logo

logo

logo

logo

logo

البيئة العامة (علم-)

بييه عامه (علم)

-

البيئة العامة (علم -)

علم بيئة المعلومات

علم بيئة المعرفة

عوالم الوجود

علم بيئة العقل

محمد منصور بكر

 

يأتي علم البيئة العامة general ecology، بمفهومه المعاصر، في قمة هرم العلوم البيئية؛ إذ ظهرت الحاجة إلى فروع جديدة في علم البيئة، إضافة إلى ما كان معروفاً من علوم بيئية في منتصف القرن العشرين. على سبيل المثال؛ ظهرت الحاجة إلى علم بيئة المعلومات information ecology، وعلم بيئة العقل ecology of mind أو بيئة التفكر mental ecology تتضمن منظومة الدماغ والعقل mind brain ecosystem.

فبعد أن بدأت العلوم البيئية بعلم البيئة ecology الذي أسس له جورج مارش G. P. Marsh في كتاب "الإنسان والطبيعة" عام 1864، وأطلق عليه العالم الألماني إرنست هيكل E. Haeckel عام 1866 مصطلح علم البيئة، وأرسى مبادئه مقترحاً نهجاً جديداً في التفكير، استعمله علماء النبات الأوربيون لدراسة المجتمعات النباتية بموطنها وتربتها الحاضنة وترابطها فيما بينها. وتطور علم البيئة بعد ذلك، فلم يعد مقتصراً على التعامل مع عالم النبات، بل صار يشمل كل الكائنات الحية الأخرى بما فيها الإنسان من دون التطرق إلى ما يجري في ذهنه. ولتسهيل الدراسة ظهر مفهوم النظام (المنظومة) البيئي ecosystem الذي يتناول نوعاً معيناً من النبات أو الحيوان ويدرس متطلباته الأحيائية واللاأحيائية، وتأثيرها فيه، ودراسة تآثرات هذه النظم بعضها مع بعض. وهكذا صار علم البيئة معنياً بالدراسة الشاملة للمنظومات الحية وارتباطاتها بالوسط المحيط environment من خلال شرح أنماط التعايش والعلاقات بين تلك المنظومات.

كان علم البيئة يهتم بمجالين رئيسيين؛ أولهما علم البيئة النباتية plant ecology الذي يهتم بدراسة توزع النباتات ووفرتها، وتأثير العوامل البيئية الأخرى في المنظومات النباتية، والعلاقات التي تربط بين النباتات وغيرها من الكائنات الحية. وأما الثاني فهو علم البيئة الحيوانية animal ecology الذي يقوم على الدراسة العلمية للحيوانات وكيفية ارتباطها بعضها ببعض، وعلاقاتها مع بيئتها، ودراسة توزع الكائنات الحية وتعدادها. وقد شكّل هذان المجالان ما يُسمى علم البيئة الطبيعية natural ecology.

تطور علم البيئة تطوراً كبيراً مع التقدم الذي شهدته البشرية في القرن العشرين في المجالات العلمية والفكرية والصناعية وغيرها، وأصبح مصطلح العلوم البيئية مع بداية القرن الحادي والعشرين شاملاً لفروع كثيرة؛ إذ أوجد الباحثون له مجالات أخرى تشتمل على علوم قائمة بذاتها، وتستعمل النهج نفسه، مثل:

- علم البيئة البشرية (السكانية) human ecology: علم يهتم بدراسات متعددة التخصصات حول العلاقات الطبيعية والاجتماعية بين البشر وتعاملهم مع الآلات.

- علم البيئة الاجتماعي social ecology: أنشأه الأمريكي الاشتراكي بوكشِن M. Bookchin، ويعد بداية دراسات نقدية اجتماعية تهتم بتطوير المجتمعات.

- علم البيئة الصناعية industrial ecology: يدرس الإنتاج الصناعي بوصفه جزءاً من منظومات وعمليات أشمل، وتضم السلوكيات والدورات الجيوكيميائية، من حيث كونها جزءاً من نظام يهدف إلى تخفيض التأثر البيئي بسبب الإنتاج والاستهلاك والتصريف.

- علم بيئة الأعمال business ecology: يدرس مؤسسات الأعمال في سياق المنظومات البيئية، وهي شبكات ديناميكية من المؤسسات التبادلية التي يعتمد بعضها على بعض. ويتم التحقق والتدقيق في هذه المكونات بوصفها أجزاء منفصلة بين جدران المؤسسة نفسها، ويبحث في علاقاتها المباشرة مع قنوات التوزيع والتوريد والتصريف من خلال علم بيئة الأعمال. ويهتم هذا العلم كذلك بالمكونات الأخرى التي يمكن أن يكون لها تأثير كبير في الأعمال الأساسية؛ مثل المجمعات التجارية والعملاء المباشرين وهيئات المعايير والهيئات التنظيمية، وموردي المنتجات التكميلية والنقابات والمستثمرين في النظم البيئية للأعمال.

حدث تغير وتقدم كبيران مع تطور الحواسيب والبرمجيات وعلم المعلوماتية، الذي يتعامل أصلاً مع مكونات برمجية ومادية لها وظائف معينة، يرتبط بعضها ببعض، وتتكافل جميعها لإنجاز غرض محدد. وهنا اقترح الأمريكي غريغوري بتسون G. Bateson عام 1973 ضرورة الحديث عن علم بيئة العقل ecology of mind أو بيئة التفكر mental ecology، وكذلك اقترح العالم الصيني يكسين زونغ Yixin Zhong (1988) علم بيئة المعلومات information ecology؛ لدراسة المعلومات كنهج كلي، وعمل نظم معالجة المعلومات، وفهم عمليات المعلومات فهماً أفضل في كل مجالات الواقع. وقدم الباحث الإيطالي دامياني E. Damiani في عام 2007 نظماً بيئية للتعليم الإلكتروني مرتبطة بالتقانة، كما تحدث مارك بورغن M. Burgin عن ارتباط البيئة القديمة بالتقانات الحديثة.

علم بيئة المعلومات

يحافظ تعريف علم بيئة المعلومات على فحوى تعريف البيئة الطبيعية، ويلخص البعض دراسة المعلومات في مستويات ثلاثة؛ الأول النظر إلى المعلومات على أنها ظواهر أساسية في الطبيعة والمجتمع والتقانة لاستكشاف الأنماط المشتركة وعلاقاتها بالمعلوماتية. ومن الأمثلة على النظريات من المستوى الأول النظرية العامة للمعلومات ونظريات المعلومات النوعية. أما المستوى الثاني فيتناول العمليات المعلوماتية ونظرياتها وديناميكيتها؛ إذ تعد نظرية الأمريكي كلود إيلود شانون C. E. Shannon للمعلومات، ونظريات تدفق المعلومات التي طورها جون باروايز Barwise وزملاؤه، ونظرية معلومات المشغل أمثلة لنظريات من المستوى الثاني. وتجري في المستوى الثالث أبحاث تتناول نظم المعلومات والعمليات الجارية فيها، مع التركيز على منتجات عملية المعلومات وخدماتها، والعلاقات المتبادلة بين المعلومات والمنتجات/ الخدمات في بيئة المعلومات، وهذا المستوى ينتمي إلى نهج علم البيئة الطبيعي.

يعتمد علم البيئة العامة على النظرة الشمولية إلى العلاقات المتبادلة بين المعلومات والمعرفة، وأنظمة معالجة البيانات والمعطيات ونظم معالجتها. فهو يتناول مقاربة بيئة المعرفة knowledge ecology، وبيئة العقل والإدراك mental ecology بغية الوصول إلى تصور واقعي للحقيقة، ومع أن علم بيئة المعلومات يشمل كل شيء تقريباً؛ فإنه لا يتناول التفصيلات الدقيقة. فهو يشبه في هذا ما يتناوله علم البيئة النباتية، إلا أن هذا الأخير لا يصل إلى المستوى الذري أو الجزيئي لمكونات البيئة؛ لذلك يمكن الانطلاق من النظرية العامة للمعلومات، وخاصة فكرة المكونات components والعناصر elements والأنظمة (المنظومات) systems والبنى structures.

ومن القضايا المهمة لأي بحث في الدراسات العامة والمعلومات خاصة الاختيار الصحيح للبنية الأساسية المناسبة لتمثيل البحث ونمذجته واستكشاف مجاله. ومن الابتكارات المهمة لعلم بيئة المعلومات إدخال البنية الثلاثية "موضوع -هدف- تفاعل" بوصفها نظاماً أساسياً لدراسات المعلومات (الشكل 1).

الشكل (1)

علم بيئة المعرفة

يهتم هذا العلم بإدارة المعرفة الهادفة لتطوير ديناميكي متقدم للتواصل المعرفي بين الهيئات والمؤسسات المختلفة، وتوفيرها بغية اتخاذ القرار المناسب، والوصول إلى تعاون عالمي على مستوى الشبكات المتطورة الفائقة. وهو يشجع على استحداث استراتيجيات الترتيب الذاتي المحلي، والتحسين الذاتي، وكذلك الاستثمار المستدام. وقد تـطور بالتوازي معه عـلم البيئة الرقمية digital ecology بأنظمته ومميزاته.

كان التشابه مهماً بين العالم المادي وعالم المعلومات، ففي العالم المادي: الطاقة تولّد المادة، والمادة تولّد الحياة، أما في عالم المعلومات فالمعلومات تولّد معرفة، والمعرفة تولّد الذكاء. في هذه الحالة يدخل اختلاف وجهات النظر حول العقل والفكر وعلاقتهما بالدماغ والشبكات العصبية. وكذلك يدخل أثر التجريد المستعمل في الرياضيات وفي نظريات المعلومات، وفي الوجود كله أيضاً.

عوالم الوجود

ثمة نماذج مختلفة من العوالم حيث يعيش الناس، ويفترض البعض أن الواقع المادي (الفيزيائي) هو الموجود فقط، ويضيف آخرون إلى ذلك الذهنية الفردية التي تسمى "العقل". وغالباً ما يستند علماء البيئة العامة إلى البنية الأكثر تقدماً على نطاق واسع في هذا العالم، والذي يحتوي على الثالوث الوجودي الموضح في الشكل (2) الذي اقترحه مارك بورغن عام 2012.

الشكل (2) الثالوث الوجودي في العالم.

والعوالم الثلاثة الموجودة في هذا الثالوث الوجودي ليست حقائق منفصلة، بل هي تتفاعل وتتقاطع فيما بينها. فهي تعتمد العقلية الفردية في الدماغ، وهو شيء مادي، لكنه يشتمل على العقل أو الفكر، وقد ناقش العديد من الفلاسفة العلاقات بين العقل والدماغ في سياق مشكلة العقل والجسم، ومازال الجدل مستمراً حول ذلك. تنتمي هذه المشكلة إلى المستوى الثاني من المعلومات والدراسات المعرفية، على حين يحمل علم بيئة المعلومات هذه الدراسات إلى المستوى الثالث. في الوقت نفسه يعتقد العديد من علماء الفيزياء أن العقلية تؤثر في العالم المادي، وقد ثبت أن المعرفة بالواقع المادي تعتمد أساساً على التفاعل بين عالمي العقل والمادة (الجسد). ويلاحظ أنه في سياق الثالوث الوجودي للعالم لا يوجد تفريق أساسي بين العالمين؛ لذا جميع أشكال أنظمة معالجة المعلومات لديها عقلياتها المحددة وليس الأشخاص فقط. ويمكن القول أيضاً وعلى سبيل المثال: يمكن عد محتوى ذاكرة الحاسوب منطقياً "عقلية" متأصلة لهذا الحاسوب، وبالتالي نظام التشغيل أو معالج النصوص هو جزء أساسي من عقلية الحاسوب.

يرى الفيلسوف الفرنسي فيليكس غواتاري Félix Guattari في كتابه "علوم البيئة الثلاثة" Les trois écologies عام 1989 أن علم البيئة مصطلح انتقائي للغاية، يتضمن حقائق غير متجانسة: فهو أولاً وقبل كل شيء علم، أو هو علم النظم البيئية بجميع أنواعها. وهو أيضاً ظاهرة رأي تغطي مختلف النواحي الاجتماعية والسياسية. وقد قدّم غواتاري ثلاثة أنواع من علوم البيئة، هي:

  • علم بيئة الوسط environmental ecology: يعنى بالعلاقة بين مكونات الطبيعة والبيئة المحيطة.
  • علم البيئة الاجتماعية: يعنى بالعلاقات مع الحقائق الاقتصادية والاجتماعية.
  • علم البيئة العقلية: يعنى بالعلاقة مع النفس والذات البشرية.

    ويرى غواتاري أنه من الضروري التفكير في البيئة الطبيعية كتلة واحدة مع علم البيئة الاجتماعية وعلم البيئة العقلية من خلال فلسفة أخلاقية سياسية.

    علم بيئة العقل

    تختلف الآراء حول "بيئة العقل"، فهل المقصود هنا هو ما يحدث في الدماغ وفي سلوك الفرد وفي التعامل مع الآخرين، وفي صعود الجبال وهبوطها وفي المرض والشفاء. كل هذه الأشياء المتشابكة تشكل في الواقع شبكة أطلق عليها اسم ماندالا mandala؛ وصارت مصطلحاً عاماً لأي مخطط أو نمط هندسي يمثل الكون الميتافيزيقي أو الرمزي، وهو نموذج مصغر للكون، وكلمة ماندالا في الديانات الهندوسية والبوذية تعني الكمال، كما تدل على نموذج البنية التنظيمية للحياة نفسها. فهو رسم تخطيطي كوني يوضح علاقة الإنسان مع اللانهائي، والعالم الذي يمتد إلى ما وراء عقول البشر وأجسادهم.

    يتداخل تعبير "علم بيئة العقل" كثيراً مع الأفكار؛ إذ تعبر بيئة العقل في الأساس عن أفكار مترابطة ومتفاعلة، وهي تعيش وتموت؛ إذ تموت الأفكار حين لا تناسب أشخاصاً آخرين. فالأمور عند الإنسان هي نوع من التفاعل المعقد الحي والمكافح والمتعاون، كما هي الحال في أي سفح جبل مع أشجاره ونباتاته وحيواناته المختلفة التي تعيش فيه، أو بمعنى أعم هي بيئته. وفي داخل تلك البيئة، هناك موضوعات رئيسية مختلفة يمكن للمرء تقسيمها والتفكير فيها بطريقة منفصلة. وتلاحظ صفة العنف في النظام البيئي عموماً، ذلك عند التفكير بأجزائه منفصلة، وهي طريقة التفكير المطلقة؛ لأنه من الصعب التفكير بالأمور مجتمعة دفعة واحدة؛ لذلك يُنظر إلى الإنسان على أنه جزء من البيئة، وهو ما يمثل موقف النظام البيئي وطبيعته.

    مراجع للاستزادة:

    - G. Bateson, Steps to an Ecology of Mind: Collected Essays in Anthropology, Psychiatry, Evolution, and Epistemology, University of Chicago Press, 1972.

    - M. Burgin, Theory of Information: Fundamentally Diversity and Unification, World Scientific, NY 2010.

    - M. Burgin,Y. Zhong, Information Ecology in the Context of General Ecology, MDPI, 2018.

    - E. Damiani, L. Uden, W. Trisnawaty, The future of E-learning: E-learning ecosystem, Inaugural IEEE Digital Ecosystems and Technologies Conference (IEEE DEST), 2007.

    - F. Guattari, Les trois écologies, Infokiosk B17, Nantes, France, 1989.

    - T. Fuchs, Ecology of the Brain: The phenomenology and biology of the embodied mind (International Perspectives in Philosophy and Psychiatry),  Oxford University Press, 2018.


التصنيف : علوم البيئة والتنوع الحيوي
النوع : علوم البيئة والتنوع الحيوي
المجلد: المجلد السادس
رقم الصفحة ضمن المجلد : 0
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 565
الكل : 29588408
اليوم : 43324