logo

logo

logo

logo

logo

البيئة السكانية (علم-)

بييه سكانيه (علم)

Population Ecology -

البيئة السكانية (علم -)

محمد محمود سليمان

علم البيئة السكانية

موضوعات علم البيئة السكانية

أقسام البيئة السكانية

 

علم البيئة السكانية (البشرية) human ecology، هو أحد الفروع الأساسية لعلم البيئة الذي يهتم بدراسة تحركات (ديناميكية) تجمعات الكائنات أو الأنواع الحية المختلفة، والعلاقات بين السكان والبيئة وتأثيراتها المتبادلة المتنوعة.

والبيئة environment مفهوم شامل بعناصره المختلفة والمتداخلة، ومنها العناصر الفيزيائية اللاأحيائية abiotic (ماء وهواء وتربة وعناصر معدنية ومصادر طاقة وغيرها)، والعناصر الأحيائية biotic، وتشمل جميع الكائنات الحية الموجودة فيها بما في ذلك الإنسان أو البيئة البشرية أو الإنسانية بمنظوماتها المختلفة: الحضرية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها. وعلم البيئة ecology يبقى هو العلم الذي يدرس جميع هذه المكونات والعناصر وتفاعلها بعضها مع بعض.

علم البيئة السكانية

أدت الزيادة المطردة في عدد السكان وحصول مايُسمى بالانفجار السكاني، وتأثير ذلك في الإنسان من جهة وفي البيئة ومكوناتها من جهة أخرى إلى زيادة الاهتمام العالمي بالعلاقة بين السكان والبيئة وتأثيراتها المتبادلة. وأَولى الكثير من العلماء والساسة والمربين والتنظيمات الرسمية والشعبية وقطاعات اجتماعية عريضة اهتماماً كبيراً بالمسألة السكانية وتأثيراتها البيئية؛ إذ إن ازدياد عدد سكان العالم على نحو متسارع لا يمكن أن يتم من دون أن يترتب عليه تغيرات بيئية وتأثيرات سلبية في البيئة نفسها ورفاهية الإنسان. لذلك ظهر علم البيئة السكانية وهو حقل أو فرع من فروع المعرفة العلمية يقع وسطاً بين علم السكان demography وعلم البيئة؛ إذ يهتم الأول بدراسة أعداد السكان وتوزعهم وتركبيهم العمري والنوعي ومعدلات المواليد والوفيات وغير ذلك، في حين يهتم علم البيئة في هذا المجال بتحليل العلاقات القائمة بين الإنسان والبيئة المحيطة به، ودراسة الأنظمة ذات الصلة مثل النظام الاقتصادي والاجتماعي والتناقضات القائمة أو التي يمكن أن تقع بين أو ضمن هذه الأنظمة المختلفة زمانياً ومكانياً، كانتشار الجوع والفقر وسوء التغذية والبطالة وازدحام المدن وأزمة الإسكان وتلوث البيئة والضغط على خدمات البنية التحتية ومؤسساتها.

موضوعات علم البيئة السكانية:

إن الموضوعات التي يهتم بدراستها علم البيئة السكانية كثيرة ومتشعبة، ومنها: دراسة البيئة الاجتماعية والتغيرات التي تتعرض لها. والبيئة الاجتماعية هي البيئة التي تتحدد فيها الصفات الوراثية للفرد وشخصيته ومسلكه واتجاهاته والقيم التي يؤمن بها، وتتكون عادة من البنية الأساسية المادية (البيئة المشيدةَ)، ومن النظم الاجتماعية والمؤسسات التي أقامها الإنسان. ويمكن النظر إليها على أنها الطريقة التي نَظَّمت بها المجتمعات البشرية حياتها وتغيرت فيها البيئة الطبيعية لخدمة الحاجات البشرية. وبِقدر ما يكون هذا التغير إيجابياً وسليماً، والاستغلال البشري للبيئة الطبيعية عقلانياً ورشيداً بقدر ما يساعد على نجاح الإنسان، وتأمين التوزان بين شَقّيْ البيئة الطبيعية والاجتماعية.

ويهتم علم البيئة السكانية أيضاً بدراسة المراحل التي شهدها النمو السكاني عبر الزمن بما يساعد على تقديم أدوات منهجية وموضوعية في فهم التغيرات السكانية واكتشاف القوانين التي تحكم التغير وبالتالي التغيرات البيئية المرافقة له.

كان النمو السكاني وزيادة عدد سكان الكرة الأرضية خلال العصور القديمة يتم ببطء، وأحياناً كان يَحدثُ تناقص في عدد السكان بسبب الحروب والأوبئة، لكن ديناميكية التزايد السكاني التي حصلت مؤخراً -بعد الثورة الصناعية خاصةً- تعد مثيرة للانتباه، حتى أطلق عليه بعَض العلماء مصطلح الانفجار السكاني أو القنبلة السكانية، وهذا يعني أن الانفجار السكاني استمر خلال القرون الثلاثة الأخيرة، رغم كل الحروب والكوارث التي حدثت، ويبدو أنه سوف يستمر كذلك، وبحسب بعض التقديرات قد يصل عدد سكان العالم إلى 12 مليار نسمة في نهاية القرن الحادي والعشرين؛ ما يعني ازدياد الضغط البشري على المنظومات البيئية ومواردها وبالتأكيد تجاوز استطاعة كثير منها؛ الأمر الذي قد يكون سبباً في انهيارها.

يتطلب تزايد أعداد السكان بناء المزيد من المصانع والمعامل المستهلكة للطاقة، والمولِّدة للغازات والمواد الكيميائية والمزيد من وسائل النقل، ومن المساكن وشبكات الصرف الصحي، وكل ذلك يؤدي إلى تلوث الهواء والماء والتربة والفضاء على مزيد من الأراضي الزراعية، وتؤدي الزيادة المستمرة في عدد السكان والجهل بقوانين الطبيعة إلى تدهور البيئة وقطع الغابات، وحدوث الرعي والصيد الجائرين والتصحر وزيادة حدة المشكلات الصحية واشتداد الضغط على التنوع الحيوي، وتعرض أنواع حية كثيرة للانقراض، وفي إطار ذلك يصعب تقدير الخسائر الاقتصادية والعواقب البيئية الناجمة عن هذا التغير.

لا شك أن الدراسة والتحليل للمشاكل الخطيرة الناجمة عن زيادة عدد سكان المدن في الفترات الأخيرة، ولاسيما المدن الكبرى هما من موضوعات علم البيئة السكانية واهتماماته.

فعلى مستوى العالم كانت نسبة سكان المدن إلى مجموع السكان نحو 20% في بدايات القرن العشرين، وأصبحت نحو 61% في بداية القرن الحادي والعشرين، ومن المحتمل أن تقل مقاومة سكان المدن للأمراض بسبب معدلات التلوث المرتفعة. ويُتوقع أن تشهد البشرية أنواعاً جديدة من أمراض وأوبئة مختلفة الأسباب والمصادر ولم تكن معروفة من قبل، مثل جنون البقر، وإنفلونزا الطيور، وإنفلونزا الخنازير، وفيروس الكبد الوبائي وغيرها التي شهدها العالم في العقود القليلة المنصرمة.

يهتم علم البيئة السكانية أيضاً بدراسة العلاقة بين السكان والبيئة، وهي موضوعات على درجة كبيرة من الأهمية؛ لأنها من جهة تعني الاهتمام بالإنسان الذي يعد أهم عنصر فيها، ومن جهة أخرى تعني الاهتمام بالبيئة، لأنها الموئل والمكان الذي يعيش فيه الإنسان ويستمد منه مقومات وجوده وسبل استمرار حياته. ومن جملة الاهتمامات الأخرى لعلم البيئة السكانية دراسة العلاقة بين السكان والموارد الطبيعية؛ إذ إن التزايد الكبير في عدد السكان يسبب ضغطاً كبيراً على النظام البيئي، ويؤدي إلى زيادة استنزاف الموارد الطبيعية المتاحة، وتهديد التوازن البيئي بالخلل والتدهور. وإن العلاقة بين الزيادة الكبيرة في عدد السكان ونضوب الموارد الطبيعية وتدهورها علاقة متشابكة ومتعددة الجوانب؛ فالسكان والأنشطة البشرية والبيئة تتفاعل فيما بينها بطرق وأشكال مختلفة في الزمان والمكان، وتوثر زيادة عدد السكان في التنمية، وتؤثر درجة التنمية في البيئة، ويؤثر مستوى التنمية ونوعية البيئة في السكان، والحقيقة المهمة في هذا الصدد أن البشر يستخدمون من المصادر المتاحة ويطرحون من النفايات بمعدلات لا يمكن لهذا الكوكب أن يستوعبها، وإذا ما استمر تزايد عدد السكان والاستهلاك فإن هناك فرصة قوية في ألا يتوفر أمل للمخلوقات الأخرى التي تعيش على هذه الأرض، إضافة إلى الاحتمال الكبير في أن يتعرض البشر أنفسهم لكوارث مختلفة.

كثيراً ما يرتبط تدهور البيئة بالزيادة الكبيرة في أعداد السكان، فالسكان عادة يتجمعون حيث تكون موارد الزرق ميسّرة، والعكس صحيح؛ ما يؤدي إلى حدوث ضغط بيئي كبير، وخاصة عندما ترتبط الزيادة السكانية بالفقر في المناطق الريفية، وتتمثل جذور هذه المشكلة في الازدحام الذي يزيد من مخاطر الإصابة بالأمراض، وفي حال عدم تمكن الفقراء من الحصول على موارد إنتاجية كافية لتلبية احتياجاتهم الأساسية؛ فيعمدون إلى قطع أشجار الغابات لاستخدامها وقوداً، ويجتثون الأعشاب، وينهكون التربة الزراعية.

أقسام البيئة السكانية

1- البيئة الحضرية:

تعد البيئة الحضرية أحد النظم البيئية التي شيّدها الإنسان كي يعيش ويعمل ويضمن مقومات بقائه وتطوره وتطور أجياله، وتُعد المدن من أهم نماذج البيئة الحضرية، والبيئة الحضرية ذات تعريفات عديدة ووظائف متنوعة تختلف من مدينة إلى أخرى، ومنها الوظائف الإدارية والسياسية والدينية والعسكرية والصناعية والتجارية، وهذه الوظائف تحدد إلى درجة كبيرة النظام أو الأنظمة البيئية في المدينة وعلاقاتها البيئية مع الجوار القريب أو البعيد، والتأثيرات السلبية والإيجابية المتبادلة.

المـدينة مســاحة من الأرض، تتميز بخصــائص جيومورفولوجية وهدرولوجية ومناخية وبشرية وحيوية، كما تضم منشآت ومرافق صُنعية مختلفة، كالأبنية والشوارع وتمديدات الماء والكهرباء والاتصالات وغيرها من عناصر البنية التحتية التي قام الإنسان ببنائها أو صنعها أو إيجادها على هذا النحو أو ذاك، ومن وجهة النظر البيئية فإن المدينة يمكن عدها نظاماً بيئياً مصطنعاً، وربما يكون غير طبيعي أو متعارضاً مع الطبيعة بوجه عام.

تعد المدن الضخمة والعملاقة ظاهرة جديدة في العالم لم تكن معروفة من قبل، فمنذ نحو ثلاثة قرون لم يكن في العالم كله أي مدينة يبلغ عدد سكانها مليون نسمة، ومنها لندن وباريس وبكين وطوكيو، وكان معظم سكان العالم يعيشون في مدن صغيرة، أو في بيئات ريفية، وقبل قرنين من الزمن لم تبلغ نسبة سكان المدن إلا نحو %4.3 فقط من سكان العالم، أما في أواخر القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين صارت المدن، وسُكنى المدن، والتوسع العمراني الحضري، وتأثير المدن في البيئة والحياة ظواهر تستحق الدراسة والتفكير؛ فقد تجاوز عدد المدن المليونية 200 مدينة في العالم، وعدد المدن التي يتجاوز عدد سكانها 10 ملايين ليس قليلاً أيضاً، وفي مقدمها القاهرة وطوكيو وبكين، وغيرها.

تمتلك المدن تأثيرات بيئية مهمة، فهي تُدمّر المَواطِن الطبيعية للحياة، وتقضم المزيد من الأراضي الزراعية والمساحات الخضراء، وتحولها إلى مساحات مصطنعة من الإسمنت والإسفلت، كما أن المدن تسبب تلوثاً للبيئة، وتؤثر في جريان المياه السطحية وفي ظروف الحياة المرتبطة بها، وتؤدي إلى نشوء ظروف مناخية طارئة، خاصة زيادة درجة حرارة الجو، أو ظهور ما يسمى بالجزر الحرارية الحضرية Urban Heat Islands (UHI) وهو مصطلح يشير إلى أي منطقة حضرية أو مدينة كبرى أكثر دفئاً من المناطق الريفية المحيطة بها بسبب الأنشطة البشرية المتمركزة فيها؛ فمن المعروف أن درجة الحرارة في المدن تزيد بمعدل 3-5 درجات سلزية على المناطق الريفية المحيطة بها، وغير ذلك الكثير من التأثيرات البيئية.

إن بيئة المدينة هي جزء من الأنظمة البيئية البشرية، وفيها يكون التدخل البشري كثيفاً ومركزاً، ويؤثر في عمليات سريان الطاقة والمادة وتبادلهما، ويحدِث خللاً في التوازن البيئي بين المدخلات والمخرجات في عناصر بيئة المدينة التي يؤثر فيها الإنسان من خلال استهلاك الطاقة، أو إلقاء النفايات الصلبة والسائلة، أو تحويل الأراضي الزراعية أو الغابات إلى مبان إسمنتية وشوارع إسفلتية، ويزيد من شدة التلوث ومخاطره، خاصة التلوث الضوضائي noise pollution والكهرطيسي، ويسبب انتشار الكثير من الأمراض العضوية والنفسية، المعدية والوبائية أحياناً، والكثير من المشكلات الأخرى، وكل ذلك يرتبط بعدد من الأمور المتعلقة بسلوك الإنسان داخل المدينة ومدى تقدمه ووعيه البيئي، وكفاحه للعيش في بيئة حضرية نظيفة ومستقرة ومتوازنة من جميع النواحي.

2- البيئة الريفية:

يقصد بالبيئة الريفية القرية أو المزرعة أو الكفر أو الخربة أو غير ذلك من تسميات، وهي تجمعات سكانية يكون كل منها في مكان جغرافي معين يتصف ببعض الخصائص التي تميزه من غيره من التجمعات السكانية الريفية وكذلك الحضرية. هناك عدة عوامل أثرت في الماضي وتؤثر في الحاضر -ولو على نحو نسبي ومختلف- في أشكال العمران الريفي وتوزعه، منها العوامل الطبيعية، والعوامل البشرية، والبيئة الريفية، سواء أكانت قرية أم مزرعة أم غيرهما.

البيئة الريفية غالباً هي بيئة زراعية، تأثرت بالزراعة وتربية الحيوان منذ القدم، وخاصة فيما يتعلق بنمط استخدام الأراضي وملكيتها والتعايش والتكيف معها، وهذه البيئة قد تعاني من مشكلات متنوعة، ولا تحظى بنصيب كافٍ من الاهتمام والعناية؛ فربما لا تتوفر فيها المياه النظيفة الصالحة للشرب، ولا المساكن الصحية، وقد تنتشر الحشرات والحيوانات الناقلة للأمراض، والكثير من سكان الريف في مناطق مختلفة من العالم يتناولون الخضار والفواكه والحليب من دون تنظيف أو تعقيم كافٍ؛ ما يعرض سكانها لانتشار بعض الأمراض.

وسواء في بيئة المدينة أم البيئة الريفية يجب توفر اشتراطات بيئية وصحية تحقق الحد الأدنى الذي يحمي البيئة والإنسان، ومن هذه الاشتراطات على سبيل المثال - إضافةً إلى ما ذُكر سابقاً - توفر المسكن الصحي والسليم لأن المسكن غير الصحي الذي لا يوفر المساحة الكافية والتهوية والنور وأشعة الشمس والمياه والصرف الصحي وغير ذلك لأفراد الأسرة هو مسكن يساعد على زيادة حدة المشكلات البيئية، وسرعة انتشار الأمراض المعدية، وربما الأمراض والمشكلات البيئية الاجتماعية أيضاً.

وقد اهتمت الدول المتقدمة والكثير من دول العالم بوضع قوانين تكفل توفير الشروط المطلوبة للأبنية والمسـاكن التي يمنح التـرخيص أو التصـريح للبناء بموجبها، على أن تأخذ هذه الشروط في الحسبان عدة أمور، منها الموقع والأساسات وعدد الطوابق والتهوية والوجائب والجدران وأحياناً الشكل العام والألوان وعزل الرطوبة وخدمات الماء والكهرباء والصرف الصحي وغيرها.

مراجع للاستزادة:

- محمد محمود سليمان، الجغرافية والبيئة، منشورات وزارة الثقافة، الهيئة العامة السورية للكتاب، دمشق 2009.

-D. G. Bates, Human Adaptive Strategies: Ecology, Culture and Politics. Allyn & Bacon, 2004.

-J. E. Marzluff, Shulenberger, W. Endlicher, M Alberti, G. Bradley, C. Ryan, C. ZumBrunnen, U. Simon, Urban Ecology: An International Perspective on the Interaction Between Humans and Nature,
Springer, 2008.

-H. K. Pathak, A Handbook of Population Ecology,  Cyber Tech, 2009.


التصنيف : علوم البيئة والتنوع الحيوي
النوع : علوم البيئة والتنوع الحيوي
المجلد: المجلد السادس
رقم الصفحة ضمن المجلد : 0
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 529
الكل : 29669146
اليوم : 49156