logo

logo

logo

logo

logo

المكورات

مكورات

cocci - micrococci



الأدواء الناجمة عن الجراثيم الهوائية سلبية الغرام

المكورات

امتثال رزق

النيسيريات البُنِّيَّة
المكورات السحائية
المُوراكْسيلَّا النزليَّة
البورديتلا الشاهوقية

 

 

1ً- النيسيريات البُنِّيَّة

تخمج النَّيسيرِيَّةُ البُنِّيَّة Neisseria gonorrhoeae (المُكَوَّرَةُ البُنِّيَّة) الإنسان فقط؛ مسببة الداء المنتقل جنسياً والمسمى السيلان البني، وهو داءٌ قديم سمّاه غالين بهذا الاسم في القرن الثاني للميلاد، ويُنسب اسم الجرثوم المُسَبِّب إلى آلبرت نيسير Albert Neisser الذي كشفه عام 1879. ولهذا المرض القابل للعلاج شأن مهم لدلالته على النشاط الجنسي الخطر في أماكن انتشار مرض الإيدز.

الوبائيات:

حدثت في المملكة المتحدة عام 1946 ذروة للمرض؛ نتيجةً للاختلاط الجنسي مع الجنود المصابين العائدين من الحرب العالمية الثانية، ثم هبط معدل الحدوث بعد ذلك بسبب ظهور المضادات الحيوية الفعّالة. ويُعزى ارتفاع أعداد الإصابات منذ عام 1950 وحدوث الذروة عام 1970  إلى ظهور مانعات الحمل وزيادة النشاط الجنسي مع أكثر من شخص، وإلى بدء ظهور المقاومة على المضادات الحيوية الفعالة؛ إذ ظهرت المقاومة على البنيسيلين أولاً ثم على التتراسيكيلين والماكروليدات والكينولونات، ويُعزى التراجع السريع في أعداد الإصابات في أواخر الثمانينيات إلى التقيّد بوسائل الوقاية الجنسية (الجنس الآمن).

الإمراض:

تُقسم المكورات البنية إلى أربعة أنماط تُسمى أنماط  Kellog؛ بحسب مظهر مستعمراتها وقدرتها على التراصّ وفَوعتها. تستطيع النيسيريات البنية أن ترتبط بالغشاء المخاطي وتقاوم آليات دفاع المُضيف بمقاومتها للبلعمة. تستعمر النيسيريات البنية في البداية بطانة السبيل التناسلي السفلي، وتنتشر أحياناً إلى السبيل العلوي مسببةً الأعراض الجهازية، وحين تغزو هذه الجراثيم الطبقة البشروية تتجنب عملية الكنس بمفرزات عنق الرحم في النساء أو بالبول في الرجال. ويُعدّ الحديد أساسياً لتكاثر البنيات، وهي تحوي على سطحها مستقبلات للترانسفرين واللاكتوفرين.

التظاهرات السريرية:

السيلان gonorrhea:

(1 تمتد فترة الحضانة 2-5 أيام. قد يكون خمج السبيل التناسلي السفلي لا عرضياً، أو يسبب التهاب الإحليل مع مفرزات قيحية وعُسْرَ التبوُّل في الرجال، أو التهاب باطن عُنُق الرحم ومفرزات وحكة وعُسْرَ التبوُّل في النساء. وقد يكون خمج الإحْليل والبلعوم والمستقيم في النساء شائعاً، لكنه لا عرضي، بيد أنه شائع في الرجال المثليين، ويسبب المفرزات والزَّحِير.

(2 قد ينتشر الخمج بالطريق الصاعد، ويسبب التهاب بطانة الرَّحِم والتهاب البوقين، وخراجات بُوقيّة مبيضِيّة في 20% من النساء المصابات بالتهاب عنق الرحم. وقد يكون الألم الحوضي وحيد الجانب، وقد يلتبس بالتهاب الزائدة الحاد.

يحدث في حالاتٍ نادرة التهاب صفاق صريح، أو التهاب حول الكبد (متلازمة فيتز- هيو- كيرتسFitz-Hugh-Curtis )، ويرافق ذلك ألم في المراق الأيمن ينتشر إلى الكتف وانصباب جنب أحياناً؛ مما يشوش التشخيص، ويتطلب تحويل المريض لإجراء استشارة جراحية.

وقد يحدث في الرجال المصابين بالتهاب إحليل التهاب بَرْبَخ أو التهاب بربخ وخُصْيَة.

(3 قد يحدث الخمج المنتشر بالبنيات disseminated gonococcal infection   في 1% من الأخماج  التناسلية، أي إنه نادر، لكنه أكثر شيوعاً في النساء مما في الرجال؛ ولا سيما إذا حدث خمج المخاطيات في أثناء الطمث أو الحمل بسبب نقص الأعراض البولية في النساء، وتسسببه على الأغلب البنيات الحساسة على البنيسيلين؛ إذ تسبب تجرثم دم والتهاب مفاصل متنقلاً وآفات جلدية. وتتضمن التظاهرات: الطفح، والحمى، والألم المفْصِلي، والتهاب المفاصل المتعدد المتنقل، والتهاب المفصل القيحي، ونادراً التهاب الشغاف والتهاب السحايا. وأكثر المفاصل إصابةً هي الكتف والركبة، يليها المعصم والورك ثم المفاصل الصغيرة في اليدين. أما الآفات الجلدية فعددها 4-10 غير مؤلمة، تتوضع على مسار الأوعية، وتمر بمرحلة البثرة، ثم تصبح نزفية قبل أن تُشفى، وذُكرت إصابات تشبه الحُمامى العَقِدَة.

(4 يصاب المواليد بالخمج بالنيسيرية البنية في أثناء الوضع، وتسبب فيهم التهاب ملتحمة قيحيّاً وخمجاً منتشراً. وقد يحدث التهاب الملتحمة في الكبار، وقد تؤدي إلى فقدان البصر.

(5 تدل إصابة فتاة قبل البلوغ بالتهاب الفَرْج والمَهْبِل ، وعزل النيسيرية البنية فيها؛ على حادثة عنف جنسي، ويجب التعامل معها بحرصٍ شديد.

التشخيص:

- يرتفع تعداد الكريات البيض وسرعة التثفل ارتفاعاً بسيطاً.

- تفحص مسحات من المفرزات الإحليلية فحصاً مباشراً بعد تلوينها بطريقة غرام، ويُعدّ وجود المكورات المزدوجة سلبية الغرام ضمن الكريات البيض حساساً لوجود خمج سيلاني بنسبة 95%. وتكون الحساسية والنوعية أقل جودة على مسحات من باطن عنق الرحم أو من البلعوم.

الزرع: يُعدّ استفراد المكورات البنية الفحص المعياري الذهبي للتشخيص، وذلك بحساسية ونوعية عالية تبلغ 100%، يجب أخذ مسحات وزروع من كل المناطق المصابة لتأكيد التشخيص وإجراء التحسس.

في الخمج المنتثر disseminated: يجب زرع عينات من السائل المفصلي، والدم، والسائل الدماغي الشوكي. ولكن سلبية الزرع لا تنفي وجود خمج منتثر.

مقاومة المضادات الحيوية:

النَّيسيرِيَّةُ البُنِّيَّة حساسة لمعظم المضادات الحيوية، لكن ظهرت مقاومة مرتبطة بالبلازميد أو بالصبغيات، وتنتشر المقاومة على نحو كبير في العالم النامي بسبب عدم توفر المضادات الحيوية المناسبة أو بسبب إساءة استعمالها.

بقي البنيسلين الخطَّ الأول لعلاج السيلان البني حتى عام 1989 حين أصدرت منظمة الصحة العالمية تعليمات جديدة للعلاج بسبب زيادة المقاومة على البنيسيلين، وكانت المعالجات البديلة الموصى بها هي السيبروفلوكساسين (كينولون) السيفترياكسون (سيفالوسبورين جيل ثالث) سبكتينومايسين (ماكروليد)، ويُترك البنيسيلين للحالات التي يُعرف فيها أنَّ البنّيات حساسة.

السيبروفلوكساسين هو الخيار الأول في المملكة المتحدة؛ لأنَّه يؤخذ فموياً وهو ذو فاعلية ممتازة ورخيص الثمن. ولكن في عام 2002 أدى ظهور المقاومة على السيبروفلوكساسين (وصلت النسبة إلى 5%) في المملكة المتحدة إلى تغيير الخط الأول في المعالجة إلى سيفالوسبورينات الجيل الثالث مثل السيفترياكسون والسيفيكسيم، ثم تحولت التوصيات بسبب ما ظهر من فشل المعالجة الفموية بالسيفيكسيم إلى السيفترياكسون حقناً بجرعة 500 ملغ، وبسبب نقص المعالجات الجديدة بعد السيفترياكسون أصبح من المحتمل أن يتحول السيلان البني إلى خمج غير قابل للعلاج.

> المقاومة المتواسطة بالصبغيات:

بدأ نقص الحساسية على البنيسيلين بالظهور عام 1958، وفي السبعينيّات ازداد التركيز الأصغري للتثبيط MIC للبنيسيلين لأكثر من 1ملغ/ل، ويعود ذلك إلى طفرات تسبب نقصاً في نفوذية البنيسيلين للجدار الخلوي.

أما المقاومة على السيبروفلوكساسين فتحدث بسبب طفرة أخرى تشكل مضخة تضخ الدواء خارج الخلية، وأصبحت المقاومة على السيبروفلوكساسين واسعة الانتشار في بعض البلدان؛ ولا سيما بين الرجال المثليين.

وتحدث المقاومة على السيفالوسبورينات الفموية مثل السيفيكسيم بسبب طفرة من نوع آخر، ويكون السبيكتينومايسين spectinomycin بديلاً جيداً إذا ظهرت المقاومة.

يستعمل azithromycin لمعالجة الكلاميديا، وأدى استعماله لمعالجة السيلان إلى ظهور مقاومة سريعة بتأثير فارق الجرعة على ما يبدو (1غ للكلاميديا في حين أنَّ الجرعة للسيلان هي 2غ).

> المقاومة المتواسطة بالبلازميد:

وُصفت أول مرّة عام 1976، ذُكرت في سلالتين: واحدة في إفريقيا، والثانية في الشرق الأقصى، وحالياً تنتشر السلالة الثانية في معظم أنحاء العالم؛ ولا سيما في البلدان النامية.

معالجة الخمج بالنيسيريات البنية:

تعتمد المعالجة المختارة على اختبار التحسس للمضادات الحيوية، وفي غياب هذه المعلومات يمكن البدء بالكينولونات، ويُترك البنيسيلين للحالات التي يُعرف مسبّقاً أنَّها تتحسس من البنيسيلين؛ وكذلك الأمر بالنسبة إلى السيفيكسيم الفموي.

الخط الأول في معالجة الخمج غير المتضاعف في البالغين هو ceftriaxone 500 ملغ حقناً في العضل مع azithromycin غرام واحد بجرعة وحيدة.

تعالج الإصابات الحوضية وحول الكبد بـ ceftriaxone  غرام واحد حقناً في العضل أو في الوريد مرّة يومياً مع doxycycline 100ملغ مرتين يومياً و metronidazole  400 ملغ مرتين يومياً فموياً أو وريدياً.

يُعالج التهاب الخصية والبربخ بـ ceftriaxone غرام واحد حقناً في العضل مرة يومياً مع doxycycline  100 ملغ مرتين يومياً مدة أسبوعين، يجب تحري الأمراض المنتقلة بالجنس الأخرى قبل البدء بالمعالجة في جميع المرضى وشركائهم.

في الداء المنتثر تنصح التوصيات البريطانية المعالجة بـ ceftriaxone غرام واحد حقناً في العضل أو في الوريد يومياً أو cefotaxime  1 غ حقناً في الوريد كل 8 ساعات أو spectinomycin 2 غ حقناً في العضل كل 12 ساعة مدة أسبوع.

يمكن تحويل المعالجة بعد 24-48 ساعة إلى أحد الأدوية الفموية مثل cefixime  400 ملغ مرتين يومياً، أو ciprofloxacin  600 ملغ مرتين يومياً.

يجب معالجة أي مرض منتقل جنسياً مرافق للخمج بالبنيات مثل الكلاميديا، وهناك من يعطي الأدوية المضادة للكلاميديا تخبرياً. يُقترح حالياً إجراء اختبار لتحري الشفاء بعد المعالجة؛ ولا سيما في إصابات البلعوم والمستقيم.

2ً- المكورات السحائية   

يُعدّ الخمج بالنيسيريات السحائية (المُكَوَّرَة السحائية) Neisseria meningitidis (meningococcus)  مشكلة صحية عالمية بسبب ما تحدثه من أوبئة أو جائحات بالتهاب السحايا وما ينجم عنها من وفيات. ومع تناقص نسبة الوفيات تدريجياً من 70-90% إلى نحو 10%؛ فإنها بقيت عند هذه النسبة منذ عصر المضادات الحيوية عام 1937.

صفات النَّيسيرِيَّة السحائية N.meningitidis: مكورات مزدوجة سلبية الغرام مجبرة، من فصيلة النيسيريات، تتوضع في الغشاء المخاطي للوزتين والبلعوم الأنفي. والجراثيم المعزولة (المستفردة) من الدم أو السائل الدماغي الشوكي أو من الخزعات النسيجية ذات محفظة ولها سوط متحرك.

يثبط عديد السكاريد الموجود في المحفظة عملية البلعمة والالتصاق الجرثومي، ويُقسم إلى 13 مجموعة مصلية مختلفة (A, B, C, D, E, H, I, K, L, W135, X, Y, Z)، تُشكل المجموعات المصلية (A, B, C) أكثر من 90% من الأصناف المستفردة، وتبلغ المجموعات (W135, X, Y) أقل من 10% منها.

المكورات السحائية جراثيم هشة تنحل بسهولة، تنمو بسهولة على أوساط الزرع المختلفة، والحرارة المثالية لنموها 35-37 درجة مئوية في جو رطب يحوي 5-10% ثنائي أكسيد الكربون.

تنتقل عدوى المكورات السحائية بالقُطَيْرات المُلَوَّثَة المحمولة بالهواء، وبتماس المفرزات التنفسية في المصابين، وليس من الشائع الانتشار من المرضى إلى العاملين في الحقل الطبي. قد يبلغ معدّل الحَمَلَة من الأصحاء 25-50% في أثناء الجائحات، ويبلغ أمد دور الحضانة 2-10  أيام (3-4 أيام وسطياً).

التعامل مع العينات السريرية:

يجب أخذ عينة للزرع من السائل الدماغي الشوكي (10مل للبالغين، و 2-4 مل للأطفال والرضع)، ومسحات من البلعوم الأنفي واللوزتين مباشرة، ويفضل زرع السائل الدماغي الشوكي على وسط آغار الشوكولا مباشرةً، وإن تعذر ذلك يمكن حفظ العينة بدرجة حرارة 4-20 درجة مئوية.

الوبائيات:

تحدث الإصابة في البلدان الصناعية على نحو فرادي أو مجموعات قليلة العدد، وبمعدل حدوث حالة حتى ثلاث حالات لكل 100000نسمة سنوياً. وقد تسبب بعض الذراري حالة وبائية، ويبدو أن المجموعة A هي مسبب هذه الأوبئة. وتُسبب المجموعة B 70% من الحالات في أوربا. أما في البلدان النامية فتنحصر الأوبئة على نحو أساسي في الصحراء الإفريقية الكبرى حيث يقارب معدل الحدوث 10-25 حالة لكل 100000 نسمة سنوياً، ويرتفع هذا الرقم في ذروة الوباء إلى 500-1000 لكل 100000 نسمة سنوياً، والمجموعة A وأقل منها المجموعتان W135 و C هي المجموعات المصلية الأساسية المسببة لهذه الأوبئة. كذلك تحدث الأوبئة في حزام التهاب السحايا الممتد من غامبيا غرباً إلى إثيوبيا شرقاً شاملاً إفريقيا الوسطى والسودان.

تحدث معظم الإصابات في الشتاء وأول الربيع في المناطق الحارة، وتزداد نسب الحدوث في منطقة حزام التهاب السحايا منذ أواسط الفصل الجاف، وتبلغ الذروة في نهايته، وتتناقص على نحو سريع حين بداية الفصل الممطر.

يمكن أن تحدث الإصابة في أي عمر، لكن معظم الحالات تكون بين الولادة إلى4 سنوات من العمر مع ذروة صغيرة بين 13-20 سنة، وتزداد الإصابات في أواسط العمر في أثناء الأوبئة.

الحَمَلَة:

يبلغ معدل الحملة نحو 10 % من البشر على نحو عام، تزداد هذه النسبة في المجتمعات شبه المغلقة مثل التجمعات العسكرية، ويزداد معدل الحمل الجرثومي في المدخنين. والشباب البالغون الأصحاء هم المستودع الرئيس للنيسيريات السحائية، وأفراد عائلة المريض هم الأكثر حملاً للجرثوم.

العوامل المؤهبة لدى المضيف للإصابة بالداء الغازي:

(1 نقص الأضداد الحامية: تحمي الأضداد المشكّلة ضد المحفظة عديدة السكريد للمجموعات (A, C, W135, Y) من الإصابة إذا كانت بتركيز 1-2 ميكروغرام /مل، أما عديد السكريد الخاص بالمجموعة B فيُشكل أضداداً عابرة من النوع IgM من دون أن يشكل أضداداً للحماية من النوع IgG .

(2 خلل جهاز المتممة: يسبب نقص وظيفة جهاز المتممة خللاً في تفعيل السبيل التقليدي أو السبيل البديل مما يزيد نسبة التعرض للإصابة إلى 6000 مرّة.

(3 الخلل في المانّوز الرابط للّاكتين: تؤدي الطفرة في جين المانوز الرابط للاكتين إلى نقص مستوياته المصلية.

(4 تعدد أشكال عوامل المتممة المتعلقة بالبروتين مثل العامل المنخر للورم ألفا TNF?: يؤدي إلى نقص ارتباط الجرثوم بالأضداد.

الخمج الغازي:

تظهر أعراض الخمج الغازي على معظم المرضى بعد 2-4 أيام من دخول الجرثوم، ولكن قد يحمل بعضهم الجرثوم أكثر من 7 أسابيع قبل ظهور أعراض الخمج الغازي.

تلتصق النيسيريات السحائية على جزيئات نوعية في خلايا البلعوم الأنفي واللوزتين البشروية غير المُهَدّبة. ويبدو أن النيسيريات السحائية تُغَيِّر بنية سطحها (عديدات السكريد الشحمية، بروتينات الغشاء الخارجي) قبل أن تبدأ بالهجرة عبر البشرة لتصل إلى النسيج تحت المخاطي ومنه عبر الشعيرات الدموية إلى الدوران. ويُعدّ تجرثم الدم الشرط الأساسي لحدوث الخمج الغازي.

يرافق التكاثر الجرثومي استجابة التهابية تحدث في كل من الحيز تحت العنكبوت مسببة التهاب السحايا، وفي الدوران مسببة إنتان دم بالسحائيات مع صدمة أو من دون ذلك.

تحدث الآفات الجلدية النزفية في 70-80% من الحالات، وهي علامةٌ على الإصابة الجهازية بالنيسيريات؛ إذ تظهر بشكل حَبَرات petechial حمراء أو مزرقة، وتكون هذه الآفات أكبر وأقل انتظاماً من الآفات المُشاهدة في فرفرية نقص الصفيحات. يشير الطفح إلى تجرثم دم بالنيسيريات، ولا يشير بالضرورة إلى خمج شديد.

التظاهرات السريرية:

تُنسَب الأعراض الأولية للخمج بالنيسيريات السحائية إلى تجرثم الدم بهذه النيسيريات meningococcemia، وقد يبقى تجرثم الدم بدرجة خفيفة، أو قد يتطور إلى صدمة إنتانية في بضع ساعات. والأكثر شيوعاً هو أن يتطور تجرثم الدم إلى التهاب سحايا بفترة 12-72 ساعة. وقد يحدث أحياناً التهاب سحايا مع صدمة إنتانية بآن واحد.

ويمكن تصنيف الخمج بالنيسيريات السحائية بحسب الأعراض في:

-1التهاب سحايا من دون صدمة.

-2 صدمة من دون التهاب سحايا.

-3 التهاب سحايا وصدمة.

-4 تجرثم دم من دون التهاب سحايا ومن دون صدمة.

لكل تظاهرة سريرية خلفية فيزيولوجية مميزة وإنذار مختلف.

(1 التهاب السحايا من دون صدمة مستمرةdistinct meningitis without persistent shock  :

يسيطر التهاب السحايا على الحالة السريرية، وتكون البداية مخاتلة، وقد يشكو المريض- ولا سيما الأطفال- وهناً عاماً وغثياناً وصداعاً ثم قياءً وارتفاع الحرارة، وقد تكون الحرارة متقطعة وطبيعية أحياناً. يلتبس التشخيص في معظم المرضى في البداية بالتهاب أمعاء ڤيروسي أو خمج الطرق التنفسية العلوية. وبالتدريج يسيطر التهاب السحايا على الصورة السريرية؛ إذ يشكو المريض صداعاً وقياءً، وتحدث صلابة النقرة والخوف من الضوء، وفي الحالات المتقدمة يتغير مستوى الوعي، وتصبح علامة كيرنغ وعلامة برودزينسكي إيجابيتين. يبدو في معظم المرضى ميل إلى النوم، ويبدو في بعضهم هياج. ضغط الدم طبيعي أو قليل الارتفاع بسبب الشدة، وقد يكون منخفضاً أحياناً، ولكنه يرتفع بعد إعطاء كمية محدودة من السوائل. قد تحدث وذمة دماغية في الحالات غير المُعَالَجَة، ويرتفع الضغط داخل القحف. يبلغ معدل الوفيات في الدول المتقدمة أقل من 5%.

تبلغ هذه الحالة (التهاب سحايا من دون صدمة) أكثر من 50% من الأخماج الجهازية للنيسيريات السحائية في البلدان المتقدمة، وتكون هذه النسبة أعلى في الحالات التي تصل إلى المستشفيات في البلدان النامية.

الموجودات المخبرية:

ترتفع الكريات البيض في الدم المحيطي، وترتفع سرعة التثفل والـ CRP، وتكون وظائف الكبد والكلية والشوارد والدراسة الخثارية طبيعية. وفي السائل الدماغي الشوكي يرتفع عدد الكريات البيض (أكثر من 100 *610 كرية/لتر) والبروتين، وينقص السكر، وقد تكشف مكورات مزدوجة سلبية الغرام بالرؤية المباشرة تحت المجهر.

(2 الصدمة الإنتانية المستمرة من دون التهاب سحايا واضح:

يحدث إنتان دم صاعق بالمكورات السحائية (متلازمة ووترهاوس - فريدريكسون)، يتميز بوهط دوراني مستمر مع اعتلال شديد في التخثر يؤدي إلى حدوث صمات ونزوف جلدية شديدة، وتموت في الأطراف، وقصور كلوي وكظري وتنفسي.

تتطور الأعراض بسرعة كبيرة بمدة 6-12 ساعة، يشكو المريض في البداية أعراضاً شبيهة بأعراض الإنفلونزا مثل الحمى والآلام العضلية والإعياء والألم البطني والغثيان، ترتفع الحرارة بسرعة لتبلغ 39-41.5 درجة مئوية، ولكنها تكون منخفضة أحياناً، وقد يحدث إسهال في الساعات الأولى، ويبدو المريض قلقاً، وتكون الأطراف باردة قبل ظهور الآفات النزفية في إشارة إلى الوهط الدوراني، وقد يلتبس التشخيص بالتهاب الأمعاء.

تبدو الآفات الجلدية النزفية بشكل حَبَراتٍ مزرقة في البداية، يزداد عددها وحجمها بسرعة، وتتوزع في كامل الجسم، وأكثر ما تكون واضحة على الأطراف، وتشاهد أحياناً في الملتحمة والأغشية المخاطية.

يحدث وهط دوراني شديد، وتكون الأطراف باردة مزرقة، وزمن الامتلاء الشعري أكثر من 3 ثوانٍ، وينخفض الضغط الشرياني على الرغم من تسرع القلب، ويستمر هبوط الضغط بسبب التوسع الوعائي ونقص نتاج القلب.

وتغيب صلابة النقرة في هؤلاء المرضى، وتكون علامة كيرنغ سلبية. يكون المريض واعياً وقادراً على التعبير عن شكواه حين قبوله في المستشفى، وذلك على الرغم من الوهط الدوراني. يحدث فرط تهوية لتعويض الحماض الاستقلابي الحاصل، ويتناقص الصادر البولي تدريجياً، وقد تحدث في المريض متلازمة الضائقة التنفسية الحادة. (ARDS)

يسيطر الوهط الدوراني في الساعات 48-96 الأولى، ويموت 50% من المرضى في الـ 12 ساعة الأولى من القبول، بعد ذلك يسيطر القصور الكلوي و(ARDS)  والتخثر المنتشر على الصورة السريرية، ويراوح معدل الوفيات في هذه الحالة بين 16-53%.

إن وجود الحمى مع الأعراض الخاطفة والصدمة والآفات الجلدية النزفية على الأطراف في شخص ليس لديه قصة لاستئصال طحال؛ يشتبه بها بالإصابة بتجرثم الدم الصاعق بالنيسيريات السحائية، وقد تُشاهد صورة سريرية مماثلة في بعض الأخماج التي تسببها المكورات الرئوية والمستدميات النزلية والعقديات المقيحة وفي الحمى النزفية الڤيروسية.

(3 التهاب السحايا مع الصدمة:

تُلفى هنا أعراض سحائية وأعراض دورانية، وتكون الأعراض السحائية هي المسيطرة، ويبقى الضغط الشرياني منخفضاً على الرغم من تعويض السوائل، وتكون مستويات الذيفان الداخلي أقل منها في إنتان الدم الصاعق، ومعدل الوفيات أقل، ولكنها أعلى من حالة التهاب السحايا من دون صدمة.

(4تجرثم الدم بالمكورات السحائية من دون التهاب سحايا ومن دون صدمة:

يتم قبول نحو 20-30% من المصابين بداء السحائيات الغازي في المستشفى بسبب الحرارة والحَبَرات أو الطفح غير المُمَيز، إذ تكون العلامات السحائية قليلة على الرغم من ارتفاع عدد الكريات البيض في السائل الدماغي الشوكي ارتفاعاً بسيطاً (أقل من 100*10 6 كرية/مل)، وتكون الأعراض الدورانية خفيفة. ويتم قبول العديد من المرضى في المستشفى مبكراً خلال 12-24 ساعة من بداية الأعراض، يكون عدد نسخ دنا DNA المكورة السحائية أقل من 10 4/ مل، ويقترب معدل الوفيات في هذه الحالة من الصفر.

إصابة الأعضاء الأخرى:

التهاب التأمور: قد تنزرع المكورات السحائية في أثناء هجرتها في التأمور مسببة انصباب تأمور قد يتطور إلى سطام. يشكو المريض حمى وغثياناً وألماً شرسوفياً قد يشخص خطأً أنه مرض بطني، قد يكون زرع الدم سلبياً. يمكن زرع المكورات السحائية أو كشفها بتقنية الـ PCR من السائل التأموري. المعالجة بتفجير التأمور وتسريب المضادات الحيوية، والمتابعة اليومية بتخطيط الصدى (الإيكو)، والمجموعة C هي السبب الأكثر شيوعاً في هذه الحالة.

التهاب المفاصل: غير شائع، يصيب أحد المفاصل الكبيرة، يمكن عزل المكورة السحائية من السائل المفصلي، وهو ضروري للتشخيص، تزول الأعراض بسرعة بالمعالجة بالبنيسيلين.

التهاب المفاصل بسبب المعقدات المناعية: أكثر شيوعاً من السابق، يصيب واحداً أو أكثر من المفاصل الكبيرة، يكون المفصل متورماً ومؤلماً، تظهر الأعراض في نهاية الأسبوع الأول للمعالجة، وقد ترتفع الحرارة والمشعرات الالتهابية بعد هبوطها. ويكون زرع الدم وزرع السائل المفصلي سلبياً، تزول الأعراض بعد بضعة أيام من المعالجة بمضادات الالتهاب غير الستيروئيدية، وليس من الضروري تمديد فترة المعالجة بالمضادات الحيوية.

خمج المقلة: التهاب الملتحمة أو التهاب العين الشامل هو أحد أشكال الخمج الغازي للمكورات السحائية، يُشاهد في الرضع والأطفال، يتظاهر باحمرار العين مع ألم وتشوش رؤية، وتشكل صمات مجهرية ونزفاً في الشبكية والجسم الزجاجي تقود إلى العمى.

ذات الرئة: تسببها على نحو أساسي المجموعات (Y, W135) في الأطفال والبالغين، يعتمد التشخيص على عزل الجرثوم من عينة من المفرزات التنفسية من السبيل التنفسي السفلي أو بزرع الدم، ولا يمكن تفريقها عن ذات الرئة التي تسببها الجراثيم الأخرى.

المعالجة:

العلاج المبكر بالمضادات الحيوية لإيقاف نمو الجراثيم هو الأساس، ويُنصح إعطاء benzylpenicillin وريدياً أو عضلياً. وتحدد الجرعات بحسب (الجدول 1)، وذلك للحالات المشتبهة حتى قبل الوصول إلى المستشفى.

الجدول (1): جدول يبين جرعات المضادات الحيوية التي يجب أن تُعطى للحالات المشتبهة قبل الوصول إلى المستشفى

العمر بالسنوات

الجرعة

أقل من 2

300ملغ (0.5×10 6 وحدة دولية) من Benzylpenicillin عضلياً

2-7

600ملغ (1×10 6 وحدة دولية) من Benzylpenicillin عضلياً

أكبر من 7

1.2غ (2×10 6 وحدة دولية) من Benzylpenicillin عضلياً أو في الوريد

الجرعات الكافية من المضادات الحيوية مثل بنزيل البنيسيلين أو السيفوتاكسيم أو السيفترياكسون أو الكلورامفينيكول، فعّالة في إيقاف تكاثر النيسيريات السحائية في الدوران والسائل الدماغي الشوكي وفي المواقع الأخرى خارج الأوعية. لم يُشاهد تفاعل Jarisch-Herxheimer (بسبب سرعة انحلال الجرثوم وتحرر عديدات السكاريد الشحمية) في المرضى الذين تلقوا المضادات الحيوية، كذلك تتناقص مستويات عديدات السكاريد الشحمية ومستويات الوسائط الالتهابية الأخرى بعد المعالجة بالمضادات الحيوية بالمقادير المبينة في (الجدول 2).

الجدول (2)

المضاد الحيوي

الجرعة كل 24 ساعة

الفاصل بين الجرعات بالساعات

البالغون (غ)

الأطفال (ملغ)

Benzylpenicillin

14.4 (24×610)

200(300000وحدة/كغ)

4-6

Cefotaxime

9

200

6-8

Ceftriaxone

4

100

12-24

Chloramphenicol

3

100

6

يُعدّ كل من بنزيل البنيسيلين والسيفوتاكسيم والسيفترياكسون والكلورامفينيكول والميروبينم مضادات حيوية قاتلة للنيسيريات السحائية، ويبقى بنزيل البنيسيلين الخيار الأول في معظم البلدان، فهو فعال ورخيص الثمن والجرعات العالية غير سامة للكلية.

تناقص عدد الذراري الحساسة من بنزيل البنيسيلين بسبب البروتين الرابط للبنيسيلين، وتبلغ نسبة المقاومة أقل من 5% في معظم البلدان المتقدمة، إلا أن هذه النسبة أعلى في بلدان البحر الأبيض المتوسط؛ ولا سيما إسبانيا، وتبقى الذراري المنتجة للبنسيليناز نادرة جداً.

الكلورامفينيكول بديل جيد في المرضى الذين يتحسسون من البنيسيلين في معظم البلدان المتقدمة، يُستعمل السيفوتاكسيم أو السيفترياكسون مع الفانكومايسين علاجاً تخبرياً لالتهاب السحايا حتى يتم تعرّف العامل الممرض.

المضاعفات:

يحدث فقد السمع الحسي العصبي في 4-19% من المرضى، وهو أكثر شيوعاً في البالغين مما في الأطفال، أما الصرع واستسقاء الدماغ والأذية الدماغية المنتشرة فهي نادرة في البلدان الصناعية.

قد يستمر الصداع وتغير نموذج النوم وصعوبة التركيز والهياج والضعف العصبي في 5-8% من المرضى.

الوقاية:

اللقاح: تتوفر اللقاحات التالية:

- لقاح متقارن conjugate vaccine من عديد سكاريد المحفظة البروتينية  (A, C, Y, W).

- لقاح من عديد سكاريد المحفظة   (A, C, Y, W).

- لقاح من حويصلات الغشاء الخارجي (B) .

يُوصى بالتمنيع الروتيني بلقاح المجموعات  (A, C, Y, W) في جميع البشر المصابين بعوز مُثْبَت في عوامل المتممة. أما خارج فترة حدوث الجائحات فيُستَطب اللقاح (A  أو  C) للمجموعات ذات التماس القريب (التجمعات العسكرية، الحجاج)، والمسافرين إلى المناطق عالية الخطورة، والمرضى المستأصل طحالهم، والكحوليين.

وفي الفاشيات يُوصى باللقاح حين ظهور حالتين أو أكثر من السلالة نفسها في مدرسة أو في مراكز الرعاية اليومية، أو معدل حدوث 10 حالات لكل 100000 نسمة خلال 3 أشهر، أو حالة واحدة لكل 1000 شخص مع 3 حالات أو أكثر في المجموعات المغلقة.

أما حين حدوث الوباء فيُوصى باللقاح على نحو واسع، وذلك حين حدوث 15 حالة لكل 100000 نسمة من السكان بمدة أسبوع ولمدة أسبوعين متتاليين بالسلالة ذاتها.

الوقاية الثانوية:

يزداد خطر الإصابة في مخالطي المريض في المنزل إلى 100-1000 ضعف. ويوصى في معظم البلدان بالمعالجة لاستئصال الجرثوم في المخالطين للمريض، فيُعطى البالغون جرعة واحدة من Ciprofloxacin 500mg أو ofloxacin 400mg، وتُعطى الحوامل والأطفال أقل من 12 سنة  سيفترياكسون 250 ملغ و 125 ملغ بالترتيب، وذلك حقناً عضلياً ومرّة واحدة. ويعطى الأطفال بديلاً من هذا الريفامبيسين 10ملغ/كغ بجرعة قصوى 600 ملغ كل 12 ساعة مدة 48 ساعة.

3ً- المُوراكْسيلَّا النزليَّة

الموراكسيلات النزلية    Moraxella catarrhalisمكورات هوائية مزدوجة سلبية الغرام، عُدَّت أمداً طويلاً من القرن المنصرم من الجراثيم الرمَّامة saprophyte  في السبيل التنفسي العلوي أو المتعايشة commensal فيه، ولا تسبّب مرضاً، ولكنها أصبحت تُعدّ منذ العام 1970 عنصراً مُمْرِضاً وشائعاً لهذا السبيل. تراوح نسبة استعمارها السبيل التنفسي العلوي في العام الأول من  الحياة بين 28-100%، في حين تتراجع هذه النسبة في البالغين لتبلغ 1-10.4% أمّا الانتقال فيكون بالتماس المباشر أو بوساطة القُطَيرات المُلَوَّثة المنقولة بالهواء.

الوبائيات:

تُعدّ الموراكسيلا النزلية حكراً على الإنسان؛ مع ولعها بالاستيطان فيه في السبيل التنفسي العلوي.

يعتمد هذا الاستيطان على العمر، إذ نادراً ما يرى في الكبار الأصحاء، ولكنه يُشاهد في معظم الأطفال في السنوات الأولى من عمرهم. كذلك تختلف نسب الاستيطان في الأطفال اختلافاً جغرافياً؛ إذ بلغت النسبة 66% من أطفال نيويورك ، في حين كانت نصف هذه القيمة في أطفال غوتبرغ في السويد. وتتأثر نسب الاستيطان كذلك بعوامل أخرى مثل ظروف المعيشة والنظافة والصحة العامة والتدخين من قبل أفراد الأسرة وعوامل جينية وغيرها.

يُعد استعمال لقاح الرئويات المتَقارِن pneumococcal conjugate vaccine استعمالاً واسعاً سبباً في تَغَيُّر نمط الاستيطان الجرثومي في السبيل التنفسي العلوي وفي توزع الجراثيم التي تسبب التهاب الأذن الوسطى، ليزيد شأن الموراكسيلا النزلية باطراد.

الإمراض:

للموراكسيلات النزلية غشاء بروتيني خارجي وذيفان داخلي (عديد سكاريد شحمي) شبيه بالموجود في النيسيريات قد يكون لكليهما شأن في إحداث المرض، ولبعض ذراري الموراكسيلا أشعار pili تساعدها على الالتصاق بالظهارة التنفسية. وتنتج بعض الذراري أيضاً بروتيناً مسؤولاً عن تعطيل عمل جهاز المتمّمة.

يبدو أن الاستجابة البشرية لخمج الموراكسيلا النزلية مرتبطة بالعمر؛ إذ ترتفع الأضداد IgG  تدريجياً في الأطفال.

التظاهرات السريرية:

تعدّ الموراكسيلات النزلية من الأسباب المهمة وأكثرها شيوعاً لحدوث التهاب الأذن الوسطى الحاد في الأطفال، حيث تنتشر من البلعوم الأنفي إلى الأذن الوسطى عبر نفير أوستاش، ويسبقها غالباً إنتان ڤيروسي  بالڤيْروس المِخْلَوِي التَّنَفُّسِيّ أو بالڤيروس المضخّم للخلايا، أو بوجود حالة مُضْعِفَة مثل خَلَل التَّنَسُّجِ القَصَبِيّ الرِّئَوِيّ أو عيب الحاجز البطيني أو ابيضاض الدم أو الخداج أو الخمج بڤيروس عوز المناعة البشري HIV.  الأعراض السريرية لالتهاب الأذن الوسطى بالموراكسيلا أخف مما في الإصابة بالمكورات الرئوية. وتتميز الإصابة بالموراكسيلا بوجود الخمج المتضاعف، وصغر العمر حين التشخيص، وانخفاض نسبة انثقاب غشاء الطبل انثقاباً تلقائياً.

ومن المتلازمات الخمجية الأخرى التي تسببها الموراكسيلا التهاب الجيوب وأخماج المستشفيات؛ وقد تكون الموراكسيلات العامل المسبب لالتهاب القصبات أو ذات الرئة أو تفاقم المرض في البالغين المصابين بداء رئوي مزمن ساد COPD أو تغبّر رئة أو ربو أو خباثة رئوية أو تثبيط مناعي. يتظاهر تفاقم الأعراض بتزايد حجم القشع ، وتغير لونه إذ يصبح قيحياً، وتتزايد الزُّلة التنفسية.

لا يُعرف موقع الخمج الأولي في 46% من حالات تجرثم الدم بالموراكسيلا النزلية، ومن العوامل المؤهبة له وجود عوز مناعي أو داء رئوي مزمن ساد أو توسع قصبات أَو داء ليفي كيسي أو نقص عدلات أو ذئبة حمامية جهازية أو ابيضاض دم.

قد تسبب الموراكسيلات أيضاً التهاب الشغاف، أو التهاب السحايا أو التهاب العين في الوليد، أو التهاب المفاصل الخمجي، أو التهاب القرنية، أو عدوى السبيل البولي، أو عدوى الجروح، أو التهاب الصفاق في المرضى الموضوعين على الديال.

التشخيص:

قد تبدي الدراسة المخبرية كَثْرَة العَدِلاَت في العديد من أخماج الموراكسيلا النزلية، ويُبَيِّن تلوين غرام وجود مكورات مزدوجة diplococcus سلبية الغرام، يوضع التشخيص استناداً إلى عزل الموراكسيلا بزرع سوائل الجسم ومفرزاته، وتبدو مستعمراتها بعد 48 ساعة من الحضن- على آغار الدم أو الشوكولا- عاتمة، غير حالّة للدم، تنزلق بسهولة مما يسبب صعوبة انتشالها بوساطة العروة في المخبر. وثمّة العديد من الاختبارات السريعة المؤكّدة التي تميّز الموراكسيلا النزلية تعتمد كلّها على قدرتها على إنتاج إنزيم حلمهة البوتيرين الثلاثي tributyrin esterase، وهو دسم موجود في الحليب.

لا تستخدم الاختبارات المصلية على نحو واسع في تشخيص أخماج الموراكسيلا النزلية. ومن الثابت فائدة الأضداد المصلية المضادة لقليلات السكريد الشحمية  lipo-oligosaccharides، أو لمُسْتَضدّاتِ الغشاء الخارجية في تشخيص أخماج الموراكسيلا النزلية.

العلاج:

تُنتج قرابة 95% من الموراكسيلات النزلية البيتالاكتماز؛ أي إن المضادات الحيوية مثل البنيسيلين penicillin والأمبيسيلين ampicillin والأموكسيسيلين amoxicillin غير فعالة في معظم أخماجها. وأهم الصادات التي يُوصى بها لعلاج أخماج الموراكسيلا النزلية هي الأموكسيسيلين كلافولينات  amoxicillin clavulanate، والسيفالوسبورينات من الجيل الثالث، والتريميتوبريم-سلفاميتوكسازولTMP-SMX ، والماكروليدات مثل الكلاريتروميسين clarithromycin  والأزيتروميسين  azithromycin، والتتراسيكلين  tetracyclines، والفلوروكينولونات   fluoroquinolones.

يمكن استعمال أيٍّ من المستحضرات السابقة في العلاج التخبري لأخماج الموراكسيلا، ويعتمد اختيار المضاد الحيوي وفترة العلاج على المريض وعلى التظاهرات السريرية، مع تجنب استعمال التتراسيكلين للأطفال تحت 8 سنوات ، كذلك غالباً ما يُتجنب الفلوروكينولونات في الأطفال.

الوقاية:

قد تُفْلِح الإجراءات الوقائية العامة لضبط العدوى، وغسل اليدين الجيد، وتعقيم الأدوات والأنابيب المستخدمة في التنبيب أو مص المفرزات أو أي إجراءٍ غازٍ؛ في الوقاية من أخماج المستشفيات بالموراكسيلا النزلية أو التقليل منها. وقد يُسهِم الإقلاع عن التدخين والحماية من التدخين السلبي في تقليل حدوث الأخماج بالموراكسيلا النزلية. تعمل الأبحاث حالياً على تطوير لقاح مضاد للموراكسيلا النزلية يكون له تأثير في الوقاية من التهاب الأذن الوسطى، وعدم تفاقم أعراض الـ COPD

4ً- البورديتلا الشاهوقية

تسبب العدوى بالبورديتلا الشاهوقية  Bordetella pertussis مرض الشاهوق pertussis أو ما يسمى السعال الديكي whooping cough، وهو من الأمراض المُعْدِية الواجب الإبلاغ عنها. وهي جرثومة عصوية مكورة (عُصَوَّرة) coccobacilli  هوائية غير متحركة سلبية الغرام، تماثلها نظيرة الشاهوقية B. parapertussis التي تسبب مرضاً مشابهاً في الإنسان في ظروف خاصة جداً، وتميّز إحداهما من الأخرى بوجود اختلافات مناعية وكيميائية حيوية.

الوبائيات:

تنتشر البورديتلا بوساطة القطيرات شديدة العدوى. نسب حدوث السعال الديكي عالية جداً في الأطفال، ولكنه قد يحدث أيضاً في البالغين والكبار. ونسب المراضة والوفيات مرتفعة في الإناث أكثر من الذكور وفي الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 6 أشهر.

الإمراض:

تُنتِج البورديتلا الشاهوقية عدداً من المنتجات الحيوية الفعّالة التي لها شأن مهم في حدوث المرض:

- مُكوِّنات سطحية مثل راصة الدم الخَيطِيّة filamentous hemagglutinin، والبرتاكتين pertactin، والخَمَل fimbriae .

- ذيفانات، مثل ذيفان الشاهوق  pertussis toxin (PT)، والذيفان ناخِر الجلْد  dermonecrotic toxin (DNT)، والذيفان الخلوي الرغامي  tracheal cytotoxin (TCT)، وغيرها .

- منتجات أخرى مثل: عامل الاستعمار الحنجري و عامل مقاومة البورديتلا للقتل.

تؤثر هذه الذيفانات في دورة حياة الخلايا اللمفية، وتسهّل ارتباط الجراثيم بالخلايا التنفسية المهدّبة.

يمتد دور الحضانة 7-20 يوماً، ويستمر دور السراية ثلاثة أسابيع بعد بدء الهجمات الانتيابية النموذجية إن لم يعالج المصاب، وتنخفض مدة هذا الدور إلى 5 أيام بعد العلاج بالإريثروميسين.

المظاهر السريرية:

عرَّفت منظمة الصحة العالمية الشاهوق المدرسي (الكلاسيكي) أو الشديد بأنه سعال يستمر 21 يوماً أو أكثر، يحدث بشكل نوبات (انتيابات) فجائية  paroxysms، ترافقه شهقة whoop ثم قياء تالٍ للسعال، ويثبت التشخيص بالزرع الجرثومي. وهناك شاهوق متوسط الشدة، وهو كل مرض لا تنطبق عليه معايير المرض التقليدية، وتم إثباته مخبرياً.

يُقسَم السير السريري إلى طور نزلي، يليه طور انتيابي، ثم طور النقاهة، ويستمر المرض نحو 6-12 أسبوعاً. ويبدأ على نحو مخاتل، فيشاهد في البداية سعال مهيّج يغدو انتيابياً قد يستمر  شهراً إلى شهرين، وتتّسم النوبات بسعال عنيف متكرر يعقبه صيحة ديكية مُمَيَّزَة أو شهقة شديدة، وغالباً ما تنتهي النوبة بخروج مخاط لزج رائق متماسك، ثم يتقيأ المصاب. ولا تحدث الشهقة النموذجية في البالغين.

أهم مضاعفات المرض هي ذات الرئة بالجرثوم أو ذات الرئة الثانوية بجرثوم آخر، أو ذات الرئة الاستنشاقية، وقد تحدث ريح صدرية، أو نُفاخ. وأهم المضاعفات العصبية التخليط الذهني، واعتلال الدماغ الذي قد ينجم عن نقص الأكسجة في أثناء نوبات السعال. ومن المضاعفات الأخرى التهاب الأذن الوسطى والتجفاف والعوز الغذائي والرعاف، وقد تحدث في البالغين كسور ضلعية بسبب شدة السعال، أو ألم ظهري أو عدم استمساك بول؛ ولا سيما في النساء فوق سن الخمسين.

التشخيص:

يُشْتَبَه بالسعال الديكي حين وجود التظاهرات السريرية المذكورة آنفاً، ويتم إثباته بعزل الجرثوم المُسَّبِب من مسحات البلعوم والأنف في المرحلة النزلية والانتيابية الباكرة، بيد أن حساسية هذا الزرع ضعيفة، كما يمكن إثبات التشخيص بتحري الأضداد المناعية المصلية، أو بإجراء تفاعل سلسلة البوليميرازPCR، ولكن هذه الطرق محدودة النوعية والحساسية.

يجب تفريق الشاهوق عن نظير الشاهوق وعن الأسباب الجرثومية والڤيروسية الأخرى لالتهاب السبيل التنفسي العلوي.

المعالجة:

الإريثروميسين erythromycin هو الصاد المختار في علاج المصابين ووقاية المخالطين، وتبدو الماكروليدات الحديثة فعّالة وأكثر تحملاً من الإريثروميسين، ويُعدّ الكوتريموكسازول فعّالاً أيضاً. وتؤدي المعالجة في الطور النزلي إلى تراجع المرض وإنقاص أمد السراية. أمّا المعالجة في طور الهجمات الانتيابية فتقتصر على التقليل من قابلية عدوى الآخرين.

الوقاية:

حدثت جائحتان للشاهوق في الأعوام 77/79 و 81/83، وذلك بعد الهبوط الشديد في نسب التغطية ببرامج التلقيح من 80% إلى 30% ؛ بسبب ربط اللقاح بإحداث أذيات دماغية. ولكن عادت نسب التغطية باللقاح لتلامس 95%.

يطبق التمنيع الفاعل بلقاح ثلاثي مؤلف من معلق الجراثيم المقتولة وذيفانات toxoid الخناق والكزاز، وتعطى ثلاث جرعات من اللقاح بعمر 2 و4 و6 أشهر، مع إعطاء جرعة مُعَزِّزَة بعمر 12- 15 شهراً وجرعة حين دخول المدرسة؛ لأن المناعة الناجمة عن اللقاح تتضاءل مع الوقت.

تتوفّر حالياً لقاحات مركّبة تتألف من اللقاح الثلاثي ولقاح المستدمية النزلية-النمط ب Hib . أما التمنيع المنفعل فغير فعّال

وتوصلت المراجعة المنهجية التي أجريت عام 2007 إلى خلاصة تفيد بعدم وجود براهين كافية تؤكد فائدة الصادات الوقائية لمخالطي مرض الشاهوق.

 

 

                                                                           

 


التصنيف : الأمراض الخمجية
النوع : الأمراض الخمجية
المجلد: المجلد الرابع عشر
رقم الصفحة ضمن المجلد : 83
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 561
الكل : 31765936
اليوم : 41397