logo

logo

logo

logo

logo

الأدواء الخمجية الناجمة عن المتفطرات

ادواء خمجيه ناجمه عن متفطرات

Infectious diseases caused by mycobacteria - maladies infectieuses causées par les mycobactéries



الآفات الخمجية الناجمة عن المتفطرات

 مروان الوزة، بهاء عبد الحميد

المتفطرة السلية
المتفطرة الجذامية
المتفطّرات غير السليّة

 

 

 أولاً - المتفطرة السلية

 السل  Tuberculosisخمج جرثومي تسبّبه المتفطرة السلية، وهناك ما يدل على انتشاره في العالم القديم، وقد فتك بالبشر قروناً عديدة، ويُعدّ مسؤولاً عن عدد مذهل من حالات المراضة والوفيات في جميع أنحاء العالم، ومازال يمثّل تحدياً هائلاً أمام أنظمة الرعاية الصحية والأطباء، والمفارقة تكمن في أنّه من الأخماج التي يمكن الوقاية منها وعلاجها على نحو فعال في الوقت الراهن.

الوبائيات:

يُقدّر أن نحو ثلث سكان العالم مصابون بالسل الخفي latent، وقد بلغ معدل وقوعات السل عالمياً ذروته عام 2003، ثم بدأ بالانخفاض تدريجياً، وتحدث 8 ملايين حالة سل جديدة كلّ عام مع وفاة ما يقارب 3 ملايين مسلول سنوياً. ويزداد معدّل حدوث السل في الأشخاص المصابين بفيروس عوز المناعة البشري والزنوج ومدمني المخدرات الوريدية والمسنين، وتنجم معظم حالات السل في البالغين عن تفعيل عدوى كامنة حدثت قبل سنين.

تتفاوت وبائيات السل عالمياً إلى حدّ كبير، فأعلى معدّلات الوقوع (100 مصاب لكلّ 100000 شخص أو أعلى) تُسجّل في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى والهند وجزر جنوب شرقي آسيا، في حين تُسجّل معدلات متوسطة لوقوع السل (25-100 مصاب لكلّ 100000 شخص) في الصين، وأمريكا الوسطى والجنوبية، وأوربا الشرقية، وشمالي إفريقيا، وتُصادف الوقوعات المنخفضة (أقل من 25 مصاباً لكلّ 100000 شخص) في الولايات المتحدة وأوربا الغربية وكندا واليابان وأستراليا، ويبين الشكل (1) الخريطة الوبائية العالمية لوقوعات السل عام 2012.

الشكل (1) الخريطة الوبائية العالمية لوقوعات السل عام 2010.

شهد القرن المنصرم عودة انتشار وباء السل عالمياً بعد نجاحات باهرة واكبت ظهور مضادات السل وتوليفات استخدامها. وتتمثل العوامل الرئيسيّة الكامنة وراء ما يقرب من 95% من حالات السل في البلدان النامية في تزايد الفقر وانتشار المخدرات وظهور الخمج بفيروس عوز المناعة البشري، وتحدث حالة واحدة من كلّ 14 حالة سل جديدة في المخموجين بفيروس عوز المناعة البشري، ويحدث  أكثر من 85% منها في إفريقيا، وتطرح الحالات الحديثة تحدّياً جدياً بسبب تزايد حالات السل المقاوم لأدوية متعدّدة، إذ يقارب عدد حالات السل المقاوم للأدوية نصف مليون حالة سنوياً

تنتقل متفطرات السل من شخص إلى آخر عن طريق الهواء بوساطة الرذاذ (قطيرات صغيرة تحتوي كل منها 5-10 عصيّات) الذي يطرحه المريض في أثناء السعال أو العطاس أو الكلام، وقد تبقى المتفطرات عالقة في الهواء عدة ساعات مما يزيد فرص العدوى، ومن العوامل الأخرى التي تزيد قدرة إخماج المصاب حجم التكهف الرئوي واتصاله بالقصبات، ووجود عصيات مقاومة للحمض في لطاخة القشع، واكتظاظ السكن، والجدير بالذكر أنّ المصابين بالسل خارج الرئوي غير ناقلين للعدوى عموماً.

الفزيولوجية المرضية Pathophysiology:

المتفطرة السلية Mycobacterium tuberculosis عصيّة  مستقيمة أو قليلة الانحناء قليلاً تنتمي إلى جنس المتفطرات التي تضم أنواعاً كثيرة أخرى. وينجم السل عن العدوى بمتفطرة من معقّد (مجموعة) المتفطرات السلية Mycobacterium tuberculosis complex  الذي يضم المتفطرة السلية والمتفطرة البقرية M.bovis (ومنها متفطرات كالميت غيران calmetle guerin المستخدمة في لقاحBCG )، والمتفطرة الإفريقية M.africanum والمتفطرة العُكبرية M.microti والمتفطرة الكانيتية M.canetti والمتفطرة العنزية M.caprae والمتفطرة الفقمية  M.pinnipedii.

تتميّز المتفطرات بجدارها الخلوي المكوّن في المقام الأوّل من حمض المايكوليك mycolic acid ، الذي يؤلف أكثر من 50% من وزنها. وتضفي مكونات جدار المتفطرة خصائص التلوين المميزة، فالعصيات السلية تأخذ ملوّن غرام، وتمنح بنية حمض المايكوليك العصيّة القدرة على مقاومة إزالة الملوّن بالكحول بعد تلوينها بملوّنات الأنيلين، ومن هنا جاءت تسمية الجراثيم المقاومة للحمض.

تنمو المتفطرات السلية ببطء، وتحتاج إلى 20 -24 ساعة كي تنقسم في الأنسجة الحيوانية والأوساط السائلة الاصطناعية مقارنة بـ 20 دقيقة تقريباً للإشريكية القولونية مثلاً.

تتوضع المتفطرات السلية بعد استنشاق القطيرات المخموجة في السبيل القصبي، وتصل القطيرات التي يقّل قطرها عن 5 ميكرونات إلى الأسناخ، وتبدأ بالتكاثر بعد وصولها إلى السطح القصبي أو السنخي، ولمناعة المضيف السليقية شأن مهم في مكافحة العدوى. ويتعرف الجهاز المناعي المتفطرات السلية بوساطة المستقبلات الشبيهة بالتول Toll-Like Receptors (TLR) وغيرها، فتتحرك البلاعم لكبح تكاثر المتفطرات السلية، وتفرز البلاعم المخموجة السيتوكينات والكيموكينات التي تجذب البلاعم الأخرى والوحيدات والعدلات. تستمر المتفطرات السلية في التكاثر الموضعي إذا ما أخفق الجسم في التخلّص منها مكوّنة بنية حبيبية عقيدية تسمى الدرنة tubercle، ومع ازدياد حجم الدرنة تتكاثر المتفطّرات، وتنتقل إلى العقد اللمفاوية السرّية ذات الصلة، ويُطلق على الآفة الرئوية الأوّلية مع العقدة اللمفاوية المتضّخمة معقّد غون Ghon‘s complex  الذي يعدّ الواسم الرئيس في السل الأوّلي، ويتطورّ الخمج الأولي بعد ذلك وفق أحد المسارات التالية:

  -1 سل خافٍ  latent tuberculosis.

  -2 سلّ فعّال يتظاهر بأعراض وعلامات سريرية، وله أشكال متعدّدة رئوية، أو خارج رئوية، وقد يؤدي تكاثر المتفطرات الخارج عن السيطرة إلى انتشارها دموياً، وحدوث سلّ منتشر.

  -3 سلّ ثانوي بعد سنوات من الكمون قد يصيب أي عضو، وقد يُصبح منتشراً (دخنياً).

يستغرق حدوث استجابة مناعيّة تلاؤمية فعّالة 2-6 أسابيع بعد العدوى. وللمناعة الخلوية شأن رئيس في مكافحة العدوى مع إطلاق وسائط متعدّدة كالعامل المنخّر للورم ألفا، والأكسجين التفاعلي ووسائط النيتروجين التفاعلي reactive nitrogen intermediates والأنترفيرون غاما وسيتوكينات أخرى، وتسهم جميعها في تطوّر الأورام الحبيبية وحدوث تجبّن caseation في مراكزها، ومع اتصال تلك الآفات التنخريّة المتجبّنة بالشعب الهوائية الرئوية ينطلق محتواها من المتفطرات، ويصبح المسلول معدياً للآخرين.

غالباً ما تهجع المتفطرات السلية بعد انتشارها المحدود مع الخمج الأولي، ويتمكّن الجهاز المناعي من محاصرتها في أماكن انتشارها من دون أن يقضي عليها، وتبقى في حالة هجوع سنوات، وربّما عقوداً. ويقدّر أنّ تفعيل السلّ يحدث في 5-10 % من المصابين بالسل الخافي، وتزداد الخطورة بحدوث عوز مناعي لأسباب مختلفة كالإصابة بفيروس عوز المناعة البشري، والداء السكري، واللمفومات واستخدام كورتيكوستيروئيدات وعلاج السرطانات الكيميائي.

يجنح السل الثانوي إلى التوضع في مكان محدّد، فيتوضّع السل الثانوي الرئوي في الفصين العلويين عادة مع حدوث تكهّف، ويغيب اعتلال العقد اللمفية ذات الصلة. ولا يستثني السل الثانوي أي نسيج أو عضو من الجسم. أمّا السل الدخني miliary tuberculosis  فهو سلّ معمم يصادف في مضعفي المناعة والمدنفين.

التظاهرات السريريّة:

السل الأوّليPrimary tuberculosis :

يصيب السل الأوّلي الفصوص الرئوية السفلية عادة، وتظهر في 5 % من الحالات ارتشاحات فصية أو قطعية يرافقها اعتلال عقد لمفاوية سرية في جانب الإصابة، ويكون ثنائي الجانب في 15 % من الحالات، وقد يشاهد انصباب جنب ينجم عن تمزّق بثرة رئوية من دون تسرب الهواء إلى جوف الجنب، ويُرتشف الانصباب تلقائياً في عدة أسابيع، وقد يتطوّر الأمر في بعضهم إلى حدوث سل فعّال.

السل الخافي Latent tuberculosis:

لا يتظاهر السلّ الخافي بأيّ أعراض سريريّة، ويُستدل على وجوده بإيجابية تفاعل التوبركولين أو مقايسة إنتاج الأنترفيرون غاما أو بهما معاً، ولا ينقل المصابون العدوى، ولكنهم يكونون معرّضين لخطر تفعيل السل. ويجب تشخيص المصابين المصنفين ضمن مجموعات الاختطار (الجدول 1) وعلاجهم كالعاملين الصحيين المخالطين مرضى السل ومضعفي المناعة لأسباب مختلفة، والمرضى المرشحين لتلقي معالجة مناعية حيوية.

الجدول (1) مجموعات الاختطار المرتفع للإصابة بالسل.

مجموعات الاختطار المرتفع للتعرض أو الإصابة بالسل

مجموعات الاختطار المرتفع لحدوث سل فعال بعد العدوى

·         المخالطون لمسلولين أو لأشخاص يُشتبه بإصابتهم بالسل.

·         القاطنون أو القادمون من مناطق موبؤة.

·         المجموعات المنخفضة الدخل.

·         العاملون والقاطنون في أماكن مكتظّة كالسجون والمستشفيات ودور المسنين، ومآوي المشردين.

 

·         المصابون بفيروس عوز المناعة البشري.

·         المصابون بالسل خلال السنتين الماضيتين.

·         وجود مرض مستبطن يزيد من مخاطر الإصابة بالسل كالداء السكري، والسحار silicosis، والفشل الكلوي، والخباثات، وحاملو الأعضاء المزروعة، والمرضى الذين يتلقون علاجات مثبطة للمناعة.

·         مدمنو المخدرات.

·         الرضع والأطفال الذين تقلّ أعمارهم عن 4 سنوات، والأطفال واليفعان المخالطون للبالغين من المجموعات عالية الخطورة.

السل الرئوي Pulmonary tuberculosis:

يعدّ السل الرئوي الشكل السريري الأكثر شيوعاً، وهو المسؤول عن انتشار العدوى. وتصاب قمة الرئة (الشدفة القمية الخلفية) عادة، وفي حالات نادرة قد تصاب الشدفة القمية من الفص السفلي. وغالباً ما يكون السل الرئوي لا عرضياً، وقد يشكو المريض تعباً ونقص وزن وحمى وتعرّقاً ليلياً وسعالاً يكون في البداية صباحياً منتجاً لقليل من القشع الأصفر أو الأخضر، ومع تقدم المرض يصبح السعال منتجاً أكثر، وقد يحدث نفث دم، أو تحدث زلة تنفسية بسبب حدوث ريح صدرية عفوية ناجمة عن تمزّق رئوي أو وجود انصباب جنبي كبير ناجم عن التفاعل الالتهابي الشديد الذي تحدثه كمية قليلة من المادة الجبنية المنبثقة من ورم حبيبي سطحي صغير متجبّن. وقد يشكو المرضى الذين تتوضع إصابتهم في المتن الرئوي تحت وريقة الجنب - مع إصابة غشاء الجنب أو المصابين بالتهاب جنب سلي من دون إصابة الرئة - ألماً صدرياً جنبياً، وقد يحدث السل الرئوي الشديد قصوراً تنفسياً. وتُصادف متلازمة الإفراز غير الملائم للهرمون المضاد للإدرار في بعض المصابين بالسل الرئوي.

تبدو الآفات السلية القديمة الملتئمة في الصورة الشعاعية بشكل تليفات أو آفات متكلّسة أو كهوف، وتشير  الارتشاحات الجديدة أو الكتل في مناطق الآفات السلية إلى معاودة تفعيلها أو إلى أورام فطرية أو خباثات أو أخماج جرثومية أو نزوف، ويجب التفريق  بين السل الرئوي وأخماج المتفطرات غير السلّية كالمتفطرة الطيرية أو المتفطرة الكنسانية.

ومن مضاعفات السل الرئوي تشكّل الفقاعات، والكهوف، وسوء الوظيفة الرئوية، وحدوث أخماج شديدة، وقد ينتهي بالوفاة. ويتباين سير السل بين مريض وآخر، ويتعلّق ذلك بعوامل عديدة منها العرق ودفاع الثوي وفوعة الجرثوم ووجود أمراض مستبطنة أخرى كالسكري والخمج بفيروس العوز المناعي البشري والمعالجة بالستيروئيدات القشرية.

السل خارج الرئويExtrapulmonary tuberculosis :

تقدّر نسبة  حالات السل خارج الرئة بنحو 10-25% في المرضى الذين لا يعانون عوزاً مناعياً معروفاً، وترتفع هذه النسبة إلى 50 % في المرضى المضعفين مناعياً، وتشيع الإصابة بالتهاب السحايا السلي وسل العقد اللمفية في الرضع والأطفال، في حين تكثر إصابة الجنب والصفاق والسبيل البولي التناسلي في البالغين، وقد يصاب السبيل الهضمي والعظام والسحايا، والغدد الكظرية أو أي جزء آخر من الجسم، وفي الحالات الشديدة تتعمّم الإصابة ويحدث السل المنتشر أو السل الدخني.

ترتبط أعراض السل خارج الرئوي وعلاماته بمكان الإصابة، إلى جانب الأعراض العامة غير النوعية كنقص الوزن والتعرق الليلي والحمى، وفيما يلي عرض لأهم تظاهرات السل خارج الرئوي:

سُلّ العُقد اللِّمفيةTuberculosis of lymph nodes : أكثر أشكال السل خارج الرئوي شيوعاً. وأكثر ما تصاب العقد اللمفية الرقبيّة، ولكن قد تصاب العقد اللمفيّة الأربيّة أو الإبطيّة أو المنصفية أو  المساريقيّة.

السل الجنبيPleural tuberculosis : يصادف في 5% من جميع حالات السل، ويعاني المريض ألماً صدرياً يكون أحادي الجانب، وحمّى وسعالاً وضيق نفس، وقد تغيب الأعراض. وغالباً ما يلي السل الجنبي تمزّقَ آفة رئوية موجودة تحت الجنب مع انتشار المادة المتجبنة، والنموذج الأكثر شيوعاً للإصابة هو الانصباب المصلي الذي يحتوي على متفطرات قليلة، وقد يحدث تقيّح الجنبة في حالات نادرة.

الْتِهابُ التَّأمورِ السُّلِّيّ Tuberculous pericarditis: غالباً ما ينجم عن انتقال السل من عقدة لمفاوية مصابة مجاورة لكيس التامور، ويتظاهر بألم خلف القص، وسعال، وضيق نفس، وحمى، وتعرّق ليلي، ونقص وزن. ويبدي الفحص السريري تسرّع القلب، واحتكاكاً تأمورياً، وارتفاع ضغط الوريد الوداجي، وخفوت أصوات القلب، وضخامة الكبد، والحبن، والوذمات المحيطية. وقد يتضاعف بالتهاب التأمور الانصبابي أو الحاصر أو الانْدِحاس القَلبيّ (السطام)cardiac tamponade :

التهاب الصفاق السلي  Peritoneal tuberculosis: غالباً ما يلي سلاً في العقد اللِّمفية البطنية أو القناة الهضمية أو البوق. يشكو 70 % من المصابين قبل تشخيص المرض بعض الأعراض، وأهمها الألم البطني والحمى ونقص الوزن، ويشاهد الحبن في معظم الحالات. وأهم عوامل الاختطار الديال الصفاقي المستمر الجوّال continuous ambulatory peritoneal dialysis والداء السكري والخباثات وتناول الستيروئيدات القشرية ومتلازمة العوز المناعي المكتسب.

السل الجلدي  Cutaneous tuberculosis: يصنف سل الجلد تبعاً لشكل الآفة والاستجابة المناعية للمضيف وطريق عدوى المتفطرات السلية إلى:

> التلقيح الخارجي: ويشمل القرح السلي والسل الثؤلولي وبعض حالات الذأب السلي الشائع.

> المصدر الداخلي: ويشمل الخنزرة ( scrofula = سل العقد اللمفاوية في الغدد) وسل الفوهات.

> السل الدموي: ينتشر إلى الجلد بالطريق الدموي، ويضم السل الدخني الحاد والذأب الشائع والخراجات السلية الانتقالية.

> الطفحات السلية: وتشمل الطفحة الحطاطية النخرية السلية، والحزاز الخنزري، والحمامى الجاسئة.

تنجم الخنزرة Scrofula عن إصابة العقد اللمفية في المنطقة تحت الفكية والعنق وفوق الترقوة بالمتفطرات السلية التي تكون داخلية المنشأ عادة، وقد تظهر في مناطق أخرى إذا كان الانتقال بطريق الدم. وتتظاهر بعقدة أو عقد التهابية تحت الجلد تتقرح ثم تتنوسر، وتظل النواسير تفرغ نجيجاً قيحياً أو متجبّناً مدّة طويلة، وعندما تتراجع تترك ندبات مشوهة تدلّ عليها.

يصيب سل الفوهات Orificial Tuberculosis الأغشية المخاطية للفوهات والجلد الذي حولها في موضع خروج المفرزات والمفرغات الغنية بالعصيات السلية في المصابين بالسل، كما في جوف الفم والشفتين في السل الرئوي، أو صماخ الإحليل في سل الكلية، أو المستقيم والشرج والمناطق المحيطة في السل المعوي.

تبدأ الإصابة ببثرة تتقرح، وتكون التقرحات صغيرة وسطحية وشكلها غير منتظم، ثم تتسع، وتصبح مؤلمة وغنية بالعصيات التي يمكن كشفها بالفحص المجهري، وتبدي الخزعة موجودات غير نوعية، وتشخيصها سهل فيما إذا تبيّن وجود إصابة داخلية، وتعالج معالجة السل.

سل الجهاز العصبي المركزي Central nervous system tuberculosis:  تتظاهر إصابة الجهاز العصبي المركزي بالسل إما بالتهاب سحايا سلّي وإما تَوَرُّم سُلِّيّ tuberculoma داخل القحف وإما التهاب عنكبوتية النخاع السلي spinal tuberculous arachnoiditis .

> التهاب السحايا السلّي: سلّ مهدد للحياة مع عقابيل خطرة، تصل نسبة حدوثه إلى 1% من جميع حالات السل، وإلى 6% من حالات السل خارج الرئوي. وقد يكون معزولاً، أو يصادف في سياق السل الدخني (في ثلث الحالات تقريباً)، ويكون سيره السريري تحت حاد أو مزمناً، ولكنه قد يكون حاداً أو صاعقاً. ويبدأ بطور بادري يستمر 2 - 3 أسابيع مع شكوى مخاتلة من دعث وإنهاك وصداع وحمى منخفضة الدرجة وتبدّلات في الشخصية. ثم يبدأ الطور السحائي بتظاهرات عصبية أشد (حالة سحائية meningismus وصداع مديد وقياء ونوام وتخليط وظهور علامات تدل على أذية الأعصاب القحفية). ثم يليه الطور الشللي مع تفاقم الأعراض وحدوث الذهول والسبات ونوبات الاختلاج والشلل الشقي، وتحدث الوفاة من دون علاج في ثمانية أسابيع من بدء المرض.

> التَوَرُّم السُلِّيّ داخل القحف: بؤر تجبّنية متكوّمة توجد داخل المادة الدماغية، وتنجم عن درنات نشأت خلال انتشار المتفطرات في الدم حديثاً أو منذ أمد.

> التهاب عنكبوتية النخاع السلي: آفة التهابية موضعية تتوضع في مستوى وحيد أو على عدة مستويات، وتغلّف تدريجياً الحبل الشوكي (النخاعي) بنتحة هلامية (جيلاتينية) أو ليفية.

السُل الهَيكَلِيّSkeletal tuberculosis :  يمثل السل الهيكلي 2% من جميع حالات السل، و 10-35% من السل خارج الرئوي، ويُعدّ الْتِهاب الفَقار السلي (داء بوت Pott disease) أكثر أشكال السل الهيكلي شيوعاً، إذ يشاهد في نصف الحالات تقريباً، يليه التهاب المفاصل السلي، ثم التهاب العظم والنقي السلي في العظام الأخرى.

يصيب التهاب الفقار السلي الفقرات الظهرية السفلية والقطنية العلوية، ويقود إلى كسور فقرية انضغاطية قد تهدد الحبل الشوكي، وتؤدّي إلى شلل سفلي. ويشيع تكوّن خراجات باردة في الموضع ذاته، وقد يحدث خراج بارد يكتنف عضلة البسواس (العضلة القطنية الكبيرة)، ويمتد حتى المنطقة الأربية. وأهم الأعراض الألم الموضعي الذي يرافقه تشنج عضلي وصمل أحياناً، وتتأثر وضعة المريض ومشيتة فتصبح خطواته قصيرة، ولا تشاهد الأعراض البنيوية كالحمى ونقص الوزن إلا في 40 % من الحالات.

قد يصيب التهاب العظم والنقي السلي كل عظم كالأضلاع وعظام الجمجمة والحوض والعظام الطويلة، ويكون البدء مخاتلاً، ولكن قد يكون في حالات نادرة حاداً أو تحت حاد. ويتوضّع الالتهاب في موضع وحيد، ويتظاهر بشكل خراج بارد مع وذمة واحمرار خفيف وغياب السخونة الموضعية، وقد توجد بعض السخونة وبعض الألم، وقد يحدث تصريف تلقائي.

قد يصيب التهاب المفاصل السلّي أي مفصل، بيد أنه يميل إلى التوضّع في مفصل الورك أو الركبة، ويتركّز في مفصل وحيد، لكنه قد يكون متعدد المفاصل في 10 - 15% من الحالات، ويتظاهر سريرياً بتورّم المفصل والألم المفصلي أسابيع أو أشهراً، وتغيب العلامات الأخرى الدالة على الالتهاب الحاد كالاحمرار والسخونة الموضعية، ويشاهد في الحالات المهملة جيوب تصريف وتبدلات حبيبومية مع فقدان وظيفة المفصل وتشوهه، وتصادف الأعراض البنيوية كالحمى ونقص الوزن في 30% من الحالات تقريباً.

أمّا الرُّوماتزم السُّليّ أو داءُ بونسيه Poncet disease فهو التهاب مفاصل متعدد ومتناظر يكتنف المفاصل الكبيرة والصغيرة، ويرافق السل الرئوي أو خارج الرئوي الفعال أو السل الدخني، ولكن من دون دليل على وجود سل مفصلي فعال، ويُحتمل أن تتواسطه آليه مناعية، ويزول عادة بعد أسابيع من معالجة السل.

السل الدخني Miliary Tuberculosis :يدلّ مصطلح السل الدخني على وجود آفات سلّية تشبه بذور الدخن، وتنتشر المتفطّرات السليّة بطريق الأوعيّة الدمويّة واللمفاويّة  إلى جميع أنحاء الجسم، وأكثر ما يكتنف الرئتين والسحايا والكبد والطحال والكلوتين والكظرين ومشيمية العين، ويكثر حدوثه في مضعفي المناعة كالمسنين والحوامل ومدمني الكحول والمصابين بفشل كبدي أو كلوي، وتميز ثلاثة أشكال مختلفة لسير المرض:

أ- الشكل الرئوي: يصادف في 90 % من الحالات، ويتظاهر شعاعياً بظلال ناعمة دقيقة تشبه حبات الدخن.

ب- الشكل السحائي أو التهاب السحايا الدرنيMeningitis tuberculosa : يصادف في 25% من الحالات، ويتظاهر بصداع وحمى وصلابة نقرة وعلامات تخريش سحائي، ويبدي فحص قعر العين وجود الدرنات الدخنية.

ج- الشكل التيفي: يتظاهر بأعراض وعلامات تشبه ما يشاهد في الحمى التيفية بما فيها الاندفاعات الوردية ونقص تعداد الكريات البيض.

قد يكون السير السريريّ في السل الدخني حادّاً أو مزمناً، ويتظاهر السير الحاد بارتفاع درجة الحرارة الكبير والتعرق الليلي، وقد تحدث متلازمة <<الضائقة التنفسية الحادة>> acute respiratory distress أو الصدمة الإنتانية مع فشل أعضاء متعددة. أمّا السير المزمن فيتظاهر  بحمى معتدلة، وفقدان الشهية ونقص الوزن

التشخيص:

تشخيص السل الخافي: يُعدّ تشخيص السل الخافي ومعالجته أحد أهم مناهج (استراتيجيات) مكافحة انتشار السل، ويُستدل على السل الخافي بغياب التظاهرات السريرية وسلبية الاستقصاءات باستثناء إيجابية اختبار التوبركولين الجلدي و/أو ارتفاع الأنترفيرون غاما أو كليهما معاً.  

-1 اختبار التوبركولينTuberculin test : يدلّ هذا الاختبار على حال التحسّس المتأخر الذي تتواسطه اللمفاويات التائية، ويفضل إجراء الاختبار بالحقن داخل الأدمة intradermal injection على الوجه الراحي للساعد باستخدام إبرة قياسها 26 بطريقة ماندل-مانتوكس، أما الاختبار المجرى بطريقة الختم فهو أقل دقة لعدم التمكّن من ضبط الجرعة. ويستخدم إمّا التوبركولين المنقّى بمقدار 0.1 مل أو المشتق البروتيني المنقى المعياري  Purified Protein Derivate Standard (PPD-S)  بمقدار 5 وحدات دولية، ويقاس قطر الجَساوَة (القساوة وليس الاحمرار أو الوذمة)  بعد 24-48 ساعة من الحقن، ويعدّ الاختبار إيجابياً إذا بلغ قطر الجَساوَة 5 مم أو أكثر في:

> المصابين بفيروس عوز المناعة البشري.

> مخالطة الأشخاص الذين شُخصت إصابتهم بالسل.

> وجود علامات على صورة الصدر الشعاعية توحي بسل سابق.

> المرضى المزروع لهم الأعضاء.

> المرضى المتلقّين علاجاً مثبطاً للمناعة.

> المرضى الذين يتلقّون علاجاً جهازياً طويل الأمد بمشتقات الكورتيزون (أكثر من 6 أسابيع).

> المصابين بالفشل الكُلوي بالمَرحَلة النهائية.

في حين يُعدّ الاختبار إيجابياً إذا بلغ قطر الجساوة 10 مم أو أكثر في:

> القاطنين أو القادمين من المناطق التي يتوطّن فيها السل حول العالم.

> متعاطي المخدرات عن طريق الوريد.

> العاملين والقاطنين في أماكن مكتظّة كالسجون والمستشفيات ودور المسنين، ومآوي المشردين.

> الرضع والأطفال الذين تقلّ أعمارهم عن 4 سنوات، أو الرضع والأطفال واليافعين المخالطين للبالغين من المجموعات عالية الخطورة.

> العاملين في مختبرات المتفطّرات.

> المصابين بأمراض تزيد من مخاطر حدوث السل كالداء السكري والسحار والأورام.

  وحين عدم وجود أي من عوامل الاختطار المعروفة لمرض السل يعدّ الاختبار إيجابياً إذا بلغ قطر الجساوة 15 مم أو أكثر.

  تعني إيجابية تفاعل التوبركولين عموماً إمّا وجود إصابة سابقة بسل أولي وإما تلقّي لقاح السل في السنوات العشر السابقة، ومن غير المحتمل تجاوز قطر الجساوة 15 مم بسبب تلقي لقاح السل سابقاً؛ لذا يشير وجود جساوة بقطر أكبر من 15 مم أو ظهور حويصلات أو انقلاب تفاعل التوبركولين أو وجود أكثر من واحد من هذه خلال سنتين إلى وجود سل فعال عادة، ويغدو تفاعل التوبركولين إيجابياً بعد 6 أسابيع من العدوى.

  وتصادف الإيجابية الكاذبة حين الإصابة بأحد المتفطرات غير السلّية كالمتفطرة الطيرية أو الكنساسية، أو تلقي لقاح السل BCG سابقاً، أو حين إجراء اختبار التوبركولين على نحو خاطئ، أو قراءة النتيجة قراءة خاطئة، أو استخدام عبوة مستضد آخر غير المستضد السلي. ويبيّن (الجدول 2) أسباب السلبية الكاذبة لتفاعل التوبركولين.

جدول (2): أسباب السلبية الكاذبة لتفاعل التوبركولين

أسباب تقنية

- حقن خاطيء أو جرعة خاطئة.

- قراءة خاطئة.

- نقص فعالية المستضد.

أسباب متعلقة بالمريض

- الاستعطال الجلدي cuatneous anergy في حالات العوز المناعي الخلقي أو المكتسب.

- عدوى حديثة بالسل (أقل من 10 أسابيع).

- الولدان والرضع بعمر أقل من 6 أشهر.

- الإصابة القديمة السابقة بالسل.

- المسنون.

- سوء التغذية.

- السل الشديد كالتهاب السحايا الدرني والسل الدخني.

- تلقي الأدوية المثبطة للمناعة كالسيتروئيدات وكابتات المناعة والأدوية المضادة للسرطانات.

- الإصابة بأمراض فيروسية كالحماق، أو تلقي لقاح فيروسي كالتلقيح للحصبة أو للحصبة الألمانية أو للنكاف.

- وجود أمراض مرافقة مثل الفشل الكلوي، أو خباثات الجهاز الشبكي اللمفاوي، أو  الساركوئيد، أو الجذام، أو متلازمة جوغرن، أو تشمع الكبد الأولي، أو الذأب الحمامي الجهازي.

-2 مقايسة إطلاق الأنترفيرون غاماInterferon γ Release Assay : تجري مقايسة إطلاق الأنترفيرون غاما بأخذ عينات من الدم، ونقلها إلى المختبر في أقل من 12 ساعة، حيث تُحضن مع مستضدات المتفطرة السلية، وتُقاس كمية الأنترفيرون غاما التي تفرزها اللمفاويات التائية بعد تفعيلها بهذه المستضدات، ويتيسّر حالياً اختباران لمقايسة إطلاق الأنترفيرون غاما:

> مقايسة الأنترفيرون الكمي في الأنبوب QuantiFERON-TB Gold In-Tube (QFT-GIT) الذي يجرى على كامل عينة الدم المحيطي.

> مقايسة T-SPOT.TB اختبار البقعة المناعية المرتبطة بالإنزيم enzyme-linked immunospot (ELISPOT)  الذي يُجرى على الوحيدات المفصولة من عينة الدم المحيطي.

تتجاوز نوعية اختبار مقايسة إطلاق الأنترفيرون غاما 95%، وتُعدّ مقايسة T-SPOT.TB أكثر حساسية من مقايسة (QFT-GIT) ومن اختبار التوبركولين. ويمكن استخدام مقايسة إطلاق الأنترفيرون غاما في كلّ الحالات التي يُستخدم فيها اختبار التوبركولين، ومن مزايا هذا الاختبار أنّه يتطلّب قيام المريض بزيارة واحدة فقط، وأنّ نتائجه تظهر في غضون 24 ساعة، وعلى النقيض من اختبار التوبركولين لا يتـأثّر اختبار مقايسة إطلاق الأنترفيرون غاما بلقاح BCG، ولا يسبّب ظاهرة التعزيز، ويكون احتمال القراءة الخاطئة أقلّ أيضاً. وبالمقابل هناك بعض السلبيات لهذا الاختبار؛ فعينات الدم يجب أن تصل إلى مختبر مؤهّل وتُعالج في غضون 12 ساعة، ولا توجد دراسات وافية على استخدام هذا الاختبار في مجموعات معينّة من المرضى كالأطفال والحوامل والأشخاص المصابين بفيروس عوز المناعة البشري.

وكما هي الحال في اختبار التوبركولين لا تفيد مقايسة إطلاق الأنترفيرون غاما في تشخيص السل الفعال الرئوي أو خارج الرئوي، ويجب استبعاد ذلك بإجراء الاختبارات الأخرى، وحين سلبيتها وإيجابية اختبار التوبركولين أو مقايسة إطلاق الأنترفيرون غاما أو كليهما معاً يُعدّ المريض مصاباً بالسلّ الخافي.

تشخيص السل الفعّال:

تعدّ القصة المرضية والفحص السريري هما حجر الزاوية في تشخيص التدرّن الفعال، يلي ذلك الاستقصاءات الشعاعية والمختبرية التي تفضي إلى وضع التشخيص واختيار التدبير الملائم.

الاستقصاءات الشعاعية: تفيد صورة الصدر الشعاعية في تشخيص السل الرئوي، وهو أكثر أشكال السل الفعّال شيوعاً، وعلى الرغم من أنّ السل الرئوي قد يقلّد شعاعياً أي مرض رئوي آخر تبقى الارتشاحات الرئوية والكهوف في الأجزاء القميّة الخلفيّة من الفص الرئوي العلوي علامة واسمة للسل الرئوي، وقد تشاهد هذه التبدلات في الأجزاء العلويّة من الفص الرئوي السفلي، وقد تبدو صورة الصدر الشعاعيّة طبيعيّة.

وقد يشاهد على صورة الصدر الشعاعية ضخامة العقد اللمفية المنصفية أو النقيرية hilar، أو علامات انصباب الجنب، أو ارتشاح الرئتين الشبكي العُقيدي الذي يُصادف في السلّ الدخني، ويغلب أن تكون الموجودات الشعاعيّة غير نموذجية في المصابين بسل رئوي في سياق متلازمة العوز المناعي المكتسب حيث تكثر الموجودات الدالة على إصابة المنطقتين الرئويتين الوسطى والسفليّة من الساحتين الرئويتين.

إلى جانب التصوير البسيط بالأشعة السينية، للتصوير الطبقي المحوسب والرنين المغنطيسي شأن مهم في تشخيص السلّ الرئوي، وفي إظهار الآفات السلية خارج الرئوية على اختلاف أماكن توضّعها، ويسهم التصوير بالأمواج فوق الصوتية في كشف ضخامة العقد اللمفية في سياق اعتلالها السلي.

الاستقصاءات المختبرية: تبدي الفحوص المختبرية المنوالية موجودات غير نوعية؛ فقد تشاهد زيادة الكريات البيض أو نقصها مع ارتفاع نسبة اللمفاويات، أو موجودات تدل على فقر الدم في سياق مرض مزمن، أو ارتفاع سرعة التثفل والبروتين المتفاعل  C، أو ارتفاع إنزيمات الكبد (الفوسفتاز القلوية وناقِلَة أَمينِ الأَلانين ALT و ناقِلَة أَمينِ الأَسْبَارتاتAST )، ولا بدّ من إجراء اختبارات خاصة إلى جانب تفاعل التوبركولين أو مقايسة إطلاق الأنترفيرون غاما لتشخيص السلّ الفعال.

يشخّص السل الرئوي بتحري وجود المتفطرات السلية في القشع، ويجب أن تؤخذ ثلاث عينات قشع على الأقل، ويفضّل جمعها صباحاً، وأن يكون الفاصل الزمني بين عينة وأخرى 24 ساعة إن أمكن. ثم تُنقل العينات إلى المختبر على الفور، وتوضع العينات التي لا يمكن معالجتها في غضون ساعة واحدة من الجمع في البراد. ويجمع عادة القشع المبصوق أو القشع المحفّز، ويمكن أخذ رُشافة من الرغامى أو غُسالة قصبية أو مسحة بالفرشاة في أثناء التنظير القصبي، أو تُرتشف عصارة المعدة الصباحية بوساطة أنبوب أنفي معدي لهذه الغاية.

أمّا في الإصابة السليّة خارج الرئويّة فتؤخذ العينات من البؤر المشبوهة كعينات السائل الدماغي الشوكي، أو البول، أو سائل الجنب أو الحبن، أو خزعة العقدة اللمفية أو الجنب أو الصفاق أو العظم أو النقي.

تُلوّن العيّنات بعد تحضيرها بملوّن تسيل نيلسون Ziehl-Neelsen  أو التألق، والتألق أكثر حساسية من تلوين تسيل نيلسون، لكنه أقل نوعية، ويجب تأكيد إيجابيته بإجراء تلوين تسيل نيلسون، وسلبية هذين الاختبارين لا تنفي الإصابة بالسل، وبالمقابل ثمة متفطرات أخرى في البيئة قد تجعل التلوين إيجابياً من دون الإصابة بالسل. يستغرق إجراء التلوين عدة ساعات، ويجب إعلام الطبيب المعالج بإيجابية النتيجة كي تُطبّق إجراءات العزل المناسبة في أسرع وقت ممكن.

يجب زرع جميع العينات لنفي تشخيص السل أو تأكيده من دون النظر إلى نتيجة التلوين، وتنمو المتفطرة السلية ببطء شديد في المزارع الصلبة على وسط لفنستاين جنسن Löwenstein-Jensen medium، وقد يتطلّب الأمر 6 أسابيع لتمييز العصيات، في حين يمكن كشف العصيات المقاومة للحمض باستخدام تقانة الـBACTEC  بمدة 144 يوماً، ولا تنفي سلبية الزرع تشخيص التدرّن، ولكن إيجابيته تؤكّد التشخيص.

تنمو جميع أنواع المتفطرات في أوساط الزرع الصلبة أو السائلة؛ لذا يجب إجراء اختبارات أخرى لتحديد نوع المتفطرات سليّة هي أم غير سليّة. ويمكن استخدام تقنيات تضخيم الحمض النووي  Nucleic acid amplification  من أجل تعرف ذريّة المتفطرات بمدة 2 - 4 ساعات، وتتيسّر اختبارات عديدة تستخدم تقنية تفاعل سلسلة البوليميراز PCR، وأهمها في الوقت الراهن:

-1 اختبار جين إكسبرتXpert MTB/RIF test: اختبار آلي لتشخيص التدرّن، يمكنه كشف الحمض النووي للمتفطرة السلية والمقاومة للريفامبيسين (RIF) في آن معاً من خلال تقنية تضخيم الحمض النووي. وقد أقرّت منظمة الصحة العالميّة استخدام هذا الاختبار في عام 2010، وتنصح باستخدامه في تشخيص:

> السل الرئوي.

> السل المتعدد المقاومة على مضادات السل.

> السل في المصابين  بفيروس عوز المناعة البشري.

> التهاب السحايا السلي (على عينة من السائل الدماغي الشوكي).

> السل خارج الرئوي (العقد اللمفية والسوائل والأنسجة الأخرى).

تصل حساسيّة هذا الاختبار إلى 99.8 % حين تكون نتائج التلوين والزرع إيجابيّة، وتنخفض إلى 72.5% حين تكون نتائج التلوين سلبية والزرع إيجابياً. أما نوعية الاختبار فتبلغ 99.2 %. ومن ميزات هذا الاختبار سهولة تطبيقه من دون الحاجة إلى خبرة متقدّمة، وسرعة الحصول على النتيجة (2-3  ساعات)، وأهم سيئاته ارتفاع التكلفة.

-2 مقايسة المسبار الخطي  Line Probe Assay، وهو اختبار حققته شركة Hain Lifescience للكشف المباشر عن وجود المتفطّرات السليّة وغير السليّة في العيّنة، إلى جانب كشف مقاومة المتفطّرات لأدوية التدرن من الخطين الأول والثاني. يقدّم هذا الاختبار حلولاً تشخيصيّة متعدّدة لتدبير حالات السل. وقد أقرّت منظمة الصحة العالميّة عام 2008 استخدام الجيل الأول من هذا الاختبار GenoType MTBDRplus®لكشف المتفطرات السلية وتحرّي المقاومة للريفامبيسين والإيزونيازيد حينما تكون نتائج التلوين والزرع إيجابيّة.

تزايدت أهمية إجراء اختبارات التحسّس لمضادات السل مع تفاقم مشكلة السل المقاوم للأدوية، ويمكن إجراء اختبار الحساسية الدوائيّة على أوساط سائلة أو صلبة، ويستغرق الحصول على نتائج اختبارات الحساسية الدوائيّة 7 - 14  يوماً حين إجرائها على أوساط سائلة، في حين تحتاج إلى أكثر من 21 يوماً حين إجرائها على أوساط صلبة. وينبغي تكرار اختبارات الحساسية الدوائيّة إذا لم يتحسّن المريض سريرياً، أو تكرّرت إيجابية نتائج الزرع بعد 3 أشهر من العلاج.

المعالجة:

تستخدم أنظمة عديدة لعلاج السل الرئوي أو خارج الرئوي، وتعتمد جميعها المشاركة بين مضادات السل، ويجب أن تؤخذ عدة أمور بالحسبان حين اختيار نظام المعالجة؛ منها شكوى المريض والمعالجات السابقة للسل، واحتمال وجود مقاومة دوائية أولية، والأمراض الأخرى المرافقة، ووجود قصة سابقة لفرط حساسية دوائية أو آثار جانبية للأدوية المضادة للسل، ويبيّن الجدول (3) أهم الأدوية المضادة للسل مصنّفة ضمن 5 فئات.

الجدول (3): فئات الأدوية المضادة للسل

الفئة الأولى

أدوية الخط الأول الفموية

إيزونيازيد

ريفامبيسين

إيثامبوتُول

بَيرازيناميد

الفئة الثانية

الفلوركينولونات

ليفوفلوكساسين

موكسي فلوكساسين

غاتي فلوكساسين

أوفلوكساسين

الفئة الثالثة

مضادات السل المستخدمة حقناً

ستربتومايسين

أميكاسين

كابريومايسين

كاناميسين

الفئة الرابعة

أدوية الخط الثاني الأقل فاعلية

إيثوناميد/بروثيوناميد

سيكلوسيرين

تيريزيدون

حمض أمينو ساليسيليك (أملاح الحمض)

الفئة الخامسة

أدوية لا توجد معطيات وافية حولها أو ذات فعالية محدودة

أموكسيسللين مع كلافولينات

أميبينيم-سيلاستاتين

كلاريثرومايسين

ثيوأسيتازون Thioacetazone

كلوفازيمين Clofazimine

بيداكولين Bedaquiline

لينيزوليد Linezolid

سوتيزوليد Sutezolid

ديلامانيد Delamanid

يُعالج السل الخافي في مجموعات الاختطار (انظر الجدول 1 آنفاً) بعد استبعاد وجود سل فعّال رئوي أو خارج رئوي، وثمة أنظمة عديدة تُستخدم في العلاج (الجدول 4)، وتشير بعض الدلائل الحديثة إلى  أن مشاركة دواءين مضادين للسل أفضل من المعالجة بدواء وحيد.

الجدول (5): أنظمة علاج السل الخافي

الأدوية

المدة

الجرعات

ملاحظات

إيزونيازيد

9 أشهر

يومياً 5 ملغ/كغ فموياً على ألا تتجاوز الجرعة 300 ملغ

فعال بنسبة 90%

مرتين أسبوعياً 15 ملغ/كغ فموياً على ألا تتجاوز الجرعة 900 ملغ*

 

إيزونيازيد

6 أشهر

يومياً 5 ملغ/كغ فموياً على ألا تتجاوز الجرعة 300 ملغ

فعال بنسبة 60 -80%، ولكن مع نسبة التزام أكبر

مرتين أسبوعياً 15 ملغ/كغ فموياً على ألا تتجاوز الجرعة 900 ملغ*

 

ريفامبيسين

4 أشهر

يومياً 10 ملغ/كغ فموياً على ألا تتجاوز الجرعة 600 ملغ

فعال بنسبة 60%

إيزونيازيد مع ريفابينتين Rifapentine

3 أشهر

إيزونيازيد مرة واحدة أسبوعياً 15 ملغ/كغ فموياً على ألا تتجاوز الجرعة 900 ملغ مع ريفابينتين 900 ملغ فموياً مرة واحدة أسبوعياً

فعال بنسبة 90% أو أكثر

* العلاج تحت الإشراف المباشر (DOT) Directly Observed Treatment.

تعتمد معالجة السل الفعال ثلاثة مبادئ أساسية:

-1 وجود استطباب محدّد للمعالجة.

-2 مشاركة عدّة أدوية تتحسّس عليها المتفطرات.

-3 استمرار المعالجة مدّة طويلة كافية بسبب النمو البطيء للمتفطرات.

يطبّق في علاج السل الرئوي والعديد من حالات السل خارج الرئوي غير المتضاعفة حين يكون معدّل مقاومة المتفطرات السلية لأدوية السل أقل من 4 % توليفة معالجة رباعية في الشهرين الأولين، تتألّف من أدوية الخط الأول الفموية (الإيزونيازيد 5 ملغ/كغ/اليوم على ألا تتجاوز الجرعة 300 ملغ يومياً، والريفامبيسين 10 ملغ/كغ/اليوم على ألا تتجاوز الجرعة 600 ملغ يومياً، والإيثامبوتول 15 -25 ملغ/كغ/اليوم، والبيرازيناميد بمقدار 25-35 ملغ/كغ على ألا تتجاوز الجرعة اليومية 2 غ)، ويُتابع في الأشهر الأربعة التالية العلاج بالإيزونيازيد والريفامبيسين بالجرعات المذكورة، ويُضاف فيتامين 6  طوال مدة استخدام الإيزونيازيد للوقاية من التهاب الأعصاب المحيطي بجرعة 40-50 ملغ يومياً، ويوضح الجدول (5) أكثر الآثار الجانبية والتداخلات الدوائية لأهم مضادات السل.

الجدول (5): التأثيرات الجانبية والتداخلات الدوائية لأهم أدوية السل.

الدواء

التأثير الجانبي الرئيسي

التداخلات الدوائية

إيزونيازيد

التهاب كبد، اعتلال أعصاب محيطي.

يثبط بعض إنزيمات السيتوكروم P-450، ويزيد فاعلية الوارفارين والبنزوديازين والتيوفللين.

ريفامبيسين

التهاب كبد ركودي، تلوين المفرزات والبول بلون برتقالي محمر، ارتكاس تآقي.

 

ينقص السيتوكروم P-450، يثبط فعالية مانعات الحمل والكونيدين والسيتروئيدات والوارفارين والميتادون والديجوكسين وخافضات السكر الفموية...إلخ.

إيثامبوتُول

التهاب العصب البصري، اضطراب رؤية

تنقص أملاح الألمونيوم من امتصاص إيثامبوتول.

بيرازيناميد

ألم مفاصل، فرط حمض البول في الدم

يسهم الإيزونيازيد والريفامبيسين والريفابوتين في زيادة سميته الكبدية.

ستريبتومايسين

سمية أذنية، سمية كلوية

يزيد فاعلية حاصرات الوصل العصبي العضلي

قبيل بدء المعالجة يجب أن تجرى تحاليل مختبرية لوظائف الكبد والكلية وتعداد بيض وصيغة، وحين العلاج بالبيرازيناميد يجب معايرة حمض البول في المصل، ويجب إجراء فحص القدرة البصرية والقدرة على رؤية الأحمر والأخضر قبل العلاج بالإيثامبوتُول؛ فمن التأثيرات الجانبية المهمة للإيثامبوتُول التهاب حليمة العصب البصري.

يجب التحقّق دورياً من غياب أعراض الانسمام الدوائي أو تطور المرض، ويجب تكرار الفحص الدوري للقشع الإيجابي حتى يصبح سلبياً للعصيات، وبتطبيق المعالجة الناجعة تختفي المتفطرات السلية من القشع في 80% من المرضى تقريباً بمدة شهرين، وفي الجميع بمدة 6 أشهر. وإذا بقيت العصيات في القشع بعد 3 أشهر من المعالجة يجب تقييم حالة المريض مجدّداً؛ فقد يكون هناك عدم مطاوعة، أو امتصاص ضعيف للدواء، أو عصيات مقاومة.

ولمواجهة مشكلة عدم المطاوعة والانقطاع عن تناول الأدوية مع ما تسبّبه من تطور المقاومة الدوائية أو استمرار المريض بطرح المتفطرات السلية مدّة طويلة وعدوى الآخرين اعتمدت منظمة الصحّة العالمية نظام العلاج تحت الإشراف المباشر Directly Observed Treatment (DOT)، ويطبق هذا النظام مدّة 6 أشهر مع نسبة شفاء تتجاوز 85%، ويميل معظم الأطباء إلى استخدامه في المرضى الذين في سوابقهم مقاومة دوائية كإصابتهم بسل مقاوم على عدّة أدوية، أو لديهم عوامل خطورة تنذر بحدوث مقاومة كإساءة استعمال الدواء. وتتضمّن عوامل اختطار المقاومة الدوائية:

-1 مقاومة  < 4% للإيزونيازيد في المجتمع.

-2 معالجة سابقة بالإيزونيازيد.

-3 التعرّض لحالة مُقاومة لدواء معروف.

-4 الهجرة من بلدان فيها نسب مقاومة دوائية مرتفعة كبلدان إفريقيا وأمريكا الوسطى والجنوبية.

-5 وجود عدوى مرافقة بفيروس العوز المناعي البشري.

-6 المصاب من مدمني المخدرات الوريدية.

  تتدرّج مقاومة السلّ، ويُعدّ مقاوماً للأدوية إذا أبدى مقاومة لدواء واحد أو أكثر من الخطّ الأول باستثناء الإيزونيازيد والريفامبيسين (وهما أفضل أدوية الخط الأول في علاج السل)، ويُطلق مصطلح السل المقاوم لأدوية متعدّدة Multi-drug-resistant tuberculosis (MDR-TB) إذا ما تبيّن وجود مقاومة للإيزونيازيد والريفامبيسين على الأقل، في حين يُطلق مصطلح السل المقاوم للأدوية على نطاق واسع Extensively drug-resistant tuberculosis (XDR-TB) حين المقاومة للإيزونيازيد والريفامبين، إضافة إلى المقاومة على أيّ فلوروكينولون وواحد على الأقل من ثلاثة أدوية في الخط الثاني تُعطى حقناً (الأميكاسين أو الكانامايسين أو كابريوميسين)، ويجب في هذه الحالات تعديل نظام المعالجة باستبعاد مضادات السل غير الحساسة وإدخال أدوية أخرى تبعاً لنتيجة التحسّس مع إطالة أمد العلاج التي قد تصل إلى سنتين في حالات الإصابة بذراري المتفطّرات السلية المقاومة للأدوية على نطاق واسع.

الوقاية:

ترتكّز الوقاية على مبدأين مهمين:

-1 الحيلولة دون التعرض للعدوى.

-2 منع تطور المرض.

ويمكن عزل المريض في المنزل، أمّا في المستشفى فَيُعزل المصاب بالسل الرئوي في حجرة ذات ضغط سلبي حتى يبدي فحص القشع تناقصاً ملحوظاً في عدد العصيات المقاومة للحمض، ولا يزال وضع الأقنعة في العاملين في العناية الصحية عنصراً رئيساً في الوقاية لكنّه غير مثبت الفعالية، ويستخدم طيف الأشعة فوق البنفسجية 254-260 نانومتراً القاتل للمتفطرات في تطهير السجون والمآوي والمستشفيات التي تُعنى بمرضى السل.

تطبق الوقاية الكيميائية لمنع حدوث المرض للأشخاص المعرضين للمتفطرات السلية، وفي  العالم الصناعي يعدّ الأشخاص إيجابيو تفاعل التوبركولين أو الذين لديهم قصة تعرّض سابقة أو كلاهما مؤهبين للإصابة بالسل. ويجب عندها إجراء صورة صدر شعاعية، وحين وجود علامات سل فعال على الصورة الشعاعية يجب فحص القشع.

يستخدم لقاح عُصَيَّات كالْميت غيران Bacille Calmette-Guerin (BCG) في العديد من البلدان لتمنيع الأفراد، وتوصي منظمة الصحة العالمية بتطبيق اللقاح جزءاً من برنامج التلقيح الوطني لحماية الأطفال حديثي الولادة من السل على الرغم من أنّ فعاليته محدودة. وتَعْدل البلدان التي تكون فيها الوقوعات منخفضة كالبلدان الغربية الصناعية عن هذا اللقاح بسبب تباين التقارير حول فعاليته إلى جانب التأثيرات الجانبية التي قد يُحدثها.

أمّا الوقاية الكيميائية للمتعرّضين فتعتمد تطبيق الإيزونيازيد في العلاج الوقائي بمقدار 5 ملغ/كغ فموياً يومياً مدة 6 - 12 شهراً، ومن استطبابات الوقاية الكيميائية تناقص تعداد اللمفاويات المساعدة CD4 لأقلّ من 100/كرية في الميكروليتر في سياق الإصابة بمتلازمة عوز المناعة المكتسب.

ثانياً - المتفطرة الجذامية

Mycobacterium leprae

المتفطرة الجذامية عصية مقاومة للحمض، وهي جرثومة مجبرة داخل خلوية، لكنها تستطيع البقاء حية خارج أثويائها الطبيعيين كالإنسان، ويعتقد أنّ انتقالها من إنسان إلى آخر ممكن، ولكنه يحتاج إلى مدة طويلة ومخالطة حميمية، ومن عوامل الخطورة الأخرى الاستعداد الجيني ، والتثبيط المناعي، وحمل الزمرة النسيجية HLA-DR3 (في الشكل الدرني للمرض)، أو الزمرة HLA-MTI (في الشكل الجذامي للمرض).

تميل المتفطرة الجذامية إلى التوضّع في المناطق الباردة في الجسم؛ فهي تنمو بدرجة حرارة تقلّ عن 37ْم، ويفسر ذلك تركّز إصاباتها الوصفية في الأطراف والأنف وصيوان الأذن. تسبب هذه المتفطرة الجذام Leprosy  وهو مرض قديم العهد، يُعرف كذلك باسم داء هانسن، وقد تراجع عدد الإصابات السنوية المسجلة بالجذام، وأغلب الإصابات تحدث حالياً في البلدان النامية التي لا تصل إليها الأدوية الفعالة كالهند والبرازيل وإندونيسيا وبنغلادش ونيجيريا، وتتباين معدلات الوقوع حتى في مناطق استيطان الداء من مكان إلى آخر.

التظاهرات السريرية:

يصيب الجذام الجلد والأعصاب المحيطية في المقام الأول، وقد يصيب الجهاز التنفسي العلوي، ويسيطر اعتلال الأعصاب المحيطي على الصورة السريرية، إذ تتضخّم الأعصاب، ويُضعف حس اللمس والحرارة والألم مع بقاء الحس العميق وحس الاهتزاز سليمين، ويتسبّب فقدان الحس بتعرّض الأطراف لرضوض متكررة وتقرحات واسعة، وقد تتأثّر الجذوع الكبيرة للأعصاب أيضاً. وتعدّ إصابة العصب الزندي في المرفق من الإصابات الشائعة التي تتظاهر بتمخلب الخنصر والبنصر وضمور العضلات الظهرية بين السلاميات وفقدان الحس على امتداد قطاع العصب الزندي في اليد.

يقسم الجذام وفق تظاهراته السريرية والباثولوجية وعدد المتفطرات الجذامية الموجودة في الأدمة تبعاً لتصنيف ريدلي جوبلنغ Ridley Jopling classification  إلى:

-1 الجذام غير المحدّد  Indeterminate leprosy: يُكشف في المراحل الأولى قبل اكتمال الصورة السريرية.

-2 الجذام الدرني  Tuberculoid leprosy: هو الشكل قليل العصيات، ويحدث حين وجود مناعة خلوية رفيعة الدرجة، ويتظاهر ببقعة واحدة أو عدة بقع من فرط التصبغ متباينة الحجم، ذات حواف ممتدة ومرتفعة، فاقدة للحس. واعتلال الأعصاب المحيطية في هذا النمط غير متناظر، ويصيب الأعصاب الكبيرة.

-3 الجذام الورميLepromatous leprosy: وهو الشكل كثير العصيات، ويتظاهر بعقيدات جلدية متناظرة ولويحات وثخانة الجلد، وتصاب شحمة الأذن، وتؤدي هذه الأذيات في نهاية المطاف إلى خشونة ملامح الوجه «سحنة أسدية» (الشكل 2). ويرافق هذا النمط من الجذام إصابة الأطراف وتشوهها، ويحدث اعتلال أعصاب محيطية متناظر ومعمّم، ويشاهد تشوه الأنف السرجي الذي ينجم عن وجود ارتشاحات في الطرق التنفسية العلوية وغضاريف الأنف.

الشكل (2) السحنة الأسدية.

-4 الجذام الدرني الحدي Borderline tuberculoid leprosy.

-5 الجذام الحدي الناصف  .Mid-borderline leprosy

-6 الجذام الحدي الورمي  .Borderline lepromatous leprosy

ومعظم المجذومين مصابون بالأنماط الحدية منه.

تُعدّ التفاعلات المناعية من مضاعفات المرض الالتهابية المجموعية (الجهازية) التي قد تحدث قبل المعالجة أو في أثنائها، أو فترة أشهر إلى سنوات بعدها، ولتفاعلات الجذام نمطان:

-1 النمط الأول: يشاهد في المصابين بالجذام الحدّي، ويسمى التفاعل العكوسreversal reaction   أيضاً، ويتظاهر بحطاطات بقعية مع التهاب أعصاب وارتفاع خفيف في درجة الحرارة، أو بالتهاب داخل آفات جلدية سابقة، وتكون إصابة الأعصاب غير عكوسة إذا لم تعالج.

-2  النمط الثاني: يحدث في المصابين بالجذام الورمي، ويسمى الحمامى العقدة الجذامية  erythema nodosum leprosum ، ويتظاهر ببقع مؤلمة على السطوح الباسطة للأطراف والتهاب أعصاب وحمى والتهاب عنبية والتهاب عقد لمفية والتهاب خصية، وقد يحدث التهاب كبب وكلية، ويصعب التفريق بين النمطين أحياناً.

التشخيص:

يُبنى تشخيص الجذام على الموجودات السريرية والخزعة المأخوذة من الجلد المصاب، وتلوّن خزعة الجلد بالهيماتوكسيلين إيوزين، ويكون تلوّن العصيات الحيّة متجانساً موحّداً، في حين تكون العصيات الميتة غير متجانسة الشكل. وقد وضعت منظمة الصحة العالمية تصنيفاً يتضمن الجذام الورمي والدرني فقط للاستخدام في حالات نقص الخبرة السريرية أو نقص دعم المختبر (الجدول6).

الجدول (6): النمطان السريريان للخمج بالمتفطرة الجذامية بحسب منظمة الصحة العالمية.

الجذام الورمي

1- لويحات جلدية متناظرة وعقيدات وثخانة الجلد، وتتوضّع الإصابة في الأماكن الأكثر برودة من الجسم.

2- ارتشاحات في الجهاز التنفسي العلوي والغضروف الأنفي تسبب تشوه الأنف.

3- اعتلال أعصاب محيطية معمم ومتناظر.

4- ارتشاحات أدمية معممة دون إصابات موضعة في الداء المعمّم.

5- تبدي خزعات الجلد وجود العصيات في تجمعات مع جود خلايا رغوية في الأدمة العميقة وحبيبومات في الكبد والطحال والعقد اللمفية.

الجذام الدرني

1- بقعة أو عدّة بقع ناقصة الصباغ والحس مع حواف حمامية ممتدة ومرتفعة.

2- ضعف وظيفي في جذور الأعصاب دون آفات جلدية.

3- اعتلال غير متناظر في الأعصاب المحيطية المتضخمة.

4- تبدي خزعات الجلد حبيبومات مع غزو الأعصاب الجلدية وتدميرها.

 تؤخذ الخزعة في المصابين بالجذام الورمي من الآفات الجلدية، وقد يُظهر الجلد الذي يبدو طبيعياً تبدلات مرضية في بعض الأحيان، ويبدي الفحص المجهري وجود عدد كبير جداً من العصيات التي تكون على شكل كتل أو خلايا رغوية مملوءة بالعصيات في الأدمة، وقد تشاهد التغيرات الحبيبومية في الكبد والطحال والعقد اللمفية.

أمّا في المصابين بالجذام الدرني فتبدو الآفات المرضية بشكل غزو حبيبومي مع أذية الأعصاب الجلدية، ويجب أن تؤخذ الخزعات من الأماكن المصابة في الجلد؛ فخزعات الأماكن غير المصابة غير مشخصة، وتبدي الخزعة وجود عدد قليل من العصيات أو لا تظهر العصيات مطلقاً، ولكن تشاهد حبيبومات مؤلّفة من خلايا ظهارية ولمفاويات وخلايا عملاقة قرب اللواحق الجلدية ولا سيما الأعصاب الأدمية.

  يمكن اللجوء إلى تفاعل سلسلة البوليمراز الذي يكشف DNA المتفطرات الجذامية في الخزعات لوضع التشخيص النهائي في الحالات غير المحدّدة أو حين وجود صعوبة في التشخيص السريري والمختبري، بيد أن هذا الاختبار غير متيسّر على نطاق واسع.

ومن الاختبارات التي تجرى أيضاً حقن المتفطرات الجذامية المقتولة بالحرارة داخل الأدمة، ويكون هذا الاختبار إيجابياً حين وجود إصابة بالجذام، وتعدّ الاستجابة للمعالجة في مناطق توطّن الجذام الورمي من مؤشرات صحّة التشخيص.

يجب التفريق بين الآفات الجلدية والتهاب الجلد بالتماس، وسعفة الجسد، والتهاب الجلد المثّي، وصلابة الجلد الموضّعة، وداء كلابية الذنب، والنخالية المبرقشة، والبهاق، والدَّاء العُلَّيقِيّ (اليوز). ويجب التفريق أيضاً بين الاعتلال العصبي في سياق الجذام واعتلال الأعصاب السكري، والساركوئيد، واعتلالات الأعصاب الدوائية، وعوز الفيتامين B12 أو الفولات.

المعالجة:

التشخيص المبكر واستكمال المعالجة أمران حاسمان للحيلولة دون حدوث اعتلال عصبي وعجز دائمَين، ويتطلّب الجذام معالجة مديدة عموماً، ومعالجة الجذام الورمي أطول أمداً من معالجة الجذام الدرني بسبب كثرة المتفطرات الجذامية، وهناك أدوية عديدة تُستخدم مشتركة في أنظمة العلاج.

يعالج الجذام الورمي بمشاركة الدابسون 100 ملغ يومياً والكلوفازيمين 50 ملغ يومياً، على أن يُعطى مرّة واحدة كل شهر تحت المراقبة 600 ملغ ريفامبيسين و300 ملغ كلوفازيمين (الجدول 7)، وينبغي الاستمرار بالعلاج مدة لا تقلّ عن 12 شهراً، ويمكن الاستمرار حتى 24 شهراً، وليس من الضروري متابعة المعالجة حتى زوال العصيات نهائياً من النسج، فالعصيات الميتة تُزال ببطء شديد.

الجدول (7): الأنظمة العلاجية التي توصي بها منظمة الصحة العالمية للبالغين.

نمط الجذام

أدوية مطبقة ذاتياً يومياً

تُعطى بإشراف شهري

مدّة العلاج

قليل العصيات

100 ملغ دابسونDapsone  

600 ملغ ريفامبيسين

6 - 12 شهراً

كثير العصيات

100 ملغ دابسونDapsone  

50 ملغ كلوفازيمين Clofazimine

600 ملغ ريفامبيسين

300 ملغ كلوفازيمين Clofazimine

24 شهراً

أمّا الجذام الدرني فيعالج حين وجود بقعة وحيدة بإعطاء المينوسيكلين 100 ملغ والريفامبيسين 600 ملغ والأوفلوكساسين 400 ملغ جميعها معاً مرة واحدة فقط، وحين الإصابة بالجذام الدرني مع وجود أكثر من بقعة جلدية يعطى الدابسون 100 ملغ مرة يومياً، والريفامبيسين 600 ملغ مرة في الشهر مدة 6 أشهر مع المراقبة، ولا ينصح بتطبيق الدابسون بمفرده لاحتمال حدوث مقاومة له كما ذكرت بعض التقارير.

يجب أن يُعالج التهاب العصب Neuritis بصرامة في محاولة للحدّ من إصابة العصب ما أمكن ومنع حدوث التشوه والعجز، ويوصى بإعطاء الستيروئيدات القشرية في هذه الحالات.

أما إذا حدثت تفاعلات مناعية من النمطين الأول والثاني فيجب متابعة العلاج بمضادات المتفطرات، ويجب طمأنة المريض أنّ هذه التفاعلات ليست آثاراً جانبية للأدوية. وتعالج التفاعلات الطفيفة من دون وجود التهاب عصب أو تقرحات معالجة داعمة، أمّا التفاعلات الشديدة فيجب علاجها بالستيروئيدات القشرية (بريدنيزون بمقدار 40 - 60 ملغ يومياً، تُخفّض تدريجياً خلال 2 -3 أشهر) لتجنّب الأذية العصبية، وتقتصر المعالجة بالريفامبيسين على إعطائه مرة واحدة شهرياً. ومن العلاجات المطبقة حديثاً المعالجة بالسيتوكينات ومثبطاتها، بيد أنها ما تزال بحاجة إلى المزيد من الدراسات لبيان مدى فائدتها.

  يجب متابعة المريض خلال المعالجة بفواصل زمنية منتظمة مع إجراء فحص سريري يتضمّن تقييم إصابات الجلد والأعصاب والأطراف والعينين، واستقصاء سميّة الأدوية، ويُعدّ تثقيف المريض أمراً حيوياً في امتثاله للعلاج.

  تتضمن إجراءات مكافحة الجذام التدبير السريري للحالات الفعالة واتخاذ احتياطات المخالطة اللازمة، وعلى الرغم من أن لقاح BCG يقدّم بعض الوقاية من الجذام، يبقى تطوير لقاح أكثر فعالية يُعدّ هدفاً مهماً للبحوث التي تتناول سبل مكافحة العدوى.

ثالثاً - المتفطّرات غير السليّة

يُطلق مصطلح المتفطّرات غير السلية Nontuberculous mycobacterial  على أنواع المتفطّرات التي تسبّب للإنسان بعض الأمراض باستثناء المتفطّرات السلية التي تسبّب السل، وعصيات هانسن التي تسبّب الجذام.

تعيش هذه المتفطّرات حرّة، وهي واسعة الانتشار في البيئة، وقد سميّت سابقاً المتفطّرات البيئية   environmental mycobacter، والمتفطّرات غير النموذجية atypical mycobacteria. ويُعرف حتّى الآن أكثر من 130 نوعاً من المتفطّرات غير السلّية، وتُصنَّف بحسب رانيونRunyon  في أربعة أصناف تبعاً لصفات النمو والصباغ الذي تنتجه في المزارع:

-1 الصنف الأولClass I : يضم عصيات مثل المتفطرة الكنساسية التي تتميز بتألقها حين تعريضها للضوء (متخضّبة بالضوء).

-2 الصنف الثانيClass II: يضم عصيات مثل المتفطرة الخنازيرية المتألقة في الظلمة، وهي تنتج الصباغ في الضوء والظلمة.

-3 الصنف الثالثClass III : يضمّ المتفطّرات غير المنتجة للأصبغة مثل المتفطرة الطيرية.

-4 الصنف الرابع Class IV: متفطّرات تتميز بالنمو السريع في المزارع بمدة 2 - 30 يوماً مقارنة بالمتفطّرات الأخرى التي تحتاج لنموها إلى 5-6-8 أسابيع.

توجد المتفطّرات غير السلّية في التربة والماء والنباتات، وأغلب مستودعاتها من الحيوانات الأهلية والبرية (الجدول 8)، وتحدث معظم الأخماج بعد استنشاق المتفطّرات غير السلّية أو انتقالها من المحيط، وتصل مدّة الحضانة حتى 5 سنوات. يحدث الخمج في مختلف الأعمار، ولكن يكثر تواتره في البالغين الشباب، ونادراً ما يصاب الأطفال، ولا ينتقل المرض من شخص إلى آخر، ويحدث مرض معمّم إلاّ في مضعفي المناعة كالمصابين بمتلازمة العوز المناعي المكتسب والمصابين بالخباثات.

الجدول (8): أنواع المتفطّرات اللاسلّية ومستودعاتها والأمراض التي تسببها في الإنسان.

نوع المتفطرة

المستودع

المرض الذي تسببه عند الإنسان

       1-   المولّدة للصباغ:

· المتفطرة الكنساسية

· المُتَفَطِّرَةُ البَحْرِيَّة 

· المتفطرة القردية

· المتفطرة الآسيوية

              

الماء والمواشي

السمك والماء

الرئيسات كالإنسان والقردة

الرئيسات كالإنسان والقردة

 

الهيكل العظمي

الجلد والأنسجة الرخوة

القصبات والرئة

الرئة (نادرة)

2 - ظلامية الاصطباغ:

· المتفطرة الخنازيرية  M. scrofulaceum

· المتفطرة الشلغائية M. szulgai

· المتفطرة الغوردانية M. gordonae

· المتفطرة المصفّرة M. flavescence

· المُتَفَطِّرَةُ القَيْطَمِيَّة M. xenopi

 

التربة، الماء، المواد الطعامية

غير معروف

الماء

الماء والتربة

الماء

 

 

العقد اللمفية

الرئة والقصبات

الرئة (نادرة)

الرئة (نادرة)

الرئة والقصبات

 

 

 

 

3- اللا مولدة للصباغ:

· المتفطرة الطيرية داخل خلوية.

· المُتَفَطِّرَةُ المُقَرِّحَة

· المُتَفَطِّرَةُ المَعِدِيَّة

· المتفطرة الأرضية M. terrae

· المتفطرة المالمونزية

 M. malmoense

 

التربة، الماء، المواشي، الطيور

غير معروف

التربة والماء

التربة والماء

التربة والماء

 

الرئة، العقد اللمفية، داء معمّم

الجلد والأنسجة الرخوة

الرئة (نادرة)

الرئة (نادرة)

الرئة

      4-   سريعة النمو:

· المُتَفَطِّرَةُ التَّصادُفِيَّة

 M. fortuitum

· المُتَفَطِّرَةُ الخُراجِيَّة

 M. chelonei

· المُتَفَطِّرَةُ اللَّخَنِيَّة

M. smegmatis

 

التربة، الماء ، الحيوانات

التربة، الماء، الحيوانات

السطوح الرطبة

 

الجلد، الأنسجة الرخوة، داء معمّم

الجلد، الأنسجة الرخوة، داء معمّم الرئة (نادرة)

التظاهرات السريرية:

أهم الأخماج السريرية للعدوى بالمتفطّرات غير السلية الأخماج التي تصيب الجهاز التنفسي، والعقد اللمفية، والجلد والنسيج الضام والعظام.

-1 الأخماج الرئوية: تُعدّ أكثر الأخماج الناجمة عن المتفطّرات غير السلية تواتراً، ويصعب التفريق بين الخمج الرئوي في المرضى غير المصابين بفيروس العوز المناعي البشري والسل، فسيره بطيء، وتتباين التظاهرات السريرية من غياب الأعراض حتى التكهّف الرئوي.

يكون أغلب المرضى من المسنين المصابين بمرض رئوي سابق كالداء الرئوي الساد أو الحاصر أو تغبّر الرئة أو السحار السيليسي أو السل أو توسّع القصبات أو السرطان. وأهم الأعراض السعال المنتج لقشع ونفث الدم والحمى ونقص الوزن والضعف وضيق النفس. وتشاهد في النساء البيضاوات أو من أصل آسيوي اللواتي تجاوزن سن الخمسين متلازمة ليدي ويندرمير Lady Windermere syndrome، وتكون هؤلاء النساء نحيفات، وغالباً ما يكون صدرهن قمعياً أو مصابات بجنف، وليس فيهن أي مرض تنفسي مؤهّب، وتتظاهر المتلازمة بارتشاح رئوي في اللُّسين أو الفص المتوسط ناجم عن خمج رئوي بمعقد المتفطّرات الطيرية

يتزايد تشخيص الخمج الرئوي بالمتفطّرات غير السلية في المصابين بالتليّف الكيسي، وثمة بعض الدلائل على تسبّب المتفطّرات غير السلية بتظاهرات رئوية تحسّسية.

أما لدى المرضى المصابين بمتلازمة العوز المناعي المكتسب فيتظاهر المرض فيهم بالسعال والحمى ونقص الوزن، بيد أن السير يكون سريعاً، وغالباً ما يكون المريض مضعف المناعة بشدّة، وتعداد اللمفاويات المساعدة CD4 أقلّ من 100 لمفاوية/ميكرولتر، وأهم المتفطّرات المسؤولة عن الخمج معقّد المتفطّرات الطيرية - داخل الخلوية، وقد يحدث الخمج بالمتفطّرات الأخرى كالمتفطرة الكنساسية والمُتَفَطِّرَة التَّصادُفِيَّة والمتفطرة الشلغائية والمتفطرة المالمونزية.

-2 أخماج العقد اللمفية: يصيب خمج العقد اللمفاوية الناجم عن عدوى المتفطّرات غير السليّة الأطفال والرضع، وغالباً ما تُصاب العقد اللمفية الرقبية، وتكون الإصابة في جانب واحد، ويبدو أن العدوى تحدث عن طريق الفم؛ إذ يجنح الرضع والأطفال الصغار إلى وضع الأشياء الملوثة في فمهم، وتتظاهر الإصابة بتورّم العنق من دون ألم وتنوسر أحياناً، والمضادات الحيوية غير فعالة فيها، وتتطلّب الاستئصال جراحياً مع احتمال حدوث نكس، وتُعدّ المتفطّرات الطيريّة السبب الأكثر شيوعاً (80% من الحالات)، تليها المتفطّرات الخنازيرية والمالمُونزِيَّة.

-3 أخماج الجلد والأنسجة الرخوة: تنجم أغلب أخماج الجلد والأنسجة الرخوة بالمتفطّرات غير السليّة عن التلقيح inoculation بوجود أذية جلدية، وتتوضع أكثر الإصابات في اليدين والمرفقين والركبتين والقدمين، وتتظاهر بآفات حبيبومية بعد بضعة أسابيع من العدوى. أكثرمصادر الخمج شيوعاً تماس الماء الملوث أو الأسماك المخموجة بوجود الرضوض أو الجروح الجراحية.

والمتفطّرات الكنساسية هي أكثر المتفطّرات غير السلية التي تعزل في مراكز الرعاية الصحية الثالثية بعد المتفطّرات الطيرية، وقد تسبّب خمجاً جلدياً يشبه داء الشعريات المبوّغة، أو خمجاً معمّماً ترافقه تظاهرات جلدية كالحمامى البقعية والحمامى عديدة الأشكال.

وتسبب المتفطرة المقرّحة قَرْحَة بورولي Buruli ulcer التي تُعدّ الخمج الثالث الأكثر شيوعاً بالمتفطّرات بعد السل والجذام، وتكثر في إفريقيا وأستراليا، ويُعتقد أن هذه المتفطرة تنتشر في المياه والبحيرات والأنهار، وتسبب تقرّحات متنخّرة، كبيرة، غير مؤلمة، تعجّ بالمتفطّرات، وغالباً ما تشاهد في الأطفال.

-4 أخماج العظام والمفاصل: غالباً ما تنجم أخماج المتفطّرات غير السلية في العظام والمفاصل عن الإصابات كالكسور المفتوحة أو التداخلات الجراحية. ويتظاهر الخمج المفصلي بفقدان وظيفة المفصل المصاب، وقد يصادف التهاب قرص وفقار، ويُعدّ الروماتيزم المفصلي والمعالجة بالستيروئيدات من أهم العوامل المؤهّبة. يتظاهر الخمج العظمي بعلامات ذات العظم والنقي، وقد تسبب المتفطرات غير السلية التهاب الزليل أو التهاب زليل الوتر tendosynovitis.

-5 أخماج أخرى: قد يتعمّم خمج المتفطّرات غير السلية في مضعفي المناعة، وقد تسبّب المتفطرات الطيرية في مضعفي المناعة كالمصابين بمتلازمة العوز المناعي المكتسب إصابة معدية معوية تتظاهر بأعراض مختلفة كالإسهال والألم البطني وسوء الامتصاص المزمن، أو تؤدّي إلى يرقان انسدادي ثانوي لاعتلال العقد حول وريد الباب. ومن الأخماج الأخرى التي تُحدثها المتفطّرات غير السلية التهاب الصفاق، والتهاب اللفافات، والتهاب السبلة الشحمية.

التشخيص:

تفيد الدراسة الشعاعية في تشخيص الخمج الرئوي، وقد تبدي صورة الصدر الشعاعية ارتشاحات أو تكهّفاً في الفص العلوي أو ظلالاً عقدية أو متنية أو جنبية، وقد تكون الصورة الشعاعية طبيعية في المصابين بمتلازمة العوز المناعي المكتسب، أو تبدي ضخامات عقدية نقيرية hilar أو منصفية.

يصعب تشخيص أخماج المتفطّرات غير السلّية؛ فالمتفطّرات التي تكشف في العينات قد تكون ناجمة عن تلوّث أو استعمار وليس عن خمج، ولا يوضع تشخيص الخمج بالمتفطّرات إلا حين عزل المتفطّرات غير السلّية بوجود أعراض سريرية ونفي الأسباب الأخرى. ويبدو أنّ نمو نوع واحد من المتفطّرات غير السلّية نمواً كبيراً في المزارع يدل على الخمج، وبالمقابل يدل النمو القليل على الاستعمار ما لم تكن العينات مأخوذة من أحد سوائل الجسم العقيمة في الحالة الطبيعية. ولم يتفق على تفسير إيجابية الاختبارات، وهل هي استعمار جرثومي فقط أم هل هي دليل يثبت الخمج بالمتفطّرات غير السلية، وما يحسم الأمر هو الخزعات التي تكشف آفات حبيبية (بوجود العصيات المقاومة للحمض أو غيابها).

وتتطلّب المتفطّرات غير السلّية شروط زرعٍ خاصة، ويشير وجود ارتشاحات من دون كهوف مع بقاء فحص القشع إيجابياً بعد أسبوعين من المعالجة المضادة للتدرن إلى احتمال وجود خمج بالمتفطّرات غير السلّية.

يوضع تشخيص الخمج بمعقد المتفطّرات الطيرية - داخل الخلوية بوجود كهوف رئوية رقيقة الجدران، أو ارتشاحات فصية أو قمية أو منتشرة، أو عقد معزولة غير متعلقة بمرض آخر، إضافة إلى عينتين إيجابيتين أو أكثر من عينات القشع أو غسالة القصبات؛ ويمكن وضع التشخيص بإثبات وجود المتفطّرات الطيرية في خزعة الرئة مع إيجابية زرع القشع أو وجود مزرعة دموية وحيدة إيجابية، أو إيجابية فحص النقي أو العقد اللمفية أو خزعة الكبد النسيجي، أو حين عزلها من أي مكان عقيم في الجسم.

لا توجد تبدلات مخبرية نوعية تدلّ على خمج المتفطّرات الكنساسية، ومن الصعب تمييز المناظر الشعاعية لخمج المتفطّرات الكنساسية على صورة الصدر الشعاعية عن المناظر الناجمة عن المتفطّرات الدرنية، وتشيع ضخامات العقد اللمفية النقيرية والمنصفية في الأطفال.

لا توجد فحوص مخبرية نوعية لتشخيص خمج المتفطّرات الخنازيرية، ويوضع التشخيص بإثبات وجود الالتهاب الحبيبومي في خزعة الجلد وعزل العصيات من المزارع.

تعدّ الخبرة عاملاً مهمّاً في تمييز مختلف المتفطّرات في العينات الملونة. ويتطلّب نمو المتفطّرات في المزارع وسطاً درجة حرارته 37ْم، على أن يكون تركيز  ثاني أوكسيد الكربون في الهواء 10 % إلى 90%، ومدّةً تزيد على 6-8 أسابيع، ويمكن إثبات النمو في المزارع بمدة أسبوعين، إلا أنّ تحديد النوع يحتاج إلى 2-4 أسابيع أخرى، وثمة أنواع من المتفطرات غير السلية سريعة النمو، ويجب أن تخضع كل العينات النامية إلى اختبارات الحساسية للصادات.

المعالجة:

يستطب علاج المرض الرئوي الناجم عن المتفطّرات غير السلية حين الشكوى من أعراض رئوية مع وجود ظلال عقدية أو تكهفية على صورة الصدر الشعاعية، أو توسّع قصبات متعدد البؤر مع عقيدات عديدة صغيرة في التصوير المقطعي المحوسب العالي الميز، واستبعاد أي تشخيص آخر، ووجود قرائن مختبرية كوجود زرع إيجابي لعيّنتي قشع على الأقل، أو عينة غسالة قصبية، أو إيجابية الخزعة من الرغامى، أو الخزعة الرئوية للمتفطّرات غير السلية، أو وجود التهاب حبيبي في الدراسة النسيجية.

يعالج الداء الرئوي والداء المنتشر والأخماج تحت الجلدية والعظمية الناجمة عن معقد المتفطّرات الطيرية-داخل الخلوية في البالغين أسوياء المناعة أو في مثبطي المناعة بمشاركة الكلاريترومايسين 500 ملغ مرتين يومياً، والإيثامبوتُول 15-25ملغ/كغ والريفابوتين 300 ملغ يومياً مدة 12-24 شهراً، ويحبّذ الاستئصال الجراحي حين وجود عقدة وحيدة، وقد تستخدم صادات أخرى مثل السيبروفلوكساسين والأزيتروميسين والكلوفازيمين والأميكاسين بحسب نتائج الزرع والتحسس.

يجب فحص عينات من قشع المصابين بخمج رئوي كلّ شهر في أثناء المعالجة، وتصبح هذه العينات سلبية في 80-90 % بمدة شهر أو شهرين، ويجب أن تستمر المعالجة مدة 12 شهراً بعد إثبات سلبية القشع.

أمّا في المصابين بمتلازمة العوز المناعي المكتسب الذين يقلّ فيهم تعداد اللمفيات المساعدة CD4 عن 100 لمفية/ ميكرولتر، ولم يظهر فيهم خمج فعّال بالمتفطّرات الطيرية بعد فتتضمّن الإجراءات الوقائية وضعهم على معالجة وقائية بدئية بدواء وحيد مثل الكلاريثروميسين 500 ملغ مرتين يوميا،ً أو الأزيثرومايسين 1200 ملغ أسبوعياً أو الريفابوتين 300 ملغ مرة واحدة يومياً.

  يغلب أن تكون استجابة خمج المتفطرة الكنساسية للمعالجة بالأدوية المضادة للمتفطّرات ضعيفة، ويوصى باختيار نظام علاجي ملائم لكلّ مريض مؤلّف من 3 - 5 أدوية اعتماداً على تحسّس المتفطرة الكنساسية في الزجاج، وعلى حالة التثبيط المناعي الموجودة.

  يتألّف الخط العلاجي الأول من الريفامبيسين 10 ملغ/كغ يومياً، والإيزوينازيد 5 ملغ/كغ/يوم، والإيثامبوتول 15-25ملغ/كغ/يوم، وتستمر المعالجة 18 شهراً تقريباً، ويقارب معدل الاستجابة 90%، وينصح باستئصال العقد اللمفاوية التام حين وجود اعتلال عقد لمفاوية لعدم فائدة النزح فقط.

   لا تفيد الأدوية المضادة للسل في علاج خمج المتفطّرات الخنازيرية، والخيار الأول في المعالجة هو استئصال العقد اللمفية المصابة، وقد يفيد الكلاريثرومايسين حين عدم الاستجابة للجراحة.

 

 

التصنيف : الأمراض الخمجية
النوع : الأمراض الخمجية
المجلد: المجلد الرابع عشر
رقم الصفحة ضمن المجلد : 147
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 850
الكل : 31601490
اليوم : 36345