logo

logo

logo

logo

logo

التهاب الكلية الخلالي

التهاب كليه خلالي

interstitial nephritis - néphrite interstitielle



التهاب الكلية الخلالي

بسام سعيد

 التهاب الكلية الخلالي الحاد آليات الأذية الأنبوبية الخلالية
التهاب الكلية الخلالي المزمن الأذية الأنبوبية المحدثة بالبيلة البروتينية
اعتلال الكلية بالمسكنات بروتين "تام هورسفول"
اعتلال الكلية بالأعشاب الصينية الأدوية بوصفها مستضدات كلوية

 

 

يعود توصيف الخلال الكلوي بأنه بنية تشريحية مستقلة إلى أواسط القرن التاسع عشر، بيد أن مصطلح التهاب الكلية الخلالي interstitial nephritis لم يدخل في تصنيف الأمراض الكلوية إلا في مطلع القرن العشرين وتحديداً في العام  1914م من قبل فولهارد وفاهر، ومنذ ذلك التاريخ توالت التقارير التي تربط الأذية الأنبوبية الخلالية بالكثير من العوامل المسسببة لها، ومنها الأدوية كالصادات والمسكنات في بادئ الأمر، ثم تبين لنيلسون في العام 1984م أن استئصال غدة التوتة مع ما يؤدي إليه من نضوب الخلايا التائية يؤدي إلى تراجع ملحوظ في التهاب الكلية الخلالي وهو الأمر الذي دفع إلى الاعتقاد بوجود خلل ما في المناعة الخلوية قد يكون له شأن في تفسير آلية حدوث الأذية الأنبوبية الخلالية.

ترافق الأمراض الكلوية المزمنة المترقية عادة أذية أنبوبية خلالية بمعزل عن سبب الداء الكلوي، ويُنظر اليوم إلى هذه الأذية الخلالية على أنها مساهم أساسي لا مفر منه في تطور الإصابة الكلوية الأصلية وترقيها.

من المعروف أن معظم الأمراض الكلوية المتقدمة وغير الكيسية هي من منشأ كبيبي، ومع ذلك فإن شدة الأذية الأنبوبية الخلالية المرافقة هي التي تسمح على نحو أفضل من شدة الأذية الكبيبية بالتنبؤ باحتمال تراجع الوظيفة الكلوية مستقبلاً؛ ولذلك يمكن الاعتماد عليها في تحديد الإنذار.

آليات الأذية الأنبوبية الخلالية:

قد يكون التهاب الكلية الخلالي ثانوياً لإصابة كبيبية أو وعائية، أو أن ينشأ من الخلال نفسه، وهنالك العديد من الآليات التي يمكن أن تفسر الضرر الشديد الذي يلحق بالوظيفة الكلوية نتيجةً للإصابة الخلالية، ولعل أبسطها هو الانسداد الأنبوبي الناجم عن الحدثية (العملية) الالتهابية والتليف الخلالي مما يسيء إلى صرف البول وارتفاع الضغط داخل الأنبوبي وبالتالي تراجع الرشح الكبيبي. التفسير الثاني هو انخفاض حجم الأوعية الشعرية حول الأنبوبية وبعد الكبيبية نتيجة الالتهاب والتليف الأنبوبيين مما يجعل الوسط الخلالي قليل التوعية وناقص التروية نسبياً، الأمر الذي يرفع من المقاومة الوعائية بعد الكبيبية وبالتالي ارتفاع الضغط داخل الكبيبات الذي يؤدي بدوره إلى إحداث أذية بنيوية فيها مع تدهور الوظيفة الكلوية على نحو مترقٍ. أما التفسير الثالث الذي ربما كان الأهم فهو التبدلات الحادثة على التلقيم الراجع الأنبوبي الخلالي tubulointerstitial feedback الذي قد يتأثر ويصبح أقل حساسية حين ارتفاع الضغط في الخلال الكلوي الناجم عن وجود الوذمة والالتهاب، فعندما يحدث التليف الخلالي يتأذى التنظيم الذاتي للصبيب الدموي الكلوي تلقائياً وعلى نحو دائم. أما التفسير الرابع والأخير فهو الانفصال الكبيبي الأنبوبي glomerular-tubule disconnection كالذي يحدث في اعتلال الكلية الشعاعي أو في التسمم الأنبوبي بالليثيوم.

الأذية الأنبوبية المحدثة بالبيلة البروتينية:

أكدت الدراسات شأن البيلة البروتينية بوصفها عامل خطورة مستقلاً يعبِّر عن شدة الإصابة الكلوية نظراً لدورها المهم في الآلية المرضية لترقي الداء الكلوي وتطوره. والسؤال المطروح هو كيف لهذه البيلة البروتينية أن يكون لها هذه السمية الكلوية، والجواب هو أن ذلك متعدد العوامل أقلها الانسداد في لمعة الأنابيب بالأسطوانات. تشير الدلائل الحديثة إلى وجود تأثير مباشر للبيلة البروتينية في الخلايا الأنبوبية ولاسيما في الأنبوب الداني، ويعتمد هذا التأثير  على كمية البروتين في البول الأولي الأنبوبي وعلى مدة التعرض له، الأمر الذي قد يؤدي في النهاية إلى موت الخلية الذي يتلوه الوصول إلى حالة الانفصال الكبيبي - الأنبوبي الذي ينتهي بالضمور الكبيبي وضياع النفرون (الكليون).

تحمل البروتينات الراشحة من ضمن ما تحمل الحموض الدسمة، وهي أيضاً مؤذية للنسيج الخلالي، ولربما كانت الأوليئات oleate واللينوليات linoleate أكثر الحموض الدسمة قدرة على إحداث السمية الأنبوبية وحدوث التليف الخلالي. كما تحتوي البروتينات الراشحة على العديد من العناصر الأخرى المؤذية للأنبوب الكلوي وخاصة عناصر المتمِّمة القادمة من مصل المريض، وهي شديدة الأذى للأنبوب الكلوي ولاسيما بعد أن تتفعَّل داخل الخلية الأنبوبية، وبالتالي لها شأن أساسي في الاستجابة المناعية للكلية بتحريضها على هجرة الخلايا التائية نحو الخلال؛ ولذلك ربما كان من المفيد استعمال الأدوية المثبطة للخلايا التائية مثل المايكوفينولات موفتيل  mycophenolate mofetil مع الأدوية المضادة للبيلة البروتينية مثل حاصرات الإنزيم المحول للأنجيوتنسين  ACEIs في علاج الأمراض الكلوية الأولية غير المناعية التي تتميَّز بترسب المتمِّمة في الأنابيب، إذ إن حاصرات الإنزيم المحول للأنجيوتنسين  ACEIs تعمل على الحد من تراكم  C3 و IgG في الأنابيب، وكذلك تحد من شدة التهاب النسيج الخلالي إضافة إلى أثرها الواقي من البيلة البروتينية.

يعد تثبيط جهاز الرينين أنجيوتنسين من المقاربات المعروفة التي تهدف إلى الوقاية من البيلة البروتينية أو الإقلال منها، ويتم ذلك عادة باستعمال الأدوية الحاصرة للإنزيم المحول للأنجيوتنسين التي لا يقتصر أثرها على إنقاص البيلة البروتينية والأذية الخلالية الناجمة عنها، بل إنها تؤثر أيضاً على نحو مباشر في إضعاف التأثير السمي المباشر للبروتين في الخلايا الأنبوبية.

بروتين "تام هورسفول":

يعد البروتين السكري "تام - هورسفول " (THP) Tamm-Horsfall glycoprotein  أكثر البروتينات البولية وفرة في الثدييات، إذ يوجد في الجزء الثخين من عروة هانلة والجزء المعوج من الأنبوب القاصي على سطح الخلايا الأنبوبية المطل على لمعة الأنابيب. يرافق كلاً من التهابات الكلية الخلالية المزمنة والداء الكيسي اللبي واعتلال الكلية بالجزر المثاني الحالبي وجود ترسبات غير طبيعية لبروتين "تام هورسفول" في الخلال الكلوي مع ما يرافقها من ارتكاس مناعي؛ إذ إن هذا البروتين يعد من المستضدات الذاتية القوية. لايتعرَّف الجهاز المناعي في الأحوال الطبيعية هذا البروتين ولا تتشكَّل الأضداد لمواجهته مادام تموضعه مقتصراً على سطح الخلايا الأنبوبية المطل على لمعة الأنابيب بعيداً عن هذا الجهاز حيث تقوم الخلايا الأنبوبية بدور الحاجز بين هذا البروتين من جهة والجهاز المناعي من جهة أخرى. غير أن هذا الحاجز قد يُقوَّض لسببٍ أو لآخر مما يخِل بقيام الخلية الأنبوبية بوظائفها الطبيعية كأن يحدث تبادل بين أدوار أقطابها القمية والقاعدية فينطلق بروتين THP في الجهة الخطأ أي القاعدية عوضاً عن القمية، الأمر الذي يكشف هذا البروتين ويعرضه للجهاز المناعي الذي يقوم بتعرُّفه للمرة الأولى ويشكل بعد ذلك الأضداد الخاصة التي ترتبط به، فتتشكل المعقدات المناعية التي تحتوي على كل من بروتين THP والأضداد المشكلة ضده، وغالباً ما تكون هذه المعقدات أو البروتين نفسه محاطاً بالعدلات أو بوحيدات النوى أو بالخلايا البلازمية plasma cells. يكون ارتباط البروتين بالعدلات مسؤولاً عن الاستجابة الالتهابية الحادة، أما ارتباطه بالوحيدات فغالباً مايشير إلى الطور المزمن من الالتهاب الذي يتميز بحدوث التليف الخلالي.

الأدوية بوصفها مستضدات كلوية:

قد تحرض بعض الأدوية حدوث التهاب كلية خلالي حاد وذلك بآلية ارتكاسية متواسطة بالخلايا نتيجة فرط التحسس تجاه هذه الأدوية، وما يدعم هذه الفرضية سيطرة ارتشاح الخلايا التائية في النسيج الخلالي. يعتقد أن هذه الأدوية ترتبط بمستضدات الأنابيب الكلوية، أو أن يكون هنالك تشابه بينهما، أو أن تترسب في الخلال، مما يؤدي إلى تحفيز الارتكاس المناعي. وقد يكون للمناعة الخلطية فعل في بعض الحالات النادرة من التهاب الكلية الخلالي كالتي ترى حين استعمال دواء الميتيسيللين، إذ يمكن لجزء من هذا الدواء أن يقوم بفعل الناشبة hapten فيرتبط بالغشاء القاعدي الأنبوبي ويكون السبب بالتالي في ظهور أضداد لهذا الغشاء.

أولاً- التهاب الكلية الخلالي الحاد:

يتصف التهاب الكلية الخلالي الحاد بتراجع الوظيفة الكلوية الحاد والسريع، ترافقه علامات تشريحية مرضية مميزة تتألف من الوذمة والالتهاب في نسيج الكلية الخلالي. ومع أن مصطلح التهاب الكلية الخلالي الحاد هو الأكثر شيوعاً واستعمالاً إلا أن مصطلح التهاب الكلية الأنبوبي الخلالي هو أكثر تعبيراً عن واقع الحالة؛ لأن الإصابة تشمل أيضاً الأنابيب وليس فقط الخلال. أما الأسباب الأكثر شيوعاً فهي التهاب الحويضة والكلية الحاد والنخر الأنبوبي الحاد والرفض الحاد للكلية المزروعة. لقد أصبح التهاب الكلية الخلالي الحاد واحداً من الأسباب المهمة للقصور الكلوي الحاد الناجم عن ارتكاس فرط التحسس للأدوية ولاسيما مع استعمال الصادات الحيوية الواسع والمتزايد وغيرها من الأدوية التي قد تحرِّض على حدوث استجابة أرجية في الخلال الكلوي، ففي إحدى الدراسات كان التهاب الكلية الخلالي الحاد مسؤولاً وحده عن 5- 15% من أسباب القصور الكلوي الحاد. وتصنف أسباب التهاب الكلية الخلالي الحاد في ثلاث مجموعات: 1- المحدث بالأدوية، 2- المرافق للأخماج، 3- المرافق للأمراض المناعية الذاتية مجهولة السبب الأساسي.

- 1الأدوية: هناك عدد كبير من الأدوية التي قد يسبب استعمالها حدوث التهاب الكلية الخلالي الحاد وهو في ازدياد مستمر. كانت الصادات الحيوية وما تزال تتصدر قائمة هذه الأدوية، وتعد مسؤولة تقريباً عن ثلث حالات التهاب الكلية الخلالي الحاد الدوائي المنشأ وخاصة مجموعة البيتالاكتام، ومنها السيفالوسبورينات على وجه الخصوص غير أن اللائحة تطول لتشمل مركبات السلفا والريفامبيسين والفانكومايسين والسيبروفلوكساسين. هناك عاملان اثنان يساعدان على زيادة احتمال حدوث السمية الكلوية لدواء ما عما هو متوقَّع، وهما أولاً المشاركات الدوائية، إذ قد يفاقم أحد الأدوية السمية الكلوية لدواء آخر حينما يستعملان معاً، وأفضل مثال على ذلك  المشاركة بين الأمينوغليكوزيدات ومضادات الالتهاب غير الستيروئيدية، وثانياً تراجع الوظيفة الكلوية الأمر الذي يرفع من تركيز الدواء بالمصل، وبالتالي يزيد من فرص حدوث السمية الكلوية المحدثة بالدواء، وقد يكون هذا التراجع ناجماً عن سمية هذا الدواء نفسه أو عن أي سبب آخر.

يتعرض 1-5% من مستعملي مضادات الالتهاب غير الستيروئيدية NSAIDs إلى أحد أشكال السمية الكلوية، ومع ازدياد عدد المرضى الذين يستعملون هذه الأدوية (الذي يقدر بواحد من كل خمسة أشخاص في الولايات المتحدة الأمريكية مثلاً) يؤدي هذا الاستعمال إلى حدوث درجة من اضطراب الوظائف الكلوية في المعرضين للأذيات الكلوية . والمشكلة تصبح أكثر خطورة في المؤهبين على نحو خاص لتطور السمية الكلوية والذين يقدرون بنحو 20% من مستعملي هذه الأدوية كناقصي الحجم الدوراني لسبب ما، وناقصي الصبيب القلبي، وباقي الحالات الأخرى التي تسوء فيها تروية الكليتين. ولازدياد حدوث الاضطرابات العضلية والهيكلية والمفصلية مع التقدم بالسن وما يتلوه من زيادة استعمال هذه الأدوية فإن فرص الأذية الكلوية المحدثة بها تزداد أيضاً ولاسيما بوجود واحد أو أكثر من العوامل سالفة الذكر. قد تكون الإصابة الكلوية الأنبوبية الخلالية المحدثة بمضادات الالتهاب غير الستيروئيدية على شكل كلاء قليل التبدلات. ويختلف زمن حدوث الإصابة الكلوية، فقد يكون مبكراً خلال أسبوعين، أو يتأخر حتى 18 شهراً تبعاً للدراسات المختلفة. قد يكون لكل أدوية هذه المجموعة سميِّة كلوية ولكن بدرجات متفاوتة، ولكن الفينوبروفين fenoprofen هو أكثرها خطورة. ويعتقد أن الآلية التي تحدث من خلالها السمية الكلوية تمر عبر الجهاز المناعي حيث تثبط هذه الأدوية السيكلوأوكسيجيناز مما يزيد من إنتاج اللوكوترينات leukotrienes المحرضة على حدوث الالتهاب. بيد أن الرشاحة الخلالية لبعض حالات التهاب الكلية الخلالي المرافق لاستعمال هذه الأدوية تحتوي على الحمضات إضافة إلى باقي دلائل الارتكاس بفرط التحسس المتواسط بالغلوبولين المناعي IgE، الأمر الذي يدفع إلى الاعتقاد أيضاً بوجود فعلٍ للأرج في تفسير الأذية الكلوية المحدثة دوائياً.

الجدول (1) الأدوية المسببة لالتهاب كلية خلالي حاد.

-2 الأخماج: قد ترافق الأخماج الكلوية الأولية - كالتهاب الحويضة والكلية الحاد والتدرن الكلوي والتهاب الكلية بالفطور - بعض حالات التهاب الكلية الخلالي الحاد. وكذلك الأخماج الجهازية قد تسبب أيضاً إصابات خلالية حادة، إما بإصابة الكلية بالعوامل الممرضة مباشرة، وإما نتيجة للأدوية المستعملة في علاج الخمج، والمثال على ذلك التهاب الكلية الخلالي الحاد بفيروس نقص المناعة المكتسب  (HIV) حيث تصاب الكلية إما بطريقة مباشرة بالأخماج الانتهازية وإما غير مباشرة بأحد الأدوية المستعملة في علاج الڤيروس، أو الخمج الانتهازي مثل الاندينافير indinavir أو السلفوناميد.

-3 التهاب الكلية الخلالي الحاد الأساسي: قد يحدث العديد من الأمراض المناعية إصابة خلالية حادة في الكليتين، ومن هذه الأمراض يذكر داء بهجت Behcet’s disease ومتلازمة جوغرين Sjögren’s syndrome والساركوئيد والذئبة الحمامية الجهازية والتهابات الأوعية، ولكن من النادر أن تكون الإصابة الخلالية هنا السبب في حدوث قصور كلوي حاد.

يُطلق على اجتماع التهاب الكلية الخلالي الحاد الأساسي مع التهاب القميص الوعائي الأمامي للعين anterior uveitis اسم متلازمة التهاب الكلية الأنبوبي الخلالي والتهاب القميص الوعائي أو ما يرمز له TINU، يصيب الإناث أكثر من الذكور، ويبدأ بنقص الوزن يرافقه فقر دم وارتفاع سرعة التثفل، أما الإصابة العينية فقد تسبق الإصابة الكلوية - التي تكون عادة على شكل قصور كلوي حاد - أو ترافقها أو تتلوها. يدل وجود الخلايا التائية الكثيف في النسيج الكلوي على السبب المناعي لهذه المتلازمة الذي يعتقد أنه من النمط المتأخر للارتكاس بفرط التحسس. أما من الناحية الوراثية فمن الشائع أن يرافق هذه الحالة مستضد التوافق النسيجي HLA-DR6 وبتواتر يفوق احتمال مصادفته عند عامة الناس. تنجح المعالجة المطولة بالستيروئيدات في تحسين كل من الإصابة الكلوية والعينية، غير أن التهاب القميص الوعائي قد ينكس لاحقاً.

العلامات التشريحية المرضية:

مخطط العلامات السريرية في التهاب الكلية الخلالي الحاد بعد استعمال مضادات الالتهاب غير الستيروئيدية

الشكل (1) طفح جلدي حطاطي عند مريض مصاب بالتهاب كلية خلالي حاد دوائي

الشكل (2) التهاب كلية خلالي حاد دوائي المنشأ

ارتشاح الخلايا الالتهابية، والوذمة في النسيج الخلالي الكلوي هو العلامة المميزة لالتهاب الكلية الخلالي الحاد، وتكون الكبيبات والأوعية بمنأى عن هذه التغيرات، وتتألف الرشاحة من اللمفاويات التائية والبائية والعدلات ولاسيما الحمضات. أما التهاب الأنابيب فيشاهد في الحالات الشديدة. التالق المناعي سلبي، وقد تصادف المعقدات المناعية على طول الغشاء القاعدي الأنبوبي.

التظاهرات السريرية والتشخيص:

يتظاهر التهاب الكلية الخلالي الحاد ببدءٍ حاد أو تحت الحاد لأعراض القصور الكلوي الحاد من شح بول ووهن ونقص شهية وغثيان وقياء، غير أنها قد تراوح من ارتفاع غير عرضي بكرياتينين المصل أو اليوريا الدموية أو بموجودات غير طبيعية في الرسابة البولية حتى الأعراض العامة الشديدة لفرط الحساسية من حمى وطفح جلدي (الشكل 1) وارتفاع حمضات الدم مع قصور كلوي شحيح البول. الضغط الشرياني طبيعي في معظم الأحيان باستثناء حالة القصور الكلوي شحيح البول.

يجب الشك بتشخيص التهاب الكلية الخلالي الحاد في كل ارتفاع الكرياتينين غير المفسَّر وغير المرافق لدلائل واضحة على مرض كبيبي أو شرياني أو عوامل قبل كلوية أو استسقاء في الجهاز المفرغ. ومما يعزِّز هذا الشك وجود قصة مرضية إيجابية لتناول أحد أدوية البيتالاكتام أو الأمينوغليكوزيدات أو مضادات الالتهاب غير الستيروئيدية أو وجود حالة استعداد للأخماج البولية. أما صعوبة التشخيص فتكمن خاصة في الحالات التي يتزامن فيها تقريباً تطبيق واحد من الأدوية السامة للكليتين مع تعرض المريض لجراحة كبرى أو لخمج خطر أو لحالة مرضية شديدة؛ إذ إن كل هذه الحالات قد تؤهب بمفردها لحدوث النخر الأنبوبي الحاد. وقد تساعد بعض الموجودات المخبرية على توجيه التشخيص نحو العوامل المسببة، فبيلة الحمضات المهمة eosinophiluria مثلاً قد توجه نحو صادات البيتالاكتام، أما البيلة البروتينية الشديدة فقد توجِّه إلى الشك بمضادات الالتهاب غير الستيروئيدية، ولكن الدراسات الحديثة تشكك كثيراً في فائدة بيلة الحمضات سواء في تشخيص التهاب الكلية الخلالي الحاد أم في استبعاده.

يفيد تصوير الكليتين بالأمواج فوق الصوتية في استبعاد بعض الأسباب الانسدادية للقصور الكلوي الحاد، لكنه لا يفيد في إثبات التشخيص، يكون حجم الكليتين طبيعياً أو زائداً قليلاً مع ارتفاع صدى القشر الكلوي. تعد خزعة الكلية الإجراء التشخيصي الأساسي والمعتمد من أجل إثبات التشخيص (الشكل 2) حيث يتم البحث عن ارتشاح اللمفاويات في المناطق الخلالية حول الأنابيب الذي ترافقه وذمة خلالية، لكن ذلك لا يعني بالضرورة أن إجراء الخزعة هو مستطب في كل الحالات، بل يمكن الاستغناء عنها في الحالات التي يرجَّح بأن تكون ناجمة عن بعض الأدوية قيد الاستعمال التي يؤدي إيقافها إلى تحسُّن ملحوظ في الموجودات الكلوية، عندئذٍ يتابع تطبيق التدابير الداعمة من دون إجراء خزعة كلية. أما إذا لم يحدث التحسُّن المنتظر رغم إيقاف الدواء موضع الاتهام ولاسيما بوجود خطة محتملة للمعالجة بالستيروئيدات، عندئذٍ يستطب إجراء الخزعة الكلوية.

الإنذار:

يشفى غالبية المرضى الذين أصيبوا بالتهاب الكلية الخلالي الحاد المحدث بالأدوية شفاء كاملاً أو شبه كامل خلال أسابيع قليلة من إيقاف الدواء المسبِّب. يتعلق الإنذار بالفترة الزمنية التي مضت على استعمال الدواء بدءاً من لحظة ارتفاع الكرياتينين حتى إيقافه، فإن لم تتجاوز هذه الفترة الأسبوعين يكون الإنذار جيداً مع احتمال كبير بعودة الوظيفة الكلوية إلى سابق عهدها، في حين يقل هذا الاحتمال إذا بلغت هذه الفترة ثلاثة أسابيع أو أكثر. والقصور الكلوي الذي يستمر فترة ثلاثة أسابيع هو ذاته من علامات سوء الإنذار، وكذلك تقدم عمر المريض، أما التركيز الأعلى لكرياتينين المصل الذي بلغه المريض في أثناء الطور الحاد للمرض فيبدو بأنه غير مرتبط بتحديد الإنذار. وكذلك علاقة العلامات التشريحية المرضية بالإنذار فهي أيضاً موضع جدل.

المعالجة:

الخطوة الأولى والأهم في تدبير المرضى هي إيقاف تناول الدواء المتهم بتسببه في التهاب الكلية الخلالي الحاد؛ إذ يتلوه تراجع القصور الكلوي على نحو واضح في أغلب الحالات. أما المعالجات الداعمة الأخرى فتوجه لكل حالة على حدة، وقد يحيج الأمر إلى وضع المريض على الديال الدموي أو الصفاقي. أما استعمال الستيروئيدات فما زال إلى اليوم موضع جدل، ويبنى  قرار استخدامها على معطيات كل حالة، وذلك بعد إيقاف الدواء المتهم حين وجوده ودرجة الاستجابة السريرية والمخبرية التي تتلو ذلك. أما في التهاب الكلية الخلالي الحاد الأساسي فللستيروئيدات تأثيرها المؤكد في التدبير، ومثل ذلك الحالات المرافقة لالتهاب القميص الوعائي الأمامي للعين؛ إذ يؤدي استعمالها فترة وجيزة إلى تحسن مذهل لكل من الإصابة الكلوية والعينية. أما في الحالات الناجمة عن الأخماج فمن غير المجدي استعمال الستيروئيدات في العلاج ولابد بالمقابل من توجيه العلاج نحو استبعاد الخمج.

وحين يقرر تطبيق الستيروئيدات يستعمل البردنيزولون بجرعة 1ملغ/كغ/ باليوم بطريق الفم أو الوريد مدة 2-3 أسابيع، ثم تخفض الجرعة تدريحياً إلى أن توقف كلياً بعد فترة 3-4 أسابيع. أما مثبطات المناعة الأخرى ومنها السيكلوفوسفاميد والسيكلوسبورين فينحصر استعمالها على الحالات المرافقة لترسب المعقدات المناعية في الخزعة الكلوية أو التي يتم التأكد فيها من وجود أضداد الغشاء القاعدي الأنبوبي، أو ما يدل على استهلاك المتمِّمة، وكذلك حين فشل المعالجة بالستيروئيدات مدة أسبوعين.

ثانياً- التهاب الكلية الخلالي المزمن:

تتألف المظاهر التشريحية المرضية لالتهاب الكلية الخلالي المزمن من ضمور الخلايا الأنبوبية مع تسطح الخلايا البشروية وتوسع أنبوبي وتليف خلالي ومناطق من ارتشاح خلوي بين الأنابيب، أما الغشاء القاعدي الأنبوبي فغالباً ما يكون متسمكاً. تتألف الرشاحة الخلوية على نحو رئيس من اللمفاويات والبالعات والخلايا البائية، وقد تصادف العدلات والبلازميات والحمضات. تعد الكيسات الأنبوبية البؤرية التي تتشكل على حساب الأنبوب القاصي والجامع من المظاهر التشريحية المرضية النوعية والمصادفة في 100% من حالات التهاب الكلية الخلالي المزمن المحدث بالليثيوم الذي يستعمل في علاج بعض الأمراض النفسية كالكآبة والهوس. أما الكبيبات فتبقى طبيعية بالمجهر الضوئي حتى بوجود اضطراب مهم في الوظيفة الكلوية، ولكن مع ترقي الإصابة تبدأ الاضطرابات الكبييية بالظهور، وتتألف من التليف حول الكبيبي والتصلب القطعي وأخيراً التصلب الكلي للكبيبات. تتعرض الشرايين الصغيرة والشرينات إلى تصلب البطانة وتليفها بدرجات متفاوتة. والجدول رقم (2) يلخص أسباب التهاب الكلية الخلالي المزمن.

الأولي

المحدث بالأدوية

المسكنات

 

الساليسيلات 5-aminosalicylic acid

 

مضادات الالتهاب غير الستيروئيدية NSAIDs

 

الأعشاب الصينية

 

الليثيوم

المحدث بالسموم

الرصاص

 

الكادميوم

 

اعتلال الكلية الوبائي البلقاني balkan epidemic nephropathy

اضطرابات الاستقلاب

اضطرابات استقلاب حمض البول

 

نقص بوتاسيوم الدم

 

فرط كلسيوم الدم

 

فرط أوكزالات البول

المتواسط مناعياً

الساركوئيد

 

تناذر جوغرين Sjögren syndrome

الخمج

التهاب الحويضة والكلية الجرثومي

 

فيروس هانتا hantavirus

 

داء البريميَّات leptospirosis

الاضطرابات الدموية

الداء المنجلي

 

اعتلال الكلية بالسلاسل الخفيفة light chain nephropathy

 

الداء النشواني

الثانوي

ينجم عن حدثية مرضية تبدأ في الكبيبات أو الأوعية أو الجهاز الأنبوبي ثم يتلوها أذية في الوسط الأنبوبي الخلالي

(الجدول رقم2) أسباب التهاب الكلية الخلالي المزمن

ثالثاً- اعتلال الكلية بالمسكنات:

يعد اعتلال الكلية بالمسكنات analgesic nephropathy نوعاً خاصاً من أمراض الكلية يتميز بتنخُّر الحليمات الكلوية مع التهاب خلالي مزمن نتيجة للتعرض المطوَّل والمفرط لمزيج من المسكنات كالتي تجمع الأسبرين مع الفيناسيتين.

وكان هذا المزيج يعد من الأسباب الشائعة للقصور الكلوي المزمن ولاسيما في أستراليا حيث كان مسؤولاً عن 13-20% من الحالات وذلك قبل أن تُسن القوانين التي تشترط عدم صرف المسكنات المركبة أي الحاوية على أكثر من مسكن واحد إلا بوصفة طبية، وتلا ذلك أيضاً سحب دواء الفيناسيتين من المسكنات المركبة مما ساهم إلى حد بعيد في خفض نسبة حدوث اعتلال الكلية بالمسكنات بوصفه سبباً للفشل الكلوي في المرضى الموضوعين تحت المعالجة بالكلية الصناعية في أستراليا والعديد من الدول الأوربية.

الشكل (3) التهاب كلية خلالي حاد حبيبي عند مصاب بالساركوئيد

تكون تظاهرات الإصابة الكلوية غير نوعية، وتتألف من قصور (فشل) كلوي مزمن مترقٍّ ببطء وبيلة قيحية عقيمة وبيلة بروتينية أقل من 1.5 غرام في اليوم، أما في الحالات المتقدمة  فمن الشائع مصادفة ارتفاع الضغط الشرياني وفقر الدم وازدياد البيلة البروتينية لتصل إلى 3.5 غرام يومياً الأمر الذي يظهر شدة الأذية الكبيبية التالية لتبدل الحركيات الدموية في الكليتين. لا يشكو المرضى أعراضاً خاصة بالطرق البولية، لكن قد يشكو بعضهم آلاماً في الخاصرة مع بيلة دموية عيانية أو مجهرية نتيجة انسداد الحليمات الكلوية أو تخشرها sloughed papilla. ومن الشائع أن تتعرض النساء المصابات للأخماج البولية أيضاً. يراوح سن المرضى بين 30 إلى 70 سنة. وغالباً ما يكشف الاستجواب عن وجود قصة صداع مزمن أو ألم أسفل الظهر كانا السبب في استعمال هذه المسكنات استعمالاً مديداً. قد تكون الإصابة الكلوية عكوسة إذا تمَّ وضع التشخيص باكراً وأوقف استعمال المسكنات، أما إذا تأخَّر التشخيص وتعرض المريض لضياع النفرونات (الكليونات) فالحالة تستمر بالترقي حتى بعد إيقاف المسكنات.

تتضاعف المراحل المتقدمة من سير المرض بمشكلتين إضافيتين وهما السرطان والتصلب العصيدي. يُعزى سرطان الطرق البولية بدءاًً من الحليمات ومروراً بالحالب ثم وصولاً إلى المثانة على الأغلب إلى الفعل المؤلكل alkylating action القوي لمستقلبات الفيناسيتين التي تتراكم في الحليمات الكلوية. يعتمد تشخيص الحالة على البحث عن التغيرات التشريحية في الكليتين، ويكون ذلك بالتصوير المقطعي المحوسب للكليتين من دون حقن المواد الظليلة الذي يبين وجود العلامات الثلاث لاعتلال الكلية بالمسكنات وهي أ- صغر حجم الكليتين ب- تعرج محيط الكليتين ج- التكلسات الحليمية. ينبغي الحذر في تفسير المعطيات السابقة الذي يجب أن يتم في ضوء المعطيات السريرية والمخبرية الأخرى قبل وضع التشخيص النهائي.

رابعاً- اعتلال الكلية بالأعشاب الصينية:

لاحظ أطباء الكلية في بلجيكا منذ العام 1992م ازدياداً واضحاً في حالات القصور الكلوي النهائي في بعض النساء اللاتي كنَّ يتَّبِعن أنظمة غذائية معينة تهدف إلى تخفيض الوزن وتحتوي على أعشاب صينية، ومنذ ذلك التاريخ سجلت حالات أخرى عديدة في دول أوربية وأخرى آسيوية مما دفع إلى التفكير بأن نسبة حدوث السمية الكلوية المحدثة بالأعشاب أكثر مما يعتقد. ومن أهم محتويات الأعشاب المسببة للسمية الكلوية التي تمت دراستها aristolochic acid، وفيها تحدث الأذية الأولية بالخلال الكلوي بإصابة جدر الأوعية الدموية مما يؤدي إلى نقص التروية الدموية والتليف الخلالي.

تتظاهر الإصابة بقصور كلوي مع باقي العلامات المميزة للإصابة الأنبوبية الخلالية، أما الضغط الشرياني فيكون طبيعياً، ويبدي فحص رسابة البول القليل من الكريات الحمر والبيض. لا تتجاوز البيلة البروتينية 1.5 غرام في اليوم، وهي بمعظمها من منشأ أنبوبي، كما تصادف البيلة الغلوكوزية مما يدل دلالة واضحة على اضطراب الوظائف الأنبوبية.

يعتمد التشخيص على الشك بهذه الحالة في كل قصور كلوي غير مفسَّر يتطور بسرعة في مريض يستعمل أو يفرط في استعمال الأعشاب لأغراض علاجية. ولعل مفتاح التشخيص في مثل هذه الحالات يكون بتحديد المنشأ الأنبوبي للبيلة البروتينية ولاسيما في المراحل الأولى من المرض. أما المظاهر التشريحية المرضية فغير وصفية. يظهر التصوير المقطعي المحوسب للبطن كليتين منكمشتين محيطهما متعرج والبرانشيم غير متكلس.

ليس هنالك علاج مثبت الفعالية لاعتلال الكلية بالأعشاب الصينية، وتشير بعض الدراسات إلى احتمال فائدة الستيروئيدات في الإبطاء من سرعة تفاقم الإصابة الكلوية. ومن المهم في المتابعة المستقبلية لهؤلاء المرضى التأكد على نحو دوري من خلو رسابة البول لديهم من الخلايا الشاذة نظراً لنسبة الحدوث المرتفعة للخلايا اللانمطية cellular atypia في الطرق البولية التناسلية الأمر الذي دفع بعضهم إلى الاعتقاد بضرورة الذهاب حتى استئصال الكليتين والحالبين الأصليين عند المرضى الذين فقدوا كامل وظيفة الكليتين وعلى نحو خاص بعد أن يجرى لهم زرع الكلية. لكن فائدة هذا الإجراء ونتائجه ما تزال غير واضحة وبحاجة إلى المزيد من البحث والدراسة.

هنالك العديد من الأسباب الأخرى والمهمة لالتهاب الكلية الخلالي المزمن يكتفى بالإشارة إليها، منها اعتلال الكلية المزمن بحمض البول وبمضادات الالتهاب غير الستيروئيدية وبالساليسيلات وبالرصاص وبنقص البوتاسيوم وبالليثيوم وبالكادميوم وبالساركوئيد. وهي كلها مسببات محتملة يجب التفكير بها حين مقاربة كل حالة قصور كلوي مترقٍّ مع علامات إصابة أنبوبية خلالية من أجل التشخيص المبكر، ومحاولة تجنُّب ترقي الإصابة نحو الفشل الكلوي فيما لو استمر التعرض للعامل المسبب بغياب التشخيص الصحيح.

 

 

التصنيف : أمراض الكلية والجهاز البولي التناسلي في الذكور
النوع : أمراض الكلية والجهاز البولي التناسلي في الذكور
المجلد: المجلد التاسع
رقم الصفحة ضمن المجلد : 192
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1086
الكل : 40513820
اليوم : 43635