logo

logo

logo

logo

logo

التباين الوراثي

تباين وراثي

Genetic variation -

التباين الوراثي

مصادر التباين الوراثي

أنماط التباين الوراثي

محيي الدين عيسى - غالية أبو الشامات

 

يصف التباين الوراثي أو الجيني genetic variation الاختلاف بين الأفراد في النمط الظاهري والنمط الجيني ضمن المجتمع وكذلك بين المجتمعات؛ إذ إنّ التباين يزيد من التنوع الجيني بين المجموعات السكانية populations، ويسمح لسمات جديدة بأن تصبح أكثر أو أقل ظهوراً ضمن التجمع الجيني gene pool.

يشير مصطلح التباين الوراثي إلى الاختلاف في التواتر الجيني genetic frequency، فالجينات هي المحددات الرئيسية للتنوع. فمثلاً: يشبه الفرد في العائلة إلى حد ما أبويه وإخوته؛ إذ يرث جيناته من أبويه، ولهذا السبب يبدو هو وأشقاؤه متشابهين، ومع ذلك لا يبدو مشابهاً تماماً لهم، وهذا بسبب وجود التباين الوراثي بينهم. فقد أظهرت دراسة تسلسل الجينوم البشري أن جينوم الفرد الواحد يحوي ملايين الاختلافات عن الجينوم المرجعي، وهذه الاختلافات يحدث بعضها في التسلسل المرمز coding أو ضمن التسلسل التنظيمي regulatory sequences كما سيرد لاحقاً.

مصادر التباين الوراثي:

تُعدّ الطفرات المصدر الأساسي للتباين الوراثي؛ إذ يمكن أن ينتج منها أليلات جديدة تماماً في المجتمع، والتي تؤدي في الغالب إلى تغير الأحماض الأمينية على مستوى البروتين. ومن أهم نتائج تلك الطفرات حدوث تغيير في شكل البروتين الناتج وحجمه؛ الأمر الذي ينعكس على الوظيفة البيولوجية لذلك البروتين، فإما أن يصبح البروتين غير وظيفي؛ وإما أن تنخفض كفايته الوظيفية. وفي حالات نادرة يمكن أن تؤدي الطفرة إلى وظيفة جديدة للبروتين الناتج.

كما يُعدّ التكاثر الجنسي من أحد مصادر التباين الوراثي أيضاً؛ إذ يؤدي إلى تباين الأبناء وراثياً عن آبائهم نتيجة التزاوج العشوائي random mating والإخصاب العشوائي random fertilization وكذلك التأشيب recombination أو إعادة التركيب بين الصبغيات؛ التي تُوزَّع في أثناء الانقسام المنصف وتشكيل الأعراس من خلال آلية التوزع المستقل independent assortment (الشكل 1). فعلى سبيل المثال ينتج هذا التوزع التباينات الوراثية لدى البشر؛ بسبب التوضع المستقل للأشفاع الصبغية المتماثلة المتشافعة في الطور الاستوائي من الانقسام المنصف الأول، ومن ثم هجرتها بعد اصطفافها على الصفيحة الاستوائية إلى أحد قطبي الخلية. ويأتي كل عروس ذكري أو عروس أنثوي بتوليفة واحدة من أصل 23 لإعطاء لاقحة zygote باحتمال ؛ الأمر الذي يؤدي إلى احتمالات بأرقام كبيرة جداً للتباين الوراثي؛ فضلاً عن إمكان حدوث عملية العبور crossing over التي تزيد من إمكانات وجود اختلافات كبيرة بين الإخوة والأخوات. تشير البحوث العلمية إلى أن العبور يتضمن تبادلاً وتقايضاً متساوياً من الـدنا DNA بين الصُّبيغيين غير الأخوين لكل شفع صبغي متماثل معطياً جينات موروثة من الأبوين في صبغي واحد. ويحدث عبور واحد إلى ثلاثة في صبغيات الإنسان في كل شفع صبغي مقترن استناداً إلى حجوم الأشفاع وموقع الجزيء المركزي فيها؛ ولهذا يُعدّ العبور مصدراً مهماً للتباين الوراثي لدى الإنسان (الشكل 2).

الشكل (1) مخطط يوضح التوزع المستقل للصبغيات في أثناء الانقسام المنصف واحتمالات تشكيل تراكيب وراثية مختلفة.

يُعدّ التباين الوراثي في أي مجتمع مصوناً من جيل لآخر بفضل نمط التوريث المندلي ما لم يتعرض لقوى انتقائية؛ إذ تسهم آليات أخرى كالاصطفاء selection والهجرة migration وكذلك الانسياق الجيني genetic drift في حدوث التباين الوراثي أيضاً.

الشكل (2) مخطط يوضح عملية العبور الصبغي والتنوع الوراثي الناتج منه

يُعدّ التباين الوراثي قوة مهمة في التطور، لأنه يسمح بالاصطفاء (الانتقاء) الطبيعي natural selection لزيادة تواتر الأليلات الموجودة فعلياً ضمن المجتمع عبر الأجيال المتعاقبة أو تقليله (الشكل3). نظراً لأن الاصطفاء الطبيعي يعمل عملاً مباشراً على الأنماط الظاهرية فقط؛ فإن المزيد من الاختلاف الجيني داخل المجتمع يتيح عادةً المزيد من الاختلافات المظهرية، ففي مجتمع ممثل بمجموعة من الخنافس ذات اللونين الأخضر والبني، قد يعمل الاصطفاء الطبيعي على بقاء أفراد ذات أنماط وراثية معيّنة (بنية اللون) وتكاثرها بصورة أكبر من باقي الأفراد في المجتمع؛ مما يؤدي إلى انتقال أليلاتها من جيل إلى آخر؛ الأمر الذي يفضي إلى حدوث تغير في التواتر الأليلي ضمن التجمع الجيني لتلك الخنافس.

الشكل (3) يوضح دور الاصطفاء الطبيعي في حدوث التباين الوراثي ضمن المجتمع؛ إذ يسمح ببقاء الأفراد التي تتمتع بخصائص أو أنماط ظاهرية معيّنة وتكاثرها.

وتعمل هجرة الأفراد بين المجتمعات على تغير التواتر الأليلي ضمن التجمع الجيني للمجتمع. ويطلق على تلك الآلية مصطلح الانسياب المورثي أو هجرة المورثات gene flow للدلالة على انتقال الأليلات أو المورثات من مجتمع إلى آخر؛ إذ تكون الهجرة من المجتمع المسبب الرئيس في التغير الواضح في تواتر الأليلات وإليه؛ مما يؤدي إلى تباين وراثي واضح بين تلك المجتمعات، فمثلاً: بفرض هجرة مجموعة من الأسماك من المجتمع (أ) ودخولها ضمن المجتمع (ب)، فإنه وبعد عدة أجيال من الانسياب المورثي يصبح تواتر الأليلات في المجتمع (ب) المضيف 60% للأليل B و50 % للأليل A بعد أن كان 30% للأليل B و70% للأليل A وفق قانون هاردي وينبرغ Hardy Weinberg (الشكل 4).

الشكل (4) رسم توضيحي لتغير التواتر الأليلي بين مجتمعين (أ) و(ب) نتيجة الهجرة.

يسود الانسياق الجيني في المجتمعات الصغيرة، ويحدث نتيجة المصادفة، مثل الكوارث الطبيعية. ويؤدي إلى تغير في التواتر النسبي لأنماط وراثية مختلفة نظراً لاختفاء مورثات معيّنة اختفاءاً تاماً بسبب الموت أو عدم قدرة الأفراد على التكاثر والإنجاب، ويزداد أثره ازدياداً كبيراً كلما صغر حجم المجتمع. فمثلاً: يؤدي الموت المفاجئ للضفادع ذات اللون البني في مجتمع صغير من الضفادع ذات الألوان المختلفة (بني - أخضر فاتح - أخضر غامق) إلى تغير في التركيب الوراثي في هذا المجتمع ومن ثمّ تغيير في تواتر الأليلات فيه (الشكل 5).

الشكل (5) رسم توضيحي لدور الانسياق الجيني في التباين الوراثي في المجتمع.

وفي حال حصل تغير مفاجئ في البيئة التي يعيش فيها الأفراد، كحدوث وباء مميت أو فيضان أو زلزال مدمر؛ فإن ذلك يؤدي إلى تقليص حجم السكان في المجتمع تقلصاً كبيراً ويُعرف هذا الأثر بتأثير عنق الزجاجة bottleneck effect ومن ثمّ فإنّ الأفراد الناجين سيشكلون مجتمعاً جديداً يختلف في تركيبه الوراثي اختلافاً كبيراً عن المجتمع الأصل (الشكل 6).

الشكل (6) رسم يوضح دور تأثير عنق الزجاجة في حدوث التباين الوراثي في المجتمع.

أنماط التباين الوراثي

للتباين الوراثي في المجتمع نمطان: تباين مستمر continuous وتباين متقطع discontinuous. ويوضح الجدول (1) أبرز الفروقات بينهما.

الجدول (1) الفروق بين نمطي التباين الوراثي.

ركزت معظم أبحاث علم الوراثة في القرن الماضي على التباين الوراثي المتقطع؛ لأنه يُعدّ أبسط نمط من أنماط الاختلاف، ومن السهل تحليله. فالتباين المتقطع أو النوعي qualitative يشير إلى اختلافات محددة بوضوح في صفة وراثية معيّنة يمكن ملاحظتها في المجتمع. وتُظهر الخصائص التي تُحدَّد بوساطة الأليلات المختلفة في موضع واحد محدد على الصبغي اختلافاً متقطعاً، على سبيل المثال النمط الظاهري لشكل بذور البازلاء مجعدة أو ملساء.

يميز علماء الوراثة بالاعتماد على أساس الاختلافات الأليلية البسيطة فئتين من التباين المتقطع؛ هما التباين أو التعدد الشكلي على مستوى النكليوتيد الواحد Single Nucleotide Polymorphism (SNP) والطفرات mutation.

يعرف التباين على مستوى النكليوتيد بأنه استبدال أساس آزوتي بآخر ضمن تسلسل محدد من جزيء الـدنا DNA. وهو من أكثر التغيرات الوراثية شيوعاً بين أفراد النوع الواحد وضمن المجتمع ككل؛ إذ يمكن أن تختلف شدفتان محددتان من الـدنا DNA تعودان إلى فردين مختلفين بنكليوتيد واحد فقط (الشكل 7). ويُعَدُّ التباين على مستوى النكليوتيد الواحد المسؤول عن الاختلاف في تواتر أليل معيّن في مجتمع ما، ويُعدّ أداةً لفهم التنوع الوراثي بين البشر.

الشكل (7) شكل يوضح التباين على مستوى النوكليوتيد الواحد بين فردين مختلفين في موضع محدد من جزيء الـDNA.

وتُعدّ المعلومات الوراثية المرتبطة بالتباينات الشكلية للنوكليوتيد الواحد (SNP) أساساً لدراسة التاريخ البيولوجي للإنسان وعلاقات القربى بين الأفراد بصورة خاصة وبين الأنواع عامة؛ فقد حدد علماء الوراثة وجود مليونَي تباين بين شقيقين غير توأمين، وقد يصل العدد إلى خمسين مليون تباين بين الرجل والشمبنزي، كما يصل الاختلاف بين الرجل والنبات إلى 2000 مليون (2 مليار) SNP.

تحدث الطفرات بصورة تلقائية نتيجة حدوث أخطاء لم تُصلح وفق نظام الإصلاح المعقد في الجينوم، وقد تحدث نتيجة التعرض لعوامل محرضة مثل التعرض للإشعاع والمواد الكيميائية الضارة كالنيكوتين. تتمثل الطفرات بتغيرات نكليوتيدية في تسلسل الأسس الآزوتية ضمن دنا DNA الكائنات الحية، يمكن أن تحدث الطفرات في الجين المرمز ضمن الخلايا الجسمية somatic cells؛ لكنها لا تورَّث إلى الأبناء (الأنسال)، وقد تخل بوظائف تلك الخلايا، ومن الممكن أن تحدث في الخلايا الجنسية (النطاف أو البيوض) التي تورث إلى الجينومات اللاحقة للنسل، وقد تحدث الطفرات الذاتية في الينقولات transposons أو في الدنا المتكرر repetitive DNA؛ مما يخل بتكامل البنية الصبغية وما يتعلق بتنظيمها ووظائفها، ولكنها لا تورث إلى الأبناء إلا إذا حدثت في الخلايا الجنسية. ويقدر معدل الطفرات الجديدة de novo mutation في الجينوم البشري باحتمال 10–8 لكل نكليوتيد لكل جيل.

تعمل الطفرة وكذلك التباين على مستوى النكليوتيد الواحد SNP على تغيير التواتر الأليلي في المجتمع، ويتضح الفرق بينهما وفق التواتر ضمن المجتمع؛ إذ يُعدّ التغير طفرة في حال كان تواتره أقل من 1% في المجتمع الواحد، وعندما يصبح هذا التغير متواتراً؛ ليصبح أكثر من 6% ضمن المجتمع؛ حينئذٍ يُعدُّ تبايناً على مستوى النكليوتيد أو ما يدعى تعدداً شكلياً polymorphism.

يظهر التباين المستمر لصفة وراثية ما مجموعة غير متقطعة من الأنماط الظاهرية في جمهرة وراثية أو بين الأفراد. ويصف هذا النمط من التباين التوريث الكمي quantitative inheritance، فكل أليل راجح يضيف تأثيره إلى الأليلات الأخرى إضافةً تراكميّةً؛ ومن ثمّ لا يُلاحظ انسجام أو توافق بين النمط الظاهري والنمط الوراثي، ويتحدد النمط الظاهري بعدد الأليلات التراكمية في النمط الوراثي للفرد الواحد؛ الأمر الذي يؤدي إلى إمكانات هائلة للاختلاف بين الأفراد.

يُعدّ التباين المستمر أكثر شيوعاً من التباين المتقطع. ويمكن تحديد أمثلة عديدة عن هذا التباين لدى جميع الكائنات الحيّة؛ منها صفة الطول لدى البشر وإنتاج الأبقار من الحليب واللحوم. وتُعدّ تربية النبات والحيوان أحد مجالات علم الوراثة التي يكون فيها التنوع المستمر مهماً. فكثير من الصفات التي تُختار في برامج التربية والإكثار- مثل وزن البذور أو إنتاج الحليب - لها تصميم معقد، وتظهر الأنماط الظاهرية لها تبايناً مستمراً. ويجري اختيار الحيوانات أو النباتات التي توجد من أحد طرفي النطاق المتطرف وتربيتها على نحو انتقائي.

مراجع للاستزادة:

 - M. R. Barnes, G. Breen, Genetic Variation: Methods and Protocols, Humana pub, 2014.

- Xiu–Qing Li, Somatic Genome Variation: in Animals, Plants, and Microorganisms,  Wiley-Blackwell 2017.

- Villellas, Jesús, R. Berjano, A. Terrab, and M. B. García. Divergence between phenotypic and genetic variation within populations of a common herb across Europe." Ecosphere 5, 2014.


التصنيف : الوراثة والتقانات الحيوية
النوع : الوراثة والتقانات الحيوية
المجلد: المجلد السادس
رقم الصفحة ضمن المجلد : 0
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 520
الكل : 31276671
اليوم : 24859