logo

logo

logo

logo

logo

الاضطرابات النفسية في الأطفال والمراهقين

اضطرابات نفسيه في اطفال ومراهقين

mental disorders in children and adolescents - troubles mentaux chez les enfants et les adolescents



الاضطرابات النفسية في الأطفال والمراهقين

 

سامر جهشان

الاضطرابات القلقية
الاضطرابات المتعلقة بالرضح وبالكرب
الاضطرابات جسدية الشكل
اضطرابات خاصة بمرحلة الطفولة والمراهقة
اضطرابات تطورية
 

الطب النفسي في الأطفال والمراهقين أحد التخصصات الفرعية في الطب النفسي يعنى بدراسة الاضطرابات النفسية وتشخيصها وعلاجها والوقاية منها عند الأطفال والمراهقين وأسرهم. وهو تخصص جديد نسبياً إذ أُسِّست أول عيادة استشارية نفسية للأطفال في ولاية بوسطن الأمريكية في العشرينيات من القرن العشرين، وتخصصت بمعالجة الأحداث الجانحين، وبالتعاون مع هذه العيادة أُنشِئت في بريطانيا عيادة مماثلة في العام 1927. وسرعان ما انتشرت هذه العيادات في نهاية الأربعينيات، ولكن لم تبدأ البحوث المتعلقة بمدى فاعلية الطرائق العلاجية المستخدمة في الطب النفسي للأطفال والمراهقين حتى بداية السبعينيات حين بدأ تأسيس أقسام للطب النفسي للأطفال والمراهقين في الجامعات.

يسعى الطب النفسي للأطفال والمراهقين إلى مساعدة الطفل أو المراهق على تحقيق مراحل النمو المعرفي والاجتماعي والوجداني في ظل رعاية آمنة ومهارات اجتماعية فعالة. وتصنف الاضطرابات التي يهتم بها الطب النفسي للأطفال والمراهقين في الوقت الراهن إلى:

1-اضطرابات "الراشدين" التي قد تظهر في مرحلة الطفولة، وتتضمن:

·   الاضطرابات القلقية:

 - اضطراب قلق الانفصال .separation anxiety disorder 

 - اضطراب الهلع .panic disorder 

-  اضْطِرابُ القَلَقِ المُتَعَمِّم .generalized anxiety disorder 

-  الرهابات .phobias 

-  الاضطراب الوسواسي القهري .obsessive- compulsive disorder 

2-الاضطرابات المتعلقة بالرضح trauma وبالكرب stress، وتتضمن:

-  اضطراب الكرب التالي للرضح  .post-traumatic stress disorder (PTSD)   

 - اضطراب الكرب الحاد   .acute stress disorder

 - اضْطِراب الإِحْكام (أو اضطراب التَّلاؤُم مَعَ المُحيط) .adjustment disorder 

3-الاضطرابات جسدية الشكل somatoform disorders وتشتمل:

-  اضطراب الألم   .pain disorder

 - اضطراب التحويل   .conversion disorder

-  اضْطِرابُ تَشَوُّهِ الجِسْم .body dysmorphic disorder 

-  المُراق .hypochondriasis 

-  اضْطِرَابُ الجَسْدَنَة   .somatization disorder

-  اضْطِرابات جَسَدِيّة الشَّكْل لَا مُتَمايِزة .undifferentiated somatoform disorders 

4-اضطرابات خاصة بمرحلة الطفولة والمراهقة مثل:

 - اضْطِرابُ التَّصَرُّف   .conduct disorder

 - رفض المدرسة   .school refusal

 - اضْطِراب نَقْصِ الانْتِباهِ مَعَ فَرْطِ النَّشَاط     .attention-deficit hyperactivity disorder (ADHD)

 - اضطرابات النوم   .sleeping disorders

5-اضطرابات تطورية مثل:

 - التخلف العقلي   .mental retardation

 - اضطرابات طيف التوحد .autistic spectrum disorders 

لا يختلف الطب النفسي للأطفال والمراهقين عن الطب النفسي للراشدين بالاضطرابات التي يهتم بها فحسب، بل يختلف عنه أيضاً في:

٭ ضرورة النظر إلى المشكلة ضمن مرحلة النمو التي يمر بها الطفل: فبعض السلوكيات التي تعد طبيعية في عمر معين تُعدّ مشكلة بحاجة إلى التدخل في عمر آخر.

٭ ضرورة فهم أساليب تعبير الأطفال عن أنفسهم، فهم لا يقدمون شكواهم بوضوح كالراشدين، مما يتطلب ضرورة التركيز على مظهر الطفل وسلوكه والمعلومات عن تاريخه التي يمكن الحصول عليها من ذويه وإخوته ومعلمي المدرسة والاختصاصي الاجتماعي. إضافة إلى تفسير رسوماته أو مراقبته في أثناء اللعب بأدواته أو مع أقرانه، وإلى استخدام روائز القياس النفسي المخصصة للأطفال.

٭ ضرورة فهم كرب الطفل الذي غالباً ما يظهر بصورة مشكلة أو مشكلات سلوكية أكثر منه بصورة أعراض واضحة المعالم.

٭ ضرورة وضع الخطة العلاجية بالمشاركة مع الوالدين أو من يعتني بالطفل وبمشاركة المدرسة؛ لما لبيئة الطفل من أهمية في صحة الطفل واعتلاله.

٭ استخدام الأدوية في العلاج على نحو أقل من استخدامها في الطب النفسي للراشدين.

1-الاضطرابات القلقية:

اضطرابات القلق من أكثر الاضطرابات النفسية شيوعاً لدى الأطفال والمراهقين، ويعاني المصاب بها الشعورَ بانزعاج مستمر يؤثر في حياته اليومية تأثيراً واضحاً، ويبدي ثورات غضب حين الضغط عليه للقيام ببعض النشاطات التي يتجنبها، مما يُشعر الأهل بأنه طفل مزعج يميل إلى المعارضة. ويصف الأهل أطفالهم المصابين بالمهمومين على نحو دائم، ويبدي هؤلاء الأطفال غالباً أعراضاً أخرى كالخجل، والانسحاب الاجتماعي، وقلة الثقة بالنفس، والاكتئاب الجزئي، وفرط الحساسية لانتقادات الآخرين. كما يشتكي هؤلاء الأطفال أعراضاً جسدية كالصداع والآلام الجسدية والتعب، مما يوجب إجراء فحص دقيق لنفي أي إصابة عضوية أو لنفي تناول الطفل دواءً قد يؤدي إلى ظهور هذه الأعراض العضوية. ومن المشاكل الطبية التي قد تتظاهر بأعراض القلق: نقص سكر الدم وفرط نشاط الدرق واضطراب نظم القلب والصرع والشقيقة وأورام الدماغ وفرط التهوية ووَرَمُ القَواتِم .pheochromocytoma 

أما العقاقير التي قد تسبب أعراضاً قلقية فتتضمن الكافيين والنيكوتين ومضادات الهستامين والماريجوانا ومُحاكِيات الوُدِّيّ والمنبهات (مثل الكوكائين) والستيروئيدات ومضادات الذهان ومثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية .SSRIs 

الخوف الطبيعي والقلق:

يعاني جميع الأطفال أحياناً الخوف الطبيعي أو القلق أو كليهما معاً. والخوف الطبيعي هو انزعاج ذاتي يحدث استجابة لتعرض الطفل لمواقف خارجية، في حين يعد القلق استجابة بيولوجية عصبية لتهديد متوقع. ويتعرض الطفل في أثناء تطوره ونموه لعدة أنواع من الخوف، تختلف من عمر إلى آخر، ومن غير الطبيعي أن يُنكر الطفل هذا الخوف. ويتغير محتوى الخوف الطبيعي بتقدم المراحل التطورية للطفل، فيتركز الخوف في الطفولة الباكرة (بعمر 4-8 أشهر) على الخوف من الغرباء ومن الأصوات العالية، وتتميز مرحلة الطفولة المتأخرة أو مرحلة ما قبل المدرسة (من 6 أشهر-4 سنوات) بالخوف من الانفصال ومن الأصوات العالية، ويستمر الخوف من الانفصال في مرحلة الدخول إلى المدرسة (من 3-5 سنوات) ويضاف إليه الخوف من الحيوانات والوحوش ومن عتمة الليل والخوف على الوضع الصحي الجسدي، كما تظهر تخيلات شبه علمية. وتمتاز مرحلة المدرسة الابتدائية بالخوف على الوضع الصحي الجسدي والخوف من الإصابة الجسدية ومن الكوارث الطبيعية ومن النبذ الاجتماعي. أما محتوى مخاوف مرحلة المراهقة فيتعلق بالمردود الدراسي وبتقبل الآخرين للمراهق إضافةً إلى الخوف على الوضع الصحي الجسدي. وتساعد المعلومات التالية على التفريق بين الخوف الطبيعي والخوف غير الطبيعي (أي القلق):

-  عدم تناسب موضوع الخوف مع عمر الطفل، كحدوث الخوف من الانفصال بعمر 7 سنوات مثلاً.

-  ضائقة شخصية subjective distress تؤدي إلى ظهور شكاوى عضوية تتداخل مع الحياة اليومية للطفل ونشاطاته.

 - اضطراب التركيز وتأثر الدوام المدرسي وتجنب الأصدقاء وتحدُّد النشاطات، والسلوك المتحدي الذي يسبب خلافات عائلية.

 - وجود الأعراض الجسدية والمعرفية للقلق، مثل: عدم الاستقرار الحركي، والصداع، وآلام البطن، والتعب واضطراب النوم، والتشنجات العضلية، وخفقان القلب، وفرط التهوية، والشعور بالدوار وبالرجفان، واضطراب التركيز وفرط التنبه والاستثارة.

ترافق أعراض أكثر من اضطراب قلقي واحد في الوقت نفسه عند ثلث الأطفال المصابين، كما أنه من الشائع ترافق اضطراب القلق والاكتئاب واضْطِرابُ نَقْصِ الانْتِباهِ مَعَ فَرْطِ النَّشَاط. ويكثر حدوث اضطرابات قلقية لدى أهل هؤلاء الأطفال. وتشير معظم دراسات القلق إلى وجود اضطراب على مستوى السيروتونين والنورأدرينالين والغابا GABA، كما تشير دراسات أخرى إلى دور العلاقة مع الأهل والعوامل الجينية في إمراض الاضطرابات القلقية. وتربط بعض الدراسات بين الإصابة بالاضطراب الوسواسي القهري وعدوى العِقْدِيَّات الحالة للدم بيتا، مما أدى إلى ظهور مفهوم «الاضطرابات العصبية النفسية المتعلقة بالمَنَاعَةِ الذَّاتِيَّة عند الأطفال والمرافقة للعِقْدِيَّات» .pediatric autoimmune neuropsychiatric disorders associated with streptococcus (PANDAS)

أ- اضطراب قلق الانفصال: يتظاهر قلق الانفصال بخوف شديد عند انفصال الطفل عن أمه أو عن غيرها من الأشخاص المهمين في حياته، والذين يُعدون صوراً للتعلق  attachment figures، ويُعد قلق الانفصال مظهراً طبيعياً للتطور في أثناء الطفولة الباكرة. ولكن يجب أن يتمكن الطفل أو أن يحتمل الانفصال عن والديه أو من يقوم بمقامهما عدة ساعات بعمر 2-3 سنوات، مع أنه من الطبيعي أن تظهر عليه بعض أعراض قلق الانفصال ولاسيما إذا كان معرضاً لكرب ما. أما الأطفال المصابون باضطراب قلق الانفصال فيبدون صعوبة بالغة بتقبل أي انفصال عن أهلهم أو عمّن يقوم مقامهم فينتابهم خوف شديد من أن يصيبهم أو يصيب أهلهم أذى شديد أو أن يموتوا، ويكون هذا القلق شديداً ومستمراً فترة طويلة من الزمن. يمتنع هؤلاء الأطفال عن الذهاب إلى المدرسة ويقاومون ذلك بشدة كما يمتنعون عن النوم بمفردهم بأسرّتهم أو القيام بأي نشاط اجتماعي كالذهاب إلى مخيم أو النوم لدى صديق لهم أو عند أقاربهم. ويكون نومهم مضطرباً وتكثر فيه الكوابيس، وتكثر لديهم الشكاوي العضوية.

يحدث اضطراب قلق الانفصال عند الإناث أكثر من الذكور، ومن الشائع أن تبدأ أعراضه بعد التعرض لكرب ما مثل انفصال الوالدين أو طلاقهما أو حدوث وفاة في العائلة. وتبدأ أعراض هذا الاضطراب عادةً بعمر 7-9 سنوات، وقد تبدأ أحياناً في المراهقة حين يغلب أن تلي أو تصاحب إصابة بالاكتئاب. والأطفال المصابون بهذا الاضطراب هم الأكثر تعرضاً للإصابة باضطراب الهلع في المراهقة أو بعد ذلك. وقد يكون أحد الوالدين مصاباً بهذا الاضطراب وخوفه من الانفصال عن ولده أكبر بكثير من خوف ولده.

ب- اضطراب الهلع: يعتقد بعض الباحثين بوجود علاقة وراثية بين اضطراب الهلع واضطراب قلق الانفصال. يظهر اضطراب الهلع عادة في عمر 15-19 سنة، وقليلاً ما يظهر بعمر المراهقة ونادراً ما يظهر قبل المراهقة، يصيب الإناث أكثر من الذكور بنسبة 32-1، ويتظاهر بنوبات هلع متكررة على نحو غير متوقع، وقد يترافق ورُهاب المَيَادين  .agoraphobia

تبدأ نوبة الهلع بخوف غير واضح، ضعيف الشدة أو بالشعور بعدم الراحة يشتد بسرعة وقد يستمر دقائق حتى عدة ساعات أحياناً، لكن العادة أن تكون نوبة الهلع أقل من 30 دقيقة. تحدث في أثناء نوبة الهلع أعراض تتضمن خفقان القلب والتعرق والرجفان وتسرع التنفس والشعور بالاختناق والآلام الصدرية والغثيان وآلام بطنية مبهمة وشعور بالدوار والإغماء أو بالوخز وتبدد الشخصية والغُرْبَةُ عن الواقِع والخوف من فقد السيطرة على الذات أو من "الجنون" والخوف من الموت.

قد تحدث نوبات الهلع من دون سبب، وقد يكون هناك عامل مطلق لها، ويتطور لدى المصابين باضطراب الهلع قلقٌ شديد من احتمال تكرر النوبات، مما يدفعهم إلى تجنب كثير من الأماكن أو المناسبات على نحو يحدّ من نشاطاتهم اليومية ويبلغ درجة الإصابة برُهابُ المَيَادين.

ج- اضْطِرابُ القَلَقِ المُتَعَمِّم: يشعر الأطفال المصابون باضْطِرابُ القَلَقِ المُتَعَمِّم من تَخَوُّفٍ شديد تجاه أي شيء، ولا يمكنهم عادةً ضبط هذا الشعور حتى حين طمأنتهم، وتظهر عليهم أعراض القلق الفيزيولوجية كعدم الاستقرار الحركي والتعب وفرط الاستثارة والتوتر العضلي واضطراب النوم والتركيز.

يحدث اضْطِرابُ القَلَقِ المُتَعَمِّم عادةً بعمر 12-19 سنة، ويصيب الذكور والإناث بالتساوي، وغالباً ما يكون أهل الطفل المصاب من النوع المتطلب الذي يطالب دائماً بأفضل الإنجازات. يميل المصاب عادةً إلى الكمال والدقة في إنجاز مهامه، ويشعر بمخاوف تتعلق بنتائجه الدراسية أو بأدائه الرياضي أو بمستقبله أو بدقة تنفيذه لما يطلب منه أو بكوارث طبيعية ربما وقعت. ويبدي المصاب تخوفاً كبيراً من الانفصال حتى لو لم يكن انفصاله عن أهله محتملاً، ويمكن لاضطراب القلق المتعمم أن يرافق اضطراب قلق آخر والاكتئاب.

د- الرهابات النوعية :specific phobias الرهاب النوعي هو الخوف الشديد والدائم من شيء ما أو من موقف ما، يؤدي إلى تجنب هذا الشيء أو الموقف، وهو شائع الحدوث في عمر ما قبل المدرسة (عمر 3-5 سنوات) ويكون بهذا العمر عابراً ولا يسبب اضطراباً في مسار الحياة اليومية ولا يحتاج ذلك إلى متابعة أو علاج.

يعالج هذا الاضطراب حين عدم تراجعه مع تقدم الطفل بالعمر وحين تأثيره في مسار الحياة اليومية في المنزل وفي المدرسة أو خارجهما. يتظاهر الرهاب النوعي في عمر ما قبل المدرسة بالخوف من الانفصال، أو الخوف من الأدوات الحادة الجارحة، أو من الأصوات العالية، أو من العواصف، أو من الوحوش والحيوانات. ويتظاهر لدى الأطفال عند دخولهم إلى المدرسة بالخوف من البقاء بمفردهم، أو الخوف من الأذية الجسدية، أو من المرض أو الرسوب أو العقاب. ويأخذ لدى المراهقين بعداً اجتماعياً من الخوف على مظهرهم أو أدائهم الدراسي أو أدائهم الاجتماعي، إذ يتظاهر الرهاب الاجتماعي social phobia بتجنب الإجابة داخل الصف، وتجنب استخدام المراحيض العامة أو تناول الطعام في المطاعم. ويرافق هذا الاضطراب عند المراهقين شكاوى جسدية أو بكاء أو برودة العلاقات أو تجنب أي مناسبة أو حتى قد ترافقه نوبات هلع. وقد يتظاهر هذا الاضطراب لدى بعض تلاميذ المدارس بصُماتٍ انْتِخابِيّ .elective mutism 

هـ- الاضطراب الوسواسي القهري: يتظاهر الاضطراب الوسواسي القهري لدى الأطفال بأفكار أو صور أو دفعات impulse   مقحمة ومتكررة باستمرار وغير ملائمة ومزعجة، ومختلفة تماماً عن التجربة التي يمر بها الطفل عندما يشعر بالتخوف من موضوع محدد. تتعلق الأفكار الوسواسية بالخوف من العدوى ومن إيذاء الذات أو إيذاء الأهل، أو بأفكار عدوانية أو جنسية، كما تتظاهر بحاجة ماسة إلى تناظر الأشياء أو الأفعال. وتؤدي هذه الأفكار إلى سلوك قهري يتظاهر بالطقوس كغسيل اليدين أو التأكد المتكرر أو العد أو الترتيب أو التكرار أو التجميع أو اللمس.

يبدأ هذا الاضطراب بعمر الـ 10 سنوات وقد يتظاهر على نحو أبكر لدى الذكور، ويرى بعض الباحثين أن قسماً محدوداً من هذه الاضطرابات قد يلي الإصابة بعدوى بالعقديات الحالة للدم بيتا أو الإصابة برَقَص سَيدِنْهام.

تقييم الأطفال المصابين باضطراب قلقي:

يجب أن يتذكر من يقيم الأطفال المصابين باضطراب قلقي أن الخوف والقلق يعدّان لدى الطفل جزءاً من تطوره الطبيعي، ولذلك يجب التفريق وعلى نحو أساسي بين ما هو طبيعي وما هو مرضي. فالقلق في مواقف معينة يدفع الطفل إلى القيام ببعض الإنجازات التي يشعر بالفخر عند إتمامها، والخوف في بعض المواقف طبيعي وضروري لحماية الطفل من بعض المخاطر. ومن الطبيعي أيضاً أن يكون لدى الطفل في مراحل تطورية معينة بعض الطقوس مثل طقوس النوم، ومن الطبيعي أن يشعر الطفل بالقلق أو الخوف عند طلاق أبويه أو انفصالهما أو وفاة أحد أفراد العائلة.

يعد خوف الطفل أو قلقه مرضياً حين يؤثر على نحو شديد ودائم في حياته اليومية ويعوق بالتالي مسارها. لذلك فإنه من الضروري في أثناء الفحص السريري استقصاء ما يلي:

-  هل يتلاءم قلق الطفل مع عمره ومع ما يمر به من ظروف؟

 - هل بدأت أعراض القلق بعد حدث ما، ولاسيما بعد عنف منزلي أو بعد تعرض الطفل لسوء معاملة؟

 - هل يعاني الطفل حالياً مرضاً عضوياً؟ وهل يتناول أدوية ما؟ وهل يستخدم هذا الدواء لأول مرة؟ وهل الجرعات الدوائية ملائمة؟

-  هل يتجنب الطفل مواقف معينة تثير عنده القلق؟ وهل يؤثر ذلك في علاقته مع أهله وأصدقائه؟

 - ما مدى تأثير قلق الطفل في الحياة العائلية؟ وهل حاول الأهل مساعدة الطفل؟

 - ما مدى تأثير قلق الطفل في دراسته وذهابه إلى المدرسة؟ وهل اشتكى مدرسوه من سلوكه؟

 - هل تحدث أعراض القلق من دون سبب معين، أم تلي مناسبةً أو موقفاً معيناً؟ وهل تتظاهر لدى توقع الوجود في موقف معين؟

-  هل ترافق أعراض القلق أعراض اكتئابية أو أعراض اضْطِراب نَقْصِ الانْتِباهِ مَعَ فَرْطِ النَّشَاط؟

-  هل توجد سوابق نفسية عائلية لاضطراب قلقي؟

 - ما هي العلامات السريرية للقلق التي يعانيها الطفل؟

الأسس العامة لخطة المعالجة:

تقتضي متابعة الطفل معرفة شدة الأعراض ومدى تأثيرها في حياة الطفل وعائلته والصعوبات التي تفرضها على متابعة حياته اليومية. وللمعالجة الدوائية دور مكمل في الخطة العلاجية، ولا تعد أبداً المعالجة الوحيدة لهذه الاضطرابات؛ بل يجب أن تكون هذه المعالجة جزءاً لا يتجزأ من مقاربة أوسع تسمح للطفل بمتابعة حياته اليومية على نحو مريح داخل المنزل وفي المدرسة كما تسمح لأهله بمتابعة حياتهم اليومية من دون انزعاج.

تعد المعالجة المعرفية السلوكية الخيار العلاجي الأول في معالجة اضطرابات القلق عند الأطفال والمراهقين، كما يعد التعاون بين المعالج والمدرسة أساسياً في حل مشاكل اضطرابات القلق. تتكون الخطوة العلاجية الأولى من تثقيف الأهل والطفل بطبيعة الاضطراب، وأن سلوك الطفل هو سلوك غير مقصود ولا يستطيع الطفل ضبطه، مثله في ذلك مثل ارتفاع الضغط الشرياني عند الخوف، لذلك يجب تجنب تفسير سلوك الطفل خطأً على أنه ابتزاز أو تلاعب. كما يجب التوضيح أن لاضطراب القلق نهاية كما أن له بداية، وأن سلوك التجنب يريح الطفل فترة قصيرة لكنه يزيد لاحقاً من شدة الاضطراب، وأن دور الأهل ينبغي أن يكون دوراً داعماً للطفل ومطمئناً له، وأن انتقاد الطفل والحكم عليه يسيئان له ويعوقان حل مشكلته.

التثقيف النفسي :psychoeducation يكفي التثقيف النفسي لتدبير كثير من حالات الاضطرابات القلقية عند الأطفال والمراهقين، إذ تعد المعالجة النفسية غير مُسْتَطَبَّة والمعالجة الدوائية غير ضرورية في هذه الحالات، كما لا ضرورة عند وضع التشخيص لإجراء أي فحص مخبري إلا إذا اشتدت الأعراض على نحو مفاجئ.

يهدف التثقيف النفسي إلى إطلاع الأهل على طبيعة الاضطراب وعلى دورهم في مساندة الطفل، وأن الأعراض القلقية هي أعراض تزعج الطفل وليست وسائل يستخدمها لتحقيق رغباته، وأن اضطرابات القلق الخفيفة ومتوسطة الشدة تتراجع عند متابعتها خلال فترات غير طويلة الأمد، وأن الطفل سيتجاوز مخاوفه وستتراجع الأعراض تدريجياً، وأن على الأهل تجاوز توقعاتهم السلبية تجاه الطفل والتأكيد على أهمية دورهم في تعزيز السلوك الإيجابي لمواجهة مخاوف الطفل. كما يجب توضيح ما يعنيه الانفصال للطفل، ومساعدة الأهل على تفهم الطقوس التي قد يتبعها الطفل وخاصة عند النوم.

يجب متابعة جلسة التثقيف النفسي بموعد للمراجعة بعد 2-4 أسابيع، ويجب التدخل على نحو أكبر حين تستمر الأعراض أكثر من 3 أشهر وحين تؤثر الأعراض في الحياة اليومية للطفل مسببةً ما يلي:

٭ توتراً يؤثر في أفراد العائلة.

٭ غياباً عن المدرسة أكثر من أسبوعين.

٭ تحدد النشاطات وتجنب العلاقات الاجتماعية.

٭ عجز الأهل عن مساعدة الطفل على تجاوز أعراضه.

إضافةً إلى التثقيف النفسي تستخدم في مثل هذه الحالات وسائل علاجية أخرى تشمل التعاون مع المدرسة، والمعالجة النفسية والمعالجة الدوائية، وتبقى المعالجة النفسية الأساس في هذه المرحلة والمعالجة الدوائية مكملة لها، ولا داعي لإجراء أي فحص مخبري بهذه المرحلة إلا إذا اشتدت الأعراض.

التعاون مع المدرسة: يهدف التعاون مع المدرسة إلى تشجيع الطفل على عدم الغياب عن المدرسة وإلى التعاون مع المعالج النفسي ضمن المدرسة، وتحديد مواعيد معينة يستطيع فيها الطفل الاتصال بأهله عن طريق الهاتف. كما توضع بالتعاون مع إدارة المدرسة خطة لمساعدة الطفل عند شعوره بأعراض جسدية الشكل، وتتضمن هذه الخطة تحديد شخص ملائم يساعد الطفل على تجاوز هذه الأعراض، على ألا تتجاوز فترة الغياب عن الصف 15-30 دقيقة. أما عند ظهور أعراض عضوية مثل الترفع الحروري فيجب الاتصال بالأهل.

تُقَيَّم جدوى التعاون مع المدرسة بعد 2-3 أسابيع، وتعد مخفقة حين وجود أعراض شديدة، أو حين تأثر الحياة العائلية تأثراً كبيراً، أو حين الغياب عن المدرسة أكثر من أسبوعين، أو استمرار الأعراض فترة تتجاوز 3 أشهر مع المعالجة. كما أنها قد لا تكفي حين وجود عنف منزلي، أو وجود اضطراب مشارك مثل الاكتئاب أو اضْطِراب نَقْصِ الانْتِباهِ مَعَ فَرْطِ النَّشَاط، أو حين عدم تمكن العائلة من تقديم العون على نحو ملائم.

يتوجب في مثل هذه الحالات شرح شدة الاضطراب لمدرسة الطفل، والتأكيد على ضرورة تعاون المدرسة مع الخطة العلاجية، كما يجب التفكير باللجوء إلى المعالجة النفسية والمعالجة الدوائية.

المعالجة النفسية: تستطب في معالجة الحالات الشديدة من الاضطرابات القلقية المعالجة المعرفية السلوكية [ر. المعالجات في الطب النفسي]، كما قد تفيد المعالجة ذات الاتجاه التحليلي، ولاسيما في الحالات المزمنة. وتطبق المعالجة النفسية بالتعاون مع العائلة لضمان نتائج التدخل العلاجي.

المعالجة الدوائية: حاصرات استرداد السيروتونين الانتقائية هي الخيار العلاجي الأول في معالجة الاضطرابات القلقية عند الأطفال والمراهقين، ولكن أدوية هذه الزمرة المناسبة للبالغين قد لا تكون مناسبةً للأطفال والمراهقين، وتتغير البراهين العلاجية المتعلقة بها باستمرار. لذلك يُنصح دائماً بالعودة على نحو متكرر إلى المراجعات المنهجية والإرشادات العلاجية المسندة بالبراهين لتحديد أفضل الأدوية المناسبة للأطفال والمراهقين. ولما كان بدء تأثير حاصرات استرداد السيروتونين الانتقائية يتطلب عادةً 2-3 أسابيع، وقد يتطلب 10-12 أسبوعاً حين معالجة اضطراب الوسواس القهري، فإنه يمكن إضافة أحد مشتقات البنزوديازبين في بدء المعالجة الدوائية ولفترة قصيرة يفضل ألا تزيد على أسبوعين أو ثلاثة أسابيع. ويفضل في هذا الصدد استخدام أحد المشتقات ذات العمر النصفي المتوسط مثل كلورازيبام .Clorazepam 

يجب متابعة المعالجة بمضادات الاكتئاب الحاصرة لاسترداد السيروتونين الانتقائية مدة 6 أشهر بعد تراجع الأعراض، مع توخي الحذر لتفادي إثارة نوبات هوسية بهذه الأدوية، ولاسيما حين وجود سوابق عائلية لاضطراب مزاج ثنائي القطب. كما يجب إيقاف المعالجة بحاصرات استرداد السيروتونين الانتقائية بالتدريج وفي فترة زمنية تمتد إلى عدة أسابيع لتفادي أعراض الامتناع كالغثيان والصداع والدوار.

2-الاضطرابات المتعلقة بالرضح  trauma  وبالكرب  :stress

يتعرض الأطفال لعديد من الرضوح النفسية المسببة للكرب، مثل موت أحد الوالدين أو طلاقهما أو مرضهما. كما قد يتعرضون على نحو أقل لتجارب رضحية ذات طبيعة كارثية أو متكررة - كسوء المعاملة - تؤدي إلى إصابتهم باضطرابات انفعالية وسلوكية ومعرفية تتظاهر بأعراض مرضية.

يؤدي الرضح ذو الطابع الكارثي كالحرب والكوارث الطبيعية إلى إصابة بعض الأطفال - وليس كلهم - بمتلازمة الكرب التالي للرضح، كما يسبب في بعضهم أعراضاً اكتئابية أو أعراض قلق يصبح الطفل معها اندفاعياً وسَريع التَّهَيُّج وميالاً إلى المواجهة والتحدي بسلوكه اليومي. يزداد احتمال ظهور هذه الأعراض حين وجود سوابق مرضية مثل الاكتئاب        واضْطِراب نَقْصِ الانْتِباهِ مَعَ فَرْطِ النَّشَاط، وحين تعرض الطفل للخطر الجسدي. كما يتأثر حدوث الأعراض برد فعل الأهل وبمدى كفاية ما يقدمونه من دعم، وبإصابة أي منهم باضطراب نفسي أو بأعراض اضطراب الكرب التالي للرضح.

أ- اضطراب الكرب التالي للرضح :post-traumatic stress   disorder (PTSD)  يحدث اضطراب الكرب التالي للرضح بعد التعرض لرضح شديد، إذ يشاهد في 15-60% من الأطفال الذين يتعرضون لحدث راض، ويتراجع تلقائياً في 40-85% منهم، ولا يعرف لماذا يصيب بعضهم ولا يصيب غيرهم، كما لا يعرف لماذا تتراجع أعراضه تلقائياً في بعض الأطفال.

يعاني نصف الأطفال الذين تعرضوا للرضح أعراضاً خفيفة أو شديدة لها علاقة مباشرة بذلك الرضح، ويشخص اضطراب الكرب التالي للرضح حين توافر المعايير التالية:

 - تعرض الطفل أو مشاهدته لحادث يسبب أو يهدد بحدوث الأذى أو الموت له أو لأي شخص آخر، ويرافق ذلك شعور شديد بالخوف والرعب وبالعجز عن المساعدة أو باضطراب السلوك.

 - تكرار أفكار أو صور أو أحاسيس مرتبطة بالحدث الراض، وتكرر عيش الحدث.

 - كوابيس متكررة قد تكون لها علاقة بالحدث.

 - مشاعر خوف ورعب شديدة، وكأَن الحدث الرضحي يحدث من جديد.

 - مشاعر خوف ورعب شديدة عند الالتقاء بأشخاص أو المرور بأماكن تذكر بالحدث الرضحي.

 - جهد فعال لتجنب المنبهات التي تذكر بالحدث، مثل المشاعر أو الأحاديث أو الأماكن أو الأشخاص، وعدم القدرة على استعادة الأحداث المتعلقة بالرضح.

 - تناقص الاهتمام أو المشاركة بنشاطات متعددة كان يهتم بها الطفل قبل الحدث.

-  الانفصال العاطفي والبرود الانفعالي.

-  عدم التطلع إلى المستقبل، مثل عدم الاهتمام بما سيفعله بعد المدرسة، أو عدم التحدث عن مهنة كانت تستهويه وتهمه.

 - أعراض فيزيولوجية تحدث بعد الرض وتتضمن اضطراب النوم، وسهولة الاستثارة الشديدة ونوبات الغضب واضطراب التركيز.

 - استمرار الأعراض السابقة أكثر من شهر.

 - تأثر الحياة اليومية على المستوى الاجتماعي والدراسي.

ب- اضطراب الكرب الحاد: قد يحدث عقب تعرض الطفل لحادثة أو تجربة تؤدي إلى الموت أو تهدد بحدوثه أو حدوث الأذى له أو لأي شخص آخر يرافقه شعور شديد بالخوف أو الرعب أو عدم القدرة على المساعدة واضطراب السلوك اضطراباً شديداً. ويشخص حين وجود الأعراض التالية:

 - برود وتحدد عاطفي أو غياب الانفعالات.

 - انخفاض الانتباه لما يحدث في المحيط.

 - تبدد الشخصية .depersonalization 

-  غربة عن الواقع .derealization 

 - فقدان ذاكرة لكل ما يتعلق بالحدث (نساوة افتراقية)   .dissociative amnesia

-  تكرار الحدث على نحو دائم بهيئة صور أو أفكار أو أحلام أو انخداعات  illusions، أو الشعور بمعايشة الحدث من جديد وظهور قلق شديد لكل ما يذكِّر بالحدث الراض.

 - تجنب المنبهات التي لها علاقة بالحدث.

-  أعراض شديدة للقلق وأعراض فيزيولوجية للقلق.

 - تأثر الحياة الاجتماعية والدراسية؛ حتى عدم القدرة على طلب المساعدة مثلاً من العائلة.

 - وقوع الحدث قبل أربعة أسابيع على الأكثر والأعراض يجب أن تتراجع خلال يومين وعلى الأكثر خلال أربعة أسابيع.

-  يجب ألا تكون الأعراض نتيجة تناول دواء ما، أو أعراض اضطراب ذهاني حاد، أو تكون أعراضاً مرضية سابقة للحدث الراض.

ج- اضطراب الإِحْكام (أو اضطراب التَّلاؤُم مَعَ المُحيط): تظهر الأعراض المرضية على مستوى السلوك أو على مستوى الانفعال بعد ثلاثة أشهر من التعرض لأحداث راضة، وتتظاهر هذه الأعراض المرضية إما عند التعرض من جديد للحدث الراض وإما بسبب اضطراب سير الحياة اليومية على المستوى الاجتماعي أو الدراسي، دون أن تكون لها علاقة بأي اضطراب نفسي سابق ولا بتفاعل حداد، ويجب ألا تستمر أكثر من ستة أشهر.

التشخيص التفريقي:

تُعد شدة الأعراض واستمرارها من أهم المعايير التي تعتمد على وضع التشخيص مع العلم أن الأحداث الراضة المسببة لاضطراب الإِحْكام تكون عادة أقل شدة من الأحداث المسببة لمتلازمة الكرب التالي للرضح أو لاضطراب الكرب الحاد. ويجب أن تستمر الأعراض مدة شهر أو أكثر لوضع تشخيص متلازمة الكرب التالي للرضح، أما إذا استمرت أقل من شهر فيوضع تشخيص اضطراب الكرب الحاد، ولا تستمر أعراض اضطراب الإحكام أكثر من ثلاثة أشهر. كما تكون أعراض اضطراب الإحكام أخفّ وتشمل تبدد الشخصية والغربة عن الواقع.

يجب تفريق الاضطرابات الناجمة عن الرضح عن الحداد، وهو آلية طبيعية بعد وفاة أي مقرب للطفل وتتظاهر بالحزن، واضطراب النوم، وسلوك نكوصي، وتجنب الانفصال عن المقربين، وتتظاهر لدى المراهقين بفرط الاستثارة، وفرط الانفعالية والميل إلى الانعزال. وقد تستمر الأعراض السابقة عدة أشهر مع عدم الانقطاع عن المدرسة وممارسة كافة النشاطات اليومية.

يصبح الحداد مرضياً بالغياب عن المدرسة مدة أكثر من أسبوع، والانقطاع عن النشاطات اليومية والانعزال، وظهور أفكار انتحارية، ورفض الانفصال عن الأهل. وقد يرافق هذه الاضطرابات الاكتئاب أو اضطرابات القلق.

التشخيص السريري والتقييم:

يجب أولاً التأكد من أن الطفل قد تعرض لحدث راض، ويجب استجواب الطفل بمفرده من دون والديه وباستخدام مستوى  لغوي يتناسب مع عمر الطفل، واستخدام أسئلة نوعية هنا أكثر فاعلية من استخدام أسئلة مفتوحة. فيسأل الطفل مثلاً:

٭ هل تعرضت للضرب أو للركل، ومتى تعرضت لذلك؟

٭ هل شاهدت أحداً يتعرض للضرب أو للركل؟

٭ هل ينتمي هذا الشخص لعائلتك أو هو من المقربين إليك؟

٭ هل شاهدت أحداً يتعرض للطعن أو للتشويه أو لإطلاق النار؟

٭ هل شعرت بالانزعاج من طريقة ملامسة شخص آخر لك، من هو هذا الشخص وهل لامسك  بطريقة شعرت فيها أن هذه الملامسة هي تحرش جنسي؟

٭ هل لامسك أي شخص بمكان خاص مرتبط بالحشمة؟ من؟ متى؟ هل طلب منك عدم إخبار أي شخص آخر؟

٭ هل توفي شخص مقرب لك؟ من؟ متى؟ كيف حدث ذلك؟

وقد تستخدم في هذا الاستجواب بعض الاختبارات التشخيصية النوعية. ويجب الانتباه إلى احتمال حدوث محاولة انتحار.

المعالجة:

لا توجد ضرورة للمعالجة النوعية حين تكون الأعراض خفيفة الشدة ولم يمر على ظهورها إلا  فترة وجيزة من الوقت، ولم تؤثر في متابعة الطفل نشاطاته اليومية على نحو طبيعي. يكفي في هذه الحالات الطلب من الأهل التعاطف مع الطفل والإصغاء إليه من دون الحكم عليه ومحاولة تغيير عواطفه ومشاعره، مع عدم تجنب الحديث عن الحدث الراض، ومع إعلام الأهل بأنه من الطبيعي حدوث البكاء والخوف والغضب بعد الحدث الراض، وأن الطفل قد يعاني أيضاً الشعور بالذنب.

يتوجب على الأهل إعلام الطفل بأن الأحداث الراضة قد تتكرر خلال الحياة، كما يتوجب عليهم تجنيب الطفل مشاهدة أفلام الرعب والعنف، والسماح للطفل بحضور مراسم الدفن إلا إذا أصرّ على عدم الحضور. ويجب ألا يحضر الأطفال تحت ثلاث سنوات مراسم الدفن. ويسمح للطفل بالنوم مع أهله إذا طلب ذلك مدة لا تتجاوز الأسبوع.

تصبح المعالجة ضرورية حين تكون الأعراض السريرية متوسطة الشدة، وحين تستمر أكثر من أربعة أسابيع. وتبدأ المعالجة بالتدخل مع المدرسة لمساعدة الطفل على متابعة دروسه وتشجيعه على عدم رفض المدرسة بالتعاون مع الأهل، ومع تفسير الأعراض للأهل وشرحها على نحو مفصل ومساعدتهم على مواجهتها، وتحديد الأشخاص أو الأماكن التي قد تثير الأعراض وعدم تجنب الحديث عنها.

يلجأ إلى المعالجة النفسية حين تكون الأعراض شديدة وتستمر أكثر من أربعة أسابيع وتؤثر في الحياة اليومية للطفل. كما يلجأ إليها حين وجود أفكار انتحارية، أو قصة سوء معاملة للطفل، أو اضطراب مزاج أو اضْطِراب نَقْصِ الانْتِباهِ مَعَ فَرْطِ النَّشَاط. والمعالجة النفسية الأساسية هي المعالجة المعرفية السلوكية، ويمكن أيضاً استخدام إزالة التحسس بالخيال أو بالواقع، وتفضل الأخيرة.

3-الاضطرابات جسدية الشكل:

تتظاهر الاضطرابات جسدية الشكل (وكانت تسمى الأمراض النفسية الجسدية) psychosomatic  بأعراض جسدية لا تتطابق مع تشخيص الأمراض الجسدية المعروفة، وتسبب ازعاجاً للطفل ولعائلته ولاسيما بغياب تشخيص طبي دقيق لهذه الأعراض؛ فهي أعراض لا يتحكم بها الطفل على العكس من الـتمارض والاضْطِرابات المُفْتَعَلة التي يتحكم الطفل بأعراضها. يصاب الطفل بأرق بدئي في بدء النوم، وكثيراً ما يصاب بالقلق والاكتئاب، وقد يرفض الذهاب إلى المدرسة، وتشتد الأعراض بوجود الآخرين.

يعتقد أن الاضطرابات جسدية الشكل تتعلق بطبع الطفل وتنجم عن تضخيم المشاعر الجسدية. ترافق هذه الاضطرابات على نحو عام صعوبةُ ربط المشاعر بمشاكل الحياة اليومية التي تثير تلك المشاعر، وصعوبة التعبير عن المشاعر لفظياً، وتظهر عادةً عقب أحد الحوادث الحياتية النوعية المسببة للكرب كالوفاة أو سوء معاملة الطفل، وقد تظهر الأعراض ذاتها في فرد آخر من أفراد العائلة.

التصنيف:

تشتمل الاضطرابات جسدية الشكل بحسب DSM-IV-TR  على:

 - اضطراب الألم .pain disorder 

-  اضطراب التحويل .conversion disorder 

 - اضْطِراب تَشَوُّهِ الجِسْم .body dysmorphic disorder 

 - المُراق .hypochondriasis 

 - اضْطِرَابُ الجَسْدَنَة .somatization disorder 

 - اضْطِرابات جَسَدِيّة الشَّكْل لَا مُتَمايِزة .undifferentiated somatoform disorders   

أ- اضطراب الألم: هو أكثر هذه الاضطرابات حدوثاً، إذ يصيب 10-15% من الأطفال والمراهقين، ويتظاهر بألم دائم أو متكرر، كألم البطن أو الصداع، غير مرتبط بأي اضطراب عضوي ولا يمكن تفسيره طبياً ولا يستجيب للدواء المستخدم في علاج هذه الآلام. ويؤثر هذا الألم في الحياة اليومية للطفل أو المراهق ويسبب إزعاجاً شديداً مما يؤدي إلى الغياب المتكرر عن المدرسة وإلى تعدد زيارات الأطباء وإلى عدم المشاركة في الحياة العائلية.

ب- يمتاز اضطرب التحويل بأعراض حركية أو حسية أو حشوية توحي بإصابة عصبية وتؤدي إلى خلل وظيفي ولا يمكن تفسيرها بموجودات فيزيولوجية. ويبلغ معدل انتشاره بين 1/1000-5/1000، ويصيب الإناث أكثر من الذكور. ولا يسيطر المصابون عادة على أعراضهم فهم غير قادرين على إيقافها أو إطلاقها.

تتظاهر الأعراض الحركية بنوب غير صرعية نفسية المنشأ  psychogenic nonepileptic seizures  تحدث على نحو نوبي مفاجئ (دراماتيكي) تتضمن الوقوع مع حركات الطرفين العلويين والسفليين والجذع تشبه النوبات الصرعية وقد تستمر مدة 15 دقيقة وأحياناً ساعات خلافاً للنوبات الصرعية التي لا تتجاوز مدتها دقيقتين إلى ثلاث دقائق. وخلافاً للنوبات الصرعية؛ يجيب الطفل عادة عن الأسئلة في أثنائها، ولا يوجد انفلات مصرَّات ولا شلل تالٍ للنوبة، ولا تحدث أذية جسدية بسببها، ولا ترافق النوبة تبدلات في تخطيط الدماغ الكهربائي ولا ارتفاع مستوى برولاكتين المصل. ولكن يجب الانتباه إلى أن بعض الأطفال المصابين بالصرع المؤكد بالتخطيط الكهربائي للدماغ قد يبدون نوبات جسدية الشكل خارج نوباتهم الحقيقية.

تشتمل الأعراض العصبية الحركية التحويلية أيضاً على شلل أحد الأطراف أو أكثر من طرف، وعلى حركات غير إرادية لا تتطابق مع أي اضطراب حركي معروف، وعلى تَعَذّر المَشْي وتَعَذُّر الوُقُوْف  abasia astasia  الذي يظهر بصورة مشية مترنحة ترافقها حركات ارتجاجية تمنع الطفل من الوقوف أو السير.

أما الأعراض العصبية الحسية التحويلية فتتضمن غياب حس الأطراف على نحو لا يتماشى مع مسار الأعصاب المحيطية، والعمى المتقطع عادةً مع المحافظة على تفاعل الحدقتين للنور، ومع تفادى الطفل الاصطدام بالأشياء المحيطة عندما يسير على الرغم من ادعائه أنه لا يرى. ومن الأعراض الحشوية التحويلية: القياء النوبي واللُقْمَة الهِسْتيرِيَّة  .globus hystericus

ج- يتميز اضْطِرابُ تَشَوُّهِ الجِسْم بانشغال وانزعاج شديدين وخلل في مظهر الشخص يغلب أن يتعلق بالجلد أو بالوجه، وقد يكون هذا الخلل مُتخيّلاً أو تافهاً ولا يستحق ما يُوَظَّفُ فيه من مشاعر واهتمام، وما ينتج منه من تجنب العلاقات الاجتماعية. يبدأ هذا الاضطراب عادة عند المراهقة وعلى نحو أقل في أثناء الطفولة، ويعده بعضهم صورةً من صور الاضطراب الوسواسي القهري. ويراجع المصابون به عادةً أطباء الجلدية على نحو خاص.

د- المُراق: هو اهتمام وانشغال شديد مدة لا تقل عن 6 أشهر بأعراض جسدية يعتقد المصاب بها أنها نتيجة مرض خطير أو أنها تشكل تهديداً لحياته. فيعتقد الطفل أو المراهق المصاب أن الشعور بضربات قلبه تعدُّ مشعر للإصابة بنوبة قلبية، ويعتقد المصاب بأن أي خدش ولو بسيط قد يؤدي إلى إنتان شديد وبالتالي قد يعرضه - إذا كان على مستوى أي طرف - لفقدان هذا الطرف. فأي شعور غامض قد يعني الإصابة بمرض خطير، ولا تفيد زيارات الأطباء المتعددة في تراجع هذا الاضطراب. من الضروري أن يشرح للأهل هذا الاضطراب وآلياته للتخفيف من شدة قلقهم.

هـ- عُرِفَ اضْطِرَابُ الجَسْدَنَة سابقاً باسم مُتَلاَزِمَةُ بريكيه  Briquet‘s syndrome، ويبلغ معدل انتشاره عند الإناث 0.2%-2%، وعند الذكور 0.2%، ويتطلب تشخيصه توافر الشروط التالية عند الأطفال أو المراهقين:

٭ قصة شكاوى جسدية متعددة مدة سنتين لا يفسرها أي اضطراب أو مرض جسدي.

 ٭ وجود 6 أعراض أو أكثر في جهازين مختلفين من الأجهزة التالية: الهضمي، الوعائي، القلبي، البولي، أو الجلد، ويرافق هذه الأعراض الألم.

 ٭ يؤدي الانشغال بهذه الأعراض إلى انزعاج شديد وشعور بعدم الراحة، مع عدم إمكان تهدئة المصاب وطمأنته على الرغم من تأكيد الأطباء على عدم وجود إصابة عضوية.

و- تتألف الاضْطِرابات جَسَدِيّة الشَّكْل اللامُتَمايِزة من متلازمة التعب المزمن  chronic fatigue syndrome  والألم العضلي الليفي  fibromyalgia  والتحسس الكيميائي المُتَعَدِّد .multiple chemical sensitivity  وهي متلازمات جسدية وظيفية غير مفسرة طبياً ومجهولة السبب، يكثر حدوثها في الطبقات الاجتماعية العليا، تبدأ عند المراهقة وقد تستمر سنوات، وتصيب الإناث أكثر من الذكور، ولا توجد فحوص مخبرية مشخصة لها. ومن الشائع جداً أن يرافق هذه الاضطرابات القلق أو الاكتئاب.

يجب أن يعلم الطبيب أن من الطبيعي استمرار تظاهر عرض ما فترة قصيرة بعد أي إصابة لدى الطفل (مثل العرج لفترة قصيرة بعد إصابة الطرف السفلي)، ذلك لأن الطفل يستمتع بالاهتمام الزائد من قبل والديه. ويشتكي الأطفال ما قبل المراهقة آلاماً بطنية أو صداعاً في حين يشتكي المراهقون آلاماً عضلية أو عصبية في الطرفين. ويعبر المراهقون عن بعض اضطراباتهم العاطفية أو الانفعالية جسدياً. وهناك ارتباط بين القلق والحساسية للألم. وتظهر اضطرابات القلق والاكتئاب على نحو أكبر في عائلات الأطفال الذين يشتكون من آلام جسدية. ويرافق سوء معاملة الأطفال جنسياً زيادة احتمال حدوث الشكاوى جسدية الشكل في هؤلاء الأطفال، ويصاب المراهقون الذين تعرضوا للاستغلال الجنسي بأعراض جسدية الشكل أكثر من المراهقين الذين لم يتعرضوا لذلك. ويزيد وجود إصابة عضوية مشخصة سابقاً من احتمال ظهور أعراض جسدية الشكل.

التقييم السريري:

يرتاد هؤلاء الأطفال عيادات الأطباء على نحو متكرر وبتواتر سريع، ويكون الفحص السريري فيهم طبيعياً أو لا يتلاءم مع شكاوى الطفل، لذلك لا يجب التسرع بإجراء استقصاءات مخبرية غير ضرورية، كما يجب تجنب الاستقصاءات الطبية المتعددة للوصول "إلى جواب" عن الأسباب لأن ذلك يزيد قلق الطفل وأهله، ويؤهب لظهور اضطرابات بالسلوك كما يزيد من صعوبة إيجاد الحلول الملائمة.

توجه القصة المرضية إلى احتمال تشخيص اضطراب جسدي الشكل حين وجود قصة عائلية لأعراض جسدية مشابهة، وقصة سوء معاملة جنسي للطفل، وبوجود كروب حياتية يومية، وحين تزداد أعراض الطفل بوجود الآخرين، وحين لا توقظ هذه الأعراض الطفل من نومه، وحين تكون الأعراض ثابتة لا تتطور ولا تتغير بشدتها ولا تتأثر بتغيير المحيط.

ويجب الشك باضطراب جسدي الشكل عندما تصعب طمأنة الأهل، وعندما تتعدد الزيارات لعدة أطباء وتتعدد الانتقادات الموجهة إليهم. ويجب في أثناء التقييم السريري توخي الحياد، وتفهم الطفل وأهله وعدم الحكم عليهم، فقد يزيد ذلك من قلقهم. ومن الضروري استبعاد اضطرابات القلق والاكتئاب، وتساعد الأسئلة التالية الموجهة إلى الأهل على ذلك:

٭ برأيكم ما هو سبب هذه المشكلة؟

٭ هل هناك مرض معين تفكرون به، وإذا كان كذلك هل تعرفون أحداً أصيب بهذا المرض؟

٭ بماذا حاولتم أن تساعدوا طفلكم للتخفيف من أعراضه؟

٭ هل فكرتم باللجوء إلى طرائق غير تقليدية؟

٭ هل من الممكن أن تكون هذه الأعراض رد فعل على ضغوط معينة؟

٭ هل لدى أحد أفراد العائلة أعراض كالأعراض التي يبديها الطفل؟

من المفيد الطلب من الأهل والطفل تسجيل الأعراض يومياً عدة أسابيع، على أن يتضمن التسجيل تاريخ حدوث العرض الجسدي ومكانه، وتواتره واستمراريته، وشدته على سلم علامات من 0 إلى 10، ونوعيته ووصفه، وتأثيره في المزاج وفي النشاطات اليومية. ويجب الاتفاق مع الأهل بعد تحديد التشخيص على الالتزام بمرجع طبي وحيد لمتابعة هذا الاضطراب ومراقبته ومعالجته، لتجنب تعدد التدخلات ولطمأنة الأهل والطفل.

المعالجة:

لا ضرورة للمعالجة النفسية أو الدوائية إذا دامت الأعراض فترة قصيرة (أياماً إلى أسابيع)، لأن تحسن هذه الأعراض محتمل بفعل أي تداخل، ولاسيما إذا لم تؤثر شكاوى الطفل في نشاطاته الاعتيادية ولا في الحياة العائلية اليومية ولا في ذهاب الطفل إلى مدرسته. يجرى فحص جسدي سريري لاستبعاد أي مرض عضوي، وتطلب فقط الفحوص المخبرية الضرورية.

يكفي التثقيف النفسي في هذه المرحلة لكي يتفهم الأهل والطفل أن الأعراض هي أعراض مرضية حقيقية وليست "إرادية أو مصطنعة"؛ فارتباط الجسد بالنفس ارتباط حقيقي ويمكن توضيح هذا الترابط بالأمثلة كتسرع القلب عند الشعور بالقلق أو بالخوف. يجب طمأنة الأهل بأن هذه الشكاوى لا تُعرّض الحياة للخطر، وأنه من الضروري متابعة الحياة اليومية على نحو اعتيادي، مع تشجيع الطفل أو المراهق على التعبير عن مشاعره لفظياً. ويعاد تقييم الحالة بعد شهر.

تستطب المعالجة النفسية (المعالجة المعرفية السلوكية والمعالجة العائلية)، وقد تستطب المعالجة الدوائية حين يتغيب الطفل عن المدرسة أكثر من أسبوع، أو تتأثر علاقة الطفل بوالديه وبرفاقه بهذا الاضطراب، أو تبدو عائلة الطفل قلقة بوجود الأعراض لدى الطفل. يجب استبعاد الأمراض العضوية واضطرابات القلق والاكتئاب، وتحديد أهداف واقعية للمعالجة، مثل العودة إلى المدرسة وتحسين العلاقات ضمن الأسرة وتحسين العلاقة بالأصدقاء. ويتم ذلك بالتعاون مع المدرسة لتسهيل عودة الطفل إليها ولتحديد مرجع للطفل يمكنه الاستعانة به في أثناء وجوده بالمدرسة (مثل الاختصاصي النفسي أو المشرف التربوي) ولتحديد الأعراض التي تستدعي إعلام الأهل (مثل ارتفاع الحرارة، أو اشتداد الأعراض)، يعاد تقييم الحالة كل أسبوعين وبانتظام.

إذا أخفقت الخطوات السابقة تصبح المعالجة متعددة الاختصاصات ضرورية إذا غاب الطفل عن المدرسة عدة أسابيع، أو حين اضطراب العلاقات الاجتماعية على نحو شديد، أو اضطراب أفراد العائلة ووجود خلافات عن المشكلة المطروحة. تتم في هذه المرحلة الاستفادة من فريق متعدد الاختصاصات يتضمن معالجاً نفسياً يتعاون مع المرشد النفسي في المدرسة، والمعالجة النفسية المستخدمة هي المعالجة السلوكية المعرفية. وقد يستفيد بعض الأطفال من المعالجة النفسية الديناميكية (التحليلية) [ر. المعالجات في الطب النفسي.[

أما المعالجة الدوائية فقد تفيد في اضطرابات القلق أو الاكتئاب إن وجدت، ولكن لا توجد دراسات تؤكد فائدة الأدوية في معالجة الاضطرابات جسدية الشكل. وقد تساعد بعض مسكنات الألم أو مضادات الالتهاب غير الستيروئيدية أو مضادات الاختلاج على التخفيف من الألم في بعض الحالات ولاسيما في المدمنين أو المصابين بمتلازمة التعب المزمن.

4-اضطرابات خاصة بمرحلة الطفولة والمراهقة:

أ- اضْطِرابُ التَّصَرُّف  :conduct disorder

هو التصرف بعدوانية تتظاهر بمجموعة من السلوكيات تشمل ثورات الغضب والمجابهة والمجادلة العدوانية العقيمة وفرض السطوة على الآخرين وتخريب الممتلكات. تشاهد التصرفات العدوانية عند الذكور أكثر من الإناث، ولا تظهر على نحو مفاجئ بل تتطور وفق مراحل زمنية، وتعد نتيجة للحرمان والغضب، وتتأثر على نحو كبير بطريقة تجاوب الأهل تجاهها. ويزداد احتمال حدوث التصرفات العدوانية عقب التعرض للعنف كالعقاب الجسدي، وبعد مشاهدة أفلام العنف. ويتعلم الطفل السيطرة على تصرفاته العدوانية بعمر 6 سنوات، أما استمرار هذه التصرفات بعد عمر 6 سنوات فيزيد احتمال اشتدادها في فترة المراهقة. وتستدعي تصرفات الطفل العدوانية التدخل عندما تستمر أكثر من 10-15 دقيقة، وحين تكون متكررة، وحين ترافق الضرب المبرح وإيذاء الذات.

يزداد احتمال حدوث اضطراب التصرف عند الأطفال المصابين باضطرابات نفسية أو عصبية مثل اضْطِراب نَقْصِ الانْتِباهِ مَعَ فَرْطِ النَّشَاط، واضطراب المزاج ثنائي القطب عند المراهقين، والرض الدماغي، وتأخر الكلام والنطق، واضطرابات التَعَلُّم. كما يزداد احتمال حدوثه بوجود سوء استخدام العقاقير وانخفاض المستوى الاجتماعي والاقتصادي.

التقييم: يبدأ تقييم الحالة بالاستفسار أولاً من الأهل عن طبيعة اضطراب التصرف، وعن فترات حدوث التصرفات العدوانية مثل الكلام البذيء أو الضرب أو الركل أو إيذاء الذات والآخرين، فتسجل التصرفات الأكثر ظهوراً، وتواتر حدوثها (عدة مرات باليوم - مرة بالأسبوع - مرة باليوم - مرة إلى مرتين بالشهر - أقل من مرة بالشهر)، وهل يؤذي الطفل خلالها نفسه أو الآخرين، وهل تغير تواترها خلال الأشهر الستة السابقة زيادةً أو نقصاً، وكم تستمر في كل مرة (أقل من 5 دقائق - أقل من 15 دقيقة - أكثر من 15 دقيقة - من 30 لـ 60 دقيقة - أكثر من 60 دقيقة)، وماذا يفعل الأهل لتهدئة الطفل (عزله - الاقتراب منه - محادثته)، وما هي أسباب ظهور التصرف العدواني (الانتقال من نشاط إلى آخر - تغيير الرتابة (الروتين) - وضع حدود وأطر للسلوك - الاستثارة الزائدة كالصوت العالي - الحرمان - الاختلاط الطويل بأطفال آخرين)، وما رأي الأهل بسبب هذا الاضطراب (الوراثة - نوع الغذاء - اضطراب النوم - التوتر - الأذية الدماغية - الحساسية - الصرع - عدم القدرة على التعبير - انعدام الأطر والقانون داخل المنزل)، وهل يعتقد الأهل بإمكان تطبيق القوانين والقواعد داخل المنزل، وهل يشرح الأهل هذه القوانين للطفل، وهل يؤمن الأهل أن المشكلة السلوكية هي نتيجة للقواعد المفروضة، وهل يقبل الأهل عدم تطبيق هذه القواعد ويتسامحون عند اختراقها؟

يتم بعد ذلك تقييم الطفل، ويجب حينها عدم استثارته وتجنب لومه عند استيضاح تصرفاته العدوانية، كما يجب بدء الاستشارة بالتصرفات الأقل شدة، فيسجل تاريخ بدء كل تصرف وشدته وسببه وطرق معالجته، إضافةً إلى نفي الأسباب الطبية.

المعالجة: يكفي التثقيف النفسي إذا كانت التصرفات العدوانية خفيفة الشدة عند طفل عمره أقل من ست سنوات، وإذا كانت تلك التصرفات متباعدة وتحدث فقط بوجود اضطراب انفعالي أو أسباب مثيرة.

يتم التثقيف النفسي بالتعاون مع الأهل بغية التحقق من عدم وجود عوامل اجتماعية محيطة مثل سوء المعاملة، وعدم وجود اضطراب معرفي أو صعوبات تعلم أو تأخر دراسي عند الطفل. كما يتم التحقق من سلوك الأهل والتزامهم بالقوانين والقواعد في حياتهم، ومن طريقة تعاملهم مع اضطراب تصرف الطفل (العزل، ثبات الاستجابة، التوقعات الواضحة، تعزيز السلوك الإيجابي). يضاف إلى ذلك التحقق من علاقة المراهق بأهله على الرغم من ميله إلى الاستقلالية، ومراقبة البرامج التلفزيونية والنشاطات التي يقوم بها الطفل، وعدم وجود أسباب نفسية أو عصبية.

إذا لم يكن هناك حاجة إلى المتابعة المنتظمة يطلب من الأسرة مراجعة العيادة بعد شهر إلى ثلاثة  أشهر، ولكن المتابعة المنتظمة تصبح ضرورية إذا ازداد تواتر التصرفات العدوانية ونتجت عنها نتائج سلبية داخل المنزل وخارجه. يتم حينها الاتفاق مع الأهل على خطة معالجة سلوكية تتضمن وضع قائمة بالتصرفات الجيدة والسيئة التي تتطلب التداخل، وانتقاء تصرف أو اثنين لبدء التعامل معه، من دون الحكم على الطفل مسبقاً، وبإشراك الطفل في وضع خطة واقعية للمكافأة وللعقاب وفي مراقبة نتائجها، مع تأكيد تطبيق العقاب أو المكافاة بعد التصرف مباشرةً، ومع إشراك الأخوة بالبرنامج المطبق.

يتطلب ذلك استطلاع رأي الأهل عن التصرفات العدوانية وتشجيعهم على مواجهتها وعدم إنكارها. كما يتطلب شرح هدف التدخل السلوكي لكلٍّ من الأهل والطفل بهدف تشجيع الطفل على السيطرة على سلوكه وتحسين علاقته بالآخرين فالغاية ليست معاقبة الطفل بل تعليمه، فالعقاب يدفع الطفل للكذب وإخفاء ما حدث، في حين تهدف المعالجة إلى تعليم الطفل وضع قيود ذاتية لتصرفاته بغياب أهله.

أما إذا لم يكن لدى الطفل شعور بوجود مشكلة، أو أصرّ الأهل على إنكار المشكلة، أو استمر اضطراب التصرف على نحو يعدُّ خطراً على الطفل وعلى من حوله، أو ظهر سلوك مضاد للمجتمع مثل السرقة المتكررة أو إشعال النار أو إيذاء الحيوانات، فيتوجب اللجوء إلى المعالجة الاستعرافية وإلى المداواة النفسية، مع العلم أن المداواة النفسية ليست المعالجة الأساسية للعدوانية.

ب- رفض المدرسة   :school refusal

يعرف رفض المدرسة على أنه الغياب عن المدرسة المستمر وغير المسوّغ، وتقدر نسبة وقوعه بنحو 1-3% من التلاميذ كل سنة دراسية، ويكثر حدوثه حين الانتقال من المدرسة الابتدائية إلى الإعدادية ومن المدرسة الإعدادية إلى الثانوية. يبدي 75% من الأطفال الذين يرفضون الذهاب إلى المدرسة أعراض اضطرابات القلق، إذ يرغب الطفل بالذهاب إلى المدرسة ولكنه لا يستطيع القيام بذلك بسبب قلق الانفصال أو الاكتئاب أو وجود مريض في العائلة، أو يرغب الطفل بالبقاء في منزله تجنباً للمدرسة بسبب ما يعانيه من مشاكل دراسية أو لأنه يجد بيئة المدرسة غير آمنة. وقد يتغيب الطفل عن المدرسة بغية الاستمتاع بنشاطات أخرى، إذ يتغيب عن المدرسة 1% من الأطفال قبل سن المراهقة و 2-3% من المراهقين بسبب اضْطِراب التَّصَرُّف أو بسبب تعاطي المواد.

ينجم رفض المدرسة عن عوامل فردية وعوامل عائلية وعوامل مدرسية. تشتمل العوامل الفردية عند الطفل على الأمراض العضوية والاضطرابات النفسية وفقدان أحد أفراد العائلة بالوفاة أو الطلاق أو السفر. وتشتمل العوامل الفردية عند المراهق على الاضطرابات النفسية (اكتئاب، ذهان) واضطراب التصرف والإدمان. وتتضمن العوامل العائلية لدى الطفل على إصابة الأهل باضطرابات القلق أو بالذهان أو بالإعاقة، وخوف الأهل من العنف أو المخاطر الأخرى. أما عند المراهق فتتضمن العوامل العائلية عدم متابعة الأهل للمراهق وإدمان الوالد أو الوالدة. وتشتمل العوامل المدرسية لدى الطفل على اضطرابات التعلم (تَخَلُّفٌ عَقْلِيّ، عَجْزُ التَّعَلُّم) وضعف مستوى الفريق (الكادر) التعليمي وانعدام أمن بيئة المدرسة والكرب الناجم عن ضغط الأقران وخجل الطفل. أما عند المراهق فإن العوامل المدرسية تتضمن الإخفاق الدراسي وضعف مستوى (الكادر) التعليمي وغياب الوسائل التعليمية التخصصية.

التقييم: يجب مقابلة أهل الطفل والطفل كل على حدة، ويجب إجراء فحص عضوي كامل لنفي أي مرض جسدي.

يهدف تقييم الطفل إلى توثيق الغياب عن المدرسة (عدد الأيام، تحديد الأيام، هل حدث ذلك بصفوف سابقة، هل توجد أعراض نفسية بالمدرسة تختفي بالمنزل، هل تتظاهر أعراض نفسية بنهاية عطلة الأسبوع أو بعد العطل)، ومشاعر الطفل لغيابه عن المدرسة، وهل ينكر المشكلة، والرض (هل تعرض الطفل لحدث راض، هل تعرض لسوء معاملة، هل حدث طلاق أو وفاة أو سفر أحد الوالدين) وموقف الأهل (ما ردة فعل الوالدين، من يبقى بالمنزل مع الطفل) والأسباب التي يعلل بها الطفل غيابه (الخوف، الذعر، شكوى عضوية، رفض المعلم، الخوف من زملائه، مشاكل بحافلة المدرسة). ويضاف إلى ما سبق عند تقييم المراهق الاستفسار عما يفعله عند غيابه عن المدرسة (الالتقاء بأصدقائه، التسوق، العمل…) وما إذا كان يتعاطى مواد أو كان لديه اضطراب تصرف، وما إذا كان البرنامج المدرسي بشقيه الأكاديمي (العلمي) والمهني يحقق طموحات المراهق، وما إذا كان المراهق يتجنب شيئاً معيناً في المدرسة (المستوى الاجتماعي، العلاقات العاطفية، مادة دراسية معينة).

يجب استيضاح الأهل عن أداء الطفل المدرسي وعن سلوكه وعن رغبتهم بإبقائه في المنزل خوفاً من تعرضه للعنف أو للمخدرات أو لغيرها، وعن رغبة الأهل بإيجاد حل لما يعانون من قلق انفصال. ويستكمل التقييم باستيضاح المدرسة عن تجاوب الأهل وتعاونهم مع الفريق التعليمي، وعن تقييم الطفل على المستوى العلمي (الأكاديمي) والسلوكي، وعن المقترحات المطروحة لحل المشكلة.

المعالجة: تهدف المعالجة إلى عودة الطفل إلى المدرسة بأسرع ما يمكن باستخدام مقاربة حازمة ومتفهمة، ويفضل أن يعود الطفل إلى المدرسة على نحو متدرج، مع مشاركة الطفل على نحو فعال بالخطة المتبعة.

يستطب دخول المستشفى بوجود اضطراب عضوي شديد أو اضطراب ذهاني أو خطر الانتحار، وحين وجود سوء معاملة للطفل.

إذا كانت الحالة خفيفة، مثل الغياب لأيام قليلة متباعدة عند طفل سليم نفسياً ونتائجه الدراسية ملائمة وعائلته متعاونة، تكفي مناقشة الأهل والطفل لمراجعة العوامل المسببة وطمأنة الأهل. ويشجع الطفل في هذه الحالة على العودة إلى المدرسة بلغة حازمة مع الطلب من الأهل اتخاذ موقف حيادي من دون الدخول مع الطفل بأي مناقشات لمحاولة إقناعه. وتركز مناقشة الطفل على من يجب أن يلتقي بالمدرسة ومن يجب أن يحاور من أساتذته، مما يعزز نجاح عودته إلى المدرسة، ثم يتم تعزيز النجاح برسالة تشجيع أو بمكالمة هاتفية.

ج- اضْطِرابُ نَقْصِ الانْتِباهِ مَعَ فَرْطِ النَّشَاط :attention-deficit hyperactivity disorder (ADHD) 

اضْطِرابُ نَقْصِ الانْتِباهِ مَعَ فَرْطِ النَّشَاط حالة مرضية سلوكية يتم تشخيصها لدى الأطفال والمراهقين، وهي تعزى إلى مجموعة من الأعراض المرضية التي تبدأ في مرحلة الطفولة وتستمر لمرحلة المراهقة والبلوغ، وتؤدي هذه الأعراض إلى صعوبات في التأقلم مع الحياة في المنزل والشارع والمدرسة وفي المجتمع بصفة عامة اذا لم يتم التعرف عليها وتشخيصها وعلاجها.

اضْطِرابُ نَقْصِ الانْتِباهِ مَعَ فَرْطِ النَّشَاط هو اضطراب شائع وتزيد نسبة انتشاره في الذكور بمعدل 3-9 أمثال عما في الإناث. ومع أن الاضطراب يحدث في المراحل العمرية المبكرة إلا أنه قليلاً ما يتم تشخيصه لدى الأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة، وهو حالة طبية مرضية أطلق عليها في العقود القليلة الماضية عدة تسميات منها متلازمة النشاط الزائد والتلف الدماغي البسيط والصعوبات التعليمية وغير ذلك. وهو ليس مجرد زيادة في مستوى النشاط الحركي، بل حالة مرضية تجمع أعراضها في ثلاث مجموعات هي نقص الانتباه وفرط الحركة  والاندفاعية، وتختلف شدة هذه الأعراض من طفل إلى آخر وتصبح أكثر وضوحاً مع بدء الذهاب إلى المدرسة.

يعد نقص الانتباه من أكثر أعراض هذه الحالة انتشاراً، ويكون الطفل غير قادر على التركيز والتذكر والتنظيم، فيظهر وكأنه غير مهتم بما يجري حوله ويجد صعوبة في بدء ما يقوم به من أعمال وإكمالها، ولاسيما إذا كانت رتيبة أو متكررة أو كانت تتطلب التفكير. كما يبدو الطفل وكأنه لا يسمع النداء أو الحديث، ولا ينفذ الأوامر المطلوبة منه، ويفقد أغراضه، وينسى أين وضع كتبه وأقلامه وحاجياته الأخرى.

يتصف فرط الحركة بصعوبة الاستقرار، فلا يستطيع الطفل أن يجلس بهدوء أبداً سواء في غرفة الصف أم على مائدة الطعام أم في السيارة أم في الأسواق، بل يبقى متململاً ويجري في كل مكان ويتسلق كل شيء ويكثر الكلام بلا هدف محدد، كما يصعب عليه التأقلم واللعب مع الأطفال الآخرين. وتختلف الصورة في المراهقين والبالغين، فلا تظهر الأعراض الحركية بالدرجة والوضوح التي تظهر بها في الأطفال، ولكن يُلاحظ تململهم الشديد، فلا يجدون متعةً في القراءة أو في مشاهدة التلفاز أو في ممارسة الأنشطة التي تحتاج إلى الهدوء والسكينة.

الأسباب: اضْطِرابُ نَقْصِ الانْتِباهِ مَعَ فَرْطِ النَّشَاط من أكثر الإعاقات السلوكية النمائية التطورية شيوعاً، ويوصف هذا الاضطراب بالتطوري لأنه عجزٌ ناجمٌ عن تأخر أو نقص نمو المخ في مرحلة الحمل وخلال مراحل نمو المخ التالية، وينتج منه ضعف في السيطرة على النفس تظهر أعراضه على شكل سلوكيات. وليس هناك سبب واضح ومحدد لحدوث هذا الاضطراب، ولكن هناك اتفاق بين العلماء على أن الحالة تحدث نتيجة لأسباب نمائية في الجهاز العصبي لم يتم التوصل إلى معرفتها وتحديدها بعد، وقد أثبتت الدراسات الحديثة أن المشكلة تكمن في ضعف النواقل العصبية على التخصيص في الفص الجبهي، وتلقى هذه الفرضية دعماً من استجابة الأطفال المصابين للعلاج الدوائي بالأدوية المنبهة النفسية، ومن كشف نقص نشاط الفص الجبهي بالتَّصْوير المَقْطَعِي بِالإِصْدارِ البوزيترونيّ  (PET scan)  وإمكان تعديل هذا النشاط المخي باستخدام الادوية المنبهة النفسية.

ويمكن تصنيف الأسباب المؤدية إلى حدوث اضْطِراب نَقْصِ الانْتِباهِ مَعَ فَرْطِ النَّشَاط إلى أسباب وراثية وجينية، وأسباب عضوية، وأسباب نفسية وأسباب بيئية. للوراثة شأن مهم في حدوث المرض، ولكن لم يتم حتى الآن اكتشاف الجين المسؤول عنه. فقد أثبتت الدراسات توافق حدوث الاضطراب لدى التوائم بنسبة عالية تصل إلى 80%، كما أظهرت إحدى الدراسات أن 25% من والدي هؤلاء الأطفال لديهم اضْطِراب نَقْصِ الانْتِباهِ مَعَ فَرْطِ النَّشَاط، كما لوحظ وجود الاضْطِراب لدى أفراد آخرين من العائلة، إضافةً إلى زيادة معدل انتشار الأمراض السلوكية والنفسية بينهم مثل الاكتئاب واضطراب التصرف وغيرها.

أما الأسباب العضوية، فقد كان يعتقد سابقاً أن سبب حدوث اضْطِراب نَقْصِ الانْتِباهِ مَعَ فَرْطِ النَّشَاط هو خَلَلٌ وَظيفِيٌّ دِماغِيٌّ بَسيط minimal brain dysfunction، ولكن لم يثبت حتى الآن أن مثل هذا الخلل يترافق وقصور الانتباه. ويقال إن السبب هو تأخر نضج الجهاز العصبي لأن بعض الأطفال يتحسنون مع الوقت نتيجة نضج أجهزتهم العصبية، كما يقال إن السبب هو تأذي الجهاز العصبي في أثناء الحمل والولادة نتيجة مرض الأم أو تناولها بعض الأدوية في أثناء الحمل، أو نتيجة مضاعفات الولادة. ومن الأسباب العضوية المحتملة أيضاً إصابة الجهاز العصبي في فترة نضجه بعد الولادة نتيجة التعرض لبعض السموم مثل الرصاص، أو نتيجة التهابات المخ أو رضوضه.

وتتضمن الأسباب النفسية الحرمان العاطفي للأطفال، واضطراب الجو العائلي والاضطرابات النفسية، إذ قد يرافق اضْطِراب نَقْصِ الانْتِباهِ مَعَ فَرْطِ النَّشَاط صعوبات التعلم والتَوَحُّد و القلق والاكتئاب والصُمات الانْتِخابِيّ واضطراب التصرف واضطراب المعارضة والعصيان .oppositional defiant disorder 

التشخيص: يتم التشخيص بالفحص الطبي النفسي الشامل، وقد يستكمل التقييم الطبي والنفسي بتطبيق معايير مقننة لكل مرحلة عمرية، وتتم متابعة الطفل لملاحظة التغيرات التي تحدث وتسجيلها من قبل الوالدين والمدرسين وغيرهم ممن يقوم برعاية الطفل.

تَتَّضِح من تنوع الأسباب الممكنة لحدوث اضْطِراب نَقْصِ الانْتِباهِ مَعَ فَرْطِ النَّشَاط ضرورة أن يكون الفحص الطبي النفسي للطفل شاملاً يبدأ بأخذ القصة المرضية والسوابق الشخصية والقصة العائلية متضمنةً ظروف الطفل العائلية والاجتماعية والبيئية، وتسجل المعلومات التالية:

٭ ظروف الحمل والولادة (أمراض الأم في أثناء الحمل، مضاعفات الولادة، وزن الطفل حين الولادة وطوله ومحيط رأسه وحالته الصحية العامة).

٭ السوابق المرضية للطفل (الأمراض العضوية و النفسية، نقاط العلام التطورية، عادات النوم والعادات الغذائية).

٭ سلوك الطفل وشخصيته (سمات السلوك، العلاقة بالأقران وبأفراد العائلة، الطبع المسيطر، المشاكل السلوكية).

٭ القصة المدرسية (المستوى العلمي، أداء الواجبات المدرسية، العلاقة بالزملاء وبالمدرسين، المشاركة بالنشاطات المدرسية الفنية والرياضية).

٭ القصة العائلية (عمر الوالدين وتعليمهما وعمل كل منهما والقرابة بينهما، أعمار الأخوة والأخوات وأمراضهم والمستوى التعليمي لكلٍّ منهم، السوابق الطبية النفسية، السكن ودخل العائلة).

يتم بعد ذلك فحص الطفل فحصاً سريرياً يبدأ بقياس مشعرات النمو (الطول والوزن ومحيط الرأس) ثم فحص الجملة العصبية المركزية وفحص بقية أجهزة الجسم. وتطلب الفحوص المخبرية حين الشك ببعض الحالات المرضية، مثل اختبارات وظائف الغدة الدرقية، أو تخطيط الدماغ الكهربائي، أو تصوير الدماغ الشعاعي، أو بالرنين المغنطيسي.

المعالجة: لا توجد معالجة شافية لاضْطِراب نَقْصِ الانْتِباهِ مَعَ فَرْطِ النَّشَاط، ولكن يمكن ضبط الأعراض بطرق علاجية تتضمن: المعالجة الدوائية، والمعالجة الغذائية، وبرامج تعديل السلوك، والبرامج التربوية، وبرامج الإرشاد الأسري.

 (1)- المعالجة الدوائية: تعد المنبهات النفسية من أفضل العلاجات الدوائية وأكثرها أمناً، وأكثر هذه الأدوية استخداماً هو ميثيل فينديت methylphenidate وهو الدواء الوحيد المتوافر في سوريا، وهناك أدوية منبهة أخرى مثل دكستروأمفيتامين .dextroamphetamine  وتتوافر لبعض هذه الأدوية مستحضرات مديدة التأثير.

تؤثر المنبهات النفسية في شهية الطفل للطعام وفي نموه ونومه، لذلك فإن استعمالها يقتصر على فترات الحاجة الماسة إليها مثل أوقات الدراسة، ويجب حين وصفها مراقبة الطول والوزن والنبض وضغط الدم، كما يجب إجراء فحص سريري شامل. وتعطى المنبهات النفسية في البدء بجرعات صغيرة تزداد تدريجياً، وتوصى الأمهات بملاحظة شهية الطفل ونومه والإبلاغ عن اضطرابهما.

يستخدم في معالجة اضْطِراب نَقْصِ الانْتِباهِ مَعَ فَرْطِ النَّشَاط أيضاً أتوموكسيتاين  Atomoxetine وهو دواء مثبط انتقائي لاسترداد النورأدرينالين. ومن الأدوية الأخرى غير المنشطة: بوبروبيون bupropion، فينلافاكسين venlafaxine، كلونيدين clonidine، جوانفاسين .guanfacine 

(2)- العلاج النفسي والاجتماعي: العلاج بالأدوية وحدها غير كاف للتحكم على نحو كامل باضْطِراب نَقْصِ الانْتِباهِ مَعَ فَرْطِ النَّشَاط، بل ينبغي استعمال علاجات نفسية غير دوائية مثل مجموعات التدريب على المهارات الاجتماعية والمجموعات العلاجية لذوي هؤلاء الأطفال والمعالجة السلوكية في البيت والمدرسة كأهم مكانين يعيش فيهما الطفل. كما أن العلاج النفسي عنصر مهم يؤثر في التعامل مع العلاج الدوائي إذ يجب على الطبيب أن يشرح للطفل لماذا يستخدم الدواء ويعطى الطفل فرصة للتعبير عن وجهة نظره عن العلاج والمشاكل التي يعانيها منه. ويجب مساعدة الطفل على تخطي هذه المشكلة التي قد تكون مؤقتة. وعلى الرغم من الوقت العصيب الذي تلاقيه الأسرة والمدرسة مع الطفل فإنه يجب عدم عقاب الطفل وضربه وتوبيخه على تصرفاته وبالذات أمام الآخرين لأن ذلك سيزيد من معاناة الطفل وإحساسه بأنه مرفوض من الآخرين وزيادة إحساسه بعدم الثقة بالنفس؛ مما يؤدي إلى تفاقم المشكلة بظهور مضاعفات لهذا المرض كالقلق والاكتئاب، أو يزيد من أعراض المرض بمزيد من كثرة الحركة والعناد. إذاً بدلاً من عقاب الطفل وتنفيره من سلوكه يجب تشجيعه في حال قام بشيء جيد كالتزام الهدوء ولو لوقت محدد فمثلاً لو انتظر دوره في الكلام أو في طابور للحصول على شيء معين فيكال له المديح والتشجيع وزرع الثقة في نفسه. من الأفضل استغلال فترات اللعب لتعليم الطفل السلوك الجيد وكيف يتعامل مع الألعاب والأطفال الآخرين وكيف ينتظر دوره في اللعب. ويفضل استغلال كل أنواع الألعاب التي تعتمد على استخدام كل حواس الطفل كاللمس والسمع والنظر وتدريبه على كيفية استغلال هذه الحواس لتنمية الانتباه لديه. وينبغي التركيز على المهارات الاجتماعية مثل العلاقة مع أقرانه سواء أصدقاء أم زملاء في المدرسة وكذلك المربين والمعلمين.

د- اضطرابات النوم:

بيئة الطفل من العوامل الأكثر أهمية في ظهور اضطرابات النوم لديه، لذلك يجب استبعاد الأخطاء التربوية المتعلقة بالنوم مثل إجبار الطفل على النوم باكراً من دون أن يشعر بالنعاس، كما يجب الأخذ بالحسبان أن لكل طفل تواتر خاص به فيما يتعلق بالنوم، مع العلم أن لكل عائلة عادات وتقاليد خاصة بها.

التطور الطبيعي للنوم: تقل عدد ساعات النوم لدى الطفل مع تقدمه بالعمر، فينام الوليد نحو 16 ساعة يومياً، وتنقص فترة النوم إلى 15 ساعة بعمر 3 أشهر، و14 ساعة بعمر سنة، و10-11 ساعة بعمر 5 سنوات، و9-10 ساعات بعمر 10 سنوات، و8-9 ساعات بعمر 14 سنة. ومن الطبيعي أن يستيقظ بأي عمر من 6-8 مرات في الليل، ويعد تعليم الطفل معاودة النوم من دون تدخل أهله ضرورياً لتطور الطفل ويساعده على الاستقلالية. ويساعد إعطاء الطفل بعض الاستقلالية فيما يتعلق بالنوم ومعاودة النوم على الوقاية من اضطرابات النوم.

تشاهد اضطرابات النوم عند 5% من الأطفال في السنة الأولى من العمر، وعند  40% منهم بعمر 4-5 سنوات. ويزداد احتمال حدوثها بسبب عوامل نفسية كالتوتر والقلق والتعرض لسوء المعاملة، وتتراجع تلقائياً لدى الطفل الطبيعي.

التصنيف: قد يكون اضطراب النوم في الطفل أولياً أو ثانوياً لإصابة بمرض عضوي عصبي أو تنفسي أو هضمي علوي أو اضطراب نفسي مثل الاكتئاب. وتصنف اضطرابات النوم الأولية إلى اخْتِلاَل النَّوم  dyssomnia  والخَطَل النَوميّ  parasomnia   وفَرْط النَّوم .hypersomnia  واختلال النوم هو قصر فترة النوم بسبب رفض الذهاب إلى السرير، أو صعوبة الاستغراق بالنوم (الأرق البدئي) أو بسبب عدم استمرار النوم (تَقَطُّع النوم). أما الخَطَل النَوميّ فهو حدوث سلوك ما في أثناء النوم، وقد يحدث هذا السلوك في أثناء النوم العميق، بعد ساعة إلى ثلاث ساعات من بدء النوم، أو في أثناء نوم الريم؛ يتظاهر أثناء نوم الريم بالكوابيس، ويتظاهر في أثناء النوم العميق بالذُعْر اللَيلِيّ  sleep terrors  أو بالمَشْي النَومِيّ  sleep walking  أو بالكَلاَم النَومِيّ   sleep talking أو بحركات نَظْمِيّة  rhythmic movement  ومن حالات فَرْط النَّوم المعروفة بالتَغْفيق .narcolepsy 

المعالجة: لا حاجة إلى المعالجة إذا كان اضطراب النوم خفيف الشدة ويحدث بتواتر أقل من مرة في الأسبوع فترة لا تزيد على شهر واحد، شريطة أن يكون الفحص العضوي طبيعياً. تطلب في هذه الحالة مساعدة الأهل على تنظيم موعد نوم الطفل واحترام ما قد يكون لديه من طقوس النوم، مع تجنيب الطفل تناول كمية كبيرة من الطعام قبل النوم، وتأمين غرفة هادئة ذات حرارة معتدلة وإنارة خفيفة، ومع تجنيب الطفل فرط الاستثارة قبل النوم مثل اللعب العنيف أو أفلام العنف والرعب. ويطلب من الأهل المراجعة بعد أسبوعين، ولا تستطب المعالجة الدوائية في هذه الحالات الخفيفة.

أما في الحالات متوسطة الشدة التي لا تنفع فيها الخطة السابقة والتي تتظاهر بتقطع النوم عدة أيام أو بثورات غضب قبل النوم تستمر فترة تزيد على الشهر، فيجب تثقيف الأهل بالعلاقة بين اضطرابات النوم ومفاهيم الانفصال لمساعدتهم على الربط بين قلق الانفصال لدى الطفل وزيادة طلباته قبل النوم. ويطلب من الأهل تسجيل موعد نوم الطفل ووقت استيقاظه وعدد مرات الاستيقاظ الليلي يومياً. كما يطلب منهم البقاء بجانب سرير طفلهم حتى ينام ومن ثم الانسحاب بهدوء، أو تفقده في غرفته على نحو منتظم بعد دخوله سريره حتى ينام، أو الاستجابة لندائه عند استيقاظه من دون السماح له باللجوء إلى سرير والديه.

بوجود الذُعْر اللَيلِيّ أو المَشْي النَومِيّ، يوضح للعائلة أن هذه الاضطرابات تتراجع تلقائياً وأنه من غير الضروري التدخل بأي وسيلة. ويمكن مساعدة الطفل على النوم بعد الظهر مدة 30- 60 دقيقة مما يؤدي إلى تقصير مرحلة النوم العميق ليلاً. ويجب عدم إيقاظ الطفل في أثناء الذُعْر اللَيلِيّ أو المَشْي النَومِيّ، والاكتفاء بالبقاء بجانب سريره تجنباً لأي أذى قد يسببه لنفسه. يجب في هذه الحالات نفي وجود أي مرض وخاصة في الطرق التنفسية العليا كالربو أو العدوى القصبية، ويطلب من الأهل المراجعة بانتظام كل أسبوعين.

تصبح المعالجة النفسية ضرورية حين يحدث اضطراب النوم أكثر من 5 مرات في الأسبوع مدة شهر، على نحو يؤثر تأثيراً سيئاً في الحياة العائلية، ومع عدم قدرة الأهل على تطبيق ما سبق. يجب عندئذٍ نفي وجود سوء معاملة للطفل، ونفي وجود اضطراب نفسي لدى الأهل، ونفي وجود اضطراب نفسي لدى الطفل مثل الاكتئاب أو القلق. ويمكن استخدام دواء منوم مدة لا تتجاوز الأسبوعين.

5- اضطرابات تطورية:

أ- التخلف العقلي:

التخلف العقلي هو نقص نمائي يبدأ منذ الطفولة ويؤدي إلى تحدد شديد في القدرات الذهنية وإلى انخفاض المقدرة على التكيف مع متطلبات الحياة اليومية. وقد عرفته الجمعية الأمريكية للتخلف العقلي على أنه "إعاقة تتميز بقصور واضح يظهر قبل الثامنة عشرة من العمر في كل من القدرات الفكرية والسلوك التكيفي المعبر عنه بالمهارات العملية والاجتماعية والتخيلية"، ويجب عند تطبيق هذا التعريف تحديد القصور في الوظائف الحالية في ضوء التأثيرات البيئية ومستوى أداء أقران الطفل من العمر والثقافة نفسها، فالتقييم الجيد يتطلب أخذ الفروق الثقافية واللغوية بالحسبان، إضافةً إلى الاختلاف في العوامل التواصلية والحسية والحركية والسلوكية. ويجب أيضاً تحديد ما يرافق القصور من نقاط قوة في الفرد نفسه فالهدف الرئيس من وصف القصور هو إيجاد خطة فردية لدعم احتياجات الطفل لأنه يمكن عادةً تحسين الحياة الوظيفية للشخص المصاب بالتخلف العقلي عن طريق تقديم الدعم  المناسب على المدى البعيد.

التشخيص:

يعتمد التشخيص على قياس حاصِل الذَّكاء intelligence quotient (IQ)، ويشخص التخلف العقلي عندما يكون حاصل الذكاء 70 أو أقل، على أن يبدأ الاضطراب قبل عمر 18 سنة، وأن يترافق بتحدُّد واختلال في التكيف في مجالين على الأقل من مجالات: التواصل، والعناية الشخصية، والحياة المنزلية، والمهارات الاجتماعية، ومهارات الدراسة، والعمل والاستمتاع، والصحة، والأمان. ويعد التخلف العقلي خفيفاً إذا كان حاصل الذكاء بين 50 و 70، ومعتدلاً بين 35 و 50، وشديداً بين 20 و 35، وعميقاً إذا كان أقل من 20.

لا يشير مصطلح التخلف العقلي إلى مرض عقلي، بل إلى مجموعة مظاهر تساعد على تحديد الناس الذين يحتاجون إلى دعم اجتماعي وخدمات تعليمية خاصة من أجل القيام بواجباتهم اليومية. ويستخدم مصطلح التخلف العقلي للأطفال اعتباراً من عمر 5 سنوات، أما الأطفال الأصغر سناً ممن تظهر عليهم علامات تأخر واضح في مهارات التكيف والتعلم فيستخدم لوصف أعراضهم مصطلح التأخر النمائي الشامل  global developmental delay  ولا يشير ذلك بالضرورة إلى تشخيص التخلف العقلي بعد سن الخامسة حتماً.

الانتشار:

يقدر انتشار التخلف العقلي بين عموم السكان بنحو 1%. وتكون الشدة طفيفة في 85% من الحالات وهو شائع أكثر عند الذكور. ترتفع نسبة الانتشار لتصل إلى 3% عندما يستند التشخيص إلى معدل الذكاء فقط.

الأسباب:

يكون السبب غالباً تفاعل بين عوامل وراثية وأخرى بيئية (كالإهمال وسوء التغذية)، أما وجود سبب محدد فغالباً ما يقتصر على الحالات الشديدة، وتصنف الأسباب في هذه الحالات إلى عوامل وراثية وعوامل ما قبل الولادة وعوامل في أثناء الولادة والنفاس وعوامل ما بعد الولادة.

(1)- عوامل وراثية: وتتضمن الشذوذات الصبغية مثل متلازمة داون (وهي أكثر الأسباب الوراثية شيوعاً يبلغ معدل وقوعها 1 من كل 30 ولادة حين يفوق عمر الأم خمسة وأربعين عاماً)، ومتلازمة الكروموزوم الجنسي الهش  fragile X (وتعد ثاني أكثر الأسباب شيوعاً، إذ يبلغ معدل وقوعها 1 من كل 1500 ولادة)، وفقدان جزء من الصبغي (كما في متلازمة مواء القطة) cri du chat، والطفرات الجينية (مثل بيلة الفينيل كيتون التي يبلغ معدل وقوعها 1 من كل 10000 ولادة)، وتنتج من طفرة جينية وحيدة تسبب اضطراباً استقلابياً يؤدي إلى الإصابة بإعاقة فكرية مصحوبة بفرط حركة واستثارة وصرع. ومنها أيضاً الوُرام اللِيفِي العَصَبِيّ  neurofibromatosis  الناجم عن طفرة في الصبغي NF1 من الكروموزوم 17 التي تسبب إعاقة فكرية متوسطة واختلالات مرافقة في الجهاز العصبي والعظام والجلد.

(2)- عوامل ما قبل الولادة: وتشمل اختلال عمل المشيمة، ومتلازمة الجنين الكحولي، وقصور الدرقية، والعدوى كالحصبة الألمانية وفيروس نقص المناعة HIV وغيرها.

(3)- عوامل في أثناء فترة الولادة: وتشمل إصابة الوليد في الأسبوع السابق للولادة والأسابيع الأربعة التي تليها برض دماغي أو بعدوى جرثومية أو بالاختناق أو بارتفاع شديد في نسبة البيليروبين.

(4)- عوامل ما بعد الولادة: رضوض وأورام الدماغ بما في ذلك معالجتها الجراحية والشعاعية، والتهاب السحايا، والتسمم بالرصاص.

وتبقى عوامل الخطر النفسية والاجتماعية كالحرمان وسوء المعاملة وفقر الرعاية الصحية واصابة أحد الوالدين باضطراب عقلي عوامل تؤثر في نمو الطفل على نحو عام وتفاقم حالة الطفل في حين وجود إعاقة فكرية.

التقييم:

يهدف تقييم الحالة إلى وضع التشخيص وكذلك تعّرف العوامل المسببة والاضطرابات الصحية والنفسية المرافقة وتعرّف ما يمتلكه الطفل من مهارات. تحتاج عملية التقييم إلى فريق مكون من الطبيب والمعالج النفسي بالتعاون مع الطبيب الاختصاصي بأمراض الأطفال وطبيب اختصاصي بالأمراض العصبية. يتطلب تقويم الحالة صبراً وقدرة على تحمل الشك بالتشخيص وذلك لتجنب التسرع بوصم الطفل أو المراهق. ولابد أن تكون مقاربة الطفل مرنةً ومنسجمةً مع مستوى مهارات التواصل لدى ذلك الطفل وقدراته الاستعرافية. فتقويم الحالة ووضع التشخيص عملية تتم عبر الوقت وليس في مقابلة واحدة.

تعد الملاحظة المباشرة ودراسة التاريخ الشخصي للطفل وتاريخ العائلة (المعلومات من الوالدين) أهم المصادر لاستقصاء المعلومات اللازمة للتقويم. أكثر المعلومات التي يسعى الفريق إلى الحصول عليها حين دراسة تاريخ الحالة هي تلك المتعلقة بصعوبات الولادة وبتأخر النمو العصبي والاضطرابات السلوكية والسوابق المرضية والتاريخ الاجتماعي للعائلة بما في ذلك الضغوط أو الأحداث المفاجئة.

المعالجة:

توضع أهداف المقاربة العلاجية التأهيلية الشاملة بناء على احتياجات الطفل وقدراته ووضعه الصحي والمعرفي، وبما يتناسب وما هو متوافر ضمن بيئة الطفل. وتحتاج الخطة التأهيلية الشاملة إلى أن تطبق من قبل فريق متعدد الاختصاصات يتضمن مقدمي رعاية صحية، وطبيباً نفسياً، ومعالجاً نفسياً تربوياً، ومعلماً مختصاً بالتعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة ومعالج نطق ومختصاً اجتماعياً.

وحين وجود اضطرابات سلوكية أو أمراض نفسية مرافقة يمكن استخدام الأدوية النفسية، وقد تحتاج نسبة قليلة من الأطفال إلى الإقامة في مركز علاجي أو مستشفى.

ب - اضطرابات طيف التوحد   :autistic spectrum disorders

ينتمي الاضطراب التوحدي   autistic disorder إلى زمرة الاضطرابات النمائية الشاملة، ويبين الجدول (1) الشروط التشخيصية لهذا الاضطراب بحسب الطبعة الرابعة من الدليل الإحصائي والتشخيصي.

والاضطراب التوحدي من الاضطرابات التي يصعب تشخيصها لأسباب عدة أهمها عدم اتفاق المختصيّن على طبيعة الاضطراب وعلى ما يميزه من اضطرابات التطور العامة، واعتماد التشخيص على خبرة كل مختص، واشتراك التوحد مع العديد من الحالات والإعاقات الأخرى بكثير من الأعراض، وتغير الأعراض بالزيادة والنقص، وتشخيص بعض الحالات على أنها تخلف عقلي غير معروف السبب.

أولاً- ينبغي توافر ستة مظاهر (أو أكثر) من مجموعات الأعراض (1) و(2) و(3) التالية، أو مظهرين على الأقل من المجموعة (1) ومظهر واحد من كل من المجموعتين (2) و(3):

1- اختلال كيفي في التفاعل الاجتماعي يتجلى باثنتين على الأقل من التظاهرات التالية:

·        اختلال صريح في استخدام السلوكيات غير اللفظية العديدة كالتحديق عين في عين والتعبير الوجهي والوضعيات الجسدية والإيماءات التي تخدم في تنظيم التفاعل الاجتماعي.

·        الإخفاق في تطوير علاقات مع الأقران تتناسب والمرحلة التطورية.

- غياب السعي التلقائي للمشاركة في المتعة أو الاهتمامات أو الإنجازات مع الناس الآخرين (مثل عدم البحث عن الظهور أو الإشارة إلى الأشياء التي يهتم بها أو إحضارها).

- انعدام التبادل الاجتماعي أو الانفعالي.

2- اختلالات كيفية في التواصل كما تبدو في واحدة من التظاهرات التالية على الأقل:

·        تأخر في تطور اللغة المنطوقة أو غيابها الكامل (ولا يترافق ذلك مع محاولة المعاوضة من خلال نماذج بديلة من التواصل كالإيماء والتلميح).

·        يكون لدى الأشخاص الذين يمتلكون كلاماً كافياً، اختلال واضح في القدرة على استهلال حديث أو الاستمرار به مع الآخرين.

·        استخدام متكرر ونمطي للغة أو استخدام لغة خاصة.

·        انعدام ألعاب الخيال المنوعة أو ألعاب المحاكاة الاجتماعية المناسبة للمستوى التطوري.

3- نماذج من السلوك والاهتمامات والأنشطة المُقَيِّدة التكرارية والنمطية كما تتجلى في واحدة من التظاهرات التالية على الأقل:

·        انشغال كلي بموضوع اهتمام أو مواضيع اهتمام مقيدة ونمطية شاذة إما في الشدة أو في التركيز. التقيد الصارم بصورة واضحة بطقس أو منوال (روتين) نوعي وغير وظيفي.

·        أسلوبية حركية متكررة ونمطية (مثل الضرب باليد أو بالإصبع أو ليّهما أو حركات معقدة لكامل الجسم).

·        الانشغال المستمر بأجزاء من الأشياء.

ثانياً- تأخر الأداء أو أداء غير طبيعي في واحد من المجالات التالية يبدأ قبل عمر 3سنوات: (1) التفاعل الاجتماعي (2) اللغة كما تستخدم في التواصل الاجتماعي (3) اللعب الخيالي أو الرمزي.

ثالثاً- لا ينجم الاضطراب عن متلازمة ريت Rett (وهي اضطراب نمائي في المادة الدماغية الرمادية يصيب البنات عادةً) أو الاضطراب التفككي في الطفولة.

 

الجدول (1)

 

النظريات المفترضة عن أسباب اضطراب طيف التوحد:

اعتقد ليو كانر Leo Kanner عند بداية تشخيص التوحد منذ نصف قرن أن سبب الاضطراب هو عدم تفرغ الأبوين لتربية طفلهم في أوائل طفولته بسبب انشغالهم بمسؤولياتهم، وذلك لأنه لاحظ  في حالات التوحد التي تابع علاجها أن الأهل كانوا من "النخبة" المميزة بمستوى ذكاء عالٍ في الأوساط العلمية والفنية، وانهم كانوا باردين في تعاملهم ويميلون إلى التحفظ والعزلة. لذلك فقد اقترح كانر "نظرية النخبة" في حدوث التوحد، ولكن لوحظ لاحقاً حين تقدمت الخدمات الصحية وشملت كل الطبقات الاجتماعية أن التوحد يحدث في كل الطبقات الاجتماعية. ووضعت بعد ذلك فرضيات تقول إن سبب التوحد هو أذية دماغية وقد بنيت تلك الفرضيات على دراسات تشريح الجثة بعد الوفاة، وعلى تصوير الدماغ وتخطيط الدماغ الكهربائي ودراسة التغيرات الكيميائية العصبية.

افترض أيضاً أن للتوحد أسباباً بيئية نفسية. فالبيئة هي كل ما يحيط بالإنسان من الخارج من ظروف طبيعية وعلاقات إنسانية، وتؤثر هذه البيئة في الطفل وتتأثر به على نحو يحدد خبراته ومستقبله النفسي والاجتماعي ومقدرته على التعايش مع مجتمعه. ومن الأسباب البيئية النفسية التي قد تسبب التوحد: العلاقة بين الطفل ووالديه، وشخصية الوالدين الانعزالية والمتحفظة، وبرودة الأم، والأمراض النفسية لدى الوالدين ولاسيما الفصام، والمشاكل الاجتماعية كالطلاق. لا تتوافر براهين مؤيدة لهذه النظرية، بل إن نقل الأطفال المصابين بالتوحد للعيش مع عائلات بديلة لم يُحسّن حالتهم، كما أن التوحد لا يصيب كل الأطفال في العائلة ذاتها، وقد تبدأ بعض الحالات منذ الولادة وقبل أن يصبح تعامل الأهل مع الطفل مهماً. وقد أراح إخفاق هذه النظرية الكثير من العائلات التي كانت تلقي اللوم على نفسها في حدوث الحالة.

هناك العديد من المؤشرات الدالة على أن التوحد يحدث نتيجة أسباب بيولوجية تؤدي إلى خلل في أحد أجزاء المخ أو بعض أجزائه على مستوى النواقل العصبية. قد يؤكد هذه الفرضية أن التوحد ترافقه أعراض عصبية أو إعاقة عقلية، وأنه منتشر في جميع المجتمعات على نحو ينفي تأثير العوامل النفسية الاجتماعية. ولكن قد لا توجد في بعض الحالات أسباب طبية أو إعاقة عقلية يمكن أن تكون سبب التوحد، مما قد يوحي بوجود أسباب طبية لم يتم التعرف سوى على القليل منها بعد. ومن الأسباب الطبية الممكنة الالتهابات الڤيروسية التي تصيب الأم الحامل أو الطفل في المرحلة المبكرة من حياته، ومنها الحصبة الألمانية وعدوى الڤيروس المُضَخِّم للخَلاَيا والْتِهاب الدِّماغِ الحلئي (الهِربِسيّ). ومن الأسباب الطبية الأخرى التي ترتبط بالتوحد إصابات الحمل مثل الأمراض المعدية كالحصبة وقت الحمل، وإصابات الولادة مثل نقص الأكسجة والنزف وإصابات الرأس والحرارة العالية (أكثر من 41.5 درجة).

تفترض نظريات أخرى أن للتوحد أسباباً وراثية، ولكن لم يحدد حتى الآن جين قد يكون سبب حدوث التوحد، كما أن القصة المرضية لا تقدم دليلاً على وجود التوحد وتسلسله في العائلة .ولكن أظهرت إحدى دراسات التوائم أن إمكانية حدوث التوحد في كلا التوأمين تصل إلى نسبة 50%، مما يجعل الوراثة سبباً مهماً. كما أظهرت دراسة أخرى لعائلات يوجد لديها طفل مصاب بالتوحد تواتر حدوث اضطرابات التعلم واللغة ومشاكل تطورية أخرى، وأن احتمال حدوث التوحد في هذه العائلات يزيد خمسين مثلاً على عائلات ليس فيها طفل مصاب بالتوحد، مما يؤكد أهمية العامل الوراثي. ويضاف إلى ذلك تزايد حدوث التوحد عند الأطفال المصابين ببعض الأمراض الوراثية مثل بيلة الفينيل كيتون والتَصَلُّب الحَدَبِيّ   Tuberous sclerosis والوُرام اللِيفِي العَصَبِيّ ومتلازمة الصبغي   X الهش.

ترافق الكثير من الأسباب الواردة أعلاه إصابات واضطرابات في المخ والجهاز العصبي، وتختلف شدة هذه الإصابات من بسيطة إلى شديدة، وقد يؤدي بعضها إلى علامات عصبية واضحة، مثل ضعف السمع أو النظر، ويرافق بعضها أعراض التوحد. ولكن يتبين من تتبع هذه الأسباب أن الكثير من الأطفال المصابين بها ينمون نمواً طبيعياً، لذلك فإنه لا يمكن الجزم بأنها هي سبب التوحد.

الأعراض: قد يبلغ الطفل الثالثة أو الرابعة من العمر قبل أن تظهر أعراض كافية تجعل الوالدين يطلبون المساعدة الطبية والتشخيص، فليس هناك نموذج ثابت لأعراض التوحد وعلاماته، بل يوجد مجال واسع التنوع من العلامات المرضية، ويندر وجود جميع الأعراض في طفل واحد في الوقت نفسه. أما الأعراض فهي: الصمت التام، والصراخ الدائم المستمر من دون مسببات، والضحك من غير سبب، والخمول التام أو الحركة المستمرة من دون هدف، وعدم التركيز بالنظر، وصعوبة فهم الإشارة ومشاكل في فهم الأشياء المرئية، وتأخر تطور حواس اللمس والشم والذوق وعدم الإحساس بالحر وبالبرد.

ومن أعراض التوحد أيضاً المثابرة على اللعب وحيداً وعدم الرغبة في اللعب مع الأقران، والانشغال بألعاب تعتمد على التكرار والرتابة والنمطية، ومقاومة التغيير، والثوران عند محاولة تغيير اللعب النمطي أو توجيهه، وتجاهل الآخرين لدرجة إعطاء الانطباع بأنه مصاب بالصمم؛ فقد يُكسر كأس بالقرب منه فلا يعيره أي انتباه. يضاف إلى ذلك الخوف من بعض الأشياء مثل صوت طائرة أو نباح كلب، وعدم الخوف من أشياء أخرى قد تكون خطرة كالجري في الشارع على الرغم من مرور السيارات وأبواقها العالية، والانعزال الاجتماعي ورفض التفاعل والتعامل مع الأسرة ومع المجتمع وعدم طلب المساعدة من الآخرين وعدم التجاوب مع الإشارة أو الصوت، ومشاكل عاطفية، ومشاكل في التعامل مع الآخرين.

مشاكل التطور لدى الطفل المصاب بالتوحد:

يتظاهر التطور الفكري والحركي لكل الأطفال على شكل مجموعة من المهارات، ويتأخر لدى الطفل المصاب بالتوحد اكتساب بعض تلك المهارات، وقد تتوقف بعض تلك المهارات عند درجة محددة، كما قد تُفقد بعض المهارات بعد اكتسابها. يرافق التوحد دائماً خلل اكتساب المهارات اللغوية، لذلك فهنالك دائماً اضطراب لغوي مختلف الأشكال. كما أن من أهم مميزات التوحد سوء اكتساب المهارات الاجتماعية والنفسية ؛ فهناك جفاء وانعزال عن المجتمع، وانطواء على النفس. وتضطرب أيضاً مهارات الفهم والإدراك؛ فمن أهم صفات التوحد نقص الذكاء والتعلم ومشاكلهما، وهذا لا يعني أن جميع المصابين بالتوحد متخلفون عقلياً، بل قد يكون ذكاء بعضهم عادياً، ولكن يعاني أغلبهم صعوبات تعليمية ونقصاً في القدرات الفكرية. أما المهارات الحركية المعتمدة على العضلات الصغيرة والكبيرة فقليلاً ما تتأثر عند الأطفال المصابين بالتوحد.

التقييم: يبدأ التقييم الطبي بطرح العديد من الأسئلة عن الحمل والولادة، وعن التطور الجسمي والحركي للطفل، وعن الأمراض السابقة، وعن العائلة وأمراضها. ثم يجرى فحص سريري ولاسيما فحص الجهاز العصبي، وقد تجرى بعض الفحوص المخبرية الضرورية مثل تحليل الصبغيات أو تخطيط الدماغ الكهربائي أو تصوير الدماغ المقطعي المحوسب أو بالرنين المغنطيسي. ويجب إجراء تقييم للسمع لدى كل طفل لا يتكلم بعمر السنتين.

ويتم تقييم سلوك الطفل بالمراقبة المباشرة من قبل متخصصين في المنزل والمدرسة أو في أثناء الفحص السريري. ويستخدم الاختصاصي النفسي أدوات وسلالم قياس لتقييم حالة الطفل من نواحي الوظائف المعرفية والإدراكية والاجتماعية والانفعالية والسلوكية، مما يساعد الأهل والمدرسين على معرفة مناطق القصور والتطور لدى طفلهم .

ويمكن القيام بالتقييم التعليمي على نحو منهجي باستخدام أدوات قياس، أو على نحو غير منهجي باستخدام الملاحظة المباشرة ومناقشة الوالدين. ويهدف ذلك إلى تقدير ما لدى الطفل من مهارات قبل مدرسية (الأشكال، الحروف، الألوان)، ومهارات مدرسية (القراءة، الحساب)، ومهارات الحياة اليومية (الأكل، اللبس، دخول الحمام)، ومهارات التعلم ومشاكلها وطرق حل هذه المشاكل .

يتم تقييم التواصل باستخدام الملاحظة المباشرة ومناقشة الوالدين. ومن المهم تقييم مدى مهارات التواصل ومنها رغبة الطفل في التواصل، وكيفية أدائه لهذا التواصل (التعبير بحركات الوجه أو بحركات جسمية، أو بالإشارة)، وتجاوب الطفل لتواصل الآخرين معه. تستخدم نتائج هذا التقييم حين وضع برنامج تدريبي لتحسين مهارات التواصل باستخدام لغة الإشارة، أو الإشارة إلى الصورة، وغير ذلك.

يهدف التقييم المهني لمعرفة طبيعة تكامل وظائف الطفل الحسية، وكيفية عمل الحواس الخمس. كما يمكن تقييم مهارات الحركة الصغرى (استخدام الأصابع لإحضار لعبة أو شيء صغير) ومهارات الحركة الكبرى (المشي، الجري، القفز). ومن المهم معرفة ما إذا كان الطفل يفضل استخدام  يده اليمنى أم اليسرى.

المعالجة:

لا توجد معالجة يمكن تطبيقها على جميع الأطفال المصابين بالتوحد، ولكن المتخصصين في هذا المجال وعائلات الأطفال يستخدمون طرقاً متنوعة للعلاج منها:

 - المعالجة الطبية: الهدف الأساسي من المعالجة الطبية للأطفال المصابين بالتوحد هو ضمان الحد الأدنى من الصحة الجسمية والنفسية. ويجب أن يحتوي برنامج الرعاية الصحية الجيد على زيارات دورية منتظمة للطبيب لمراقبة النمو والسمع وضغط الدم واللقاحات والتغذية والنظافة العامة، ولاكتشاف وجود أي مشاكل طبية أخرى مصاحبة كالصرع مثلاً.

-  المعالجة الدوائية: لا يوجد دواء نوعي للتوحد، ولكن بعض الأدوية قد تساعد المريض. إلاّ أن هذه الأدوية تحتاج إلى متابعة خاصة من حيث معرفة مستوى الدواء في الدم وفعاليته في الطفل ومقدار الجرعة المناسبة ونتائج المعالجة. ويتم ذلك بالاستفادة من ملاحظات الوالدين والمدرسين.

يختلف استخدام الأدوية في التوحد من طفل إلى آخر، وتستخدم الأدوية إضافة إلى الطرق العلاجية الأخرى، وقد تنفع الأدوية في الحالات التي ترافقها اضطرابات أخرى مثل اضْطِراب نَقْصِ الانْتِباهِ مَعَ فَرْطِ النَّشَاط  واضطراب الوسواس القهري ولكن ليس بوصفه علاجاً للتوحد ذاته. وقد تم تجريب العديد من الأدوية التي لم تثبت فائدتها في معالجة التوحد، ومنها بعض مضادات الذهان مثل هالوبيريدول ورسبردون risperidone (والتي قد تستخدم لتعديل بعض أنماط السلوك والمشاكل النفسية المصاحبة مثل الأرق والعدوانية وفرط النشاط والسلوك الوسواسي)، والجرعات الكبيرة من فيتامين ( ب 6) والمغنيزيوم.

استخدمت في معالجة التوحد أيضاً المعالجة المضادة للخمائر anti-yeast therapy  اعتماداً على نظرية تقول بزيادة تكاثر الخمائر في الأطفال المصابين بالتوحد لسبب غير معروف. وقد لاحظ بعض الأهل أن استخدام مضادات الخمائر ينقص بعض السلوكيات السيئة، كما أن بعض الدراسات تؤيد هذه الطريقة في المعالجة ولكن مازالت النتائج غير نهائية.

تستخدم الأدوية المضادة للصرع لمعالجة الصرع الذي يصاحب التوحد في ثلث الحالات تقريباً.

المقاربة النفسية والتدخل التربوي في متابعة اضطراب الطيف التوحدي:

للطبيب النفسي شأن أساسي في تشخيص الطفل المصاب بالتوحد وتقييمه، كما أن له شأناً في مساندة الفريق والإشراف على خطة العلاج الشاملة إضافة إلى المتابعة الدورية لأولياء الأمور لمناقشة وضع الطفل وبيان الحلول المناسبة للمواقف والصعوبات التي تواجههم في المنزل، وتقديم الدعم النفسي المستمر لهم. كما يقوم الطبيب النفسي بالمتابعة النفسية والسلوكية لما يمكن أن يصاحب التوحد من اضطرابات نفسية كالقلق أو اضطرابات المزاج أو السلوكيات النمطية أو القهرية.

أما دور الاختصاصي النفسي فهو القياس النفسي وتطبيق الروائز التي تقيس مستوى قدرات الطفل من وجهة التواصل مع الآخرين والتفاعل الاجتماعي والمهارات الحياتية اليومية والاعتماد على النفس والمهارات الحركية والمشاكل السلوكية، مع متابعة التغيرات التي تحدث من فترة إلى أخرى اعتماداً على ما يتم إنجازه من خلال البرنامج التربوي الفردي.

وتعتمد البرامج التربوية على أن التدريب هو أساس العملية العلاجية للأطفال المصابين بالتوحد؛ إذ إنهم يواجهون الكثير من الصعوبات في  المنزل والمدرسة، إضافة إلى الصعوبات السلوكية التي تمنع بعض الأطفال من التكيف مع المجتمع. لذلك يجب وضع برنامج تدريب خاص يناسب الطفل ويؤدي إلى مساعدته على التكيف بنجاح في الحياة. ويجب أن يوفر هذا البرنامج فصولاً دراسية منظمة بجداول ومهمات محددة، مع تحديد المعلومات التي يجب إبرازها وتوضيحها بطرائق بصرية وشفوية، مع توفير الفرصة للتفاعل مع أطفال غير معاقين ليكونوا النموذج في التعليم اللغوي والاجتماعي والسلوكي. ويجب أن يركز البرنامج على تحسين مهارات الطفل التواصلية، وعلى الإقلال من عدد طلاب الفصل وتعديل وضع الجلوس وتعديل المنهج التدريبي باطراد ليناسب الطفل نفسه، وأن يكون هناك تواصل متكرر وكاف بين فريق العمل والأهل.

 

   

 


التصنيف : الأمراض النفسية
النوع : الأمراض النفسية
المجلد: المجلد العاشر
رقم الصفحة ضمن المجلد : 249
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 509
الكل : 31641876
اليوم : 76731