الأدوية من دون وصفات.

مبادئ مداواة المسنين:

تنطوي الأهداف الرئيسة للعلاج الدوائي للمسنين على تحسين نوعية الحياة، والحفاظ على بقاء الأشخاص في المجتمع، وتأخير التحاقهم بدور الرعاية أو تجنب ذلك. ويتطلب العلاج تغيير الجرعات الدوائية بسبب التغيرات الجسدية التي تحدث في الشيخوخة؛ إذ يترافق المرض الكلوي بانخفاض التصفية الكلوية، ويؤدي المرض الكبدي إلى انخفاض القدرة على استقلاب الدواء، ويمكن للمرض القلبي الوعائي ونقص الناتج القلبي أن يؤثرا في كل من التصفية الكلوية والكبدية للدواء؛ إضافة إلى أن المرض الهضمي وانخفاض إنتاج الحمض المعدي قد يؤديان إلى اختلاف الامتصاص الدوائي. وتنقص مع الشيخوخة الطبيعية كتلة الجسم مع زيادة الكتلة الدهنية؛ مما يؤثر في توزع الدواء في الجسم؛ إذ يزداد تخزين الأدوية النفسية المنحلة مما قد يؤدي إلى زيادة مدة التأثير الدوائي على نحو غير متوقع. ترافق ذلك تغييرات في حساسية الأعضاء الطرفية أو المستقبلات، ومن المهم هنا الانتباه إلى أن نقص فعالية الآليات المنظمة لضغط الدم عند المسنين يزيد من خطورة إحداث الأدوية النفسية لهبوط الضغط الانتصابي.

كقاعدة عامة: ينبغي استخدام أقل جرعة ممكنة لتحقيق الاستجابة العلاجية المطلوبة، ويجب أن يعرف الأطباء الديناميكيات الدوائية pharmacodynamics والحراك الدوائي pharmacokinetic واستقلاب كل دواء موصوف؛ إضافة إلى التداخلات الدوائية مع الأدوية الأخرى التي يأخذها المريض.

المعالجة النفسية للمرضى المسنين:

يجب أن تتوافر المعالجات النفسية المعيارية standard psychotherapies للمسنين، وهي المعالجة النفسية الموجهة للبصيرة، والمعالجة النفسية الداعمة، والمُعالَجَة المَعْرِفِيَّة، والمعالجة الجماعية، والمعالجة العائلية [ر. المعالجات في الطب النفسي]. ولكن - وفقاً لسيغموند فرويد- يعدّ الأشخاص الذين تتجاوز أعمارهم سن الخمسين غير مناسبين للعلاج التحليلي النفسي؛ لأن عملياتهم العقلية تفتقر إلى المرونة.

تساعد المعالجة الموجهة للبصيرة insight-oriented psychotherapy على إزالة عرض محدد، ولها أكبر قدر من الفائدة عندما تُشبع نرجسية المريض، لكنها غير مستحبة إذا كانت ستؤدي فقط إلى بصيرة أن حياة الشخص كانت إخفاقاً مطبقاً وأن التعويض لم يعد ممكناً. تشترك كل المعالجات النفسية بأمور متعلقة بالعمر مثل الحاجة إلى التكيف مع الفقد المتكرر والمتنوع (مثل موت الأصدقاء)، والحاجة إلى الاضطلاع بأدوار جديدة (مثل التأقلم مع التقاعد ومع الانسحاب من أدوار اجتماعية ومهنية)، والحاجة إلى تقبل الموت؛ حيث تعمل المعالجة النفسية على مساعدة المرضى على التعامل مع هذه القضايا وما يحيط بها من مشكلات انفعالية؛ مع مساعدتهم على إدراك التأثير الذي يتركه سلوكهم في الآخرين. وإضافة إلى تحسين العلاقات بين الأشخاص؛ فإن المعالجة النفسية ترفع من احترام الذات والثقة بالنفس، وتقلل مشاعر العجز والغضب، وتحسن نوعية الحياة. فالغاية الرئيسة للعلاج النفسي للمسنين هي مساعدتهم على أن يكون لديهم أقل قدر ممكن من الشكايات، ومساعدتهم على الاحتفاظ بأصدقاء من الجنسين، وعلى إقامة علاقات جنسية عندما يكون لديهم الاهتمام والقدرة. تساعد المعالجة النفسية على تخفيف التوتر؛ ثقافياً كان منشؤه أو بيولوجياً، وتساعد المسنين على العمل واللهو ضمن حدود قدراتهم الحالية، أما عند الأشخاص الذين يعانون خللاً معرفياً؛ فإن المعالجة النفسية تفضي إلى تحسن ملحوظ على المستوى العقلي والجسدي، ويجب أن يكون المعالج أكثر نشاطاً ومرونةً في التعامل مع المسنين منه في التعامل مع الأشخاص الأصغر سناً، كما يجب أن يكون حاسماً بطلب مساعدة طبيب آخر، كطبيب داخلي، أو أفراد العائلة من فور الشعور بأن جهوده عادت غير كافية.

مراجعة الحياة أو المعالجة بذكريات الماضي:

لاحظ روبرت بتلر ميلاً عاماً عند المسنين إلى التفكير بالماضي واسترجاع الذكريات؛ ولاسيما تلك التي يعطونها معاني وأهمية؛ إذ يتذكر المسنون الماضي بدرجات مختلفة باحثين عن معنى لحياة كل منهم وساعين لتسوية صراعات نفسية داخلية ونزاعات في علاقاتهم الشخصية. وتعمل المعالجة بمراجعة الماضي على تعزيز هذه العملية وجعلها مقصودة وأكثر وعياً. وقد يتمكن المعالج من توجيه المعالجة عن طريق تشجيع المريض على كتابة سيرته الذاتية مع مراجعة الأحداث الخاصة ونقاط التحول. وتشمل التقنيات لمّ شمل العائلة والأصدقاء والبحث في التذكارات كألبومات الصور. وقد تم تسجيل فائدة هذه الآلية في حل المشكلات القديمة، وفي رفع القدرة على تحمل الصراع، وفي التخفيف من مشاعر الذنب والخطأ؛ إضافة إلى تعزيز احترام الذات والإبداع وقبول الحاضر.

 

   

 


التصنيف : الأمراض النفسية
النوع : الأمراض النفسية
المجلد: المجلد العاشر
رقم الصفحة ضمن المجلد : 160
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 538
الكل : 29620221
اليوم : 231