logo

logo

logo

logo

logo

البصريات المكروية

بصريات مكرويه

Microwave optics -

البصريات المِكروية

إياد سيد درويش

أهم مواصفات بصريات الأمواج المِكروية وتطبيقاتها

بصريات الأمواج المِكروية في التعليم

بصريات الأمواج المِكروية والأبحاث الحديثة

 

تدرس بصريات الأمواج المِكروية microwave optics خواص الأمواج المِكروية المشابهة للأمواج الضوئية المرئية visible light. ولما كانت الأمواج المِكروية والمرئية أمواجاً كهرطيسية، والفرق الرئيسي بينهما هو التردد؛ فإن ذلك يفترض أن خواصهما متشابهة في عدة مظاهر. ولكن السبب الذي يجعل الأمواج المِكروية تتصرف كالأمواج المرئية، أكثر من الأمواج ذات الترددات المنخفضة جداً (50-60 هرتز)، هو أن أطوال الأمواج المِكروية من مرتبة الأبعاد الفيزيائية للأشياء التي تتفاعل معها عادة أو أصغر منها.

أدت بصريات الأمواج المِكروية -من الناحية التاريخية- دوراً مهماً في إثبات نظرية ماكسويل Maxwell، حيث لجأ هرتز Hertz في تجاربه التقليدية أولاً إلى بيان الخواص الضوئية لأمواج سنتيمترية، مثل خواص الانتشار المستقيم والانعكاس والانكسار والاستقطاب. ومن المسلّم به افتراضياً أن الأمواج المِكروية تمتلك جميع هذه الخواص، وأن لغة البصريات الهندسية أو الفيزيائية تُستعمل في مجال الأمواج المِكروية حيث أمكن.

تبرز أهمية بصريات الأمواج المِكروية في إمكانية استعمال التقنيات المعروفة في مجال البصريات لتصميم تجهيزات الأمواج المِكروية والهوائيات خاصة. كما تبرز في المجالات التعليمية الإيضاحية الخاصة بدراسة الخواص الضوئية من قبل الطلاب. وأخيراً تسهم بصريات الأمواج المِكروية في إثبات النظريات الحديثة الخاصة بالضوء لسهولة تصنيع بنى توافق أطوال موجاتها.

أهم مواصفات بصريات الأمواج المِكروية وتطبيقاتها

نظراً لاكتشاف القوانين التي تحكم الظواهر الضوئية المرئية قبل التعامل مع الأمواج المِكروية؛ فقد استُعمل الكثير من هذه القوانين في تطبيقات الأمواج المِكروية وتصميم التجهيزات التابعة لها، ومنها:

1- الانتشار المستقيم

تنتشر حزمة الأمواج المِكروية - كما هي الحال في الضوء - وفق خط مستقيم في وسط مثالي متجانس ولا متناهي الأبعاد. يؤكد الحل العام لمعادلة الموجة هذه الظاهرة مباشرةً إذ يبيّن أن اتجاه انتشار موجة عادية لا يتغير في وسط متجانس. وفي تطبيقات الرادار، يمكن تسويغ فرضية انتشار الموجة المِكروية وفق خط مستقيم - بتقريبٍ مقبول - قبل الانعكاس عن جسم ما وبعده. وفي اتصالات الأمواج المِكروية، تتطلب هذه الخاصية وقوع المحطتين المتصلتين على خط النظر. وفي الحالة المعاكسة، تمنع تضاريس الأرض أو سطحها وصول الأمواج من إحدى المحطتين إلى الأخرى. وتُعالَج هذه الصعوبة باستعمال محطات ربط تتابعية، بحيث يُحافظ على الانتشار المستقيم في كل جزء.

2- الانكسار والانعكاس

عند ورود موجة مِكروية مستوية الاستقطاب، على سطح حدّي يفصل بين وسطين نصف لانهائيين، لهما خواص فيزيائية مختلفة (الشكل 1)؛ تتطلب الشروط الحدّية وجود موجة منعكسة في وسط الورود أو الوسط 1، وموجة نافذة (منكسرة) داخل الوسط 2. وإذا كان الوسطان عازلين؛ فإن علاقتي الانعكاس والانكسار المعروفتين في الضوء -والمعبَّر عنهما في المعادلتين (1) و(2)- تبقيان صالحتين للأمواج المِكروية.

للانعكاس

للانكسار

حيث: i زاوية الورود، و زاوية الانعكاس، وr زاوية الانكسار في الوسط 2، و و ثابتا العازلية للوسطين 1 و2 على التوالي، وN هو قرينة انكسار الوسط 2 نسبةً إلى الوسط 1.

تتعلق شدتا الموجتين المنعكسة والمنكسرة باستقطاب الحقل الكهربائي للموجة الواردة، فيما إذا كان هذا الحقل مستقطباً ضمن مستوي الورود أو عمودياً عليه. ويمكن تطبيق المعادلات المعروفة لـفرنل Fresnel في الضوء لتحديد شدتي الموجتين المنعكسة والمنكسرة في حالة الأمواج المِكروية waveguides.

الشكل (1) الانعكاس والانكسار للأمواج المِكروية على سطح مستوٍ فاصل بين وسطين عازلين.

تُستخدم قوانين الانعكاس والانكسار لحساب أنماط الانتشار داخل مرشدات (أدلة) الموجة المعدنية المملوءة بعازل. الحالة الشائعة هي الورود العمودي على المستوي الفاصل بين وسطين عازلين، والعمودي على الاتجاه الطولي لمرشد (دليل) الموجة، ويمكن الحصول على معامِل الانعكاس بقياس نسبة الأمواج المستقرة داخل مرشد الموجة. يقترن تطبيق آخر مهم بخاصة الأمواج المِكروية المماثلة لظاهرة الانعكاس الكلي المعروفة في الضوء. يمكن إيضاح هذه الخاصة من المعادلة (2). فإذا كان (أي إذا كانت الموجة واردة من وسط أشد كثافةً إلى وسط أقل كثافةً)، يحدث انعكاس كلي للموجة في الوسط 1 إذا حققت زاوية الورود الشرط (المعادلة 3):

هذا يعني أن قضيباً عازلاً مصمّماً بشكل مناسب، يمكن أن يكون مرشداً للموجة بالانعكاس الكلي للموجات المستوية الأساسية. تبقى أيضاً حالة مثيرة للاهتمام، وهي عدسات الأمواج المِكروية؛ إذ يمكن تكوين عدسة أمواج مِكروية ذات قرينة انكسار مطلوبة؛ باستعمال مادة عازلة طبيعية بشكل معين، أو باستعمال عازل صنعي مكوّن من شبكة من صفائح معدنية رقيقة بتصميم معيّن. اُستعمِلت مثلُ هذه العدسات هوائيات للأمواج المِكروية.

إن لانعكاس الأمواج المِكروية على مستوٍ وسطٍ ناقلٍ خصائص انعكاس الموجة الضوئية على مرآة معدنية نفسها؛ فمطال الموجة المنعكسة يساوي عملياً مطال الموجة الواردة، وتساوي زاوية الانعكاس زاوية الورود. لا تتجاوز الموجة النافذة إلى مادة الوسط الناقل أكثر من عمق طبقة جلدية وتأثيرها محدود جداً. ومثال تطبيق انعكاس الأمواج المِكروية على سطوح المواد الناقلة تصميم هوائيات عاكسة على شكل قطع مكافئ مجسّم، وهي تُستخدم هوائياتٍ لتجميع الأمواج المِكروية الواردة من سواتل البث التلفزي الفضائي، وكذلك لتشكيل أهداف للحزم الرادارية.

3- الانعراج

تخضع الأمواج المِكروية -بصورة مماثلة للضوء- للانعراج عندما تواجه عائقاً أو فتحة بأبعاد تُقارن بطول موجتها أو أصغر بقليل؛ إذ تنتشر الأمواج بعد العائق في مناحٍ واتجاهات مغايرة للانتشار المستقيم للأمواج الواردة إلى العائق. وقد دُرست ظاهرة الانعراج في الضوء. فإذا اقترن مرشدا موجة عبر ثقب صغير في حاجز معدني (الشكل 2)، وإذا كان نصف قطر الثقب أصغر من حيث طول الموجة؛ تتسرب الموجة المنتشرة في أحد مرشدي الموجة عبر الثقب بالانعراج داخل مرشد الموجة الآخر. يمكن النظر إلى ظاهرة الانعراج في هذه الحالة على أنها حالة مكافئة لوجود ثنائي قطب كهربائي ومغنطيسي في موضع الثقب. تفسِّر قوانين إشعاع ثنائيات الأقطاب اقتران الموجة المِكروية بين مُرْشِدَي الموجة. ومن جهة أخرى، تؤدي ظاهرة الانعراج دوراً أساسياً في تصميم هوائيات الأمواج المِكروية، فهي تعمل على تحديد اتجاهية حزمة الأشعة الصادرة أو الواردة إلى الهوائي وانفراجها.

الشكل (2) انعراج الموجات المِكروية عبر فتحة صغيرة بين مرشدي موجة. أُظهرت فقط خطوط القوى المغنطيسية لتوزّع الحقل.

4- الاستقطاب

يُحدَّد استقطاب موجة كهرطيسية باتجاه الحقل الكهربائي والمغنطيسي. ويُفترض للتبسيط أن الموجة المستوية تنتشر في الاتجاه z. يكون اتجاها الحقلين الكهربائي والمغنطيسي متعامدين دوماً في المستوي xy. ومن ثمّ تكفي دراسة استقطاب الحقل الكهربائي بمفرده. تُعدّ الموجة مستوية الاستقطاب؛ إذا كان شعاع الحقل الكهربائي مستقطباً في اتجاه وحيد، المحور x مثلاً. وفي حال كانت مركبتا الحقل الكهربائي  و متساويتين في المطال -ولكن بفرق طور مقداره
09° - تُعدّ الموجة مستقطبة دائرياً (نحو اليمين إذا كانت Ey متأخرة عن Ex، ونحو اليسار إذا كانت Ey متقدمة على Ex). وأخيراً تكون الموجة إهليلجية الاستقطاب؛ إذا لم تكن مستوية أو دائرية الاستقطاب.

يبقى الوصف السابق - المستند أساساً إلى مبادئ الضوء - صحيحاً في حالة الأمواج المِكروية في الفضاء الحر، أو في أي مكان آخر يكون فيه الحقل الكهربائي والمغنطيسي للموجة مستعرضاً transverse electromagnetic (TEM). لا تنتشر الأمواج المستعرضة في بعض الأوساط ذات البنى الخاصة، مثل مرشدات الموجة المجوّفة، ويكون وصف استقطاب الموجة في هذه الأوساط أعقد بكثير؛ ولكن المفاهيم العامة المعبَّر عنها هنا تبقى صالحة.

يمكن تحويل استقطاب موجة مِكروية ببعض الوسائل البسيطة، فعلى سبيل المثال يمكن لشريحة رقيقة من بعض المواد العازلة - مثل الميكا mica - تحويل موجة مستوية الاستقطاب إلى موجة دائرية الاستقطاب بتقنية مكافئة لصفيحة ربع موجة في البصريات، حيث تدخِل هذه الشريحة فرق طور بمقدار °90 على إحدى المركبتين المتساويتي المطال لشعاع الحقل الكهربائي في الموجة المستوية الاستقطاب.

5- أثر فارادي Faraday

يتمثل أثر فارادي في البصريات بدوران استقطاب الحزمة الضوئية مع انتشارها في وسط كثيف شفاف موضوع ضمن حقل مغنطيسي. جرى اكتشاف ظاهرة مماثلة للأمواج المِكروية سمحت بالعديد من التطبيقات المهمة.

على سبيل المثال، يُطبّق على مرشد موجة أسطواني، يحوي قضيباً صغيراً من مادة الفِرّيت (مادة حديدية مغنطيسية ضعيفة الناقلية)؛ حقل مغنطيسي ثابت موازٍ لمحوره (الشكل 3). إذا وردت موجة باستقطاب كهربائي شاقولي من اليسار؛ يدور مستوي الاستقطاب من خلال المرور بمنطقة الفرّيت بزاوية تتناسب مع طول قضيب الفرّيت. إذا أُعيدت الموجة الخارجة من المرشد من طرف اليمين باتجاه اليسار، يدور استقطاب الموجة المنتشرة إلى الوراء أيضاً بزاوية وبالاتجاه نفسه، أي إن استقطاب الموجة الخارجة من المرشد من اليسار يصنع زاوية مع الموجة الأصلية بدلاً من أن يكون مطابقاً لها، كما يمكن توقعه من مبدأ الرجوع العكسي للموجة. تشكل هذه المنظومة عنصر دارة غير عكسي، يسمى أحياناً اللفّاف gyrator للدلالة على الحركة الالتفافية للمغانط العنصرية.

الشكل (3) دوران استقطاب مستوٍ لموجة مِكروية بوساطة قضيب حديدي (فرّيتي) في حقل مغنطيسي طولاني. تمثل E الحقل الكهربائي.

أحد أهم تطبيقات اللفّاف، هو النقل الوحيد الاتجاه للموجة المِكروية. إذا وردت موجة مستوية الاستقطاب من مرشد موجة مستطيل إلى مرشد موجة أسطواني يحتوي على لفّاف، ثمّ دخلت إلى مرشد موجة مستطيل آخر موجَّه بحيث يناسب استقطاب الموجة الخارجة من مرشد الموجة الأسطواني بعد دورانه، وبتحديد الزاوية بـ 45°؛ فإن أي موجة مرتدة من المخرج نحو المدخل سيكون استقطابها معامداً للموجة الأصلية. ولذا لا يمكنها الانتشار في أول مرشد موجة مستطيل. يمكن حماية جهاز الإرسال بهذه الطريقة من أي تشويش ناجم عن ارتداد الموجات. وثمة تطبيق آخر للفّافات، وهو المدوِّر circulator (الشكل 4). يمكن - باستعمال لفّاف أو أكثر - السماح لموجة بالانتقال من المرسل إلى الهوائي؛ وليس إلى المستقبِل، والسماح لموجة بالانتقال من الهوائي إلى المستقبِل؛ وليس إلى المرسل.

الشكل (4) مدوِّر مكوّن من عنصر لفاف أو أكثر لتطبيقات عدم الرجوع العكسي.

بصريات الأمواج المِكروية في التعليم

ثمة مزايا عديدة في دراسة الظواهر الضوئية بترددات الأمواج المِكروية، إذ تصبح أطوال الموجة المقدرة بالمِكرونات (الخاصة بالأمواج الضوئية) سنتيمترات (الخاصة بالأمواج المِكروية). ويمكن رؤية المتغيّرات المحجوبة عن العين المجرّدة بسبب الأبعاد الصغيرة والتعامل معها بسهولة. لذلك يعمد العديد من المؤسسات التعليمية إلى إجراء تجارب عملية متعددة خاصة بالضوء باستعمال الأمواج المِكروية.

يمكن إجراء معظم التجارب الضوئية التقليدية باستعمال الأمواج المِكروية، بدءاً من تحديد قوانين الانعكاس والانكسار، مروراً بدراسة الاستقطاب وتأثيره في مطال الموجة المنكسرة، ومعاينة ظواهر الانعراج والتداخل باستعمال شقوق وعناصر بأبعاد ميليمترية أو سنتيمترية، وقياس طول الموجة عن طريق الأمواج المستقرة وتعيين العُقد والبطون، واستعمال المرشحات ومداخلات فابري-بِروت Fabry-Perot؛ وانتهاءً بدراسة مرشدات الموجة. تتكون المنظومة التجريبية من مرسِل ومستقبِل ومن العديد من العناصر الضوئية، مثل العواكس المعدنية، والعواكس الجزئية، والمقطّبات، والمواشير، وشقوق التداخل، وشبكات الانعراج (الشكل 5).

الشكل (5) تجربة مُداخِل فابري-بِروت Fabry-Perot باستعمال الأمواج المِكروية.

بصريات الأمواج المِكروية والأبحاث الحديثة

أحد المجالات التي تبرز فيها أهمية بصريات الأمواج المِكروية هي التحقّق العملي من النظريات الحديثة المتعلقة بالضوء، وخاصةً فيما يتعلق بتفاعل الضوء مع مواد ببنى ذات أبعاد أصغر من طول الموجة. ففي حين يتطلب إنشاء مثل هذه المواد في المجال الضوئي تقنيات نانوية معقدة، وليست دائماً في متناول التقنيات المعروفة، تكون أبعاد مواد مماثلة في مجال الأمواج المِكروية ميليمترية يمكن إنشاؤها بالتقنيات المتاحة.

1- البلورات الفوتونية photonic crystals

وهي بنى نانوية دورية من مواد عازلة أو مواد معدنية وعازلة مصمّمة للتأثير في انتشار الأشعة الكهرطيسية بالطريقة نفسها التي يؤثر فيها الكمون الكهربائي في بلورات أنصاف النواقل في حركة الإلكترونات، وذلك بتعريف قطاعات طاقة مسموحة وممنوعة للإلكترون. تتضمن البلورات الفوتونية مناطق مكرّرة بانتظام، لها ثابت عازلية مرتفع ومنخفض. يُسمح للفوتونات بالانتشار داخل هذه البنية أو تُمنع من الانتشار تبعاً لطول موجتها. يجب أن تكون أبعاد هذه البنى من مرتبة نصف طول الموجة الضوئية (أو الكهرطيسية)، أي بحدود 350 نانومتر في حالة الضوء المرئي.

تتوفر هذه المواد في الطبيعة، حيث تتكون بعض الأحجار الكريمة -مثل الأوبال opal- من كريّات مِكروية من مادة السيليس موزّعة وفق ترتيب منتظم تقريباً.

بدأ العلماء - مثل اللورد ريلي Rayleigh - بدراسة البلورات الفوتونية منذ القرن التاسع عشر. وبُدئ بتصنيعها ببعد واحد في القرن العشرين، أما تصنيعها ببعدين أو ثلاثة أبعاد؛ فكان في نهاية القرن العشرين. وهنا تبرز أهمية بصريات الأمواج المِكروية في إمكان تصنيع بلورات فوتونية بثلاثة أبعاد ذات بنى ميليمترية يسهل تصنيعها ودراسة خواصها. في حين ما يزال تصنيع بلورات فوتونية بثلاثة أبعاد في المجال الضوئي المرئي يواجه صعوبات تقنية.

للبلورات الفوتونية العديد من التطبيقات مثل التحكم في عاكسية السطوح والمرايا، وتشكيل طلاءات وأحبار بألوان متغيرة، وتصنيع منابع ضوئية بأطوال موجات يصعب تصنيعها بالطرائق التقليدية، وإنشاء مرشدات موجة بمواصفات أعلى وضياعات أقل من المستخدمة حالياً.

2- المواد المُتَرَفِّعة metamaterials

أحد أهم الأبحاث الضوئية الحديثة هي المواد المترفعّة، وهي مواد لها قرينة انكسار سالبة. تتطلب هذه المواد أن تكون سماحيتها الكهربائية ε ونفوذيتها المغنطيسية μ سالبتين في آن واحد. لا يتوفر مثل هذا الشرط في المواد الطبيعية، ولا بدّ من تصنيع مواد ذات بنى دقيقة بالنسبة إلى طول الموجة تتمتع بخواص كهربائية (مكثفات) ومغنطيسية (تجاوب مغنطيسي) محدّدة.

تبدي المواد المترفّعة ظواهر غير معهودة تترافق مع انتشار الحزم الضوئية داخلها، مثل انتشار الموجة في اتجاه معاكس لانتشار الطاقة (الشكل 6).

الشكل (6) المواد المترفّعة ذات قرينة الانكسار السالبة، والتي تسمى أحياناً مواد اليد اليسرى بسبب التعاكس في الإشارة بين شعاع بوينتنغ Poynting (الدال على انتشار الطاقة) وشعاع الموجة.

وإحدى الظواهر غير المعهودة هي انكسار الأشعة على السطح الفاصل بين مادة طبيعية ومادة مترفّعة حيث تنكسر الأشعة بزاوية سالبة بالنسبة إلى الناظم على السطح الفاصل بين المادتين؛ نظراً لكون قرينة انكسار المادة المترفّعة سالبة (الشكل 7).

الشكل (7) في المواد المترفّعة، يصنع الضوء المنكسر زاوية سالبة مع الناظم على السطح الفاصل بين المادتين بما يتوافق مع قرينة الانكسار السالبة.

تؤدّي هذه الظاهرة إلى إمكانية محرقة الأشعة الضوئية للمواد المترفّعة. تتمحرق جميع الأشعة الصادرة من منبع نقطي في فضاء الجسم مرتين: مرّةً في نقطة داخل المادة، ومرّةً في نقطة خارج المادة في فضاء الخيال مشكِّلة صورة للجسم. ولذا تؤدي شريحة مستوية من مادة مترفّعة دور العدسة التقليدية في مجال البصريات. وتدل الدراسات على أن تشكيل الخيال خالٍ من الزيغ البصري مع تمحرق الضوء الصادر من منبع ضوئي في بقعة ذات أبعاد أصغر من طول الموجة متجاوزةً بذلك حدود الانعراج الذي يحدّد قدرة فصل العدسات في البصريات التقليدية. أي إنه بالإمكان تكوين عدسات مثالية من المواد المترفّعة، إذا أمكن تصنيع مواد ذات سماحية كهربائية ونفوذية مغنطيسية (أي قرينة انكسار) خاصةً، ومن ثمّ، يمكن حذف ضياعات الضوء الناجمة عن الانعكاس على الأسطح الفاصلة بين مختلف الأوساط (الشكل 8).

الشكل (8) محرقة الضوء عن طريق المواد المترفّعة؛ الأشعة المتباعدة من نقطة في فضاء الجسم تتقارب في نقطة داخل المادة المترفّعة ونقطة أخرى في فضاء الخيال مشكّلة صورة للجسم.

تعد العدسات القريبة من المثالية أحد التطبيقات المهمة التي يجري عليها العمل في مجال الأمواج المِكروية، لاسيما لتصنيع هوائيات خالية من الزيغ وذات خواص اتجاهية محدّدة. ولكن لا تقتصر أبحاث المواد المترفّعة على الأمواج المِكروية فقط، وإنما تتجاوزها لتشمل الأمواج الكهرطيسية وحتى الأمواج الميكانيكية مثل الأمواج الصوتية أو الاهتزازات الأرضية. تشمل مجالات التطبيقات المحتملة لهذه المواد الكشف عن الإشارة، والتحكم في الطاقة الشمسية، والاتصالات بالأمواج ذات الترددات العالية، وتحسين المحسّات فوق الصوتية، وحتى البنى الحامية من الزلازل، وربما التطبيق الأكثر إثارة للاهتمام هو إمكانية حجب الأجسام.

ونظراً لعدم توفر هذه المواد في الطبيعة؛ فلا بدّ من اصطناعها بوساطة خلايا تمثل دارات مغنطيسية (مثل المجاوبات الحلقية) وعناصر كهربائية (مثل المكثّفات) بحيث تكون أبعادها صغيرة جداً مقارنةً بطول الموجة المطلوب التعامل معها؛ وبكثافة كافية لكي تتصدى لجزء كبير من الحزمة الموجية التي تجتازها، محقّقة سطحاً فعالاً مناسباً. ظهرت أولى هذه المواد في بداية القرن الحادي والعشرين لتعمل في مجال الأمواج المِكروية بتردد نحو 4.5 GHz (الشكل 9)، وسمحت بإثبات بعض الظواهر المتوقّعة نظرياً، مثل قرينة الانكسار السالبة وخواص الانكسار الموافقة.

الشكل (9) تشكيل شبكة مادة مترفعة ذات قرينة انكسار سالبة تعمل في مجال الأمواج المِكروية ومكوّنة من عناصر حلقات التجاوب المجزأة split-rings resonators على أحد أوجه شريحة من الألياف الزجاجية المستعملة في البطاقات المطبوعة وخطوط نحاسية على الوجه الآخر. العدد الكلي للعناصر هو 3 حلقات في عدد من الخلايا 20x20، وبأبعاد كلية 10x100x100 ميليمتر.

 

مراجع للاستزادة

B. Kanté, D. Germain, A. de Lustrac, Experimental Demonstration of Non-Magnetic Metamaterial Cloak at Microwave Frequencies, Phys. Rev. 2009

J. B. Pendry, Negative Refraction, Contemporary Physics, 2004.

R. A. Shelby, D.R. Smith, S. Shultz, S.C. Nemat-Nasser, Microwave Transmission Through a Two-Dimensional, Isotropic, Left-Handed Metamaterial, Applied Physics Letters, 2001.

D. R. Smith, W. J. Padilla, D. C. Vier, S. C. Nemat-Nasser, S. Schultz, Composite Medium with Simultaneously Negative Permeability and Permittivity, Physical Review Letters, 2000.

O. Strobel, Optical and Microwave Technologies for Telecommunication Networks, Wiley 2016.

 


التصنيف : كهرباء وحاسوب
النوع : كهرباء وحاسوب
المجلد: المجلد الخامس
رقم الصفحة ضمن المجلد : 0
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 591
الكل : 31015002
اليوم : 70803