logo

logo

logo

logo

logo

التألق الناتج عن الصوت

تالق ناتج عن صوت

Sonoluminescence -

التألق الناتج من الصوت

فوزي عوض

 

التألق الناتج من الصوت أو اختصاراً التألق الصوتي sonoluminescence هو صدور دفقات قصيرة من الضوء نحو الداخل نتيجة انفجار فقاعات في سائل عند تحريضه صوتياً؛ إذ تتحول الطاقة الصوتية في ظروف وشروط محددة إلى طاقة ضوئية. لقد لاحظ العالمان الألمانيان فرنزل H. Frenzel وشولتس H. Schultes -قرابة عام 1934 في جامعة كولن Cologne بألمانيا- صدور ضوء خافت أثّر في فلم تصوير فاسودَّ، وقد ترافق هذا مع فقاعات في تفاعل كيميائي مائي حُفّز بمساعدة أمواج فوق صوتية عالية الشدة وعند تواتر محدّد، فأطلقا على هذه الظاهرة اسم التألق الصوتي، لكنها لم تستدع عندئذ اهتماماً كبيراً، وافترض لتفسيرها ما يشبه ظهور شرارة من الاحتكاك، وأنها نتيجة ظاهرة التكهف cavitation، إذ تتشكل الفقاعات في السائل عندما تتجاوز شدة الأمواج فوق الصوتية حداً معيناً، غير أن الحسابات الكمية لذلك لم تكن مُرضية. إذ كان يصعب تخيل تركيز طاقة صوتية ضعيفة الشدة وذات تواتر منخفض لتعطي طاقة ضوئية بهذا القدر وبتواتر من مرتبة تواترات الضوء. و بقي الأمر مركوناً حتى عام 1989 عندما تمكّن العالمان الأمريكيان غيتن وكروم F. Gaitan و L. Crum من عزل فقاعة واحدة كبيرة محجوزة في حقل أمواج صوتية مستقر فتابعا تجريبياً تشكل تلك الفقاعة وتمددها وتقلصها باستعمال حزمة ليزرية، ولاحظا صدور ضوء عند انهيارها، وقد استغرقت هذه العمليات برهة زمنية وجيزة تقارب عشرات البيكوثانية ( ثانية)؛ لذلك كانت هناك حاجة إلى كواشف سريعة ومحللات طيفية سريعة للكشف عن طيف الضوء الصادر (الشكل 1).

الشكل (1): أ- يظهر التألق الصوتي نقطة مضيئة في مركز الحوجلة، ب - رسم تخطيطي يبيّن مولدات الأمواج فوق الصوتية الكهرضغطية piezos ولاقط صوتي كهرضغطي piezomic.

تبيّن أنّ الإصدار الضوئي يحدث عند قدٍّ (حجمٍ) معين للفقاعة يتعلق بكثافة الطاقة الصوتية أو شدتها وبتواترها وبدرجة حرارة السائل والغازات المنحلة فيه وبالضغط المطبق عليه. كما تبيّن أن هذه الفقاعة يمكن أن تتشكل مباشرة بالقدّ المطلوب أو تكون نتيجة اندماج فقاعات صغيرة يكون نصف قطرها بضع عشرات المكرونات قبل أن تنهار، ويصل إلى أجزاء المكرون بعد الانهيار. كما وُجد أن الفقاعة تهتز بتأثير الحقل الصوتي فيتمدد الغاز في داخلها ويتخلخل، ويحدث لدى انخفاض الضغط فيها انفجار نحو الداخل مترافق بموجة صدم shock wave، ويصدر عندها الضوء في عدة نبضات ضوئية (الشكل 2). يظهر في هذا الشكل تغير نصف قطر الفقاعة زمنياً مع تغير شدة الضغط الناتج عن الموجة الصوتية (باللون الأزرق) حتى قيمة عظمى، ليتناقص بعد ذلك بسرعة مصدراً الدفقات الضوئية. تقدّر قيمة الضغط الأعظمي داخل الفقاعة بآلاف الضغط الجوي، كما تقدّر درجة حرارة الغاز المحتوى بعشرات آلاف الكلفن، وقد اعتمدت هذه الحسابات حدوث الانفجار نحو الداخل عملية كظومة كما استفادت من لون الضوء الصادر عن التألق.

الشكل (2) علاقة إصدار التألق بنصف قطر الفقاعة وضغط الموجة الصوتية.

وقد تبين من رصد طيف التألق الصوتي أن معظم الضوء الصادر يكون في المجال فوق البنفسجي، ويشبه الضوء الصادر عن بلازما درجة حرارتها تقارب مئة ألف كلفن. وأن ما يحدث يشبه الذي يحدث في ظاهرة الاندماج النووي العطالي inertial nuclear fusion الناتج من تسليط حزم ليزرية عالية الاستطاعة على كُريّة مزيج التريتيوم والدوتريوم، وهذا ما جذب الانتباه إلى دراسة ما يحدث دراسة مفصلة.

يؤثر نوع الغاز الموجود في الفقاعة في الناتج، فمع أن اكتشاف الظاهرة كان لفقاعات مملوءة بالهواء المنحل في الماء، فإن استعمال الآزوت (النتروجين) وحده والأكسجين وحده لم يؤثرا تأثيراً كبيراً في طيف التألق وشدته، إلا أن إضافة قليل من غاز الأرغون قد زاد شدة التألق زيادة ملحوظة، وكذلك كان تأثير إضافة الهليوم والزينون، وكانت إضافة نسبة 1% من الغاز الخامل هي التي أعطت الشدة العظمى. وقد تضاعفت شدة لمعان التألق- في تجارب حديثة- بضعة آلاف المرات نتيجة إضافة حمض الكبريت إلى المحلول.

يبقى التفسير الكامل للتألق الصوتي غير مكتمل تماماً حتى في حالة الفقاعة الواحدة؛ إذ يصعب عملياً تخلية الماء من الغازات المنحلة فيه، أو استبعاد وجود بخار الماء في الفقاعة، وهذان العاملان يؤثران تأثيراً واضحاً في نوعية التألق وتفسيره فيجب أن يؤخذ في الحسبان وجود غازات سهلة التأين، وتيارات نفاثة عالية السرعة، وإمكان حدوث تفاعلات كيميائية بين مزيج الغازات في درجات حرارة عالية موجودة داخل الفقاعة، وتبادل الغازات بين داخل الفقاعة وخارجها، وإعادة التحام الإيونات، وهذه كلها يجب أن تدخل لدى بناء نموذج حاسوبي يمثل ما يحدث داخل الفقاعة وليفسر طيف التألق الناتج. لقد كانت المقاربة الأولى وفق نموذج مستمد من ديناميك الموائع fluid dynamics لرايلي وبليسيت Rayleigh -Plesset اعتماداً على تقريبات لحل معادلة نافيير وستوكس Navier -Stokes، لكن النموذج لم يفسر الخواص وشروط حدوث التألق جميعها، (الشكل2: المنحني الأحمر). فأُدخلت تعديلات كثيرة كي يقترب النموذج من النتائج التجريبية وفق محاكاة حاسوبية تأخذ معظم العوامل المذكورة في الحسبان.

إن أولى تطبيقات التألق الضوئي الصوتي دراسة تكهف السوائل ولاسيما الدم وبلاسما الدم، إذ يسبب التكهف وتشكل الفقاعات وانفجارها نحو الداخل bubble implosion الناتج من عمل صمامات القلب تمزق هذه الصمامات، وبالتالي فإن دراسة التألق الناتج من التكهف يفيد في هذا المجال.

كذلك فإن التشابه بين ما يحدث عند انهيار الفقاعة وكرية الاندماج النووي يمكن أن يحسّن تفهم الاندماج، ويقود إلى تحكم أفضل فيه، وقد ذهب بعضهم بعيداً مقترحين تحقيق الاندماج داخل الفقاعة فسموها الاندماج الصوتي sonofusion، ويوجد بعض المؤشرات على نجاح هذا الاقتراح الأخير لكنها غير مؤكدة. كما يوجد بعض التجارب الجارية حالياً على التألق الصوتي في مختبر لورانس ليفرمور Lawrence Livermore في الولايات المتحدة الأمريكية للأبحاث النووية، وكذلك يوجد نموذج محاكاة له.

ويلوح في الأفق توجُّهٌ نحو استعمال التألق الصوتي منبعاً ضوئياً قصير الأمد ونبضياً؛ إذ يوجد انتظام في النبضات الضوئية التي تصدر منه أفضل من انتظام الأمواج الصوتية المولِّدة له، ومن المجالات المقترحة أيضاً استعماله في تصوير الأسنان ورصد التفاعلات الكيميائية الضوئية.

مراجع للاستزادة:

- T. Brennan, Understanding Sonoluminescence, Morgan & Claypool Publishers 2016.

- R. Srivastava, R. C. Leutloff, D. Takayama, K. Gronig and H. Ships, Shock Focusing Effect in Medical Science and Sonoluminescence, Springer-Verlag Berlin and Heidelberg GmbH 2010.

- F. R. Young, Sonoluminescence, CRC Press, 2004.


التصنيف : الكيمياء والفيزياء
النوع : الكيمياء والفيزياء
المجلد: المجلد السادس
رقم الصفحة ضمن المجلد : 0
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 588
الكل : 31240959
اليوم : 66116