logo

logo

logo

logo

logo

البيئة البحرية وصونها

بييه بحريه وصونها

Marine ecology -

البيئة البحرية وصونها

 محمد منصور بكر، محمد النعمة

جيولوجيا المحيطات وجغرافيتها وطبوغرافيتها أحياء البيئات البحرية وتأقلمها مع العوامل البيئية
البيئات البحرية الأهمية الاقتصادية والبيئية للبيئة البحرية
العوامل البيئية في الوسط البحري المحميات البحرية Marine reserves ودورها في المحافظة على البيئة البحرية

 

 

يمكن تعريف البيئة البحرية marine environment عموماً بأنها المحيط المائي الضخم الذي يشمل المحيطات والبحار؛ بكل خصائصه الطبيعية (الفيزيائية والكيميائية والجيولوجية) مع ما يحتويه من كائنات حية. عُرّفت البيئة البحرية بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار عام 1982 بأنها "منظومة بيئية ecosystem، أو مجموعة من المنظومات البيئية في المفهوم العلمي المعاصر للنظام البيئي، تهتم بدراسة وحدة معيّنة في الزمان والمكان؛ بكل ما تشتمل عليه من كائنات حية في ظل الشروط المادية والمناخية، وكذلك العلاقة بين الكائنات الحية بعضها مع بعض وتآثرها مع الظروف المادية المحيطة بها". تُعدّ المنظومة البيئية البحرية من أكثر المنظومات البيئية تعقيداً. ويُعرّف علم البيئة البحرية marine ecology بأنه العلم الذي يهتم بكل ما يتعلق بالحياة في البحار والمحيطات، والعلاقات بين الكائنات الحية المختلفة وبينها وبين مختلف عوامل الوسط الذي يشمل المياه وقاع البحر والعوامل الخارجية المختلفة. ومع أن المحيطات تعد أكبر الموائل على كوكب الأرض، ولها تأثيرها في المنظومات البيئية الأرضية وفي العوامل الاقتصادية المؤثرة في حياة الإنسان؛ فإن الكثير من أسرار البحار مازالت غامضة، وتُعدّ تحدياً للإنسان الذي يحاول اكتشاف الحياة على كواكب أخرى؛ ولمّا يكتشف بعد أعماق البحار.

جيولوجيا المحيطات وجغرافيتها وطبوغرافيتها

تتألف قشرة الأرض، وفقاً لنظرية الصفائح التكتونية plate tectonics، من العديد من الصفائح المتحركة، وتعود هذه الصفائح إلى أحد نمطين: صفائح محيطية تشكل قاع المحيطات والبحار، وصفائح قارية تشكل اليابسة. تطفو هذه الصفائح على سطح الغلاف الأرضي Earth&https://www.arab-ency.com.sy/tech/details/733/6#39;s mantle؛ متباعدة أو متقاربة أو تنزلق بعضها مقابل بعض. وعندما تتباعد صفيحتان؛ تنفذ الصهارة (الماغما) magma من الغلاف الأرضي، وتبرد لتشكل قشرة جديدة. وعندما تتقارب صفيحتان تنزلق إحداهما أسفل الأخرى، وتنغرز تحتها، أو تمتص ثانية في الغلاف. وقد لوحظت أمثلة على كلتا العمليتين في البيئة البحرية. وأدت هذه العمليات إلى حدوث تغير كبير في طبوغرافيا المحيطات والبحار في العالم خلال 600 مليون سنة مضت.

بنية المحيطات متجانسة، ويُميز فيها مناطق طبوغرافية مختلفة (الشكل 1). تبدأ بالرصيف القاري continental shelf، وهو منطقة اتصال مياه المحيط باليابسة، ويكون انحدارها متدرجاً وخفيفاً، ومغمورة بمياه ضحلة نسبياً (حتى عمق 200 م تقريباً)، ويصل متوسط عرضها حتى 800 كم (المناطق الحمراء في الشكل 1-آ). ويلي الرصيف القاري منطقة شديدة الانحدار تدعى المنحدر القاري ،continental slope وتقع بين عمق 200 إلى 3000 متر (المناطق الصفراء في الشكل 1-آ)، وتنتهي إلى منطقة سهلية مسطحة واسعة تدعى السهل السحيق abyssal plain ويراوح عمقها بين 3000 و6000 متر، وتشغل 80% تقريباً من مساحة المحيطات (المناطق الزرقاء في الشكل 1-آ). ويُميز عادة بين حدود المنحدر القاري والسهل السحيق منطقة تخف فيها شدة الانحدار تدعى منطقة النهوض القاري continental rise، نجمت عن رواسب متعاقبة تشكلت في سفح السهل السحيق. ويلاحظ في السهل السحيق وجود سلسلة مرتفعات تدعى تلال وسط المحيط mid-oceanic ridges، وهي كما يدل اسمها سلسلة مرتفعات تمتد عبر جميع المحيطات بين القارات، وترتفع نحو ثلاثة كيلومترات. تعد هذه المرتفعات وفق نظرية الصفائح التكتونية حدوداً بين صفيحتين متباعدتين. يتضمن قاع المحيط أيضاً خنادق (وهاد) ضخمة ضيقة العرض نسبياً ولكنها بالغة الطول، وتشكل أعمق أجزاء المحيط. تمتد هذه الخنادق المحيطية عادةً من 3 إلى 4 كيلومترات تحت مستوى قاع المحيط. وأكبر عمق للمحيط جرى قياسه في خندق ماريانا Mariana Trench، وبلغ عمقه 11034 م تحت مستوى سطح البحر. يضم قاع المحيط في بعض المواقع براكين نشطة تثور على فترات، وتسمى نقاطاً ساخنة hotspots، ويمكن لهذه البراكين أن تشكل جزراً بركانية تبرز فوق سطح المياه (الشكل 1-ب). ويصادف في السهل السحيق ينابيع حارة تطلق بضغط مرتفع ماءاً ساخناً للغاية ومواد كيميائية تنتشر في المياه حولها.

(أ) (ب)

الشكل (1)

أ - طبوغرافيا قاع البحار. يدل اللون الأحمر على الأماكن الضحلة والقليلة العمق، ويدل اللون الأزرق على أعماق البحار، وتمثل المساحات ذات اللون الأصفر والمخضر المنحدرات القارية والسلاسل الجبلية في قاع المحيطات. ب - رسم تخطيطي لمقطع في قاع المحيط

تشترك جميع هذه البيئات الطبوغرافية المختلفة باحتوائها على المواد الشائعة في مياه البحر، ولكنها تبدي قدرًا كبيراً من التباين من منطقة إلى أخرى.

ما تزال ملامح قاع المحيط غير معروفة تماماً. وتعد الخرائط الطبوغرافية للمريخ أو القمر أكثر اكتمالاً من خرائط التضاريس البحرية للأرض. ويرجع ذلك إلى حقيقة أن الماء يمتص ويكسر الضوء جيداً؛ بحيث يكون المحيط العميق معتماً تعجز معظم الأقمار الصناعية عن سبر أغواره. ومع ذلك أمكن الوصول إلى معلومات تفصيلية إلى حد ما عن قاع المحيطات؛ من خلال الجمع بين المعلومات حول حقل الجاذبية للأرض وارتفاع سطح البحر، وكذلك من خلال المعلومات المتوفرة عن طريق السونار Sound NAvigation Ranging (SONAR). (وهي منظومات للكشف عن الأجسام الموجودة تحت الماء وقياس عمق الماء عن طريق إصدار نبضات صوتية وقياس ارتدادها بعد الانعكاس).

تغطي البحار والمحيطات اليوم ما نسبته 70% من سطح الكرة الأرضية، أي نحو 363 مليون كم2 من سطحها البالغ 510 ملايين كم2. ويصل العمق الأعظمي فيها إلى نحو 11000م، مع عمق متوسط 3730 م، في حين لا يتجاوز ارتفاع أعلى قمة على اليابسة (جبل إفرست mount Everest) 8848م مع متوسط ارتفاع لجبال اليابسة يبلغ 875 م. تحتوي هذه المسطحات المائية الضخمة على 97% من مياه الأرض، ومن ثم فهي مكون رئيس في الدورة الهدرولوجية. ويمكن للمحيطات تخزين كميات كبيرة من الحرارة وإعادة توزيعها، لذلك تؤدي دوراً أساسياً في حالة المناخ الطبيعية وتقلبه في الكوكب بأسره.

البيئات البحرية

وجد العلماء اختلافاً كبيراً في العوامل البيئية على المستويين الأفقي والعمودي للبحار؛ مما ينجم عنه موائل مختلفة ضمن البيئة البحرية الشاملة. تُقسم البحار والمحيطات عادة إلى منطقتين أساسيتين (الشكل 2)، هما المنطقة الغمرية (البيلاجية) pelagic zone والمنطقة القاعية benthic zone.

الشكل (2) التقسيمات الأساسية للبيئات البحرية.

1: المنطقة الغمرية (البيلاجية): تشمل العمود المائي الممتد من سطح البحر إلى ما قبل القاع بقليل. تتغير ظروف الوسط في هذه المنطقة مع تغير المسافة من السطح (عمق المياه)، فعلى سبيل المثال، كلما زاد عمق الماء يزداد الضغط، وتنخفض درجة الحرارة وكمية الضوء؛ كما تتغير درجة الملوحة وكمية الأكسجين المنحل والمغذيات الصغرى (مثل
و و). وهذا يشكل مناطق مختلفة ومتباينة بخصائصها وبما تحتويه من كائنات. يمكن تقسيم عمود الماء -اعتماداً على العمق، مثله مثل الغلاف الجوي للأرض- إلى خمس مناطق رأسية (الشكل 2) هي:

أ: المنطقة الغمرية السطحية epipelagic zone: وهي المنطقة التي تعلو الرصيف القاري، وتمثل المنطقة المضاءة من العمود المائي، ويصل عمقها حتى 200م؛ تتميّز بغناها بالأكسجين، وتُعدّ منطقة الإنتاج الأولي في البحار الذي تنتشر فيه العوالق النباتية، ويشكل 90% من الإنتاج الأولي الكلي. تشكل تلك العوالق القاعدة الأساسية للسلسلة الغذائية الغمرية والبحرية عموماً، ويستوطن هذه المنطقة أكثر من 70% من الكتلة الحيوية للعوالق الحيوانية وللكثير من الأسماك والثدييات البحرية.

ب: المنطقة الغمرية المتوسطة mesopelagic zone: تلي المنطقة السابقة حتى عمق 700-1000م، وتتناقص فيها درجة الحرارة حتى 4°س، وينعدم الضوء، ولكن لا تنعدم الرؤية تماماً، لذلك تسمى منطقة الرؤية، ويقلّ فيها الأكسجين على نحو كبير. ويقطن هذه المنطقة الكثير من العوالق الحيوانية والحيتان والأسماك ذات العيون الكبيرة. يقوم الكثير من كائنات هذه المنطقة بهجرات ليلية نهارية منتظمة إلى الطبقة السطحية بحثاً عن الضوء والغذاء، وتؤدّي دوراً مهمّاً في نقل الطاقة من الطبقة المنتجة إلى الطبقات العميقة.

ج: المنطقة الغمرية العميقة bathypelagic zone: وتمتد حتى عمق 1-3 كم، تقل فيها الحيوانات على نحو كبير لقلة الغذاء؛ إلا أنها تحوي أعداداً لا بأس بها من الأسماك والرخويات وقناديل البحر والمشطيات والقشريات، وتمتاز غالباً بامتلاكها خاصية الإضاءة الحيوية.

د: المنطقة الغمرية العميقة جداًabssopelagic zone:  تمتد فوق الأحواض المحيطية أي ما بين 3-4 كم حتى 6 كم، وهي منطقة مظلمة جداً، وكائناتها قليلة وغريبة، وتتميز بضغط عالٍ ودرجة حرارة شبه ثابتة.

هـ: منطقة الأغوار hadalpelagic zone: وتبدأ من نهاية المنطقة السابقة حتى أعماق الشقوق الموجودة في قعر المحيط والتي يمكن أن تمتد حتى عمق 11 كم، وتكاد تخلو من الكائنات البحرية نتيجة تأثير كثير من العوامل الجيولوجية والفيزيائية فيها، وقد عثر حديثاً على أحد أنواع الهدبيات على عمق 9500م.

تقسم المنطقة الغمرية أفقياً إلى:

أ: المنطقة الشاطئية neritic zone: تشمل الجزء الضحل نسبياً من المحيط والممتد فوق الرصيف القاري continental shelf، وتشكل نحو 8% من مساحة المحيطات، ويتركّز فيها نحو 90% من الإنتاج البحري نظراً لتوفر الظروف البيئية المناسبة. تعد المنطقة الشاطئية غنية بالأكسجين وثاني أكسيد الكربون وبالأملاح المغذية الضرورية للنباتات والحيوانات القاعية، وتتلقى أشعة شمسية وافرة. إضافة إلى ذلك هناك إمكان لتجديد دوران العناصر المعدنية بسبب ظاهرة حدوث التيارات المائية الصاعدة upwelling العميقة والتي يصعد من خلالها الماء العميق إلى السطح. تتصف مياه المنطقة الشاطئية بشفافية متدنية وتتغير خواصها دائماً بسبب قلة العمق وتأثير اليابسة فيها (مجاري مياه، أنهار، جليديات). وعموماً فإن المنطقة القاعية في المنطقة الشاطئية (قاع المحيط الضحل) أكثر استقراراً بكثير من منطقة المد. وتشتمل المنطقة الشاطئية على أغلب الطحالب الكبيرة المثبتة، كما أنها أغنى المناطق بالأنواع الحيوانية؛ حيث تؤوي ثلثي الأنواع المعروفة من الأسماك البحرية، ولهذا السبب فإن أغلب الصيد البحري يكون في هذه المنطقة. كما أنها موطن للثروات المعدنية والنفطية.

ب: المنطقة المحيطية أو عرض البحر oceanic zone: تشمل المنطقة المفتوحة والعميقة التي تلي الرصيف القاري مباشرة، وهي تتألف من المنحدر القاري، ويليه السهل السحيق الذي يصل إلى عمق 6000م، وهو الجزء الأكبر من قاع المحيطات (82%). تعد منطقة عرض البحر أوسع البيئات البحرية، وتشغل نحو 90% من مساحة المحيطات؛ إلا أن إنتاجها لا يتجاوز 10% من الإنتاج البحري، وهي تشبه الصحارى من حيث الإنتاجية.

تتميز كائنات هذه المنطقة بأنها أقل تنوعاً وأقل غنى من كائنات المنطقة السابقة، ومياهها ذات شفافية عالية، بسبب فقرها إلى المواد المعلقة والكائنات البحرية عموماً، ويمثل لونها الأزرق لون الصحراء في الأوساط البرية. كما تتميز بتركيب فيزيائي وكيميائي ثابت تقريباً زمانياً ومكانياً وبملوحة عالية عامةً، وندرة بالعناصر المغذية اللازمة للنباتات؛ إضافة إلى صعوبة تجديدها في الطبقات السطحية (بسبب عمق المياه)؛ مما يؤدي إلى ندرة العوالق.

2- المنطقة القاعية benthic zone: تشمل قاع البحر والمياه التي تعلوه مباشرة وكائناته المختلفة. تشمل البيئة القاعية جميع مناطق المستند القاعي بدءاً من المناطق الساحلية حتى أقصى عمق بالأغوار المحيطية، وتقسم إلى:

أ- بيئة المنطقة الشاطئية littoral system: تغطي قاع منطقة الرصيف القاري، وتقسم عادة إلى عدة مناطق بحسب حركة المياه والمدى الذي يصل إليه الضوء:

  • منطقة شاطئية عليا :supralittoral zone وتسمى أحياناً منطقة الرذاذ، تمتد من الحد الأعلى لمستوى المد على اليابسة إلى منطقة خط الشاطئ. تتعرض فيها الكائنات الحية للبلل من وقت إلى آخر بفعل حركة المد العنيفة والرذاذ الناجم عن تكسر الأمواج. كائناتها قوية البنية ومجهزة للتنفس في غياب الماء وتحمّل تغيرات الحرارة والملوحة.
  • المنطقة الشاطئية الأصلية :eulittoral zone تمتد من حدود المد العالي إلى عمق 40- 60م. تتميز حيوانات هذه المنطقة بقدرتها العالية على مقاومة انكسار الأمواج وعلى الحفر في الرواسب خاصة في أثناء فترة جزر المياه عنها، وهي أغنى المناطق بالحياة حيث تغزر فيها الطحالب القاعية والأعشاب البحرية والحيوانات ذات الأهمية الاقتصادية من أسماك ورخويات وقشريات.
  • منطقة تحت شاطئية sublittoral zone: تمتد من عمق 60 إلى 200م، ويلاحظ فيها زيادة في كمية الحيوانات، وهي مع المنطقة السابقة من أهم مناطق صيد الأسماك في البحار.

    ب- بيئة البحر العميق deepsea zone: تشتمل على قاع المنحدر القاري والقاع السحيق. تتميز بالتدرج في انخفاض درجة الحرارة وازدياد الضغط. وتكون تغيرات الملوحة والعناصر المغذية بسيطة أو حتى معدومة بعد 1000م، ولهذا تُعدّ أعماق البحار نظاماً بيئياً متجانساً بين المحيطات الكبرى الثلاثة. تشكل السهول المحيطية الجزء الأكبر من أعماق البحار، ويتخللها الكثير من الجبال والتلال والارتفاعات والحواف البحرية التي تبرز فوقها، وفيها كذلك مناطق الأغوار والخنادق. تتناقص الكائنات البحرية خاصة بعد 1000م؛ نظراً لنقص الغذاء وانخفاض درجة الحرارة وزيادة الضغط مما يؤثر في معدلات النمو والتكاثر. وتهيمن في القيعان العميقة شوكيات الجلد Echinodermata والديدان الكثيرات الأشعار Polychaeta ومتماثلات الأرجل Isopoda. يمتاز الكثير من الحيوانات التي تعيش بالأعماق بامتلاكها لخاصية الإضاءة الحيوية bioluminescence المستخدمة لإضاءة حقل الرؤية والحماية من المفترسين والتصنيف والتزاوج وغيرها (الشكل 3).

    الشكل (3) بعض الكائنات المصدرة للإضاءة الحيوية: أ- قنديل بحر Jellyfish ، ب - سمكة الأعماق.

    هناك بيئات خاصة في أعماق البحار، أهمها:

    الينابيع الحارة القاعية deep-sea hot springs: اكتشفت الينابيع الحارة للمرة الأولى عام 1977 في سلاسل الجبال البحرية ذات النشاطات البركانية غرب الإكوادور، وعثر فيها على كائنات حيوانية مميّزة على عمق 3 كم، وتضم محارات كبيرة وسرطانات وديداناً أسطوانية يصل طولها إلى 3 م (الشكل 4). تكون درجة حرارة المياه في بعض الينابيع مرتفعة جداً (380°س) بالمقارنة بدرجة حرارة المياه المجاورة. يؤدّي كبريتيد الهدروجين دوراً مركزياً في الإنتاج الأولي الكيميائي الذي تحتاج إليه البكتريا والتي تشكل أساساً لسلسلة غذائية غير ضوئية في تلك البيئات.

    الشكل (4) الديدان الأسطوانية التي تنمو في بيئة الينابيع الحارة.

    بيئة الشعاب المرجانية: تُشكِّل الشعاب المرجانية بيئات فريدة تتباين في جمال ألوانها وتعدد أشكالها. ويتحدد انتشارها في المناطق الشاطئية للبحار والمحيطات بين خطي عرض 30 شمالاً و25 جنوباً، وتشغل مساحتها 0.2% من مساحة المحيطات. وتُعدّ من أغنى البيئات البحرية، وهي تُشكِّل ما يشبه الحدائق في قاع البحر (الشكل 5). تتشكل تلك الشعاب بفضل التعايش بين بوليبات أنواع من المرجانيات Scaphozoa؛ التي تتألف من مستعمرات كبيرة مع طحالب زرقاء مخضرة تعرف بـ zooxanthellae تختلف أشكالها كثيراً، وتتشارك في وجود هيكل كلسي.

    الشكل (5) صورة من بيئة الشعاب المرجانية.

    أهم عوامل نمو الشعاب المرجانية هي: درجة الحرارة الفضلى (23-29°س)، والملوحة المرتفعة نسبياً (33-38%)، وعمق مضاء حتماً نظراً للحاجة zooxanthellae إلى الضوء. وللشعاب المرجانية ثلاثة أشكال رئيسة، هي: الشعاب الحافيّة، وتكون محاذية للشاطئ، وأطولها في البحر الأحمر (4500م)؛ والشعاب الحاجزية، وتكون موازية للشاطئ ومفصولة عنه، وأكبرها في أستراليا (2500كم)؛ والجزر المرجانية، وتتكوّن نتيجة النمو السريع للمرجان حول الشواطئ. ولبيئة الشعاب المرجانية أهمية كبيرة في التنوع الأحيائي والإنتاج البحري، كما أنها تحمي الشواطئ من تأثير الأمواج، وتشكل واحات رائعة الجمال في قاع البحر؛ إضافة إلى أهميتها العلمية والطبية. وكان ابيضاض تلك الشعاب من أول الدلائل على تأثير التغير المناخي في البيئة البحرية.

    العوامل البيئية في الوسط البحري

    تتأثر الكائنات البحرية بنوعين من العوامل البيئية، هما: العوامل اللاأحيائية abiotic factors، وتخص العوامل الفيزيائية والكيميائية للوسط البحري، والعوامل الأحيائية biotic factors التي تخص التآثرات بين الأنواع المختلفة التي تعيش فيه، ويدعى الوسط الذي يقدم ظروف سكن متماثلة إلى مجموع الأنواع بالموقع الأحيائي biotope، أما مجموع الأنواع التي تعيش في الموقع الأحيائي، وترتبط بعضها ببعض بعلاقات وثيقة؛ فتدعى بالوحدة الأحيائية biocenose.

    1- العوامل اللاأحيائية:

    تتباين الخصائص الفيزيائية والكيميائية لمياه البحر بحسب عمق المياه وخط العرض والقرب من اليابسة أو وجود مصب للمياه العذبة. تتألف مياه البحر من نحو 3.5% مركبات منحلة، وتكون 96.5% الأخرى ماءاً مختلفاً. ويعكس التركيب الكيميائي لمياه البحر عمليات عديدة مثل تعرية "انجراف" الصخور والرواسب والنشاط البركاني والتبادل الغازي مع الغلاف الجوي وتفكك منتجات الكائنات الحية والمطر، وكذلك الكربون، وتتضمن هذه العوامل:

    أ- درجة الحرارة: تعد درجة الحرارة عاملاً بيئياً مهماً في الوسط البحري، وتؤثر تأثيراً كبيراً في توزع الكائنات الحية البحرية. تختلف درجة حرارة المياه السطحية من منطقة إلى أخرى، وتعتمد اعتماداً أساسياً على المنطقة الجغرافية أو بكلمة أكثر دقة على الإشعاع الشمسي الوارد من الغلاف الجوي في ذلك الموقع. يمكن أن تهبط الحرارة إلى -1,5ºس في المناطق القطبية، في حين ترتفع في عُرض البحار الاستوائية إلى 27ºس (الشكل 6). أما في الأعماق فتتناقص درجات الحرارة عامةً (الشكل 7).

    الشكل (6) متوسط درجات الحرارة السنوية (س°) للمياه السطحية في محيطات العالم وبحاره.

    الشكل (7) العلاقة بين درجة الحرارة، والملوحة والضغط مع عمق مياه المحيطات.

    تقسم ثخانة المياه البحرية بناء على درجة حرارتها وبحسب العمق إلى طبقتين غير متساويتين: طبقة سطحية تتغير درجة حرارتها تغيراً كبيراً بحسب الفصول، وتتناقص بسرعة مع العمق، وطبقة عميقة درجة حرارتها ثابتة تقريباً، وتتناقص ببطء شديد مع العمق لتصل إلى نحو 4ºس في أعماق المحيطات. وفي أثناء الصيف وفي المياه الهادئة تفصل بين هاتين الطبقتين طبقة وسطى يتوطد فيها تطبق حراري يدعى بطبقة المَيل الحراري thermocline. تتخامد التغيرات الفصلية كلما ازداد العمق، حتى تنعدم بعد عمق 300م. تتحمل بعض الأنواع تغيرات كبيرة في درجة الحرارة، وتدعى الأحياء واسعة المجال الحراري eurytherms، وتنتشر في مناطق شاسعة. وعلى النقيض منها هناك أنواع لا تتحمل إلا تغيرات طفيفة في درجة الحرارة، وتدعى الأحياء ضيقة المجال الحراري stenotherms.

    ب - الضوء: يتبدل الضوء كماً ونوعاً مع العمق بسبب الامتصاص الاصطفائي للأشعة الشمسية؛ فالأشعة الحمراء تُمتص بدءاً من الأمتار الأولى للعمق. ويتبع هذا التبدل اختلاف في توزع النباتات والحيوانات؛ فالأنواع التي تعيش قريبة من الضوء تدعى الأنواع المحبة للضوء أو أليفة الضوء photophils، وبالمقابل تدعى الأنواع التي تعيش في مناطق أقل إضاءة محبة للظل sciaphils.

    وبحسب كمية الضوء الواصلة إلى مياه المحيط تُميز منطقتان: منطقة مضاءة photic zone ينفذ منها الضوء، وتقوم فيها النباتات والطحالب بعملية التركيب الضوئي بنشاط، وتحتها أخرى مظلمة aphotic zone، وتتميز بالغياب شبه الكامل للضوء، وانعدام التركيب الضوئي.

    ج- الملوحة:

    الملوحة من الناحية النظرية هي كمية الأملاح الذائبة في مقدار محدد من الماء. الأملاح الذائبة في مياه البحر مركبات متعددة تكون على شكل إيونات؛ أهمها كلوريد الصوديوم، ويرافقه مركبات أخرى مثل كبريتات المغنيزيوم ونترات البوتاسيوم وبيكربونات الصوديوم (الشكل 8). تحتوي معظم مياه البحر نحو 35 غراماً (7 ملاعق صغيرة) من الملح في كل 1000 غرام من الماء. قد لا يبدو هذا كثيراً، لكن الأمر يتطلب نحو حاويتي شحن بطول 6 أمتار ممتلئين بالملح لصنع حمام سباحة أولمبي ملوحته مكافئة لملوحة ماء البحر.

    الشكل (8) مخطط يوضح التركيب الكلي لمياه البحر من الأملاح (الواحدات هي وزن/وزن)

    cl-55%, Na+30.6%,So2-47.7%,Mg2+3.7%,Ca2+1.2%,K+1.1%,Other 0.7%

    تختلف ملوحة المحيطات من مكان إلى آخر، وقرب سطح المحيط خاصة. تراوح القيم النموذجية للملوحة داخل المحيطات بين 34 إلى 36غ/كغ في المحيط المفتوح (الشكل 9)، ولكنها قد تكون أقل من 20 غ/كغ في بعض المواقع مثل بحر البلطيق، ويرجع ذلك أساساً إلى الكم الهائل من المياه العذبة المضافة إليه من مئات الأنهار، وقد تصل الملوحة في أماكن أخرى إلى 38 غ/كغ أو أكثر في البحر المتوسط الذي يتميز بأنه مغلق تقريباً عن المحيط الرئيس "الأطلسي"، ومعدل التبخر فيه يفوق كمية الأمطار أو المياه العذبة المضافة من الأنهار.

    الشكل (9) خريطة تظهر التباين في ملوحة المحيطات.

    تتحمل بعض الأنواع تغيرات واسعة في الملوحة، وتدعى الأحياء الواسعة التحمل للملوحة euryhalines، وتصادف بكثرة في مصبات الأنهار وفي المياه السطحية. وبالمقابل هناك أنواع لا تتحمل فروقاً كبيرة في الملوحة، وتدعى الأحياء الضيقة التحمل للملوحة stenohalines، تعيش عادة في الأعماق أو في عُرض البحر، حيث تبقى الخواص الفيزيائية والكيميائية للماء ثابتة نسبياً. وهناك حالة خاصة هي حالة بعض الأسماك التي تغير وسطها من أجل التكاثر، وتكون قادرة على المعيشة بالتناوب بين الماء العذب وماء البحر؛ كأسماك السلمون salmon fish والأنقليس eels. ويتوجب على هذه الأحياء تغيير فيزيولوجيتها وخاصة فيزيولوجية الإفراغ تغييراً جذرياً عندما يتبدل الوسط. وتشير الدراسات إلى أن هذا التغيير يُعرِّض الحيوانات لصدمة فيزيولوجية لا تعيش بعدها وقتاً طويلاً.

    د- الغازات المنحلَّة: يُعد الأكسجين وثنائي أكسيد الكربون أكثر الغازات أهمية في الوسط البحري. والأكسجين أقل انحلالاً في الماء المالح؛ حيث نسبة انحلاله في ماء البحر 80% من انحلاله في الماء العذب، ويتناسب انحلاله عكساً مع درجة الحرارة (الشكل 10). ففي البحار الاستوائية الحارة التي تحتوي على كمية قليلة من الأكسجين المنحل تكون المياه فقيرة بالكائنات الحية؛ أما في المياه القطبية الباردة التي تحتوي على كمية كبيرة من الأكسجين المنحل؛ فتغزر فيها العوالق plankton التي تتغذى عليها حيوانات كثيرة. أما غاز ثنائي أكسيد الكربون فهو أكثر انحلالاً في الماء من الأكسجين، ويُعد ضرورياً للنباتات المائية من أجل عملية التركيب الضوئي، كما تستخدمه كثير من الحيوانات من أجل بناء قواقعها وهياكلها الكلسية.

    الشكل (10) خريطة تظهر تركيز الأكسجين المنحل (مل/لتر) في المياه السطحية للمحيطات.

    من العوامل اللاأحيائية البيئية أيضاً بعض العناصر المغذية الأساسية للكائنات الحية مثل الآزوت (النتروجين) والفسفور، والتي تعد من العناصر الصغرى من حيث التركيز في مياه البحر؛ ولكنها تعد عوامل محددة limiting factors في الدورات العضوية في المحيط. تعد تراكيز الفسفور والآزوت (الشكلان 11 و12) منخفضة عموماً في المنطقة الضوئية؛ لأنها تستهلك بسرعة من قبل المتعضيات البحرية. يكون التركيز الأعلى لهذه العناصر عموماً أدنى من عمق 500م، وذلك نتيجة تفكك المتعضيات. من العناصر المهمة الأخرى السليكون (المستخدم في بناء هياكل المشطورات diatoms والشعاعيات radiolarians) والكلسيوم، وهو مهم في تكوين هياكل العديد من المتعضيات مثل الأسماك والمرجان.

    الشكل (11) تركيز النترات (مكرومول/لتر) في المياه السطحية للمحيطات.
    الشكل (12) تركيز الفسفات (مكرومول/لتر) في المياه السطحية للمحيطات.

    2- العوامل الأحيائية:

    تخص العوامل الأحيائية وتأثير الأنواع والتآثرات الحاصلة بينها، ومن أهمها التنافس والافتراس.

    أ- التنافس: يؤدي التنافس بين الأنواع أساساً إلى التفوق على الأنواع المحيطة بها من أجل الحصول على ما هو ضروري للنوع؛ لاسيما المأوى والغذاء. كما يحصل التنافس بين أفراد النوع ذاته على المكان والغذاء؛ لأنهما ربما لا يكونان كافيين للجميع؛ فتبدأ الأفراد بعضها بمزاحمة بعض، أو تدخل في صراع مفتوح بعضها مع بعض.

    ب- الافتراس: شعار أغلب الحيوانات البحرية هو "تأكل أو تكون مأكولاً"؛ لأن الغذاء مع التكاثر هما العنصران الأساسيان اللذان ينظمان حياة الحيوانات.

    تبدأ السلسلة الغذائية في الوسط البحري بالعوالق النباتية phytoplankton، حيث تكون غذاءً للمستهلكات الأولية، ونظراً لصغر قد العوالق النباتية؛ فإن آكلاتها تكون صغيرة القد أيضاً، ومن أشهرها مجدافيات الأرجل Copepoda. وتتتابع السلسلة الغذائية بحيث تأكل الأسماكُ الصغيرة مجدافيات الأرجل هذه؛ التي تصبح بدورها غذاء لأسماك أكبر منها وهكذا...

    أحياء البيئات البحرية وتأقلمها مع العوامل البيئية

    تتميز الأوساط البحرية بكونها مأهولة بغزارة وبالتنوع الهائل للكائنات الحية فيها، حيث تتمثل فيها جميع المجموعات الكبرى للمملكة النباتية، وأغلب المجموعات الكبيرة للمملكة الحيوانية، علماً أن عدداً من الزمر الحيوانية لا تتمثل إلا بأشكال بحرية. وتقسم الأحياء البحرية بحسب البيئة التي تسكنها أو وفق علاقتها بالماء والقاع إلى مجموعتين أساسيتين، هما:

    1- كائنات المنطقة الغمرية: وتشمل كل الكائنات التي تعيش في مختلف طبقات العمود المائي، وتقسم أيضاً إلى مجموعتين رئيستين، هما:

    أ: العوالق البحرية: تعرّف بأنها مجموع الكائنات التي تعيش في عمود الماء، ولا تستطيع مقاومة حركة الكتل المائية والتيارات (الشكل 13)، وتضم:

    الشكل (13) أمثلة لبعض المتعضيات التي تشكل العوالق البحرية (البلانكتون البحري).

  • العوالق النباتية phytoplankton: وهي طحالب وحيدة الخلية، وتسيطر فيها مجموعتا المشطورات Diatoms وثنائيات السياط Dinoflagellates. وهي مسؤولة عن 90% من الإنتاج الأولي البحري، وتشكل أساس السلسلة الغذائية في البحار.
  • العوالق الحيوانية zooplankton: وتحتوي على ممثلين لجميع شعب المملكة الحيوانية بدءاً من الحيوانات الأوالي حتى الفقاريات ممثلة ببيوض الأسماك ويرقاتها، ويراوح قدّها بين أقل من 1مم حتى بضعة أمتار (قناديل البحر)، وتختلف في طبيعة جسمها وغذائها ودورة حياتها، وتقسم إلى عوالق حيوانية دائمة، وتمضي حياتها كاملة في العمود المائي؛ وعوالق حيوانية مؤقتة تمضي المرحلة اليرقية فقط من حلقة حياتها ضمن العوالق، وغالباً ما تكون يرقات لحيوانات قاعية. وتشكل تلك العوالق صلة الوصل بين المنتجات الأوالي والكائنات ذات الأهمية الاقتصادية كالأسماك.

    ب: السابحات: وهي مجموع الكائنات التي تعيش ضمن عمود الماء، وتستطيع مقاومة التيارات المائية مثل الأسماك والثدييات والسلاحف البحرية والأخطبوط وغيرها.

    2: الكائنات القاعية Benthos: ويقصد بها جميع الأحياء التي تعيش على القاع أو بالقرب منه، وترتبط تغذيتها به. يقسم القاع البحري إلى قاع صخري، يسمح بنمو أنماط مختلفة من الكائنات الحية، وإلى قاع رملي قليل التنوع في أنماط الحياة. يمكن تقسيم الكائنات القاعية وفق معايير متنوعة، كأن تقسم وفق انتمائها التصنيفي أو وفق حركيتها... أو غير ذلك. ووفق المعيار الأخير يميز:

    أ: القاعيات اللاطئة: وهي مجموعة الأحياء القاعية التي تبقى متشبثة بالركيزة دائماً، وتُعدّ من أكثر الكائنات البحرية شهرة ومعرفة نتيجة تعامل الإنسان معها منذ القدم. وتضم هذه المجموعات نباتات قاعية phytobenthos وحيوانات قاعية zoobenthos. يذكر من النباتات القاعية الطحالب بأنواعها المختلفة التي تنتمي إلى الطحالب الخضراء والسمراء والحمراء والبنية، التي قد يصل طولها إلى 60 م كبعض الطحالب السمراء. ويمكن أن تكون بين النباتات القاعية بعض النباتات ظاهرات الإلقاح (الجنس بوزيدونيا Posidonia والجنس زوستيرا Zostera)؛ التي تشكل مروجاً تحت بحرية كثيفة، ولها أهمية خاصة في البحر المتوسط، حيث تشكل وسطاً خاصاً يؤوي أعداداً كبيرة من الحيوانات المتحركة - وخاصة الأسماك والقشريات - التي تجد فيه ملجأً ملائماً وغذاءً وافراً ومكاناً لوضع البيض والتفريخ (الشكل 14). أما القاعيات الحيوانية zoobenthos فتضم جميع الكائنات الحية الحيوانية التي تعيش إما على سطح القاع، وتكون لاطئة كالإسفنجيات والمرجانيات والشوكيات؛ وإما منطمرة في الرسوبيات كالديدان (الشكل 15).

    الشكل (14) ازدهار مروج البوزيدونيا Posidonia oceanica على القاع الرملي (البحر المتوسط).
    (أ) (ب)

    الشكل (15)

     أ- صورة لبعض الحيوانات القاعية الرملية، من أعلى إلى أسفل: مزدوجات الأرجل amphipods، الديدان الحلقية كثيرة الأشعار Polychaeta، وحلزون البحر Sea snail، ويرقة القمعيات midge. ب- شوكيات الجلد على قاع صخري.

    ب- القاعيات المتحركة: وهي قاعيات تستطيع التنقل مسافات كبيرة، وتمثلها القشريات مثل سرطان البحر وعشاريات الأرجل ورأسيات الأرجل وبعض الأسماك.

    الأهمية الاقتصادية والبيئية للبيئة البحرية

    1: الأهمية الاقتصادية: ولها أوجه متنوعة، أهمها:

  • الأهمية الغذائية: تُعدّ البحار مصدراً غذائياً مهماً للإنسان من خلال الكثير من الكائنات ذات القيمة الغذائية العالية، ومن أهمها الأسماك والثدييات البحرية والطحالب وثمار البحر كبلح البحر والقريدس. وتقدّر الثروة السمكية المصطادة من البحار بـ 100 مليون طن سنوياً.
  • الأهمية الصناعية والطبية: للكثير من الكائنات البحرية أهمية في مجال الصناعة وخاصة الطحالب algae التي يستخرج من بعضها مادة الآغار Agar المستخدمة في الصناعات الغذائية والدوائية؛ ومادة الألجين في صناعة المواد غير النفوذة. كما يُعدّ الكثير من الكائنات البحرية مصادر للصناعات الدوائية، وقد استخدم حيوان الإسفنج بوصفه مصدراً لإسفنج الحمام ولاستخراج مضادات حيوية، كذلك استخدمت جلود الفقمة وفراؤها في صناعة الألبسة الكتيمة؛ والمواد الدهنية في الحيتان لصناعة الشمع.
  • استخلاص الأملاح والمعادن: لعل أهم ما يميّز البيئة البحرية هو ملوحتها والمعادن المفيدة كالمغنزيوم. وتُعدّ البحار المصدر الأهم والأنفع لملح الطعام (كلور الصوديوم) نتيجة وجود عنصر اليود الذي تُعدّ الطحالب والإسفنجيات والمرجانيات والأسماك المصدر الرئيس له.
  • النفط: يعود أساس تشكل النفط إلى كائنات بحرية أهمها الطحالب، وتُعدّ البحار مصدراً مهمّاً للطاقة حيث تحوي كميات هائلة من النفط والغاز الطبيعي، ويرقد ثلث المخزون العالمي من النفط والغاز في باطن البحار.
  • توليد الطاقة والمواصلات: تولَّد الطاقة الكهربائية من خلال حركتي المد والجزر، ومن الفروقات في درجة حرارة طبقات ماء البحر، وكذلك من خلال التيارات البحرية. كما أن البحار مازالت تشكل طريقاً مهماً في المواصلات العالمية.
  • مصدر للمياه العذبة: إضافة إلى مياه الأمطار التي أساسها البحار؛ صارت تحلية مياه البحر مصدراً أساسياً لمياه الشرب في العديد من دول العالم. كما أن هناك الكثير من ينابيع المياه العذبة في أعماق البحار التي يمكن استغلالها.

    2: الأهمية البيئية والحيوية للمحيطات:

    تُعدّ البحار أساس الحياة على سطح الأرض؛ وتشكل المرحلة الأولى في دورة المياه من خلال عملية البخر؛ وتُنتج 70% من الأكسجين الجوي بفضل الطحالب، بل إن البحار هي الأصل في وجود الأكسجين في الغلاف الجوي، وتقوم المحيطات بعمل منظومة تدفئة بيئية بفضل الحرارة النوعية المرتفعة والمميزة للماء؛ ومن ثم تؤدّي البحار دوراً أساسياً في تنظيم المناخ؛ وظهر أخيراً أهمية كبرى للمحيطات تتجلى بامتصاص القسم الأكبر من غاز ثنائي أكسيد الكربون (30 مليون طن سنوياً)؛ والتخفيف من التلوث الجوي وما يتبعه من التسخين الحراري؛ ومن ثم التغير المناخي الحالي.

    قضايا البيئة البحرية وطرائق المحافظة عليها من أهم القضايا والمشكلات الملحة في الوقت الحاضر والتي تخص البيئة البحرية:

    1- ردم الشواطئ: وهي من أكبر المشكلات التي تهدد البيئة الشاطئية البحرية، والتي تؤدي بأبسط الحالات إلى دفن للمنطقة الشاطئية. وغالباً ما تكون أسباب عملية الردم اقتصادية سياحية تهدف إلى زيادة مساحة العمران وإقامة المنشآت السياحية؛ بيد أن تلك الأهداف تُعدّ قصيرة النظر إذا أخذ في الحسبان تقييم الأثر البيئي لذلك الردم، والذي يؤدي إلى فقدان الكثير من الأحياء البحرية وتغيّر في بيئة القاع وخفض نفوذية الضوء؛ ومن ثم نمو الطحالب، ويؤثر سلباً في البيئات الحساسة كمناطق حضانة الأسماك والشعاب المرجانية.

    2- التلوث البحري: يعرّف بأنه "التلوث الناجم عن إدخال الإنسان في البيئة البحرية موادّ يمكن أن تسبب نتائج مؤذية بالثروات البيولوجية والأخطار على الصحة الإنسانية وعرقلة النشاطات البحرية". تتعرض البيئة البحرية للتلوث من مصادر مختلفة، منها ما هو خارجي يصل عبر الأنهار ومختلف أنواع الصرف وإغراق النفايات أو رميها، ومنها ما هو داخلي ينجم عن أنشطة استكشاف قاع البحر واستغلاله، ومنها ما هو جوِّي (الأمطار الحامضية والتفجيرات النووية). ومن أهم أنواعه:

    أ- التلوث النفطي: ينجم على نحو أساسي عن حوادث انكسار ناقلات النفط في البحار وارتطامها وإنتاج النفط من قاع البحار وعن عمليات صيانة ناقلات النفط ووحدات تكريره وغيرها. تخضع الهدروكربونات عند وصولها إلى المياه البحرية لمجموعة تحولات كيميائية وحيوية تؤدي بما تحتويه من أكسدة بيولوجية وكيميائية وامتزاز إلى تغيير في التركيب الكيميائي لها. ويؤثر انتشار النفط على سطح المياه في عملية التركيب الضوئي ومنع تبادل الغازات، وتسمم الأسماك والطيور، ويؤثر في القاعيات البحرية عند هبوطه إلى القاع بشكل كرات قار؛ ويؤدّي إلى تدمير الشواطئ وقتل الكائنات الدقيقة. كما أن للتلوث النفطي تأثيرات بعيدة المدى تتمثل بإحداث إرباك في الإشارات الكيميائية للأحياء، وتراكم معظم مركّباته في أجسام الحيوانات البحرية، وإحداث زيادة في قابلية أجسام تلك الكائنات لمراكمة السموم فيها كالمبيدات. يؤدّي الكثير من أنواع البكتريا البحرية دوراً كبيراً في أكسدة المركّبات النفطية وذوبانها والتخلص منها؛ وهذا ما يسهم في التخلص من التلوث النفطي حيوياً.

    ب- التلوث البحري الكيميائي ويتمثّل على نحو أساسي في عدّة أنواع:

  • التلوث بالمبيدات وأخطرها الهدروكربونات المكلورة مثل Dichlorodiphenyltrichloroethane (DDT) ، وتكمن خطورتها في تراكمها في الأنسجة الدهنية للكائنات وانتقالها عبر السلسلة الغذائية البحرية.
  • التلوث بالمعادن الثقيلة والندرة: ومن أهمها الزئبق والرصاص والكادميوم والزنك والمنغنيز والنيكل، وجميعها قد يصل إلى الإنسان عبر السلاسل الغذائية. ويكمن خطرها في عدم تحللها طبيعياً بوساطة البكتريا وتراكمها الحيوي في أنسجة الكائنات الحية. ومن أخطرها الزئبق الذي قد تتحول بعض مركّباته حيوياً إلى مواد أكثر سمية. ولعل مرض ميناماتا Minamata disease الذي ظهر في اليابان عام 1953 نتيجة التلوث بالزئبق هو أقوى دليل على خطورة ذلك العنصر الذي أدى إلى إصابة المئات من الناس بدرجات مختلفة من الشلل وموتهم. وكذلك عنصر الرصاص ذو التأثير المباشر في الجهاز العصبي.

    ج- التلوث البحري الإشعاعي: ويحدث نتيجة تسرب الإشعاعات من خلال حوادث المفاعلات النووية أو بسبب التجارب النووية في البحار أو من النفايات المشعة التي تتسرب من خزانات الصواريخ والأقمار الصناعية. وللتلوث الإشعاعي آثار خطرة في الكائنات البحرية حيث تتراكم الإشعاعات في أجسامها؛ مما يؤدي إلى خلل في نموها وتكاثرها، وقد تنتقل إلى الإنسان ليصاب بأمراض، أخطرها السرطان والطفرات الجينية.

    د- التلوث البحري العضوي: تزداد خطورته في البحار المغلقة، وأهم مسبباته مياه الصرف الصحي غير المعالج، وتنجم عنه ظاهرة التتريف eutrophication؛ التي تتبعها ظاهرة المد الأحمر red tide، والتي لها آثار سلبية جداً في البيئة البحرية من إخلال التوازن البيئي وانخفاض الأكسجين المنحل في المياه و نفوق كبير للأسماك.

  • المحميات البحرية Marine reserves ودورها في المحافظة على البيئة البحرية

    نتيجة للمخاطر البيئية الكبيرة خلال العقود الأخيرة، لاسيما ما يتعلق منها بالصيد الجائر، إضافة إلى ما يصل إلى البحر من الملوثات، وما جرى من ردم للشواطئ؛ فقد شهدت البيئة البحرية تدهوراً واضحاً واستنزافاً سريعاً لمكوناتها المختلفة، وبصفة خاصة مواردها الحيوية من الأسماك والأحياء البحرية. كل ذلك جعل الدول والمنظمات البيئية تسرع إلى إعلان أكثر المناطق البحرية عرضة لتلك التهديدات وأكثرها حساسية كمناطق محميّة؛ وذلك للمحافظة على الثروات الطبيعية للأجيال القادمة.

    التشريعات والقوانين المتعلقة بالبيئة البحرية

    أصبحت قضية حماية البيئة البحرية والمحافظة عليها من أهم قضايا العصر؛ ولاسيما في الدول النامية، ولم تعد إمكانات التنمية على الرغم من أهميتها البالغة عذراً لتجاهل المحافظة على البيئة أو اتخاذ التدابير الفعالة لحمايتها من كل المخاطر والتلوث خاصة. ومن أهم الخطوات التي يجب اتباعها لحماية البيئة البحرية: التشريعات والقوانين البيئية، وتشجيع نظام الحوافز المادية والمعنوية لملتزمي المعايير البيئية، وتعزيز دور الرقابة والتفتيش البحري، وتعميق التوعية حول أهمية البيئة البحرية ونشرها. وهناك المئات من القوانين والتشريعات البيئية على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية، لعل أهمها:

    1- الاتفاقية الدولية لمنع تلوث البحار بالنفط (لندن 1954) وتعديلاتها المختلفة.

    2- الاتفاقية الخاصة بأعالي البحار (جنيف 1958).

    3- الاتفاقية المتعلقة بالأراضي الرطبة ذات الأهمية الدولية؛ ولا سيما بوصفها موئلاً لطيور الماء (رامسار 1971) وتعديلاتها.

    4- اتفاقية منع التلوث البحري الناجم عن إلقاء الفضلات من السفن والطائرات (أوسلو 1972).

    5- اتفاقية حماية البحر المتوسط من التلوث (برشلونة 1976) وملحقاتها.

    6- بروتوكول بشأن المناطق المتمتعة بحماية خاصة بالبحر المتوسط (جنيف 1982).

    6- الاتفاقية المتعلقة بحماية مياه شواطئ البحر المتوسط (موناكو 1976).

    7- الاتفاقية الإقليمية للمحافظة على بيئة البحر الأحمر وخليج عدن (1982).

    مراجع للاستزادة:

    - C. Blyth, M. Burchett, M. Dando, G.Waller & R. Hull, Sealife: Guide to the Marine Environment, 2000

    - S. D. Connell, B. M. Gillanders, Marine Ecology, Oxford University Press, 2007.

    - M. J. Kaiser, M. J. Attrill, S. Jennings, D. N. Thomas, D. K. A. Barnes, A.S. Brierley, J. G. Hiddink, H. Kaartokallio, N. V. C. Polunin & D. G. Raffaelli, Marine Ecology, 2011.

    - J. Roberts, Marine Environment Protection and Biodiversity Conservation: The Application and Future Development of the IMO&https://www.arab-ency.com.sy/tech/details/733/6#39;s Particularly Sensitive Sea Area Concept, 2006.

    - M. Solan, R. J. Aspden, D. M. Paterson, Marine Biodiversity and Ecosystem Functioning. 2012.

    - World Ocean Atlas (https://www.nodc.noaa).


التصنيف : علوم البيئة والتنوع الحيوي
النوع : علوم البيئة والتنوع الحيوي
المجلد: المجلد السادس
رقم الصفحة ضمن المجلد : 0
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 572
الكل : 31293499
اليوم : 41687