logo

logo

logo

logo

logo

التأريخ (طرائق-)

تاريخ (طرايق)

Dating methods -

التأريخ (طرائق -)

التأريخ برصد عدد الطبقات المتشكلة سنوياً

التأريخ برصد تغيّرات المجال المغنطيسي الأرضي

الطرائق الكيميائية في التأريخ

الطرائق الإشعاعيّة في التأريخ

تأريخ الكون

موفق تقي الدين

 

طرائق التأريخ dating methods هي الأساليب العلمية التي تسعى إلى ترتيب تسلسل الأحداث أو تحديد أعمارها رقمياً numerical technique بعضها بالنسبة إلى بعض relative technique وبالنسبة إلى الحاضر، وذلك في عدد من المجالات البحثية مثل التاريخ والجيولوجيا والآثار والمستحاثّات والفلك.

تستند طرائق التأريخ إلى دراسة التغيّرات الكيميائية -كالتحلّل الكيميائي أو التفاعلات الكيميائيّة- متأثرة بمرور الزمن. أو التغيرات الفيزيائية، مثل تغيّر مدار الأرض أو تغير زاوية محور دورانها؛ أو تشكّل الطّبقات الجيولوجيّة. ولعلّ أكثر الطرائق دقةً للتأريخ تلك التي تعتمد في حساباتها على التفكّك الطّبيعي للنظائر المشعّة radioactive isotopes decay.

يدوِّن تتالي الطّبقات الجيولوجيّة ونوع الرسوبيّات وسماكتها وطرائق تشكّلها سجلاً لتاريخ الأرض والعمر النسبي لكل طبقة وللظروف البيئية والشروط الفيزيائية لتشكّلها، ويساعد على قراءة ذلك السجل دراسة المستحاثّات المدفونة في تلك الطبقات أو في الصخور؛ ولاسيما مستحاثّات الكائنات المنقرضة أو المهاجرة. وتُعدّ طبقات الرمال البحرية وما تحويه من بقايا الكائنات البحرية وكذلك بقايا الخفافيش -التي عُثر عليها في عام 2011 في كهف في إقليم أتجِه Aceh في إندونيسيا؛ محميّ من تأثير الرياح، يبعد مئات الأمتار عن شاطئ البحر فلا تصله مياه المدّ البحري (الشكل 1)- سجلاً لإحدى عشرة موجة تسونامي Tsunami ترجع تواريخها حتى 7500 سنة.

الشكل (1) طبقات رسوبية لرمال بحرية في كهف قريب من البحر، إقليم أتجِه - إندونيسيا.

التأريخ برصد عدد الطبقات المتشكلة سنوياً

- حلقات الأشجار: يدل تشكّل طبقات متمايزة من الخشبين تحيط بمحور ساق الشجرة على نمو الأشجار (الشكل 2)، حيث تتشكل سنوياً طبقة واحدة في المناطق المعتدلة المناخ، في حين تتشكل طبقتان متمايزتان في أشجار المناطق المداريّة وتحت المداريّة (طبقة في فصل الصيف وأخرى في فصل الربيع). ويُعدّ عدد هذه الطّبقات سجلاً لعمر الشجرة، ودليلاً على تبدلات المناخ أيضاً. وقد بيّنت دراسة أشجار معمّرة في غربي أمريكا أن سنوات من الجفاف ضربت المنطقة خلال الفترة 1149 – 1167، ويُعتَقَد أنها كانت سبباً في انهيار حضارة المايا Maya civilization.

الشكل (2) حلقات النمو السنوي في جذع الشجرة.

- طبقات الجليد: يسبب فصل الدفء في المناطق القطبية المتجمدة ذوبان جزء من طبقة الجليد؛ ولاسيما عند حافاتها، في حين تصمد المناطق الداخلية إلى حين تَشكُّل طبقة جديدة فوقها في فصل الشتاء التالي (الشكل3)، تنضغط هذه الطبقات بعضها فوق بعض، ولكن يمكن التمييز بينها، وتُعدّ كل طبقة سجلاً لعام كامل بما فيها من شوائب ومستحاثّات.

الشكل (3) تراكم طبقات الجليد سنوياً.

- البحيرات المتجمّدة: تتشكّل سنوياً في البحيرات المتجمّدة طبقتان متمايزتان من الرسوبيّات، تتحكّم في تشكّلها الدورة السنوية للتجمّد والذوبان، ففي مرحلة الذوبان تتشكّل طبقة من الأجسام الخشنة والطمي، وعندما يتجمد سطح البحيرة تهدأ حركة التيارات المائية وتتشكّل طبقة من الرسوبيّات الدقيقة تتميّز بلونها القاتم نسبةً إلى الطبقة المتشكّلة في مرحلة الذوبان، ويُعدّ إحصاء عدد هذه الطبقات سجلاً لتاريخها وتاريخ حياة البحيرة.

التأريخ برصد تغيّرات المجال المغنطيسي الأرضي

من المعروف أنّه حصلت بمرور الزمن انعكاسات لقطبيّة المجال المغنطيسي الأرضي وتغيّرات في شدّته واتجاهه، ويبين جدول تغيّر الحقل المغنطيسي الأرضي Geomagnetic Polarity Time Scale (GPTS) 184 انعكاساً للقطبية خلال 15 مليون سنة من عمر الأرض، تؤثر هذه الانعكاسات القطبيّة في توضعات الذرّات ذات القطبيّة المغنطيسية؛ ولاسيما فلزات الحديد المنتشرة في كثير من الصخور والتشكيلات الأرضية. يُعدّ توجّه القطبية المغنطيسية لصخرة ما بحيث يتوافق مع الحقل المغنطيسي الأرضي في عصر تشكّلها سجلاً لتأريخها، تظهر هذه التشكيلات المغنطيسية في صخور الطبقات الرسوبيّة ولاسيما السميكة منها، وكذلك عند تجمّد الحمم البركانيّة.

الطرائق الكيميائية في التأريخ

تحدث بعض التغيّرات الكيميائيّة للمواد في الطبيعة تلقائياً وببطء، بحيث يمكن قياس معدّل هذه التغيّرات، ومن ثم يمكن اعتبارها طريقة للتأريخ، وتتدخل العوامل البيئية في سرعة التغيّرات الكيميائيّة، مما يزيد من تعقيد هذه الطريقة، كما أن عدم معرفة الشروط الفيزيائية والكيميائية المحيطة يقلّل من دقّة النتائج. ومع ذلك تُعدّ هذه الطريقة جيدة لتأريخ أعماق البحار؛ إذ تكون الشروط الفيزيائية والكيميائية شبه ثابتة.

من الطرائق الكيميائية في التأريخ تأثير الرطوبة المحيطة في الزجاج البركاني؛ إذ يكون جافاً تقريباً لدى تشكله، وتزداد كمية ماء التبلور الممتصة على سطحه مع مرور الزمن، وتدل سماكة الطبقة المتأثرة بالرطوبة على عمرها.

كذلك يُستعمل للتأريخ قياس النسبة اليساري/اليميني D/L (Dexter/Laevus) لبعض الحموض الأمينيّة التي تحوي في صيغتها الكيميائيّة مركز عدم تناظر؛ فتُشكِّل الصيغة الكيميائية لأحد المركبَين خيالاً للآخر في المرآة، ومنها حمض الأسبارتيك aspartic acid وحمض الغلوتاميك glutamic acid والسيرين serine والألانين alanine والأرجينين arginie والتيروزين tyrosine والفالين valine والفينيل ألانين phenylalanine واللوسين leucine.

فالحمض الأميني الذي يحوي ذرة كربون carbon غير متناظرة يكون في المتعضيّة الحيّة يسارياً left-handed amino acid (L)؛ أي إنه يحرف مستوي الاستقطاب الضوئي نحو اليسار، وبعد موت المتعضية يتحول ببطء شديد إلى يميني (D)، ويصبح الخليط راسِمياً racemization ، فتتغير نسبة تركيز المركبين D/L من الصفر في المتعضية الحيّة حتى الواحد؛ عندما تصل بمرور الزمن بعد موت المتعضية إلى حالة التوازن الكيميائي بين الشكلين L وD، ويكون قياس معدل التحول دليلاً على عمر العيّنة المدروسة. ولما كان هذا التحول يتأثر بالعوامل البيئية المحيطة وتزداد سرعته في الجو الرطب الدافئ؛ فإنه تُجرى معايرة معدل تحوّل عيّنة من العظم المدروس مقارنة بالكربون المشع. وقد وُجِد أن عمر النصف لهذا التحول بين 15000 و25000 سنة، لذلك يمكن أن يستفاد من خاصية التحول الراسِمي لتحديد أعمار المستحاثّات حتى 150000 سنة، ولاسيما الموجودة في أماكن شبه ثابتة الرطوبة ودرجة الحرارة مثل الكهوف أو أعماق البحار.

قد يكون من المفيد في بعض حالات التأريخ النسبي قياس كمية الفلور في عظام المستحاثات، ويُفترض أنه يصل إلى العظام من المياه الجوفية، والعظم الأقدم هو الذي يحوي كمية أكبر من الفلور بشرط أن تكون العينات قد خضعت للشروط البيئية ذاتها. يمكن زيادة الفائدة من هذه الطريقة بمقارنة نتائجها بطرائق أخرى للتأريخ؛ ولاسيما طريقة قياس الكربون 14.

الطرائق الإشعاعيّة في التأريخ

تُعَد ظاهرة تفكك النّظائر المشعة إلى بنَاتِها daughters (وليداتها) من أفضل الطّرائق الحسابيّة التي تساعد في تحديد أعمار الآثار والمستحاثات والتوضعات الجيولوجية؛ وليس فقط في ترتيبها الزمني النسبي؛ إذ إن التأثيرات الحرارية والميكانيكية والكيميائية التي قد تخضع لها المواد كافة لا تؤثر في زمن التفكك الإشعاعي، الذي يُعبَّر عنه بعمر النصف half-life للنظير المشعّ، فيمكن لدى قياس كمية النشاط الإشعاعي، المتبقي لنظير مشعّ وإحدى بناته؛ وإجراء الحساب باعتماد معادلة التفكّك الإشعاعي (العلاقة 1) معرفة عمر المادّة المدروسة. وقد ازدادت دقّة هذه الطّريقة مع تطوّر طرائق كشف الإشعاع وتجهيزاتها، مثل أجهزة طيف الكتلة mass spectrometry ومطيافيّة غاماgamma spectrometry وعدّاد الوميض السائل liquid scintillation counter أو طريقة الليزر الكربوني (طريقة باولو دي ناتال Paolo De Natale عام 2011)؛ أو باستخدام مسرّع الإيونات ion accelerator لفصل النظائر.

حيث: النشاط الإشعاعي radioactivity للنظير المشعّ المعني لحظة القياس (أو عدد ذراته)،: النشاط الإشعاعي للنظير المشعّ لحظة تشكل المادة المدروسة، و ثابتة التفكّك الإشعاعي للنظير المعني، وT عمر النّصف للنظير المشعّ المعني وt: عمر المادة المدروسة.

في معظم الحالات يكون النّشاط الإشعاعي غير معروف، فمن قياس النّشاط الإشعاعي للنظير البِنْت D الذي يساوي ؛ وبفرض أن عدد ذرات النظير البنت يساوي الصفر لحظة تشكّل العينة المدروسة تصحّ العلاقة (2):

يُستنتج عمر العينة من العلاقة (2) ليعطى وفق العلاقة (3):

يؤثّر في دقّة حساب العمر كل من الدقّة في قياس D وA والدّقة في حساب λ، إضافة إلى احتمال وجود ذرات البنت لحظة تشكّل العيّنة بكميات غير معروفة، كما تتدخل العوامل الفيزيائيّة والجيوكيميائية التي قد تسبب بمرور الزمن تسرّب النظائر البنت أو النّظير الأمّ خارج العيّنة المدروسة. يمكن اختيار أي زوج (نظير أم - نظير بنت) للتأريخ؛ ويفضل النظير الأم الطويل عمر النصف لتأريخ الصخور والترسبات، من هذه الأزواج: لوتيتيوم. هافنيوم ، ورهينيوم-أوسميوم ،وسماريوم-نيوديميوم . وقد تعددت الطرائق الإشعاعية في تحديد العمر، وهي تعتمد على دراسة سلوك عدد من النظائر المشعّة ومنها:

طريقة التأريخ بالكربون 14:

يرى ويلارد ليبي W. Libby في طريقة تأريخه هذه -التي نال عليها جائزة نوبل- أن نسبة الكربون المشع 14 إلى الكربون 12 المستقر شبه ثابتة عبر العصور، وهي 1ppt؛ أي
، واعتمد في حساباته عام 1950 نقطة مرجعية للقياس، مع أن التفجيرات النووية على سطح الأرض -التي كان أولها 16 تموز/يوليو 1945- تزيد من تشكّل الكربون 14. ولما كان عمر النصف للكربون 14 قصيراً (5730 سنة) نسبةً إلى عمر الأرض فلا يمكن العثور عليه ضمن فلزات الكربون؛ وإنما يتشكّل في جو الأرض بتأثير الأشعّة الكونية؛ إذ تصدم النترونات الكونية الحرارية thermal neutrons نوى ذرات الآزوت 14 فيتشكل الكربون 14 وفقاً للتفاعل (4):

يتشكّل ثنائي أكسيد الكربون في الهواء محافظاً على نسبة وفرة نظائر الكربون، ثم ينتقل إلى المتعضية الحيّة النباتية عن طريق تفاعلات التركيب الضوئي، ومنها إلى آكلات النبات أو اللحوم. وعند موت المتعضيّة تبقى كمية الكربون 12 فيها ثابتة، في حين تتناقص فيها نسبة الكربون 14 الذي يُطلق أشعة بتا متحولاً إلى الآزوت 14. وبقياس نسبة عدد ذرات الكربون 14 إلى عدد ذرات الكربون 12 في المستحاثّات أو الآثار التي تحوي الكربون، يمكن حساب عدد ذرات الكربون 14 المتبقية، ثم يُحسب عمر العينة t بتطبيق العلاقة (1). تُعدّ هذه الطريقة في التأريخ عالية الدّقة في تحديد العمر حتى 70,000 سنة؛ إذ يصعب بعدها قياس وفرة الكربون 14 المتبقي. وقد استعملت طريقة التأريخ بالكربون 14 لتحديد عمر ما زُعم أنه كفن السيد المسيح والذي يُعرف بكفن تورينو Shroud of Turin؛ إذ أعلن الكاردينال ألبيرتو باليستريرو Alberto Ballestrero عام 1988 نتيجة التحليل الذي أُجري لعينات من الكفن في ثلاثة مخابر اعتمدتها الكنيسة؛ أن تاريخ صناعة الكفن ترجع إلى الفترة 1260 - 1290.

تُجرى تصحيحات حسابية على نتائج طريقة التأريخ بالكربون 14؛ إذ تُقارن بدراسة حلقات الأشجار المعمّرة، وقد بيّنت أبحاث يابانية أجريت على ساقي شجرتين معمّرتين زيادةً في وفرة الكربون 14 في عامي 774 و775 عن المعدّل العام، تُعزى هذه الزيادة لانفجارات ورياح شمسية سببت حينها تغيّرات في تدفق النترونات إلى جو الأرض أدت إلى زيادة في نسبة تشكّل الكربون 14.

تولِّد الأشعة الكونية عدداً من النظائر إضافة إلى الكربون 14C منها 3He و10Be و21Ne و26Al و36Cl، ويتغير معدّل تشكّل هذه النظائر من مكان إلى آخر على سطح الأرض؛ إذ يتناقص بسرعة كبيرة مع زيادة عمق العينة، ولكن يمكن عدّه ثابتاً ضمن ظروف ثابتة، فبقياس الوفرة لأحد هذه النظائر في عينة محددة يمكن حساب عمرها بعد معرفة المعدّل الطبيعي لتشكل هذا النظير، كما يُستفاد من هذه الطريقة لدراسة سرعة تشكل الطبقات الرسوبية، وأيضاً معدلات الحتّ والتعرية لبعض التوضعات الجيولوجية.

طريقة التأريخ بقياس النسبة بوتاسيوم/أرغون:

يتفكّك البوتاسيوم 40K الموجود في الطبيعة إلى الكلسيوم 40Ca بإصدار أشعة بتا؛ أو يتفكّك إلى الأرغون 40Ar بالتقاط إلكترون أو بإصدار بوزيترون.

الأرغون من الغازات الخاملة ويمكن أن ينطلق إلى الجو من مكان تشكّله عندما تتصلّب الصخور أو الحمم البركانيّة المحتوية على البوتاسيوم أو تتبلور وتنحبس ذرّات الأرغون. وهي كبيرة الحجم نسبياً داخل الصخر أو الشبكة البلوريّة. وبذلك تكون الزيادة في النسبة 40Ar/40k مقياساً لعمر الصخر منذ لحظة تجمده، ويقلل افتراض أنّ غاز الأرغون المتشكّل قبل التجمّد قد انطلق بكامله خارج الصخرة من دقّة هذه الطريقة للتأريخ. ولما كان ارتفاع درجة الحرارة يساعد على انفلات الأرغون خارج العينة؛ فإن هذه الخاصية تُستعمل لتأريخ حوادث الانصهار الكلي أو الجزئي لبعض الصخور بمرور الزمن -كالصخور القريبة من فوهات البراكين- ومقارنتها بعينات مجاورة لتحديد أعمار ثورات البركان.

يبلغ عمر النصف للبوتاسيوم 40K: سنة، وهذا يجعله صالحاً لتأريخ أعمار صخور من مرتبة عمر الأرض، ولكن تفككه البطيء إلى الأرغون يجعل كمية الأرغون المتجمّعة غير قابلة للقياس؛ إلا إذا كان عمر الصخر المدروس أكثر من 100,000 سنة.

التأريخ بقياس النسبة أرغون /أرغون :

تقوم طريقة التأريخ بقياس النسبة على تقسيم العينة إلى قسمين: أحدهما لقياس البوتاسيوم والآخر لقياس الأرغون، وهذا يُدخِل معاملات إضافية لأخطاء القياس. أما لقياس النسبة فيكفي بلّورة واحدة من العيّنة وتسخينها بأشعة الليزر لاستخلاص الغازات منها وتحليلها بجهاز طيف الكتلة. ولكن هذه الطريقة ليست مطلقة، وإنما تنسب نتائجها إلى عيّنة معروفة العمر؛ إذ يجري تشعيع العيّنة المجهولة العمر بالنترونات في الشروط نفسها مع عينة معروفة العمر فيتحول البوتاسيوم 39K إلى الأرغون 39Ar، ويُحسب عمر العينة t بتطبيق العلاقة (5) بعد معرفة J، وهي معدل التدفّق النتروني المستعمل وقياس النسبة .

أو تُسَخّن العيّنة (بلّورة أو حبيبة) على مراحل بأشعة الليزر، ويُقدّر عمر العيّنة برسم علاقة العمر مع كمية 39Ar المنطلقة في كل مرحلة، أو مع زيادة درجة الحرارة، وذلك بفرض أن الأرغون المنطلق عند درجات الحرارة المرتفعة يُعبّر عن لحظات بدء تجمّد الصخر.

التأريخ بتفكك التريتيوم-هيليوم:

تُطلِق ذرّة التريتيوم 3H أشعة بتا متحولةً إلى نظير الهليوم 3He بعمر نصف 12.4 سنة، تُستخدم هذه الخاصية في قياس كمية الهليوم 3He المتولدة لتأريخ تجمعات المياه الجوفية أو تواترات تغذيتها أو تدفّقاتها أو التسرّبات الحاصلة منها. يجب إدخال تصحيحات على القياس لحذف 3He الجوي وكذلك 4He الناتج من الانشطار الطبيعي أو الناتج من إصدارات ألفا للنظائر المشعّة في الحوض المائي، لذلك تُحفظ العيّنة المائيّة مدة ستة أشهر محكمة الإغلاق بعد طرد جميع الغازات منها، ثم يُقاس تنامي الهليوم 3He المتولد ضمنها، تصلح هذه الطريقة لتـأريخ تجمعات مياه لا يتجاوز عمرها 40 سنة.

اعتمدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في عام 2013 طريقة تتبع المصائد الذرية Atom Trap Trace Analysis (ATTA) لتحديد أعمار مصادر المياه، وأخضعت للدراسة عينات مأخوذة من معظم بقاع العالم، وذلك بعد أن ازدادت كفاءة تجهيزات القياس، وصار بالإمكان قياس الكريبتون 85Kr بحساسية أعلى نحو عشرة آلاف مرة مقارنة بأولى نتائجها المنشورة في عام 1999. تقيس هذه الطريقة وفرة النظائر في عيّنات المياه الجوفية لنظائر تتشكل في جو الأرض مثل الكريبتون 81Kr ذي عمر النصف 209000 سنة، والكريبتون 85Kr ذي عمر النصف 107 سنة، كما تستعمل هذه الطريقة الأرغون 39Ar ذا عمر النصف 269 سنة الذي يُعدّ مثاليّاً لتقدير الأعمار بين 100 سنة و1000 سنة؛ ولسد الفجوة الزمنية بين طريقة التأريخ بالهليوم 3He وطريقة التأريخ بالكربون 14C.

التأريخ بتفكك الروبيديوم-سترونسيوم:

يُستعمل السترونسيوم في أعمال التأريخ ودراسة الآثار، وذلك من معرفة ميل المستقيم الناتج من الرسم البياني لعلاقة نسبة الوفرة للنظيرين مقابل ، على أساس أن نسبة الوفرة للنظيرين عند تشكّل الأرض تساوي 0.699 . تدل زيادة هذه النسبة على زيادة وفرة النظير 87Sr الناتجة من تفكّك نظير الروبيديوم 87Rb بإطلاقه لأشعة بتا. إن عمر النصف للروبيديوم 87Rb طويل جدّاً ( سنة) لذلك يُستخدم في تقدير الأعمار حتى 4 مليارات سنة. ونتيجة للتشابه في السلوك الكيميائي للسترونسيوم مع الكلسيوم فإن دراسة نسب الوفرة روبيديوم - سيزيوم ذات أهمية كبيرة في معرفة مصادر الأخشاب ودراسة الرسوبيّات البحريّة والنهريّة، وهي أيضاً تساعد على معرفة مسارات هجرة الحيوانات، كما أنها تستعمل في الطب الشرعي.

التأريخ باليورانيوم أو الثوريوم-رصاص:

تَنتج نظائر الرّصاص غير المشعّة 206Pb, 207Pb, 208Pb من تفكّك اليورانيوم 238 واليورانيوم 235 والثوريوم 232 على الترتيب عن طريق سلاسل التفكّك الإشعاعي الطبيعي، في حين أن الرّصاص 204Pb هو نظير مستقر طبيعي لا ينتج من تفكّك إشعاعي. هذا يعني أن نسب الوفرة و
و تزداد مع الزمن بدءاً من لحظة تشكل البلّورات أو الصخور المحتوية على هذه النظائر. يمكن حساب عمر العيّنة t بقياس نسب الوفرة وأيضاً بقياس كمية اليورانيوم والثوريوم المتبقية في العيّنة. إن عدم توافق نتيجة حساب العمر باعتماد أو (العلاقتان 6 و7) يدل على عدم انحفاظ النظائر المدروسة ضمن العيّنة؛ أي تسرّب الرّصاص منها بمرور الزمن.

لتلافي أخطاء الحساب المرتبطة بوفرة الرصاص 204Pb يمكن استخدام منحنيات تيــرا - فاســربورغ
Wasserbur- Tera التي لا تعتمد على وفرة الرصاص الطبيعي 204Pb في العيّنة؛ وإنما ترصد الرصاص الناتج من التفكّك الإشعاعي، فهي تعبّر عن تغير نسبة الوفرة بتغيّر النسبة ؛ وذلك في حالة أعمار تقع بين 100 مليون سنة و200 مليون سنة، ومع تطوّر تقنيات القياس أمكن استخدام هذه المنحنيات لتقدير العمر حتى 10 ملايين سنة.

التأريخ بالرصاص:

اختزل العالم الأمريكي نير Nier وزملاؤه عام 1941 قياس وفرة اليورانيوم في الطريقة السابقة بفرض أن العيّنة مغلقة؛ أي لا تنتشر منها مكوناتها، وأن نسبة نظيري اليورانيوم محددة بدقة وثابتة وتساوي حاليّاً 137.88، فيمكن بقسمة العلاقة (6) على العلاقة (7) الحصول على معادلة مستقيم (العلاقة 8) يُحسب من ميله العمر t. تستخدم هذه الطريقة لتأريخ الأرض والصخر الغرانيتي granite؛ ولدراسة النيازك التي تصل إلى الأرض وتأريخها.

وبالمثل يمكن بالاستناد إلى وفرة أي زوج من نواتج التفكك لسلاسل التفكك الإشعاعي الطبيعي المعروفة في جملة مغلقة قياس عمر هذه الجملة في مجال يبدأ من عدة سنوات حتى مليون سنة؛ وفقاً لعمر النصف للنظائر المشعّة المعنيّة؛ وذلك بعد وصولها إلى حالة التوازن الإشعاعي بين البنت والأم، فيمكن تقدير عمر عيّنة بقياس نسبة النشاط 224Ra/228Ra الناتج من تفكك 228Ra وتنامي 224Ra (الشكل4) في سلسلة الثوريوم 232. تُستخدم هذه الطريقة في تأريخ التلوث الإشعاعي الناتج من الصناعة النفطية؛ بفرض أن النشاط الإشعاعي للراديوم 224 معدوم لحظة بدء التلوث، وهو ناتج فقط من تفكك 228Ra وبعمر نصف يساوي 5.75 سنة وفقاً للعلاقة (9).

الشكل (4) تنامي النسبة 224 Ra /228 Ra.

 

كما يمكن بتحديد النسبة تأريخ تربة ملوثة بالنظائر المشعة المرافقة للصناعة النفطية لفترات تصل حتى 40 سنة (العلاقة 10)؛ بفرض أن تغيّر نشاط الراديوم 226 مهمل مدة أربعين عاماً؛ إذ إن عمر النصف له 1625 سنة.

حيث t هو عمر التلوث للعينة، و ثابت التفكّك الإشعاعي للراديوم 228. يُبنى نجاح هذه الطريقة على الدقة في تحديد نسبة النظيرين في اللحظة صفر.

قد تتعرض إحدى النظائر من سلسلة التفكك الإشعاعي الطبيعي لتأثيرات جيولوجية أو جيوكيميائية تؤدي إلى خروجها من المنظومة الجيولوجية التي كانت فيها. يسبب هذا الانقطاع في سلسلة التفكك الإشعاعي عدم الوصول إلى حالة التوازن الإشعاعي، أو زيادة في المدة اللازمة للوصول إلى التوازن، وهو يفيد في تأريخ التحولات الجيولوجية التي طرأت على المنطقة المدروسة.

تُستخدم هذه الظاهرة في دراسة الرسوبيات في أعماق البحار أو في الأماكن التي يساعد فيها وجود الماء على كسر سلسلة التفكّك الإشعاعي الطبيعي ونقل أحد مكوناتها إلى خارج المنظومة الجيولوجية.

وكذلك فإن اختلاف الصفات الكيميائية يمكن أن يساعد في التأريخ -على سبيل المثال- إن أحجار كربونات الكلسيوم قادرة على احتواء اليورانيوم؛ واستبعاد الثوريوم 230 عند تشكّلها، ولكن مع مرور الزمن تزداد النسبة ؛ إذ يَنتُج الثوريوم 230 من تفكّك اليورانيوم 234 الذي عمر نصفه 245000 سنة، كما ينتج من اليورانيوم 238 الموجود ضمن بلّورات كربونات الكلسيوم، فيكون قياس تنامي النسبة تأريخاً لتوضعات كربونات الكلسيوم.

يمكن حساب عمر عينات تحوي نواتج التفكّك الإشعاعي لسلسلة 238U بقياس تنامي النسبة ؛ بفرض أن العيّنة المدروسة مغلقة والنظير المشع 210Pb ذا عمر النصف 22.3 سنة ناتج فقط من تفكّك الراديوم 226؛ أي بإهمال الرصاص 210 الناتج من السقط الجوي. تُستعمل هذه الطريقة للتأريخ مدة مئة سنة تقريباً.

كما يمكن دراسة الآثار التخريبية (خدوش مجهرية يجري إظهارها بالحك الكيميائي بماءات الصوديومNaOH مثلاً) التي تُحدثها أشعة ألفا الصادرة عن التفكّك التلقائي لليورانيوم؛ لاستعمالها في أعمال التأريخ؛ إذ تُرصَد هذه الآثار في واحدة المساحة من سطح مصقول من بلّورات الزركون zircon مثلاً، ثمّ يُغطّى السطح بصفيحة لدائنية (بلاستيكية) رقيقة ويُشعع بالنترونات الحرارية فتنشطر ذرات اليورانيوم 235U الموجودة في العيّنة وتظهر آثارها على الصفيحة البلاستيكية.

ومقارنة بالآثار قبل التشعيع ومن معرفة النسبة الطبيعية للوفرة 235U/238U تُحسب وفرة اليورانيوم 238U، وبإجراء معايرة للربط بين عدد الآثار التخريبية وعدد الانشطارات المسببة لها؛ تصبح هذه الآثار مقياساً للزمن بساعتين زمنيتين: اليورانيوم 238U بعمر نصف 4.5 مليار سنة واليورانيوم 235U بعمر نصف 700 مليون سنة. تلتئم الآثار التخريبية للانشطار عند درجات حرارة تزيد على 200°س، تستعمل هذه الطريقة لتأريخ الآثار ولتأريخ التبدلات الجيولوجية الحرارية في الزجاج البركاني volcanic glass والميكا mica والتكتيت tektites والتيتانيت titanite والأباتيت apatite والإبيدوت epidote والغرانيت granite والزركون؛ بدءاً من عشرات السنين حتى مليارات السنين.

التأريخ بالتألق الحراري thermoluminescence:

تُستخدم بعض المواد غير الناقلة للكهرباء nonconducting مقاييس للجرعة الإشـعاعية radiation dosimeters؛ إذ تتأثر هذه المواد بالإشعاع المؤين فترتفع السوية الطاقية لبعض إلكتروناتها من سوية التكافؤ valence band إلى سوية النقل conduction band، وتقع هذه الإلكترونات عند عودتها إلى حالتها السابقة في المصائد traps (ذرات شائبة). عند تسخين هذه المواد حتى 300°س تتحرر الإلكترونات من مصائدها لتعود إلى سويتها الدنيا مطلقةً لإشعاعٍ ضوئي. تُحسب الجرعة الإشعاعية التي كانت قد تلقتها المادة من قياس الوميض الناتج، وبإجراء معايرة جرعة-وميض. تستخدم هذه الخاصية في التأريخ حتى 200,000 سنة للفخار وأحجار الصوان وللرسوبيات؛ إذ يمكن حساب عمر العينة من معرفة معدل الجرعة الإشعاعية السنوية وقياس الوميض الضوئي الناتج من تسخين العيّنة المدروسة وفق العلاقة (11):

إن سبب ضعف هذه الطريقة افتقارها إلى الدقة في معرفة معدّل الجرعة الإشعاعية السنوية؛ إذ تُقدّر من قياسات متعددة الأساليب لمحيط العينة المدروسة، كما أن إصدار الوميض بالتسخين اختبار تخريبي فلا يمكن تكرار القياس للعينة.

التأريخ بالتجاوب السبيني الإلكتروني  Electron Spin Resonance (ESR):

إن التأين الذي تحدثه الأشعة لبعض ذرّات المادة يُعَدّ تخريباً في بنيتها أو في بنيتها البلّورية ينتج منه تغيّر في عدد إلكتروناتها غير المتزاوجة (العازبة). يمكن تقدير الجرعة الإشعاعية من قياس التغيّر في العزم المغنطيسي الكلي للمادة المعرضة للإشعاع بتقنية ESR بإخضاعها لحقل من الأشعة المكروية، ودراسة طيف امتصاص الطاقة لتقدير عمر بعض المواد والتوضعات الجيولوجية. ويبقى تقدير معدّل الجرعة الإشعاعية السنوية - كما هي الحال في طريقة التألق الحراري للتأريخ - أهم العوامل المؤثرة في دقة نتائج هذه الطريقة.

تأريخ الكون

يُعتقد أن الكون كان متجمعاً في نقطة واحدة وتناثر وفقاً لنظرية الانفجار الكبير Bigbang لتشكل الكون، وهو حالياً مستمر في التوسع.

من قياس سرعة الأجرام الفضائية وبعدها عن الأرض وفق أثر دوبلر Doppler وانزياحه يمكن حساب لحظة حدوث الانفجار الكبير؛ أي عمر الكون الذي كان يُعتقد أنه يبلغ 20 مليار سنة، وبإدخال بعض التصحيحات التي ترى أن سرعة توسع الكون تتناقص يصبح عمر الكون 13 مليار سنة، في حين يبلغ عمر الأرض 4.5 مليار سنة اعتماداً على قياسات النظائر المشعة.

مراجع للاستزادة:

-M. A. Geyh, Absolute Age Determination: Physical and Chemical Dating Methods and Their Application, Helmut Schleicher and Clark Newcomb, 2013.

-M. Walker, Quaternary Dating Methods, John Wiley & Sons Ltd., 2005.

- http://www.aps.org.

-http://www.iceandclimate.nbi.ku.dk.


التصنيف : التقانات الصناعية
النوع : التقانات الصناعية
المجلد: المجلد السادس
رقم الصفحة ضمن المجلد : 0
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 585
الكل : 31700632
اليوم : 55214