logo

logo

logo

logo

logo

البيونية

بيونيه

Bionics -

البيونية

عبدالله حورية

البيونية الطبية

الروبوتية والبيونية

 

تعرّف البيونية bionics بأنها دراسة وظائف المنظومات الحيوية الطبيعية وطرائق عملها بهدف فهمها والتوصل عن طريقها إلى حلول للمعضلات الهندسية ومحاكاتها، أو بمعنى آخر دراسة وظائف الكائنات الحية واستعمال هذه الوظائف في تصميم الأجهزة الميكانيكية وابتكارها. كما تسمى الهندسة البيونية الخلاقة bionical creativity engineering. والبيونية ليست علماً متخصصاً بذاته، لكن يمكن مقارنتها بالسبرانية cybernetics. فالبيونية والسبرانية تُعدّان وجهان لعملة واحدة؛ إذ يستلهم كل منهما نماذجه من المنظومات الحية، غير أن البيونية تهدف إلى استلهام أفكار جديدة لبناء منظومات وآلات صنعية. أما السبرانية فتبحث عن تفسير لسلوك الكائنات الحية. والبيونية على هذا النحو تختلف أيضاً عن الهندسة الحيوية bioengineering التي تهدف إلى استخدام كائنات حية لإنجاز مهمات محددة في مجالات معيّنة، كتربية الخمائر على مواد نفطية لإنتاج بروتينات غذائية، أو استخدام العضويات المكروية لتركيز المعادن في الخامات الفقيرة، أو تربية البكتريا لهضم الفضلات والحصول على الطاقة الكهربائية كمدخرات كيميائية حيوية.

ومن أشهر الأمثلة على البيونية مادة الفِلكرو Velcro التي ابتكرها المهندس السويسريّ جورج دي مِسترال George de Mestral واستوحاها من سبب تشابك نبات الأرقطيون الشوكي Arctium Lappa بمعطفه في أثناء تنزهه في الغابة. وتصنع من مادة الفلكرو الآن مشابك مستخدمة في صناعة الملابس والأحذية، وتتألّف من نوعين من النسج: إحداهما على شكل حلزونات (الشكل1)، والآخر على شكل خطاطيف (الشكل2).

الشكل (1) حلزونات مادة الفلِكرو.

الشكل (2) خطافات مادة الفلِكرو.

يُعدّ الضابط في سلاح الجو الأمريكي جاك ستيل Jack E. Steele أول من اعتمد كلمة bionics، واستخدمها للتعبير عن منظومات صناعية ذات مواصفات ووظائف مشابهة لما يُوجد في المنظومات الحية. والمصطلح مشتق من اليونانية القديمة bion ويعني "حي"، في حين ترى بعض المراجع أن الكلمة منحوتة من كلمتي" التقنيات الحيوية" biology+technics أو"الإلكترونيات الحيوية" biology+electronics.

ومع أن مصطلح البيونية جديد؛ فإنّ تقليد الطبيعة ومحاكاة الحيوانات واستلهام سلوكها لتصميم الكثير من الآلات المتنوعة وتطويرها قديم جداً. فقد حاول الصينيون مثلاً إنتاج الحرير الصنعي منذ ثلاثة آلاف عام، كما حاول عباس بن فرناس الطيران بأجنحة من ريش تقليداً للطيور، ودرس ليوناردو دافنشي Leonardo da Vinci خصائص تحليق الطيور، واقتبس منها جهازاً يمكن أن يصلح للطيران. ومع أن أسهل الطرائق لصنع آلات أو مكنات تصلح للعمل في وسط مماثل لوسط المخلوقات الحية هو تقليد الطبيعة مباشرة؛ فإن هذا الأمر صعب للغاية إن لم يكن مستحيلاً أحياناً. ويرى أكثر الباحثين أن من الأفضل فهم مبادئ عمل الأشياء في الطبيعة بدلاً من النسخ عنها مباشرة. وقد شهد القرن العشرون أكثر التطورات في هذا المجال، وما زالت دور العلم والصناعة في العالم تستلهم الكثير مما تتمتع به الطبيعة من خصائص.

والواقع أن تبادل التقانة بين الأشكال الحية والصناعة ضروري ومستمر؛ لأن عملية الارتقاء تجبر الكائنات الحية -سواء كانت من الوحيش أم النبيت- على التطور والتفاعل مع محيطها منذ ملايين السنين. أما الخطوة التي تأتي بعد ذلك فهي دراسة خصائص ذلك التطور في الطبيعة واستلهام ما يفيد منها، حيث يمكن أن تدرس الكائنات الحية من زوايا نظر مختلفة. والمثال على ذلك تطوير الطلاء المقاوم للوسخ وللماء بعد دراسة سطح زهرة اللوتس الذي لا يلتصق به شيء أبداً (مفعول زهرة اللوتس the lotus effect)، والاستفادة من دراسة خصائص جلد سمك القرش في صناعة ملابس السباحة والغطس، التي تغطي كامل الجسم؛ لتقليص قوى الإعاقة التي تؤثر في الجسم ضمن الماء.

ولما كانت عضلات الحيوانات محركات ميكانيكية مثالية، والطاقة الشمسية التي تخزنها النباتات كيميائيّاً فعالة للغاية، ونقل المعلومات في المنظومة العصبية أكثر تعقيداً بكثير من أكبر الشبكات الهاتفية، والمعضلات التي يحلها العقل البشري، تفوق بكثير استطاعة أقوى الحواسيب؛ فإن محاكاتها تنضوي تحت مجالين رئيسين من البحوث البيونية، هما: معالجة المعلومات، ونقل الطاقة وتخزينها.

تعمل بعض الشركات المتخصصة بالبيونيات حالياً على تطوير أجهزة بيونية ذات ذكاء صنعي وطاقة يمكن استخدامها روبوتات (إنسالات) قابلة للارتداء لزيادة قدرة الجنود والمشلولين على الحركة وتقويتهم. وقد توصل الدارسون من جامعة ستانفورد Stanford الأمريكية إلى تقليد التسلق الديناميكي لبعض السحالي وطريقة التصاق أرجلها بالسطوح بتطوير روبوت متسلق، هو الروبوت StickyBot (الشكل3). كذلك توصل علماء في مجال التقانة النانوية إلى تقليد البنى النانوية الموجودة في الطبيعة واستنساخ خصائصها من حيث انعكاس الضوء أو منع انعكاسه optical reflection and antireflection.

الشكل (3) الروبوت StickyBot.

يستعمل مصطلح "المحاكاة الحيوية" biomimetic لدى الحديث عن التفاعل الكيميائي الحيوي، حيث تعني المحاكاة الكيميائية الحيوية التفاعلات التي تشمل الجزيئات الحيوية الكبيرة biological macromoleculesفي الطبيعة ( كالإنزيمات أو الحموض النووية nucleic acids) التي يمكن تكرار كيميائيتها في الزجاج باستعمال جزيئات أصغر منها بكثير. أما أقرب الأمثلة البيونية في الهندسة فهي أجسام القوارب التي تحاكي جلد الدلافين، والسونار والرادار والتصوير فوق الصوتي، وكلها محاكاة لارتداد الصدى لدى الخفافيش.

لا يوجد حتى اليوم تصنيف واضح لأنواع البيونية ومجالاتها الكثيرة، لعل من أهمها البيونية الطبية medical bionics والبيونية الروبوتية robotics.

البيونية الطبية

تهتم البيونية في مجال الطب بإيجاد بدائل ميكانيكية من الأعضاء، أو تدعيمها؛ بهدف إعادة الوظيفة الأساسية لها أو تحسين أدائها. يندرج تحت البيونية الطبية عناوين متنوعة مثل: الأطراف البيونية والبيونية العصبية والحواس البيونية (السمع والرؤية) وغيرها. وقد أدت البحوث ذات الصلة بالبيونية إلى تطوير المُعينات الوظيفية لدى الإنسان. ففي عام 1928 توصل كل من فيليب درينكر Philip Drinker ولويس شاوLouis A. Shaw من مدرسة هارفرد للصحة العامة إلى تصميم "الرئة الحديدية" لمساعدة المرضى المصابين بشلل الأطفال على التنفس، كذلك ابتكر كل من دنتون كولي Denton Cooley عام 1960 وروبرت جارفيك Robert Jarvik عام 1982 و1984 قلوباً صنعية artificial hearts للاستعمال المؤقت. كما أسهمت البيونية في تطوير تصاميم الجراحة الترقيعية prostheses. وحصل جورج فون بِكِسي Georg von Békésy في عام 1961 على جائزة نوبل لاكتشافه آليات تحفيز الأذن الداخلية التي مكنت شركة منيسوتا للتعدين والصناعة من تطوير ازدراع قوقعة الأذن cochlear implant عام 1973، وتوفير القدرة على السمع بدرجات مختلفة للمصابين بالصمم التام. وفي ثمانينيّات القرن العشرين شملت دراسات العلماء في الولايات المتحدة الأمريكية المنظومات العصبية لمساعدة الضحايا المصابين بالشلل وذوي الأطراف الصنعية والعمي. وأجرى كل من كِندال وايز Kendall D. Wise وديفيد إيدل David J. Edell تجارب على أجهزة قادرة على تحري الأوامر العصبية وتحويلها إلى أوامر إلكترونية لتحريك الأعضاء المشلولة. وفي تسعينيّات القرن الماضي أجرى روبرت بيرج Robert Birge من جامعة سيراكيوزا Syracuse University تجارب على بروتينات مستخرجة من بكتريا المياه المالحة لتطوير عين صنعية artificial eye، كما عمل كارفر ميد Carver Mead من معهد كاليفورنيا للتقانة على إنتاج شبكية عين سليكونية إلكترونية بالكامل all-electronic silicon retina. وتتابعت الأبحاث في مجال الجراحة الترقيعية الميكانيكية حتى أواخر القرن العشرين؛ على الرغم من التقدم المحقق في مجال الاستنساخ الذي تركز الاهتمام فيه على استنساخ الأعضاء البشرية.

1- الأطراف الصنعية

تستخدم البيونية في الأطراف الصنعية ومن أشهرها اليد البيونية i-limb (الشكل4) من شركة تاتش بيونيكس Touch Bionics الاسكتلنديّة، التي تزعم أن تلك اليد تشبه اليد الحقيقية إلى حد كبير من حيث الأبعاد وتَوَضُّع المفاصل، كما أنها تتمتع بميزات التحكم المستقل بكل إصبع من أصابعها وبسرعة أدائها وبقوة الضغط على الأشياء التي تحاول أن تمسكها وترفعها. أما من حيث المظهر الخارجي فتقدم الشركة جلداً من مادة السليكون مشابهاً للطبيعي بألوان مكافئة لألوان البشرة (الشكل5).

الشكل (4) اليد البيونية i-limb.

الشكل (5) جلد اليد.

2- البيونية العصبية

تهدف أبحاث البيونية العصبية neurobionics إلى تطوير أجهزة بيونية معقدة يمكنها رصد نشاطات عصبية غير طبيعية وتقديم العلاج والبدائل المناسبة لذلك؛ بحيث تحل محل الأجزاء التالفة أو المعطوبة من الدماغ أو النخاع الشوكي. وقد تأسست أول ورشة عمل عالمية في مجال البيونية العصبية بمبادرة  جراح أعصاب ألماني يدعى هانس فيرنر بوث Hans-Werner Bothe في العام 1992. ومن الأبحاث في هذا المجال عكوف الباحثين في معهد بيونيكس Bionics Institute في أستراليا على تطوير وسيلة تظهر النشاط الدماغي عند المرضى المصابين بالصرع epilepsy والتغيرات التي تطرأ عليه بدراسة استجابته لتطبيق تحريض كهربائي منخفض الجهد. وقد أدت هذه الأبحاث إلى تصميم جهاز يمكن أن يساعد على الوقاية الآلية من نوبات الصرع.

3- العين الصنعية

يتكون نظام العين الصنعية (العين البيونية bionic eye) من كاميرا رقمية صغيرة مثبتة على نظارات تنقل إشارات راديوية عالية التردد إلى رقاقة مكروية microchip مزروعة في شبكية العين، تتولى أقطاب الرقاقة تحويل تلك الإشارات إلى نبضات كهربائية تحرض خلايا الشبكية المتصلة بالعصب البصري الذي ينقلها بدوره إلى مركز معالجة الرؤية في الدماغ؛ ليحللها
ويدرك فحواها (الشكل 6).

الشكل (6) العين الصنعية (البيونية).

الروبوتية والبيونية

تجمع الروبوتية بين عدة اختصاصات تتضافر جميعها لإنتاج منظومة ميكانيكية متعددة الوظائف يمكن التحكم بها لإنجاز مهمة محددة. من تلك الاختصاصات الميكانيك المعني بتصميم آلية الحركة ومكونات الروبوت، ومنها الإلكترونيات المسؤولة عن توليد الإشارات المناسبة لمكونات الحركة وقياسات الحساسات الداخلية والخارجية، والأتمتة المتخصصة بقضايا التحكم في حركة الروبوت، والمعلوماتية من أجل البرمجة.

ولما كانت الروبوتات تعمل في بيئة الإنسان أو في بيئة كائنات حية أخرى كان من البديهي أن يستلهم المصممون من خصائص هذه الكائنات ما يعينهم على تصميم تلك الروبوتات بهدف تمكينها من تأدية وظائفها على أكمل وجه. وقد أراد اليابانيون الاعتماد على الإنسالات لخدمة الناس، كالمرضى والعجزة، أو ليحلوا محل العاملين في بعض المجالات، ولما كانت بيئة العمل تلك معدّة من قبل البشر أنفسهم ولأجلهم، كان لا بد للروبوت من أن يكون مشابهاً لهم anthropomorphic، لذلك تُعدّ وسيلة تنقله الفضلى ساقين كساقي الإنسان تمكنانه من الحركة على أرضيات مختلفة وصعود الدرج وتجاوز العقبات، ولما كان المطلوب منه التعامل مع البشر، والقيام -إلى حد ما- بما يقومون به؛ جاءت هيئته وتوزيع مفاصله وآليته الحركية mechanism مُشاكِلةً لما لديهم من حيث الأوصاف والخصائص. وأبرز مثال على ذلك هو الروبوت أسيمو Asimo، والذي تقترب نسخته الأخيرة أكثر فأكثر من مشابهة البشر؛ على الرغم من بقاء إمكاناته محدودة بالقياس إلى الهدف من تصميمه (الشكل 7).

الشكل (7) الروبوت أسيمو 2018.

وقد ازداد في الآونة الأخيرة عدد المعاهد والمخابر التي تعمل في مجال البيونية الروبوتية، وتعددت توجهاتها، ولعل أكثرها فائدة للإنسان أجهزة إعادة التأهيل الروبوتية، وهي تقنيات تهتم بتصميم أجهزة تساعد على إعادة تأهيل المرضى المصابين بأضرار في أجهزتهم الحركية، وتساعد في العلاج الفيزيائي للمصاب وإعادة تأهيله؛ بحيث تغنيه عن المعالج الفيزيائي في المنزل في حالات العلاج طويل الأمد.

مراجع للاستزادة:

- J.Knipper, el. Schinid, Biomemetics for Architectuer Learning from Nature, Birk hauser, 2019

- Y. Liu,Do sum, BiologicallyIunspired Robotics CRC Perss 2019.

- B. Mesko, The Guide to the Future of Medicine: Technology and the Human Touch,Webicina Kft.; 2014.

- J. K. Niparko, Cochlear Implants: Principles and Practices, Lippincott Williams and Ilkins; 2008.

- S. B. Niku, Introduction to Robotics: Analysis, Control, Applications, John Wiley & Sons 2010.

- G. Pohl,W.Nachtigall, Biomemetiu of Architecture & design:Natune-Anlagen-Technology, springer, 2015.

- R.k,Shepherd, Neurobiomes. The Biomedical Engineering of Neural prostheses, Wiley-Blachuell 2016.

- A. Winfield, Robotics: A Very Short Introduction, OUP Oxford, 2012.


التصنيف : الوراثة والتقانات الحيوية
النوع : الوراثة والتقانات الحيوية
المجلد: المجلد السادس
رقم الصفحة ضمن المجلد : 0
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 562
الكل : 31206624
اليوم : 31781