الرخام في العصر الإسلامي
رخام في عصر اسلامي
-
¢ الرخام
هيا الملكي
عمار محمد النهار
الصخور هي مجموعة من المواد الطبيعية المتحدة بعضها مع بعض، وقد يكون الصخر من مواد غير متماسكة مثل الرمل والحصى أو لا يدخل المعدن في تركيبه مثل الفحم، أو من وحدات متماسكة تماماً مكونة من عدة معادن تختلف أنواعها ونسبها من صخر لآخر، وهناك عدة أنواع من الصخور كالصخور النارية والصخور الرسوبية والصخور المتحولة Metamorphic rocks التي كانت في البداية من الصخور النارية أو الصخور الرسوبية، لكنها تعرضت لعوامل وظروف محددة ساهمت في تغيرها عن شكلها الأساسي مثل الضغط القوي أو الحرارة المرتفعة أو الاثنين معاً، فتحولت من حالتها الأصلية إلى الحالة الجديدة مثل الرخام، وهو من الصخور المتحولة عن الصخور الجيرية، وهو صخر متبلور، والحبيبات المكونة للرخام قد تكون صغيرة جداً لا يمكن تمييزها بالعين المجردة، وقد تكون كبيرة وخشنة. ويشبه الرخام الصخر الجيري في صلابته، ويكون لونه أبيض إذا كان صافياً خالياً من الشوائب، أما إذا احتوى الشوائب فتراوح ألوانه ما بين الأحمر والأخضر والقريب من الأسود والرمادي.
عندما بدأ الإغريق النحت اعتمدوا على نحت الألواح الحجرية، وفي القرن السادس قبل الميلاد بدأ النحت على الرخام لوفرة الرخام بكثرة في جزر بحر إيجة والأراضي اليونانية التي كانت تحتوي على كميات وافرة من الرخام الجيد، لكن الرخام ذا السعر المرتفع كان في جزيرة باروس Paros في بحر إيجة في جبل باريانParian شماليّ الجزيرة حيث يعود المقلع القديم في منحدرات قمة الجبل الرئيسية إلى القرن السادس ق.م؛ ويتميز هذا الرخام بأنه أبيض شبه شفاف نقي، ونحت منه عدة تماثيل مثل تمثال الإلهة الإغريقية أفروديت من ميلوس Aphrodite de Milos وتمثال الإلهة الرومانية فيكتوريا المجنحة من ساموثراس Victoria de of Samothrace، كذلك كان هناك مقلع للرخام في جبل بنتليكس Pentelic شمال شرقيّ مدينة أثينا، والذي يصبح لونه مع مرور الزمن عسليّاً لاحتوائه على الحديد. أما مصادر الرخام في مقدونيا في Prilep وفي تركيا فكانت أقل سعراً، وقد بنيت المعابد من الرخام مثل معبد البارثينونParthenon في أثينا، أو استخدم الرخام كجزء من الأبنية مثل المقاعد الأمامية في بعض المسارح كمسرح ديونيسوس Dionysus . ويتميز الرخام بدقة التنفيذ وبأنه سهل التشكيل وجميل الشكل، ولقد برع الإغريق في نحت التماثيل الرخامية معتمدين على أنواع الرخام المتعددة والمحلية، وكان من الممكن نحت التمثال بالكامل من الرخام أو نحت أجزاء جسم التمثال من الرخام وبقية التمثال (الملابس) من الخشب، حيث بدأ النحات ينحت تماثيله على الرخام مباشرة دون أن يكون لديه نموذج مصغر للتمثال، وكان يجري وضع عدة إشارات على الكتلة الرخامية تشير إلى أجزاء التمثال، وتبدأ عملية النحت باستخدام أدوات مختلفة حتى يظهر الشكل العام، ثم تبدأ مرحلة نحت التفاصيل وتحديد الظلال وصقل السطح، وكان النحات أحياناً يقوم بنحت كل جزء من التمثال وحده ثم يقوم بوصله مع التمثال بقطع معدنية، وأحياناً كان ينحت الرأس فقط من الرخام وبقية الجسم من كتلة حجرية عادية، كذلك في هذه الفترة نحتت الجبهات من الرخام كما في معبد هيكاتو بيدون في أكروبول أثينا، ومنها المشاهد التي تمثل صراع الآلهة ضد العمالقة.
أما الرومان فقد اعتمدوا في الفترة الامبراطورية على إكساء المباني المهمّة بألواح الرخام من الداخل والخارج مثل معبد البانثيون Pantheon ومدرج الكولسيوم colossum في روما، ووصل استخدام الحجارة -ولاسيما الرخام- أوجه في عهد الامبراطور أغسطس Augustus؛ إذ شيدت المباني تشييداً كاملاً من الحجارة كما في مذبح السلامالمشيد من الرخام الأبيض، واستخدم الرخام الرمادي Carrara في عمود ماركوس أوريليوس Marcus Aurelius في روما، وهو من الرخام المستخدم بكثرة في العصر الروماني. أما عمود تراجانوسTraianus فكان من رخام باروس. أما من ناحية النحت فقد اعتمد النحات الروماني على نسخ التماثيل الإغريقية، ونفذت بعض هذه التماثيل على الرخام مثل تقليد تمثال رامي القرص البرونزي للنحّات الإغريقي ميرون Myron من القرن الخامس ق.م؛ كذلك الأمر في تماثيل فينوس كنيد Venus cnidus لبراكستيلس Praxiteles، وقد عُثِر على نسخ رخامية متعددة منها ما يعود إلى القرن الثاني ق.م.
![]() |
من تماثيل ماري الرخامية - القرن ٢٣ ق.م |
أما النحت في سورية خلال العصور الكلاسيكية فقد اعتمدت كل منطقة على المواد الحجرية المتوفرة فيها كالحجارة الكلسية والبازلتية، لكن- وعلى الرغم من عدم توفر الرخام بكثرة- كان من المواد المفضلة للنحت؛ ولاسيما نحت التماثيل، ولذلك كان كتلاً حجرية أو منحوتاً على شكل تماثيل، ولقد عُثر على عدد كبير من التماثيل؛ ولاسيما تلك التي تخص الآلهة والتي نحتت من الرخام بسوية فنية مختلفة حيث برعت بعض مدارس النحت في سورية في التعامل مع الرخام في حين جاءت تماثيل أخرى بسوية فنية أقل، ولعل أهم التماثيل الرخامية كان تمثال الإلهة الإغريقية تيخي تايكه Tyche الذي نحته الفنان اوتيكيديس Eutychides، وكان ملهماً لعدد من النسخ الرومانية اللاحقة، كما عثر في دورا أوروبوس على تمثال لأفروديت Aphrodite وهي تضع قدمها على السلحفاة مصنوع من رخام باروس، والذي يظهر من التقنية المتبعة أنه نحت في مكان آخر ربما في أنطاكية أو صيدا، إضافة إلى تماثيل أفروديت الرخامية في سورية كان هناك تماثيل للآلهة الإغريقية: زيوس Zeus وأسكلوبيوس Asclepius وهيجيا Hygeia والرومانية: سايكة Psyche وديونيسوس Dionysus. وتمثال الآلهة أثينا –اللات المنحوت من رخام آسيا الصغرى. وتجدر الإشارة إلى أن عدداً من النواويس الكثيرة المكتشفة في صيدا وصور كانت من الرخام؛ بعضها من صنع محلي، وبعضها الآخر مستورد من اليونان أو آسيا الصغرى، ومن أشهرها ناووس الإسكندر الرائع الموجود حالياً في إسطنبول، كما ينبغي الإشارة أيضاً إلى ناووس الرستن الفريد من نوعه الذي يمثل تحفة فنية نادرة.
![]() | ![]() |
تابوت أخيل صنع من الرخام،، اكتشف في صور في القرن الثاني الميلادي - متحف بيروت | نعش رخامي - القرن الرابع الميلادي - متحف بيروت |
وفي تدمر نادراً ما كان النحات التدمري يترك الحجر الكلسي للعمل بالرخام، لكن هناك مثال واحد أكيد يدل على النحت التدمري للرخام، وهو البلاطة المكرسة للإله شادرافا Shadrapha ودو عنات Du anat من معبد الإله بعل شمين Baalshamin والتي نحتت بتقنية مشابهة لنحت الحجر الكلسي، وقد عُثر على قطع رخامية منحوتة في تدمر وما حولها استخدم في نحتها الأدوات ذاتها المستخدمة في الحجر الكلسي كالإزميل المقوس والمثقاب؛ ولكن بطريقة تقنية مختلفة تماماً، مثل بعض التماثيل التي عُثر عليها في آغورا تدمر وفي بعض الأعمال المعمارية.
![]() |
مغارة المنطف - إدلب |
مع ازدهار الحضارة العربية الإسلامية وما صاحبها من نهضة عمرانية واسعة تميزت العمارة بالاعتناء الفائق بالجماليات والزخارف، وازدهرت صناعة الرخام وانتشر استخدامه في العمائر الدينية والمدنية، فاستُخدم في الفنون الإسلامية والعمائر الدينية مادة فنية أساسية في الأرضيات وتكسية الجدران، وفي الأعتـاب والعقود التي تعلو الشبابيك والأبواب، حيث قام الفنان المسلم بملئها بالزخارف وبأنواع الخط العربي، واستُخدم في النافورات وأحواض الحمامات والمنابر والمنارات، وفي الأعمدة وتيجانها وقواعدها والدعائم.
وجاء ذكر الرخام في المصادر التاريخية في معرض وصفها للمدن العربية الإسلامية؛ إذ يوجد منذ فجر الإسلام أمثلة رائعة لفن النحت، منها ما ظهر في بعض غرف «قُصير عمرة» بالأردن، حيث رصفت الأرضية بألواح رخامية سمكها ٣ سم، وظهرت أيضاً في عدد آخر من قصور بني أمية. وفي قبة الصخرة لوحان من الرخام من الزخارف المحفورة، ويمكن نسبتهما إلى فترة إعادة بناء القبة أيام الخليفة عبد الملك بن مروان (٦٥ – ٨٦هـ / ٦٨٥ – ٧٠٥م).
![]() |
الأعمدة والأرضيات الرخامية في قصر الحمراء في الأندلس |
كان المسجد الأموي بدمشق مشهوراً بالزخارف الرخامية الجميلة التي كانت تغطي أرضيته، وأجزاء من جدرانه، مثل ألواح الرخام المُجزَّع في الجدار الجنوبي لدهليز المدخل الشرقي (باب النوفرة)، ويمكن أن تنسب إلى عصر بناء الجامع النوافذ الست المصنوعة من الرخام المفرّغ في أشكال هندسية مختلفة ومتداخلة، ويعود إلى عصر الأمويين باكورة الاستخدام الفني الإسلامي للأرضيات الرخامية.
![]() | ![]() | ![]() |
التكسية الرخامية للجدار القبلي في الجامع الأموي في دمشق | الرخام المجزع في الجامع الأموي في دمشق | منبر الجامع الأموي ومحرابه في دمشق |
ساد استخدام الرخام في العصر العباسي (١٣٢-٣٥٩هـ/٧٤٩-٩٦٩م) في كل أنحاء الدولة الإسلامية، ومن التحف الرخامية التي ترجع إلى القرن ٢ هـ / ٨ م محراب كان في متحف بغداد الوطني حُمل إليه من جامع الخاصكي في بغداد، ويُرّجح أنه كان قبل ذلك في جامع الخليفة أبي جعفر المنصور، وهو منحوت من قطعة واحدة من الرخام الأصفر، وجزؤه العلوي مجوّف ومحاريّ الشكل، وفيه نقش مروحة نخيلية عند تفرع التضليعات، وتحت هذا الجزء عمودان لهما ثنايا حلزونية، وفي تاجي العمودين زخارف نباتية.
اشتهرت عمائر الأندلس في مختلف عصورها الإسلامية (٩١-٨٩٧ هـ / ٧١٠-١٤٩٢م) بالإقبال الشديد على استخدام الرخام، ووصلت إلينا من ذلك العصر تُحف وعناصر معمارية تمثل الأساليب الفنية التي اتُّبعت في النحت في الرخام والحجر، ونجحت بعض المتاحف في الحصول على أعمدة أندلسية، مثل متحف الدولة ببرلين، ومتحف الكويت الوطني الذي يوجد فيه تاج عمود من الرخام يعود تاريخه إلى سنة ٣٦٢هـ / ٩٧٣م، ويُرجح أنه من مدينة الزهراء التي أنشأها الخليفة الأموي عبد الرحمن الناصر (٣٠٠ – ٣٥٠هـ / ٩١٢ – ٩٦١م)، ويحفل تاج العمود بالزخارف النباتية المحفورة بدقة، إضافة إلى شريط كتابي بالخط الكوفي، وكان في مدينة الزهراء عدد وافر من هذه التيجان.
![]() | ![]() |
عمود تراجان | عمود تراجان - روما |
وشهد العصر الطولوني (٢٥٤-٢٩٢هـ/٨٦٨-٩٠٥م) وخاصة في عهد خمارويه بن أحمد بن طولون (٢٧٠– ٢٨٢هـ / ٨٨٣ – ٨٩٥م) ازدهاراً وتوسعاً كبيراً في استخدام الرخام، حتى صنعت منه تماثيل لأشكال آدمية وحيوانية ازدانت بها قصور الأمراء ومنشآتهم، وكان هناك تمثال من الرخام على شكل أسد في مقياس النيل في الروضة، كان يتخذ علامة لوصول مستوى النيل إلى حد معين. وظهرت الأرضيات الرخامية في قصور الطولونيين ومساجدهم.
ورثت القاهرة في العصر الفاطمي (٣٥٩-٤٦٨هـ/٩٦٩-١٠٧٥م) هذه التقاليد الفنية في صناعة الرخام، ووصلت إلينا من آثار قصور الفاطميين ألواح من الرخام تحفل برسوم منحوتة نحتاً بارزاً لكائنات حية. وتوسَّع الفاطميون في استخدام الرخام في أرضيات قصورهم، ومن أهم منحوتاتهم الرخامية كتلة رخامية نُقش عليها رسم سبع بنقش بارز، وهو يبدو وكأنه يزحف ببطء.
![]() | ![]() |
الواجهة القبلية لجامع السلطان برقوق في القاهرة | محراب جامع البرقوق في القاهرة |
في العصر الأيوبي (٥٦٩-٦٥٨هـ/١١٧٣-١٢٦٠م) بدأت طفرة في أساليب الصناعة وعناصر الزخرفة، أبرزتها خبرات نضجت في القرون الخمسة الماضية، وظهرت أرضيات الرخام في ثوب جديد، وتعددت الألوان وتميّزت الزخارف بالدقة الكبيرة، وتطورت على القطع الرخامية في مصر والشام واليمن ولاسيما في نهاية العصر الأيوبي، مثل جامع التوبة بدمشق الذي يعد من روائع فن العمارة الأيوبية، محرابه غنيٌّ بالزخارف، ومكسو بالرخام في أسفله، وعلى جانبيه عمودان من الرخام بشكل لولبي، وهو يُعدّ من أجمل المحاريب التي وصلت من العصر الأيوبي.
![]() |
محراب جامع التوبة في دمشق |
اشتهرت حلب بمحاريبها المزخرفة بالألواح الرخامية الملونة والمتشابكة مكونة أشكالاً هندسية حول قوس المحراب، وأقدمها يعود إلى العصر الأيوبي، وأولها محراب المدرسة الشاذبختية الذي له ناصيتان مجوفتان تضمان عمودين من الرخام الأبيض، لهما تاجان مزخرفان بصفين من الأشكال الحلزونية، وكذلك محراب المدرسة السلطانية الواقعة أمام قلعة حلب، وهو مكون من ١٣ حجرة من الرخام الملون، ومحراب خانقاه الفرافرة في حلب، ومسقطه الأفقي نصف دائرة متجاوزة، وله ناصيتان مجوفتان، في كل منهما عمود من الرخام الأزرق، ومحراب مدرسة الفردوس الحلبية الذي يُعد من أجمل محاريب العالم الإسلامي من حيث دقة صنعه وزخارفه، وهو مصنوع من الرخام الأبيض والأسود والأصفر، وله ناصيتان مجوفتان تضم كل منهما عموداً من الرخام الأبيض، له تاج مزخرف بأشكال نباتية.
![]() | ![]() |
محراب مدرسة الفردوس في حلب | محراب المدرسة السلطانية في حلب |
وشهد العصر المملوكي (٦٥٨-٩٢٢هـ/١٢٦٠-١٥١٦م) في مصر والشام إقبالاً كبيراً على استخدام الرخام في تزيين أجزاء مختلفة من العمائر الدينية والمدنية، واستُخدم الرخام في فرش أرضيات المدارس والمساجد بتشكيلات هندسية بديعة، وغُشّيت الجدران في المستويات الأولى غالباً بأشرطة من الرخام المتعدد الألوان، كما في جامع المدرسة السيبائية بدمشق.
![]() |
محراب جامع المدرسة السيبائية في دمشق |
وقد ازدهرت الزخرفة ازدهاراً كبيراً في هذا العصر، وفي العمائر استخدمت التكسيات بالرخام في مصر، وأقدمها في مدرسة الصالح نجم الدين أيوب (٦٣٧ – ٦٤٧هـ / ١٢٤٠ – ١٢٤٩م) التي أصبحت مثالاً لكل العمائر المملوكية التي ظهرت بعد ذلك في تكسية جدرانها بالرخام والزخرفة عليه بكل أنواع الزخارف المعروفة.
كما شهد العصر المملوكي بدء استخدام الرخام في تشييد المنابر، فيوجد من ذلك العصر منابر رخامية منحوتة بزخارف كتابية من الخط الكوفي والنسخي لبعض الآيات القرآنية، وأقدم المنابر الرخامية المعروفة منبر مسجد الخضيرى، ويرجع إلى سنة ٧٣٧ هـ / ١٣٣٦م، ومنبر ضريح السلطان برقوق (حكم مرتين ٧٨٤ – ٧٩٠هـ / ١٣٨٢ – ١٣٨٨م، ٧٩٢ – ٨٠١هـ / ١٣٩٠ – ١٣٩٩م).
![]() |
قبة الصخرة في القدس الشريف |
وتعد المحاريب المملوكية التي ازدانت بزخارف الرخام المعشّق المتعدد الألوان من أهم المواضع التي استُخدم الرخام في زخرفتها، سواء أكانت هذه الزخارف على هيئة خطوط متعرجة أم على شكل محاريب صغيرة معقودة أو معيّنات، مع استخدام أسلوب الفسيفساء الرخامية.
وهناك الكثير من الألواح الرخامية التي استُخدمت في العمائر المملوكية، منها ما يكسو الجدران، ومنها ما استُخدم داخل المنشأة كالألواح التي توجد بالأسبلة، وهي تؤدي وظيفة مهمة جداً في تنقية المياه من الشوائب والحفاظ على برودتها، ومن أمثلة تلك الألواح: لوح من الرخام عليه زخارف منقوشة وملونة ومذهبة، محفوظ في متحف فكتوريا بلندن، والألواح الرخامية في الخانقاه الجقمقية بدمشق، وكذلك مجموعة السلطان المملوكي المنصور قلاوون (٦٧٨ – ٦٨٩هـ / ١٢٧٩ – ١٢٩٠م) في القاهرة.
![]() | ![]() |
الخانقاه الجقمقية في دمشق | الواجهة القبلية لجامع أصلم السلحدار في القاهرة |
واستُخدم الرخام أيضاً في الأعتاب التي تعلو الشبابيك والأبواب، فقام الفنان المسلم بملئها بالزخارف والأشرطة الكتابية التي ظهر عليها بكثرة استخدام خط الثلث المملوكي ذي الأحرف الكبيرة الحجم، وخط النسخ أيضاً.
أما عن الزخارف الحيوانية فكانت محوَّرة، تعبر عن رنك صاحب التحفة أو صاحب العمل الفني، ومن أمثلة ذلك لوح من الرخام، نُفذت نقوشه بالحفر البارز، ونُقش عليه نسر ينشر جناحيه داخل شكل بيضوي، وهو يعبّر عن وظيفة صاحب التحفة؛ فهو من الرنوك المصوّرة التي ظهرت من قبل خلال العصر الأيوبي، ومن أمثلة الزخارف الحيوانية التي ظهرت خلال العصر المملوكي على الرخام زخرفة لكائن خرافي على لوح من الرخام يعود إلى مصر، نفذت زخارفه بالحفر البارز.
في المغرب برع الحجَّارون والمرخّمون في أعمال الزخرفة، ولم يكتفِ هؤلاء بحفر الزخارف الكتابية والهندسية والنباتية في هاتين المادتين، بل أضافوا إلى ذلك أعمالاً جميلة من الفسيفساء الرخامية التي ازدانت بها العديد من المساجد والمدارس المغربية على مر عصورها الإسلامية.
في المتحف الوطني بدمشق أعمدة رخامية إسلامية تعود إلى العصرين الأيوبي والمملوكي، أُحضرت من حيي الصالحية وركن الدين بدمشق، إضافة إلى العديد من التيجان الرخامية جميلة الصنعة، وهي موجودة بمستودع المتحف الإسلامي.
![]() | ![]() |
تمثال أسيازيا من الرخام - متحف دمشق الوطني | تابوت الرستن - متحف دمشق الوطني |
تحفل العمائر التي شيَّدها المسلمون في الشرق الآسيوي من فارس غرباً إلى الهند شرقاً بأمثلة رائعة للحفر في الرخام والحجر، فخلال العصر السلجوقي (٤٦٨-٥٦٩هـ/١٠٧٥-١١٧٣م) استُخدمت الرسوم الآدمية والحيوانية المحوَّرة في أعمال الرخام، كما في الواجهات ذات الزخارف المحفورة، وكذلك بمدينة ديار بكر أمثلة من النقوش المنحوتة في العصر السلجوقي، وفي الموصل أمثلة أخرى، أهمها المحرابان الجميلان المصنوعان من الرخام في المسجد الجامع، ويمتازان برسومهما النباتية المحفورة حفراً دقيقاً في مستويات عدة.
وفي متحف المتروبوليتان بنيويورك أمثلة من الحفر على حجر الرخام في العصر المغولي بفارس، ومنها قطعتان من نهاية إفريز درج، يُظّن أن مصدرهما مدينة همدان، وقوام الزخرفة رسوم هندسية ونباتية محوَّرة من الطبيعة وقليلة البروز، فضلاً عن رسم أسد يفترس غزالاً، وعليهما كتابة مؤرخة من سنة ٧٠٣هـ / ١٣٠٣م. وتشهد زخارف الرخام في عمائر المغول بالهند على الدقة الفنية التي بلغها فن نحت الرخام في شبه القارة الهندية ولاسيما في رسوم الزهور والوريدات القريبة من الطبيعة، والتي يتم نحتها ببروز وتجسيم كبيرين، ومن أروع أمثلتها ضريح تاج محل.
وشهدت بدايات العصر العثماني (٦٨٧-١٣٤٣هـ/ ١٣٨٨-١٩٢٤م) طفرة غير عادية في استخدام الرخام لصناعة منابر المساجد وتزيين الجوامع والمدارس والتكايا والخانقاهات، كما في جامع السلطان محمد الفاتح (٨٥٥ – ٨٨٦هـ / ١٤٥١ – ١٤٨١م) في إسطنبول، واستمر هذا الأمر طوال العصر العثماني.
![]() | ![]() |
جامع الفاتح في إسطنبول | حرم جامع الفاتح في إسطنبول |
ومن ذلك في دمشق قصر العظم الذي بُني في العصر العثماني، وتوفر فيه الرخام كثيراً، ولاسيما في الأرضيات ذات الزخارف الهندسية وبرك المياه والفسقيات وغير ذلك.
![]() | ![]() | |
قصر العظم في دمشق |
كما وُجدت زخارف رخامية متنوعة في جوامع دمشقية متعددة، كجامعي سنان باشا والتكية السليمانية، وكذلك جامع الدرويشية، الذي يحوي حرمه محراباً ومنبراً رخاميين رائعين، إضافة إلى الألواح الرخامية الملونة التي زيَّنت جدران هذا الحرم.
![]() | ![]() |
محراب جامع الدرويشية في دمشق | دكة المبلغ جامع الدرويشية في دمشق |
![]() | ![]() |
منبر جامع التكية السليمانية في دمشق | دكة المقرئين في جامع التكية السليمانية في دمشق |
وقد تعددت أنواع الرخام في العصور الإسلامية بتعدد أشكاله ومواطنه، وكان لكل نوع اسم خاص به أطلقه عليه أهل الصنعة، أو قد تكون الأسماء مأخوذة من أسماء وصفات للنباتات أو للحيوانات والطيور، أو للمواطن التي جُلب منها.
![]() | ![]() |
مدخل حرم جامع سنان باشا في دمشق | مدخل جامع التكية السليمانية في دمشق |
ومن طرق استخدام الرخام طريقة النحت، ولاسيما في عمل الأعمدة، وطريقة الحفر؛ إذ شاعت أربعة أنواع من الحفر، هي الحفر المشطوف والحفر البارز الرأسي والحفر الغائر والحفر المباشر، مثل عمل الكتابات عن طريق حفر المسافات بين العناصر الزخرفية.
وتُرسم الزخارف الأرضية المراد تنفيذها بالرخام بوساطة خيوط تُشد بين مسامير مدقوقة في الأرض، بحيث تُحدد بدقة ارتفاع قطع الرخام وحجمها وأشكالها الزخرفية، وقد أطلق الصانع المسلم على طريقته هذه اسم صنعة (ضرب الخيط الصغير) للأرضيات الرخامية ذات الزخارف الشديدة الدقة، و(ضرب الخيط الكبير)، للأرضيات المرصوفة بالألواح الرخامية الكبيرة.
مراجع للاستزادة: - أحمد بن علي القلقشندي، صبح الأعشى في صناعة الإنشا، تحقيق محمد حسين شمس الدين (دار الكتب العلمية، ط١، بيروت ١٩٨٧م). - أحمد بن علي المقريزي، الخطط المقريزية، تحقيق أيمن فؤاد سيد (مؤسسة الفران للتراث الإسلامي، لندن ١٩٩٥م). - عاصم محمد رزق، معجم مصطلحات العمارة والفنون الإسلامية (مكتبة مدبولي، ط١، القاهرة ٢٠٠٠م). - يحيى وزيري، عناصر العمارة الإسلامية (مكتبة مدبولي، القاهرة، ١٩٩٩م). -سليم عادل عبد الحق، الفن الإغريقي وآثاره المشهورة في الشرق (دمشق ١٩٥٠). -ثروت عكاشة، الفن الروماني– النحت، من موسوعة تاريخ الفن، المجلد الأول (القاهرة ١٩٩٣). - T.M. Weber, Sculptures from Roman Syria in the Syrian National Museum at Damascus, Damas, 2006. -M.A.R.Colledge, The Art of Palmyra, London, 1976. - S.B.Downey, The Stone and Plaster Sculpture, The Excavations at Dura- Europos, Final Report III, part 1-2, Los Angeles, 1978. |
- التصنيف : آثار إسلامية - المجلد : المجلد الثامن مشاركة :