logo

logo

logo

logo

logo

الإشعاع الكهرطيسي

اشعاع كهرطيسي

Electromagnetic radiation - Rayonnement électromagnétique

الإشعاع الكهرطيسي

محمد موسى، سلام محمود

الإصدار الكهرطيسي: الانبعاث والإشعاع الكهرطيسي
الطيف الكهرطيسي
التحجيب الكهرطيسي
التطبيقات والأمثلة
التطبيقات الطبية للإشعاع الكهرطيسي

 

يرافق أي اهتزاز للشحنة الكهربائية المتسارعة accelerated أو المتباطئة decelerated نشوء حقل كهربائي وحقل مغنطيسي يشكلان معاً حقلاً كهرطيسيّاً، ينتشر موجيّاً في الفراغ بسرعة الضوء.

ويمكن تمثيل الإشعاع الكهرطيسي EM-radiationبطاقة منبعثة تنتشر عبر الفراغ، وله أمثلة مختلفة في الحياة اليومية؛ كأشعة الضوء المرئي وانتشار الحرارة والأمواج الكهرطيسية.

تُعدّ القوى الكهرطيسية إحدى القوى الأربع الأساسية في الطبيعة، إضافةً إلى القوى النووية الشديدة strong nuclear forces التي تحافظ على مكوّنات النوى معاً (البروتونات والكواركات)، والقوى النووية الضعيفة التي تتسبب في النشاط الإشعاعي المتخامد، وقوة الجاذبية الأرضية.

تنضوي جميع القوى الأخرى تحت هذه الأنواع الأربعة المذكورة، وتَضبط جميع التفاعلات الأساسية في الطبيعة. وتُعدّ الكهرطيسية مسؤولة عن كل الظواهر المصادفة في الحياة اليومية باستثناء الجاذبية، وتُنسب قوى التفاعلات بين الجسيمات المشحونة -ومنها الذرات - إلى القوى الكهرطيسية، وتسمى منطقة حدوث هذه التفاعلات بالحقل الكهرطيسي.

أدخل فاراداي Faraday مبدأ خطوط الحقل وخطوط قواه الممتدة في الفراغ حول الأجسام المشحونة، ووصف الحقل كتأثير مؤكد للقوة في أي نقطة من الفراغ المحيط. وقدم فاراداي أيضاً نظرة معمقة للتأثيرات الكهربائية والمغنطيسية وبيّن أنها لا تنتقل لحظيّاً، بل تنتشر بعد تأخير زمني بحسب البعد عن المنبع.

شارك علماء كثر في تطور الكهرباء والمغنطيسية، وظهرت قوانينها التجريبية الأربعة باكتشاف قانون فاراداي وهنري Henry، الذي ينص على أن أي تغيّر في التدفق المغنطيسي في دارة ناقل يحرِّض تياراً فيها. وهذا التيار- وفق لنز Lenz- يؤثر باتجاه توليد حقل مغنطيسي معاكس للأثر الذي أدى إلى ظهوره.

نجح مكسويل Maxwell في المرحلة التالية في جمع معادلات الكهرباء والمغنطيسية، وأثبت أن توليد القوة المحركة الكهربائية في الفراغ مستقل عن وجود الدارة الكهربائية، وأدخل مفهوم تيار الإزاحة للربط بين هذه الظواهر. وقد وجد مكسويل أن مجموعة المعادلات التي توصل إليها تقود إلى معادلات موجية، تبيّن أن الاضطرابات الكهربائية والمغنطيسية تنتشر بسرعة تتعلق بخصائص وسط الانتشار وهي قابلة للقياس. وتمكَّن هرتز Hertz من قياس هذه السرعة في الخلاء، فوجدها تساوي سرعة الضوء.

تشكّل الكهربائية المتحركة (أي التيارات) منابعَ للحقول الكهرطيسية، وتعبّر معادلات مكسويل وفق لورنز Lorenz عن التفاعل المتبادل بين الشحنات والتيارات والحقول الكهرطيسية. ويرافق أي تسارع أو تباطؤ للشحنات الكهربائية اضطراب كهرطيسي تابع للمكان والزمن يسمى بالموجة الكهرطيسية المشعة، وهي حاملة للطاقة تنتشر بسرعة الضوء في الفراغ الحر. وتخضع الإشعاعات الكهرطيسية لقوانين الانتشار والانعكاس والنفوذ والتبعثر.

الإصدار الكهرطيسي: الانبعاث والإشعاع الكهرطيسي:

يمثل الإشعاع الكهرطيسي شكلاً من أشكال الطاقة المتدفقة، وتمتاز بمركبتي الحقل الكهربائي والمغنطيسي المتلازمتين والمتعامدتين، وتقعان في مستوٍ عمودي على جهة انتشار هذه الطاقة التي توصف تبعاً لترددها وشدتها.

يتعيّن الإشعاع الكهرطيسي - وفق النظرية الكمومية الكهرديناميكية (QED) quantum electro dynamic - بحسب تدفق الفوتونات (أو الكمّات) عبر الفضاء الحر.

تشكل الفوتونات رزماً طاقية تُحدّد بالجداء hf، وتسير دوماً بسرعة الضوء، حيث h=6.626 × 10-34 j.s، ويسمى h ثابت بلانك، وf تردد اهتزاز منبع الموجة. تملك كل الفوتونات الطاقة hf نفسها، ويمثل مجموعها كثافة الطاقة الكهرطيسية.

للإشعاع الكهرطيسي ظواهر كثيرة عند تفاعله مع الجسيمات المشحونة في الذرات والجزيئات والأجسام المادية، وهي تعبّر عن تقنيات توليد الإشعاع وامتصاصه في الطبيعة، وتعتمد أساساً على عامل التردد.

يمتد الطيف الترددي للإشعاع الكهرطيسي من القيم المنخفضة جداً، وعلى مجال واسع من الأمواج الراديوية وأمواج البث التلفزي والأمواج المِكروية والضوء المرئي. وتُستعمل القيم العليا للأشعة فوق البنفسجية والأشعة السينية وأشعة غاما.

يشكّل الإشعاع الكهرطيسي بيئة الحياة الإنسانية بدءاً من الحقلين الكهربائي والمغنطيسي الأرضيين وأشعة الشمس وصولاً إلى تقنيات الاتصالات الحديثة والخدمات الطبية والأجهزة الكهربائية والإلكترونية الصناعية. وتعتمد جميعاً على الأشكال المتنوعة للطاقة الكهرطيسية, ترتبط الحياة على الأرض بوصول الإشعاع الكهرطيسي للشمس، حيث تُحوّل هذه الطاقة من خلال عملية التركيب الضوئي والاصطناع الحيوي والعضوي إلى العوالق المائية التي تعدّ الحلقة الأولى في السلسلة الغذائية للمحيطات.

يزداد إصدار الإشعاعات الكهرطيسية الصنعية على سطح الأرض، التي تنجم عن مختلف التجهيزات الكهربائية والإلكترونية، بدءاً من تسخين الطعام في الأفران المِكروية المنزلية إلى أنظمة قيادة الطائرات بالرادار والأجهزة الطبية ذات الإشعاعات الكهرطيسية المستخدمة في التسخين والمعالجة, وصولاً إلى نظم الاتصالات الفضائية ونظم المعلومات والقدرة الكهربائية وغيرها.

تُعدّ الذرات والجزيئات منابع للإشعاعات الكهرطيسية بترددات معينة؛ لأن كل ذرة أو جزيء يمتاز بمستوَيات طاقية محددة تسمى مستوَيات الكمّ quantum state. عندما تتغير الطاقة الداخلية للذرة أو الجزيء - مثل الانتقال من مستوى طاقي أعلى إلى أدنى- يصدر كمّ من الطاقة hf بوصفه إشعاعاً كهرطيسياً ويساوي تماماً الفرق بين المستَوَييْن. كما أن امتصاص الكم نفسه ينقل الذرة من المستوى الأدنى إلى الأعلى المذكورين. ويمكن الاستفادة من هذه الظاهرة في تحديد التركيب البنيوي للمادة التي قامت بإصدار الإشعاع أو امتصاصه ودراسة النجوم وبنيتها بناءً على الانبعاث والامتصاص الإشعاعي.

تختلف جميع الأشياء في مظهرها وألوانها تبعاً لمستوَياتها الطاقية الداخلية المختلفة التي تحدّد طبيعة التفاعل المتبادل بينها وبين الإشعاع الكهرطيسي.

قد يكون الإشعاع الكهرطيسي متواصلاً أو متقطعاً على شكل كمّات، إذ يبث أي جسم ساخن إشعاعاً كهرطيسيّاً متواصلاً. فالتسخين هو حركة عشوائية للإلكترونات والذرات والجزيئات، وارتفاع درجة الحرارة يدفع إلى ازدياد الحركة. ويتضح أن الحقول الكهرطيسية من وجهة النظر التقليدية تشكل حقولاً متواصلة انسيابية بطريقة موجية، تتولد من الحركات الانسيابية للأجسام المشحونة مثل الشحنات المهتزة التي تحرض حقولاً كهربائية، كما هو موضح في الشكل (1). في حين أنها تُعدّ من وجهة نظر كمومية متقطعة ومركّبة من رزم إفرادية من الطاقة.

الشكل (1): الإشعاع الكهرطيسي

يشكل الفوتون المقدار الكمّي للتفاعل الكهرطيسي، ويمثل الواحدة الأساسية للضوء، ولكل أشكال الإشعاع الكهرطيسي، إضافةً إلى أنه حامل القوة الكهرطيسية. ينقل الإشعاع الكهرطيسي القدرة والاندفاع «momentum» التي يمكن أن يمنحها للمادة فتتفاعل معها. تُعدّ الموجة الكهرطيسية المشعة بعيداً عن منابعها موجة مستوية، حيث يقع الحقلان الكهربائي والمغنطيسي في مستويات عمودية على جهة الانتشار.

توصف الموجة الكهرطيسية بالمعاملات التالية:

-مطال الموجة amplitude: يمثّل القيمة العظمى التي تبلغها الموجة عند الاهتزاز، وتمثل معياراً للقدرة المشعة radiation power.

-كثافة القدرة المشعة: تُعرّف بالطاقة المشعة الواردة إلى واحدة السطوح في واحدة الزمن.

-طول الموجة wave length: وهي المسافة الخطية بين قمتين متتاليتين للموجة.

-التردد: وهو عدد الموجات الكاملة التي تجتاز نقطة محدّدة خلال ثانية واحدة.

-العدد الموجي wave number: وهو عدد الموجات الكاملة في واحدة المسافة، ويُحَدّد بأنه مقلوب طول الموجة l /1=K.

-سرعة الموجة wave velocity: تصف المسافة الخطية التي تقطعها الموجة في ثانية واحدة V=f× l، وتعتمد على خصائص الوسط والسرعة العظمى في الفراغ، وتساوي سرعة الضوء في الخلاء 3×108m/s.

-طاقة الموجة energy: تتعين طاقة الإشعاع الكهرطيسي الصغرى من التردد أو طول الموجة وفق العلاقة:E=h×f=h×v/ l حيث h ثابت بلانك.

يتضح من العلاقة السابقة أن الطاقة تتعين مباشرةً من تردد الموجة، وتتناسب عكساً مع طول موجة الإشعاع.

يمكن تصنيف الإشعاع الكهرطيسي إلى إشعاعات مؤينة وإشعاعات غير مؤينة، ويعتمد ذلك على قدرة الإشعاع على تأيين الذرات وكسر الروابط الكيميائية. وتشمل الأشعة المؤينة الأشعة فوق البنفسجيةوأشعة X وأشعة غاما.

الطيف الكهرطيسي:

يضم الطيف الكهرطيسي جميع الإشعاعات الكهرطيسية الممكنة بدءاً من الترددات المنخفضة جداً حتى ترددات أشعة غاما. ولكل جسم توزعه الإشعاعي الكهرطيسي الخاص المنبعث منه أو القادر على امتصاصه، وله إذن طيف كهرطيسي مميّز له. ويتفاعل الإشعاع الكهرطيسي مع المادة بطرائق مختلفة في الأجزاء المختلفة من الطيف. وإذا كانت الأمواج الكهرطيسية توصف بخصائصها الفيزيائية، مثل التردد وطول الموجة وطاقة الفوتون فإن الطيف الكهرطيسي يغطي حيزاً طاقيّاً كهرطيسيّاً بطول موجة يمتد من آلاف الكيلومترات إلى أجزاء من أبعاد الذرة، كما هو مبين في (الشكل 2).

الشكل (2): الطيف الكهرطيسي

تحافظ الإشعاعات الكهرطيسية على ترددها ثابتاً عند انتشارها في الأوساط المختلفة، في حين أن طول موجتها وسرعتها يتغيران تبعاً لخصائص هذه الأوساط.

يتضح إذن أن لمناطق الطيف الكهرطيسي أطوال أمواج وطاقة كمّية مختلفة، ويعود ذلك إلى اختلاف منابع الإشعاع ومدى تفاعله مع المادة، وتقنيات كشفه. ومن هنا سميت مناطق الطيف المتعددة بأسماء مختلفة. فعلى سبيل المثال تُصنَّف الإشعاعات الكهرطيسية تبعاً لطول الموجة إلى إشعاع راديوي ومِكروي وأشعة تحت حمراء وأشعة مرئية وفوق بنفسجية وأشعة X وأشعة غاما. ويُعدّ مثل هذا التصنيف صحيحاً، ولكنه يعاني من التداخل بين المناطق المتجاورة (الشكل 2).

ينبعث الطيف الكهرطيسي المتواصل من الأجسام الساخنة حيث يتسبب التسخين في الحركة العشوائية للإلكترونات والذرات والجزيئات. ولما كانت الإلكترونات أخف وزناً فإن حركتها الحرارية غير المنتظمة تولّد حركة اهتزازية عشوائية. ويتجلى أثر ذلك في الطيف المتواصل للتردد.

يشكل سطح الشمس ودرجة حرارته قرابة 5800K منبعاً للطيف الكهرطيسي المتواصل بكثافة قدرة إشعاعية قدرها 60×106 w/m2 (تجدر الإشارة إلى أن متراً مربعاً واحداً من سطح الشمس يولد طاقة تعادل طاقة محطة توليد كهربائية على الأرض كافية لتغذية 30000 منزل). يعتمد التركيب الطيفي للجسم المشع المسخن على نوعية المواد الداخلة في تركيبه. ويُعدّ الجسم الأسود مثاليّاً لحالتي الامتصاص والإشعاع، ويعتمد طيفه الكهرطيسي على محدِّد واحد، هو درجة الحرارة.

تُعدّ قطعة من الفحم الحجري مثالاً على الجسم الأسود (الأفضل حتى الآن)، ويرافق زيادة درجات تسخينها تدرج في الألوان بدءاً من الأحمر الغامق ثم الفاتح ويليه الأصفر ليصل إلى الأبيض، وهذا الأخير مركّب من جميع الألوان إضافة إلى الأزرق. إن التغيير في اللون أو توزّع تردد الإشعاع الكهرطيسي يأتي من الأجسام المسخنة إلى درجات حرارة مختلفة، وبقي هذا التغيير لغزاً إلى أن أوضح الفيزيائي الألماني «بلانك» أن المواد المسخَّنة تحوي كمّاً هائلاً من الثنائيات أو الأقطاب الكهربائية التي تشكّل هوائيات متناهية في الصغر قادرة على بث إشعاع كهرطيسي بطاقة محددة «hf» قدرها 3eV عند الضوء الأزرق.

تزداد الحركة الذرية مع ازدياد درجة الحرارة؛ ومن ثم يزداد تردد الإشعاع الكهرطيسي المتواصل. ويُلاحظ أن تغيّر تسارع الشحنات يولّد الإشعاع الكهرطيسي. أي إن أي جسم ساخن يبث إشعاعاً كهرطيسياً على شكل رزم طاقية متقطعة، ويؤدي ذلك إلى إصدار طاقة كهرطيسية من الجسم الساخن كما هو مبين في (الشكل 3)، وقد قادت هذه الدراسات والأبحاث إلى ظهور النظرية الكمومية الكهرطيسية QED، التي تصنف الإشعاعات الكهرطيسية كجسيمات، هي الفوتونات، وتفسر تأثيرات الشحنات المتبادلة بوساطتها.

الشكل (3): الانبعاث الإشعاعي الشمسي وتفاعله مع الكرة الأرضية.

ويعبّر قانون كولون عن القوى بين الجسيمات المشحونة. وبحسبه يؤدي الفوتون دور حامل رسالة الجسيم الذي ينقل القوة الكهرطيسية بين الجسيمات المشحونة للمادة. فعند تحريك الإلكترون يتفاعل مع حقله الذاتي؛ ولذا تكون كتلته وشحنته مختلفة مقارنةً بالحالة الساكنة. تعالج النظرية QED تفاعلات الجسيمات المشحونة، وهذا ما يعدّ أساساً لفهم قوى الطبيعة ويسمح بصياغتها في نظرية موحّدة عامة، تضم خصائص الإشعاع الكهرطيسي والمنابع المختلفة وسلوكها وخصائص كشفها وتطبيقاتها وتطورها وتفاعلاتها مع المواد وفق نظرية الإشعاع التقليدية والكمّية.

التحجيب الكهرطيسي:

تهدف عملية التحجيب الكهرطيسي electromagnetic shielding إلى تخفيض الحقول الكهرطيسية في المكان، وذلك باستخدام حواجز ناقلة كهربائياً ومغنطيسياً تحيط كلياً أو جزئياً بالدارة أو بالجهاز موضع الاهتمام ضمن مجال ترددي معين.

يؤدي الحجاب الكهرطيسي مهمة تحديد مقدار تداخل الإشعاع الكهرطيسي المتبادل بين البيئة المحيطة الكهرطيسية والدارة أو الجهاز المحجّب، أي يسمح بتوفير حماية البيئة الخارجية المحيطة من الانبعاثات الكهرطيسية الصادرة عن الجهاز، ولتحقيق التوافق الكهرطيسي بينهما. يُقيَّم أداء الحجاب بمعاملٍ يسمى فعالية التحجيب shielding effectiveness (SE)، وهو نسبة القدرة المستقبلة بوجود الحاجز وغيابه، ويُقدَّر بالـديسيبل (dB).

SE(dB) =10×log p1/p2

SE (dB)=20×log E1/E2

SE (dB)=20×log H1/H2

تُدرس فعالية التحجيب عادةً في منطقتي الحقل القريب والبعيد، حيث يتحدد الحقل القريب بنسبة سدس طول الموجة ويسمى بالحقل التحريضي. أمّا الفراغ المحيط الأبعد من هذه المسافة فيشكل منطقة الحقل البعيد. تكمن مهمة الحجاب الكهرطيسي في تخفيض الحقلين الكهربائي E والمغنطيسي H أو توهين الموجة الكهرطيسية، ويعتمد أساساً على تردد الموجة وخصائص مادة الحجاب وثخانته وبُعده عن المنبع.

تَحكُم فعالية التحجيب آليتَي الامتصاص والانعكاس، تتمثل الأولى بضياعات الامتصاص عبر الحجاب التي تتخامد أسيّاً، وتمثل الثانية ضياعات الانعكاس التي تتبع لنمط الحقل والممانعة الموجية وللانعكاسات المتكررة داخل المادة (الشكل 4).

الشكل (4): الحجب الكهرطيسية.

تُستخدم مواد نموذجية للتحجيب الكهرطيسي، مثل الصفائح المعدنية أو الشبك المعدني (حجاب فاراداي) والمواد الإسفنجية. وتجدر الإشارة إلى أن أي ثقب في الحجاب يجب أن يكون أصغر بأبعاده الهندسية من طول الموجة الواردة بغية المحافظة على سلامة الحجاب من أي انقطاع.

تُستخدم حديثاً خلائط بلاستيكية مطعّمة بالمعادن تحيط بالغلاف المعدني، أو مواد بلاستيكية مغطاة بطبقة دهان تحتوي على المعدن، وهو في الغالب النحاس أو النيكل، وتُنفَّذ بطريقة البخ من الداخل وتوصل إلى المرجعية الصفرية للجهاز.

يؤثر الحقل الكهربائي بقوة في الشحنات الكهربائية الحرة في الناقل، وبمجرد تطبيق هذا الحقل تتحرض تيارات كهربائية تؤدي إلى انزياح الشحنات داخل الناقل مولِّدةً حقلاً معاكساً يحاول إلغاء الحقل الخارجي إلى أن يتوقف التيار الكهربائي. وبالمقابل تولّد الحقول المغنطيسية المتغيرة في الزمن تيارات إعصارية تحاول بدورها إلغاء الحقل المغنطيسي الخارجي؛ ولذا تنعكس الموجة الكهرطيسية على سطح الناقل، مع الحفاظ على الحقل الخارجي في الخارج والداخلي في الداخل.

تؤثر عوامل متعددة في كفاءة التحجيب عند الترددات الراديوية، يتبع أحدها مقاومة الناقل الكهربائية إذ لا يمكن الإلغاء التام للحقل الداخلي. كما تملك بعض النواقل خصائص مغنطيسية حديدية عند الترددات المنخفضة، فتكون هذه المواد غير قادرة على تخميد الحقول الكهرطيسية ذات الترددات المنخفضة تماماً.

تحفّز الثقوب في الحجب تيارات دوّامة حولها، ومن هنا فإن الحقول المتسربة عبر الثقوب غير قادرة على تحفيز حقول داخلية معاكسة للحقل الأساسي. تخفِّض هذه الآثار مقدرة الحجاب على بعثرة الحقول الواردة إليه.

يحدث امتصاص طاقة الأمواج الكهرطيسية عند الترددات العالية، إضافةً إلى البعثرة، ويتمركز هذا الامتصاص في طبقة قشرية تسمى الثخانة القشرية skin depth التي تعدّ معياراً لنفوذ الموجة الكهرطيسية داخل الحجاب. تتطلب التجهيزات في بعض الأحيان عزلاً للجهاز عن الحقول المغنطيسية، إذ إن حجاب فاراداي غير فعال عند الحقول المغنطيسية الساكنة أو المتغيرة بتردد أقل من 100kHz. وعندئذٍ يمكن التحجيب باستخدام مواد مغنطيسية بنفاذية عالية، كالخلائط من البيرمالوي والموميتال (Permalloy- Mumetal)، ومثل هذه المواد تقوم بمهمة تخفيض الحقول المغنطيسية في الحيز الفراغي الداخلي، وعليه فإن الحجاب يجب أن يكون مغلقاً، ويُنفّذ على شكل حاوية. يجب الأخذ بالحسبان مستويات التشبع المغنطيسي لهذه المواد التي تفقدها فعالية التحجيب.

التطبيقات والأمثلة:

اقتصرت التطبيقات الهندسية التقليدية على التحويل الكهربائي والكهروميكانيكي المتمثلة بالمحوِّلات والآلات الكهربائية والقواطع الآلية ووسائل النقل كالقطارات السريعة المحمولة على وسادة مغنطيسية. يرافق الإشعاع الكهرطيسي عمل جميع النظم والتجهيزات الكهربائية، ويكون أصغرياً في خطوط نقل القدرة بترددات منخفضة، وأعظميّاً في هوائيات الإرسال والاستقبال.

يتوفر العديد من التطبيقات الهندسية للإشعاعات الكهرطيسية، إلى جانب خطوط النقل ودليل الموجة والهوائيات لتشمل تقنيات الأمواج المِكروية والتداخل والتوافق الكهرطيسي والألياف البصرية والاتصالات الفضائية والرادار والاستشعار من بُعد والكهرطيسية الحيوية. تشغل تقنيات القياسات الحديثة والحاسوب والهواتف الخَلوية ومن ضمنها تقنيات GPS حيزاً مهماً في تطبيقات الإشعاع الكهرطيسي (الشكل 5).

الشكل (5): نظام تحديد الموقع بالسواتل.

 

ترتبط الأجهزة في مختلف بقاع الأرض لاسلكياً بالأمواج الكهرطيسية المِكروية أو الِكبال أو الألياف البصرية. وتمتاز الأمواج المِكروية بنطاق ترددي واسع يشمل تقريباً من 300MHz حتى 1THz، وهذا ما يجعلها ملائمة لنقل المعلومات، وتوفر بذلك عدداً أكبر من قنوات البث مقارنةً بنظام تردد البث التلفزي والراديوي. ومن الأمثلة والتطبيقات المهمة للإشعاعات الكهرطيسية:

-التبادل اللاسلكي للمعلومات:

يمكن نقل المعلومات وتبادلها بوساطة الموجة المِكروية التي تنتشر كأشعة وفق خطوط مستقيمة من دون انحراف أو انحناء بتأثير من الغلاف الجوي، وهذا ما جعلها وسيلة مناسبة للاتصالات الفضائية. تُنظّم عملية الاتصالات بوساطة المحطات الأرضية والأقمار الصنعية (السواتل) التي تستقبل الإشارات عند تردد محدّد، وتُرسل بتردد آخر مع تكبيرها، فيوفر الساتل عملية ربط المواقع على سطح الكرة الأرضية (الشكل 6).

الشكل (6): الموجة الكهرطيسية ونقل المعلومات.

-الرادار:

يعدّ نظام الرادار حافزاً رئيسياً لتطوير تقانة الأمواج المِكروية، إذ كلما ازدادت الترددات تحسنت خاصية التمييز. ويتيح ذلك للنظام القدرة على تركيز الإشعاعات المِكروية في بؤر صغيرة. ويُستفاد من ذلك في كشف الأجسام المتحركة وتوجيه القذائف بسرعة فوق صوتية، وفي التنبؤ الجوي والتحكم في الملاحة الجوية لتوجيه الطائرات (الشكل 7).

الشكل (7): نظام الملاحقة الجوية بالموجة المنعكسة.

-التسخين:

يمكن الاستفادة من خصائص تركيز طاقة الموجة الكهرطيسية ذات الترددات العالية وضبطها- التي تحدث تجاوباً رنينياً جزيئياً وذرياً- في التسخين بالقدرة الكهرطيسية للموجة المِكروية في التطبيقات الصناعية والتجارية وفي المجالات الطبية (الشكل 8).

الشكل (8): تقنية الأفران المِكروية.

-الاتصالات الخلوية:

تُستخدم هوائيات مركّبة على أبراج بحيث يغطي كل منها منطقة محددة بقطر 20km. يجري الاتصال بين الهاتف والبرج الذي يقع في نطاق تغطيته، وعند مغادرة الهاتف المحمول مجال البرج يقوم بتسليمه إلى البرج الأقرب له. تُستخدم السواتل الواقعة في المدارات حول الأرض لتوسيع مجال الأنظمة الأرضية. وتتوافر أعداد كبيرة من هذه السواتل في المدارات الدنيا لتحقيق الاتصالات بين أجهزة الهواتف والمحطات في كل مكان على اليابسة وفي البحار (الشكل 9).

الشكل (9): تقنية الاتصالات الخلوية.

-امتصاص الموجة في الغلاف الجوي:

يعمل الغلاف الجوي حجاباً كهرطيسياً عند ترددات 50GHz وأكثر، إذ يخمّد الموجة الكهرطيسية بعامل قدره 0.5dB/km عند التردد المذكور، ويصبح هذا العامل 20dB/km عند ترددات 60GHz. يفيد ذلك في دراسات التنبؤ الجوي والاستشعار من بُعد (الشكل 10).

الشكل (10): استخدام الإشعاع الكهرطيسي في التنبؤات الجوية

التطبيقات الطبية للإشعاع الكهرطيسي

تطورت تطبيقات الإشعاع الكهرطيسي في التشخيص والمعالجة، وشغلت حيّزاً مهماً في المجال الطبي، بنوعيها الأشعة المؤينة وغير المؤينة التي تشمل الأمواج الراديوية والضوء المرئي والأشعة فوق البنفسجية وأشعة X وأشعة غاما، إضافةً إلى الأشعة الجسيمية مثل الأشعة الإلكترونية والنيترونية والبروتونية وأشعة ألفا والميزونات.

تُستخدم الإشعاعات المذكورة في تصوير أعضاء جسم الإنسان، ومنها ما يمتاز بإمكانات المتابعة في المكان والزمن. ومن أهم هذه التطبيقات: أنظمة التصوير الطبي باستخدام أشعة X، والتصوير الطبقي بالانبعاث البوزيتروني positron emission tomography (PET)، والتصوير بالرنين المغنطيسي magnetic resonance imaging (MRI).

يُعرّض جسم الإنسان لحزم أشعة X، وتقاس الأشعة التي تجتاز الجسم بوساطة جهاز كاشف. وتتشكل صورة نتيجة تفاوت امتصاص فوتونات هذه الأشعة، وبناءً على ذلك يمكن تشخيص الحالة المرضية.

وتطورت تقنيات التصوير باستخدام التصوير الطبقي المحوسب computerized tomography (CT) الذي يعطي مقاطع عرضانية للجسم أو العضو، ويعتمد على استخدام أشعة X وقياس شدة الفوتونات النافذة من زوايا مختلفة من الجسم أو العضو. بعد ذلك يقوم الحاسوب بإعادة دمج الصور وتركيبها وإظهارها على شاشة العرض (الشكل 11).

الشكل (11): التصوير الطبقي بالأشعة السينية.

-تقنية التصوير الطبي بالإشعاع البوزيتروني (PET):

تتيح تقنية التصوير هذه تحديد الفعاليّات الفيزيولوجية للإنسان من استقلاب وتدفق الدم وطرح الأكسجين ومعامِلات المناعة الحيوية، وتفيد أيضاً في مجال الأبحاث العلمية لمتابعة وظائف الدماغ والقلب.

تُستخدم المركبات الكيميائية وسائط لحقن الأعضاء، وتعدّ هذه المركبات مصادر الانبعاث البوزيتروني مثل كربون-11 ونتروجين- 13. ويدخل في تركيب الكاميرات البوزيترونية الكواشف الومضية بمضاعفات الانبعاث الضوئي مع استخدام تقنية إعادة تركيب الصور حاسوبياً. تُجرى القياسات المقطعية في الجسم بعد حقنه بالمواد المشار إليها من خلال الكواشف المحيطة به. ويجري إبطال مفعول البوزيترونات بوساطة الإلكترونات، فتظهر أشعة غاما التي تُكشف بالمضاعف الفوتوني الواقع مقابل جسم المريض (الشكل 12).

الشكل (12): التصوير الطبقي الانبعاثي البوزيتروني.

-التصوير بالرنين المغنطيسي :MRI

تُسلط حزمة أمواج راديوية عالية التردد على جسم المريض، ويعرّض لحقل مغنطيسي عالٍ، حيث تقوم نوى الذرات في الجسم بامتصاص هذه الأمواج عند ترددات مختلفة تحت تأثير الحقل المغنطيسي العالي. ترتكز تقنية الرنين (النووي) المغنطيسي على استجابة نوى الهدروجين (أي البروتونات) للموجة الراديوية بتردد محدّد، وإعادة بثها بالتردد نفسه.

يمكن بهذه التقنية الحصول على صور بميزٍ ودقة أعلى من التصوير بأشعة X (الشكل 13).

الشكل (13): التصوير بالرنين المغنطيسي.

-تطبيقات النظائر المشعّة في التشخيص:

تُستخدم النظائر المشعّة في نوعين من التقنيات: يتمثل الأول في رؤية توزّع النظائر في العضو كوسيلة لدراسة البنية التشريحية، والثاني في التحليل الكمّي لقياس الامتصاص والترسبات للمادة المشعة لدراسة الاستقلاب.

-المعالجة بالإشعاعات المؤينة العالية الطاقة (أشعة غاما):

تتميز أشعة غاما بفوتونات عالية الطاقة وبطول موجة كهرطيسية صغير جداً. تتولد من النظائر المشعّة نتيجة التغيّرات النووية الطارئة على المادة، ويستخدمها الفلكيون في دراسة أجسام أو مناطق عالية الطاقة، كما تُستعمل في تعقيم البذور والفواكه وتطبّق في الطب لمعالجة الأورام السرطانية (الشكل 14).

الشكل (14): أشعة غاما في المعالجة الطبية.

-استخدام الأشعة فوق البنفسجية:

من المعروف أن الشمس تصدر كميات كبيرة من الأشعة فوق البنفسجية (الشكل 15) تتسبب في تحطيم بعض الروابط الكيميائية جاعلةً الجزيئات تتفاعل تفاعلاً غير اعتيادي. وبعبارات أخرى: تغيِّر هذه الأشعة سلوكيات الجزيئات، فمثلاً يؤدي التعرض الزائد لأشعة الشمس إلى تمزّق خلايا الجلد، الذي يمكن أن يتسبب في سرطان الجلد.

تجدر الإشارة إلى أنَّ طبقة الأوزون تسهم في امتصاص الجزء الأكبر من هذه الأشعة، ومن ثم حماية البيئة الحيّة.

الشكل (15): الشمس مصدر للأشعة فوق البنفسجية.

-المعالجة بالأشعة الضوئية:

تُستخدم الأشعة الضوئية في معالجة اليرقان عند الأطفال الحديثي الولادة. إذ يجري امتصاص الأمواج الكهرطيسية ذات طول الموجة (420 - 480)nm في جلد الإنسان، إضافةً إلى استخدامها في الرؤية الليلية والتصوير بالأشعة تحت الحمراء (الشكل 16).

الشكل (16): التوزع الحراري للأشعة الضوئية

-تطبيقات الليزر:

انتشرت تقنيات الليزر انتشاراً واسعاً في الجراحة من دون نزيف. ويمكن التحكم فيها بدقة عالية جداً، ولاقت نجاحاً في معالجة الآفات البصرية (الشكل 17).

الشكل (17): التطبيقات الطبية والملاحقة بأشعة الليزر.

استخدام الأشعة في المعالجة:

استُخدمت في المدة الأخيرة نتائج الكهرطيسية الحيوية في المعالجة، وطُبّقت بنجاح في الطب السريري، بمعنى استعمال الطاقة الكهرطيسية في المعالجة الطبية سواء عند الترددات المنخفضة أم الترددات العالية في مجالات عديدة، مثل تكاثر الخلايا، وتخفيض الألم، وتنشيط الدورة الدموية، وترميم العظام، والتهاب المفاصل وغيرها.

تجدر الإشارة إلى أنَّ بعض الحقول الكهرطيسية يمكن أن تسبب - تبعاً لتردداتها- ضرراً للأعضاء الحيوية مثل تحطيم بعض الروابط الكيميائية الذي يسبب بعض الأمراض.

مراجع للاستزادة:

- A. Akddagli, Behaviour of Electromagnetic Waves in Different Media & Structures, INTECH, Croatia, 2011.

-W. Hayt, Engineering Electromagnetic, McGraw-Hill, New York, 2006.

- J. Krausj & D. Fleisch, Electromagnetics with Applications, McGraw-Hill, Boston, 2000.

- G. Raju, Electromagnetic Field Theory, Pearson Education, Singapore 2005.


التصنيف : هندسة الاتصالات
النوع : هندسة الاتصالات
المجلد: المجلد الثاني
رقم الصفحة ضمن المجلد : 0
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 502
الكل : 31268440
اليوم : 16628