logo

logo

logo

logo

logo

أمراض القلب الرئوية

امراض قلب ريويه

cardiopulmonary diseases - maladies cardiopulmonaire



أمراض القلب الرئوية

ندى الصباغ

القلب الرئوي

الفيزيولوجية المرضية

الأسباب

العلاج 

 ارتفاع الضغط الرئوي

العلاج

العلاج التداخلي والجراحي

 

 

 أولاً- القلب الرئوي

يعرّف القلب الرئوي cor pulmonale بأنه التبدل في بنية البطين الأيمن ووظيفته الناجم عن الآفات التي تصيب بدئياً الجملة التنفسية والتي تؤدي إلى ارتفاع في الضغط الشرياني الرئوي.

القلب الرئوي مرض شائع ويحدث تالياًً للعديد من الآفات الرئوية وخاصة الداء الرئوي الانسدادي المزمن (COPD) chronic obstructive pulmonary disease، ويكون عادةً ذا سير مزمن ومترقٍ ببطء، غير أن القلب الرئوي الحاد قد يحدث تالياَ للارتفاع الشديد في الحمل التِّلْوي الرئوي. ويعدّ القلب الرئوي السبب الثالث للمراضة والوفيات القلبية في البلدان المتطورة.

من الصعب تقييم مدى انتشار القلب الرئوي ونسبة حدوثه بين الأفراد المصابين بآفات نقص الأكسجة الرئوية ذوي الخطورة، ولكنه يعدّ حالياً من أهم أسباب المراضة والوفيات في البلاد المتطورة، وربما يعود ذلك إلى ارتباطه الوثيق بالداء الرئوي الانسدادي المزمن وبالتدخين. ويراوح طيف القلب الرئوي السريري من تبدلات طفيفة في وظيفة البطين الأيمن إلى قصور بطين أيمن صاعق، ويقدر أنه مسؤول عن 10-30% من قبولات المستشفيات لقصور القلب.

الفيزيولوجية المرضية

هناك عدة آليات فيزيولوجية مرضية مختلفة يمكن أن تؤدي إلى ارتفاع ضغط رئوي تالٍ للآفات الرئوية وبشكل لاحق إلى القلب الرئوي، ومن هذه الآليات: 

- التقبض الوعائي الرئوي الناجم عن نقص الأكسجة السنخية أو الحُماض الدموي، وهذا يؤدي إلى سوء وظيفة البطانة الوعائية الرئوية، ومن ثم إلى تبدلات بنيوية في السرير الوعائي الرئوي، يليها ارتفاع المقاومة الرئوية الوعائية.

- الانضغاط أو التخريب التشريحي للسرير الوعائي الرئوي التالي لآفات رئوية مثل النُّفاخ الرئوي وآفات الرئة الخلالية والصمّات الخثارية الرئوية.

 - زيادة اللزوجة الدموية. 

التبدلات الفيزيولوجية المرضية في الجملة القلبية الوعائية في القلب الرئوي المزمن:

البطين الأيمن حجرة رقيقة الجدران، يعمل مضخة حجمية أكثر من كونه مضخة ضغطية، وبالتالي يتكيف على نحو أفضل مع تغيرات الحمل القبلي مما هو مع تغيرات الحمل التّلْوي. ولذا فمع زيادة الحمل التلوي المزمنة التالية لزيادة المقاومة الوعائية الرئوية يتوسع  البطين الأيمن ويتضخم ويزيد من ضغطه الانقباضي حتى يصل إلى مرحلة تؤدي فيها زيادة الضغط الشرياني الرئوي إلى انكسار في معاوضة البطين الأيمن، وزيادة ضغط الانبساط للبطين الأيمن، وارتفاع في ضغط الأذينة اليمنى ومن ثم قصور بطين أيمن. إن الفترة الفاصلة بين حدوث ارتفاع في الضغط الرئوي وقصور البطين الأيمن غير معروفة، وقد تختلف من مريض إلى آخر. ولكن هناك علاقة بين شدة ارتفاع الضغط الرئوي وسرعة تطور قصور البطين الأيمن. يؤدي النقص في نتاج البطين الأيمن إلى نقص في الحجم الانبساطي للبطين الأيسر وبالتالي إلى نقص في نتاج البطين الأيسر. وبما أن الشريان الإكليلي الأيمن المروي للجدار الحر للبطين الأيمن ينشأ من الأبهر؛ فإن نقص نتاج البطين الأيسر يُنقص الجريان الدموي للشريان الإكليلي الأيمن وبالتالي تنقص التروية الإكليلية للبطين الأيمن. يؤدي فرط الحمل الحجمي للبطين الأيمن إلى انزياح الحجاب بين البطينين باتجاه البطين الأيسر. ويعدّ هذا الانزياح عاملاً إضافياً في نقص حجم البطين الأيسر ونتاجه. وهكذا تبدأ دارة معيبة ما بين نقص نتاج البطين الأيسر والبطين الأيمن.

التبدلات الفيزيولوجية المرضية في الجملة القلبية الوعائية في القلب الرئوي الحاد:

يستجيب البطين الأيمن للزيادة الحادة في المقاومة الوعائية الرئوية بالتوسع مع زيادة في الحجوم الانقباضية والانبساطية من دون ارتفاع في الضغط الانقباضي (لا يزيد الضغط الانقباضي للبطين الأيمن على 40 ملم زئبق). وإذا لم يستطع البطين الأيمن المعاوضة على نحو كاف ازداد ضغطه في نهاية الانبساط وحدث قصور البطين الأيمن الحاد.

الأسباب

يحدث القلب الرئوي نتيجة لإصابة في الجملة الوعائية الرئوية. وتكون هذه الإصابة إمّا بدئية كما في الصمّات الرئوية المتكررة وداء الخلايا المنجلية والتهاب الأوعية الرئوية والداء الرئوي الوريدي الساد والتقبض الوعائي المرافق للسكن في المرتفعات وارتفاع الضغط الرئوي البدئي؛ وإما ثانوية تالية للعديد من الآفات الرئوية التي تصيب الأسناخ الرئوية أو الخلال الرئوي.

وتصنف الآفات الرئوية المحدثة للقلب الرئوي في:

1- الآفات المحددة للجريان، وأكثرها شيوعاً الداء الرئوي الانسدادي المزمن وانسداد القصبات المزمن.

2- الآفات الرئوية الحاصرة سواء الخارجية المنشأ أم المتنية (البرنشيمية).

3- آفات اضطراب التبادل الغازي نتيجة سوء التحكم المركزي بالتهوية أو ما يطلق عليه القصور التنفسي المركزي المنشأ. 

يعدّ الداء الرئوي الانسدادي المزمن السبب الأكثر شيوعاً للقلب الرئوي المزمن؛ إذ إنه يؤلف 60-80% من أسباب حالات القلب الرئوي المزمن في البلدان المتطورة، وهو يشمل كلاً من التهاب القصبات الانسدادي المزمن والنُّفاخ الرئوي، وغالباً ما يوجد تشارك بينهما بدرجات مختلفة. ويعد ارتفاع الضغط الرئوي المضاعفة القلبية الوعائية الرئيسية المصادفة في الداء الرئوي الانسدادي المزمن، ويكون الضغط الرئوي التالي للآفات الرئوية مرتفعاً إذا تجاوز الضغط الرئوي الوسطي في أثناء الراحة 20ملم زئبق.

 يتطور ارتفاع الضغط الرئوي والقلب الرئوي ببطء لدى مرضى الداء الرئوي الانسدادي المزمن، لكنه يشير إلى إنذار سيئ؛ إذ تبلغ نسبة البقيا 5 سنوات لدى هؤلاء المرضى  مع ضغط رئوي سوي 72%؛ في حين تبلغ 49% إذا كان الضغط الرئوي مرتفعاً. يزداد حدوث القلب الرئوي في مرضى الداء الرئوي الانسدادي مع ترقي الانسداد في الطرق التنفسية. وقد أشارت الدراسات إلى أن نقص الضغط الجزئي للأكسجين الشرياني Pao2 إلى أقل من 55 ملم زئبق ونقص حجم الزفير القسري إلى أقل من 50% من قيمته المتوقعة مؤشران على تطور الآفة الرئوية إلى القلب الرئوي. وتزداد نسبة حدوث القلب الرئوي كلما ازداد النقص في حجم الزفير القسري؛ فهي 40% إذا كان هذا الحجم أقل من لتر واحد وتصبح 70% إذا  نقص إلى ما دون 0.6لتر.

ومن الآفات الحاصرة يشكل التليف الرئوي المجهول السبب والجَنَف الحُدابي kyphoscoliosis وتغبُّر الرئة الأسباب الرئيسية للقلب الرئوي. أما متلازمة نقص التهوية المسمّاة متلازمة بيكويك فهي السبب الأشيع من أسباب القصور التنفسي المركزي لحدوث  القلب الرئوي.

آفات الجملة التنفسية المرافقة لارتفاع الضغط الرئوي والقلب الرئوي:

1- آفات الرئة الانسدادية:

الداء الرئوي الانسدادي المزمن (التهاب القصبات الانسدادي المزمن والنُّفاخ الرئوي)، والربو القصبي، والتليف الكيسي، وتوسع القصبات.

2- آفات الرئة الحاصرة: 

 الآفات العصبية العضلية (التصلب الجانبي الضموري ،اعتلال العضلات ،شـلل الحجاب المزدوج الجانب)، الجَنَف الحُدابي، تغبُّر الرئة، الرأب الصدري، عقابيل التدرن الرئوي، الغرناوية، التهاب الأسناخ التحسسي الخارجي، آفات النسيج الضام، التليُّف الرئوي الخلالي المجهول السبب.

3- القصور التنفسي المركزي المنشأ:

نقص التهوية السنخية المركزي، متلازمة نقص التهوية، متلازمة توقف التنفس في أثناء النوم.

التظاهرات السريرية

يتظاهر القلب الرئوي عادة بحال مزمن، لكن هناك حالتان تسببان قلباً رئوياً حاداً:

1- الصمّة الرئوية الكتلية، وهي الحالة الأكثر شيوعاً، سواء كانت صمّة خثارية أم شحمية أم هوائية أم غير ذلك.

2- متلازمة الكرب التنفسي الحاد.

إن التظاهرات السريرية للقلب الرئوي هي لا نوعية عادة، وربما كانت الأعراض مخادعة وخاصة في المراحل الباكرة من المرض. وقد يشكو المريض التعب وتسرع التنفس والزلة الجهدية والسعال الجاف أو المنتج. كما قد يعاني الألم الصدري الخناقي بسبب نقص تروية البطين الأيمن ولا يستجيب للنترات، وقد يكون سببه الشدّ على الشريان الرئوي. ويحدث نفث الدم نتيجة لتمزق الشرينات الرئوية المتوسعة أو المتصلبة. ونادراً ما تحدث البحة بسبب انضغاط العصب الحنجري الراجع بالشرايين الرئوية المتوسعة. كما قد يرى طيف من الأعراض العصبية (صداع، تخليط ذهني، نعاس شديد) بسبب نقص نتاج القلب ونقص الأكسجة الدموية وزيادة ثنائي أكسيد الكربون. ويحدث في المراحل المتقدمة الاحتقان الكبدي التالي لقصور البطين الأيمن الشديد؛ مما قد يؤدي إلى القَمه والانزعاج وحس الامتلاء في المراق الأيمن واليرقان. ويحدث الغشي الجهدي في الآفات المتقدمة ويعكس عدم القدرة النسبية على زيادة نتـاج القلب في أثناء الجهد ومـا يليه من هبوط في الضغط الجهازي. وتظهر الوذمة المحيطية عند حدوث قصور بطين أيمن. وقد تحدث تظاهرات حادة للقلب الرئوي تبدو بحصول تردٍ في عوز الأكسجين الدموي مع فرط الكربمية، وتتظاهر سريرياً بأعراض قصور بطين أيمن حاد.

الموجودات السريرية

تلاحظ زيادة محيط الصدر والتنفس القسري مع شدّ جدار الصدر وانتباج أوردة العنق مع سيطرة موجات a و vوقـد يشاهد الزُّراق. وبإصغاء الرئتين قد يسمع الوزيز والخراخر علامات على الآفة الرئوية المستبطنة، والرفعة خلف القص (ضخامة البطين الأيمن)، وانقسام الصوت الثاني مع احتداد في المركّب الرئوي، ونفخة انقباضية دفعية مع تكة قذفية حادة في البؤرة الأمامية، ونفخة قصور رئوي، وصوت ثالث أو رابع أيمن، ونفخة قصور الصمام ثلاثي الشرف. كما أن الجَزْر الكبدي الوداجي والكبد النابضة هي من علامات قصور البطين الأيمن والاحتقان الوريدي. ويحدث  الحَبَن في الآفات المتقدمة.

الاستقصاءات المخبرية والشعاعية

1- الفحوص المخبرية:

تبدأ المقاربة العامة لتشخيص القلب الرئوي وتحديد سببه بالفحوص المخبرية المنوالية؛ وقد يتطلب استقصاء السبب بعض الفحوص المخبرية الخاصة مثل معايرة المستوى المصلي لألفا 1- أنتي تريبسين حين الشك في عوزها، وكشف الأضداد المضادة للنواة (ANA)  في آفات النسيج الضام، ومعايرة البروتين S والبروتين C، والأنتي تروبين III، والعامل ليدن الخامس، والأضداد المضادة للكارديوليبين، والهوموسيستين، ومعايرة الببتيد الطارح للصوديوم. وتقدم معايرة غازات الدم الشرياني معلومات مهمة حول مستوى الأكسجة ونمط الاضطراب الحامضي - القلوي.

2- تخطيط كهربائية القلب:

يعكس التخطيط ضخامة البطين الأيمن وإجهاده، ونوعيته جيدة لكن حساسيته منخفضة. ومعايير ضخامة البطين الأيمن هي:

- S < R  في VI.

- R في  7 <VI ملم.

- R في S +VI في  10 <V6 ملم.

- موجة P الرئوية (زيادة سعة الموجه P في الاتجاه II، III، avf).

- حصار الغصن الأيمن التام أو غير التام.

- نقص في ڤولطية مركباتQRS  في حالات النُّفاخ الرئوي.

 إن اضطرابات النظم شائعة في القلب الرئوي، وخصوصاً تسرعات القلب فوق البطينية ومنها: التسرع الأذيني الاشتدادي، والتسرع الأذيني متعدد البؤر والرجفان الأذيني والرفرفة الأذينية atrial flutter  وتسرّع القلب الوصلي. وتكون الآفة الرئوية المستبطنة عادة هي المثير لهذه النظميات.

3- صورة الصدر الشعاعية:

يلاحظ توسع في الشرايين الرئوية المركزية إذ يكون قطر الشريان الرئوي الأيمن أكبر من 16ملم، وتتظاهر ضخامة البطين الأيمن وتوسعه بزيادة القطر المعترض للقلب مما يعطي القلب منظراً كروياً على الصورة الخلفية الأمامية، ويؤدي إلى امتلاء في المسافة خلف القص على الصورة الجانبية. إن اختبار وظائف الرئة مستطب أحياناً لكشف الآفات الرئوية السادة أو الخلالية.

4- الصدى القلبي:

يصعب عادةً إجراء الصدى القلبي بسبب انتفاخ الصدر، وقد تظهر الحاجة إلى الصدى عبر المريء لإتمام الاستقصاء. يُظهر الصدى ثنائي البعد علامات زيادة الحمل الحجمي على البطين الأيمن وضخامة البطين الأيمن والحركة التناقضية للحجاب بين البطينين في أثناء الانقباض. ومع تقدم المرض يحدث توسـع في البطين الأيمن، وفي المراحل المتقدمة الشديدة قد يحدث اندفاع للحجاب بين البطينين نحو البطين الأيسر في أثناء الانبساط. كما يساعد الدوبلر على تقييم شدة ارتفاع الضغط الرئوي من خلال قصور ثلاثي الشرف وقياس سرعة القصور .

5- الاستقصاءات الشعاعية الأخرى:

يستطب إجراء تفريسة التهوية - التروية والتصوير الومضاني للبطين الأيمن والتصوير الطبقي المحوسب للصدر والتصوير الطبقي المحوسب فائق الميز والرنين المغنطيسي كلها أو بعضها لكشف السبب المستبطن للقلب الرئوي وتقييم وظيفة البطين الأيمن.

6- القثطرة القلبية:

هي الطريقة الأدق في تشخيص ارتفاع الضغط الرئوي وتقييم شدته، وتسـتطب في حال عدم كفاية الصدى في تقييم شدة ارتفاع الضغط الرئوي؛ كما تستطب لتقييم إمكانية تراجع الضغط الرئوي المرتفع عند العلاج بموسعات الأوعية، وكذلك في وجود استطباب لقثطرة الجانب الأيسر من القلب.

7- خزعة الرئة:

وتُجرى أحياناً لتحديد السبب المحدث للقلب الرئوي.

العلاج 

1- العلاج الدوائي: 

يرتكز العلاج الدوائي في القلب الرئوي المزمن عموماً على علاج الآفة الرئوية المستبطنة وتحسين الأكسجة ووظيفة البطين الأيمن بتحسين قلوصيته وإنقاص التقبض الوعائي الرئوي .

والمقاربة في الحالات الحادة مختلفة وتعطى الأفضلية لحفظ استقرار المريض. ويجري تقديم الدعم القلبي الرئوي للمرضى مع قلب رئوي حاد وقصور بطين أيمن حاد بإعطاء السوائل والمقبضات الوعائية للحفاظ على الضغط الدموي. كما يجب تصحيح المشكلة البدئية إن أمكن ذلك؛ ففي حالة الصمّة الرئوية الكتلية مثلاً يجب إعطاء مضادات التخثر والعوامل الحالّة للخثار أو الاستئصال الجراحي للصمة.

يتضمن العلاج الدوائي:

أ- الأكسجين: إن للعلاج بالأكسجين أهمية كبيرة لدى مرضى الداء الرئوي الانسدادي المزمن (COPD) خاصةً، ويعدّ إعطاؤه المستمر العلاج المختار حين وجود نقص في الأكسجة الدموية. وفي القلب الرئوي يكون الضغط الجزئي للأكسجين الشرياني (Pao2) منخفضاً، وقد يزيد انخفاضه مع الجهد وفي أثناء النوم. يحسّن العلاج بالأكسجين نقص الأكسجة الدمويّة، والتقبض الوعائي الرئوي وبالتالي يتحسن نتاج القلب . كما أنه ينقص التقبض الوعائي الودي ويخفف نقص الأكسجة النسيجية ويحسن تروية الكلية. وقد أثبتت الدراسات أن إعطاء الأكسجين المستمر المنخفض الجريان للمصابين بالداء الرئوي الانسدادي المزمن الشديد يؤثر على نحو واضح في نسبة الوفيات. وبصفة عامة إن العلاج بالأكسـجين الطويل الأمـد مستطب لدى مرضى هذا الداء إذا كان الضغط  الجزئي للأكسجين الشرياني أقل من 55 ملم زئبق، أو كان إشباع الأكسجين O2 أقل من 88%. كما يستطب حتى لو كان الضغط الجزئي للأكسجين أعلى من 55 ملم زئبق حين وجود قلب رئوي مع علامات عصبية أو ذهنية أو قصور بطين أيمن شديد. كما يعطى هذا العلاج في حالات نقص الأكسجة في أثناء النوم أو الجهد حتى وإن كان الضغط الجزئي للأكسجين أعلى من 55 ملم زئبق في أثناء الراحة.

ب- المدرّات: تستعمل المدرّات في تدبير القلب الرئوي المزمن وخاصةً حينما يكون حجم امتلاء البطين الأيمن مرتفعاً ارتفاعاً ملحوظاً، أو حين تُرافق القلبَ الرئوي الوذمةُ المحيطية. وتُحدث المدرّات تحسناً في وظيفة البطين الأيمن والأيسر، ولكن يجب الانتباه للتأثيرات الجانبية للمدرّات مثل نقص البوتاسيوم والقُلاء الاستقلابي ونقص الحجم وبالتالي نقص نتاج القلب وربما إثارة  اللانظميات القلبية، ولذلك يجب استعمالها بحذر.

ج- الموسعات الوعائية: تم تأكيد فعالية استخدامها الطويل الأمد في تدبير القلب الرئوي المزمن. إن حاصرات قنيات الكلسيوم- ولاسيما النيفيديبين nifedipine الفموي المديد التأثير والديلتيازيم diltiazem - تخفض الضغط الرئوي مع أنها أكثر فعالية في ارتفاع الضغط المجهول السبب منه في الأشكال الأخرى.

تبلغ جرعة النيفيديبين المديد التأثير10-30ملغ ثلاث مرات يومياً، ويمكن زيادتها حتى 120-180ملغ/يوم. أما جرعة الديلتيازيم فهي 30-60ملغ /يوم من الشكل المديد التأثير، ويمكن الوصول إلى جرعة 90-120ملغ/يوم. وقد تم تجريب الموسـعات الوعائية الأخرى مثل مقلدات بيتا والنترات ومثبطات الإنزيم المحول للأنجيوتنسين في مرضى الداء الرئوي الانسدادي المزمن، ولكن لم تثبت فائدتها لهم عامة، ويجب الابتعاد عن استعمالها منوالياً.

تخفض مقلدات بيتا الانتقائية المقاومة الوعائية الرئوية، ولها ميزة إضافية هي التوسع القصبي وحلّ المخاط. ويحسن إعطاء التربوتالين terbutaline وظيفة البطين الأيمن ونتاج القلب، ويتميز السالبوتامول salbutamol بتأثيرٍ مقو إيجابي وخاصيةٍ موسعة وعائية في الدوران الرئوي والجهازي.

أما موسّعات الأوعية من زمرة مماثلات البروستاسيكلين مثل: الإيبوبروستينول epoprostenol والتريبروستينيل treprostinil  أو من مضادات الإندوثلين -1 مثل البوزنتان bosentan أو مثبطات الفسفودايستراز ومنها السلدينافيل sildenafil فلا توجد معطيات كافية عن فوائدها العلاجية للمصابين بالداء الرئوي الانسدادي المزمن.

إن إعطاء الغليكوزيدات القلبية كالديجوكسين لهؤلاء المرضى ما يزال موضع جدل ولم تثبت فائدتها. وقد يستفاد من تناولها في قصور البطين الأيسر، ولكن يجب اسـتعمالها بحذر في وجود حُماض أو نقص أكسجة دموية لأنها قد تحرض اللانظميات القلبية، ويجب استبعادها في حالات القصور التنفسي الحادة.

أما الثيوفيلين theophylline فإضافة إلى تأثيره الموسع القصبي فإنه ينقص المقاومة الوعائية الرئوية والضغط الرئوي  لدى مرضى القلب الرئوي المزمن التالي للداء الرئوي الانسدادي المزمن. كما أن له تأثيراً إيجابياً في القلوصية، وهو يحسّن وظيفة البطين الأيمن والأيسر. والنتيجة هي أن استعمال الثيوفيلين مستطب بوصفه علاجاً مساعداً في تدبير القلب الرئوي المزمن المعاوض وغير المعاوض، ولاسيما إن كان السبب هو الداء الرئوي المذكور، ويمكن إعطاؤه وريدياً أو عن طريق الفم.

ويستطب وصف مضادات التخثر لمرضى القلب الرئوي التالي للصمّات الخثارية الرئوية، أو إذا كان ارتفاع الضغط الرئوي المجهول هو السبب المستبطن للداء الرئوي الانسدادي المزمن.

2- العلاج الجراحي:

تستطب الفصادة لمرضى القلب الرئوي المزمن مع نقص أكسجة مزمن واحمرار دم ثانوي إذا كان الهيماتوكريت أكثر من 5% وخصوصاً إن لم يتحسن نقص الأكسجة بالعلاج المناسب الطويل الأمد بالأكسجين أو في حالات انكسار المعاوضة.

ولا يوجد علاج جراحي لأغلب الآفات المسببة للقلب الرئوي المزمن. وقد يكون استئصال الصمّة فعالاً في الصمّات الرئوية الكبيرة أو المؤدية إلى ارتفاع ضغط رئوي؛ كما قد يعدّ زرع الرئة الحل النهائي لعديد من الآفات المسببة للضغط الرئوي مثل: النُّفاخ الرئوي والتليّف الرئوي المجهول السبب والتليّف الكيسي.

الإنذار

يتعلق إنذار القلب الرئوي بالآفة الرئوية المستبطنة، غير أن حدوث ارتفاع في الضغط الشرياني الرئوي والقلب الرئوي ذو تأثير سيئ في الإنذار لدى مرضى الآفات التنفسية. إن قصور البطين الأيمن السريري ينقص من البقيا ومن الاستفادة من العلاج في القلب الرئوي. وإن لشدة ارتفاع الضغط الرئوي علاقة مباشرة بالإنذار؛ إذ يكون الإنذار سيئاً في وجود ارتفاع شديد في الضغط الرئوي. كما أن استجابة الضغط الرئوي للعلاج الطويل الأمد المستمر بالأكسجين يحسن الإنذار لدى مرضى الداء الرئوي الانسدادي المزمن.

 ثانياً- ارتفاع الضغط الرئوي

تعد الجملة الوعائية الرئوية جملة عالية الجريان، منخفضة الضغط والمقاومة بحيث تستطيع استيعاب كامل نتاج البطين الأيمن بضغط يعادل خُمس الضغط الجهازي. كما يعد البطين الأيمن الرقيق الجدار مضخة حجمية أكثر من كونه مضخة ضغطية.

ويقرَّر وجود ارتفاع الضغط الرئوي pulmonary hypertension (PH) حينما يكون الضغط الوسطي للشريان الرئوي أعلى من 25 ملم زئبق في أثناء الراحة و 30 ملم زئبق في الجهد؛ أو إذا كان الضغط الانقباضي للشريان الرئوي في الراحة أعلى من 35 ملم زئبق (علماً أن الضغط الوسطي الطبيعي للشريان الرئوي هو نحو 14 ملم زئبق، والحد الأعلى الطبيعي هو 19 ملم زئبق).

ينجم ارتفاع الضغط الرئوي عن مجموعة من الآفات المحدِثة لتبدلات مترقية في السرير الوعائي الرئوي، ونتيجتها زيادة المقاومة الوعائية تدريجياً، وبالتالي زيادة المعاوقة لقذف البطين الأيمن. وتؤدي هذه الزيادة في الحمل التِّلْوي للبطين الأيمن إلى إجهاد هذا البطين ومن ثم قصوره والوفاة.

تصنيف ارتفاع الضغط الرئوي

كان ارتفاع الضغط الرئوي يقسم في السابق إلى شكلين: بدئي وثانوي؛ إذ يشير مصطلح «ارتفاع الضغط الرئوي البدئي» إلى ارتفاع الضغط الرئوي المجهول السبب، ويشير مصطلح «ارتفاع الضغط الرئوي الثانوي» إلى حالات ارتفاع الضغط الرئوي الناجمة عن آفات أخرى، سواء قلبية أم رئوية أم خارج قلبية، أم مرافقة لها، وهي الحالات الأكثر مصادفة في الممارسة السريرية. أما الآن فهناك تصنيف جديد وضعته منظمة الصحة العالمية يستند إلى التشابه في الآليات المرضية والصورة السريرية، ويضم خمس مجموعات (الجدول 1):

الجـدول- 1 التصنيف السريري لارتفاع الضغط الرئوي

     1- ارتفاع الضغط الرئوي الشرياني:

     1- 1 المجهول السبب.

     1- 2 العائلي.

     1- 3 المترافق بـ:

              1-3-1 آفات الغراء الوعائية.

              1-3-2 التحويلات الولادية الجهازية – الرئوية.

              1-3-3 فرط الضغط البابي.

              1-3-4 الخمج بفيروس العوز المناعي البشري (HIV).

              1-3-5 الأدوية والسموم.

              1-3-6 أمراض أخرى (أمراض الدرق، آفات خزن الغليكوجين، داء غوشر، اعتلالات الخضاب، أمراض النقي التكاثرية، استئصال الطحال، توسع الشعيرات النزفي الوراثي).

    1- 4 المترافق بإصابة وريدية أو شعيرية هامة.

             1-4-1 الداء الرئوي الوريدي الساد.

             1-4-2 الورم الوعائي الدموي الشعري الرئوي.

         1- 5 ارتفاع الضغط المستمر لدى الوليد.

 

2- ارتفاع الضغط الرئوي مع آفات القلب الأيسر:

     2- 1 آفات الأذينة اليسرى أو البطين الأيسر.

     2- 2 آفات القلب الصمامية اليسرى.

3- ارتفاع الضغط الرئوي المترافق بالآفات الرئوية و/ أو نقص الأكسجة:

     3- 1 الداء الرئوي الانسدادي المزمن.

     3- 2 آفات الرئة الخلالية.

    3- 3 أمراض النوم التنفسية.

    3- 4 أمراض نقص التهوية السنخية.

    3- 5 التعرض المزمن للارتفاعات الشديدة.

4- ارتفاع الضغط الرئوي الناجم عن الخثار المزمن و/ أو الآفات الصمامية:

    4- 1 الانسداد الخثاري الصمّي للشرايين الرئوية القريبة.

    4- 2 الانسداد الخثاري الصمّي للشرايين الرئوية البعيدة.

    4- 3 الصمات الرئوية غير الخثارية (الأورام، الطفيليات، الأجسام الغريبة).

5-   متفرقات:

الساركويد، داء النوسجات، الأورام اللمفاوية الوعائية، الانضغاط الخارجي للأوعية الرئوية (الاعتلال العقدي، الأورام، التهاب المنصف التليفي).

التصنيف حسب تعديلات المؤتمر الثالث لارتفاع ضغط الدم الرئوي الذي عقد في البندقية، إيطاليا عام 2003

 

 المجموعة الأولى:

ارتفاع الضغط الرئوي الشرياني، وهي تضم عدة مجموعات فرعية منها:

1- ارتفاع الضغط الرئوي المجهول السبب، وهو ما كان يسمى سابقاً ارتفاع الضغط البدئي، وفيه لا يمكن إيجاد سبب يفسر ارتفاع الضغط الرئوي لدى هذه المجموعة من المرضى.

2- ارتفاع الضغط الرئوي العائلي، والعامل الوراثي فيه سائد. يتشابه هذا الشكل في سيره الطبيعي والشكل المجهول السبب من ارتفاع الضغط الرئوي، لكن المصابين أصغر سناً، والداء أكثر شدة مع تعاقب الأجيال، ويوضع التشخيص على نحو أبكر.

3- ارتفاع الضغط الرئوي المرافق لــ:

- آفات النسيج الضام.

 - الأدوية والسموم. ومن الأدوية المذكورة في هذا المجال تلك الكابحة للشهية مثل: الأمينوريكس والفينفلورامين، والأمفيتامينات والميتاأمفيتامينات، والكوكائين، وأدوية العلاج الكيمياوي، ومانعات الحمل الفموية، والعلاج بالإستروجين.

- التحويلات shunts الولادية الجهازية- الرئوية.

- فرط التوتر البابي.

- آفات أخرى: ومثالها آفات الدرق وأدواء خزن الغليكوجين واعتلالات الخضاب وغيرها.

4- الآفات المرافقة لإصابة وريدية أو شعيرية مميزة:

- الداء الرئوي الوريدي السادّ.

- الورم الوعائي الدموي الشعري الرئوي.

5- ارتفاع الضغط الرئوي المستمر لدى الوليد.

المجموعة الثانية:

ارتفاع الضغط الرئوي الوريدي، وتضم هذه المجموعة آفات القلب الأيسر والآفات الصمامية اليسرى. ينجم ارتفاع الضغط الرئوي في هذه المجموعة عن إعاقة العود الوريدي الرئوي كما يحدث في سوء وظيفة البطين الأيسر وآفات الصمام التاجي والصمام الأبهري. وتتوجه المعالجة في هذه المجموعة نحو تحسين أداء العضلة القلبية وعلاج الآفات الصمامية أكثر من استخدام الموسعات الرئوية.

المجموعة الثالثة:

وتشمل حالات ارتفاع الضغط الرئوي الناجم عن آفات الرئة أو عن نقص الأكسجة. والسبب الأساسي لارتفاع الضغط الرئوي في هذه المجموعة هو نقص كفاية أكسجة الدم الشرياني نتيجة لآفات الرئة الخلالية، أو سوء التحكم في التنفس، أو آفات نقص التهوية السنخية، أو نتيجة السكن في مناطق مرتفعة مدة طويلة. يكون ارتفاع الضغط الرئوي في هذه المجموعة معتدلاً، وتعتمد البقيا على شدة الآفة الرئوية أكثر من اعتمادها على الدينميات الرئوية.

المجموعة الرابعة:

هي مجموعة حالات ارتفاع الضغط الرئوي الناجم عن آفات خثارية و/أو صمّية، وتتضمن انسداد الشرايين الرئوية القريبة أو البعيدة بالصِّمات الخثارية أو غير الخثارية الناجمة عن أورام أو طفيليات أو أجسام غريبة.

المجموعة الخامسة:

وهي مجموعة المتفرقات، وتضم الأمراض التي تصيب الشجرة الوعائية الرئوية على نحو مباشر مثل داء المنشقّات الدموية والساركويد، كما تشمل حالات الانضغاط الخارجي للأوعية الرئوية بالأورام أو بالعقد اللمفاوية أو بالتهاب المنصف التليّفي.

الإمراضيات والفيريولوجية المرضية

إمراضية ارتفاع الضغط الرئوي معقدة وغير مفهومة جيداً حتى الآن، والتبدلات النسيجية المرضية هي نهاية الطريق المشترك للأذية البطانية. (الشكل1).

الشكل (1)

إن الجملة الوعائية الرئوية هي الهدف المنتقى لإمراضية ارتفاع الضغط الرئوي. تبدأ الحدثية المرضية بأذية البطانة وسوء وظيفة الخلايا البطانية إما تلقائياً نتيجة استعداد مورثي وإما عقب التعرض لمثير ما؛ الأمر الذي يؤدي إلى تكاثر الخلايا البطانية والخلايا العضلية وزيادة إنتاج الإندوثلين المقبض الوعائي القوي. ويحدث خلل واضطراب في وظيفة قنوات البوتاسيوم المنظمة لڤولطية الخلايا العضلية الملساء؛ مما يبدل كمون الغشاء الخلوي على الراحة، ويزيد الكلسيوم داخل الخلوي، ويحرر عدداً من الوسائط الالتهابية، ويحدث الخثار في الموضع in situ في الشرايين الرئوية الصغيرة نتيجة للاضطراب في وظيفة الصفيحات وفي تفعيلها، مع وجود حالة مؤهبة للخثار. ويفضي ذلك إلى اعتلال شرينات رئوي ضخامي أو خثاري. وقد تنتهي التبدلات المرضية السابقة بظهور الآفات الضفيرية الشكل التي هي الآفات التشريحية المرضية الوصفية للداء الوعائي الرئوي. والنتيجة هي تخرب عدد كبير من الشرايين الرئوية وازدياد المقاومة الوعائية الرئوية وتطور ارتفاع ثابت ومترقٍ في الضغط الرئوي.

الصورة السريرية

إن ارتفاع الضغط الرئوي مرض قاتل ومخادع، وأغلب حالاته فرادية، وتبلغ نسبة حالاته العائلية 10% فقط. ولا توجد فروق عرقية في نسب الحدوث، وهو أكثر حدوثاً لدى النساء من الرجال ومتوسط عمر الإصابة نحو 36 سنة.

يكون الداء قد صار متقدماً حين ظهور أعراضه، وغالباً ما تنقضي فترة 3 سنوات بين بدء الأعراض والتشخيص.

وإذا ترك المريض من دون علاج تحدث الوفاة غالباً في أقل من 5 سنوات. إن الأعراض لانوعية، وبما أن المصابين يفعان عادةً يتم تجاهل المرض من قبل المريض والطبيب معاً. وأكثر الأعراض شيوعاً هي:

- الزلة التنفسية: وتصادف في 70% من المرضى، ولكن مع ترقي المرض تحدث الزلة لدى المرضى كافة، ويبدأ ظهورها مع الجهد أولاً، ثم مع الراحة أيضاً.

- التعب: ويظهر هذا العرض نتيجة انعدام القدرة على زيادة نتاج القلب مع الجهد.

- الغشي وقبل الغشي: ويصادف لدى 13% من المرضى، وهو أحد الأعراض المميزة، ويبدأ بالظهور في أثناء الجهد نتيجةً لنقص في الجزء المقذوف من البطين الأيمن وزيادة ضغط الشريان الرئوي في أثناء الجهد.

- الألم الصدري: يظهر لدى 40% من المرضى بسبب نقص تروية البطين الأيمن نتيجةً لضخامته، وهو يماثل تماماً الألم الخناقي الناجم عن داء الشرايين الإكليلية.

- نفث الدم: وهو عرض نادر لكنه قد يؤلف تهديداً للحياة، وينجم عن تمزق الأوعية الدموية الرئوية المتمددة، أو تالياً للاحتشاءات الرئوية بالصِّمات الخثارية.

- البحة: وهي عرض يسببه انضغاط العصب الحنجري الراجع الأيسر بالشريان الرئوي المتوسع.

- الوذمة المحيطية والانزعاج الشرسوفي والحَبَن: وتبدو هذه الأعراض متأخرة حين حدوث قصور البطين الأيمن، وتبدأ بالظهور في أثناء الجهد ثم في أثناء الراحة.

- ظاهرة رينو: وتصادف في 2-10% من مرضى ارتفاع الضغط الرئوي، ولكنها أكثر شيوعاً في حالات الضغط الرئوي المرافقة لآفات النسيج الضام.

ومن واجب الطبيب ألا يغفل عن أعراض الآفات الأخرى التي يرافقها ارتفاع الضغط الرئوي، وكذلك عن سؤال المريض عن تناوله أدوية قد تكون عامل خطورة في حدوث ارتفاع الضغط الرئوي.

الفحص السريري

يمكن للفحص السريري أن يظهر بعض العلامات التالية أو كلها وذلك تبعاً لدرجة ارتفاع الضغط الرئوي، ووجود قصور في البطين الأيمن أو غيابه.

- موجة أ (a) كبيرة في النبض الوريدي الوداجي، وهي ناجمة عن ضخامة البطين الأيمن.

- صغر حجم نبض الشريان السباتي.

- رفعة خلف القص وسببها ضخامة البطين الأيمن.

- نبضان انقباضي في الورب الثاني أيسـر القص، ناجم عن نبضان الشريان الرئوي المتوسع المتوتر.

- تكة قذفية مع نفخة انقباضية جريانية في البؤرة الرئوية.

- انقسام ضيق للصوت الثاني مع احتداد المركّب الرئوي.

- صوت رابع أيمن.

- ظهور متأخر لعلامات قصور البطين الأيمن مثل ضخامة الكبد الاحتقانية والوذمة المحيطية والحبن.

- صوت ثالث أيمن.

- موجة V كبيرة نتيجةً لقصور الصمام ثلاثي الشرف بين مرضى ارتفاع الضغط الرئوي الشديد.

- نفخة انبساطية عالية اللحن ناجمة عن قصور الصمام الرئوي.

- نفخة انقباضية شاملة زمن الانقباض في قصور ثلاثي الشرف الشديد.

- حدوث الزّراق متأخراً بسبب النقص الشديد في نتاج القلب والتقبض الوعائي المحيطي وفقدان التناسب بين التهوية والتروية في الرئة.

- علامات الآفات الأخرى التي يرافقها ارتفاع الضغط الرئوي، مثل تبقرط الأصابع وظاهرة رينو والطفح الجلدي والآلام المفصلية في تصلب الجلد وقصة مرض كبدي مزمن في ارتفاع الضغط البابي وقصة مرض قلبي وعائي والسعال في أمراض الرئة الخلالية وغيرها.

وقد وضعت منظمة الصحة العالمية تصنيفاً للحالة الوظيفية لمرضى ارتفاع الضغط الرئوي لتحديد مرحلة المرض (الجدول 2).

الصف الأول

المرضى من دون أي تحدد للفعالية الفيزيائية المألوفة (لا تسبب الفعالية الفيزيائية المألوفة زلة أو تعباً أو ألماً صدرياً أو غشياً).

الصف الثاني

المرضى مع تحدد خفيف للفعالية الفيزيائية المألوفة.
(تبدو حالتهم حسنة في أثناء الراحة
غير أن الفعالية الفيزيائية الاعتيادية تسبب لهم زلة أو تعباً أو ألماً صدرياً أو غشياً).

الصف الثالث

المرضى مع تحدد واضح للفعالية الفيزيائية المألوفة. (تسبب أية فعالية فيزيائية من جانبهم حدوث زلة أو تعب أو ألم صدري أو غشي).

الصف الرابع

المرضى العاجزون عن القيام بأية فعالية فيزيائية دون أعراض، أو الذين لديهم علامات قصور البطين الأيمن. (قد توجد الأعراض خلال الراحة وتزداد لدى أي جهد فيزيائي).

(الجدول 2) التصنيف الوظيفي لمنظمة الصحة العالمية لمرضى ارتفاع ضغط الدم الرئوي.

 

إن السير الطبيعي لارتفاع الضغط الرئوي مميت، وعلى الرغم من وجود مدة كمون صامتة للمرض؛ فحينما تبدأ الأعراض بالظهور تترقى بسرعة في مدة 6- 24 شهراً، وعندما يحدث قصور البطين الأيمن تقع الوفاة بين 6 شهور وسنتين. إن السبب الأشيع للوفاة هو قصور البطين الأيمن المترقي الذي تبلغ نسبته 47%، كما يحدث الموت المفاجئ في 26% من حالات مرضى الصف الرابع من التصنيف الوظيفي الآنف الذكر.

الاختبارات التشخيصية

1- تخطيط كهربائية القلب:

يبدو مخطط كهربائية القلب طبيعياً في المراحل الباكرة من المرض، ثم تظهر ضخامة البطين الأيمن (87%). ومع تقدم المرض يشيع حدوث انحراف المحور نحو الأيمن (79%) وتوسع الأذينة اليمنى. تكون النسبة R/S في الاتجاه VI أكثر من واحد مع موجة R طويلة في الاتجاه VI. وقد يلاحظ وجود حصار غصن أيمن تام أو غير تام (الشكل2).

الشكل (2) الموجودات التخطيطية الكهربائية القلبية

2- صورة الصدر الشعاعية:

الشكل (3) العلامات الشعاعية لارتفاع الضغط الرئوي

تقدم صورة الصدر الشعاعية الخلفية الأمامية والجانبية بعض المعلومات المفيدة في ارتفاع الضغط الرئوي، لكن حساسيتها ونوعيتها منخفضتان. وتبدو هذه الصورة غير سوية في 90% من الحالات حين التشخيص. وهي تظهر طبيعية عندما يكون ارتفاع الضغط الرئوي خفيفاً، وحينما يصبح ارتفاع الضغط الرئوي معتدلاً يلاحظ وجود توسع في الشريان الرئوي الأصلي والشرايين الرئوية القريبة المركزية مع نقص ملحوظ في التروية في المحيط. وتؤدي ضخامة الأذينة اليمنى والبطين الأيمن إلى ضخامة كروية في ظل القلب (الشكل3). وتكون الساحتان الرئويتان عادة صافيتين، ويشير ظهور آفة متنية (برنشيمية) رئوية منتشرة إلى أنها السبب المحتمل لارتفاع الضغط الرئوي.

3- تخطيط صدى القلب:

يعد تخطيط الصدى القلبي قيّماً جداً بوصفه وسيلة تشخيصية غير باضعة لاستقصاء حالة المريض بارتفاع الضغط الرئوي. يقدِّر الصدى عبر الصدر الضغط الرئوي ويعطي معلومات مهمة عن أسباب الضغط الرئوي ونتائجه. واعتماداً على كشف قصور (قَلَس) ثلاثي الشرف وقياس سرعة القصور يمكن قياس الضغط الرئوي الانقباضي على نحو تقريبي باستخدام معادلة برنولي Bernoulli. كما يكشف الصدى توسع الأذينة اليمنى والبطين الأيمن، ويقيّم وظيفة البطين الأيمن وحركة الحجاب التناقضية التالية لارتفاع ضغط البطين الأيمن المزمن.

ويفيد الصدى القلبي أيضاً في تشخيص الآفات القلبية الولادية والتحويلات الجهازية الرئوية وآفات القلب الأيسر، سواء آفات العضلة القلبية أم آفات الصمام التاجي؛ وغيرها التي قد تسبب ارتفاع الضغط الرئوي. كما يفيد في تقييم وظيفة البطين الأيسر وأقطار الوريد الأجوف السفلي وكشف الانصباب التأموري الذي يعد من علامات الإنذار السيئة.

وفي الحالات المتقدمة، إن لبقاء الثقبة البيضوية مفتوحة تأثيراً في التدبير العلاجي، ومن السهل كشف بقائها مفتوحة بوساطة الصدى عبر الصدر أو عبر المريء.

4- القثطرة القلبية:

تبقى القثطرة القلبية حجر الزاوية في تشخيص ارتفاع الضغط الرئوي؛ إذ لا يمكن تأكيد التشخيص من دونها. ولا تقتصر فائدتها على كونها وسيلة تشخيصية بل تتعدى ذلك إلى تقييم شدة المرض والإنذار والاستجابة للعلاج.

يمكن في أثناء القثطرة القلبية قياس الضغوط القلبية والمقاومة الوعائية الرئوية، كما يجرى اختبار الارتكاس الوعائي الرئوي. يقوم الاختبار على إعطاء الموسعات الوعائية قصيرة الأمد ومراقبة الاستجابة الديناميكية. يقاس نتاج القلب وضغط الشريان الرئوي قبل إعطاء الموسع الوعائي وفي أثنائه. ويكون الاختبار إيجابياً إذا انخفض الضغط الوسطي للشريان الرئوي < 10 ملم زئبق، أو إذا انخفضت المقاومة الوعائية الرئوية بمقدار 30% من دون تغير في نتاج القلب أو بزيادته. وبصفة عامة يكون الاختبار إيجابياً في 10-15% من مرضى ارتفاع الضغط الرئوي. وتنبئ إيجابية الاختبار باستجابة جيدة للعلاج طويل الأمد بالجرعات العالية من محصرات قنوات الكلسيوم الفموية؛ إذ يمكن استعمال هذه الزمرة الدوائية بأمان في مرضى هذه المجموعة فقط. وتحمل إيجابية اختبار الارتكاس الوعائي إنذارَ بقيا جيداً لديهم.

5- اختبار وظائف الرئة وقياس غازات الدم الشرياني:

يجرى اختبار وظائف الرئة في التقييم الأولي لمريض ارتفاع الضغط الشرياني الرئوي ابتغاء نفي آفات الرئة المتنية (البرنشيمية) أو آفات الطرق الهوائية بوصفها سبباً لارتفاع هذا الضغط. ويغلب أن تكون وظائف الرئة طبيعية في مرضى ارتفاع ضغط الدم الرئوي المجهول السبب. وحين الشك في أن آفات النسيج الضام هي السبب في ارتفاع الضغط الرئوي؛ فإن نقص سعة الانتشار الرئوي لأحادي أكسيد الكربون (DLCO) هو من أول العلامات الموجهة لارتفاع الضغط الرئوي لدى هؤلاء المرضى، وخصوصاً مرضى صلابة الجلد. وإذا كان النقص شديداً فالإنذار سيئ عادةًً. وفي قياس غازات الدم الشـرياني يكون الضغط الجزئي للأكسجين الشرياني (Pao2) سوياً أو منخفضاً قليلاً، ويكون الضغط الجزئي لثنائي أكسيد الكربون (Paco2) منخفضاً بسبب فرط التهوية السنخية.

تظهر اختبارات وظائف الرئة وقياس غازات الدم الشرياني نتائج توجه إلى معرفة ما إذا كان ارتفاع ضغط الدم الرئوي ناجماً عن آفات الطرق الهوائية الانسدادية أو نُفاخ الرئة أو آفات الرئة الخلالية أو أمراض النوم التنفسية.

6- اختبار المشي ست دقائق:

يعد اختبار المشي ست دقائق أكثر اختبارات الجهد استعمالاً في مرضى ارتفاع الضغط الرئوي. وهو اختبار موضوعي يفيد في تقييم شدة الداء والاستجابة للعلاج الدوائي والإنذار، وله قيمة توقعية للبقيا ويرتبط عكسياً مع التصنيف الوظيفي. يتميز هذا الاختبار بسهولة التنفيذ وقلة التكاليف وانعدام الحاجة إلى معدات أو فريق خاص لإجرائه.

يقيس هذا الاختبار المسافة التي يستطيع المريض مشيها في ست دقائق مع قياس إشباع الأكسجين الشرياني وغاز ثنائي أكسيد الكربون، وقياس الاستهلاك الأعظمي للأكسجين في أثناء الاختبار بغية تقييم درجة الاستجابة للعلاج. إن نقص إشباع الأكسجين حتى < 10% في أثناء اختبار المشي ست دقائق يشير إلى ارتفاع خطر الوفيات ثلاثة أضعاف، كما ينخفض احتمال بقيا المرضى الذين تقل مسافة المشي عندهم عن 322 متراً.

7- تفريسة التروية - التهوية:

الشكل (4) صورة طبقية محورية للصدر لمريض لديه ارتفاع ضغط رئوي تُظهر توسعاً في الشرايين الرئوية المركزية والشريانين الرئويين الأيمن والأيسر مع ساحة رئوية نيرة.

إن إجراء هذا الاختبار أمر أساسي لكل المرضى الذين تم تشخيص ارتفاع الضغط الرئوي حديثاً لديهم. وتكون التفريسة سوية عند مرضى ارتفاع الضغط الرئوي المجهول السبب. وهي تعد أفضل وسيلة لتشخيص مرض الصِّمات الخثارية المزمن، إذ تبدو تفريسة التروية - التهوية غير سوية؛ فالمناطق القطعية أو الفصية المرواة بالشرايين المسدودة بالصِّمات تظهر ناقصة التروية في حين تكون ترويتها سوية في الأحوال الطبيعية. وحينما تكون التفريسة طبيعية يمكن نفي وجود هذا الداء وليس هناك مسوّغ لإجراء استقصاءات إضافية.

8- تقنيات التصوير المختلفة:

إن التصوير المقطعي المحوسب، والتصوير بالرنين المغنطيسي، والتصوير المحوسب الحلزوني مع تباين أو من دونه اختبارات لا تُجرى منوالياً لجميع المرضى، وإنما يوضع استطباب إجراء أحدها تبعاً لحالة المريض، وهي اختبارات آمنة حتى لمرضى ارتفاع الضغط الرئوي الشديد.

تعطي هذه الاختبارات معلومات تشريحية عن الشجرة الوعائية الرئوية وحجم البطين الأيمن وشكله ووظيفته. ويفيد التصوير بالرنين المغنطيسي مع التباين في كشف التحويلات القلبية والصِّمات الرئوية والاضطرابات داخل اللمعة في الشرايين والأوردة الرئوية. كما ينجح التصوير المحوسب الحلزوني في تشخيص مرض الصِّمات الخثارية المزمن (الشكل 4). ويفيد التصوير الطبقي المحوسب فائق الميز في كشف الآفات الرئوية المتنية (البرنشيمية) كالتليف الرئوي والنُّفاخ الرئوي وغيرها من الآفات المنصفية.

9- الاختبارات الدموية:

يجب أن تجرى لكل مريض التحاليل الدموية المنوالية كالتعداد الدموي العام، وتعداد الصفيحات واختبار وظيفتها، واختبارات التخثر ووظائف الدرق، والاختبارات الخاصة بأمراض النسيج الضام كأضداد الفسفوليبيد والأضداد المضادة للنواة (ANA) وأضداد الكارديوليبين وأضداد الذئبة المضادة للخثار، إضافة إلى اختبارات كشف ڤيروس العوز المناعي البشري. كما يجب معايرة الببتيد الدماغي الطارح للصوديوم (BNP) الذي ترتفع مستوياته لدى مرضى ارتفاع الضغط الرئوي وترتبط طردياً بضغط الشريان الرئوي، ويجب معايرته عند التشخيص ومن ثم دورياً؛ إذ إن لتغير عياره في أثناء سير المرض والعلاج قيمة إنذارية.

العلاج

إن علاج ارتفاع ضغط الدم الرئوي معقد ويتضمن خيارات قليلة ودقيقة. وقد حصل حديثاً تطور هائل في علاجه الدوائي؛ إذ أدت الدراسات السريرية التي أجريت في السنوات الأخيرة إلى تغير واضح في خطة العلاج بعد إثبات فعالية عدد من الأدوية الجديدة التي أصبحت في متناول كثير من المرضى.

أولاً- تدابير عامة:

تهدف التدابير العامة إلى تجنب الظروف والعوامل الخارجية التي تؤثر سلبياً في مريض ارتفاع الضغط الرئوي.

1- الفعالية الفيزيائية: يجب تجنب الفعالية الفيزيائية المؤدية إلى حدوث الزلة التنفسية أو تفاقمها على نحو حاد، أو التي تسبب الغشي أو الألم الصدري؛ كما يجب تحاشي الفعالية الفيزيائية بعد الوجبات أو في البرد أو الحر الشديدين.

2- السفر والارتفاع: ينصح بتفادي نقص الأكسجة المرافق لنقص الضغط الجوي الذي يبدأ على ارتفاع بين 1500- 2000 م. وبما أن الطائرات التجارية تحلق دوماً على ارتفاع يراوح بين 1600- 2500م؛ إذن: يجب تزويد مرضى ارتفاع الضغط الرئوي بالأكسجين في أثناء السفر بالطائرة.

3- الوقاية من الأخماج: إن مرضى ارتفاع الضغط الرئوي مؤهبون للإصابة بذات الرئة التي تسبب الوفاة في 7% من الحالات. والأخماج الرئوية سيئة التحمل في هؤلاء المرضى ويجب كشفها وعلاجها بسرعة، كما يجب الانتباه لخمج القثطرة الوريدية المركزية المستعملة في التسريب الوريدي للإيبوبروستينول epoprostenol. ويستطب إعطاء اللقاحات الوقائية لمرضى ارتفاع الضغط الرئوي كلقاح النزلة الوافدة (الإنفلونزا) ولقاح ذات الرئة بالمكورات الرئوية.

4- الحمل: يرافق الحمل والولادة خطر انكسار المعاوضة القلبية والوفاة، ولذا يستطب إنهاء الحمل باكراً في حال حدوثه، وخصوصاً إذا كان لدى الحامل آفات قلبية ولادية مزرقة أو متلازمة آيزنمنغر. وتتفاوت نسبة الوفيات الوالدية بين مريضات ارتفاع الضغط الرئوي في أثناء الولادة بين 30 -50%. وهناك من يرى ضرورة منع الحمل بالوسيلة المناسبة في كل مريضات ارتفاع الضغط الرئوي؛ باللجوء إلى مانعات الحمل الخالية- أو المنخفضة المحتوى- من الإستروجين لاجتناب تاثيراته المؤهبة للخثار.

5- مستوى الهيموغلوبين: إن مرضى ارتفاع الضغط الرئوي حساسون جداً لأي نقص في مستوى الهيموغلوبين. لذا يجب علاج أي فقر دم عندهم مهما يكن خفيفاً. ومن جهة أخرى إن لدى المرضى مع نقص أكسجة طويل الأمد- ولاسيما المرضى مع تحويلة يمنى ــــ يسرى- احمرار دم ثانوياً ومستوى عالياً من الهيماتوكريت. وتستطب الفصادة إذا كان عيار الهيماتوكريت < 65% مع وجود أعراض مرافقة (صداع، نقص تركيز) ابتغاء إنقاص التأثيرات الجانبية لفرط اللزوجة.

ثانياً- العلاج الدوائي:

1- مضادات التخثر الفموية:

يستند الاستعمال المنوالي لمضادات التخثر الفموية في مرضى ارتفاع الضغط الرئوي إلى وجود عوامل خطورة متعددة لديهم منها: قصور القلب والصِّمات الخثارية الوريدية ونمط الحياة الخامل والتبدلات الخثارية في الدوران الرئوي. يجب إعطاء المرضى مضادات التخثر الفموية مع الانتباه لخطر النزف المرافق لها. فعلى سبيل المثال يزداد هذا الخطر حين إعطاء المميعات لمرضى ارتفاع الضغط الرئوي المرافق لآفات النسيج الضام، كما يرتفع خطر حدوث نفث دموي بين مرضى آفات القلب الولادية مع تحويلات داخل قلبية، ويشتد خطر النزف المعدي المعوي بين مرضى ارتفاع الضغط الرئوي البابي  بسبب وجود دوالي المريء ونقص تعداد الصفيحات. ويجب إعطاء مضادات التخثر الفموية لجميع مرضى فرط الضغط الرئوي المعالجين بالتسريب الوريدي المزمن للإيبوبروستينول - في حال غياب أي مضادّ استطباب - بسبب خطر الخثار المرافق للقثطرة. وتراوح INR الهدف عند إعطائها بين 2-3.

2- الديجوكسين:

يستطب إعطاء الديجوكسين في قصور البطين الأيمن المترقي، وفي حال حدوث رجفان أذيني أو رفرفة أذينية لدى مرضى فرط الضغط الرئوي لإبطاء الاستجابة البطينية. 

3- المدرات:

إن علاج مرضى ارتفاع الضغط الرئوي بالمدرات مستطب حين حدوث قصور بطين أيمن؛ إذ إن  المدرات ذات  فائدة واضحة في تخفيف الأعراض وتحسين الحالة السريرية في هؤلاء المرضى. كما تفيد المدرات حين وجود قصور شـديد في الصمام ثلاثي الشرف مع فرط حمل حجمي. وقـد يحتاج المرضى مع احتقان وريدي شـديد إلى استعمال جرعات عالية من مدرات العروة. وتؤدي مضادات الألدوستيرون (السبيرونولاكتون spironolactone) دوراً مهماً في العلاج الدوائي؛ إذ لوحظ أن مستويات الألدوستيرون العالية يرافقها سـوء وظيفة البطانة وضخامة البطين وزيادة الوفيات الناجمة عن أسباب  قلبية، ولهذا  فإن إعطاء مضادات الألدوستيرون مستطب.

4- المعالجة بالأكسجين:

يلاحظ لدى معظم مرضى ارتفاع الضغط الرئوي المجهول السبب نقص أكسجة خفيف في أثناء الراحة. وقد يزداد نقص الأكسجة في أثناء الجهد وبالتالي يستفيد هؤلاء المرضى من إعطاء الأكسجين مؤقتاً. أما المصابون بقصور قلب أيمن شديد وبنقص أكسجة في أثناء الراحة فيجب علاجهم بإعطاء الأكسجين باستمرار للحفاظ على إشباع أكسجين شرياني نحو 90%. إن إعطاء الأكسجين لمرضى ارتفاع الضغط الرئوي مع تحويلة يمنى- يسرى يقلل من حاجتهم  إلى الفصادة ومن العقابيل العصبية. ويستفيد  مرضى ارتفاع الضغط الرئوي الناجم عن آفات رئوية خلالية أو متنية (برنشيمية) جيداً من المعالجة الدائمة بالأكسجين.

5 - محصرات قنوات الكلسيوم:

تراجع دورها في العلاج بعد ظهور الأدوية الحديثة، ويسـتفيد منها المرضى الذين يكون اختبار الارتكاس الوعائي لديهم إيجابياً ونسبتهم 10-15% من مرضى ارتفاع ضغط الدم الرئوي المجهول السبب. وتظهر بين نصف هؤلاء فقط استجابة سريرية للعلاج الطويل الأمـد بـهذه الأدوية. ولا ينصح باستعمالها في المرضى سلبيي الاختبار بسبب تأثيراتها السلبية الشديدة المحتمل حدوثها. ولوحظ أن50% من المرضى الموضوعين على هذه المحصرات بحاجة إلى علاج إضافي في أثناء سير المرض بسبب حدوث تردٍ في حالتهم السريرية.

إن الصنفين الأكثر استعمالاً من محصرات قنوات الكلسيوم هما النيفيديبين nifedipine والديلتيازيمdiltiazem  ويتم الانتقاء بينهما بحسب سرعة القلب. فإذا كان القلب بطيئاً يفضل النيفيديبين؛ أما إذا كان سريعاً فالديلتيازيم هو الخيار المفضل. وجرعات هذه الأدوية عالية عموماً، فهي 120-240 ملغ/يومياً من النيفيديبين، و240-720 ملغ يومياً من الديلتيازيم. ومن الطبيعي البدء بالجرعات الصغيرة، مثلاً: 30  ملغ من النيفيديبين بطيء التحرر مرتين يومياً أو 60 ملغ من الديلتيازيم  ثلاث مرات يومياً، وتجري زيادتها بحذر وتدريجياً في مدة أسـابيع حتى بلوغ الجرعة العظمى التي يمكن تحمُّلها. إن العوامل المحددة لزيادة الجرعة هي هبوط الضغط الجهازي ووذمة الأطراف السفلية، وليست هناك تقارير حول فاعلية وتحمل الجرعات الفعالة من الجيل الجديد من هذه الأدوية كالأملوديبين amlodipine والفيلوديبين felodipine.

6- البروستاسيكلينات التركيبية ومماثلات البروستاسيكلين:

تنتج البروستاسـيكلينات بصفة أساسية من الخلايا البطانية، وتحدث توسـعاً وعائياً قوياً في السرير الوعائي كله. وتعدّ هذه المركبات من مثبطات تجمع الصفيحات الداخلية الأقوى، وتملك أيضاً فعالية مضادة للتكاثر الخلوي. تستعمل البروستاسيكلينات في علاج ارتفاع الضغط الرئوي، وقد أصبحت تمثل حجر الزاوية في هذا العلاج. وهناك حتى الآن أربعة مماثلات للبروستاسيكلين تم إجراء تجارب سريرية عليها، وأصبحت قيد التطبيق العلاجي حالياً وهي:

أ- الإيبوبروستينول :epoprostenol يمثل الصف الأول من مماثلات البروستاسيكلين، وأثبتت الدراسات فعاليته في معالجة مرضى ارتفاع الضغط الرئوي المجهول السبب وارتفاع الضغط الرئوي المرافق لآفات أخرى مثل صلابة الجلد والذئبة الحمامية الجهازية وأدواء الغراء الأخرى وداء غوشر والخمج بڤيروس العوز المناعي البشري. كما أنه فعّال عند الأطفال سواء المصابون بارتفاع الضغط الرئوي المجهول السبب أم المرافق لآفات قلبية ولادية مع تحويلات جهازية رئوية تمّ إصلاحها أو لم يتم. ولكن لم تثبت فعاليته في مرضى ارتفاع الضغط الرئوي المرافق لداء الصّمات الرئوية الخثارية.

إن نصف عمر الدواء قصير (نحو 3-5 دقائق)، ويحلُّ في محلول خاص ومن ثم يعطى تسريباً وريدياً مع الاحتفاظ به بارداً في أثناء التسريب. كما يجب إعطاؤه بقثطرة مركزية وفي مدة 8 ساعات. تبلغ الجرعة البدئية 2-4 نانوغرام/كغ/د، وتُزاد الجرعة بسرعة تحددها التأثيرات الجانبية. والجرعة الهدف بعد 2-4 أسابيع من بدء المعالجة هي قرابة 10-15 نانوغرام/كغ/د، وتُزاد الجرعة دورياً. ويبدي أغلب المرضى اسـتجابة إيجابية بجرعة تتفاوت بين 20-45 نانوغرام/كغ/د. إن تأثيراته الجانبية شائعة وخصوصاً مع الاستعمال المزمن، ومنها: التبيّغ وألم الفك والصداع وألم الظهر والإسهال والتقلصات المعوية والغثيان وألم القدم والساق، ونادراً هبوط الضغط الشرياني ومتلازمة السرقة لدى مرضى الداء الإكليلي. وترتبط  نسـبة حدوث الأعراض الجانبية بهجومية زيادة الجرعة. وإذا كانت هذه الأعراض شديدة فقد يتطلب الأمر تخفيض الجرعة فترة للسيطرة عليها. وهناك تأثيرات جانبية متعلقة بجهاز إعطاء الدواء (المضخة والقثطرة الوريدية) مثل سوء وظيفة المضخة والخمج مكان القثطرة، وانسداد القثطرة وخثارها والصدمة الإنتانية. وقد يؤدي إيقاف الدواء فجأة إلى ظاهرة الارتداد rebound، وبالتالي إلى ارتفاع الضغط الرئوي بشدة وإلى تردّي الأعراض السريرية وربما الوفاة.

ب- التريبروستينيل:treprostinil  هو من مماثلات البروستاسيكلين وذو تأثيرات مشابهة للإيبوبروستينول، والفرق بينهما هو ثباته الكيميائي في درجة حرارة الغرفة وانحلاله بمحاليل فيزيولوجية ونصف عمره الأطول (نحو 3-4 ساعات). تسمح خصائصه الدوائية بإعطائه تسريباً مستمراً تحت الجلد، إضافة إلى إمكان إعطائه وريدياً. ترتبط تأثيراته العلاجية بالجرعة المعطاة؛ إذ هناك علاقة مباشرة بين الجرعة والتحسن العلاجي. 

تبلغ جرعة البدء 1-2 نانوغرام/كغ/د، وتُزاد تدريجياً حتى بلوغ الجرعة الهدف وهي 50-80 نانوغرام/كغ/د. ومن الشائع حدوث الألم مكان الحقن وقـد يكون شديداً يستدعي استعمال المسكّنات أو مضادات الالتهاب غير الستيروئيدية، وربما مضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقة  مع تبديل مكان الحقن. وقـد تظهر ضرورة إيقاف العلاج في 8% من الحالات. ويمكن ببساطة التحول من الإعطاء الوريدي إلى الإعطاء تحت الجلد أو بالعكس، وبالجرعة نفسها.

ج- البيرابروست :beraprost هو الدواء الفموي الأول الثابت كيميائياً والمتوفر من مماثلات البروستاسيكلين، ويمتص سريعاً من دون طعام، ويبلغ ذروة تأثيره بعد 30 دقيقة، ويعطى 4 مرات يومياً بجرعة وسطية  مقدارها 80 ميكروغرام.

د- الإيلوبروست iloprost: هو من المماثلات الكيميائية الثابتة للبروستاسيكلين،  متوفر فموياً ووريدياً وإرذاذاً. وللشكل الإرذاذي منه ميزة التأثير الانتقائي في الدوران الرئوي، وجرعته 2.5-5  ميكروغرامات  يدوم  تأثيرها بين 45-60 دقيقة، وعدد جرعاته 9-12 يومياً، ومدة كل منها 5-15 دقيقة وذلك تبعاً للجهاز المستعمل. إن أكثر التأثيرات الجانبية مشاهدة  هي السعال والتبيّغ والصداع.

7- مضادات مستقبلات الإندوثلين (الببتيد البطاني)-1:

إن الإندوثلين-1 هو ببتيد ينتج أساسياً من الخلايا البطانية الوعائية، ويتصف بأنه مقبض وعائي قوي، كما أنه وسيط لتغير البنية في الأوعية الرئوية. يرتبط الإندوثلين -1 بنمطين من المستقبلات هما ETA  و ETB، يوجد أولهما في الخلايا العضلية الملساء في حين يتوضّع الثاني في كل من الخلايا البطانية والخلايا العضلية الملساء. يتواسط تفعيلُ مستقبلات ETA و ETB في الخلايا العضلية الملساء التقبض الوعائي والتأثيرات المغيرة لبنية الإندوثلين -1؛ في حين يسهل تفعيل مستقبلات ETB البطانية تصفية الإندوثلين -1 وتفعيل تحرر أكسيد النتريك والبروستاسيكلين. وتتوافر حالياً ثلاثة من مضادات مستقبلات الإندوثلين -1 لمعالجة مرضى ارتفاع الضغط الرئوي هي:

أ- البوزنتان bosentan: مضاد إندوثلين -1 غير انتقائي يحصر كلاً من مستقبلات ETA و ETB، وهو المشتق الفموي التركيبي الأول المرخص استعماله في علاج ارتفاع الضغط الرئوي. ومن المألوف ظهور النتائج التالية لاستعماله في مدة 6-12 أسبوعاً. وإذا لم تظهر في أثناء هذه المدة فيجب إيقافه. يعطى فموياً بجرعة بدئية مقدارها 62.5ملغ مرتين يومياً مدة 4 أسابيع، ثم تزاد إلى 125ملغ مرتين يومياً، وهي الجرعة الموصى بها عادة، ويمكن بلوغ جرعة 250ملغ مرتين يومياً.

من أهم تأثيراته الجانبية اضطراب وظائف الكبد، وهو متعلق بالجرعة بصفة عامة، ويحدث لدى 10-14% من المرضى، ويتظاهر بارتفاع إنزيمات ناقلات الأمين الكبدية، ويزداد هذا الارتفاع حينما تصل الجرعة إلى 250 ملغ مرتين يومياً، ويتراجع بإيقاف الدواء أو إنقاص الجرعة. ولهذا يجب فحص وظائف الكبد شهرياً في أثناء استعماله. وفي حال ارتفاع الإنزيمات حتى ثلاثة أضعاف يوصى بإنقاص الجرعة. وإذا ارتفعت أكثر من خمسة أضعاف يفضل إيقاف العلاج مؤقتاً حتى عودة القيم الطبيعية. أما إذا بلغت ثمانية أضعاف فيجب إيقاف العلاج على نحو دائم. وقد ُيحدث البوزنتان وذمة محيطية خفيفة، وفقر دم بسيط، كما قد يؤدي إلى ضمور خصية وعقم لدى الرجال. ويعدّ البوزنتان مضاد استطباب في أثناء الحمل ويجب نفي الحمل تماماً قبل البدء باستخدامه.

ب- المضادات الانتقائية لمستقبلات الإندوثلين-A: يسمح حصر المستقبلات ETA بمتابعة الفعالية المميزة لمستقبلات ETB ، ومن هذه المحصرات السيتاكسنتانsitaxsentan  الذي يعطى فموياً بجرعة تراوح بين 100-300 ملغ مرة واحدة يومياً. ومن تأثيراته الجانبية ارتفاع إنزيمات الكبد، وضمور الخصية والعقم لدى الرجال. كما أن له تأثيراً مشوهاً للأجنة، ويتداخل مع الوارفارين، ولذا يجب إنقاص جرعة الوارفارين حين تناوله.

8-  مثبطات الفوسفودايستراز:

يؤدي الغوانوزين 3 - 5 وحيد الفسفات الحلقي (cGMP) دوراً مهماً في تنظيم مقوية العضلات الملس الوعائية بوساطة عمله كمحفز في سلسلة من التفاعلات الخلوية التي تتواسط التوسع الوعائي. يقوض الفوسفودايستراز الـ cGMP سريعاً. ويوجد نمطه الخامس طبيعياً بكثرة في النسيج الرئوي. وقد لوحظ توافره بمستويات أعلى من الطبيعي لدى مرضى ارتفاع الضغط الرئوي المزمن. ومن المثبطات الفموية القوية والانتقائية للفسفودايستراز يذكر السيلدينافيل sildenafil الذي تبلغ جرعته البدئية 25 ملغ ثلاث مرات يومياً، ويمكن زيادتها حتى 75-100ملغ ثلاث مرات يومياً. غير أن تأثيره الجانبي الأهم هو هبوط الضغط الجهازي، إضافة إلى الصداع والاحتقان الأنفي. وقد ذكر حدوث تبدلات في الرؤية، ومنها الرؤية الضبابية وتبدل الألوان حين تناول جرعات عالية منه.

ثالثاً- العلاج التداخلي والجراحي:

1- بضع الحجاب الأذيني بالبالون:

لوحظ أن بقاء الثقبة البيضوية مفتوحة يقدم فائدة البقيا عند مرضى ارتفاع الضغط الرئوي الشديد. وإن خزع الحجاب الأذيني بالبالون وإحداث تحويلة يمنى - يسرى عبر الفتحة المصطعنة بين الأذينتين يخفف الضغط عن البطين الأيمن والأذينة اليمنى، ويحسِّن مباشرةً من أعراض قصور البطين الأيمن ويزيد نتاج القلب. ويتم عادةً اللجوء إلى هذا الإجراء في الحالات المتقدمة الشديدة حين حدوث غشي متكرر أو قصور بطين أيمن شديد معند على العلاج الدوائي. ويعدّ إجراؤه بمنزلة جسر ملطف بانتظار زرع الرئة.

2- استئصال خثرات بطانة الشريان  الرئوي:

تعدُّ هذه المقاربة الخيار العلاجي الانتقائي لدى مرضى فرط الضغط الرئوي الخثاري الصمّي المزمن القابل للجراحة؛ إذ إنه يحسّن الدينميات الدموية والتصنيف الوظيفي والبقيا لدى أفراد مجموعة المرضى هذه.

  3- زرع الرئة:

يستطب زرع الرئة أو زرع القلب والرئة  في مرضى الدرجة الرابعة في التصنيف الوظيفي الذين أخفق عندهم العلاج الدوائي مع وجود سوء شديد في وظيفة البطين الأيمن، وكذلك في مرضى متلازمة آيزنمنغر (الجدول 3).

الجدول (3) المخطط التسلسلي في علاج الضغط الرئوي بحسب جمعية نيويورك لأمراض القلب

الحالات الخاصة

 فيما يلي لمحة عن بعض حالات ارتفاع الضغط الرئوي الخاصة؛ إذ على  الرغم من  التشابه في الأعراض والعلامات السريرية بين كل حالات ارتفاع الضغط الرئوي؛ وعلى الرغم من التماثل في التبدلات النسيجية المرضية؛ فإن لهذه الحالات خصوصيتها، وتشخيصها الصحيح مهم جداً في وضع خطة العلاج وفي الإنذار.  

أولاً- ارتفاع الضغط الرئوي الشرياني المرافق لأمراض القلب الولادية:

إن ارتفاع الضغط الرئوي مضاعفة مهمة في آفات قلبية ولادية عديدة، وهو أكثر شيوعاً لدى الأطفال منه لدى البالغين. ترافق آفات القلب الولادية مع تحويلة يسرى- يمنى زيادة في الجريان الدموي الرئوي؛ مما يؤدي إلى تبدلات مهمة في البطانة الرئوية ومرض وعائي رئوي وارتفاع ضغط رئوي، وتكون التبدلات في البدء عكوسة ثم تصبح غير عكوسة مع ترقي الآفة. يحدث ارتفاع الضغط الرئوي الشرياني في 15% من الأطفال الذين يعانون أمراض قلب ولادية.

إن الأطفال المصابين بارتفاع ضغط رئوي لديهم مرض مشابه تماماً لارتفاع الضغط الرئوي المجهول السبب من ناحية التبدلات النسيجية والدينميات الدموية، مع ملاحظة أنه لا يمكن دوماً التنبؤ بتطور المرض الوعائي الرئوي. وقد تختلف سرعة تطوره تبعاً لنمط الآفة وحجمها وتوضعها؛ فالآفات المعقدة يرافقها تطور أسرع وأبكر لارتفاع الضغط الرئوي من الآفات البسيطة. كما أن لتوضع الآفة البسيطة دوراً، فمثلا يتطور المرض الوعائي الرئوي متأخراً في الفتحات بين الأذينتين عمّا هو في الفتحات بين البطينين أوحين بقاء القناة الشريانية سالكة. كما أن لحجم الآفة دوره أيضاً، فمثلاً إن 3% فقط من الفتحات بين البطينين التي يقل قطرها عن 1.5سم ترافقها متلازمة آيزنمنغر، في حين تبلغ هذه النسبة 50% إذا تجاوز قطرها 1.5سم.

 وفيما يلي ذكر بعض الملاحظات الخاصة بارتفاع الضغط الرئوي المرافق لآفات قلب ولادية:

1- نسبة الوفيات بين الأطفال المصابين بارتفاع الضغط الرئوي غير المعالج أعلى مما هي بين البالغين.

2- استجابة الأطفال للمعالجة أفضل من اسـتجابة البالغين.

3- الاستجابة لاختبار الارتكاس الوعائي الحاد لدى الأطفال أعلى مما هي عند البالغين (40%).

4- يتبع علاج الأطفال نظام علاج البالغين نفسه مع ملاحظة أن استجابة الطفل أفضل ومدتها أطول.

5- محصرات قنوات الكلسيوم جيدة التحمل في الأطفال مع كون الجرعة المثالية عالية لديهم نسبياً. 

6- يعطى الإيبوبروستينول تسريباً وريدياً، وتبلغ الجرعة البدئية 2 نانوغرام/كغ/د. تُزاد الجرعة بسرعة في الأشهر الأولى بعد البدء حتى تصل في مدة سنة إلى 50 -80  نانوغرام/كغ/د.

7- يمكن استعمال بقية مماثلات البروستاسيكلين في العلاج مع أن إعطاء التريبروستينيل قد يكون صعباً بسبب الألم الشديد مكان الحقن لدى الأطفال، كما أن العلاج الإنشاقي صعب التطبيق عندهم.

8- بدأ البوزنتان حالياً يأخذ دوره في علاج الأطفال وخصوصاً مرضى متلازمة آيزنمنغر ومرضى الآفات القلبية الولادية المعقدة غير القابلة للإصلاح الجراحي. 

9- أصبحت مثبطات الفوسفودايستراز كالسيلدينافيل مطبقة في معالجة الأطفال المصابين بارتفاع ضغط رئوي، وتبلغ الجرعة الوسطية 0.5 ملغ/كغ أربع مرات يومياً، ويمكن الوصول إلى جرعة 1ملغ/كغ أربع مرات يومياً.

10- ما يزال استعمال مضادات التخثر الفموية مثاراً للجدل، غير أن تناولها يصبح حتمياً حين وجود قصور بطين أيمن.

11- قد يؤدي خمج الطرق التنفسية إلى نتائج كارثية لدى الأطفال المصابين  بارتفاع ضغط رئوي؛ ولذلك يجب إدخالهم المستشفى وإعطاؤهم علاجاً هجومياً بالصادات، وخفض الحرارة عندهم إلى ما دون 38 درجة مئوية لتقليل عقابيل زيادة المتطلب الاستقلابي.

ثانياً- ارتفاع الضغط الرئوي المرافق لمتلازمة آيزنمنغر: 

متلازمة آيزنمنغر هي ارتفاع شديد في الضغط الرئوي يؤدي إلى انعكاس في اتجاه التحويلة اليمنى-اليسرى، وترافق أمراض القلب الولادية البسيطة والمعقدة. وهي تتطور في 50% من حالات الفتحات الكبيرة بين البطينين، وفي 4-6% من الفتحات البسيطة بين الأذينتين، وفي 16% من الفتحات بين الأذينتين من نمط الجيب الوريدي.

تعدّ الجراحة التصحيحية  مضاد استطباب  في مجموعة المرضى هذه لأنها تسبب قصور البطين الأيمن والوفاة؛ إذ إن للتحويلة اليمنى- اليسرى  هنا دور صمام يخفف الضغط عن البطين الأيمن. يبدو لدى أغلب المرضى زُراق وعدم تحمل الجهد مع زلـة تنفسـية جهدية. ويشيع حدوث نفث الدم نتيجة لتمزق الشرايين القصبية المتوسعة. وقـد تصادف الحوادث الوعائية الدماغية الناجمة عن الصمات التناقضية والخثار الوريدي للأوعية الدماغية والنزوف داخل القحف، إضافة إلى أن مرضى هذه المتلازمة معرضون لخطر حدوث الخراجات الدماغية. ويحصل الغشي وقصور القلب على نحو متأخر، بيد أنهما يحملان إنذاراً سيئاً. ويلاحظ أن بقيـا المرضى مع متلازمة آيزنمنغر أفضل من بقيا مرضى ارتفاع الضغط الرئوي المجهول السبب أو المرافق لآفـات أخرى . 

تعتمد المعالجة على الفصادة مع الإعاضة المساوية الحجم للدم المفصود بالمصل الملحي أو السكري حين وجود احمرار دم ثانوي، على ألا يتجاوز عدد مرات الفصد 2-3 مرات سنوياً لتجنب نضوب مخزون الحديد وتشكل كريات حمر ناقصة الحديد تزيد اللزوجة الدموية. وتعطى المدرّات إذا وجدت علامات قصور قلب أيمن، كما يعطى الأكسجين، ومضادات التخثر الفموية في وجود استطباب بها. يجري تسريب الإيبوبروستينول وريدياً، أويعطى التريبروستينيل أو البوزنتان؛ إذ لا تختلف نتائج المعالجة بهذه الأدوية لدى مرضى متلازمة آيزنمنغر عن نتائجها في مرضى ارتفاع الضغط الرئوي المجهول السبب. وإن زرع الرئة مع إصلاح الآفة القلبية أو زرع القلب والرئـة خيار علاجي لمرضى متلازمة آيزنمنغر مع علامات  سوء إنذار كالغشي أوقصور قلب أيمن معند أونقص أكسجة شـديد.     

ثالثاً- ارتفاع الضغط الرئوي - البابي:

إن ارتفاع الضغط الرئوي مضاعفة معروفة جيداً في الآفات الكبدية المزمنة. ويعدّ ارتفاع الضغط البابي عامل الخطر الأساسي المحدّد لتطور ارتفاع الضغط الرئوي الذي تصل نسبة حدوثه إلى نحو 8% من مرضى ارتفاع الضغط البابي. وتزيد التحويلات الجراحية البابية - الجهازية من حدوث ارتفاع الضغط الرئوي عند مرضى ارتفاع الضغط البابي (إن لدى قرابة 65% من المرضى تحويلات جراحية). ليس لنوع الآفة  الكبدية وشدتها علاقة بارتفاع الضغط الرئوي؛ غير أن مدة ارتفاع الضغط البابي هي عامل خطر لحدوث ارتفاع الضغط الرئوي.

إن آلية حدوث ارتفاع الضغط الرئوي المرافق لارتفاع الضغط البابي غير معروفة. وقد تسمح التحويلة البابية - الجهازية  للمواد المقبضة الوعائية والمواد التكاثرية الوعائية (التي تصفى في الكبد في الحالة الطبيعية) بالوصول إلى الدوران الرئوي. إن الصورة السريرية في ارتفاع الضغط البابي مماثلة لما هي عليه في ارتفاع الضغط الرئوي مع تشاركها بأعراض الآفة الكبدية وعلاماتها.

إن المسح بالصدى القلبي لكشف وجود ارتفاع الضغط الرئوي في مرضى الآفات الكبدية مناسب للمرضى العرضيين و/أو المرشحين لزرع الكبد. كما يجب إجراء القثطرة لتأكيد التشخيص.

تعتمد المعالجة على إعطاء العلاج الداعم بالأكسجين والمدرات، ولكن يجب اجتناب استعمال مضادات التخثر بسبب زيادة خطر النزف (وجود سـوء في الوظيفة الكبدية، انخفاض في تعداد الصفيحات، دوالي مريء). أما محصرات بيتا التي تستعمل لإنقاص خطر دوالي المريء فهي  قليلة التحمل في هـذه الحالات لأنها تؤثر سلباً في وظيفة البطين الأيمن. ويمكن إعطاء الإيبوبرستينول وريدياً، في حين لا يمكن استعمال مضادات مستقبلات الإندوثلين في المعالجة بسبب سمّيتها الكبدية. ويعدّ وجود ارتفاع ضغط رئوي مضاد استطباب لزرع الكبد، وخصوصاً حين تجاوز الضغط الشرياني الرئوي الوسطي 35 ملم زئبق.

رابعاً- ارتفاع الضغط الرئوي المرافق لآفات النسيج الضام:

إن ارتفاع الضغط الرئوي مضاعفة معروفة في آفـات عديدة تصيب النسيج الضام مثل صلابة الجلد، والذئبة الحمامية الجهازية، وآفات النسيج الضام التي ترافقها مضاعفات، وعلى نحو أقل التهاب المفاصل الرثياني، والتهاب الجلد والعضلات المتعدد، ومتلازمة  شوغرن.

قد تكون آلية ارتفاع الضغط الرئوي في مرضى هذه الآفات حدوث تليف خلالي أو إصابة وعائية مباشرة أو ارتفاع الضغط الرئوي الوريدي. ومن الأمور المهمة تحديد المسؤولية لأن العلاج يختلف بحسب الآلية.

إن لدى نحو10% من مرضى ارتفاع الضغط الرئوي آفات نسيج ضام، والصورة النسيجية المرضية متماثلة مع تلك المشاهدة في ارتفاع الضغط الرئوي المجهول السبب؛ كما أن الصورة النسيجية مشابهة مع نسبة حدوث أعلى لدى النساء وفي الأعمار الأكثر تقدماً. وتكون نسبة الوفيات أعلى مما هي عليه في ارتفاع الضغط الرئوي المجهول السبب (نسبة الوفيات السنوية هي40% في الحالات المتقدمة).

يُفترض إجراء المسح بالصدى القلبي سنوياً لكشف ارتفاع الضغط الرئوي للمرضى اللاعرضيين مع صلابة جلد، وحين وجود أعراض فقط في مرضى آفات النسيج الضام الأخرى. ويوصى بإجراء القثطرة القلبية لجميع مرضى آفات النسيج الضام مع ارتفاع ضغط رئوي. وكما ذكر سابقاً إن لسعة الانتشار الرئوي لأحادي أكسيد الكربون قيمة توجيهية لوجود الداء الوعائي الرئوي لدى مرضى آفات النسيج الضام.

إن علاج مرضى ارتفاع الضغط الرئوي المرافق لآفات النسيج الضام أكثر تعقيداً مما هو عليه في مرضى ارتفاع  الضغط الرئوي المجهول السبب. والعلاج المثبط للمناعة فعـال في عدد قليل من مرضى آفات النسيج الضام، ونسبة الاستجابة لاختبار الارتكاس الوعائي الحاد والعلاج الطويل الأمد بمحصرات قنوات الكلسيوم أضعف مما هي عليه في مرضى ارتفاع الضغط الرئوي المجهول السبب. كما أن تحمل محصرات قنوات الكلسيوم أقل بسبب تأثيرها في حركية المريء. وخلاصة ذلك أن الاستجابة للعلاج والبقيا طويلة الأمد لدى مرضى ارتفاع الضغط الشرياني الرئوي المرافق لآفات النسيج الضام أسوأ مقارنةًَ بما هو لدى مرضى ارتفاع الضغط الرئوي المجهول السبب. 

ثالثاً- الصِّمَّة الرئوية

الصِّمَّة الرئوية pulmonary embolism هي الانسداد المفاجئ في أحد الشرايين أو الفروع الرئوية، وينجم غالباً عن الخثار الوريدي في أي مكان من الجسم. وهي حالة كثيرة المصادفة في الممارسة السريرية يصاب بها الملايين حول العالم سنوياً، وتؤدي إلى نسـبة مهمة من المراضة والوفيات. ومما يدعو إلى الأسف إغفال تشخيصها في كثير من الحالات. يمثل التشخيص الباكر السريع للصمة الرئوية تحدياً كبيراً للطبيب الممارس لأنه وحده الكفيل بإنقاص نسبة المراضة والوفيات.

الوبائيات

يصعب تقدير نسبة الحدوث الحقيقية للصمّة الرئوية، غير أنها تؤلف 1% تقريباً من حالات القبول في المستشفيات. ويتم تشخيص الصمّة الرئوية الحادّة في الساعة الأولى من حدوثها في 10% من الحالات، ويتم تشخيص ثلث الحالات المتبقية لاحقاً، ويبقى ثلثا الحالات من دون تشخيص.

تنجم 90% من الصمّات الرئوية عن الخثار الوريدي العميق في الأوردة في أي مكان من الجسم، ويكون هذا الخثار في أوردة الطرفين السفليين مسـؤولاً عن 80% من هـذه الحالات؛ في حين تشكل الصمات الأمنيوسية والهوائية والشحمية والورمية والخمجية بقية حالات الانصمام الرئوي.

وتأتي بعد أوردة الطرفين السفليين - بكونها أكثر أماكن الخثار الوريدي العميق شيوعاً- أوردة الطرفين العلويين فالجيوب الدماغية ثم الأوردة المساريقية والحوضية.

تعدّ الصمّة الرئوية السبب الثاني للوفاة غير المتوقعة بعد مرض الشرايين الإكليلية في مجموعات الأعمار كافة. وتقدر نسبة الوفيات الحقيقية من جرّاء الصمّة الرئوية وسطياً بـ 15%، وهي تفوق نسبة الوفيات التالية لاحتشاء العضلة القلبية. وتنجم أغلب الوفيات عن قصور التشخيص والعلاج؛ إذ تبلغ نسبة الوفيات في الحالات غير المعالجة 30%؛ في حين تبلغ 2-8% فقط في الحالات المعالجة. إن المرضى الناجين من صمّة رئوية حادة معرضون لزيادة خطورة تكرار الصمات الرئوية وحدوث ارتفاع ضغط رئوي وقلب رئوي مزمن.

الأسباب

يعدّ الخثار الوريدي العميق السبب الأهم للصمة الرئوية، ويحدث بإحدى الآليات التالية:

1- مرض موضَّع في جدار الوعاء الوريدي.

2-  فرط الخثار.

3- الركودة الدموية.

وقد تنجم إمراضية الانصمام الخثاري الوريدي عن العديد من عوامل الخطورة التي قد تكون وراثية (أولية) أو مكتسبة (ثانوية)، ويغلب حدوث تشارك بين العيوب الوراثية وعوامل الخطورة المكتسبة.

عوامل الخطورة المكتسبة للانصمام الخثاري الوريدي:

1- العمر المتقدم.

2- السمنة.

3- التدخين.

4- نقص العناية المشددة بعد العمل الجراحي.

5- الجراحة البطنية والحوضية والمفصلية والعظمية.

6- الحمل والنفاس ومانعات الحمل الفموية والمعالجة المعيضة بالهرمونات.

7- الداء الرئوي الانسدادي المزمن.

8- الكسور وخصوصاً كسور الطرف السفلي.

9- الدوالي.

10- الخباثات والنقائل السرطانية.

11- العلاج الكيمياوي.

12- قصة عائلية لصمّة رئوية أو لخثار وريدي عميق.

13- إصابة سابقة بصمّة رئوية أو بخثار وريدي عميق.

14- الرضوض.

15- المتلازمة الكلائية (النفروزية).

16- الأمراض المقعدة مثل ذات الرئة وقصور القلب الاحتقاني والسكتة وأذيات الحبل الشوكي.

17- الأخماج الحادة.

18- السفر الجوي الطويل.

19- زرع ناظم (صانع) خُطا أو مزيل رجفان، أو وضع قثطرة وريدية مركزية.

20- بعض الأمراض الجهازية كالذئبة الحمامية الجهازية والتهاب القولون التقرحي.

21- الحروق.

22- الإدمان الوريدي.

أما الشذوذات الخثارية أو حالات فرط الخثورية فيغلب أن تكون وراثية مع وجود بعض الحالات المكتسبة:

أ- الشذوذات الوراثية:

وتندرج فيها طفرة العامل الخامس، أو ما يسمى العامل ليدن الخامس الذي تنجم عنه مقاومة البروتين المتفاعل C؛ كما تندرج فيها الطفرة في مورثة البروثرومبين (طليعة الثرومبين)، وعوز مضاد الثرومبينIII .

 ب- الشذوذات المكتسبة:

 وتذكر هنا متلازمة الأضداد المضادة للفسفوليبيد التي تشمل الأضداد المضادة للكارديوليبين ومضادات التخثر الذأبانية. ويذكر أيضاً فرط الهوموسيستين الدموي، وشذوذات مولد البلازمين.

الفيزيولوجية المرضية

عندما تنفصل الخثرة الوريدية عن مكان تشكلها في الوريد تسير ضمن الجملة الوريدية حتى تصل إلى الوريد الأجوف، ثم تمر عبر الأذينة اليمنى إلى البطين الأيمن، ثم تدخل الشجرة الشريانية الرئوية؛ فإذا كانت كبيرة الحجم فقد تتوضع عند تفرع الشريان الرئوي مؤلفة صمّة سرجية قاتلة غالباً؛ أما الأكثر شيوعاً فهو أن تسدّ أحد فروع الشرايين الرئوية.

وتصنف الصمّات الرئوية في: صمّاتٍ مركزية في الشريان الرئوي الأصلي أو أحد فروعه الرئيسية أو في شريان فصّي؛ وصمّاتٍ بعيدة في الشرايين الفرعية والأصغر منها. وبالتالي تعتمد النتائج الهيموديناميكية للصمّة الرئوية على حجمها ومكان توضعها.

تُحدث الصمّة الرئوية الحادة ارتفاعاً في المقاومة الوعائية الرئوية وزيادة حادة في الحمل التِّلْوي للبطين الأيمن وارتفاعاً في ضغطه الانقباضي ومن ثم توسعه وسوء وظيفته. يسبب توسع البطين الأيمن انزياح الحجاب بين البطينين نحو الأيسر؛ مما ينقص الحجم الامتلائي الانبساطي للبطين الأيسر ويخفض نتاج القلب والضغط الجهازي وينقص التروية الإكليلية للعضلة القلبية وللبطين الأيمن. كما أن الازدياد الحاد في توتر جدار البطين الأيمن ينقص الجريان الإكليلي لهذا البطين.

المتلازمات السريرية للصمّة الرئوية الحادة

تصنف الصمّات الرئوية في ثلاث متلازمات سريرية، ويختلف الإنذار والعلاج تبعاً لكل متلازمة. ويندر حدوث الصمة الكتلية؛ في حين أن الصمات الرئوية المتوسطة والصغيرة أكثر شيوعاً وحدوثاً (الجدول4).

1- الصمة الرئوية الكتلية: تتظاهر الصمات الكتلية التي تصيب أكثر من نصف السرير الوعائي الرئوي بقلب رئوي حاد وصدمة قلبية المنشأ مع قصور أعضاء متعددة. والزلة التنفسية هي العرض الأبرز مع ألم صدري وإغماء وقلق شديد وحالة صدمة. ويظهر الفحص السريري تسرع القلب وهبوط الضغط ونقص نتاج البول وصوتاً ثالثاً أيمن، واحتداد الصوت الثاني الرئوي واحتقاناً كبدياً مع سوء في الوظيفة الكبدية وزرقة وخراخر ووذمات محيطية.

2- الصمة الرئوية المتوسطة إلى كبيرة الحجم: تبدو لدى المرضى أعراض مثل: الزلة التنفسية والألم الصدري والنفث الدموي وأعراض سوء وظيفة البطين الأيمن (خراخر، وذمات محيطية، تسرع قلب)، ولكن يكون الوضع الهيموديناميكي مستقراً نسبياً.

3- الصمة الرئوية الصغيرة إلى متوسطة الحجم: قد تبدو عند المرضى زلة تنفسية وألم صدري جنبي ونفث دموي وتحدد في حركات التنفس، وقد يكونون لاعرضيين؛ كما تكون وظيفة البطين الأيمن طبيعية. وربما لوحظ بالفحص السريري تسرع القلب واحتكاكات جنبية وانصباب الجنب وحرارة خفيفة، كما قد يكون الفحص السريري سلبياً.

التصنيف

الصورة السريرية

العلاج

الصمة الرئوية الكتلية

ضغط انقباضي 90ملم زئبق أو إرواء نسيجي سيء أو قصور أعضاء متعددة مع خثرة في الشريان الرئوي الأساسي الأيمن أو الأيسر.

حالاّت الخثرة، نزع جراحي للصمّة أو مرشحة للوريد الأجوف السفلي مع مضادات التخثر.

الصمة الرئوية المتوسطة إلى الكبيرة

استقرار هيموديناميكي مع سوء وظيفة البطين الأيمن شديد أو متوسط الشدة وتوسع بطين أيمن.

حالاّت الخثرة، نزع جراحي أو بالقثطرة للصمّة، مرشحة الأجوف السفلي مع مضادات التخثر.

الصمة الرئوية الصغيرة إلى المتوسطة

وضع هيموديناميكي طبيعي ووظيفة وحجم طبيعيان للبطين الأيمن.

مضادات التخثر.

(الجدول4) تصنيف الصمة الرئوية الحادة

 

الاحتشاء الرئوي:

ليست الصمّة الرئوية والاحتشاء الرئوي مترادفين؛ فالاحتشاء الرئوي مضاعفة للصمّة في 10% من حالاتها عندما تسدّ الصمّة أحد الفروع الرئوية المحيطية قرب الجنب، ويحدث الاحتشاء بعد 3-7 أيام من حدوث الصمة.

تتضمن متلازمة الاحتشاء الرئوي حرارة وألماً جنبياً وانصباب جنب دموياً غالباً وارتفاع تعداد الكريات البيض وارتفاع سرعة التثفل والعلامات الشعاعية للاحتشاء الرئوي.

الاستقصاءات

1- صورة الصدر الشعاعية: تبدو صورة الصدر طبيعية لدى أغلب المرضى، وفي حال وجود تبدلات شعاعية فهي غالباً غير واسمة للتشخيص. قد يلاحظ وجود ارتفاع في الحجاب في الجانب الموافق للصمّة وارتشاحات رئوية متعددة أو وحيدة وانصباب جنب وانخماص صفيحي الشكل وتوسع الشرايين الرئوية ونقص تروية في المنطقة الرئوية المصابة بالانصمام (علامة ويسترمارك). وقد يظهر الاحتشاء الرئوي- ولكن نادراً وعلى نحو متأخر- بشكل مثلث قاعدته جنبية مع قمة متجهة نحو السرة الرئوية، ويشيع توضعه بجانب الحجاب.

2- تخطيط كهربائية القلب: إن التبدلات التخطيطية في الصمّة الرئوية شائعة لكنها غير نوعية، وتسرع القلب الجيبي عند أغلب المرضى هو الدليل الوحيد الذي يظهر على مخطط كهربائية القلب. تشيع التبدلات غير الوصفية في وصلة ST وموجة T، نموذج S1 S2 S3 و S1 Q3 T3، وانحراف المحور نحو الأيمن، وضخامة بطين أيمن وحصار غصن أيمن وموجة P رئوية. وتتضمن الموجودات التخطيطية الأخرى اللانظميات مثل: خوارج الانقباض الأذينية والبطينية والحصار الأذيني من الدرجة الأولى واللانظميات فوق البطينية.

3- معايرة دي- ديمر المصل: إن ارتفاع تركيز دي- ديمر المصل اختبار حساس يدل على وجود الصمّة الرئوية، لكنه يفتقر إلى النوعية. فإذا كانت الصورة السريرية موحية بقوة بوجود صمّة رئوية فإن ارتفاع دي- ديمر المصل يوجه نحو إجراء المزيد من الاستقصاءات لتأكيد التشخيص. أما إذا كان منخفضاً- وخصوصاً إذا تمت معايرته بطريقة إليزا ELISA- فهذا ينفي وجود الصمّة الرئوية لأن له قيمة تنبُّئية سلبية عالية، ولاسيما إذا كانت الشبهة السريرية منخفضة.

4- تفريسة التهوية - التروية: وهي الطريقة الأكثر شيوعاً لتأكيد تشخيص الصمّة الرئوية. فإذا كانت تفريسة التهوية- التروية طبيعية فإنها تستبعد فعلياً تشخيص الصمّة الرئوية. أما إذا كانت التفريسة غير طبيعية (وجود عيب في التروية في قطعتين أو أكثر مع تهوية طبيعية) فإنها غالباً ما تؤكد وجود صمّة رئوية، وعلى الخصوص في حال وجود شك سريري شديد. وتظهر هذه النتيجة في 87% من مرضى الصمّة. ويستطب إجراء هذه التفريسة لأغلب مرضى الخثار الوريدي العميق حتى من دون أعراض الصمّة الرئوية.

5- التصوير المقطعي المحوسب للصدر: يملك التصوير المقطعي المحوسب حساسية ونوعية عاليتين في تشخيص الصمّة الرئوية، وهو الوسيلة التشخيصية المفضلة حالياً للانصمام الرئوي، ويُغني في كثير من الأحيان عن تصوير الشرايين الرئوية الظليل. وإن القيمة التنبُّئية السلبية للتصوير المقطعي المحوسب في الصمّة الرئوية أعلى من 99%.

6- التصوير بالرنين المغنطيسي: بدأ التصوير بالرنين المغنطيسي يحل محل التصوير المقطعي المحوسب في تشخيص الصمّة الرئوية، وهو يمتاز بعدم حاجته إلى استعمال مواد ظليلة؛ مما يجعل استخدامه آمناً لدى مرضى قصور الكلية؛ كما يقدم معلومات عن حجم البطين الأيمن ووظيفته. ويبدو حالياً أنه وسيلة واعدة في كشف الخثار الوريدي العميق في الأوردة وتصويره.

7- الصدى القلبي: يكون الصدى القلبي طبيعياً لدى 50% من مرضى الانصمام الرئوي الحاد؛ ولذا لا يستطب إجراؤه منوالياً لجميع المرضى. يفيد في تقييم حالة الوهط الدوراني الحاد الناجم عن الصمّة الكتلية (وجود توسع في البطين الأيمن مع نقص في حركيته متوسط الشدة إلى شديد)، وقد تشاهد نادراً الصمّة السابحة في الأذينة اليمنى أو البطين الأيمن. ويفيد الصدى القلبي في تقييم ارتفاع الضغط الرئوي الناجم عن الصمّات المتكررة.

8- تصوير الشرايين الرئوية: يعدّ الإجراء القياسي لتشخيص الصمّة الرئوية، وإيجابيته مؤكدة للتشخيص وسلبيته تنفي وجود الصمّة الرئوية بنسبة 90%، لكنه نادر الاستعمال حالياً في التشخيص لما يحمله من نسبة خطورة ولتوافر الوسائل التشخيصية الأخرى غير الباضعة. وهو يستخدم غالباً عند إجراء التداخلات كالتفتيت الميكانيكي للصمّة، أو مصّها بوساطة القثطرة، أو إعطاء حالاّت الخثرة الموجهة بالقثطرة.

9- التصوير بالأمواج فوق الصوتية الوريدي: إن المعيار التشخيصي الأولي للخثار الوريدي العميق هو زوال قابلية الوريد للانضغاط؛ إذ في الحالة الطبيعية ينخمص الوريد بالكامل عند تطبيق ضغط لطيف على الجلد فوقه. ويعد تصوير الأوردة بالأمواج فوق الصوتية وسيلة تشخيصية مفيدة لكشف الخثار الوريدي العميق حين الاشتباه بالصمّة الرئوية؛ لأنه غالباً ما يكون هو مصدرها. ولكن لوحظ عدم التمكن من كشف خثار وريدي عميق عند 50% من مرضى الصمّة الرئوية بتصوير الأوردة بالأمواج فوق الصوتية. ولهذا فإن كان التوجه السريري لوجود صمّة رئوية قوياً مع غياب الدلائل على وجود خثار وريدي عميق، صار من الواجب إجراء استقصاءات إضافية لتشخيص الصمة الرئوية.

التدبير

يختلف تدبير الصمّة الرئوية حسب درجة خطورتها، ولذا يجب تقييم الخطورة مباشرة من أجل وضع الخطة العلاجية اللازمة. وهناك ثلاثة أمور أساسية يمكن بوساطتها تحديد الخطورة:

1- التقييم السريري:

هناك ست علامات تشير حين وجودها إلى سوء الإنذار وهي:

أ - انخفاض الضغط الانقباضي دون 100 ملم زئبق.

ب - العمر أكبر من 70 سنة.

جـ- تسرع القلب أكثر من 100 ضربة/ د.

د- قصور القلب الاحتقاني.

هـ- الآفات الرئوية المزمنة.

و- الخباثات.

2- الواسمات الحيوية القلبية:

أ- ارتفاع التروبونين I و T، مما يشير إلى وجود احتشاءات مجهرية في البطين الأيمن.

ب- ارتفاع مستوى الببتيد الدماغي الطارح للصوديوم (BNP) الذي يزداد في حال زيادة الحمل الضغطي على البطين الأيمن.

3- تقييم وظيفة البطين الأيمن وحجمه:

ويتم ذلك سريرياً أو بالصدى القلبي أو بالتصوير المقطعي المحوسب للصدر؛ إذ إن توسع البطين الأيمن مع نقص حركيته عامل خطورة يعرض للوفيات والمضاعفات.

مضادات التخثر

1- الهيبارين اللامجزأ:

الهيبارين هو حجر الزاوية في علاج الصمّة الرئوية الحادة، ويجب البدء به من فور الاشتباه بالصمّة الرئوية بعد تقييم سريع لخطورة النزوف المرافقة.

ولكي يصل الهيبارين إلى فعاليته العلاجية يجب أن يتطاول زمن الثرومبوبلاستين الجزئي المفعَّل (aPTT) حتى ضعف، أو ضعف ونصف قيمة الشاهد، ويكون هذا الزمن عادة بين 60-80 ثانية. وهناك حالياً اتجاه نحو استعمال مركبات الهيبارين ذي الوزن الجزيئي المنخفض (LMWH)، لكن قصر العمر النصفي للهيبارين اللامجزأ، وإمكان معاكسة تأثيره بالبروتامين تجعله خياراً أفضل إذا ظهر حين تقييم وضع المريض أنه قد يحتاج إلى تداخل جراحي لاستئصال الصمّة أو لاستعمال حالاّت الخثرة.

تبلغ جرعة التحميل 80 وحدة/كغ وريدياً، وتبلغ جرعة الصيانة 18 وحدة/كغ/سا تسريباً وريدياً، ويعاير الثرومبوبلاستين الجزئي المفعَّل بعد 6 ساعات، وتعدل الجرعة. وتعاد معايرته كل 6 ساعات بعد أخذ أي جرعة تحميل أو إحداث أي تعديل في جرعة التسريب الوريدي.

2- الهيبارين ذو الوزن الجزيئي المنخفض:

يمتاز الهيبارين ذو الوزن الجزيئي المنخفض بفعالية حيوية أكبر مع إمكانية أفضل للاستجابة لجرعة العلاج، ونصف عمر أطول من الهيبارين اللامجزأ، وعدم الحاجة إلى مراقبة مخبرية مستمرة لتحقيق المستوى العلاجي اللازم. لذا أصبحت مركباته حالياً أكثر أمناً وفعالية من الهيبارين اللامجزأ في العلاج والوقاية من الصمّة الرئوية والخثار الوريدي العميق. وهناك عدة مركبات من الهيبارين ذي الوزن الجزيئي المنخفض التي أصبحت شائعة الاستعمال منها:

- إينوكسابارين enoxaparin، والجرعة العلاجية في الصمّة الرئوية هي 1ملغ/كغ/12 ساعة تحت الجلد.

- دالتبارين dalteparin، والجرعة العلاجية هي 200 وحدة دولية/كغ يومياً تحت الجلد.

- تينزابارين tinzaparin، وجرعته 175 وحدة دولية/كغ يومياً تحت الجلد.

- نادروبارين nadroparin، ويعطى بجرعة 4100 وحدة مرتين يومياً تحت الجلد إن كان الوزن أقل من 50 كغ، وبجرعة 6150 وحدة مرتين يومياً تحت الجلد إن كان الوزن بين 50-70 كغ، وبجرعة 9200 وحدة مرتين يومياً تحت الجلد إن كان الوزن أكثر من 70 كغ.

تعدّل جرعة الهيبارين ذي الوزن الجزيئي المنخفض في القصور الكلوي ويعد مضاد استطباب إذا كانت تصفية الكرياتنين أقل من 10 مل/د؛ كما يجب تعديل الجرعة لدى البدينين والحوامل والمدنفين.

3- الفينولابارينوكس :fenolaparinux

 هو مضاد تخثر خماسي السكّريد، يثبط نوعياً العامل العاشر من دون أن يثبط الثرومبين. وقد أثبتت الدراسات أنه فعال وآمن في معالجة الصمة الرئوية والخثار الوريدي العميق والوقاية منهما.

وتعطى الجرعة حسب وزن المريض، وتعدل في حال وجود قصور كلوي، وهي 5ملغ تحت الجلد يومياً إن كان الوزن أقل من 50كغ، و 7.5ملغ تحت الجلد يومياً إن كان الوزن بين 50-100كغ، و10ملغ تحت الجلد يومياً إن كان الوزن أكثر من 100كغ.

4- الوارفارين:

الوارفارين مضاد للڤيتامين K وبالتالي يمنع تفعيل عوامل التخثر المعتمدة بالڤيتامين K مثل العامل الثاني والسابع والتاسع والعاشر والبروتين C والبروتين S.

ويراقب تأثير الوارفارين بمعايرة زمن البروثرومبين. ويفضل حالياً معايرة نسبة التقييس الدولية (INR) لمراقبة تأثير الوارفارين. يجب استعمال الهيبارين اللامجزأ أو الهيبارين ذي الوزن الجزيئي المنخفض كجسر قبل بدء العلاج بالوارفارين وذلك عدة أيام تحدد ببلوغ INR على الأقل 2 مدة يومين متتالين، وتستمر المشاركة خمسة أيام حداً أدنى.

تبلغ جرعة البدء الموصى بها من الوارفارين 5 ملغ يومياً عن طريق الفم، وتعدل المشاركة الدوائية حسب العمر. إن INR الهدف هي بين 2-3.

ومن الواجب مراقبة INR على نحو متكرر في الشهر الأول حتى الوصول إلى الجرعة الثابتة التي تحقق INR الهدف. ويكتفى بعد ذلك بمراقبتها كل 4 أسابيع. ويجب الاستمرار بإعطاء مضادات التخثر مدة 6 شهور بعد حدوث الصمّة الرئوية. وفي حال تكرر الصمة الرئوية أو الخثار الوريدي العميق يجب إعطاء مضادات التخثر مدة سنة على الأقل. ويستطب إعطاؤها مدى الحياة إذا تكررت أكثر من مرتين أو حين وجود عوامل خطورة مستمرة غير قابلة للتراجع.

5- حالاّت الخثرة:

إن حالاّت الخثرة مستطبة لمرضى الصمّة الرئوية غير المستقرين هيموديناميكياً مع هبوط ضغط جهازي مقاوم للمعالجة أو مع قصور بطين أيمن حاد.

العلاجات الخاصة:

- مرشحة الوريد الأجوف السفلي، وتستطب حينما تكون مضادات التخثر مضاد استطباب مطلق أو في حال تكرر الانصمام الخثاري على الرغم من العلاج الكافي.

- نزع الصمّة عن طريق القثطرة مع إعطاء حالاّت الخثرة موضعياً أو من دون ذلك.

- نزع الصمّة جراحياً، ويستطب لدى مرضى الصمّات الكتلية المهددة للحياة مع وجود استطباب لحالاّت الخثرة، أو في حال فشل هذه الحالاّت.

الوقاية من الصمّة الرئوية

يستطب إعطاء الهيبارين للوقاية من الصمّة الرئوية لدى مرضى المستشفيات ذوي الخطورة العالية للانصمام الخثاري الوريدي مثل مرضى المجازات الإكليلية والجراحة العظمية والمفصلية والعصبية ومرضى العناية المشددة. 

 

التصنيف : قلبية
النوع : قلبية
المجلد: المجلد الثالث
رقم الصفحة ضمن المجلد : 208
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 529
الكل : 31586631
اليوم : 21486