logo

logo

logo

logo

logo

الفصال العظمي

فصال عظمي

ostarthritis (osteoarthrosis) - ostéo-arthrose

الفصال العظمي

 

أحمد حامد بدران

نماذج المرض والتصنيف
الباثولوجيا والإمراض
   

 

الفصال العظمي osteoarthritis مرض قديم يعدّ من أكثر الأمراض التي تصيب الإنسان شيوعاً، ويضم مجموعة غير متجانسة من الحالات تتشابه في مظاهرها الشعاعية والباثولوجية.

 

الوبائيات:

- تقدم العمر (جميع المناطق).

- الجنس الإنثوي (بعض المناطق، ولا سيما في الركبة واليد).

- العرق (متغير في مناطق مختلفة).

- الاستعداد الجيني (جميع المناطق).

- البدانة (معظم المناطق، ولكن خاصة بالنسبة لمفصل الركبة).

- الرضوح trauma، وبعض المهن التي تنطوي على فعاليات فيزيائية متكررة.

الجدول (1) عوامل الخطر في الفصال العظمي

          

 

الفصال العظمي مرض مرتبط بالعمر، يندر قبل سن الأربعين ويكاد يكون موجوداً في أحد المفاصل في كل الذين تجاوزوا الخامسة والسبعين من العمر؛ مع أنه قد يكون لا عرضياً.

تكثر إصابة الركبتين عند النساء البدينات، وهي أكثر شيوعاً بين السود مقارنة بالبيض، في حين  تتساوى الإصابة عند الإناث والذكور بالنسبة إلى إصابة الوركين، وهي أقل ارتباطاً بالبدانة، كما أنها نادرة عند الصينيين. ويبين الجدول (1) عوامل الخطر في الفصال العظمي.

المظاهر السريرية:

من المتعارف عليه أن الفصال العظمي هو مرض المفاصل الزليلية، وأكثر المفاصل إصابة هي: مفاصل النواتئ في الناحيتين الرقبية والقطنية والركبة والورك وقاعدة الإبهام في القدم واليد، والمفاصل بين السلامية القاصية في اليد (الشكل 1).

وعلى عكس الأمراض المفصلية الالتهابية التي تصيب كامل المفصل غالباً ما تكون الإصابة التنكسية للمفاصل المعنية جزئية وموضعة، إذ قد تصاب المقصورة compartment الفخذية  الظنبوبية الإنسية؛ أو الداغصية - الفخذية الوحشية في الركبة فقط، ويفسر ذلك بشكل المفصل أو الإجهاد المطبق عليه.

الشكل (1)

القصة المرضية:

العرضان المهمان للفصال العظمي هما: الألم المحرض بالجهد (الألم الميكانيكي) الذي يحدث في أثناء الجهد أو يتلوه مباشرة ويخف مع الراحة، والألم الأولي في الصباح أو بعد الراحة المديدة. تكون الشكوى في بعض الحالات محدودة بنشاطات أو وضعيات معينة، وفي حالات أخرى - خاصة المتقدمة - قد تكون الآلام ليلية. أما شدة الألم فتتبع مهنة المريض ومدى تجنبه الظروف المثيرة له. قد يرافق الأعراض السابقة حدوث انعقال مفصلي أو فرقعة مسموعة أو مجسوسة، وتورم، وتعب، وصعوبة القيام بالأنشطة اليومية.

الفحص الفيزيائي:

يتميز المفصل المصاب بالفصال العظمي بتورم قاسٍ (عظمي)، إضافة إلى وجود فرقعة crepitus تسمع أو تجس عند الحركة التي يتحدد مجالها في الدرجات الأخيرة. يعود التورم إلى تشكل نوابت عظمية osteophyte  أو غضروفية عند الحافة المفصلية، كما في إصابة مفاصل اليدين بين السلامية القاصية (عقيدات هيبردان)، أو بين السلامية الدانية (عقيدات بوشار) (الشكل 2).

قد تكون هذه النوابت مؤلمة بالجس، كما قد يكون الخط المفصلي نفسه مؤلماً. وفي بعض الحالات يمكن ملاحظة علامات الالتهاب من حرارة وتورم وانصباب مفصلي؛ نتيجة لالتهاب ثانوي في الغشاء الزليل. وقد يحدث ضعف أو ضمور عضليان حول المفصل، ويحدث التشوه وعدم الثبات المفصليان في المراحل المتقدمة.

الاستقصاءات:

يمكن تشخيص الفصال العظمي في معظم الحالات بناء على معطيات القصة المرضية والفحص السريري؛ من دون الحاجة إلى أي استقصاءات أخرى. ونظراً لأن هذا المرض هو اضطراب موضع وليس له تظاهرات جهازية؛ فإن التحاليل الدموية تكون في مجملها طبيعية؛ مع احتمال زيادة البروتين التفاعلي (CRP)  وسرعة التثفل ازدياداً قليلاً حين حدوث التهاب الزليل الثانوي والانصباب.

تعكس الاستقصاءات الشعاعية مثل التصوير الشعاعي البسيط  (rays-X) والرنين المغنطيسي (MRI)  الباثالوجيا المرضية المفصلية للفصال العظمي. والتصوير البسيط هو الاستقصاء الأكثر استخداماً من أجل تأكيد التشخيص وتحديد مرحلة المرض، وتبدو فيه النوابت العظمية، وتضيق المسافة المفصلية بسبب تأَكل الغضروف، والتصلب العظمي تحت الغضروف، والكيسات العظمية تحت الغضروفية (الشكل 3). وقد صنف كلغرن مراحل هذا المرض بعدد الموجودات الشعاعية على الشكل البسيط؛ أي (IV-III-II-I-0).

يكاد يكون السائل المفصلي في الفصال العظمي مطابقاً في مواصفاته الفيزيائية والكيميائية للسائل المفصلي في المفصل الطبيعي.

الشكل (3) صورة شعاعية بسيطة للركبة أمامية خلفية (أ) وجانبية (ب)
إصابة فصالية عظمية متقدمة لرجل بعمر 70 عاما:
يظهر فيها التضيق الشديد في المسافات المفصلية في المقصورة الإنسية
والفاصل الداغصي الفخذي، مع تصلب العظم تحت الغضروف وتشكل نوابت عظمية.
الشكل (2) إصابات مفاصل اليدين في الفصال العظمي العقيدي بين السلامية
القاصية (عقيدات هيبردان) وبين السلامية الدانية (عقيدات بوشار).

وقد اهتم في الآونة الأخيرة بمعايرة المركبات الناجمة عن تقويض مكونات النسيج الضام المفصلي وبنائها؛ مثل معايرة الهيالورونات hyaluronate  في المفصل، ومعايرة البروتين الغضروفي قليل القسيمات (COMP)؛ والنهاية الكاربوكسيلية للكولاجين من النمط الثاني في البول  .urinary carboxyl-terminal cross-linking telopeptide of type II collagen (CTX-II)

نماذج المرض والتصنيف:

من الصعب وضع تصانيف لمرض يحمل في طياته مجموعة من الاضطرابات، وقد استخدمت المعطيات الآتية في تمييز نماذج هذا المرض:

1-  وجود أو عدم وجود سبب واضح ( ثانوي أو أولي).

2-  التوضع المفصلي وعدد المفاصل المصابة (موضع أو معمم).

3- كمية العظم المستحدث حول المفاصل، أو على العكس حدوث ائتكالات عظمية (ضخامي أو ضموري على الترتيب)، وجود فرط التعظم الأساسي (مجهول السبب) المنتشر diffuse idiopathic skeletal hyperostosis (DISH)  أو غيابه.

4-  وجود الالتهاب الصريح أو غيابه (التهابي أو غير التهابي).

5- وجود كُلاس في الغضروف أو غيابه (الاعتلال المفصلي البيروفوسفاتي)، أو ترسيب بلورات فوسفات الكلسيوم الأساسية (الاعتلال المفصلي الأباتيتي).

6-  معدل سرعة ترقي المرض (الفصال العظمي سريع الترقي).

ويمكن للفحوص الجينية أن تميز بعض حالات الفصال العظمي المرافقة لبيلة الألكبتون وعسرات تصنع المشاش ذات العيوب الجينية.

تظهر الحالة الوصفية للفصال العظمي في مريض تجاوز منتصف العمر يشكو ألماً ميكانيكياً في الركبتين و/أو الوركين و/أو أسفل الظهر، وربما مع أذية سابقة في هذه المفاصل أو واحد منها.

 وفيما يلي عدد من النماذج المشاهدة في الممارسة السريرية المنوالية:

الشكل (4) فرط التعظم الأساسي الهيكلي المنتشر DISH
يتميز بوجود نوابت عظمية شبه متصلة لأربعة مستويات
بين فقرية متتالية مع احترام نسبي للمسافات بين الفقرية.

1-فصال عظمي عقيدي التهابي إياسي معمم يصيب الإناث في أواسط العمر (الإياس) مؤتَكِل erosive، يتظاهر بألم وتورم والتهاب في المفاصل بين السلامية القاصية عادة، يزول الألم فيما بعد ويستمر التورم. وللوراثة شأن في هذا الشكل من الفصال العظمي.

2-فرط التعظم الأساسي الهيكلي المنتشر (DISH): يشاهد في المسنين؛ وخاصة المصابين بالمتلازمة الاستقلابية والسكريين، يعتقد أن لباثالوجيته علاقة بعامل نمو البطانة الوعائية  (VEGF) vascular endothelial growth factor، يتميز بظهور نوابت عظمية على حواف الفقرات تمتد لتشكل جسوراً تربط الفقرات وقد تصيب المفاصل المحيطية. تقود الإصابة إلى تحدد الحركة (الشكل 4).

3-اعتلال المفاصل العصبي (مفصل شاركو :(Charcots joint ينجم عن نقص حس الألم المفصلي أو غيابه لأسباب مختلفة (اعتلال الأعصاب السكري، الإفرنجي الثالثي، تجوف النخاع،...). يتميز بشدة التخرب الغضروفي وضخامة النوابت العظمية، وقلة الألم.

4-فصال عظمي سريع الترقي في الورك أو الركبة مجهول السبب.

التشخيص التفريقي:

لا توجد صعوبة في تشخيص وجود الفصال العظمي أو غيابه؛ إنما تكمن الصعوبة في إثبات العلاقة بين الأعراض والتبدلات الفصالية العظمية، ويعود السبب إلى وجود حالات باثولوجية فصالية عظمية متقدمة لا عرضية، ومن جانب آخر قد تعود الآلام إلى اضطرابات مرضية حول مفصلية كما في التهاب أجربة الأوتار، أو إلى أسباب وعوامل نفسية كالقلق والكآبة وغيرها.

السير والإنذار:

الفصال العظمي حالة مرضية بطيئة التطور، تتميز بمراحل قصيرة الفعالية الالتهابية وكثير من أوقات الهجوع، ولربما كان لدرجة التبدلات في البنية البيوكيميائية شأن محرض للحدثية المرضية. وقد تكون هذه الحدثية المرضية ذاتها محاولة من قبل المفصل لإصلاح الأذى الناجم عن تبدلات حيوية آلية (بيوميكانيكية) خفيفة في المفصل، فتتشكل النوابت العظمية وتتسمك المحفظة لتحسين ثبات المفصل، أما تبدلات العظم تحت الغضروف فتهدف إلى امتصاص الشدات الفيزيائية. يرافق هذه التبدلات نقص ثخن الغضروف مما يؤدي إلى ظهور التبدلات الشعاعية وليس الأعراض المرضية. وقد يرافق التبدل في تشريح المفصل تبدل في حس الألم المركزي والمحيطي بحيث تصبح الحركة العادية مؤلمة  بسبب فرط التحساس للألم، وقد يستمر هذا حتى في حالة هجوع المرض، ويمكن لهذه الفرضية أن تفسر حالة التباين بين المعطيات الشعاعية والأعراض السريرية.

وهكذا لا يعد الفصال العظمي بالضرورة مرضاً مترقياً، والإنذار ليس سيئاً دائماً.

الباثولوجيا والإمراض:

إن التبدلات الباثولوجية في النسيجين المفصليين الغضروفي والعظمي تحت الغضروفي من أهم مميزات الفصال العظمي.

1-ينجم الفصال العظمي عن قصور الخلايا الغضروفية في الحفاظ على التوازن بين تقويض مادة المطرق وإنتاجها.

2-المتورط الأساسي في عملية التقويض هذه هي الإنزيمات الحالة للبروتينات.

3-تعد الخلايا الغضروفية والزليلية مصدر إنتاج طلائع السيتوكينات الالتهابية المسؤولة عن استحداث الإنزيمات المقوضة للغضروف، وتسهم البروستاغلاندينات والجذور الأكسجينية الحرة أيضاً في باثولوجيا الفصال العظمي.

4-للعامل الآلي (الميكانيكي) شأن أساسي في الحفاظ على استقرار النسيج الغضروفي، وفي الوقت نفسه تعد الشدات الميكانيكية المفرطة مساهماً أساسياً في بدء الحدثية الفصالية العظمية وترقيها.

1- الباثولوجيا:

يمكن تعريف الفصال العظمي باثالوجياً بأنه فقد تدريجي للغضروف المفصلي، يرافقه تصلب العظم تحت الغضروف، ونمو نوابت عظمية محيطية، والتهاب لا نوعي بسيط في الغشاء الزليلي. ليس ثمة فروق واسعة بين التبدلات العمرية والفصالية العظمية في النسيج الغضروفي، وهناك من يميز ثلاثة أوضاع للنسيج الغضروفي، غضروف طبيعي وغضروف ذو تبدلات عمرية، وغضروف فصالي عظمي.

أ- الغضروف الطبيعي: يتألف الغضروف الطبيعي من مكونين أساسيين: الأول هو مادة المطرس extracellular matrix  الغنية بالكولاجين (II, IX, and XI) والبروتيوغليكان proteoglycan الموجود على شكل تجمعات مؤلفة من بروتين مركزي محمل بسلاسل من الغلوكوزأمينوغليكان تتألف من كوندروايتين سلفات وكيراتان سلفات keratan sulfate مولعة بجزيئات الماء، مما يكسبها مرونة عالية لتحمل الشدات الفيزيائية المطبقة على الغضروف، وتسهم في الوقت نفسه في دخول المواد الغذائية وخروج الفضلات. أما المكون الثاني فيتألف من الخلايا الغضروفية المزروعة ضمن المطرس الذي تصنعه هذه الخلايا بنفسها.

ب- التبدلات العمرية في الغضروف المفصلي: تحدث التشققات الغضروفية مع تقدم العمر بسبب التصدعات الجهدية في شبكة الكولاجين، أما في بقية مكونات مادة المطرس فتحدث تبدلات بنيوية وحيوية كيميائية (بيوكيمائية) عديدة. ينقص استحداث البروتيوغليكان بعد نضج الجهاز الحركي (جزئياً لنقص تعداد الخلايا الغضروفية). أما سلاسل الغلوكوزأمينوغليكان فتحدث فيها تبدلات نوعية وكمية مع العمر تجعل هذه السلاسل أقصر، كما أن محتواها من الكيراتان سلفات 6 يزداد على حساب نقص الكيراتان سلفات 4، مما يؤدي إلى نقص في قدرة هذه المركبات على الارتباط بجزيئات الماء، ويعدل خصائص النسيج الغضروفي وبالتالي يحد من وظيفته في تلقي الشدات الفيزيائية شاقولياً وتوزيعها أفقياً.

إن المظهر المميز للغضروف مع تقدم العمر هو تعديل بروتيني بوساطة غلوزة glycation غير إنزيمية تؤدي إلى زيادة المنتجات الانتهائية المغلوزة advanced glycation end product (AGEs) وتراكمها في النسيج الغضروفي من دون إمكانية إزالتها، الأمر الذي ينجم عنه تدني القدرة الميكانيكية للغضروف. الأكثر من هذا أن هذه المركبات المغلوزة تستطيع الارتباط بالخلايا الغضروفية بوساطة مستقبلات معروضة على سطح الأخيرة RAGE  مسببة تعديلاً في وظيفتها، بحيث تزداد فعاليتها المقوضة للنسيج الغضروفي.

ج- المفصل في الفصال العظمي: يكون الغضروف والعظم غير طبيعيين في الفصال العظمي؛ إضافة إلى وجود تبدلات مرضية في المحفظة والغشاء الزليل. تتضمن التبدلات المميزة ظاهرياً: تضيق المسافة المفصلية، وتشكل النوابت العظمية، وتصلب العظم تحت الغضروف. تحدث هذه  التبدلات نتيجة عدة أطوار:

- الطور 1  الوذمة والشقوق المجهرية: تعد وذمة المطرس من التبدلات الباكرة؛ ولاسيما في الطبقة الوسطى من الغضروف المفصلي، تتبدى بزيادة الماء الحر ونقص الماء المرتبط. يضاف إلى هذا فقدان الغضروف للمعانه، وظهور التشققات المجهرية ضمنه، ونقص بؤري في الخلايا الغضروفية بسبب بطء الانقسام - ولاسيما في الطبقات السطحية - بالتناوب مع بؤر من خلايا غضروفية متكاثرة.

- الطور 2 التشققات: تزداد التشققات السابقة عمقاً وتتجمع  الخلايا الغضروفية حول هذه التشققات. 

- الطور 3 التأَكلات: تقود التشققات في النسيج الغضروفي إلى انفصال قطع منه وسقوطها ضمن الجوف المفصلي تاركة مكانها فراغات سطحية قد ترافقها تشكلات كيسية في العمق. تسبب الأجسام الحرة هذه التهاباً خفيفاً في الغشاء الزليل، يحدث التصلب العظمي تحت الغضروفي نتيجة تشكل طبقات عظمية جديدة تزداد مع تقدم المرض. أما النوابت العظمية فتكون مركزية بسبب نمو الحواف العظمية، أو هامشية بسبب تكلس الحواف الغضروفية، أو محفظية حول سمحاقية لحدوث التكلس في مناطق ارتكاز المحفظة. ولعامل نمو البطانة الوعائية VEGF شأن في حث البناء والنمو العظميين (الشكل 5).

الشكل (5) الخلية الغضروفية مع منتجاتها.

2- الإمراض :pathogenesis

يحدث الفصال العظمي بسبب عجز الخلايا الغضروفية عن إنتاج كمية كافية من المطرس خارج الخلوي، تجمع في خصائصها بين المرونة والصلابة، وتحقق التوازن بين التقويض والتعويض. وقد تبين أن السبب الأساسي في هذا العجز ينجم عن نقص تمايز الخلايا الغضروفية الذي يبدو بنقص تعبير expression البروتيوغليكان والكولاجين نموذج (II) وزيادة تعبير الكولاجين (X)، وإنزيم الميتالوبروتيناز- 13  (MMP-13) وهو من أهم مقوضات الكولاجين .(II) كما يبدو أيضاً بحثّ عملية التكلس الباثولوجية وزيادة الفوسفاتاز القلوية والموت الخلوي المبرمج.

ومع أن للخلايا الغضروفية في باثولوجيا الفصال العظمي شأناً أساسياً فإن للخلايا الزليلية عملاً مساعداً أيضاً، فهي تقوم ببلعمة الأشلاء الغضروفية المحررة إلى الجوف المفصلي مما يسبب ارتكاساً التهابياً في الغشاء الزليل، الأمر الذي يدفعه إلى إنتاج طيف من الوسائط الالتهابية تنسكب داخل الجوف المفصلي؛ مثل (MMP) matrix metallo protein والسيتوكينات التي يمكن أن تحدث تبدلات في المطرس الغضروفي وتفعل الخلايا الغضروفية.

أخيراً قد يسهم النسيج العظمي تحت الغضروفي في تقويض الغضروف المفصلي في المصابين بالفصال العظمي؛ إذ تصبح الخلايا العظمية قادرة على إفراز مقدار أكبر من الفوسفاتاز القلوية والأوستيوكالسين osteocalcin وعامل النمو الشبيه بالإنسولين (IGF)-1 واليوروكيناز. تستطيع هذه الخلايا المعدلة حثَّ عمليات تقويض الغضروف المفصلي من خلال تثبيط إنتاج مركبات المطرق وزيادة إنتاج MMPs  من قبل الخلايا الغضروفية.

أ- الشدات الفيزيائية: أثبتت الدراسات أن الخلايا الغضروفية كالخلايا العظمية يمكن أن تعمل كحساسات ميكانيكية وأسمولية بدليل أنها تبدل استقلابها استجابة للتبدلات الفيزياكيميائية التي تحدث في المحيط، ويمكن للوسائط الكيميائية الفيزيائية الحيوية أن تتورط مباشرة في تفعيل الخلايا الغضروفية في المصابين بالفصال العظمي. وهناك دلائل تشير إلى تداخل بين تأثيرات العوامل البيوميكانيكية وطلائع الوسائط الالتهابية في حدثيتي البدء والترقي في الفصال العظمي. تؤدي الوضعيات السكونية والشدات الفيزيائية إلى نقص إنتاج البروتيوغليكان، وتأذي شبكة الكولاجين، ونقص اصطناع بروتينات المطرس الغضروفي، في حين أن الجهد الفيزيائي المدروس كالمشي مثلاً (اهتزاز 0.1 هرتز) يحرض على إنتاج المطرس.

ب- المعاوضة لترميم الغضروف: هناك مظاهر عديدة تدل على وجود محاولات معوضة لترميم المفصل في الفصال العظمي تقودها عوامل النمو growth factors في مواجهة السيتوكينات الالتهابية والإنزيمات الحالة. يلاحظ هذا على نحو خاص في النسيجين الغضروفي والعظمي تحت الغضروفي؛ على الأقل في المراحل الباكرة من المرض. أهم عوامل النمو في هذا المجال هو عامل النمو المشابه للإنسولين (IGF-1)  وعامل النمو المحول بيتا .(TGF-beta) تنتج هذه العوامل بكميات كبيرة من قبل أنسجة المفصل المتنكس بما فيها الخلايا الغضروفية والنسيج العظمي تحت الغضروفي والغشاء الزليلي. يملك عاملا النمو السابقان (IGF-1) و(TGF-beta)  -إضافة إلى عامل نمو صانعات الليف الأساسية - تأثيراً بانياً للمطرس ومثبطاً لطلائع السيتوكينات الالتهابية ومحرضاً لانقسام الخلايا الغضروفية.

ظهر في الآونة الأخيرة اهتمام كبير حول شأن النسيج العظمي تحت الغضروفي في محاولات الترميم هذه؛ إذ يزداد الاستقلاب العظمي في هذه المنطقة في المصابين بالفصال العظمي، مما يؤدي إلى زيادة إنتاج عوامل النمو مثل البروتين 2 المصنع للعظم [bone morphogenic protein 2 (BMP-2)] وقد بينت التجارب قدرة هذا البروتين على ترميم النسيج الغضروفي، ومع هذا تبقى محاولات الترميم غير كافية في مواجهة التقويض.

ج- بدء الحدثية الفصالية العظمية: لا تزال آلية بدء الفصال العظمي غير واضحة، ويمكن لعدة عوامل ميكانيكية أن تسهم على نحو مباشر أو غير مباشر في إضعاف مقاومة النسيج الغضروفي وزيادة قابليته للتخريب. يضاف إلى ذلك أنه مع تقدم العمر تزداد رخاوة الأربطة حول المفصلية مما يؤدي إلى انعدام ثبات المفصل وسهولة أذيته. كما تضعف العضلات تدريجياً لتصبح الاستجابات العصبية المحيطية بطيئة، مما يسهم في إحداث قصور وظيفة الغضروف النابضة التي تتجلى بتلقي الشدات الفيزيائية عمودياً وامتصاصها وتوزيعها أفقياً، وبالتالي تأَكل الغضروف وحتِّه تحت وطأة الشدات الميكانيكية.

قد تسبب تبدلات النسيج العظمي تحت الغضروفي حدوث الفصال العظمي، وقد استندت هذه الفرضية إلى ملاحظة سبق تبدلات النسيج العظمي تحت الغضروفي للتبدلات الغضروفية في بعض الحالات؛ ذلك أن الرضوض المتكررة للمفصل تتسبب بحدوث كسور مجهرية في النسيج العظمي، وتكرر الكسور والتئامها قد يُحدث تغيراً نوعياً في المواصفات البيوميكانيكية للغضروف؛ مؤدياً إلى اصطناع عوامل النمو التي تحرض نمواً عظمياً تحت غضروفي جديد يتجلى بحدوث التصلب العظمي ونمو النوابت. كما أظهرت الدراسات وجود اضطراب في التروية الدموية في المفاصل المصابة بالفصال العظمي، يتجلى بنقص الوارد الشرياني؛ وزيادة الركودة الوريدية، ويتناسب طرداً مع مرحلة الإصابة، وقد يكون هذا عاملاً مسرعاً لترقي المرض.

كما قيل بشأن الهرمونات الجنسية بدليل وجود مستقبلات إستروجينية على الخلايا الغضروفية.

الخلاصة:

تقر الفرضية البسيطة بأن التقويض المنفعل للغضروف المفصلي هو السبب الرئيسي للفصال العظمي. تكون التبدلات المرضية في الغضروف المفصلي عكوسة في بداية الأمر، ثم تصبح لا عكوسة مع تقدم المرض؛ إذ من الواضح أن تعديل وظيفة الخلايا الغضروفية عن طريق منبهات خارجية وداخلية يقود إلى اصطناع وسائط عديدة التهابية ومقوضة للغضروف. وقد أظهرت الدراسات الحديثة شأناً أكبر للشدات الفيزيائية في هذا التعديل (الشكل 6).

الشكل (6) بدء حدثية الفصال العظمي وترقيها.

التدبير:

1-  يتطلب التدبير الأمثل للفصال العظمي علاجاً دوائياً ولا دوائياً.

2-  يستطب حقن الستيروئيدات المديدة داخل المفصل في حالات سورة التهاب الزليل خاصة التي يصاحبها الانصباب.

1-العلاج اللادوائي:

يعتمد على تثقيف المريض حول طبيعة مرضه؛ ودعمه معنوياً واجتماعياً من أجل ترشيد نظام الحياة اليومية بما يساعد على حماية الغضروف المفصلي وتخفيف الضغوط الميكانيكية عليه من خلال:

تخفيف الوزن، تجنب الإجهاد المهني، استخدام الوسائل المخففة للصدمات: أربطة، عكازات، ضبانات، تجنب الكعوب العالية، تقوية العضلات والأنسجة الداعمة بالتمارين الرياضية لتخفيف العبء المفصلي، المعالجة الفيزيائية.

2-العلاج الدوائي:

تكاد المعالجات الجهازية في الفصال العظمي أن تقتصر على المعالجة العرضية، ولم يثبت على نحو قاطع وجود معالجات معدلة لسير المرض.

أ- المسكنات غير المخدرة: تجمع الجمعيتان الأمريكية والأوربية لطب الروماتيزم على أن الباراسيتامول هو التدبير الأنسب لألم الفصال العظمي الخفيف والمتوسط الشدة وخاصة على المدى الطويل. يجب ألا تزيد الجرعة اليومية على 2000- 3000ملغ. لا يؤثر الباراسيتامول في الجهازين الهضمي والقلبي الوعائي، لكنه قد يزيد من نصف عمر الوارفارين، كما يمكن أن يسرع الأذيات الكبدية عند الكحوليين والذين يعانون أمراضاً كبدية.

ب- المسكنات المخدرة: الهدف الرئيسي هو تسكين الألم لتوفير مستويات مرضية من النشاط البدني، والتمكين من ممارسة الرياضة التي تفيد في الحفاظ على الوظيفة المفصلية. ينبغي أن يحتفظ بهذه المعالجة للمصابين بالفصال العظمي الشديد أو الألم المعند علاجياً على المسكنات غير المخدرة، ويجب أن تعطى على نحو منظم ومدروس تفادياً لمشاكلها الجدية الحقيقية وخاصة الاعتماد.

ج- مضادات الالتهاب اللاستيروئيدية: تستخدم مضادات الالتهاب اللاستيروئيدية (NSAIDs) بنوعيها (التقليدي والانتقائي) حينما لا تفي المسكنات. لا يزيد الجمع بين مركبين (NSAIDs) من الفعالية العلاجية، وما يزداد هو السمية الدوائية ليس غير. أما الجمع بين المسكنات و(NSAIDs)  فهو مفيد أكثر منه كلاً على حدة. تكون مراقبة المعالجة بهذه الأدوية بعد أسبوعين لتقييم الفعالية، أما فحص ضغط الدم؛ والتعداد العام لخلايا الدم؛ واختبارات الوظيفة الكبدية والكلوية؛ وتحري الدم الخفي في البراز فيكون كل 4 إلى 6 أشهر. يمكن التقليل من التأثيرات غير المرغوبة الهضمية لـ (NSAIDs) عند ذوي الخطورة باستخدام الانتقائي منها أو بمشاركتها مع الميزوبروستول misoprostol أو مثبطات مضخة البروتون .PPi

قد ترافق الأذية الكلوية (القصور وحبس السوائل، وارتفاع البوتاسيوم) استخدام جميع مركبات .(NSAIDs)  تقبض المركبات الانتقائية الأوعية الدموية، ومن هنا كانت تأثيرات بعضها الخطيرة على الجهاز القلبي الوعائي، وقد تبين فيما بعد أن مثل هذه التأثيرات الجانبية قد ترافق استخدام المركبات غير الانتقائية أيضاً؛ ولكن بدرجات أقل وعلى نحو متفاوت.  

- المعالجة الدوائية الموضعية:

ينجح حقن الستيروئيدات القشرية داخل المفصل في الحد من آلام المفاصل في الفصال العظمي وخاصة في أثناء الطور الالتهابي، تستمر فائدة الحقن من أيام إلى بضعة أشهر. يجب ألا يتكرر مثل هذا العلاج أكثر من ثلاث مرات في المفصل نفسه في سنة واحدة.

لا ينبغي أن يعد حقن الستيروئيدات القشرية داخل المفصل من العلاجات الأساسية في مقاربة الفصال العظمي؛ بل مساعداً للمعالجة الدوائية واللادوائية.

يؤدي حقن الحمض الهيالوروني hyaluronic acid داخل المفصل إلى تخفيف الأعراض وتسهيل حركة المفصل، وهو على ما يبدو أفضل قليلاً عندما يتم في الركبتين في المراحل المبكرة من الفصال العظمي. يكرر الحقن أسبوعياً مدة 3 إلى 5 أسابيع، وقد يلاحظ التهاب الزليل أو الانصباب بعد الحقن.

تبين أن استخدام المراهم المحمرة موضعياً له بعض التأثير في تخفيف الألم وتحسين التروية الدموية في مفاصل الركبتين واليدين.

هل توجد أدوية معدلة لسير المرض في الفصال العظمي  DMOADs؟

لما كان بيت الداء في الفصال العظمي هو النسيج الغضروفي فقد تركز الاهتمام على الأدوية التي تمنع تخرب الغضروف، وقد دعيت هذه الأدوية بحاميات الغضروف chondroprotective وذلك لتأثيرها الإيجابي في الخلايا الغضروفية والمادة خارج الخلوية المحيطة بها. بينت بعض الدراسات أن هذه الأدوية ذات فعالية علاجية وقد تؤدي إلى إبطاء سير المرض؛ وتحسين الأعراض والعلامات السريرية، لذا دعيت الأدوية المعدلة لسير المرض؛ لكنها لا تزال تحتاج إلى مزيد من الدراسات والاستقصاءات. وهناك مجموعة واسعة من هذه المركبات الدوائية مثل مركبات الغلكوزامين  glucosamine، كوندروايتين سلفات الحمض الهيالوروني، دوكسي سيكلين، مثبطات  MMP، كالسيتونين، بيسفوسفونات، أضداد IL-1 وTNF-alpha  وغيرها.

3- الجراحة:

يلجأ إلى الجراحة حين إخفاق المعالجات الدوائية واللادوائية. 

يسهم إصلاح تشوهات المحاور في تخفيف الضغوط على الغضاريف المفصلية وبالتالي إطالة عمرها الوظيفي.

يمكن استبدال المفصل الجزئي أو الكلي في الفصال العظمي المتقدم المقترن بألم وعجز وظيفي شديدين؛ وخصوصاً في الورك أو الركبة.

ومازال شأن أذيات الغضاريف الهلالية في حدوث الفصال العظمي وفائدة التداخل الجراحي لتدبيرها في الوقاية منه بحاجة إلى كثير من الدراسة.

 

   

 


التصنيف : الأمراض الرثوية
النوع : الأمراض الرثوية
المجلد: المجلد الثالث عشر
رقم الصفحة ضمن المجلد : 63
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 515
الكل : 31673264
اليوم : 27846