الإثراء بلا سبب في القانون الخاص
اثراء بلا سبب في قانون خاص
unjust enrichment in private law - enrichissement sans cause en droit privé
الإثراء بلا سبب في القانون الخاص
فواز صالح
مفهوم الإثراء بلا سبب |
أركان الإثراء بلا سبب |
أحكام الإثراء بلا سبب |
الإثراء بلا سبب L’enrichissement sans cause هو واقعة قانونية نافعة. وهذه الواقعة تعدّ مشروعة بحد ذاتها، ولكن الاحتفاظ بالنفع فيها هو الذي قد يبدو غير مشروع. ويقرر القانون المدني السوري مبدأً عاماً مفاده أن كل من يثري على حساب غيره - من دون سبب مشروع - يلتزم في حدود ما أثرى به تعويض المفتقر عن الخسارة التي لحقت به. وهذا المبدأ يقوم على العدالة. و بالمقابل لا يقرر القانون المدني الفرنسي - على غرار القانون الروماني - هذا المبدأ العام، وإنما يقتصر على تقرير بعض تطبيقاته. ولكن استقر القضاء الفرنسي على أن هذه التطبيقات الواردة في القانون إنما قد وردت على سبيل المثال، وهي تطبيق لقاعدة عامة هي الإثراء بلا سبب، يمكن تطبيقها بشأن حالات لم ينص المشرع صراحة عليها.
أولاً- مفهوم الإثراء بلا سبب:
1- تعريف الإثراء بلا سبب وطبيعته القانونية:
أ- تعريف الإثراء بلا سبب: تنص المادة 180 مدني سوري على أن «كل شخص - ولو غير مميز - يثري بدون سبب مشروع على حساب شخص آخر يلتزم في حدود ما أثرى به بتعويض هذا الشخص عما لحقه من خسارة، ويبقى هذا الالتزام قائماً ولو زال الإثراء فيما بعد». ويترتب على ذلك أن واقعة الإثراء هي التي ترتب الالتزام على عاتق المثري تعويض المفتقر. وهذه الواقعة هي واقعة قانونية، وبذلك يختلف الإثراء عن العقد الذي يعد تصرفاً قانونياً، أو عملاً قانونياً.
ب- الطبيعة القانونية للإثراء بلا سبب: الإثراء بلا سبب مصدر مستقل من مصادر الالتزام - طبقاً لأحكام المادتين 180 و181 مدني سوري - يقوم على أساس العدالة. فالعدالة تقتضي أن يقوم من يثري دون سبب مشروع على حساب شخص آخر بتعويض هذا الشخص؛ وذلك برد أقل القيمتين إليه، وهما: قيمة الإثراء، وقيمة الافتقار.
2- التمييز بين الإثراء بلا سبب وبين المفاهيم القانونية القريبة منه:
أ- التمييز بين الإثراء بلا سبب وبين الفضالة: يرى بعضهم أن الإثراء بلا سبب يعدّ تطبيقاً من تطبيقات الفضالة، وعدّها فضالة ناقصة؛ لأنه يتخلف في الإثراء قصد التدخل للقيام بشأن عاجل للغير. ولكن هذا التحليل غير دقيق؛ لأن الإثراء بلا سبب يفترق عن الفضالة في نقطتين، هما:
(1)- تقوم الفضالة على معيار ذاتي، وهو نية الفضولي في القيام بشأن عاجل لحساب الغير، في حين أن الإثراء يقوم على معيار مادي، يتمثل في انعدام السبب بين الإثراء وبين الافتقار، ولا يشترط في الإثراء أن تكون لدى المفتقر نية القيام بعمل لحساب شخص آخر.
(2)- يلتزم رب العمل في الفضالة رد المصاريف النافعة التي صرفها الفضولي، حتى لو لم ينجم عن ذلك منفعة لرب العمل؛ لأن الفضالة تقوم على الإيثار. أما الإثراء بلا سبب فلا يقوم على الإيثار، وبالتالي لا يرجع المفتقر على المثري إلا بأقل القيمتين من قيمة الإثراء وقيمة الافتقار.
ب- التمييز بين الإثراء بلا سبب وبين العمل غير المشروع: ذهب بعض فقهاء القانون إلى اعتبار الإثراء بلا سبب تطبيقاً لقاعدة العمل غير المشروع، فواقعة الإثراء وإن كانت مشروعة إلا أن احتفاظ المثري بالإثراء، دون أن يكون له سبب مشروع، يعد خطأً يستوجب تعويض المفتقر، وذلك على أساس المسؤولية التقصيرية. وهذا التحليل أيضاً معيب، لأن واقعة الإثراء لا تعد بحد ذاتها خطأً يستوجب مسؤولية المثري التقصيرية. كما أن المفتقر في الإثراء بلا سبب لا يستحق التعويض الكامل الذي من شأنه أن يجبر الضرر الذي لحق به.
جـ - التمييز بين الإثراء بلا سبب وبين نظرية تحمل التبعة: ذهب قسم ثالث من الفقه إلى اعتبار الإثراء بلا سبب الوجه الآخر لنظرية تحمل التبعة. وتوجب هذه النظرية على الشخص أن يتحمل تبعة الغرم الذي ترتب على فعله، في حين أن الإثراء يجعل الشخص يجني ثمرة الغنم الذي ترتب على فعله. وهذا التحليل أيضاً غير صحيح، لأن المثري لا يلتزم إلا برد أقل القيمتين من قيمة الإثراء وقيمة الافتقار، في حين أن المسؤول عن الضرر وفقاً لنظرية تحمل التبعة يجب عليه تعويض كامل الضرر. وشرط الافتقار ضروري لقيام الإثراء بلا سبب، في حين أن شرط الافتقار ليس ضرورياً في نظرية تحمل التبعة.
ثانياً- أركان الإثراء بلا سبب:
أركان الإثراء بلا سبب ثلاثة، وهي:
1- إثراء المدين: ويقصد بالإثراء كل منفعة مادية أو معنوية ذات قيمة مالية يحققها المثري وتدخل في ذمته المالية. وبالتالي إذا لم يتحقق إثراء المدين فلا التزام عليه، ولا تسمع دعوى الإثراء. وإذا تحقق الإثراء، فيجب أن يدخل في ذمة المدعى عليه نفسه، أما إذا استفاد شخص آخر من الإثراء فلا يلتزم المدعى عليه بذلك.
والأصل في الإثراء أن يكون إيجابياً، ولكنه يجوز أن يكون سلبياً أيضاً. والإثراء الإيجابي يتمثل في دخول قيمة مالية في ذمة المثري على أساس حق عيني أو حق شخصي، أو منفعة يجنيها المدين، أو عمل يستثمره، ومثال الإثراء الإيجابي اكتساب المؤجر ملكية التحسينات التي أقامها المستأجر في المأجور، وأما الإثراء السلبي فيكون بإنقاص ديون المثري أو بتجنبه خسارة كانت يمكن أن تلحق به، فيثري المثري بقدر ما برأت ذمته من الدين، وبقدر ما تجنب من خسارة. وبالتالي يترتب على الإثراء السلبي إنقاص العنصر السلبي لذمة المثري. ومثال ذلك قيام المستأجر بالترميمات الضرورية الواجبة على المؤجر.
وكذلك الأصل في الإثراء أن يكون مباشراً، ولكنه يمكن أن يكون غير مباشر. ويكون الإثراء مباشراً إذا انتقلت المنفعة مباشرة من ذمة المفتقر إلى ذمة المثري. ويكون هذا الانتقال إما بفعل المفتقر، كأن يقوم الشخص بدفع دين غيره، وقيام المستأجر بالترميمات الضرورية في المأجور. وقد يكون بفعل المثري نفسه، كمن يستهلك الكهرباء والماء بموجب أسلاك وتمديدات خفية. أما الإثراء غير المباشر فيكون في حالة انتقال المنفعة من ذمة المفتقر إلى ذمة المثري بواسطة تدخل أجنبي. ويمكن أن يكون التدخل الأجنبي عملاً مادياً، كما لو قام فريق الإطفاء بإتلاف مال الغير من أجل أن يتمكن من إطفاء الحريق، أو أن يقوم شخص اغتصب أرضاً بالبناء عليه بمواد مملوكة لغيره. كما يمكن أن يكون التدخل الأجنبي تصرفاً قانونياً، و مثال ذلك مستأجر الأرض الزراعية الذي يشتري سماداً للأرض دون أن يدفع ثمنه. فإذا أخل المستأجر بدفع الأجرة وقام المالك المؤجر بالحجز على محصول المستأجر الذي انتفع بالسماد، يجوز للتاجر أن يرجع على المالك بقدر ما عاد به السماد على المحصول من نفع في حدود الثمن، والتدخل الأجنبي هنا هو التصرف القانوني الذي أبرمه المستأجر مع تاجر السماد.
وأخيراً الأصل في الإثراء أن يكون مادياً، ولكنه يمكن أن يمكن معنوياً أيضاً. ويتمثل الإثراء المادي بمنفعة مادية أو قيمة مادية انتقلت من المفتقر إلى المثري، ومثال ذلك: الإثراء الإيجابي والسلبي والمباشر وغير المباشر، فكل هذه الأنواع تعد إثراء مادياً. ويمكن أن يكون الإثراء معنوياً، كالإثراء الأدبي، أو العقلي، أو الصحي، طالما يمكن تقديره بالمال، سواء في ذاته أو من جانب الافتقار الذي يقابله. فالمتهم الذي يحصل على حكم ببراءته يثري أدبياً على حساب المحامي الذي دافع عنه وحصل له على هذا الحكم.
ولا تشترط المادة 180 مدني سوري أن يكون الإثراء قائماً وقت رفع الدعوى، وإنما ألزمت المثري، في حدود ما أثرى به، بتعويض المفتقر عما لحقه من خسارة، حتى لو زال الإثراء بعد ذلك. فالعبرة هنا هي بحصول الإثراء وقت وقوع الإخلال بالتوازن بين الذمتين، لا ببقاء الإثراء قائماً حتى وقت رفع الدعوى. وعلى العكس من ذلك يشترط القانون الوضعي الفرنسي أن يبقى الإثراء قائماً وقت رفع الدعوى، ويرى الفقه أن هذه هي الوسيلة الوحيدة لعدم إجبار المدعى عليه بتعويض قد يجاوز المنفعة الفعلية التي حققها.
2- افتقار الدائن: حتى يقوم الإثراء يجب أن يتحقق افتقار في جانب الدائن، وأن تكون هناك علاقة سببية بين الإثراء والافتقار.
أ- تحقق الافتقار: الأصل في الافتقار أن يكون إيجابياً، ولكنه يمكن أن يكون سلبياً أيضاً. ويتمثل الافتقار الإيجابي بفقد المفتقر حقاً عينياً أو شخصياً، أو بانتقاص حق له. ومثال ذلك من يدفع ديناً مترتباً في ذمة غيره. أما الافتقار السلبي فيتمثل في فوات منفعة بالنسبة للمفتقر كان من حقه الحصول عليها، فيفتقر بقدر ما فاته من منفعة لا بقدر ما لحقه من خسارة. ومثال ذلك أن يقوم شخص بأداء عمل للغير دون اتفاق بينهما، فيفتقر من قام بالعمل بما فاته من منفعة وهي أجر العمل الذي قام به. ويلاحظ أن الافتقار السلبي يقابل إثراء إيجابياً. وبالمقابل قد يقابل الإثراء السلبي، افتقاراً إيجابياً، كما هو الحال في حالة من يقوم بدفع دين غير مترتب عليه.
كما أن الأصل في الافتقار أن يكون مباشراً، ولكنه يمكن أن يكون غير مباشر. والافتقار المباشر يقابله إثراء مباشر، أما الافتقار غير المباشر فيقابله إثراء غير مباشر.
وأخيراً الأصل في الافتقار أن يكون مادياً، ولكنه يمكن أن يكون معنوياً أيضاً. والافتقار المادي مثاله من يقوم بعمل لحساب شخص آخر دون أن يكون بينهما عقد عمل. أما الافتقار المعنوي فيكون في حالة المحامي الذي يحصل على حكم ببراءة موكله.
ولا يشترط في الافتقار، حتى يعطي الحق للمفتقر أن يطالب بأقل القيمتين من قيمة الافتقار وقيمة الإثراء، أن يكون غير راجع إلى خطأ المفتقر. فالعدالة تقضي، وهي أساس الإثراء بلا سبب، أن يقوم المثري بتعويض المفتقر الذي أثرى على حسابه دون سبب مشروع حتى لو كان المفتقر قد تسبب بخطئه في إحداث الافتقار. ولكن محكمة النقض الفرنسية تشترط منذ عام 1929 من أجل قبول دعوى الإثراء أن لا يكون افتقار المدعي بسبب خطئه، وهذا ما أكدته في قرارين منفصلين. الأول صدر عام 1953 وقرر بأن الجدة التي احتفظت بحضانة أحفادها ورفضت تسليمهم لوالدهم خلافاً للقرار الصادر عن المحكمة بهذا الشأن، لا يحق لها أن ترجع على الأب بدعوى إثراء بلا سبب لتعويضها عن خسارتها الناجمة عن الإنفاق على الأطفال طوال فترة وجودهم لديها.والقرار الثاني صدر عام 1954 وجاء فيه أن المزارع الذي لم يرضخ لقرار صادر بإخلائه لا يحق له أن يرجع على المالك بدعوى الإثراء بلا سبب لمطالبته بالتعويض عن الخسارة التي لحقت به والناجمة عن المصروفات التي أنفقها كثمن للسماد الذي استفاد منه المالك. وأكدت محكمة النقض موقفها في قرارات أخرى لاحقة. وفي العام 1997 أصدرت هذه المحكمة قرارين يبدو أنها تراجعت بعض الشيء عن موقفها السابق، وجاء في هذين القرارين أن من يرتكب إهمالا أو تقصيراً لا يحرمه إذا أصابه افتقار من مطالبة المثري بالتعويض عن الخسارة التي لحقت به بموجب دعوى الإثراء بلا سبب. ثمَ صدر قرار في العام 1998 عادت فيه محكمة النقض إلى موقفها السابق لعام 1997 وقررت عدم قبول دعوى الإثراء بلا سبب إذا كان افتقار المدعي يرجع إلى خطئه. ولكن في هذه القضية كان المدعي قد ارتكب خطأً عمداً، إذ قامت شركة بأعمال ترميم دون تقديم عرض أسعار على الرغم من أن المالك كان قد طلب منها هذا العرض. يترتب على ذلك أن الفقه الفرنسي يستخلص منه أنه يجب التمييز بين فرضيتين، وهما: إذا كان خطأ المفتقر جسيماً، كالخطأ العمد، فلا يحق له رفع دعوى إثراء بلا سبب، أما إذا كان خطأ المفتقر عبارة عن إهمال أو تقصير، فيحق له رفع مثل هذه الدعوى.
ب- علاقة السببية بين الافتقار والإثراء: يشترط لقبول دعوى الإثراء بلا سبب توافر علاقة سببية بين الافتقار والإثراء. وبالتالي يجب أن يكون افتقار الدائن هو السبب المباشر في إثراء المدين. ولا يشترط توافر علاقة سببية مباشرة بين الافتقار والإثراء أن تكون واقعة واحدة هي السبب المباشر لكل من الافتقار والإثراء، وإنما تقوم هذه العلاقة في كل مرة يُثبت فيها أن إثراء المدين لم يكن ليتحقق لولا افتقار الدائن. وهذه المسألة هي مسألة واقع يعود تقديرها إلى قاضي الموضوع. وبالتالي إذا تعددت أسباب الإثراء والافتقار، فيجب البحث عن السبب المباشر لكل منهما.
3- انعدام السبب:
يشترط لإلزام المثري بتعويض المفتقر عما لحقه من خسارة في حدود ما أثرى به أن يكون الإثراء دون سبب مشروع. ويقصد بالسبب هنا المصدر القانوني الذي يحقق الإثراء في ذمة المثري ويعطيه الحق في استبقائه. وقد يكون هذا السبب تصرفاً قانونياً، أو حكماً من أحكام القانون.
أ- سبب الإثراء تصرف قانوني: وهو إما أن يكون تصرف إرادة منفردة، كالوصية والوعد بجائزة، أو أن يكون عقداً، كعقد البيع، أو عقد تبرع. والأصل أن يكون العقد مبرماً بين المثري والمفتقر. ولكن يمكن أن يكون العقد مبرماً بين المثري والغير، ومع ذلك يصلح لأن يكون سبباً قانونياً لإثراء المثري، وبالتالي يمنع المفتقر الذي لم يكن طرفاً فيه من الرجوع على المثري بموجب دعوى الإثراء بلا سبب. ومثال ذلك إذا كان عقد الإيجار ينص على أن التحسينات التي يقوم بها المستأجر في المأجور تعد ملكاً للمؤجر عند انتهاء مدة الإيجار، لا يستطيع المستأجر الرجوع على المؤجر بموجب دعوى الإثراء بلا سبب، وكذلك لا يحق للمتعهد الذي قام بهذه التحسينات الرجوع على المؤجر إذا كان المستأجر لم يدفع له أجره المتفق عليه، على الرغم من أنه لم يكن طرفاً في عقد الإيجار الذي يعد هنا أيضاً سبباً قانونياً لإثراء المؤجر. ويمكن أن يكون العقد الذي يعد سبباً لإثراء المثري مبرماً بين المفتقر والغير، ومع ذلك لا يحق للمفتقر أن يطالب المثري بالتعويض بموجب دعوى الإثراء بلا سبب؛ لأن إثراء المثري له سبب قانوني وهو العقد المبرم بين المفتقر والغير، على الرغم من أن المثري ليس طرفاً فيه. ومثال ذلك أن يتعاقد أحد الأشخاص مع شريك في شركة المحاصة، فلا يحق له الرجوع بموجب دعوى الإثراء بلا سبب على باقي الشركاء؛ لأن الشريك الذي تعاقد معه تصرف باسمه الشخصي لا باسم الشركة، وبالتالي يكون العقد المبرم بين المفتقر وهذا الشريك يمنع الأول من الرجوع على بقية الشركاء وإن كانوا قد أثروا بسبب ذلك العقد.
ب- سبب الإثراء حكم من أحكام القانون: كالتقادم، فهو سبب قانوني لاكتساب حق عيني على منقول أو على عقار غير مسجل في السجل العقاري، وبالتالي لا يجوز الرجوع على من يكتسب ملكية منقول أو عقار غير مسجل في السجل العقاري بالتقادم، بموجب دعوى إثراء بلا سبب، لأن التقادم هو السبب القانوني للإثراء. وكذلك يعد العمل غير المشروع، بموجب المادة 164 مدني سوري،سبباً قانونياً للتعويض، وبالتالي لا يجوز للمسؤول الرجوع على المضرور بدعوى إثراء بلا سبب.
ثالثاً- أحكام الإثراء بلا سبب:
1- دعوى الإثراء:
أ- أهلية طرفي الدعوى: لم تشترط المادة 180 مدني سوري أي أهلية في طرفي الدعوى، المدعي المفتقر والمدعى عليه المثري، إذ إنها ألزمت كل شخص ولو كان غير مميز أثرى على حساب شخص آخر دون سبب مشروع بالتعويض عما لحق المفتقر من خسارة في حدود ما أثرى به. والسبب في ذلك: أن مصدر الإثراء هو واقعة قانونية، ولا يلتزم المثري استنادا إلى إرادته أو إلى خطأ ارتكبه، وإنما يلتزم بمجرد تحقق واقعة الإثراء. ويقع على عاتق المدعي أو نائبه أو خلفه عبء الإثبات. وبالتالي عليه أن يثبت تحقق الإثراء في ذمة المثري ومقداره. كما عليه أن يثبت تحقق افتقار في ذمته ومقداره، ومن ثم إثبات أن الإثراء ليس له سبب قانوني.
ب- دعوى الإثراء هي دعوى أصلية: قررت محكمة النقض الفرنسية أن دعوى الإثراء بلا سبب هي دعوى احتياطية لا يحق للمفتقر رفعها إلا في حال لم يكن يحق له رفع دعوى أخرى للمطالبة بحقه ناشئة عن عقد أو شبه عقد أو جريمة أو شبه جريمة، وذلك منذ العام 1914.
أما في القانون السوري، فإن دعوى الإثراء هي دعوى مستقلة عن بقية الدعاوى، وبالتالي هي دعوى أصلية يستطيع المفتقر أن يرفعها إذا كانت أركان الإثراء متوافرة.
ج- تقادم دعوى الإثراء: تتقادم دعوى الإثراء بموجب المادة 181 مدني سوري بأقصر الأجلين، وهما: ثلاث سنوات، وتسري اعتباراً من اليوم الذي يعلم فيه من لحقه الخسارة بحقه في التعويض، أي من اليوم الذي يعلم فيه بافتقاره وبالشخص الذي أثرى على حسابه، أو بمضي خمس عشرة سنة، وتسري اعتباراً من اليوم الذي ينشأ فيه حق المفتقر في التعويض، وهو اليوم الذي وقع فيه الإثراء.
2- التعويض:
يلتزم المثري، طبقاً لما جاء في المادة 180 مدني سوري بتعويض المفتقر عما لحقه من خسارة في حدود ما أثرى به، أي يلتزم برد أقل القيمتين قيمة ما أثرى به، وقيمة ما افتقر به المفتقر. ومصدر حق المفتقر في التعويض هو واقعة الإثراء، وهي واقعة مادية، وبالتالي ينشأ حق المفتقر في التعويض بمجرد حدوث واقعة الإثراء. ويترتب على ذلك أن الحكم الصادر في دعوى الإثراء والمتضمن تعويض المفتقر عما لحقه من خسارة في حدود ما أثرى به المثري المدعى عليه لا يعد منشأ لهذا الحق، أي مصدراً له، وإنما يعد مقرراً له.
ويقدر الإثراء بوقت حصوله، لا بوقت رفع الدعوى ولا بوقت صدور الحكم. أما في القانون الفرنسي فيقدر بوقت رفع الدعوى. ولم يحدد القانون الوقت الذي يجب أن يقدر فيه الافتقار؛ مما أدى إلى اختلاف بين الفقهاء حول هذه المسالة. والرأي الراجح هو أن يقدر الافتقار وقت حصوله لا وقت صدور الحكم؛ لأن التزام المثري بتعويض المفتقر يختلف عن التزام المسؤول عن الفعل الضار بتعويض المضرور، وبالتالي فإن قياس الافتقار على التعويض في غير محله القانوني. وبما أن الافتقار يقابل الإثراء فيجب تقديرهما في وقت واحد. وسبق القول بأن الإجماع منعقد حول تقدير الإثراء في وقت حصوله، لذا يجب أن يقدر الافتقار أيضاً في وقت حدوثه، وهذا الوقت هو واحد بالنسبة للإثراء والافتقار. وهذا ما ذهبت إليه أيضاً محكمة النقض الفرنسية حيث إنها قررت بأن الافتقار يجب أن يقدر وقت حصوله. ولكن الفقه الفرنسي في أغلبيته يقترح أن يتم تقدير الإثراء والافتقار في وقت واحد هو وقت صدور الحكم، وهذا ما يحقق فائدة أكثر للمفتقر.
مراجع للاستزادة: - أحمد شوقي محمد عبد الرحمن، البحوث القانونية في مصادر الالتزام الإرادية وغير الإرادية - دراسة فقهية وقضائية، (منشأة المعارف، الإسكندرية 2002). - أحمد حشمت أبو ستيت، نظرية الالتزام في القانون المدني الجديد، الطبعة الثانية (مطبعة مصر، القاهرة 1954). - سليمان مرقس، الوافي في شرح القانون المدني، المجلد الثالث، الإثراء على حساب الغير، الطبعة الثالثة (القاهرة 1990). - عبد الرزاق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني الجديد، نظرية الالتزام بوجه عام، مصادر الالتزام، المجلد الأول (القاهرة، دون تاريخ). - فواز صالح ومحمد عرفان الخطيب، عقد الإيجار، مركز التعليم المفتوح- قسم الدراسات القانونية (مطبعة جامعة دمشق، 2005 -2006). - محمد وحيد الدين سوار، شرح القانون المدني، النظرية العامة للالتزام، الجزء الأول مصادر الالتزام، 1- المصادر الإرادية، و2- المصادر غير الإرادية (مطبعة رياض، دمشق 1982-1983). - J. Flour, J.-L. Aubert et E. Savaux, Droit civil, Les obligations, 2- Le fait juridique, 9ème édition, Armand Colin, 2001. - H., L., J. Mazeaud et F.Chabas, Leçon de droit civil, Tome II, Volume I, Obligations- théorie générale, 9ème édition, Delta, 2002. - Ripert et Teisseire, Essai d’une théorie de l‘enrichissement sans cause, RTD. Civ. 1904, P.727. - F.Terré, Ph. Simler et Y. Lequette, Droit civil, Les obligations, 8ème édition, Dalloz, 2002. |
- التصنيف : القانون الخاص - النوع : القانون الخاص - المجلد : المجلد الأول، طبعة 2009، دمشق - رقم الصفحة ضمن المجلد : 29 مشاركة :