logo

logo

logo

logo

logo

التآثر الحيوي

تاثر حيوي

Biological interaction -

 التآثر الحيوي

التآثر الحيوي

مفهوم التآثر الحيوي التنافس
أسباب التآثر الحيوي التعلق (الاعتماد) dependence
وسائل التآثر الأثر التنظيمي للتآثر الحيوي بين أفراد النوع الواحد (ضمن الجماعة)
 

التآثر الحيوي biological interaction هو بناء علاقات متنوعة متبادلة متشابكة مترابطة بين الكائنات الحية مفيدة لطرف دون الآخر؛ أو ضارة لأحدهما؛ أو مفيدة للطرفين، إجبارية كانت أم اختيارية.

يُعدّ الإحساس أو الشعور من الصفات التي تميز الكائنات الحية من الجمادات، وهو ينتج من منبه داخلي (جوع، عطش، خوف،..) أو محرّض خارجي (برودة، حرارة، نار، افتراس ..)، يحدث بنتيجتها فعل أو ردة فعل عند الكائن تتحول مع الزمن باستمرارها وتكرارها إلى علاقة من نمط معيّن بين الكائن وسبب الفعل. وإن أهم علاقة تربط الكائنات الحية بعضها ببعض وببيئتها هي علاقة التغذية التي تحصل بموجبها على الطاقة والعناصر الضرورية لبناء أجسامها وللقيام بجميع نشاطاتها، وإذا كان مصدر العناصر الأولية هو الوسط المحيط (البيئة غير الحية)؛ فإن مصدر الطاقة الرئيس هو الشمس ولو على نحو مختلف، لذلك يمكن تصنيف الكائنات وفق المصدر المباشر للطاقة إلى:

- كائنات ضوئية الطاقة أو كيميائيتها: مصدر الطاقة هو الشمس أو الأكسدة (ذاتيات التغذية).

- حيوية الطاقة: مصدر الطاقة الكائنات الحية (غيريات التغذية). وتمارس نماذج وأنماطاً مختلفة ومتنوعة من العلاقات.

مفهوم التآثر الحيوي

يعني التآثر لغوياً التأثير والتأثّر؛ أو تبادل التأثير، ومن ثمّ يمكن تعريفه بأنه مجمل التأثيرات المتبادلة والمترابطة أحياناً بين الكائنات الحية.

يقتضي التآثر وجود طرفين أو كائنين فردين سواء من نوع واحد أم من نوعين مختلفين من النباتات أو الحيوانات أو من الإنسان أو من هذا وذاك، كي تنشأ علاقة بينهما يتبادلان من خلالها التأثيرات.

فالنبات الشجري يؤثر في النبات الذي ينمو في ظله أو بجواره، وفي الحيوان الذي يتغذى عليه أو يسكنه، كما يؤثر النبات والحيوان في الإنسان الذي يؤثر فيهما أيضاً، وهكذا تنشأ شبكة من التأثيرات المتبادلة والمترابطة بين الكائنات الحية، وهي معقدة بقدر ما يكون عدد هذه الكائنات كبيراً والوسط صغيراً.

أسباب التآثر الحيوي

ترتبط أسباب التآثر بنمط هدف التأثير المتبادل وطبيعته؛ أو العلاقة القائمة بين الكائنات الحية، فتظهر علاقات متنوعة منها علاقة التنافس أو المزاحمة competition، وهي نمط من العلاقات المعروفة بالصراع من أجل الحياة، وفيها يسيطر القوي على الضعيف، أو يستبعده تماماً، وهكذا يمكن تحديد أسباب التآثر الحيوي بالآتي:

أ- الحاجة المشتركة إلى إيجاد مكان رحب وآمن تتوفر فيه متطلبات الحياة.

ب- البحث الدؤوب لتوفير المتطلبات الضرورية للحياة من طاقة وعناصر معدنية وحرارة مناسبة ورطوبة وضوء ومكان للعيش وممارسة النشاط وغير ذلك.

ج- محاولة الجميع الاستئثار الحصري لمكان العيش وموارد الحياة؛ أي سعي كل كائن ليستفيد وحده من مقدرات المكان الذي يعيش فيه؛ ومحاولته منع الآخرين من مشاركته هذا الحق الذي يعدّه محصوراً به فقط.

د- التحريض الداخلي والتنبيه الخارجي عند الكائن: ينتج التحريض الداخلي من تبدلات فيزيولوجية تحرض الكائن للقيام بأمر معيّن للرد على هذه التبدلات أو للتجاوب معها، وهي أشد وضوحاً عند الحيوانات، مثل: العطش والجوع والمرض والغرائز، وكلها دوافع داخلية ذاتية تدفع الكائن إلى القيام بأفعال ذات تأثيرات مختلفة فيه وفي غيره ممن يشاركه المكان أو ممن يلتقيه.

أما النباتات فمعظم منبهاتها ومحرضاتها عوامل خارجية؛ إذ تنبه النبات وتحرضه على الاستجابة بأساليب وآليات متنوعة جداً؛ وتنشأ استراتيجية عند النبات تبدأ بالتحمل ثم المقاومة؛ فيؤدي نجاحهما إلى التكيف، أما إخفاقهما فيؤدي إلى الموت؛ عندما يتعرض نبات ما مثلاً، لدرجة حرارة مرتفعة فإنه يتحملها مادامت واقعة في المجال الحراري لحياته، لكن ارتفاعها فوق الحد الأعلى يدفع النبات إلى مقاومتها بزيادة النتح ووقف العمليات الحيوية المستهلكة للماء، وقد يؤدي ذلك إلى تخلص النبات من أوراقه. وإذا لم تنجح هذه الأساليب وغيرها يجف النبات ويموت، وإذا نجحت يتكيف النبات مع درجة الحرارة العالية لتفادي عملية التجفاف تحت تأثيرها.

وسائل التآثر

تشمل الوسائل مجمل العلاقات القائمة بين الكائنات الحية على اختلاف أنواعها وأنماطها وأحجامها وطبائعها ومكان وجودها؛ من النباتات والحيوانات بما في ذلك الإنسان. أما الآليات فهي من خصوصيات كل علاقة؛ وتتضمن الإجراءات التنفيذية المفصلة للعلاقة. وهكذا يتجسد التآثر الحيوي عبر العلاقات القائمة بين الكائنات الحية: نبات مع نبات؛ نبات مع حيوان؛ حيوان مع حيوان؛ وكذلك إنسان مع إنسان ومع غيره من النباتات والحيوانات.

ونقطة البداية في التآثر الحيوي هي عملية التكاثر، وهي علاقة حيوية تحدث بين فردين من نوع واحد (ذكر وأنثى) تتمخض عن إنتاج أفراد جديدة، ويتحقق التآثر لديها من خلال ما ينشأ بينها من جهة وبين غيرها من جهة أخرى من علاقات متنوعة. هناك نوعان من التكاثر: جنسي ولا جنسي، أما وسائله وآلياته فهي متنوعة ومختلفة من كائن إلى آخر سواء كان نباتاً أم حيواناً أم إنساناً؛ من هنا ولدراسة وسائل التآثر الحيوي وآلياته وفهمها لا بد من استعراض جميع العلاقات القائمة بين الكائنات الحية أو بعضها؛ وتوضيح الإجراءات التنفيذية المفصلة (الآلية) الخاصة بكل علاقة، وسوف يُركَّز على العلاقات التي تنشأ بين النباتات لسبب مهم جداً؛ وهو أن النباتات كائنات حية لا تتحرك من مكانها كالحيوانات والإنسان، وهي بذلك لا تستطيع التنقل بحثاً عمّا تحتاج إليه؛ أو الهروب من الأخطار التي تهددها مهما كانت خطرة؛ مما يجعل التآثر الحيوي عندها في أوضح صوره وحالاته. ومن وسائل التآثر بين النباتات التنافس والتعلق.

التنافس

هو صراع من أجل الحياة، يبدأ بمجرد وجود فردين بجانب بعضهما البعض سواء من نوع واحد أم من نوعين مختلفين، ويزداد طرداً مع زيادة عدد الأفراد في وحدة المساحة أو الحجم، ومع تدني تركيز المواد أو العناصر المتنافَس عليها (الشكل 1).

الشكل (1) التنافس بين نباتات متجاورة.

يحدث التنافس فوق سطح التربة من أجل الحصول على الضوء والفراغ، كما يحدث تحت سطح التربة من أجل الحصول على الماء والأملاح المعدنية؛ وكذلك من أجل إيجاد مكان لنمو الجذور وتفرعها. وتختلف قدرة الأفراد على التنافس بحسب عوامل عديدة، أهمها:

أ- الكثافة density: بزيادتها تزداد شدة التنافس بين أفراد الجماعة الواحدة وكذلك بين أفراد الجماعات المختلفة، وتؤدي إلى إضعاف النمو الفردي والإنتاجية وزيادة نسبة الوفيات، أما بين الجماعات فتؤدي إلى إٍبعاد أفراد الأنواع الضعيفة ولا يستمر إلا الأقوياء (مبدأ الاستبعاد بالتنافس).

ب- السرعة في احتلال المكان: إذ إن أسرع الأفراد والأنواع في النمو ستكون أوفرها حظاً في السيطرة؛ وستُخضِع غيرها للشروط الناجمة عن نموها السريع كالتظليل مثلاً.

ج- الدورية periodicity: يقل التنافس عندما تبدي الأنواع تعاقباً في النمو.

د- دورة الحياة وطولها: فالأنواع الحولية تبدأ نموها سنوياً بدءاً من الإنتاش، أما النباتات المعمرة؛ فتشغل المكان باستمرار.

هـ- إمكان استئناف النمو عند تبدل العلاقة التنافسية: وهذا ما يحدث بعد قطع الغابات أو الحرائق؛ إذ تنمو النباتات الحولية بشدة.

و- بحسب العامل المتنافس عليه: فالضوء يصبح هدفاً للتنافس في التجمعات الكثيفة؛ والأكسجين في الترب الرديئة التهوية؛ والماء في الترب الجافة وهكذا.

أما الآلية التي تتنافس فيها النباتات؛ فهي متنوعة جداً، وذلك بحسب المكان تحت التربة أو فوقها:

1- التنافس تحت سطح التربة: تتنافس النباتات في التربة على الماء والعناصر المعدنية وكذلك على مكان نمو الجذور وانتشارها، وهذا أمر معروف في العالم النباتي، ونتائجه معروفة. وتمثل ظاهرة التضاد الإحيائي allelopathy إحدى آليات التآثر الحيوي في التربة والناتج من المفرزات الكيميائية لبعض النباتات؛ إذ عُرفت باسم السمية الموجبة teletoxie لكونها ذات تأثير مضاد للآخر. وتختلف المواد المُفرَزة بحسب طبيعتها: عضوية أو معدنية، وبحسب العضو النباتي فيما إذا كان ميتاً أو حياً، وفي الآتي عرض لبعض الحالات:

- تُفرز جذور شجيرات المطاط Part Henium argentatum حمض ترانسسيناميك trans-cinnamic acid الذي يثبط إنتاش بذور النبات ذاته؛ ويمنع نمو بادراته بالقرب من النبات الأم.

- تفرز جذور نبات الجوز وأوراقه Juglans nigra or J. regia مركّباً فينولياً يدعى الجوزين Juglone، يؤثر سلباً في نمو البندورة والبطاطا والفصة وكذلك الأعشاب قرب أشجار النبات.

- تفرز أوراق الكينا .Eucalyptus sp بعض المركّبات الفينولية التي تعوق إنبات بذور العديد من الأنواع العشبية في ظل النبات.

- تفرز نباتات أرتيميسيا كاليفورنيكا Artemisia californica والقصعين أبيض الأوراق Salvia leucophylla المركبات التربنتينية الطيّارة مثل سينيول cineole والكافور camphor، وهي مواد سامة تمنع إنتاش بذور الأعشاب السنوية؛ فتبدو أماكن وجود النوعين خالية من الأعشاب السنوية.

- يشكل نبات أركتوستافيلوس غلاندولوسا Arectostaphylos glandulosa جماعات نقية بعد حرائق الغابات وأشباهها؛ بسبب إنتاجه بعض الحموض الفينولية الناجمة عن تفكك أوراقه المتساقطة وتحللها التي تؤثر جميعها بشدة في نمو بقية الأنواع؛ مما يحدّ من وجودها.

تؤكد جميع الحالات السابقة التأثير الضار للتآثر الحيوي سواء بين الأنواع أم ضمن النوع الواحد. وهناك بعض الحالات التي يؤدي فيها التآثر الحيوي الكيميائي دوراً إيجابياً في النمو؛ وهو ما أطلق عليه مصطلح الجاذبية الموجهة، وقد تكون هذه حالة خاصة عند النباتات الطفيلية كما في المثال التالي:

يتطفل الهالوك Orobanche والستريغا striga على كثير من النباتات كالفول والبندورة والحمص وغيرها (الشكل 2)؛ بيد أن بذور هذين النباتين المتطفلين لا تُنتش إطلاقاً حتى في الشروط الطبيعية إلا بعد توفر الإفرازات الجذرية للنبات المضيف، وقد أكدت الأبحاث أن فاعلية هذه المفرزات لا تشمل سوى بضع مليمترات من المجال الجذري للمضيف؛ ممّا ينشط نمو جُذير المتطفل، ويوجهه نحو جذور المضيف؛ ليلتصق بها ويرسل ممصاته إلى داخل الجذور؛ ليبدأ عملية التطفل.

الشكل (2) تطفل الهالوك على نبات البندورة.

يؤدي التآثر الحيوي في التربة إلى نشوء علاقات مهمة بين الأحياء الدقيقة التي تعمل على تحلل مكونات التربة وبقايا الكائنات الحية؛ وهي تأخذ أشكال: التعاون synergic والتشارك commensalism والتنافع mutualism وصولاً إلى العدوانية antagonism.

تدل الأمثلة السابقة على الدور البيئي والحيوي للتآثر الكيميائي لمفرزات النباتات الراقية ليس فقط بعضها تجاه بعض؛ وإنما لدى الأحياء الدقيقة التي تستوطن التربة؛ ولا سيما من البكتريا والفطريات، ويتعاظم هذا الدور أكثر بعد تراكم هذه المفرزات في التربة مثلما يحصل في ظل الغابات النقية والمختلطة للراتنجيات كالصنوبر والسرو وغيرهما، حيث تتراكم مكونات الفرشة النباتية بسبب غياب نشاط الأحياء المفككة والمحللة؛ وتغيب النباتات العشبية كلياً في أرض الغابة نتيجةً للمفرزات المباشرة أو ما ينتج من الفرشة النباتية.

إن لمفرزات النباتات الراقية في التربة دوراً بارزاً ومهمّاً في نشاط هذه الأحياء وحيويتهالما ينتج من تحلل مكونات الفرشة النباتية وتفككها؛ من مركّبات قابلة للانحلال بالماء وشوارد معدنية وعضوية ذات تأثير سلبي أو إيجابي في الأحياء الدقيقة. كما يُسهم بعضها بشدة في التغذية المعدنية وتثبيت الآزوت (النتروجين) الجوي؛ إضافة إلى إنتاج مركّبات مفيدة، وهذا ما يُلاحظ في بعض البكتريا المُنتجة لحمض الإندول الخلي IAA ومركّبات الجيبرلين وبعض الحموض الأمينية؛ سواء بالتركيب الحيوي أم بالتفكيك الحيوي. يضاف إلى ذلك أن بعض البكتريا قادرة على تفكيك المركّبات السامة وإزالة سميتها من التربة؛ ولا سيّما في المحيط الجذري حيث تنشط.

وتشاهد الحالة نفسها في الأوساط المائية، بيد أن حركة الماء وطبيعته تبدد المواد المفرزة، ولا تسمح لها بالتراكم.

2- التنافس فوق سطح التربة: يتجلى هذا التنافس بأوضح صوره في الغطاءات النباتية الكثيفة كالغابات، حيث تتنافس النباتات على الضوء؛ فيتجه نموها نحو الأعلى تماماً حيث يرد الضوء، وينتهي التآثر بين النباتات بتوزعها الطبيعي في مستويات ارتفاعية تدعى طوابق. ويشغل الطابق الأعلى النباتات الأليفة للشمس؛ والطابق الأدنى (أرض الغابة) النباتات الأليفة للظل؛ أما الطوابق الوسطى؛ فتشغلها نباتات هي أيضاً أليفة للظل ولكن بدرجات متفاوتة تقل تدريجياً نحو الطابق الأعلى. يتوقف عدد الطوابق على ارتفاع الأشجار ومناخ المنطقة، فقد يصل إلى ثمانية طوابق في الغابات الاستوائية المطيرة، في حين لا يتجاوز 3-4 طوابق في الغابات المتوسطية؛ أما عن نوعية النباتات التي تشغل كل طابق؛ فهي مختلفة أيضاً بحسب المنطقة والمناخ، وهكذا تنتمي أغلب أنواع السنديان إلى أليفات الضوء، في حين تُعدّ الأعشاب وخفيّات الإلقاح (السراخس وأشباهها) من أليفات الظل. يؤدي هذا التنافس الشديد على الضوء إلى جعل جذوع الأشجار مستقيمة وأسطوانية تماماً وطويلة على غير العادة، كما يأخذ التاج شكل مخروط أسطواني منتظم يختلف عن الشكل الذي يأخذه فيما لو كان النبات معزولاً.

التعلق (الاعتماد) dependence

هو ارتباط نبات أو مجموعة نباتية بشروط يقدمها نبات آخر أو مجموعة نباتية أخرى، ونظراً لاختلاف طبيعة الشروط المقدمة ونوعيتها؛ يمكن تمييز ثلاثة أنواع:

1- التعلق الفيزيولوجي: وهو يخص مسألة التغذية؛ أي اعتماد نبات على نبات آخر للحصول على الغذاء، وهنا يمكن التمييز أيضاً بين حالتين مشهورتين في العالم الحي؛ وهما التطفل والتعايش.

التطفل: parasitism هو اعتماد نبات على نبات آخر من نوع مختلف للحصول على الغذاء من دون أي تعويض أو مراعاة؛ وهناك الكثير من حالات التطفل في العالمين النباتي والحيواني. يمكن أن يكون التطفل داخلياً أو خارجياً؛ كاملاً أو جزئياً؛ خفياً أو ظاهراً؛ عرضياً أو دورياً أو دائماً، وهناك متطفلات نوعية تجاه النبات أو تجاه العضو النباتي؛ وكذلك تجاه مرحلة معيّنة من تنامي النبات؛ مثال: تطفل الحامول على الجملة الجذرية للفول وعلى أشجار السنط Acacia (تطفل كامل) (الشكل 3)، وتطفل الدبق الأبيض على ساق اللوزيات (تطفل جزئي).

الشكل (3) تطفل الحامول على شجرة السنط.

يتجلى التآثر الناتج من التطفل بحصول الطفيلي على ما يحتاج إليه من مواد وعناصر غذائية؛ ومن ثمّ ازدهار الطفيلي على حساب المضيف؛ ومن ثمّ سيكون مصير المضيف إما التشوه وإما التقزم وإما التعملق وإما الموت البطيء.

التشارك: commensalism هو عملية تكامل غذائي بين نباتين يقدم الأول ما لا يقدر الثاني على تركيبه أو توفيره وبالعكس، والأمثلة مشهورة في العالم النباتي مثل الفطريات الجذرية mycorrhiza، والبكتريا الجذرية Rhizobacteriumوالأُشن lichens. ينتج من هذا التآثر ازدهار الطرفين على حد سواء.

2- التعلق البيئي: هو ارتباط نبات بشروط بيئية يوفرها وجود نبات آخر، مثال: ارتباط نباتات الطوابق السفلية في الغابات بما توفره نباتات الطوابق العليا من ظل؛ وازدهار الأعشاب قرب النباتات الشائكة التي تحميها من الرعي (الشكل 4).

الشكل (4) تعلق بيئي.

3- التعلق الآلي: هو حاجة بعض الأنواع إلى مسند تتسلق عليه للوصول إلى الضوء أو الرطوبة، مثال: تسلق اللبلاب والتفاف العنب ولبلاب الحقول على سيقان النباتات وجذوعها للوصول إلى الضوء المناسب (الشكل 5).

الشكل (5) تعلق آلي في نبات اللبلاب.

من أهم وسائل التآثر بين الحيوانات: التنافس على الغذاء والمكان. ومن أهم وسائل التآثر بين النباتات والحيوانات: الرعي، فالنباتات غذاء جاهز دوماً للحيوانات العاشبة؛ فمنهم من يتغذى على الأوراق أو الثمار أو البذور أو الجذور، وقد ينال الأمر الجزء الهوائي بالكامل، فالحيوان يزدهر وينمو على حساب النبات، وهي أشبه بعملية تطفل لكن على مستوى كبير.

تظهر عند النباتات ردات فعل متنوعة ضد الرعي، منها: تكوين الأشواك والحراشف، وتصنيع المواد السامة وتركيزها، وزيادة المركّبات المعرقلة للهضم، وزيادة النسج القاسية، وإفراز الروائح المنفِّرة، وتصنيع المركّبات ذات الطعم المر أو غير المستحب وتركيزها، وغير ذلك.

ولابد من الإشارة إلى النباتات اللاحمة التي تقوم بقنص الحشرات وافتراسها (الشكل 6).

الشكل (6) نباتات قانصة للحشرات.

الأثر التنظيمي للتآثر الحيوي بين أفراد النوع الواحد (ضمن الجماعة)

يمثل التآثر الحيوي ضمن الجماعة الواحدة النظام الداخلي لهذه الجماعة، وينظم جميع الفعاليات التي يقوم بها أفراد الجماعة وينسقها؛ فعلى صعيد الجماعة النباتية ينظم التآثر بمختلف علاقاته التوزع الفراغي لأفراد الجماعة أفقياً؛ إذ يؤدي التنافس مثلاً إلى تباعد الأفراد بعضها عن بعض بمسافة تدعى مسافة الأمان البيئي؛ فلا يبقى مجال للتنافس فيها، وهذا ما يظهر جلياً بين جماعات الأشجار أكثر من جماعات الأعشاب؛ لأن المسألة تحتاج إلى زمن طويل لإخلاء تلك المسافة من الأفراد الضعيفة أو المريضة أو المتأخرة في النمو وغير ذلك.

وقد طُبق مفهوم مسافة الأمان البيئي في الزراعة سواء في التشجير؛ أم في زراعة الأشجار الاقتصادية؛ أم في جميع المحاصيل، حيث تترك مسافة بين الغراس أو الشتلات المزروعة تفادياً للتنافس بين الأفراد سواء تحت سطح التربة أم فوق سطحها، فالمسافة بين أشجار الزيتون واحدة في الحقل وكذلك بين أشجار الحمضيات وغيرها، كما أن المسافة بين شتلات البندورة أو الباذنجان وجميع أفراد أنواع الخضراوات واحدة تقريباً في الحقل.

أما شاقولياً: فالتنافس يؤدي إلى توزع شاقولي لأفراد الجماعة بحيث تبلغ من الطول ما يناسبها للحصول على الضوء المناسب، وتظهر أفراد الفئة العمرية الواحدة بطول واحد تقريباً كحقل من القمح أو غابة من الصنوبر، ويؤدي هذا التنظيم- على جميع المستويات- إلى زيادة نمو الأفراد؛ ومن ثم زيادة إنتاجيتها.

كما يؤدي التآثر الحيوي دوراً بالغ الأهمية بين أفراد الجماعات المختلفة، فينظم توزعها أفقياً من خلال مسافة الأمان البيئية. أما شاقولياً فتتوزع النباتات في طبقات كلٌّ بحسب ارتفاعه وإلفته للضوء.

يقابل هذا التوزع المنظم فوق سطح التربة توزع الجذور تحت سطحها؛ بحيث تتوزع جذور النباتات أفقياً وشاقولياً بحسب عمق التربة والنوع النباتي، والغاية هي الحد من جميع مظاهر التنافس وحالاته تحت سطح التربة.

تبدو أهمية التآثر الحيوي ضمن الجماعة الحيوانية أكثر وضوحاً؛ لأنه يساعد على الحماية من الأخطار الخارجية؛ ولا سيما المفترسين، كما أنه يساعد على توفير الغذاء وتهيئة مكان العيش وحراسته، وتوزيع المهام بين أفراد الجماعة، ولعل خلية النحل أكبر مثال على التنظيم الداخلي لها، وكذلك جماعات النمل والزنابير والكثير من الحشرات، وكذلك الحيوانات الكبيرة كالسبع والنمر والضبع، وغيرها.

سهيل نادر

مراجع للاستزادة:

- محمد عبدو العودات وزملاؤه، علم البيئة النباتية، جامعة الملك سعود، عمادة شؤون المكتبات، الرياض- السعودية،2001.

- سهيل نادر، بيئة الجماعات النباتية، كلية العلوم، جامعة دمشق،2017.

- سهيل نادر، ومحمد غسان سلوم، علم البيئة النباتية، كلية العلوم، جامعة دمشق، 2012.

- F. Bongers, P. C.Dominique, P.M. Forget, M. Théry, Nouragues: Dynamics and Plant-Animal Interactions in a Neotropical Rainforest (Monographiae Biologicae), Springer, 2001.

- P. V. Gansen, Biologie générale, Masson, Paris, 1993.

- S. Nader, Contribution à l´étude des phytocoènoses ligneuses méditerranéennes, aspècts écologiques et phytochimiques, Thèse de doc. En sci. uni. AIX Marseille, France, 1990.

- M. Treshow, Environment and Plant Response. McGraw- Hill Book Co. New York, 1970.

- P. Wohlleben, J. Billinghurst, The Secret Wisdom of Nature: Trees, Animals, and the Extraordinary Balance of All Living Things - Stories from Science and Observation (The Mysteries of Nature Trilogy), Greystone Books 2019.

 


التصنيف : علوم البيئة والتنوع الحيوي
النوع : علوم البيئة والتنوع الحيوي
المجلد: المجلد السادس
رقم الصفحة ضمن المجلد :
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 610
الكل : 31232134
اليوم : 57291